أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة المانع - بداية حملة السرقة














المزيد.....

بداية حملة السرقة


سميرة المانع

الحوار المتمدن-العدد: 3903 - 2012 / 11 / 6 - 18:53
المحور: الادب والفن
    



اختارت أمي أن تأخذني معها، من دون اخوتي، أثناء زيارتها مع والدي لعائلة اصدقاء لهما من العراقيين الساكنين بلندن. كان عمري ثماني عشرة سنة. أنهيت دراستي الاعدادية توا، ونحن نفكر الآن في كيفية قضاء ما يُسمى بالنظام البريطاني بـ ( سنة الفجوة ) للطلبة من امثالي حيث يفضل فيها، من أجل اغناء الطالب وتثقيفه، أن يترك لمدة سنة للاطلاع على الحياة العملية، إما بالسفر لوحده إلى البلدان المختلفة، او العمل في مكان ما ببريطانيا، لاكتساب الخبرة متروكا وشأنه، قبل أن يبدأ دراسته الجامعية كي يلج الحياة الحقيقية بالمستقبل .
لم تكن الجلسة عند الاصدقاء خالية من الاطعمة اللذيذة التي شاءت المضيّفة الكريمة قضاء نصف الوقت بالمطبخ، كي تؤثث المائدة مشكورة بما لذ وطاب فيها. اثناء الأكل تبادل الجميع احاديث شتى معظمها يصب في ظروف الحياة الصعبة التي يمر بها العراقي في الداخل والخارج، آنذاك، وبالجملة والمفرد من حروب متوالية وعدم الطمأنينة، الخوف من العودة كي لا يأخذوا الاولاد للحرب اللانهائية، مرورا بالرقابة على الهواتف، اسعار المواد وفقدانها بالسوق، حجز الاموال والاستيلاء على بيوت اللامرغوب فيهم، لأفراد سياسيين بشكل اعتباطي، لا يمنعهم صادّ ولا رادّ بسبب نفوذهم الطاغي والخوف منهم.
أثناء شرب الشاي وتبادل الكلام نناقش اسباب تدهور احوالنا ومن نلوم أو نتهم ، فجأة، صارت المضيفة تنشج وتبكي بشكل محزن أثنا جلوسها معنا. فزع والداي، وقفز زوجها لاحتضانها وتهدئتها، متوقفين جميعا عن شرب الشاي. ظلت تنشج وتشهق ونحن حيارى في كيفية التصرف معها ولمن نتوجه لمعرفة ما يجري أمامنا من أمر. بعد فترة انتهت الجولة الغامضة المؤلمة وعاد الهدوء مخيما، انبرى زوجها موضحا لنا ومعتذرا: " إنها تبكي على بيتنا ببغداد الذي استولى عليه موظف في الحكومة مقرب من المتنفذين فيها، يهددنا إذا اشتكينا عليه ويريد عقابنا بدوره ".
خيم الصمت علينا ودارت الرؤوس متعجبة، والمضيفة تستعيد هدوءها تدريجيا مع ابتسامة شاحبة، لتخبرنا أنها تفكرفي البقاء هنا طويلا، ولا تريد أن تفكر في العودة ما دام بيتها يسرق بوضح النهار، ثم أضافت : بل إنها تقترح خروج أكبر قدر من العراقيين من بلدهم من أجل حملة للاطلاع على البلدان التي تنعم بالسلام والمحبة والنظام بدل الفوضى، البغضاء والعداوات فيما بينهم وبين جيرانهم أحيانا. فتحت فمي مندهشة من هذا الاقتراح وضحك من حولي للفكرة الجديدة، قبل أن يتناولوا الحلويات والفواكه المقدمة لهم بالصينية، ليبدأ كل واحد من الحاضرين باقتراح شيء جديد لاصلاح الامة ولينعم الجميع بالخير والرفاهية.
اثناء خروجنا من الدار في نهاية الزيارة اقترحت المضيفة لمساعدتي ان أمرّ عليها غداً في مكان عملها بمنتصف المدينة، كي تجد لي وظيفة فيها معها، خصوصا أنها فهمت ، أثناء الاحاديث، اني أفتش عن عمل في هذه السنة قبل دخولي للجامعة المعينة. اضافت أنها تعمل في شركة عربية / بريطانية، مديرها عراقي الآصل وهو صديقهم ولهم دالة عليه. بالتأكيد سيوافق على طلبها في حالة تعيني كموظفة هناك. استبشروالداي للفكرة وانضممت اليهما متحمسة لجودتها. غادرنا الدار ممتنين وعلى وعد أن يزورا نا هما في بيتنا قريبا.
+++
انيطت بي وظيفة ، بعد تعيني، كمساعدة لزوجها، الموجود الوحيد بغرفتة. هذه الشركة تعمل المضيفة بها كمحاسبة، ووظيفه الزوج فيها هو ان يقرأ الصحف والمجلات العربية مؤشرا على أي نبأ يجده مناسبا للتوصية بقراءته للادارة العربية، خصوصا، بالذات، إذا ما تطرقوا لمواضيع تهم الشركة المعنية ووجد فيها فائدة للمدير الصديق. اقترحتُ على الزوج، بعد ان وجدته ضعيفا باللغة الانكليزية التي لا يستطيع أن يقرأها أو يتعامل بها، أن اساعده بتعلم الانكليزية وبدوره يساعدني في اللغة العربية فكان مسرورا بهذا الاقتراح.
في أحد الايام تغير الجو بالشركة فجأة بطريقة دراماتيكية بين الموظفين، كان السبب نداء من أجل تبرعاتهم ، فعلى الموظفين التبرع من أجل المجهود الحربي المطالب به رسميا والقادم من العراق. ومن أجل تسهيل الأمر للنسوة الموظفات في الشركة فبإمكانهن تقديم مصاغاتهن التي يلبسنها بدلا من التطوع بالدم. بعد أن فهمت هذا النداء أثناء قراءته من قبل البعض باللغة العربية سحبت ردن القميص الذي كنت ألبسه على معضدي الذهبي الوحيد عندي والذي سبق ان اشترته أمي هدية لي للذكرى، بمناسبة نجاجي في الاعدادية وتخرجي منها. جلبته من السويد اثناء زيارتها لبيت خالي المغترب هناك ورؤيتها الجالية العراقية واسواق الصاغة وبضمنهم الصاغة العراقيون الذين انتشروا في الاسواق فيها ومعظمهم من العراقيين الصابئة المشهورين بفن مهنتم بالعراق قبلا. كانت تطري صناعتهم وهي تريني اياه وكأنها تتأمل شبابها وماضيها.
بقيت أفكر كيف أفرط به الآن ، متذكرة المضيفة التي بكتْ على بيتها بالعراق وتعاطفنا معها حينها. انتهزت فرصة فترة الغداء بالدائرة، فاسرعت للذهاب لدورة المياه بالشركة، وسرعان ما اكتشفت أنها مكتظة بالنسوة العربيات الموظفات اللواتي هربن إليها من أمثالي كي لا يواجهن نفس المصير ويفسخن ما يلبسنه من زينة، معظمها صياغة شعبية تذكرهن باوطانهن التي تركوها ابتعاداعن حكومات طلباتها قسرية شبيهة بنداء اليوم.
+++++++
فُتح الباب بعد فترة وأطلتْ إحداهن علينا من صفقة الباب. كانت بمنتهى البهجة والانشراح، اسنانها تلمع مع ضحكة عينيها مداعبة :
- هيا يا بنات ، اخرجن من أمكنتكن، لقد انتهوا الآن من حملة التبرعات في غرفة المدير. كانت زوجته الاولى هي التي تقدمتْ الصفوف هناك للتبرع، لقد خلعتْ القرآن الذهبي الذي تلبسه من على صدرها أمام الجميع. وزنه يعادل ربع اوقية.
ضحكتْ على نفسها وعلينا لاستعمالها موازين للذهب بمقادير خرافية لزيادة السخرية، ثم أغلقت الباب مستهزئة. تركتنا مسرورات مستبشرات نكاد نقفز من الفرحة بانتهاء أزمة حملة التبرعات لمجهود السرقة الحربي.
++++++++++++
لندن، 2012



#سميرة_المانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخال
- ها....ها...ها
- ألا ابشروا بالاعمال الخلاقة
- ثمة اسرار
- من مفكرة امرأة مغتربة
- أجوبة أسئلة تخطر بالبال
- مَن دفع للمزمرين
- خصائص رواية منفى
- هي بقيت علي ، يعني!
- التوحّش
- احتضان غير مرئي
- الطريق إلى دهوك
- هزّة ارضية
- إفرحْ يا قلبي
- درب الصدّ ما ردّ
- والنتيجة ؟!
- ربحتْ الجائزة
- وزّة في الخليج *
- القارات المنسية
- واخزياه


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة المانع - بداية حملة السرقة