أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - تونس بين الانتقال الديمقراطي و الانتقام -الديمقراطي-: نداء عاجل الى المثقفين التونسيين.















المزيد.....

تونس بين الانتقال الديمقراطي و الانتقام -الديمقراطي-: نداء عاجل الى المثقفين التونسيين.


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3899 - 2012 / 11 / 2 - 21:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الانتقال الديمقراطي هو مرحلة انتقالية من الاستبداد الى الديمقراطية.مرحلة انتقالية تهدف الى تجاوز الفاعلين السياسيين و المدنيين للنظام الاستبدادي و ثقافته و مؤسساته نحو تأسيس و مأسسسة الديمقراطية في النظام السياسي و المجتمع بكامله.
أما الانتقام "الديمقراطي" فهو مجرد استعمال لآليات الديمقراطية الشكلية، وخاصة الانتخاب و التداول على الحكم، من قبل الفاعلين السياسيين و المدنيين لتحقيق الاقصاء "الديمقراطي" و التصفية للمعارضين من أجل اعادة انتاج النظام الاستبدادي بفاعليه و ثقافته و مؤسساته عبر تلك الآليات نفسها.
- ان أهم شروط الانتقال الديمقراطي هي السماح للفاعلين السياسيين والمدنيين ،الذين كان نظام الاستبداد يقصيهم، بالنشاط السياسي و المدني و تجدد الفاعلين القدامى بتخليهم عن الاستبداد و قبولهم بالديمقراطية نظاما وذلك بمأسسة الديمقراطية في مستوى جهاز الدولة بسلطه الثلاث و كذلك في مستوى التنظيمات السياسية و المدنية و في مستوى المؤسسات الاجتماعية بكاملها (العائلة ، المدرسة،الخ) و كل ذلك ارتباطا بتجدد الثقافة الديمقراطية بوصفها "طرقا للاحساس و التفكير و الفعل" الديمقراطي .

ان هدف الانتقال الديمقراطي هو تحويل النظام السياسي و معه المجتمع بكامله من الاستبداد الى الديمقراطية في الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و النفسية- الفكرية. و بما ان الديمقراطية هي "حكم الشعب" فان الانتقال الديمقراطي يفترض، نظريا على الأقل، العمل على تحقيق ديمقراطية اقتصادية و سياسية و اجتماعية و ثقافية من قبل الشعب و من أجل الشعب.
ان الطابع الشعبي للديمقراطية يفترض ان الشعب هو مرجعية النظام السياسي و الاجتماعي برمته و هذا يعني رفض المرجعيات ما فوق الشعبية (الله) و ما تحتها ( الجهة ، الطبقة ، الفئات و المجموعات الجنسية أو العرقية أو الدينية،الخ) و ما هو خارجها ( الدول الأجنبية و المؤسسات الدولية) .
و لكن الشعب ليس ملحدا و بالتالي فليس هدف الديمقراطية تحويله الى الالحاد أو باتجاه الايمان بدين آخر "أكثر ديمقراطية" سواء كان دينا "سماويا" أو " وضعيا" بل ان هدف الديمقراطية هو دمقرطة الحياة الدينية للشعب نفسه من خلال حرية المعتقد و عدم الاعتقاد و ممارسة الشعائر الدينية للجميع.
كما ان الشعب ليس متجانسا بمعنى خلوه من الفئات و الشرائح و الطبقات الاجتماعية فلا تهدف الديمقراطية الى تجاهل الانتماءات ماتحت الشعبية أو تذويبها القسري بل الى دمقرطة علاقاتها داخل اطار الحياة الشعبية و السماح لها بحرية التنظم و الدفاع عن المصالح دون تعارض مع المصلحة العامة للشعب.
كما انه ليس منعزلا عن الخارج فلا تهدف الديمقراطية سوى الى دمقرطة علاقاته مع غيره في اطار الانتماء الانساني المشترك القائم على التنوع و المساواة و التعاون الدوليين مع المحافظة على استقلاله و سيادته على وطنه و خيراته.
***
ان الانتقال الديمقراطي يتطلب نفسية ديمقراطية و تفكيرا ديمقراطيا و فعلا ديمقراطيا و تنظيمات و مؤسسات ديمقراطية أما الانتقام "الديمقراطي" فيقوم على ثقافة أخرى يمكن ، عربيا ، التعبير عنها بمصطلحات ثقافة "الغنيمة" الاقتصادية و "الغلبة" السياسية و "العصبية" الاجتماعية و "التعصب" النفسي الثقافي الداخلي و الخارجي.
لكن الثقافة الثأرية الانتقامية ماقبل الديمقراطية و اللاديمقراطية ، بحكم تطور المجتمع من التركيب القبلي الى التركيب المجتمعي الحديث، تمتزج بالسمات الحديثة و المعاصرة للاستبداد المحلي و بأشكال من الاستبداد العالمي مثلما تمتزج الثقافة الديمقراطية بالموروث القبلي- المضاد القائم على بعض القيم القبلية الايجابية مثل الايثار و التعاون و التحالف - و هو ما يؤدي في مراحل تاريخية معينة الى شعبوية ديمقراطية- كما ان الثقافة الديمقراطية المحلية تمتزج بالرصيد الديمقراطي الانساني عموما.
ان الانتقال الديمقراطي يتأثر اذن بهذا التشابك التاريخي الخاص في المجتمع و بعلاقاته الدولية و هو لذلك قد ينتكس ، وبسهولة، في المجتمعات التي لم تعرف ثورات ثقافية طويلة و عميقة و متجذرة تحظر للثورات السياسية و ذلك خاصة بسبب استبدادية الدولة الوطنية الحديثة نفسها في كل أبعادها و هذا ما قد يجعل عملية التحول الاجتماعي السياسي من منطق الرعية الى الشعب و من منطق الفرد الى المواطن عملية صعبة و هشة.
و ان كان هذا الوضع يجعل مهمة المثقفين عموما ،و المثقفين السياسيين تحديدا ، صعبة جدا فانه يجعلها أيضا ضرورية و حيوية جدا لانجاح مسار الانتقال الديمقراطي اذ عليهم أن ينجزوا بسرعة قياسية ما يتطلبه عمل أجيال في مجتمعات أخرى ربما.
***
ان تونس ، رغم ماضيها القرطاجي العريق في المأسسة و الدسترة ، عرفت نكسة تاريخية طويلة امتدت على عشرات القرون من الاحتلال الروماني و البيزنطي و الوندالي و لم ينقذها الماضي العربي الاسلامي الذي دشن بحروب الفتح المتتالية و الطويلة و الذي تمحور كثيرا حول الاخضاع الضريبي و تعمق سريعا بالاقتتال القبلي و المذهبي مع الأغالبة و الفاطميين و الحفصيين و غيرهم. كما انها ازدادت ترديا مع الاحتلال العثماني الذي لم يسمح الا في آخر أيام مرضه بمأسسة و دسترة الحقوق و الحريات سطحيا و مؤقتا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و استجابة للضغوط الأجنبية بدرجة كبيرة. و قد أدت تلك الضغوط التى تحول تونس الى مستعمرة فرنسية لم تنل من مستعمرها "الثقافة المدنية" بل البربرية الاستعمارية أساسا.
كما ان مرحلة الاستقلال لم تنقذ الأمر لأن تجربة الدولة الوطنية تميزت بغياب الديمقراطية و سيطرة ثقافة الاستبداد عبرسياسة الزعيم الأوحد و االحزب الواحد و غيرها من الأمراض.
ان هذه الوضعية تجعل تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس تجربة خاصة ، في ضعفها ، لو قارناها بتجارب الانتقال الديمقراطي في اليونان و البرتغال و اسبانيا بعد الحكم العسكري و في أروبا الشرقية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي لأن تلك الدول كانت قد عرفت تأثير النهضة الأوروبية و الاصلاح الديني و مرحلة الأنوار و الثورات الديمقراطية الأوروبية منذ قرون.
كما انه لا مقارنة حتى بتجارب الانتقال الديمقراطي في أمريكا اللاتينية و جنوب افريقيا حيث توجد خصوصيات تاريخية ناتجة عن الانصهار الديمغرافي و الثقافي بين السكان الأصليين و الوافدين البيض الذين جلبوا معهم المخزون الثقافي الأوروبي و حيث تجذر الحركات السياسية الديمقراطية منذ قرون أحيانا ، في بعض دول أمريكا اللاتينية خاصة.
لقد تميزت الثورة التونسية بكونها ثورة "عفوية " ، "دون رأس" – كما يقال- وورثت كل هذا التاريخ و هي تجد نفسها اليوم ، بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، على مفترق طرق بين الانتقال الديمقراطي المرجو و الانتقام "الديمقراطي" المحدق الذي قد يعيد الاستبداد ليس فقط الى ما كان عليه بل ربما الى ماهو أفظع مضمونا و شكلا.
ان أول ما ننبه اليه ، و نحن نتوجه الى المثقفين عموما و المثقفين السياسيين خصوصا ،هو ضرورة الحذر من الاطمئنان الى فكرة "فرادة المجتمع التونسي" المتميز بالاعتدال و الانفتاح و التسامح ، الخ.
ان تونس لها تجربة خاصة فعليا و لكن المبالغة في الاطمئنان الى هذا الارث التاريخي قد تؤدي الى خيبة أمل لأنه يوجد بها أيضا من عوامل التراجع و الانتكاس ما قد يدمر ما حققته من مكاسب.
ان خصوصية المجتمع التونسي الفعلية لا تحصنه ضد نقاط ضعف تجربته الخاصة و لا ضد تأثير المحيط العربي الاسلامي و لا ضد تأثير المحيط الدولي غير الراغبين ، رسميا، في تطور نموذج ديمقراطي مستقل قد يتعارض مع مصالحهما.
ان هذا يعني، بعيدا عن الحماسة الثورية للمواطن العادي، ان دور المثقفين عموما هو الآن دور حيوي بأتم معنى الكلمة في التحليل و" التنوير و التحرير" .
***
من ناحية أخرى ، و هنا نتوجه الى المثقفين السياسيين تحديدا ، ان المكونات السياسية الأساسية في تونس ، بفعل التاريخ الطويل المذكور، و بفعل تدمير الحياة السياسية المباشر الذي فعله النظام السابق، لا تبدو الى الآن ناضجة بما فيه الكفاية لتأمين الانتقال الديمقراطي بل هي أقرب الى ذهنية الانتقام "الديمقراطي" الاستبدادية.
ان أطرافا عديدة ، يمينا و يسارا، معادية للديمقراطية تماما و ان كان بعضها يصرح بذلك جهرا بينما البعض الآخر لا يفعل ذلك من باب التقية الدينية و/أو التكتيك السياسي لا غير.
ان برامج "الخلافة الاسلامية" عند حزب التحرير و "دولة الشريعة" عند السلفيين و النهضة و برامج الأحزاب القومية التي لا تزال تدافع عن نماذج الحكم الانقلابية الناصرية و البعثية والقذافية و برامج الانتقال نحو دكتاتورية البروليتاريا عند اليسار التقليدي و الهوس الراجع بالبورقيبية عند "نداء تونس" و غيرها هي كلها مؤشرات تدل على ان ذهنية الغلبة السياسية غير الديمقراطية تماما هي المسيطرة عند النخبة السياسية التونسية التي يبدو ان الأحداث المتسارعة لم تمهلها لاعادة تقييم خياراتها السياسية بعد ، هذا ان سبقنا حسن النية في بعضها على الأقل.
***
ان هذه الذهنية السياسية القائمة على الاستعباد السياسي بل و على نية التصفية السياسية لتوطيد أركان الحكم تتزامن مع ثقافة الغنيمة الاقتصادية المناقضة للثقافة الاقتصادية الديمقراطية .ان هذه الأخيرة لا تعادي الربح بل تربطه بالأنشطة الانتاجية و التجارية المنتجة والمراكمة للثروة و تسنده بالاقتصاد الاجتماعي الذي يضمن حدا أدنى من الحاجيات الشعبية بعيدا عن منطق الربح الأقصى. و لكن ثقافة الغنيمة في تونس ، و التي تواصل عقلية " رزق البليك" العامية المعروفة، تستفحل الآن بواسطة الترويكا الحاكمة في تأسيس الشركات و في الاستثمار و التشغيل بالولاءات و عقد الصفقات سريعة الربح مع بعض الدول الخليجية و لو على حساب القطاعات الاستراتيجية المربحة. كما ان هذه العقلية توجد حتى داخل المجلس التأسيسي اللاهث وراء المنح و الجرايات و تصل حتى الأحزاب الساسية الباحثة عن التمويل العمومي ناهيك عن المنظمات و الجمعيات التي تحولت الى ميزاب مالي شبيه بآليات تبييض الأموال الأجنبية تحت غطاء التعاون مع المجتمع المدني العالمي.
ان هذه الوضعية خطيرة جدا و هي التي لا تعطل فقط الاستثمارالأجنبي بل تدفع الى هروب رأس المال المحلي نفسه و تترك الساحة خالية للمضاربة الاقتصادية التي تغرق المستهلك التونسي عبر الترفيع الخرافي للأسعار،الخ.
***
و مع ثقافة الغلبة السياسية و الغنيمة المالية تأتي ثقافة العصبية الاجتماعية.
ان عودة النزعات الجهوية ، وان في قالب "ثوري "أحيانا، و تكرار الصراعات الجهوية و المحلية التي تنفجر بين الحين و الآخر بين "العروش" أو بين متساكني بعض الأحياء و المدن من ذوي الأصول القبلية و الجهوية المختلفة يدل على عودة التعصب الجهوي. كما ان احتداد النزعة الذكورية المرتبطة بالمد الاسلامي السياسي و بروز المسألة الأمازيغية و بعض التوترات مع الأقلية اليهودية و بين المجموعات السلفية و الشيعية و بروز خطاب عنصري مؤخرا بسبب لون مناضلة نقابية في الاعلام و تطور النزعة المطلبية المهنية- الحرفية ( كوربوراتيسم) في العمل النقابي و غيرها ، كلها مؤشرات خطيرة ، رغم محدودية بعضها النسبية، على الثقافة الديمقراطية القائمة على مبدأ وحدة الشعب. ولعل بروز فكرة "المحافظة على و حدة النسيج الاجتماعي التونسي" و "نمط الحياة التونسي" عند عدد هام من الأحزاب السياسية يلخص كل شيء في هذا المجال.
***
كما ان التوتر النفسي المصاحب للتعصب الفكري ارتفعت درجته أخيرا بسبب حدة الصراع السياسي و أصبح ذلك يعوض النقاش الفكري و السياسي الديمقراطي تقريبا. ان الميل الى ادعاء امتلاك الحقيقة واحتكار تمثيل الحق و الخير و الجمال تفاقم بصفة كبيرة على حساب الحوار وحرية الفكر و الاعتقاد و حرية الابداع المعرفي و الفني و غيرها.ان الخطاب السائد في و سائل الاعلام و شبكات التواصل الاجتماعية بلغ أوج رداءته المضمونية و الشكلية مما أدى برئيس الجمهورية نفسه في خطاب 23 اكتوبرالماضي الى الدعوة الى وقف ما سماه "الحرب الاعلامية". و من المؤسف ان بعض أفضل مثقفي تونس أنفسهم انساقوا هم أيضا في هذا المسار مما أدى الى كارثة معرفية و قيمية حقيقية تؤدي الى تسطيح الثقافة و تدني مستوى الخطاب ، هذا طبعا دون تعميم مشط و دون نكران الدور الايجابي الذي يلعبه الاعلام التقليدي و الجديد نسبيا.
***
مع كل هذا تطور جانب التدخل الأجنبي اما بالاستدعاء أو بالاستعداء.و أصبح الفاعلون السياسيون التونسيون ، كبعض القبائل العربية القديمة، يخدمون عن وعي وعن غير وعي مصالحا تتناقض مع شعبهم الساعي الى الديمقراطية المستقلة عن الألاعيب الأجنبية فيمدح البعض ضغوط أمريكا و أروبا على النهضة و الترويكا و هم اللذين يتذمرون ، في مناسبات أخرى، من العلاقات الخارجية للنهضة ورهان أمريكا على "المشروع الاسلامي المعتدل". و يستعدي البعض الآخر روسيا و الصين و هم اللذين يشتكون من هيمنة الولايات المتحدة على العالم من خلال سياسية القطب الواحد. ووصل الأمر الى استعداء الجزائر بسبب ما آلت اليه انتخاباتها و مواقفها الدولية مما جرى في ليبيا و ما يجري في مالي و سوريا ، الخ، ناسين أن مصلحة و أمن تونس من مصلحة و أمن الجزائرالتي قد تحاول بعض القوى الدولية طعنها من الخاصرة الشرقية التونسية تحديدا. بل وصل الأمر الى المتاجرة بالقضية الفلسطينية و الكذب على بعض فصائلها تبريرا للموقف من مسألة تجريم التطبيع في الدستور المقبل و هو ما يشكل مؤشرا خطيرا جدا اذا وعينا بالتناقض بين ما يشبه قداسة القضية الفلسطينية في ضمير الشعب التونسي و دنس بعض المواقف السياسية منها.
***
ان تفاعل كل هذه العوامل أدى الى تصاعد وتيرة العنف اللفظي و المادي خاصة بقتل الناشط السياسي في حزب "نداء تونس" في تطاوين ثم امام مسجد "دوار هيشر" و وصل الى حد تحرك قوات الأمن أمام وزارة الداخلية مطالبين بتحييد عملهم عن النزاعات السياسية و رفع ناشط سلفي كفنه أمام وزير الداخلية في برنامج تلفزي.
كما ان هذا التصعيد دفع الجيش الى النزول الى الشارع و تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر أخرى بعد اخبار عن ملاحقة مجموعات مسلحة و افشال عمليات تهريب أسلحة و غيرها ، هذا اضافة الى تطور العنف و الاجرام بصورة عامة ، خاصة في بعض الأحياء الشعبية الفقيرة .
ان تواصل هذه الحالة قد يؤدي الى كارثة حقيقية في المستقبل القريب وان الاستقطاب الثنائي بين النهضة و "نداء تونس" يبدو في قطب رحى المشهد برمته و لكنه قد يسحب حتى أطرافا أخرى الى أتون المحرقة ، وليس أدل على ذلك من تخوف رئيس الجمهورية نفسه من الأمر اذ حذر من خطورة هذا الاستقطاب أيضا في خطابه الأخير في 23 أكتوبر.

ان على كل المثقفين و على المثقفين السياسيين تحديدا التدخل العاجل لوقف الاتجاه نحو العنف الثأري الانتقامي سواء كان رمزيا أو ماديا. ان هذا العنف يهدد المسار الديمقراطي الذي لا ينفي الصراع السياسي بل ينظمه. انه من الضروري العودة الى الحوار السياسي الثقافي الراقي.و ان على رئيس الجمهورية، بوصفه مثقفا سياسيا أيضا، ان يدعو فورا الى اعادة تفعيل مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل و ان يشارك في تنظيمها و انجاحها تحت راية رئاسة الجمهورية بوصفها الرمز الأول للجمهورية و بوصفه شخصيا المسؤول الأول عن انجاح الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ان النقاط التي يجب حلها معروفة للجميع ( الدستورالديمقراطي المدني ، موعد الانتخابات و هيئة الاشراف عليها، الهيئات القضائية و الاعلامية، تحييد الادارة و المساجد و الأمن و برنامج اقتصادي استعجالي ، الخ) و لكن يجب التركيز الآن على ما هو عاجل و فوري: البدء بالحوارالوطني نفسه و عدم اقصاء أي طرف و عدم وضع شروط تعجيزية مسبقة.
ان المثقفين عموما و المثقفين السياسيين تحديدا يتحملون اليوم مسؤولية تاريخية في دفع السلط و الأحزاب و المنظمات ، من داخلها و من خارجها، الى الاستفاقة الملحة . ان اختمار وضعية الاحتقان الحالية قد يخرب البلاد تماما بحرب أهلية رجعية و على المثقفين التنبيه ان الانتقال الديمقراطي ليس بحاجة الى قرابين جددة – من السلفيين تحديدا على ما يبدو – اذ انه أخذ من القرابين ما يكفي في الثورة فلا ندنسن دماء الشهداء.
أخيرا على الجميع التذكر انه مثلما أدت عملية انتحار البوعزيزي الفردية الى الانفجار الثوري في البلاد فان حدثا مشابها ، في ظل ظروف الشحن النفسي و السياسي و الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية العامة، قد يتحول بسهولة الى سبب مباشرالى انسحاق الثورة و ادخال البلاد في نفق مظلم لا أحد يضمن متى و هل نخرج منه و بأي ثمن.
اننا ندعو المثقفين عموما و المثقفين السياسيين و المناضلين المثقفين سياسيا الى الاسراع في دفع الأحزاب السياسية التنظيمات المدنية و السلط الى العودة الى طاولة الحوار من أجل الحد من مخاطرثقافة الانتقام "الديمقراطي " التي اقتربت من خطها الأحمر و فتح الأمل في وضع البلاد فعليا على السكة الديمقراطية التي تسمح بالصراع و التنافس الديمقراطي حتى من اجل التجديد الديمقراطي للديمقراطية نفسها و لكن يجب ان نضمن وجودها أولا حتى نعمل على تجديدها .
انها ليست الكارثة بعد و لكنها قد لا تكون بعيدة اذا لم نفعل شيئا الآن و فورا.



#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس : الجبهة الشعبية و الطفولية اليسارية .( رسالة ثالثة).
- رسالة الى التونسيين : قراءة في خطاب رئيس الجمهورية يوم 23 أك ...
- من -المنتدى الاجتماعي- الى -التنظيم الاشتراكي الديمقراطي الا ...
- الحركة الاسلامية حركة وطنية محافظة : نحو مقاربة علمية و سياس ...
- تونس ( عاجل ، خطير و للتوزيع على أوسع نطاق ) : تسريب...أمنية ...
- تونس بين حزبي النهضة و- نداء تونس- : هل تكون المواجهة ؟
- الجبهة الشعبية التونسية: أسئلة مصيرية. (رسالة ثانية )
- مع علم الانسان التاريخي وضد المادية التاريخية : نحو منظور عل ...
- نقد الأصولية الحمراء ...ملحق حول رسائل أنجلز في المادية التا ...
- الجبهة الشعبية في تونس : مساندة نقدية. ( رسالة مفتوحة الى ال ...
- نقد الأصولية الحمراء : نحو تجاوز مادي و جدلي للماركسية.
- الاسلاميون و المقدس الديني:نقد الاستبداد المقدس ( تونس مثالا ...
- تونس : من أجل جبهة جمهورية ديمقراطية مدنية وتقدمية.
- حركة النهضة الاسلامية التونسية: دراسة نقدية.
- ضد التيار في تونس: قوة ثالثة جديدة صعبة و لكنها ممكنة ( رؤية ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - تونس بين الانتقال الديمقراطي و الانتقام -الديمقراطي-: نداء عاجل الى المثقفين التونسيين.