أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار طلال - نهار مهترئ بالمثقفين والكتب














المزيد.....

نهار مهترئ بالمثقفين والكتب


عمار طلال

الحوار المتمدن-العدد: 3899 - 2012 / 11 / 2 - 12:15
المحور: الادب والفن
    



مشيا على الاقدام كعادتي في النزهات، مارست استجماما هندسيا، صباح الجمعة، اسبح عائما، في لجج المعرفة، موجة كتاب عالي البهجة، وسورة نص يغرقني في الحزن.
يتحدد ضلعا شارع المتنبي، بزاوية، مع سوق السراي.. سراي الحكم العثماني، المعادل لـ (المنطقة الخضراء) الآن.. من دون تشابيه.
سمي سرايا؛ لانه حكومي.. رسمي، مرتبط بالدولة، منذ كانت خلافة عباسية، تفتتت الى دويلات متناحرة، كقرون ثيران تتناطح حول بقرة شبقة في موسم التسافد.
العراق بقعة منفلتة؛ لم تطالها يد المماليك، لبعدها عن ارض الكنانة مصر؛ فظل منفلتا الى ان التهمته الدولة العثمانية.
عند شاطئ نهر دجلة، تهاديا من الباب المعظم، الى الميدان، عبر شارع الرشيد، دلفت نافذا الى المتنبي.. الشارع وليس الشاعر!
مرددا:
هل غادر الشعراء من متردم
ام هل عرفت الدار بعد توهم
هلا سألتِ الخيل يا ابنة مالك
ان كنت جاهلة بما لم تعلمِ
بيت شعر قاله عنترة العبسي منذ اكثر من الف وخمسمائة عام؛ فماذا بقي من شارع المتنبي، لم يستهلكه الادباء والصحفيون والتشكيليون وكاميرات الفوتوغراف والتلفزيون توثيقا؛ يوجب الانتباه الى مناطق ذوقية صغيرة اغفلتها عين الرصد الصحفي والتأمل الادبي والدهشة الفنية.
قبل الوصول.. مشيا على الاقدام.. الى شارع المتنبي صادفني بائع خردوات، لا اظنه يبيع، وهو نفسه لا ينتظر من احد ان يشتري: بطانية قديمة لبدت عصيات السل في نسيجها وفردة حذاء وسخة وطبق المنيوم تشققت حواشيه بفعل القدم وعربة دفع يدوية تهرأ خشبها؛ وراح يئز مع كل هبة نسيم خفيفة، قد لا تحرك قشة من موضعها على الثرى، صباحا، وقمجيات مقززة.. خراطيم شاهت.. كالافاعي.. عن اراجيلها، تسعى.
من ذا الذي يحتاج تلك المهملات فيقتنيها!؟
راع يسوق بضع غنمات.. صغيرة وجميلة ومعافاة.. المنظر الوحيد الذي يسر الناظر في صباح هذه الجمعة، يهش عليها بغصن بان، يحثها على الاندفاع الى وسط ساحة الميدان، يشاكس السيارات التي تنعطف طائعة خباله.
ورهط من (همرات) الجيش امام مبنى (كان) وزارة (بلديات) قبل ان يفجره الاهابيون لينالوا من د. عادل عبد المهدي.. نائب رئيس الجمهورية، قبل ان يستقيل، نجا واستشهدت صديقتي.. واعز من اختي.. المهندسة نداء عودة.
تكررت البسطات غير المبررة، تسوقني مثل اغنام الراعي المشاكس، الى التساؤل:
- هل ثمة مشترون يتبضعون سقط المتاع هذا؟
اجاب بائع بلهجة بغدادية قح:
- الله وامان الله ماكو مشترية.
مرتجيا مني منفعته بالشراء؛ فـ...
يتحدى المثقفون الموت، ببعث الحياة في شارع المتنبي صباح كل جمعة، لهم خصوصية مستترة مع المكان لا تبوح باسرار الحماقات الجميلة التي ترتكب خلف جامع الحيدرخانة على الجهة المقابلة لـ (المتنبي) من شارع الرشيد.
ثمة ما لم يألفه سواهم من التأملات الهوجاء.. تأملات غير منتظمة في سياق معنوي.. دهشة لا مسماة.. انهم يندهشون بالفراغ، يرى المرء دهشتهم، لكنه لا يرى مم يندهشون ولماذا.
يتهيأ القادم الى (المتنبي) منذ ساحة (الميدان) او (الرصافي) من الجهة المقابلة، لرائحة الكتب المعتقة كالنبيذ، لكنه يصطدم باحدث الطبعات تبدد نكهة المتنبي.
سوق السراي وشارع المتنبي افشيا اسرارهما؛ فقد اشترى احد القصاصين حذاءً من المتنبي وليس كتابا؛ ما يعني ان بضائع دخيلة، امتهنت حرمة المكان تهجن خصوصيته.. الكتب.
كتب تباع بربع دينار، اي مائتان وخمسون دينارا، على الرصيف، مهداة من مؤلفيها الى اناس باعوها من دون ان يفتحوا التصاق اوراقها غير المعرشة.
احدهم، عاد من غربة اربعين عاما في بيروت؛ ليستنشق رائحة الورق المعتق في كتب مرزومة، فوجد طبعات بيروت التي خلفها وراءه.
خلف الواجهات المطلة على شارع المتنبي ازقة يتعفن المتشردون.. نساءً ورجلا.. فيها، ينامون الليالي من دون طعام.. على هامش الوجود، اظنهم لم يجردوا في التعداد العام للسكان، مع انهم وريثو بغداد الحقيقيون.. ابا عن جد.. سحقتهم التغيرات السكانية ومسختهم الثورات العسكرية، الى مهمشين في نطاق منسي من ذاكرة بغداد.
من ذا الذي يتخيل، هذا المتشرد السكران ملطخا بغائطه، كان ومازال يسكن دارا منيفا كالقصر تطل على دجلة، تقدم المجتمع وتطور العمران، وظل هو معتدا بكرم محتده، فتخلف عن الآخرين، ولم يعرف كيف يواكب تسارع التطور؛ فلاذ بالسكر ليطويه الادمان.. بشعا فظيعا مقززا.
مسقفات سوق السراي التي استحدثت في التسعينيات، بلبلت ذاكرتي الممتدة الى ثمانينات الطفولة وانا آتي الى السوق مع اصدقائي قاطعين الفيافي بالباصات، من ديالى الى بغداد.
استجد في المنطقة تقدم الكتب، منفلتة من عقال (المتنبي) و(السراي) الى جهتي (الرشيد) من حولهما (الرصافي) و(الميدان) كما شهدت المنطقة تجديدا آخر هو تحويل (المدرسة العسكرية العثمانية) الى (مركز بغداد الثقافي). توسعان جديدان لتقليدين قديمين.
دخلت مطعم (كبة السراي) الواقع في الزاوية الفاصلة بين الشارع والسوق؛ كي انهِ هذه الجولة، التي لن تنته، اذ صادفني الفنان التشكيلي الكبير قاسم سبتي؛ قدمني الى زميلة من الوسط الثقافي، فردتني عليه:
- اتعرفني الى عمار؟ انه صديقي الذي اموت عليه.
قال قاسم: لماذا تموتين عليه بدلا من ان تعيشي لاجله!؟
ما يدل على انتشار حب الحياة بين العراقيين، اذ دعى الفنان سبتي الى نبذ شؤم الماضي والتماهي مع تفاؤل المستقبل.



#عمار_طلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 9نيسان 2003 تحويل السلطة الى مدينة فاضلة
- الخطوط الجوية بغنج مضيفاتها
- لو وزعت الميزانية على العراقيين لاشتروا الكرة الارضية من الل ...
- عيد الاضحى في حياة العمل استكان شاي زائدا وحلم طفولة عبرته ا ...
- انصح واقبح واعظم امراة في العام
- نواب يربطون البنى التحتية بالارهاب
- السمفونية تطمئن المغتربين مفهوم شعبي للموسيقى النخبوية في ال ...
- الحروب والحصار والارهاب تغال الذائقة الغنائية في العراق
- من وحي سفر الخروج
- العراق دولة ضد شعبها
- الربيع العربي يوفر حكما ذاتيا لتنظيم القاعدة
- حسن وسوء استخدام الجزء الواحد من الجسد
- اليسو.. التأييد لا يعفينا من الهدر
- سبقت سوريا الجميع فتأخرت هذه الدورة
- براغماتية متعاشقة شعوب تطيح برؤسائها ورؤساء تطيح بشعوبها
- سآوي الى ركن شديد يعصمني
- تحييد الدين والقومية ينتشل الدستور من فشله ويحقق الرفاه الوط ...
- العراق.. حكومات متعاقبة ينصبها الاجنبي ضد مجتمعها
- آفة الرأي الهوى
- الطلقاء عائدون


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار طلال - نهار مهترئ بالمثقفين والكتب