أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أعطني عامًا من عمرك














المزيد.....

أعطني عامًا من عمرك


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3897 - 2012 / 10 / 31 - 12:21
المحور: الادب والفن
    



بلغت من العمر ثمانين عامًا، وحصلت على الكثير من الفرص والمال. حققت ثروة لم يحلم بها أحد، لكنّي شعرت بأن النهاية باتت قريبة، لهذا حزمت أمري وعدت إلى الوطن لأقضي ما تبقّى لي من أيام بين الأهل والأصدقاء. لكنّي فوجئت بأنّ الأمور قد تغيّرت إلى حدّ كبير. كان الفقر قد نال من الكثيرين وأودت البطالة والإحباط على ما تبقّى لديهم من أمل وتفاؤل.
لم أنعزل ولم أنطوِ على ذاتي فأنا بطبعي أحب التواصل مع الآخرين، وسرعان ما أصبح منزلي محطّ أقدام الكثيرين، وأخذ يزورني الصديق والبعيد لشتّى الأسباب والأعذار الممكنة، لم أبخل عليهم وجدتُ بكلّ ما طابت به روحي وأصبحت محبوبًا لمالي ولذاتي أيضًا. قال لي أحد الشباب يومًا:
- آه، لماذا لا أحصل على فرصة مثلك يا جدي للهرب إلى الخارج ونيل فرصة مماثلة لممارسة الحياة الحرّة الكريمة. أنا على استعداد للتنازل عن نصف حياتي مقابل ذلك. حككت رأسي وكنت في حيرة من أمر الشاب الكئيب الذي يجلس قبالتي.
- أريد عامًا واحدًا واحدًا فقط من عمرك مقابل تقديم ما يكفي من المال لمغاردرة البلاد نحو العالم الذي تشتهي يا ابني. هل توافق؟ هزّ برأسه على الفور موافقًا.
شعرت عندها بأن وقع السنين على جسدي قد تناقص لعام واحد. لم يكن الفارق كبيرًا بالطبع، ربّما ازدادت قدرتي على الاحتمال قبل أن أبول في سروالي قليلا، نعم كنت فرحًا لأنني قد اكتسبت عامًا كاملا وخسرت بعض الفائض من ثروتي. بعد يومين حضر شاب وسيم أسمر آخر، قال لي بأنه على اطلاع بما حدث مع رفيق دربه الذي حزم أمتعته وبات على وشك مغادرة البلاد، قال لي بأنه يرغب بالحصول على فرصة مثيلة. أجبته بأنّ شرطي لم يتغير. وافق الشاب على تقديم عام من عمره لي، مقابل التنازل عن بعض المال والحصول على فرصة للهجرة نحو العوالم المتقدمة. عندها ازدان جسدي بعام آخر، صدّقوني بأن هناك فارق في أداء الجسد ما بين عمر الثمانين والثامنة والسبعين، فما بالكم حين أبلغ من العمر خمسة وسبعين! هههه. أصبحت على يقين من أن الشباب بات على الأبواب، بعد أن قدمت لعشرة شبان الفرصة التي طلبوها منّي، مقابل عام من أعمارهم. وهأنذا في الثامنة والستين. للمرّة الأولى أتجرأ على النظر إلى السيدات العابرات من حولي، وما تزال رغبتي بالحصول على مزيد من القوّة والعنفوان قوية، لكنّي في الوقت نفسه بدأت أشعر ببعض القلق بعد تراجع سلطتي وتناقص أموالي، خاصة وقد بلغت من العمر خمسون عامًا فقط. نعم إنه عمر جميل للغاية، عادت لي قوّتي وشهواتي وبتّ أتلفت يمنة ويسرة تجاه الحسناوات. نظرت في المرآة ولم أتفاجأ حين رأيت الشعر قد عاد إلى موقعه القديم، كما زالت الكثير من التجاعيد وبان بعض السواد في كتل الشعر في رأسي. لا، هذا لا يكفي أريد المزيد من الشباب، أريد مقارعة الحياة والنزول إلى ميدان الحياة اليومية. لم يبقَ في حوزتي سوى القليل حين عدت إلى الأربعين من العمر. كان عليّ البدء بالبحث عن عمل، كيلا أجد نفسي على حافّة الطريق دون معيل.
تراجُعُ العمر إلى الوراء تسبّب لي بأزمات نفسية حادّة، لأن الكثير من أحبّتي بل وحتى ابنتي قد فارقوا الحياة، ولم يعمل قانون الطبيعة هذا على مساعدة غيري من أترابي، وأصبح لزامًا عليّ أن أجد رفاقًا وأصدقاء درب لم أتعامل معهم يومًا ما، لا يتقاسمون ذكرياتي وهمومي وأحداث الماضي الذي يخصّني وحدي دون غيري. أمّا فكري وفهمي للحياة فبقي على حاله كما في الثمانين. أتصدّقون بأنّني أخشى الركض لأن عقلي الباطني يخالف قدرات جسدي وبقيت الرصانة رفيقة دربي. مع هذا بقيت مصرًا على خوض التجربة مجددًا والانتفاع بما جادت به الحياة دون قيد أو شرط.
جاءني ذات يوم رجل في عمري، قال لي دون تردّد "أتنازل عن خمس سنوات كاملة من العمر، مقابل فرصة للهرب من جحيم العائلة التي أعيش في كنفهها، لقد هدمت زوجتي ما تبقّى من رجولتي، كلّ يوم خلاف على أدقّ تفاصيل الحياة. دعني أهرب وأعيش ما تبقّى من هذا العمر بكرامة. خمس سنوات كاملة أقدّمها عن طيب خاطر". كان العرض مغريًا، لكنّي بهذا سأعلن إفلاسي نهائيًا، وسيصبح لزامًا عليّ أنا الرجل الرصين أن أبدأ حياتي من الصفر في الخامسة والثلاثين من العمر! آه، تمكن إغراء الشباب على أيّة حال من إقناعي بالموافقة.
- هل تعرفون رجلا يقبل بجزء من العمر مقابل الحصول على فرصة للهرب من هذا الواقع؟
نظر إليّ إمام المسجد غير مصدّق ما تسمعه أذناه، حسب بأنّني قد أصبت بمسّ من الجنون. قال بعد تردّد "تصدّق يا ابني والزم الصلاة وعليك بالصيام، أكثر منه فهو السبيل إلى تطهير الروح والجسد".
مضى عليّ قرابة عشر سنوات منذ تنازلت عن سلطتي ومالي، وما زلت غير قادر على تحقيق جزء من طموحي المشروع. أنا الشاب الذي عاد شيخًا لينهي مشوار التيه بين العوالم الدنيوية، أجد نفسي أسير جسدي المتحفّز نحو الانطلاق، لكن كلّ شيء من حولي يشير إلى بدايات. تأجّل الانطلاق وأخذ التحفّز يهبط مع مرور السنين. تُرى، متى سأبلغ الثمانين من عمري لعلّ جسدي عندها يتصالح مع وعيي المعذّب؟



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعذرة – رفعت الجلسة
- عِشْقٌ وانْتِظار
- تمرّد الكمانُ فغنّى القلبُ ثملا
- سَبَقَ لي يا وَقْتُ
- رحيل القصيدة
- الطبقة العاملة والإنتاج
- العلمانية هي أقصر الطرق إلى أنسنة المجتمع
- واقع المرأة ما بعد الربيع العربي
- المجتمعات العربية ومعضلة البحث عن هوية
- هل يصلح العطّار ..
- القصيدة العارية
- ظلّ النورس
- أورهان باموق يتحدث عن الحياة والأدب
- حفل تشريح جثة مثقف عربي قتل متلبسًا بالحياة
- بلا أجنحة
- من قتل الرقيب
- تقاويمي المغدورة
- حتى السنابل تتمرد
- على شفا هاوية
- قصور وأعراس -2- مسرحية في حلقات


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أعطني عامًا من عمرك