أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - - الرحلة الكبرى - للمخرج المغربي إسماعيل فروخي: عدسة مُحايدة تقدّم الإسلام من دون رتوش، وتتفادى السقوط في فخ النمطية















المزيد.....

- الرحلة الكبرى - للمخرج المغربي إسماعيل فروخي: عدسة مُحايدة تقدّم الإسلام من دون رتوش، وتتفادى السقوط في فخ النمطية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1130 - 2005 / 3 / 7 - 10:34
المحور: الادب والفن
    


تضافرت معطيات عديدة على إنجاح ( الرحلة الكبرى )، الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج المغربي / الفرنسي إسماعيل فروخي، وأول هذه المعطيات هي ثيمة الصراع الأبدي بين الأجيال طبق مقتربات فنية جميلة تتصف بالموضوعية، والحياد، الأمر الذي أنقذ الفيلم من السقوط في فخ المبالغات الفجة، وجعَلَه يقترب كثيراً من الحقيقة المختبئة وراء ستار كبير من الضبابية والتشويش. كما لعبت حبكة السيناريو دوراً قوياً في تقديم فيلم رصين لا تشوبه الهنّات أو المواقف غير المقنعة. ويبدو أن موهبة فروخي في الكتابة والتأليف توازي موهبته الإخراجية، وما هذا بمستغرب للذين يعرفون فروخي من كثب، فقد سبق له أن كتب سيناريو فيلم (L exposé ) عام 1992 وفاز بجائزة أحسن قصة في مهرجان ( كان )، ثم كتب قصة فيلم ( كثيراً من السعادة )، كما كتب قصة فيلم ( المجهول ) عام 1996 والذي لعبت دور البطولة فيه الممثلة الفرنسية المعروفة كاترين دونوف. ثم كتب بالاشتراك مع سيديريك كان قصة فيلم ( الطيّارة ) عام 1998. وفي مضمار المسلسلات التلفازية كتب( صيف السنونو ) عام 1997، و( بان الصغير) عام 1999. أما فيلم ( الرحلة الكبرى ) الذي انتهى من وضع اللمسات الأخيرة عليه عام 2004 حيث تتجلى فيه قدراته الفذة في التأليف، والإخراج، والرؤية الفنية العميقة. وقبل العرض الأول للفيلم في مهرجان روتردام العالمي تحدث فروخي حديثاً مقتضباً عن هذا الفيلم، وتمنى على الجمهور أن يتفاعلوا مع أحداث الفيلم، ويندمجوا في أجوائه، ومناخاته المختلفة التي مرت عبر تسع دول وهي إيطاليا، سلوفينيا، كرواتيا، صربيا، بلغاريا، تركيا، سوريا، الأردن، إضافة إلى نقطة الانطلاق من إقليم ( بروفونس ) الفرنسي، ولكن المخرج فروخي وجد نفسه في مواجهة الجمهور الهولندي ثانية عندما انتهى الفيلم وسط تصفيق مدوٍٍ التهبت إثره أكف الحاضرين فقال: ( أفدت في هذا الفيلم من تجربتي الشخصية، فأنا من أسرة مغربية هاجرت إلى الجنوب الفرنسي، وذات مرة، عندما كنت طفلاً في السنة الثالثة من عمري، قرر والدي أن يؤدي فريضة الحج، وكان ينوي أن يصطحبني معه، لكنه ذهب لوحده، وحينما كبرت طلبت منه أن يروي لي طبيعة رحلته التي كانت بالنسبة لي نوعاً من المغامرة، لذلك قررت أن أكتبها بطريقة فنية. ). وأكثر من ذلك فثمة أوجه شبه كبيرة بين السيرة الذاتية للمخرج فروخي وأبيه، وبين بطلي فيلم ( الرحلة الكبرى ) فالأب مصطفى في الفيلم يشبه الأب الحقيقي للمخرج، فكلاهما ملتزم بعاداته وتقاليده المتوارثة، وكلاهما ملتزم بتأدية فروض الطاعة لله ( سبحانه وتعالى ) وكلاهما مخلص للغة العربية، ومتشبث بها. أما رضا، الابن الذي نشأ، وترعرع في المجتمع الفرنسي، وتعلّم لغته، فهو مشابه تماماً للمخرج فروخي الذي لا يتقن الحديث باللغة العربية، لكنه ظل مخلصاً لتطلعات والده، وآرائه التي تبدو غريبة، ومثيرة للتساؤل من وجهة نظر الابن. هذه السيرة الذاتية، أو الذهنية هي التي أمدّت الفيلم بقدر كبير من المصداقية، وشحنته بعواطف حقيقية لامست قلوب المتفرجين من مختلف الجنسيات وفي بلدان عديدة من بينها إيطاليا، وكندا، وهولندا، كما نجح الفيلم في كسب مشاعر المسلمين في السعودية على وجه التحديد، وفي العالم العربي عموماً لأنه قدّم صورة حقيقية عن الإسلام والمسلمين من دون أن يقع في فخ الصورة النمطية أو يتلبسه هاجس التشويه المتعمد أو غير المقصود . هذا الفيلم يخاطب العقلية الغربية أولاً، كما يمكن أن يخاطب المسلمين أنفسهم، فلا زيف أو إدعاء يكتنف هذا الفيلم، ولا خشية تعتريه. لقد وضعنا المخرج أمام المرآة، وعلينا أن نطيل النظر إلى ملامح وجوهنا، ثم نغوص شيئاً فشيئاً إلى أعماقنا، ونبحث في قناعاتنا الفردية والجماعية. وملخص الحكاية أن الأب مصطفى الذي حمل معه كل مرجعياته السابقة، ولم يتخلَ عنها طوال مدة إقامته في المهجر الفرنسي، قرر أن يؤدي فريضة الحج، التي هي ركن مهم من أركان الإسلام الخمسة وتستوجب التأدية في حال توفر الصحة والمال الحلال. من هنا تنقدح أولى شرارات المواجهة بين الأب والابن، ويمكن أن تكون هذه المواجهة بين جيلين، ثم تتوسع الدلالة لتشمل حضارتين. فالابن رضا على وشك تأدية امتحانات البلكالوريا، ومرتبط بفتاة فرنسية اسمها ( ليزا ) لم نرّها إلا في الصورة التي احتفظ بها رضا في رحلته الغريبة، ولم نسمع صوتها إلا عبر جهاز الهاتف النقّال الذي كنا نرى في شاشاته رسائلها القصيرة. لم يشأ رضا هذا الابن الذي نشأ في المهجر، وتحلى بأخلاقه، وتعلّم لغته، إلا أن يتصرف كالفرنسيين تماماً، ويستغرب كيف يؤدي والده فريضة الزكاة وهم بحاجة ماسة إلى النقود. وعلى رغم هذا التوتر الحاد الذي يكتنف علاقة الابن بأبيه إلا أن خيطاً من الحب المتواري لا يزال يربط بين الاثنين، لذلك يوافق رضا على طلب أبيه، فيشرعان بالرحلة الشاقة من جنوبي فرنسا إلى مكة المكرمة، مروراً بثماني دول أوروبية وعربية، وحقيقة الأمر أن المخرج قد صوّر الفيلم في الدول الأوروبية فقط، ولم يصور في سوريا والأردن، وإنما استعاض عنهما بمواقع أخرى صوّرها في المغرب العربي. الأب يريد أن يفرض هيمنته الدائمة على الابن، ويريد أن يكون القائد والموّجه حتى في هذه الرحلة التي لا يعرف منها شيئاً سوى الأسماء العابرة لمدن قد يكون سمعها مصادفة. فإذا كان رضا يقود سيارته وفقاً لارشادات الخريطة فإن الأب مصطفى يريد أن يهتدي بالنجوم كما كان يفعل في الصحراء المغربية. وإذا كان الابن يرى في الهاتف النقال جهازاً ضرورياً لتأمين الاتصال في الحالات الطارئة أو حتى لمهاتفة حبيبته إلا أن الأب يرى في هذا الجهاز عبثاً لا طائل من ورائه، الأمر الذي يدفعه إلى رميه في حاوية للنفايات، والتخلص منه نهائياً كي يقطع على الابن أية امكانية للاتصال بحبيبته ليزا. وبعد أن يقطعا شوطاً طويلاً من الرحلة الشاقة يسأل الابن أباه عن السبب الذي يدعوه لقطع ( 5,000 كم ) بالسيارة، واحتمال التعرّض لمخاطر غير محسوبة، بينما هناك امكانية للسفر المريح بالطائرة؟ فيرد عليه الأب بأهمية هذه ( المشقة ) وضرورتها، مُستذكراً سفر الناس قديماً إما مشياً على الأقدام، أو على ظهور الجمال في أحسن الأحوال. خلال الطرق إلى مكة تتصاعد حدة الخلافات بين الابن وأبيه في مواقف متعددة بحيث يصل الأمر برضا إلى ترك والده في لحظة انفعال شديدة عازماً العودة بمفرده، لكن الأب يقنعه بضرورة إيصاله إلى دمشق لكي يبيع السيارة، ويذهب كل في طريقه، الأب إلى مكة، والأب إلى فرنسا. لكن خيوط الحب المتوارية، والمودة الحقيقية، وطبيعة الارتباط الغريزي البشري تستفيق فيعزف الابن عن العودة ويواصل الرحلة الغريبة بالنسبة إليه. وفي بيت الله الحرام يتأجج هذا الحب بين جوانح الابن، فيقلق على أبيه وسط حشود الحجيج التي بلغت مليوني إنسان قصدوا مكة من مختلف بقاع الأرض، ويبدو أن قلق الابن كان في محله، فقرر أن يبحث عنه وسط هذه الحشود البشرية ثم تأخذه الشرطة وتكشف له وجوه الميتين من التدافع بالمناكب خلال الطواف حول الكعبة، وتقبيل الحجر الأسود، والتبرك بقبر الرسول الكريم. وربما تكون ذروة الفيلم هي اللحظة التي يكتشف فيها الابن والده ميتاً، فينخرط ببكاء حار تتعالى فيه شهقاته وحسراته المكبوتة، ثم يبيع سيارته ويقفل عائداً إلى فرنسا. في لحظة العودة رأى رضا امرأة فقيرة فقرر من دون تفكير أن يعطيها بعضاً من النقود لنكتشف أن هذه الرحلة الكبرى قد بدلّت الابن، وغيرّت قناعاته الشخصية. ثمة ملاحظات كثيرة يصعب التوقف عندها جميعاً، إلا أننا يجب أن نشير إلى براعة الفنان المغربي محمد مجد الذي أتقن دوره في الفيلم، وتقمّص شخصية الرجل المهاجر العربي المتشبث بجذوره، وكان مقنعاً إلى حد بعيد يكشف من جانب سيطرة المخرج في إدارة ممثليه، واستنطاق أعماقهم، وتفجير طاقاتهم الثاوية. أما الفنان الفرنسي نيكولاس غزال فقد كان كتلة من المشاعر المتوهجة التي عكسها في المواقف المفرحة، والمحزنة التي مرّ بها خلال رحلته الطويلة في أحداث الفيلم ووقائعه الغريبة التي تقترب من الواقعية السحرية العربية المحتشدة بالأجواء الأسطورية التي تبدو وكأنها تنتمي إلى أفق الخرافة على رغم واقعيتها أكثر من انتمائها إلى أفق الواقع العقلاني. ولم يكن هذا الفيلم أن يظهر للوجود لولا موافقة الجهات الرسمية السعودية على تصوير بعض وقائع ( الرحلة الكبرى ) في بيت الله الحرام الذي أدهش الجمهور الهولندي، وحبس أنفاسهم وهم يتطلعون بعيون مفتوحة إلى آخرها وهم يرون هذا الجمع الغفير من الحجاج الذين يؤدون مناسك الحج التي لم يألفوها من قبل، غير أن عدسة فروخي المحايدة، وقصته العميقة، المعبرّة، وتقنياته الفنية هي التي أخذت بيدهم إلى النظر إلى الإسلام والمسلمين من زاوية جديدة كشفت لهم حقائق كثيرة كانت مطمورة أو غائبة عن الأنظار. بقي أن نقول أن هذا الفيلم قد حصد عدد من الجوائز في مهرجاني فنيسيا وتورنتو. ويُتوقع أن يحصد جوائز أخرى خلال مشاركته في مهرجانات هذا العام في ألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، والولايات المتحدة الأمريكية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم - الأمير - لمحمد الزرن: يجمع بين النَفَس الكوميدي والوا ...
- - بغداد بلوجر - لسلام باكس:الفيلم الذي وُلِد مكتملاً، والمخر ...
- القصّاص الدنماركي الشهير هانز كريستيان أندرسون: في سيرة ذاتي ...
- السلاحف يمكن أن تطير لبهمن قباذي: مرثية موجعة للضحايا الصامت ...
- البرلمان الهولندي يعلن - الحرب - على التطرّف الإسلامي، ووزير ...
- في الدورة الـ - 55 - لمهرجان برلين السينمائي الدولي: جنوب إف ...
- الرئيس الأمريكي في خطابه الإذاعي الأسبوعي يؤكد على دحر الإره ...
- العميان سيشاهدون مباريات كرة القدم في ألمانيا
- الأميرة ماكسيما تؤكد على رؤية الجانب الإيجابي في عملية الاند ...
- قوانين جديدة تحد من إساءة التعامل مع الأطفال الهولنديين
- صورة محزنة لإعصار تسونامي تنتزع جائزة الصورة الصحفية العالمي ...
- مجلس الوزراء الهولندي يتخذ إجراءات صارمة بشأن جرائم الشرف ال ...
- اختتام فعاليات الدورة الرابعة والثلاثين لمهرجان الفيلم العال ...
- فن الترجمة وملامسة المعاني الحقيقية والمجازية: آراء في ترجمة ...
- في ندوة - المسرح والديمقراطية - في لاهاي: ناجي عبد الأمير، ي ...
- الفنان والمخرج العراقي هادي الخزاعي. . أربعون عاماً من التمث ...
- القاص والروائي العراقي فؤاد التكرلي: الكتابة عملية غامضة ومم ...
- - صائد الأضواء - بين تطويع اللغة المقعّرة وكاريزما الممثل
- مسرحية - تداعيات صالح بن زغيّر - لرسول الصغير وهيمنة البُعد ...
- عصابة شاذة تختطف ثلاث نساء شمال أفريقيات من بروكسل، وتغتصبهن ...


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - - الرحلة الكبرى - للمخرج المغربي إسماعيل فروخي: عدسة مُحايدة تقدّم الإسلام من دون رتوش، وتتفادى السقوط في فخ النمطية