أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بسام البغدادي - هكذا مات الله















المزيد.....

هكذا مات الله


بسام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 3890 - 2012 / 10 / 24 - 16:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما كنتُ مؤمناً.. كان السؤآل عن وجود الله غير مطروحاً البتة. وجود الله كان شيئاً بديهياً تماماً مثل وجودي أنا, بل وبعد تجربتي الروحية و (الدرامية) مع الله بكل ماتعنيه الكلمة من دراما أدركت بأن وجود الله هو حقيقة أكبر من حقيقة وجودي ذاته. فكيف تغيرت الاحوال وبعد أن كنت مؤمناً أعمى بوجود الله أصبحتُ إنسانياً عقلاني أعتقد أن وجود الله لايفرق عن وجود أي شخصية كارتونية في عقل أي طفل يعتقد بوجودها فقط لأنهُ شاهدها في أحد برامج الاطفال.

الالحاد ليس دين أو مذهب كي ننتمي لهُ, بل غالباً مايدرك أحدنا بأنهُ "مُلحد" أو لايؤمن بوجود الله بعد فترة طويلة من ترك الاديان والانتقال بين المذاهب الفكرية الاخرى كاللادينية والربوبية والالوهية. كما لايوجد للألحاد لا أنبياء ولا رُسل, حتى وأن كان المُتدين في أعماق قلبهِ يتمنى وجود كتب أو أنبياء ورسل للملحدين كي يعرف أين يوجه أنتقاده مثل ريتشارد دوكنز أو عبدالله القصيمي أو كما أدعت قناة مصر25 بتأريخ السادس من تشرين الاول أوكتوبر 2012 أنني أشهر ملحد عربي. لكن الحقيقة القائمة تبقى وهي أن الالحاد لا دين ولاعقيدة ولا قومية. الالحاد على العكس تماماً من الاديان و المذاهب الاخرى هو اللاإنتماء في حد ذاته, أي أنك لاتعتقد بوجود إله ولاتنتمي لتلك المجموعة التي تعتقد بوجود هذا الإله. الخروج عن مجموعة تعتقد بشئ أنت تعتقدهُ خرافياً هو الالحاد. لكن هذا لايعني بأنك أنتقلت من مجموعة الى أخرى, بل يعني فقط أنك خرجت من المجموعة. كمن يخرج من البيت فهو لايدخل في بيت آخر (إذا لم يختر هو ذلك طبعاً), بل يخرج خارج كل الجدران ومن تحت كل السقوف فتصبح الحياة كلها جدرانه و سماء الكون الازرق سقف لهُ. لكن, كيف وصل الى هذه المرحلة؟ كيف أستطاع أن يجد المفتاح الذي يفتح بهِ باب الاديان الفولاذي المغلق منذ قرون.. ويخرج للهواء الطلق؟

بصراحة فأن أبواب الاديان ليست فولاذية بل ورقية وخائرة منذ البداية.. لكن أعتقادنا الراسخ بها يجعلنا نعتقد بصلادتها فقط. لهذا كان الانتقال من التدين الى الالحاد بالنسبة لي مرحلة شاقة من البحث و التفكير والانهاك ومحاولة الرجوع كل يوم الى المربع الاول عدة مرات لفحص ومعايشة الشعور الديني بالامان في داخلي مرة أخرى. المربع الاول في الأديان هو ذلك الاحساس الذي نكتسبه ونحن أطفال, ذلك الشعور العائلي الناجم عن ممارسة التدين وسط أجواء عائلية تشجع على التدين الاعمى بل وتباركهُ. الانتقال من التدين العميق حيث يومك كلهُ ملئ بالصلاة والحمد والتواصل مع المجهول الى فضاء الحرية الفكرية يشبه الانسلاخ عن الجلد وطحن العظم وأحراقهُ عدة مرات بدرجة الالم. عظامنا تكسرت وجلودنا أحترقت ونحن نحاول الرجوع للمربع الاول الذي لازال فارغاً من الملائكة و الارواح والاشباح. طفولتنا الدينية عندما ننظر لها الآن.. ندرك بأننا ما كنا لنصلي الا كي نرضي أهلنا وما كنا لنصوم الا كي نفرح بالاشتراك و الانجاز الذي حققناه بجوعنا وعطشنا مع أعز و أهم الناس الينا. عندما كبرنا وعندما أصبح الجوع و العطش جزء من حياتنا اليومية وعندما أصبحت الصلاة ليست أكثر من روتين مُمل يأخذ من وقتنا فقط ولايعطينا أي شئ أكثر من الاحساس بفراغ كوني قاتل سببهُ الصمت الالهي. عندما يدرك الإنسان كل هذا ينمو شعور غريباً في داخله مع كل طقس ديني يؤديه بأنهُ يدور في حلقة مفرغة من المنطق والحس وكأنهُ عالق في علاقة عقيمة من طرف واحد.

الانتقال من التدين العميق والاعتقاد المطلق بوجود الله الى أكتشاف أن وجود الله كذبة هابطة جملة وتفصيلاً يمر بعدة مراحل, تبدأ من الاقتناع التام و الاعمى بوجود الله. مع مرور السنين والتقدم بالعمر تبدأ الاسئلة العقلانية بالطفو على وجه الحياة عندما نشاهد كل المآسي والآلام في العالم من حولنا. بما أن الايمان يمتلك جهاز مناعة ذاتي فأننا نبرر كل المآسي و الآلام بحكمة الإله الخفية.. لكن شيئاً فشيئاً لايتماسك هذا الحجاب العقلي ويبدأ الشك في حكمة الله المُطلقة يتسلل داخل نفوسنا. فما هي الحكمة من أن يلد طفل بأخطاء جينية قاتلة... لكنهُ يبقى يتعذب لسنين طويلة ويموت بآلام حادة. وماهي الحكمة في خلق كون 99% منهُ قاتل بصورة مباشرة للحياة؟ وماهي الحكمة من أنقراض 90% من كل الكائنات الحية التي عاشت يوماً ما على سطح الارض؟ لكن.. جهاز المناعة الذاتية للأديان يدفعنا لمحاولة الاقتناع بأن هناك حكمة خفية لاتستطيع عقولنا القاصرة أن تفهمها. نبدأ بمحاولة أقناع الآخرين كوسيلة لأقناع أنفسنا بضرورة الإيمان بحكمة الله الخفية تلك التي لانفهمها في كل الاشياء التي تبدو بشكل فاضح شر مطلق. مرة بعد أخرى نرفض كل الاسئلة المنطقية ونحاول الالتفاف عليها بمغالطات لغوية ومنطقية حفظناها منذ صغرنا منعاً للشك وللتأكيد على أننا عدنا لله. نحاول أن ننسى أو نتناسى كل الاسئلة و الشكوك مرة أخرى والتركيز على أننا على أقتناع تام بوجود الله. وما نكاد نعود نشعر ببعض الامان حتى يظهر القبيح من الدين ومن رجال الدين و المتدينين مايؤكد شكوكنا التي أعتقدنا أننا طمرناها للأبد. بعد صراع طويل, قد يرافقهُ مرحلة تنقل بين الاديان المختلفة وتجربتها يظهر أختيار اللادينية حلاً وسطاً نحافظ فيه على الايمان اللذيذ بوجود الله ونتخلص من قبح الاديان المختلفة و المتناقضة والتي لم تجلب سوى المزيد من الشكوك حول أصولها.

لبرهة من الزمن كنتُ أعتقد بأن المُشكلة أنتهت.. الألوهية كانت حلاً سحرياً يخلصني من ذل الاديان ويرفعني روحياً في حب الإله الموجود في كل شئ. لكن... الوقت لن يطول قبل أكتشاف عجز الإله هذا عن التدخل في أي شئ, عن تغيير أي شئ, أو حتى التأثير ولو البسيط على أي شئ لصالح الإنسان في كل تلك الكوارث الطبيعية والحروب والمجاعات. حينها أكتشفت بأن هذا الإله ليس أكثر من إله خالق فقط بعيداً كل البعد عن خليقته وأهتماماتهُ كما يبدو لاعلاقة لها بأهتماماتها. هذه النقطة بالذات.. أي عجز الإله, تجعل من المؤمنين بألوهة الإله ربوببين يعتقدون بوجودهِ لكن يقرون بعجزهِ أو عدم رغبته التدخل لصالح خليقته. بعد مرحلة الربوبية يصبح الطريق مُعبداً بل قصيراً جداً لرفض فكر الإله الذي لادليل على وجوده الا ضعفنا الإنساني و رغبتنا العميقة بوجوده. التفسير الربوبي للخلق يصارعهُ بشدة التفسير العلمي لوجود الكون, وبأنحسار دور الإله في كل الظواهر الطبيعية الاخرى فيبدو وجود الإله في الفراغات العلمية المتبقية ليس أكثر من رغبة طفولية للحفاظ على صديق وهمي قديم. بين مرحلتي الربوبية و رفض فكرة الإله مررت بمرحلة اللاأدرية التي تطول أو تقصر. اللاإدرية هي العجز عن أعطاء جواب صريح حول فكرة الإله نفسهُ خوفاً من الوقوع في الخطأ.

قد يختلف طول المراحل الفكرية هذه زمنياً بناء على البيئة أو المجتمع الذي يتواجد فيه الشخص. وقد تختلف قدرة الشخص على تحمل تلك الضغوط النفسية التي يتسببها ترك الطقوس الدينية وترك الاديان أو الانتقال من دين لآخر ثم رفضهم جميعاً ثم رفض فكرة الإله في حد ذاتها. قد تختلف قدرتنا على تقبل بعض الافكار والبراهين أو رفضها منطقياً دون الوقوع في خصام مع عقولنا. قد يقبل البعض بعجزهِ عن الوصول الى أجوبة حقيقية ويرضى قانعاً بالسير مع التيار الاجتماعي السائد لضروف متعددة. الحقيقة التي لامفر منها هي أننا جميعنا بشر ونمتلك قدرات مختلفة في التعبير عن أفكارنا أو قبول أفكار جديدة علينا خاصة تلك التي تتعارض مع أساسيات نشأتنا و بيئتنا الاجتماعية. لكن... مما لاشك فيه, أن الانتقال من مرحلة التدين العميق الى مرحلة رفض فكرة الإله ليس بالانتقال الهين أو البسيط. بل هو ثورة داخلية تتطلب إسقاط نظام كامل من الدكتاتورية الفكرية و التبعية الاخلاقية و الترابط اللامنطقي للأفكار الى بناء نظام جديد قائم على أسس فكرية صلبة بعيدة عن المغالطات والاوهام. قد ينجح البعض في الوصول الى ضفة الاستقرار النفسي الصلح مع العقل أو قد تتقاذف الضروف البعض فتدفعهم للترنح بين الخوف على الحياة أو من الموت أو من المنطق لفترة طويلة. البقاء على جزيرة الايمان أسهل بكثير من الابحار في محيط الشكوك. كل ماعليك أن تفعلهُ هو أن تكرر ماكنت تفعلهُ دائماً ولن يغضب منك أحد ولن تقاطعك عائلتك ولن يحقد عليك أصدقائك المتدينون ويبتعدون عنك. والاهم من كل هذا ستستمر بهدوء ولكن بنجاح بأقناع نفسك بأن هذه هي سنة الحياة و بأن قدراتك العقلية محدودة لتدرك حقائق الامور. هذه هي حقيقة الايمان التي وصلت لها.

هذه الفترة من التناقضات والصراع الفكري العنيف أستغرقت لدي أنا شخصياً أكثر من 13 سنة في صراع فكري و عاطفي و أخلاقي كاسح. صراع وصل في بعض مراحلهِ الى أني رقدتُ مريضاً لعدة شهور أتوسل الشفاء من الله. الله الغائب دوماً بأفعاله و الحاضر دائماً بتبريراتهِ نجح عدة مرات بأقناعي بأنهُ موجود... لكن العقل رفض أن يستسلم وأستمر البحث. في صباح السادس عشر من شهر تموز يوليو 2007 مات الله... و مازال ميتاً حتى اليوم.



#بسام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدليل ليس عداء للأديان بل أحتراماً للإنسان
- ليسقط الله و ليحيا الإنسان
- ماهي الغاية من وجود الله؟
- سقوط الدكتاتوريات وسطوع نجم الله
- الله يسكن في السماء أما الإنسان فيسكن حيث يريد
- نهاية بشار الاسد وتحرير سوريا
- المجاز طوق نجاة المؤمن عندما يغرق
- قبلتُ تحدي الله فهل يقبل هو التحدي؟
- الخوف من الموت يجعلنا نؤمن بالله
- لماذا قطعت رأس أمي؟
- هل يستحق الله العبادة؟
- عبثية ميلان كونديرا الرائعة
- كلام في اللقاء الجزء الثالث
- كلام في اللقاء الجزء الثاني
- كلام في اللقاء الجزء الاول
- هل يملك الله أي خيار؟
- حواء و بناتها و التفاح
- لهم ملكوت الارض
- خالداً في ذاكرة عشتار
- عندما يخجل الرجال أن يكونوا رجال - الجزء الثاني


المزيد.....




- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بسام البغدادي - هكذا مات الله