أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - هذا الفراغ، هذا الامتلاء














المزيد.....

هذا الفراغ، هذا الامتلاء


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


يقوم الصبحُ عائداً إلى ليلِهِ، لا يعجبه لونُ الشمسِ على البيوتِ الناحلة، يعتذرُ للعصافير حين يعيدها لأعشاشها، بتخشّبُ الوقتُ في انفعالٍ بطيءٍ ولا يفهم من عليه أن يتلقى التهمةَ عن الكائنات، أنا لستُ صبحاً كما أريدُ، أنا لستُ وقتَ برودةٍ زرقاء قبل الشمسِ بقليل، وهذا ليس عدلاً، لماذا عليّ أن أكونَ وأبي صبح الأمسِ في مدينةٍ واحدة؟
صبحٌ آخر ينتظرُ، ينظرُ في جدولِ المواعيدِ، وينام.

الولد الذي جرحت كعبَهُ لعبةُ كرة قدمٍ عشوائيةٍ يفتح عينيه على وسعهما، لم يرَ ثلجاً من قبل، قالوا له في المدرسةِ إن المدينةَ لا ثلجَ يأتيها، انتظر الندفَ الهابطَ مع الهواء، كان يفتح يديه إلى الأعلى على شكلِ دعاءٍ يابسٍ، ويغمضُ عينيه كي تنزل الثلجاتُ الراقصةُ ببطءٍ على جسده المخدّرِ من نشوة الطقسِ، وما زال يفتح يديه ولم يعرف بعدُ أن هذا البياض هو شهيق الضجرِ الذي أطلقته المدينةُ، ولحظة الفوتوغرافيا تلكَ، الولد وذراعيه المفتوحتين، والبياض الهابط، كانت في عودة الشهيق إلى الأرض بعد أن رفضته السماء.

امرأة أكلّها الحزنُ ستين مرةً وما زالت تنظفُ كوخَ الحجارةِ ذاك بالهمّةِ ذاتها، تقيسُ المدينةَ بعينيها كلّما وجدت وقتاً بين حزنين، يا لكل هذا الفراغ، يا لكل هذا الامتلاء، وعلى قطرةِ ندى مستقلّةٍ في آخر الرواق الخشبي الذي ينتهي بما يشبه بحراً في حكاية، على قطرة الندى تلك، كانت تشاهد وجهها وتظنّه في كل قطرة ندى أخرى، لذا كانت كل هداياها للجيران قطرات ندى من ذات المكان، كانت تعدّ الطعام ـ كالعادة ـ لزوج وعشرة أبناء، حين اكتشفت في لحظةٍ هدأ فيها البحر أنها لم تكن يوما إلا وحيدة.

أشجار أيضاً تأخذ دورها وتطرد عصافيرها حين تفيض عن قدرة احتمالها، والعصافير تفهم الأشجار بأشكالٍ خاطئةٍ دوماً، في المدن التي تقع تحت الحربِ، تتغير الأدوارُ، وتنصت آلات الموسيقى للناس، ويتنفس الهواء الصدور، كل شيء يتحول إلى نقيض، وتجد السحابة الوحيدة في عشّها تنفضُ عنها كلمات الشعر، وتموت، لا لشيء إلا لتفعل شيئاً من قرارها وحدها.

البحرُ يجرُّ ساحله بعيداً عن خطوةِ العساكر، لم يغير عادته في تقبيل أقدام الأطفال الحافية، يشقُّ المدينةَ في الليل دون أن يعرف أحد، ينظّف الشوارع من الشتائم، يوصل رسائل العشاق العالقة في الهواء، يرتّب حقائب الأولاد للمدارس كي يكونوا مستعدين في الصباح، وفي الصباح، يجده الصيادون مكانه، كأنه ماء مالح مليء بالسمك لا أكثر، ولم يسأل أحد نفسه: كيف ولدت كل تلك الأغنيات التي ترتدي قمصاناً دون أكمام وقبعات بيضاء.

المدينة تستخدم السماء كقبعةٍ في صيفها الطويل، وكسقف للتأمل في شتائها الوقح، كلُّ آهةِ عاشقةٍ هي نجمة نراها فنتبارى في تفسيرها، ونخطئ حتماً وما زلنا، فلطالما كانت السماء أقرب كثيراً مما ظننا ونظن وسنظن، ولطالما كان لكل مدينةٍ سماؤها، السماء ليست قطعةً واحدة.

الشاعر وحده مرتبك، كلما حاول كتابة المدينة، اصطدم بشجرةٍ مقطوعةٍ من بقايا عاصفة قريبة، وأدمى أصابع قدميه


التاسع عشر من تشرين الأول 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أريد أن أكون حراً وجائعاً...
- ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة
- يا الدمشقيُّ!!!
- كسيّدٍ غيرِ مهذَّبٍ هو الحنين
- الإساءة للرسول، الإساءة للعالم
- ما يحدث في فلسطين لم يحدث بعد
- ضياع الحلم الفلسطيني
- معرض أزمات الشرق الأوسط
- مُتْ، فنحن لا نجيد التعامل مع الأحياء
- الفن والمحاكمة الأخلاقية
- علِّموا أبناءَكُم
- حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً
- ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة
- يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ
- السُّقُوْطُ كقِطْعَةِ لَيْلْ
- امرأةُ اللاشيء، امرأةُ كلِّ شيء
- يوماً، ستعودُ المدينةُ إلى وردِها
- ما قالَهُ ابنُ عمروٍ* لحِصانِهِ جوارَ النَّهرِ
- وبي حزنٌ قديمْ
- وَرَأَيْتُهَا


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - هذا الفراغ، هذا الامتلاء