أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - قصة واقعية تقريبا : حكاية شاعر معتقل















المزيد.....

قصة واقعية تقريبا : حكاية شاعر معتقل


عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)


الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 22:12
المحور: الادب والفن
    




* تنبيه لا بد منه:
إن أي تشابه في أحداث القصة هو من باب الصدفة الأدبية فقط، ولا علاقة للأمر بأحداث حصلت أو أننا نستهدف أشخاصا واقعيين.

كانت له أخت أكبر منه. أخت رومانسية ثورية حالمة. تسمى "ميم". نحيلة الجسد، لها ملامح فيروز وعذوبة روحها. ما أن لمست قشرة العالم حتى تراجعت وانكمشت على ذاتها. أصبحت موضوع استغراب من محيطها. وصفوها بالفتاة غير عادية. لكنها ظلت تعتز بكونها إنسانة مختلفة. صاحبت الليل والموسيقى والكتب. نادرا ما تكلم أحدا. بل إن مخاطبها الحميم أصبح هو ذاتها. تكلم نفسها وروحها وتضحك وتبتسم لوحدها.. حتى رموها بالجنون. وكانت تبكي وتغضب من غير سبب ظاهر. في إحدى الليالي الباردة أخذت ورقة وقلما وبدأت تخط ما تحس به من لواعج وخواطر وأفكار. امتلأت طاولة مكتبها الصغير بالأوراق التي أودعتها سرها.

وذات صباح لم تغادر غرفتها. لما فتحت والدتها باب غرفة ابنتها صرخت صرخة عالية جعلت جميع ساكني الدار يهرعون إلى حيث مصدر الصرخة. وجدوا الأم مغميا عليها إلى جانب جثة ابنتها "المجنونة". لقد انتحرت "ميم" بتناول محتوى قارورة أقراص قاتلة. هكذا اختارت أن تضع حدا لمعاناتها الذاتية.
لم تصبر الأم على رحيل فلذة كبدها. كانت تمني نفسها أن تكبر البنت وتتزوج وتحمل فوق العمارية، لا أن تحمل نعشا وسط تابوت.

ظلت غرفة "ميم" مقفلة مدة طويلة. لا أحد يجرؤ من الاقتراب إليها. وبدأت الأم تتحدث عن أنها رأت ابنتها تزور غرفتها كل ليلة.
قالت الأم:
ـ لا يكذبني أي أحد منكم. أنا من يسمع ضحكات ابنتي ونحيبها كل ليلة. أسمعها بهاتين الأذنين اللتين سيأكلهما النمل والدود...
وتسرب الخبر إلى سكان الحارة من الجيران. بيت الميتة المجنونة صار مسكونا. تملؤه الأشباح وترتع فيه. خافت الجارات وتوقفن عن زيارة أم "ميم".
ستمرض أم "ميم" وتلزم الفراش أشهرا قبل أن ترحل.

ولأن الأخ الأصغر كان لا يصدق خرافة غرفة الأشباح بدارهم، فقد انتظر حتى خرج الجميع من البيت واتجه نحو غرفة أخته الراحلة. استقبلته رائحة الرطوبة والظلمة والغبار. جال بعينيه المتواريتين خلف نظارة طبية سميكة. وتوقف عند طاولة المكتب الصغير. كانت الطاولة مليئة بالأوراق المكتوبة بخط أخته، وكانت "ميم" تحب الكتابة بأقلام الحبر الأسود. جمع الأخ ركام الأوراق. والتقط ما سقط منها على الأرض. ثم هرع خارجا إلى غرفته لاهثا. استلقى على سريره منهكا. وأخذته الذكرى إلى طفولته الجميلة وأخته ميم تلاعبه وتضاحكه. وما لبث أن نام. بعد وقت وجيز لم يضبط مدته صحا. أشعل سيجارة وجلس يقرأ بلهفة قصوى محتوى الأوراق التي "سرقها" من غرفة الأشباح.

فماذا قرأ؟
قرأ كلمات عجز عن تفسير معناها. فكر في الاستنجاد بقاموس "لاروس"، لم أخبركم أن "ميم" كانت تكتب بلغة فكتور هيجو. وكانت تجيدها كتابة وتنطقها كأنها من أهل باريس. قرأ "سين" كلمات عن حبيب مجهول. وكلمات غاضبة من الواقع المأزوم. وكلمات عشق في الثورة وفي بطلها الثائر الأممي أرنيستو تشي غيفارا.
أخفى الأخ "سين" عن الجميع سر اقتحامه لغرفة "ميم". وكان مصرا أكثر على إخفاء حيازته لأوراقها الغامضة. خبأها تحت المصطبة التي كان ينام عليها. وفي الليل كان يخرجها ليختلي بها. صار كأنه يكلم شقيقته ويناجيها. اطلع على كل كتاباتها ويومياتها. أعاد قراءتها أكثر من مرة. صار يحفظها عن ظهر قلب. خافت عليه بقية الأسرة. رأت أنه أصيب بنفس لوثة أخته الراحلة. أصبح شديد الانعزال. ويكلم نفسه ويسمع صوت ضحكاته وبكائه ليلا من غرفته.

إلى أن حل يوم لمعت في خاطره فكرة نشر كتابات شقيقته لتخليد اسمها وذكراها.
.أخذ بضعة نماذج من أوراق "ميم" واتجه إلى صديق له معروف بولعه الشديد بالشعر وبالأدب.
سلم للصديق الأديب الأوراق طالبا منه رأيه في مستوى مضمونها. وبعد يومين سيتصل هذا الصديق باحثا عن "سين"، لما لم يجده ترك له ورقة مليئة بالإشادة والتنويه بما قرأه من أشعار جميلة وهادفة وملتزمة. وخاطبه بأيها الشاعر المبدع الثائر "سين".
عندما قرأ "سين" رسالة صديقه الأديب توقف طويلا عند عبارة: (أيها الشاعر المبدع الثائر "سين"). سرته العبارة كثيرا. دغدغت أنانيته. هو لم يقل للصديق أن الأشعار من إنتاجه هو. لكن الصديق تسرع ولم يسأل وظنها أنها من إبداع "سين". دخن أكثر من سيجارة وأتى على زجاجة نبيذ أحمر رخيص. لم يستطع النوم رغم ما به من تعب إلا مع انبلاج الصبح. لما استيقظ قرابة وقت العصر كان قد قرر قتل شقيقته "ميم" ودفنها ومحو ذكراها إلى الأبد. استحم . شرب فنجان قهوة . وجلس إلى المكتب يعيد كتابة أوراق "ميم" بخط يمينه.

حمل مجموعة القصائد ووقعها باسمه. وعاد إلى المقهى ينتظر وصول الأديب وزمرته من المثقفين. هنا أثنى الجميع على إبداعه الملتزم. وشجعوه على نشره ليطلع عليه القراء.
لم يتردد "سين". دبر مبلغا ماليا وتقدم إلى دار طباعة لتصدر له الديوان الشعري. ولم ينس أن يسلم لهم صورة له لوضعها على ظهر الغلاف.
بعد أسبوعين كان الديوان مطبوعا في أبهى حلة وجاهزا للتوزيع. اتصلت به إدارة المطبعة من أجل تسديد بقية حساب فاتورة الطباعة واستلام بضاعته.
بعد أسبوع من توزيع الديوان تم اعتقال صاحب المطبعة؛ الذي دل البوليس على عنوان صاحبنا الشاعر .
لما اعتقل قادوه إلى غرفة التعذيب أولا. وبعدها تحلقوا حوله يحققون معه في ما تجرأ على نشره من كتابات تدعو إلى الثورة والتمرد على النظام القائم. اضطر إلى مصارحة الجلادين بالحقيقة. قال إنه لم يقدر خطورة ما تضمنته تلك الأشعار، وأنها فوق ذلك ليست من اقترافه. ذكر لهم اسم صاحبتها وشتمها أمامهم. سألوه أن يدلهم على عنوانها، فأخبرهم أنها تقطن بالصف الأخير في المقبرة. ثارت ثائرة الجلادين . حسبوه يهزأ منهم. قادوه إلى غرفة التعذيب، ولم يتركوه إلا بعد أن حولوه إلى جثة تتنفس.
أمام المحكمة لم ينسب الأشعار لغيره. لا جدوى من الإنكار مع قوم لا يصدقونك. ليكن ما يكون. كان الحكم قاسيا. سنوات ثقيلة من السجن. تحركت الهيئات والمنظمات الحقوقية والأدبية الدولية من أجل إطلاق سراح الشاعر الثوري. وبعد بضع سنوات سيستعيد الشاعر حريته. صار لقب الشاعر ملتصقا به. أصبح يحب هذا اللقب. تحول إلى ناشط حقوقي. لكن لا أحد قرأ له شعرا جديدا. بقي ديوان شقيقته "ميم" بيضة الديك التي وضعها. لكن المشاكسة والسلوكات المريبة أصبحت من علاماته.. .

الدار البيضاء (المعاريف)
عبد الرحيم التوراني
[email protected]



#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)       Abderrahim_Tourani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة واقعية: اعتقال ابتهال
- إعدام الجثث ذات الدم الحار
- عندما قرر المخزن أن تطيح 20 فبراير بسلالة علال


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - قصة واقعية تقريبا : حكاية شاعر معتقل