أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين














المزيد.....

سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 16:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ما الذي يحفز الثورات عموما؟ التمرد على أوضاع اجتماعية وسياسية لم تعد مقبولة من قطاعات واسعة من المجتمع الثائر، أم التطلع إلى أوضاع جديدة، مغايرة لما هو قائم؟ وهل هناك ترابط محتوم بين الأمرين، بحيث أن هدف الثورة السلبي، هدم ما هو قائم، يمهد تلقائيا لهدف الثورة الإيجابي، إقامة أوضاع أخرى أكثر عدالة؟
هذا السؤال النظري يطرح نفسه اليوم عمليا على السوريين. ففي الأطوار الباكرة من الثورة كان الترابط بين إسقاط النظام والسير نحو سورية جديدة، ديمقراطية بصورة ما، يبدو أمرا بديهيا لا إشكال فيه. وكان الجديد السوري مُدوّناً في حركة الاحتجاج ذاتها، في أسلوب عملها السلمي وفي إبداعية أنشطتها وفي اجتذابها جمهورا متنوعا.
في أطوار لاحقة، وبالتناسب مع توسع النظام في حربه على الثائرين من محكوميه، سارت الأمور باتجاه تباعد هدفي الثورة عن بعضهما، ثم تشكلت عملية الهدم في صورة تقلل من احتمال أن تعقبها عملية البناء المتصورة في أي وقت قريب. صار إسقاط النظام ضرورة حياة قبل أن يكون ضرورة حرية، وأصبح المسوغ الأقوى للثورة هو التخلص من طغمة قاتلة، ما كان أحد من السوريين، على درايتهم بمدى قسوتها، يتخيل أن تبلغ من الانحطاط الحد الذي بلغته، وتتفوق على ما يعتبرونه الوحشية القياسية: مواجهة النظام نفسه لتمرد سابق قبل أكثر من 30 عاما. التفوق معقود منذ الآن بلا ريب لنظام الابن، إن من حيث عدد الضحايا أو المعتقلين أو الدمار المادي أو التمزيق الاجتماعي، أو المخاطر على كيان البلد.
دفع هذا الواقع إلى الصدارة مطلب التخلص من الكابوس الجاثم، وليأت بعده ما يأتي. الطاقات السياسية والنفسية والجسدية ستتوجه بصورة طبيعية ومتوقعة نحو المواجهة مع النظام واستمرارها، وأقل نحو تصور المستقبلات البديلة. ليست قليلة المشاريع والوثائق التي تتكلم على "اليوم التالي"، لكنها تبدو تقديرات مجردة وتعابير عن رغبات ذاتية، وليست ممكنات حقيقية وثيقة الارتباط بالعمليات الجارية فعليا في البلد.
وخلال نحو 19 شهرا من الثورة بدا أن "غريزتها" تتجه نحو تنويع ميادين الصراع مع النظام ووسائل المواجهة بما يستجيب لأولوية استمرارها إلى حين يتحقق الهدم المطلوب، لنحصل على بداية جديدة. وحتى المقاومة المسلحة التي أضحت مركز ثقل الصراع ضد النظام الأسدي نزع تركيبها الداخلي إلى التنوع والتعقد واللامركزية، تنظيميا وإيديولوجيا وسياسيا، بما يتوافق بدوره مع الحاجة الحيوية إلى الاستمرار أكثر من أي شيء آخر. ليس للثورة على أي مستوى رأس يمكن لقطعه أن يوقفها. وما دامت عملية الهدم لم تتحقق فإن استمرار المقاومة مقدّم على أي شيء آخر، أما إذا توقفت أو سحقت فلن يبقى أمام السوريين غير العبودية في أشد أشكالها عُتْقا وبدائية.
لكن مقتضيات الاستمرار، من تجذر وتسلح وتعدد في الرؤوس، وتدين، تبدو أقل ملاءمة للهدف الديمقراطي المنشود. فإذا وضعنا أنفسنا على مستوى صورة هذا الهدف، كان مرجحا أن نحكم بالسلب على مسار الثورة، على ما يفعل خارجيون متنوعون. وبالعكس، إذا وضعنا أنفسنا على مستوى العمليات الجارية، وهي الداخل السوري الحقيقي اليوم، كان محتما أن يعاد التفكير في الهدف وتبنى صورته على نحو مغاير. من هذا الموقع سيبدو أن تجذر المقاومة وعنفها يلبي مطلب امتلاك السياسة والمبادرة السياسية من قبل جمهور واسع كان غير موجود سياسيا، بل أكثر من ذلك امتلاك الحرب أو منازعة النظام على احتكارها، وقد استند إلى هذا الاحتكار لاستعباد عموم السوريين طوال نحو نصف قرن.
بعبارة أخرى، الهدف ليس شيئا يتحقق فيما بعد، عبر "حوار هادئ" ربما، وإنما هو المقاومة الهادفة إلى صنع موازين قوى جديدة، لا بديل عنها كي تكون السياسة ممكنة. فليس هناك فرصة جدية، ولم تكن هناك فرصة جدية في أي يوم، للتخلص من نظام الحرب الأسدي بأدوات الإقناع والحوار السياسي. وإذا كان يمكن قول أشياء كثيرة عن أن المقاومة المسلحة ليست الطريقة المثلى لتحول ديمقراطي، فإن القول الأصوب أن خيار السياسة لم يطرح على السوريين طول 19 شهرا من الثورة. فإن تعذر نزع سلاح النظام وحرمانه من احتكار الحرب، فليس هناك وجه عادل للاعتراض على تسلح المقاومين السوريين ومحاولتهم امتلاك الحرب، ما استطاعوا. فإما سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين.
دواعي الاستمرار والتجذر قادت أيضا إلى تديين متصاعد لأفعال المقاومة، المسلحة منها بخاصة. والسجل هنا أيضا متناقض. فالدين يساعد أوساطا مستباحة ومنزوعة الحصانة على التشكل كأطراف سياسية، ويزودها بلغة للاعتراض والمطالبة، وهو بذلك يلعب دورا تحرريا. لكنه مصدر لفاعلية انقسامية وطاقة نزاع أيضا، ولا يساعد على الانفتاح على تجارب وخبرات إنسانية مغايرة.
هذا أيضا يرشح الصراع السوري لطول الأمد. صراعات الدين أطول أمدا وأعنف من صراعات السياسة المحضة.
ليس في ذلك ما يبهج القلب، وإن كنا لا نرى أن في ذلك ما يسوغ "سياسة الأسف" والنواح التي يعرض سوريون كثيرون استعدادا كبيرا لها. لدينا مشكلات معقدة ومتراكبة، أخطرها هذا النظام الحاكم الذي عقد كل شيء في سورية بدل أن يكون الجهة التي تعالج المشكلات الوطنية. ولا يملك "الآسفون" حلولا لهذه المشكلة ولا لغيرها، وإن فضلوا توزيع المسؤولية على كثيرين، ليس النظام إلا واحدا منهم.
وإذا كان مرغوبا بالتأكيد أن يأخذ الصراع السوري أشكالا أقل تدميرا وفظاعة، فلا نرى كيف لذلك أن يحدث دون سقوط نظام الحرب المستمرة، أو إسقاط السلاح من يده.
هذا يقودنا بعيدا عن سؤال المطلع: هل الثورات عمليات هدم أم بناء؟ نهايات أم بدايات؟ لا نستطيع الكلام على البناء اليوم، وقد تنقضي سنوات قبل أن يكون ممكنا الكلام عليه. لكن إلى حين يبدأ النظام الأسدي بالتصرف كطرف سياسي لا كمجرم مسعور، ليس أمام الثائرين السوريين غير المقاومة ومحاولة كسره في ميادينها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جماعة -ما تبقى-: السنيون السوريون والسياسة
- جوانب من -الاقتصاد السياسي- للحرب الأسدية الثانية
- الموجة الإسلامية الثالثة والثورة: بعض الأصول والدلالات والآث ...
- الثورة في خطر!
- مأزق الثورة السورية
- حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
- حوار حول الثورة السورية والموقف الدولي
- كتاب -العقد الأخير في تاريخ سورية...-: جدلية المنهج المنفتح ...
- نزع القداسة عن الثورة
- حوار حول الشأن السوري والطائفية والمستقبل
- ما الاعتدال وما التطرف في الشأن السوري؟
- فقدت الحياة القديمة
- ما يستقيم وما لا يستقيم في معالجة -الأزمة السورية-
- حوار حول الثورة والمثقف والسجن
- الثورة السورية إلى أين؟
- ما قصة روبرت فيسك؟ ماذا يريد؟
- -الصورة واضحة-: مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي!
- سياستان موضوعيتان وسياسات ذاتية للثورة السورية
- المسألة السورية والنظام الدولي
- نظام الإبادة: من الإبادة السياسية والأخلاقية إلى القتل الجما ...


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين