أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - رتابة الرتابة














المزيد.....

رتابة الرتابة


ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 04:59
المحور: الادب والفن
    




دبت من ظلامها تسحب ماض سحيق يعبق بروائح الحناء والقرنفل، والشعيرات القانية التي تتسلل من أسفل منديل الرأس تختزل تاريخا بكامله، بأحداثه وفصوله، ترويها للآذان الصاغية بكل براعة دون أن تغفل عن ذكر علم أو أثر. في ألق الصبح مشت بتريث، تجر جسدا منهكا عتيقا كآخر خرافات الأزمان، تسللت بخوف وسط الطرقات العامرة، تحاذر العير الجامحة في معمعة الفوضى حيث الجميع يعسفون الطريق، وإزارها يكاد يفلت منها، يسبقها، تذروه الرياح فيُطوح بها ثم يجرها إلى الأمام كسفينة صغيرة بقلوع كبيرة. بعد جهد رست على عتبة باب السوق لتزاحم التعساء. تململت في مكانها، قرفصت فجردت راحة معروقة من بين ثناياها، مدَّتها ثم بسطتها.

جاءت الظهيرة شاحبة المحيا والوجوه المغبرة تغادر السوق محملة بقفف ملؤوها بالحسرات. وأطفال صغار، صغار جدا يكدون في دفع عربات كبيرة تحمل أثقالا ليوصلوها حيث ييمم الزبون الذي يتعقبهم، يتوقف ويحك شعره امتعاضا كلما تعثرت العجلات في حفر الطريق، قد تنهرس الخضر قبل الوصول، وقد يتوقف ليغازل بدوية تختال في زركشاتها فتلهج القلوب وتتخاطب الأحداق من دون حروف، فتنكس الرأس دلالا وتعض بحنو على ظهر الإبهام المخضب بالحناء، لكن تنتهي المغامرة عند هذا الحد للترصدات الكثيرة، ثم يستأنف ممارسته في تعقب العربة ليحكي في المساء عن مغازلات السوق بكل الزهو فتستيقظ في جسد كل جليس رجولته الأخرى، ويحذوا الجميع أمل الأسبوع المقبل.

وتعود العجوز من تسولها وتوسلها بعد أن جمعت بعض الدراهم، تفتح بابا موصدا عن عمر كامل، تستلقي منهدة على الفراش القض فيتطاير الغبار حولها، ولّى زمنها ولم تعد تقوى على الكنس. تأتيها الجارة الثرثارة، تدفع الباب الذي تركته لها مواربا كي لا تكلف النفس المهدودة جهدا في فتحه دونما فائدة تجنى من الفضول القادم الذي سيزور لبرهة، يستشف فيها مكنونات الصُّرة لمشروع سلفة لا تُرد.

غفت قليلا ثم قامت لتبحث لها عن غذاء في الحواري القريبة قبل أن تتخلص المطابخ السمينة مما فضُل عن الموائد. تصادف متشردة كالحة مزمجرة بالسباب تمشي على غير أثر في سبيلها المعتاد، تنفر الناس فتوصد كل الأبواب. تنهرها العجوز ويحتدم النقاش وينتهي بعد لحظات فقط لتبدأ الصفعات والعض والضرب، تنبعث في جسدها قواها المستترة.

تمضي الأيام وتتغير التواريخ، تسحب رتابة ثخينة بترسبات غبار الأسواق، والباب الموارب يئز على جري عادته، وتشتكي الرُّكب من طول الإقعاء حين تلتمع الأنوار في السماء أو كلما أمعنت بالهطول الأنواء .



#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويستمر الوفاء
- ذاكرة بسبعة أيام
- السينما المركزية
- سدُم ذاكرة أو المساء السبي
- النجعة الجبلية
- قصص قصيرة للوفاء
- قصص قصيرة حتى لا ننساكم
- قصص قصيرة جدا
- قصة قصيرة: طريق جرادة
- قصة قصيرة: التيه
- قصة قصيرة عيساوة


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - رتابة الرتابة