أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أ. الطاهر شقروش - -الانتخابات التشريعية الجزائرية: انتكاسة الحركة الاسلامية الدواعي والدلالات-.















المزيد.....



-الانتخابات التشريعية الجزائرية: انتكاسة الحركة الاسلامية الدواعي والدلالات-.


أ. الطاهر شقروش

الحوار المتمدن-العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20 - 21:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ا
الانتخابات التشريعية الجزائرية:
انتكاسة الحركة الاسلامية :
الدواعي والدلالات.


لقد اكتست الانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت في 10 ماي 2012 أهمية خاصة ليس فقط بالنظر للنتائج التي تمخضت عنها وإنما أيضا بالنظر للسياق التاريخي الذي تمت فيه والذي حّملها رهانات وتحديات جسيمة .
لقد جاءت نتائج هذه الانتخابات مغايرة لتوقعات العديد من المتتبعين لشأن العربي والذين كانوا ينتظرون أن تؤكد و تدعم المد الإسلامي المتصاعد ليكتمل القوس الممتد من اسطنبول إلى الرباط ، لكن أمواجه العاتية تكسرت على مرافئ الجزائر.
وبقدر ما ولّد هذا الفشل خيبة أمل لدى التيارات الإسلامية بقدر ما نشأ عنه تفاؤل حذر لدى التقدميين والديمقراطيين، خاصة وأنه من بين المنتخبين توجد 143 نائبة من مجموع 462 نائبا وهي علامة فارقة مقارنة مع كل الانتخابات التشريعية السابقة،حيث اعتبر ذلك إنصاف للمرأة و تثمين لكفاحها زمن الاستعمار و لمعاناتها سنوات الإرهاب ولإسهامها في بناء الجزائر المستقلة ، وفي المقابل لم ينتخب سوى 61 نائب إسلامي.
لقد كانت الصدمة عنيفة حين كشف الصندوق عن سره خاصة بالنسبة لجماعة "تكتل الجزائر الخضراء " الذي أعلن قائده أبو جرة سلطاني قبل فرز الأصوات أنه الفائز لا محالة و لفرط ثقته في حظوظه شرع في مشاورات لتشكيل الحكومة التي سيرأسها ، ولم تكن صدمة المراهنين على هذه التكتل أقل... لذلك اعتبروا أن الانتخابات الجزائرية استثناء بالنسبة لمثيلاتها التي جرت في كل من تونس والمغرب ومصر .
يرتكز هذا الموقف على فرضية ضمنية تعتبر أن "الربيع العربي " شكل فرصة لارتقاء القوى الإسلامية إلى سدة الحكم إثر تنظيم الانتخابات التشريعية. وبما أن النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات التشريعية الجزائرية لم تفض إلى ارتقاء الاسلاميين الى السلطة على خلاف ما تم في تونس و المغرب ومصر فان "الربيع العربي " يعتبر مؤجلا في الجزائر... في حين يعتبر آخرون أن الجزائريين صنعوا ربيعهم ال
خاص بهم في انتفاضة أكتوبر1988 .
أي الفرضيتان أقرب للحقيقة والواقع ؟
إن الحسم في أي من الفرضيتين يتطلب توخي تمشيا صارما يتجلى لنا كالتالي:
1-تحليل السياقات "الجيوسياسية" التي تنزلت ضمنها الانتخابات التشريعية الجزائرية للكشف عن الرهانات والتحديات التي انطوت عليها ؟
2- تبيان مسارات التيارات الاسلامية الجزائرية وموقعها ضمن خارطة الاحزاب السياسية وبصورة خاصة علاقاتها وموقفها من السلطة القائمة.
3-استعراض الإطار القانوني الجديد المنظمة للانتخابات ومدى توافقه مع المعايير الدولية وكذلك السير العملي للانتخابات التشريعية.
4- نتائج الانتخابات وانعكاساتها على الحركة الاسلامية الجزائرية و"القوس الإسلامي " الممتد من اسطنبول الى الرباط.
فما هي هذه السياقات الذي تنزلت ضمنها الانتخابات التشريعية الجزائرية؟ و ما هي الرهانات والتحديات التي انطوت عليها ؟
1-الربيع العربي و تفاقم مؤشرات التدخل الامبريالي.
ما من شك أن "الربيع العربي " مّثل تحولا عميقا نسف أنظمة مستبدة قهرت شعوبها وأذلّتها لدرجة جعلتها تتحسر أحيانا عن الهيمنة الاستعمارية التي كابدت خلالها الدونية والقهر... ولكن هذا الربيع لم يحمل كله نسائم الحرية والكرامة للشعوب العربية لذلك يميز المحللون بين "الثورات النظيفة " التي تمت في كل من تونس ومصر من ناحية و" الثورات الملوثة" التي تمت في ليبيا أو كالتي تتم في سورية وهي تحمل في طياتها مخاطر الهيمنة والاحتلال من ناحية ثانية
لقد تنبهت الامبريالية العالمية بعد أن فاجأتها الثورة التونسية و المصرية إلى الكارثة التي هزت أركان مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل في المنطقة ، فاستخلصت الدرس بسرعة فائقة.
لقد عملت في اتجاهين متكاملين حيث سعت في البداية إلى الحد من نزيف خسائرها بأن أجهضت على الثورة البحرانية بالاعتماد على درع الجزيرة ثم حاصرت الثورة اليمنية وأفرغتها من مضمونها عن طريق المساعي التي كلفت بها دبلوماسية دول مجلس الخليج. ولما استردت شيئا من أنفاسها، راحت تهاجم أقطار خارج سيطرتها بهدف ترويضها ووضعها تحت هيمنتها تعويضا للخسائر التي تكبدتها. وهكذا استبقت الثورة الليبية وطوعتها لخدمة أغراضها. ولما نجحت راحت تكرر نفس السيناريو بسورية لكن هذه المرة لم يكن الهدف محليا بل كان اقليميا ذي أبعاد عالمية . حيث تجاوز هدف الثورة المضادة وضع قطر عربي تحت الهيمنة الامبريالية الى كسر محور المقاومة الاقليمي الممتد من ايران الى جنوب لبنان مع ما يترتب عن ذلك من اختلال في موازين القوى العالمية .
يعزى النجاح السريع الذي حققته القوى الامبريالية إلى توخيها أساليب مستحدثة ليس للقوى الثورية دراية كافية بها. لقد غيرت الامبريالية الغربية أدوات سيطرتها القديمة بأخرى جديدة أقل كلفة وأكثر فاعلية وأشد بطشا وتم ذلك بسرعة فائقة ووسط ذهول عربي وعالمي كبير .
لقد عمدت إلي تعبئة احتياطها الذي كانت تعده من عقود لهذا الدور الجديد القديم : إنها التنظيمات الاخوانية التي تشرف وتقود العصابات التكفيرية ، والتي تمولها وتسلحها أنظمة عشائرية استبدادية تبارك خططها الجامعة العربية وترعاها تركيا ويضفى عليها مجلس الأمن الشرعية الدولية . و تسند هذه الهجمة الشرسة آلية اعلامية ضخمة تخلت عن كل معايير أخلاقية مهنية . وتتم هذه الثورات المضادة تحت يافطة الديمقراطية وحقوق الإنسان في حين أن القوى التي تشرف عليها وتنفذها لا تعترف بأي من هذه القيم السامية لأنها تعتبر الديمقراطية كفر وحقوق الانسان تمرد على السلطة الربانية.
وفي خضم هذا الزحف الذي بدا وكأنه لا يقاوم ، حددت الجزائر كهدف قادم وبدأت هذه القوى تتربص بها بالجزائر و تتوعد ها "إن الدور القادم سيكون عليكم " هكذا خاطب العراب القطري خلال أحدى اجتماعات الجامعة العربية السيد مراد مدلسي وزير خارجية الجزائر لما أعترض على تدويل المسألة السورية. و تزايدت الضغوط المسلطة على الجزائر لما زحف طوارق مالي مدججين بالأسلحة الواصلة لتوها من مخازن ليبيا واحتلوا شمال مالي وأعلنوا الانفصال وتشكيل دولة الازواد على حدود الجزائر الجنوبية و لم تدم هذه الدولية إلا أيام معدودات ثم سطا عليها مسلحو تنظيمات "أنصار الدين"و "التوحيد والجهاد " و"القاعدة بالمغرب الاسلامي " بدعم من قطر...
وانطلقت المظاهرات والتجمعات والاعتصامات بالجزائر ولكنها لم تكن بالزخم المنتظر ولا بالانتشار المطلوب .
لقد استوعبت القيادة الجزائرية الدرس الليبي وقبلهما الدرس العراقي والصربي من هذه الحروب التي تشنها الامبريالية تحت يافطة الديمقراطية وحقوق الإنسان في حين لم تكن تتورع في القرن التاسع عشر على احتلال الصين بتعلة حرية "تجارة الأفيون". فبقدر ما أبدت القيادة الجزائرية تمسكا بالمبادئ والتوجهات الإستراتيجية بقدر ما كشفت عن مرونة تكتيكية فائقة.
لقد عملت في اتجاهات عديدة لكنها متكاملة، لقد جابهت المظاهرات الشعبية دون عنف مبالغ فيه وأطلقت سراح كل الموقفين في أسرع وقت والأهم أنها استجابت لمطالبهم الاجتماعية المشروعة وذلك بتجميد الأسعار والرفع في الأجور والجرايات... و شرعت في إصلاحات سياسية عديدة. لقد تم رفع حالة الطوارئ السارية المفعول منذ 1992 وشملت الاصلاحات مجالات الإعلام المكتوب والسمعي البصري وتكوين الجمعيات والأحزاب ومشاركة المرأة في الهيئات التمثيلية وتنظيم الانتخابات و التنظيم الولائي والبلدي الخ ... ولئن لم ترتق هذه الإصلاحات إلى طموحات الجزائريين، فإنها ولاشك كانت خطوة هامة قياسا بما كانت علية الأوضاع مع التأكيد على أن المجلس النيابي الجديد موكول له تحوير الدستور ...
كما أبدت القيادة الجزائرية مرونة غير معهودة لحلحلة ملفات اقتصادية عالقة منذ سنوات مع شركات كبرى فرنسية (طوطال، رونو و لفارج...) وشركات أمريكية بترولية (تقاضي دوليا الجزائر من أجل فرضها ضريبة على الأرباح الاستثنائية وبمفعول رجعي... ). كما قبلت و لأول مرة استقبال ملاحظين من الاتحاد الأوروبي ومن الأمم المتحدة...لمراقبة نزاهة الانتخابات...فاعتمدت 500 مراقب دولي.
لقد فهم جل الجزائريين أن الرهان الحقيقي في هذه المرحلة الدقيقة هو الدفاع عن استقلال القرار الوطني وذلك عبر الدفع بالإصلاحات السياسية إلى أبعد مدى حتى تكتسي مؤسسات الدولة الشرعية الشعبية التي تعوزها. و تتحسن المقدرة الشرائية للمواطنين حتى يشعروا أنهم أعزاء في وطنهم وأن حقهم كامل في المشاركة في تسيير شؤونه و في التمتع بخيراته.
لقد كانت اللحظة حاسمة والوضع دقيق و عرف بوتفليقة كيف يخاطب الجزائريين متى يتدخل وعما يركز . لقد اختار مناسبات مفصلية في تاريخ الجزائر الحديثة ليتوجه للشعب الجزائري :عيد تأميم المحروقات ، ذكرى تأسيس اتحاد العمال ، وذكرى مجازر 8 ماي 1945. وأكد خلال خطبه الثلاثة على مسائل مفصلية في تاريخ الجزائر الحديثة: أهمية الاستقلال الوطني و جسامة التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري في سبيل استرجاع سيادته على أرضه وثرواتها و فتح المجال للشباب ليتسلم المشعل من جيل الثورة الذي أدى الأمانة وعليه أن ينسحب.
و كانت العشرية السوداء وما صاحبها من مآسي ودمار حاضرة في ذهن كل جزائري . لقد كان الخيار واحدا إنه بين التقدم و التقدم وغير ذلك يكون الانحدار الذي لا قرار له.
ولعل حزب العمال بقيادة السيد لويزة حنون كان أدرى التشكيلات السياسية الجزائرية بتحديات المرحلة ورهاناتها وقد عملت بكل قواها على الدفع بالإصلاحات السياسية إلى أبعد مدى والضغط على السلطة لتلبية المطالب الشعبية وفي حين أبدت جبهة القوى الاشتراكية الفصيل الوطني والديمقراطي الذي طالما ناصبه النظام العداء تحفزا كبيرا للمشاركة في الانتخابات التشريعية وإنجاح هذا الاستحقاق في حين قاطع الاستحقاقات السابقة في 2002 و 2007 وذلك وعيا منه بالمخاطر التي تهدد الوطن والأمة .
في هذا المقابل كانت القوى التي تقاسمت السلطة والنفوذ منذ 1995 مع النظام وساندته دون تحفظ تستأسد عليه وتستقوى بقوى وإقليمية ودولية.
و ما غاب عن هؤلاء أن الظرفية الدولية بدأت تتغير لغير صالح حلفائهمالأطلسيين والخليجيين. فلقد استفحلت الأزمة المالية العالمية ودفعت بعديد الشركات والبنوك إلى الإفلاس وتولدت عنها مديونية ضخمة أثقلت كاهل المواطن الغربي البسيط ودفعت بجحافل العاطلين إلى الفاقة وتتم هذه التطورات في ظل رأي عام بدأ يضيق ذرعا بالأموال المهدورة في سبيل تحقيق "ثورات عربية " تعلن باسم الديمقراطية وتقودها انظمة قادمة من القرون الوسطى تجيش لها عصابات ارهابية تكفيرية . لقد كانت تتم هذه التحولات في الوقت الذي أظهر فيه النظام السوري تماسكا وصمودا ملحوظين وتلقى عما قويا من حلفائه الايرانيين وكذلك من الحلف الروسي الصيني الذي صمد أمام كل التهديدات والابتزازات الغربية ... كما بدت تتجلى لشعوب العربية الاعيب حكام الخليج وتركيا ومحاولاتها توجيه الصراع الاقليمي الدائر بالشرق الاوسط من صراع عربي اسرائيلي الى صراع شيعي سني ..
كيف تصرفت التيارات الاسلامية الجزائرية في ظل هذه الاوضاع ؟
2-التيارات الإسلامية الجزائرية: المسارات والمواقع.
حتى تنبين مواقف التيارات الاسلامية من العملية الانتخابية لا بد من استعراض المسارات التاريخية التي مرت بها وحددت بدرجة أو أخرى موقعها ضمن خارطة الاحزاب السياسية وبصورة خاصة موقفها من السلطة لنصل الى مقاربة الفرص المتاحة لها ضمن القوى المنافسة لها وذلك على ضوء الرهانات والتحديات التي تنطوي عليها هذه الانتخابات التشريعية.
لقد شكلت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين " المرجع والرمز لجميع التيارات الاسلامية الإخوانية والسلفية الجهادية بالرغم من إن منتسبي هذه الجمعية كانوا من خريجي جامع الزيتونة والأزهر ومتشبعين بالفكر التنويري والإصلاحي الذي نادى به كل من جمال الدين الأفغاني و محمد عبده والطاهر بن عاشور ...لدرجة أن جمعية علماء الجزائر عملت في تحالف وثيق منذ النصف الثاني من الأربعينات مع كل "أنصار البيان الديمقراطي " ذي التوجه الليبرالي بقيادة فرحات عباس ومع "الحزب الشيوعي الجزائري" بينما فضل "حزب الشعب " السري وواجهته العلنية "أنصار الحريات الديمقراطية " بزعامة مصالي الحاج " ذي التوجه الراديكالي الوطني الاجتماعي والبعد العربي الإسلامي العمل بمفرده وفي تباين مع الخط السياسي الإصلاحي لهذه التحالف.
ومع انطلاق الثورة التحررية في نوفمبر 1954 وتصلب عودها سنة 1956 التحق أعضاء "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين " بجبهة التحرير الوطني بصورة فردية بعد حل تنظيمهم كباقي الأحزاب الجزائرية.
لهذه الاسباب التاريخية نشأت التيارات الإسلامية الجزائرية صلب جبهة التحرير الوطني وترعرعت داخل أجهزة النظام الجزائري على خلاف مثيلاتها المصرية والتونسية. وقد بدأت التيارات الإسلامية ذات التوجه الاخواني تفصح عن ذاتها خلال السبعينات وذلك كرد فعل على التوجهات التقدمية للنظام الجزائري وبصورة اثر الشروع في تطبيق الاصلاح الزراعي.
غير أن التوجه الليبرالي الذي اتبعه النظام على مستوى سياساته الاقتصادية مع مطلع الثمانينات قد قابلته معارضة شديد من قبل القوى التقدمية المتواجدة بصورة خاصة صلب الحركة الطلابية و النقابات العمالية وترتب عن ذلك سحبها لتأييد الذي كانت تقدمه للنظام الذي عمد إلى مواجهتها بتشجيع التيارات الاسلامية الإخوانية.
لقد تمكنت انتفاضة 8 أكتوبر 1988 الشعبية من القضاء على نظام الحزب الواحد وفتحت فضاءات واسعة للحريات ولم يكن للإسلاميين اي دور في ذلك. غير أن عشرية التسعينات كانت إسلامية بامتياز.
فلقد تأسست "جبهة الإنقاذ الإسلامي " في 18 فيفري 1989 علي يد كل من عباسي مدني وعلي بالحاج وتم اعتمادها من قبل وزارة الداخلية في 6 سبتمبر من نفس السنة. كما أسس محفوظ نحناح "حركة المجتمع الإسلامي" بتاريخ 6 ديسمبر 1990 .
والجدير بالذكر أنه مع مطلع التسعينات انقسمت الحركة الاسلامية الجزائرية الى تيارين متباينين كأشد ما يكون التباين :
أ- تيار المجابهة مع السلطة والذي اعتمد العنف منهجا لتغييرها وتغيير ما يعتقد انه فساد المجتمع والدولة وذلك بعد إيقاف العملية الانتخابية في 11 جانفي 1992. فكانت نتيجة هذا العنف أن كاد المجتمع يتفكك و الدولة تدمر. و كانت "جبهة الإنقاذ الإسلامي " والسلفية الجهادية الممثلة في "جماعة الدعوى والقتال " أهم تعبيرات هذا التوجه.
وبعد عشرية من الإرهاب والخراب قبلت جبهة الإنقاذ بالسلم حسب شروط النظام القائم وتشتت فلول الجماعات السلفية الجهادية التي رفضت المصالحة وبايعت القاعدة وتاهت في الصحراء الكبرى.
ب-تيار المشاركة في السلطة : والذي قبل بالعمل في ظل النظام السائد والواقع الذي تمخض عن إيقاف الانتخابات التشريعية لسنة 1992 وذلك قصد تغييره من الداخل وقد شكلت "حركة المجتمع الإسلامي " و "حركة النهضة " و "حركة الإصلاح الوطني " أهم تعبيرات هذا التيار التشاركي.
لقد تأسست "حركة المجتمع الاسلامي " "حماس " سنة 1990 على يد السيد محفوظ نحناح وهي الفرع الجزائري لـ"لتنظيم العالمي للإخوان المسلمين " وقد غيرت الحركة اسمها ليصبح »حركة مجتمع السلم « "حمس " تماشيا مع قانون الأحزاب الذي أصبح يمنع تكوين الأحزاب الدينية. و بعد تمثيلها في المجلس الوطني الانتقالي 1994 و مشاركتها في الحكومة منذ 1996 انضمت إلى الإتلاف الرئاسي بمعية جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي في 16 فيفري 2004 إلى غاية 10 ماي 2012 موعد تنظيم الانتخابات التشريعية. وبموجب انضمامها الى التحالف الرئاسي تحولت حركة مجتمع السلم "حمس" إلى طرف أساسي في السلطة كشريكيها في الإتلاف الرئاسي. وهي تتحمل تبعا لذلك وبمعية شريكيها وخلال هذه الفترة نتائج تسيير شؤون الدولة بجوانبها الايجابية أو السلبية.
و لعل أحد النتائج المترتبة عن هذه المشاركة في السلطة هي الانشقاقات والانقسامات العديدة التي هزت حركة حمس بسبب ما اعتبره منتقدوها فقدان استقلالية القرار والروح النقدية في علاقتها بأطراف التحالف الرئاسي.
وقد كانت مغادرة عبد المجيد مناصرة (نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي 1994 -1997 ثم وزير الصناعة 1997-2002 ثم عضو بالمجلس النيابي منذ 2002 إلى اليوم) وأنصاره الحركة اثر المؤتمر الرابع في ماي 2008 أهم هذه الانشقاقات وأخطرها. وقد أسس وأنصاره "جبهة الدعوة والتغيير " في أفريل 2009 والتي اعتمدت تحت مسمى "جبهة التغيير " في 2012.
أما "حركة النهضة " فقد تأسست في مارس 1989 على يد السيد عبد الله جاب الله والتي فصل منها سنة 1998 . فأسس " حركة الإصلاح الوطني " في 29 جانفي 1999 والتي أصبحت بعد انتخابات 2002 القوة الثانية في البلد. وقد شقت هذه الحركة أيضا تناقضات عميقة موضوعها المشاركة من عدمها في الحكومة وكان السيد عبد الله جاب الله أشد المعارضين لنهج المشاركة. و قد نقلت هذه الخلافات أمام المحاكم التي حسمت الأمر لفائدة خصوم السيد عبد الله جاب الله الذي غادر" حركة الإصلاح الوطني " في 2007 و أسس "الجبهة من أجل العدالة والتنمية " التي وقع اعتمادها سنة 2012.
تلك هي أوضاع الحركة الاسلامية الجزائرية . فما هو موقف كل فصيل من العملية الانتخابية؟
3-التيارات الإسلامية : المواقف والتحولات.
يعتبر "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي " ذي الخلفية الوهابية السلفية الجهادية أن الديمقراطية كفر لذلك لا يعتبر هذا التنظيم نفسه معنيا بهذا الاستحقاق ولا يتضمن قاموسه السياسي مثل هذه المصطلحات و هو يستعيض عنها بمصطلحات أخرى كالتكليف الشرعي والبيعة والشورى..الخ. أما "جبهة الإنقاذ الإسلامي " التي تتعامل مع الديمقراطية لا كمنظومة قيمية تحدد شرعية الحكم وتأسس لمدونة حقوق الإنسان بل كمجموعة من التراتيب الاجرائية الموصلة الى الحكم بأقل التكاليف ، فإنها دعت إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية لكونها محظورة وممنوعة من المشاركة في مثل هذه الاستحقاقات .
أما باقي التشكيلات الاسلامية فإنها تنتمى كلها للتيار الإسلامي التشاركي... و يأتي على رأسها " تكتل الجزائر الخضراء " وهو تحالف ضم كلا من " حركة مجتمع السلم " بقيادة أبو جرة سلطاني و"حركة النهضة " بقيادة فاتح ربيعي و"حركة الإصلاح الوطني " بقيادة حملاوي عكوشي. إلى جانب حزبين جديدين وقع اعتمادهما رسميا بعد جانفي 2012 هما "جبهة التغيير " بقيادة السيد عبد المجيد مناصرة و"الجبهة من أجل العدالة والتنمية " بقيادة السيد عبد الله جاب الله .
تلك هي مواقف التيارات الاسلامية من العملية الانتخابية وهي مواقف معهودة ومجترة حيث نجد نفس الفاعلون ونفس المواقف تكرر دون تغيير منذ استئناف المسلسل الانتخابي خلال استحقاقات سنوات 1997 و 2002 و 2007 و 2012 بعد كان أن توقف خلال سنة 1991 ... لكن المتتبع لشأن الاسلامي الجزائري...يرصد مؤشرات جديدة لا تخلو من دلالات عميقة : دعوة ملحة لرص الصف الاسلامي بالموازاة مع التصعيد في التباين مع حلفاء الأمس...
وقد طرأ هذا التبدل المفاجئ على مواقف "حركة مجتمع السلم " وبشكل خاص على مواقف أمينها العام السيد أبو جرة سلطاني الذي تحول بين عشية وضحاها الى معارض عنيد و صاحب مواقف حاسمة وهو الذي بارك وثمن كل سياسات النظام. لقد أنسحب من الاتلاف الرئاسي و صعد من لهجته وشكّل تكتله الأخضر وبشّر بالفوز الساحق للإسلاميين قبل تنظيم الاقتراع بل أنه سعى إلى تشكيل حكومة قبل الإعلان عن النتائج.
أن التبدل المفاجئ الذي طرأ على موقف "حركة مجتمع السلم " منذ مطلع 2012 وبشكل خاص على مواقف أمينها العام السيد أبو جرة سلطاني، اثر الاعلان على نتائج الانتخابات التشريعية في كل من تونس والمغرب ومصر لهو أمر مثير للدهشة والاستغراب خاصة وان صادر عن شخصية باركت وثمنت كل سياسات النظام طيلة عقدين. لماذا تحول أبو جرة سلطاني بين عشية وضحاها الى معارض عنيد و صاحب مواقف حاسمة يصعد في مواقفه من السلطة و يستأسد على حلفاء الأمس ؟ ما سر هذا التحول المفاجئ ؟
لقد أعتقد أبو جرة سلطاني أن الرياح العاتية التي حملت الحركات الاخوانية خلال الانتخابات التشريعية في كل من تونس والمغرب ومصر الى سدة الحكم سوف لن تستثني نظائرهم بالجزائر وأن التشكيلة السياسية التي يتزعمها هي المؤهلة أكثر من سواها للاستفادة من هذا المد. لهذا سارع الى الاعلان عن فك الارتباط بحلفاء الأمس( جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) ودعا الى تكتل التيارات الاسلامية تحت لوائه.
لئن فاجأت هذه المواقف العديد من المتتبعين لشأن الجزائري فإن العارفين بمكونات المشهد السياسي لم يغتروا كثيرا لا بطابعها الحاسم ولا بجذريتها ، لأنها لم تكن متوافقة مع متطلبات الاوضاع الموضوعية ولا تطور الاوضاع الذاتية للحركات الاسلامية الجزائرية ، فخلافا لأوضاع الحركات الاسلامية بكل من تونس والمغرب ومصر ، كانت "الحركات الاسلامية الجزائرية تعيش أزمة عضوية وهيكلية حقيقية " .
لقد انقسمت الحركة الاسلامية الجزائرية مع مطلع التسعينات الى طرفين أساسين طرف اتبع أسلوب المواجهة وأعلن الحرب على الدولة والمجتمع وهو غير معني بالانتخابات التشريعية. وطرف اختار المشاركة وتقاسم الغنائم والمكاسب التي تدرها ممارسة السلطة ، ولا يزال هذا الانقسام متواصل الى اليوم زيادة على الانقسامات والانشقاقات الدورية التي عرفتها "الحركات المشاركة في السلطة وأضرت بمصدقتيها وإشعاعها....... وهي انقسامات وانشقاقات يعزى من قام الى فقدان الحركة لاستقلاليتها ولروح النقد في علاقاتها بحلفائها. كما أن فضائح الرشوة والفساد المتهم فيها العديد من وزراء "حركة المجتمع من أجل السلم" قد عمقت عزلتها وضاعفت من التناقضات التي تعيشها الحركة.
" لقد اظهرت هذه الاحزاب ، منذ تخليها عن النضال السري ، في نهاية الثمانينات ، رغبة جامحة في التحالف مع السلطة بهدف الحصول على مغانم . لقد كانت فترة النضال جد قصيرة. وقد قادت هذه الاستراتيجية الى الانشقاقات داخل "حركة النهضة" وأفضت الى فقدان "حركة مجتمع السلم " لمصداقيتها وهي المتواجدة في السلطة منذ أواسط التسعينات " .
ولعل موقف السيد عبد الله جاب الله زعيم "جبهة العدالة والتنمية " والمعروف بموقفه الصارم من النظام الجزائري رد عن الدعوة التي وجهها إليه السيد أبو جرة سلطاني للانضمام إلى التكتل الأخضر يحمل أكثر من معنى. لقد أجاب حين سئل عن طبيعة " تكتل الجزائر الخضراء " الذي يتزعمه السيد أبو جرة سلطاني بأنه "تكتل أحزاب الخنوع " أما على بالحاج القيادي المتشدد بــ"الجبهة الاسلامية للإنقاذ " فقد ذكر "أنه لو أتيح له أن يختار مرشح في الانتخابات القادمة فانه بالتأكيد لن يختار أبو جرة سلطاني وإذا كان لابد له من الاختيار فسوف يختار لويزة حنون " .
قد يبدو هذا القول يحمل قدرا من المغالاة خاصة وانه صادر عن قيادي اسلامي ولكن تفحصه يبرز أنه لا يجانب الحقيقة.يتذكر الجميع أنه لما كانت السيدة لويزة حنون "القيادية الشيوعية" و"الأمينة العامة لحزب العمال" تنادي بإيقاف الأعمال الحربية والتفجيرات و التعذيب وإطلاق سراح الموقفين والعفو العام والإصلاحات السياسية...وتجتمع في سانت أهدجو بروما في جانفي 1995 مع ثلة من خيرة قيادات الجزائر أمثال الزعيم الراحل أحمد بن بلة والأمين العام لجبهة التحرير وقتها السيد عبد الحميد مهري والزعيم التاريخي حسين آيت أحمد ، للبحث عن صيغ للمصالحة الوطنية تجنب الجزائر الاقتتال. كان أبو جرة سلطاني وحلفائه يتهمونها وباقي الزعماء الوطنيين بالتواطؤ مع الإرهاب.
أما حركتي النهضة والإصلاح الوطني حليفتي "حركة المجتمع من أجل السلم " فإنهما لا يختلفان عنها في شيء ، إذ يكفي التذكير بان قيادي كلا الحركتين انقلبوا على السيد عبد الله جاب الله المؤسس لكليهما لكنه فقد قيادته لحركة النهضة(1998 )ولحركة الإصلاح الوطني(2008) وأطرد منهما بسبب لعدم قبوله المشاركة في الحكومة رغم العروض المغرية المقدمة له ورغم توفره على عدد الكبير من النواب داخل البرلمان والمجالس الولائية والبلدية... وقد ساهم السيد سلطاني في تغذية هذه الانشقاقات وفي تهميش السيد عبد الله جاب الله . لذلك خير السيد عبد الله جاب الله النأى بنفسه عن هذا التحالف والتقدم الى الانتخابات التشريعية بمفرده على الانضمام إلي تكتل سلطاني ... وقد اتخذ السيد عبد المجيد مناصرة والذي انشق عن حركة سلطاني نفس الموقف بسبب تبعيتها للسلطة.
4-الانتخابات التشريعية: الإطار القانوني والسير العملي.
لقد انتظمت الانتخابات التشريعية على قاعدة الإصلاحات القانونية الجديدة وقد حملت معها متغيرات مهمة جعلتها تختلف في جوانب عديدة مع سابقاتها من حيث عدد المقاعد المتنافس عليها والأحزاب المشاركة فيها وهيئات الإشراف والمراقبة وفرق الملاحظين...
لقد حدد النظام الانتخابي للتشريعات الجزائرية بموجب القانون العضوي عدد 12-01 المؤرخ في 12/01/2012 وذلك استنادا للدستور الجزائري وقد تم استكمال القانون العضوي باستصدار عديد من القوانين الأخرى كقانون عدد 12-03 حول تمثيلية المرأة بالمجالس المنتخبة وعدد من المراسيم والأوامر والقرارات والإجراءات التنفيذية.
وبالرغم من سعي المشرع موائمة هذه التشريعات مع المعايير الدولية في المجال ذات العلاقة، فإنها مع ذلك لا تزال تشكو ضعفا هيكليا على صعيد إعداد القوائم الانتخابية، والشفافية خلال عملية تجميع النتائج والفعالية في حل النزاعات الانتخابية. لقد حال الافتقار إلى الشفافية عند تثبيت النتائج أثناء جمع الأصوات في مستوى الدوائر الانتخابية، دون التمكن من تعقب النتائج المجمعة مما أضعف ثقة الأطراف المشاركة في العملية الانتخابية.
ومما تجدر الاشارة إليه أنه لا يوجد قانون انتخابي محايد لأن القانون الانتخابي كغيره من القوانين هو في التحليل الأخير انعكاس لموازين قوى بين أطراف متصارعة. و إذا ما اعتمد عند صياغة أي قانون انتخابي على معطيات موضوعية أساسية كالخصائص الديمغرافية للساكنة وتوزيعها على فضاء ترابي محدد... فإن اختيار لنظام انتخابي معين أي نمط الاقتراع وأسلوب التمويل العمومي والإدارة الانتخابية وهيئات المراقبة... دون سواه يعكس بوجه من الوجوه انحيازا لمصلحة طرف على حساب طرف آخر. ذلك أن نمط الاقتراع وأسلوب التمويل العمومي والإدارة الانتخابية وهيئات المراقبة هي متغيرات أساسية بإمكانها أن تؤثر إلى حد على نتائج الانتخابات النهائية دون المس أو التلاعب بنتائج الاقتراع لذلك سنوليها أهمية خاصة وتبيان في أي اتجاه تفعل.
لقد وقع الاختيار على نظام اقتراع يعتمد نظام القوائم و التمثيل النسبي في انتخابات تتم على الصعيد الوطني وفي دورة واحدة وضمن الدوائر الإدارية الموجودة أي 48 ولاية إضافة إلى أربعة دوائر خصصت للجالية المتواجد بالمهجر. كما وقع توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية بما يتناسب وعدد سكان كل ولاية على أساس مقعد لكل 800.000 ساكنا على أن يضاف مقعد لكل 400.000 ساكن متبقي.
لقد كان المجلس النيابي المنتهي ولاية يشتمل على 389 مقعد في حين أن المجلس الجديد يشتمل على 462 مقعدا أي بزيادة 73 مقعدا. وقد تقدم لها 24.916 مرشحا من بينهم 7.700 مرشحة. كما أرتفع عدد الأحزاب المشاركة إلى 44 حزبا من ضمنهم 21 حزبا تحصلوا حديثا على الاعتماد وبلغ عدد القوائم المستقلة 185 قائمة.
و يفضي نظام الأقتراع إلى توزيع المقاعد بما يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة مع تطبيق قاعدة أفضل البقايا... و تقدم القوائم المرشحة من قبل الأحزاب المعتمدة (عددها 44) أو عن طريق المرشحين المستقلين (تقدمت 185 قائمة مستقلة). و لا تحتسب القوائم التي لم تحصل على 5 % في مستوى كل دائرة انتخابية وذلك عند توزيع المقاعد. وقد تمت مراجعة السجل الانتخابي "وإذا كانت آليات المراجعة محددة بصورة لا لبس عليها من قبل النصوص القانونية فإن نظام التسجيل يشكو ضعفا هيكليا خاصة في ظل غياب توطيد وطني للسجل الانتخابي منصوص عليه قانونيا. لذا يبدو من الصعب أن يكون هذا السجل موضع تثبت دقيق من قبل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. "
لم يستحدث القانون الانتخابي جهازا مستقلا ليشرف على الانتخابات التشريعية بل أوكل أمر تنظيمها إلى الجهاز الإداري للدولة ممثلا في وزارة الداخلية والحكم المحلي التي تحملت المسؤولية العامة لتنظيم العملية الانتخابية، من خلال "الإدارة العامة للحريات المدنية والشؤون القانونية" تساعدها في هذه المهمة كل من وزارة العدل، والتي وضعت على ذمة إدارة الانتخابات عدد من القضاة والأعوان العدليين، وكذلك وزارة الشؤون الخارجية، التي تولت الإشراف على انتخابات الجالية الجزائرية بالخارج.
وقد نص القانون صراحة على مبدأ حياد الإدارة وجرم من يخرق هذا المبدأ. وطبقا للقانون الانتخابي عدد 12 -1 المؤرخ في 12/01/2012 أنشأت الحكومة الجزائرية لجنتين للمراقبة:
أ-اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابية التشريعية: تتألف حصرا من قضاة (316) يشرفون على 69 هيئة فرعية ويساعدهم أعوان عدليون(6000) وهي تشرف على تطبيق أحكام قانون الانتخابات من تقديم طلبات الترشح إلى نهاية العملية الانتخابية. وهي تتمتع بصلاحيات واسعة و فاعلة تخول لها التقصي في الشكاوى المقدمة لها في أسرع وقت ، وكذلك تنفيذ القرارات التي تتخذها بشأنها. إن هذه اللجنة هي المخولة قانونا وخلال العملية الانتخابية تقدير التجاوزات التي من شأنها التأثير على مصداقية وشفافية العملية الانتخابية. وقد نظرت في 1242 قضية تعلقت منها 85 بمسألة الترشيح و 763 بالحملة الانتخابية و272 بنظام الاقتراع 122 اخرى.
ب-اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات: وتتألف هذه اللجنة من ممثلين عن الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات وكذلك من مرشحين مستقلين. و تسهر هذه اللجنة على ضمان المعاملة المتساوية لجميع المرشحين من قبل وسائل الإعلام العمومية وكذلك توفير بطاقات الاقتراع في مكاتب التصويت. كما تحرص على احترام الإحكام القانونية والترتيبية المنظمة لعملية الانتخابية...إلا أنه بالنظر لمحدودية صلاحياتها فإنها تكتفي بإبلاغ السلطات المختصة بما تلاحظه من تجاوزات. وبالنظر لمحدودية إمكانيتها اللوجستكية وضعف الكفاءات المكونة لها نظرا لقلة درايتهم بالعملية الانتخابية وبالإطار القانوني المنظمة لها فإن دورها كان محدودا.
و لا تقدم الدولة تمويلا مسبقا للأحزاب السياسية لكنها في المقابل تقدم 25% من جملة نفقات المرشح على شرط أن لا يتجاوز سقف النفقات مليون دينار جزائري على أن يحصل على ما نسبته 20% من الأصوات المصرح بها.
وتجدر الملاحظة أن التمويل الما بعدي وكذلك تحديد الحصول على سقف الـ 20 % من الأصوات المصرح من شأنه ترجيح كفة الأحزاب القوية القادرة على تعبئة سيولة ماليا وافرة نظرا لقاعدتها الجماهيرية ولانتشارها الواسعة ا وليس الأحزاب حديثة العهد التي لا تتمتع بمالية وافرة.
كما تابع العمليات الانتخابية مراقبون أجانب من منظمات وهيئات مختلفة وحضر عن منظمة الأمم المتحدة سبعة (7) مراقبين و من الاتحاد الأوروبي والنرويج وسويسرا مائة وأربعة وستون (164) مراقب وعن منظمة كارتر مراقبين (2) وعن المعهد الوطني للديمقراطية الامريكي ثمانية مراقبين(8). وهذه الهيئات يسمح لها بالحضور لأول مرة . إضافة إلى المراقبين التقليديين من الجامعة العربية مائة وأثنين وثلاثون (132) والوحدة الإفريقية مائة وأربعة وسبعون ( 174) ومنظمة التعاون الإسلامي ثمانية عشر (18 ).
أما من حيث السير العملي للعملية الانتخابية فلقد بدأت الحملة، يوم 15 أفريل وانتهت يوم 6 ماي قبل ثلاثة أيام من الانتخابات يوم 10 مايو. وسمحت أحكام قانون الانتخابات للمشاركين من أحزاب سياسية ومستقلين بحرية التعبير والتجمع فكانوا راضين عموما على مناخ الحرية التي تمت فيه الحملة الانتخابية والتي تميزت بطابعها الهادئ والسلمي باستثناء بعض الحوادث الطفيفة كتمزيق بعض الملصقات أو إلصاق بعضها الأخر في غير الأماكن المخصصة لها.
وفي المقابل فإن الحملة الانتخابية لم تثر حماس الناخبة و لم تحظ بالكاد باهتمامها حيث أن الاجتماعات العامة كانت تمت داخل فضاءات مغلقة. كما عملت الأحزاب على تناول نفس الموضوعات في خطاباتها التي توجهت بها إلى الناخبين: أزمة السكن، البطالة، تدهور القدرة الشرائية، مشاغل الشباب. كما أكدت جميعها على تشجيع الجزائريين على الإقبال المكثف على المشاركة في الاقتراع.
وقد تميز كل من حزب "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" بحضورهما المكثف في هذه الحملة واعتمادهما لإمكانيات معتبرة. كما أسهم كل من "حزب العمال " و"التكتل الأخضر من أجل الجزائر " و"جبهة القوى الاشتراكية " بصورة معتبرة حسب الولايات.
5- الانتخابات:النتائج و الدلالات.
وقد كشفت النتائج المصرح بها أن نسبة المشاركة بلغت 14، 43 % أي أزيد من نسبة المشاركة في استحقاق 2007 الذي كانت نسبة المشاركة فيه 35،65% . وسجلت نسبة المشاركة في المدن وفي منطقة القبائل نسب أقل مقارنة مع النسب المسجلة في المدن المتوسطة والقرى والأرياف كما كان الشأن في الاستحقاق السابق.
وما تجدر الإشارة إليه أن العدد المبالغ فيه للقوائم المرشحة قد أفضى إلى تشتت أصوات الناخبين زيادة على أن عدم احتساب القوائم التي لا تتحصل على ما نسبته 5 % على مستوى الدائرة الانتخابية قد استفادت منه الأحزاب الكبيرة لذلك نجد أن 1.299.686 صوت مصرح به أي ما نسبته 13,92 % قد ضاعت ولم تستفد منها أي تشكيلة حزبية. إضافة إلى أن ما نسبته 18.25 % أي 1.704.047 صوت لم تحتسب بالمرة لأنها لم تختر أي من المرشحين وهذا يعني أن العرض السياسي المقدم (أحزاب وبرامج) خلال هذا الاستحقاق لا يستجيب لرغبات الناخبين.
لقد كان الرهان الأول أن تتم هذه الانتخابات التشريعية في أجواء هادئة وسلمية وان تكون نسبة المشاركة محترمة ولقد نجح الجزائريون في تحقيق التحدي الأول بإجماع المراقبين والملاحظين لقد جرت الانتخابات في أجواء اتسمت بالهدوء وغياب مظاهر للعنف والصدامات وكانت نسبة المشاركة معتبرة حيث بلغت نسبة المشاركة 43.14 %.
ويمكن الجزم دون خطئ أنه ، بالتفحص الدقيق لنتائج الاقتراع ، التأكيد أن هذا الاقتراع رغم ما حمله من تغييرات لم يبدل الخارطة السياسية السابقة بالمجلس الوطني الشعبي بل انه حافظ على معالمها الأساسية. لا تزال الأحزاب الست الرئيسية تمسك بمعية المستقلين بما يقارب 90 % كما هو الشأن في استحقاق 2007.
وقد أثارت النتائج المعلن عنها الاستغراب والدهشة بين المشاركين في العملية الانتخابية وبصورة خاصة ما تعلق بالانتصار الكاسح الذي حققته جبهة التحرير الوطنية حيث تحصلت على 208 مقعد مقابل 136 مقعد في الانتخابات السابقة وهو ما يجعل منها القوة الاكبر داخل المجلس الشعبي.
لا تزال "جبهة التحرير الوطني" هي القوة السياسية الأساسية لكنها عززت مكانتها في المجلس في حين يحتفظ "التجمع الوطني الديمقراطي" بمكانته كقوة ثانية مع 68 مقعد ويحتفظ يكون التحالف الرئاسي المشكل من هذين الحزبين قادرا على لعب دور القاطرة فيما سيعرفه الدستور من تعديلات. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن انضمام عدد من المستقلين إلى الجبهة سيسمح لها بالحصول على الأغلبية داخل المجلس. دون تحالف مع حزب آخر*.
وبحصول جبهة القوى الاشتراكية على 30 مقعد ، فإنها تعوض التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بنفس العدد من المقاعد تقريبا وقد حصلت على أغلبية الأصوات في منطقة القبائل (ولايتي تيزي وزو وبجاية) والجزائر العاصمة. كما يدخل حزب العمال المتحصل على27 مقعدا قائمة القوى الرئيسية بالمجلس.
أما التيارات الاسلامية فرغم الصخب الكبير الذي أثارته فقد حفظت على مكانتها كقوة ثالثة داخل المجلس كما كان الأمر في استحقاق 2007 . فقد حصل تكتل الجزائر الأخضر واثنين من الأحزاب الإسلامية الجديدة على 61 مقعد*.
ومما تجدر الاشارة اليه ، أنه إذا لم يعرف المجلس الشعبي الوطني تغييرا هاما في تركيبة الأحزاب السياسية المشكلة له ، فإنه عرف بالمقابل دخول 143 نائبة في حين كان عددهن يقتصر على 30 نائبة في المجلس السابق بفضل الاجراءات التى اتخذت لصالح مشاركتهم الاصلاحات التشريعات الجديدة. اضافة الى 11 حزبا من بين 23 التي اعتمدت مؤخرا قد أصبح لهم نواب بالمجلس ويحوزون على 38 مقعد. وسيصبح بإمكان 6 مجموعات تحصلوا على اكثر من 10 مقاعد قادرين على تشكيل كتل برلمانية.
لقد حيا نواب في البرلمان الأوروبي ، ببروكسل ، السير الحسن للانتخابات التشريعية ليوم 10 ماي 2012 والتي تمثل رسالة إيجابية لدول المنطقة. واعتبر رئيس الوفد ، السيد أنطونيو بانزيري، خلال اجتماع للوفد المكلف بالعلاقات المغاربية بالبرلمان الأوروبي" أن هذه التشريعات تشكل خطوة إلى الأمام نحو الديمقراطية في الجزائر"، مشيرا إلى أن المسار الانتخابي جرى في جو تسوده الطمأنينة وسمح ببروز مختلف الحساسيات السياسية في البرلمان الجديد. كما سجل ارتفاعا في المشاركة خلال هذه التشريعات بالمقارنة مع التشريعات السابقة. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية أن نائب رئيس الوفد البرلماني، السيد دافيد غير، حيا التسيير الجيد لبعثة ملاحظي الاتحاد الأوروبي، متمنيا تشجيع الجزائر على الاستمرار على هذا النهج" .
وبقدر ما توالت البيانات المنوهة بحسن تنظيم الانتخابات وشفافيتها والصادرة عن الدول والهيئات الأوروبية والأمريكية والعربية والإفريقية والآسيوية بل ومن قطر أيضا بقدر ما تواترت بلاغات الأحزاب الإسلامية المعبرة عن خيبة أملها حيال نتائج الانتخابات والمشكك في حسن سيرها.
كيف يفسر الانتصار الساحق أحرزت عليه جبهة التحرير الوطني والانتكاسة المدوية للتيارات الاسلامية؟
لا تزال جبهة التحرير الوطني الحزب الاكثر انتشار والأكثر تنظما وقد برزت قدراتها التعبوية والتنظيمية خلال الحملة الانتخابية. لقد فازت بجميع المقاعد في ولايات أم البواقي و تيارت وسيدي بلعباس وأغلبية المقاعد في ولايات كثيرة كما في تلمسان ووهران وبرج بوعريريج.هذا زيادة على الثقة التي تتمتع بها الجبهة لدى الناخبة وينبغي في هذا الصدد التأكيد على أن عدد الاصوات التي تحصلت عليها الجبهة يكاد يكون هو نفسه بين الدورة الحالية 1.324.363 ودورة 2007 والتي تحصلت فيها الجبهة على 1.314.494 صوتا*.
لقد أصيبت الأحزاب الإسلامية بصدمة عنيفة لأنها كانت تتوقع فوزا كاسحا على غرار ما تم بتونس والمغرب و مصر لذلك لم يخامرها شك في أن الانتخابات تعرضت للتزوير وعلى نطاق واسع لكن لا أحد بإمكانه إثبات هذا التزوير بالدليل. وبالرغم من الصخب الذي أثارته حول صحة نتائج الانتخابات فإنها رغم ذلك لم تقدم إلى هيئات المراقبة وفي مقدمتها المحكمة الدستورية التي تعود اليها صلاحية إقرار نتائج الانتخابات أو تبديلها – براهين و حجج عمليات التزييف الواسعة المفترضة و التي قد تكون غيرت نتائج العملية الانتخابية بصورة هامة وذات مغزى*.
أمام هول الهزيمة والعجز على تقديم الدليل لجأ البعض الى تفسيرات غريبة كالقول باعتماد السلطة لـ"أساليب تزوير لا يفقه فيها أخبث المنجمين " وهي تفسيرات تلامس نمط التفكير الغيبي اكثر منها التفكير العقلاني المنهجي.
في البداية لا بد من التأكيد على أمر في غاية الأهمية ، أنه بالرجوع لمختلف تقارير بعثات الملاحظين الدوليين وبشكل حصري تقارير البعثات الاوروبية والأمريكية والتي تتميز بالحرفية والصدقية في ذات الوقت والتي لا يمكن اتهامهما بمحاباة الأحزاب الفائزة كجبهة التحرير الوطني...لم تشر قط هذه التقارير لا من قريب ولا بعيد إلى حصول عمليات تزوير واسعة بإمكانها تغيير النتائج بصورة ذات مغزى أي أنه لم يقع التلاعب بالنتائج التي أفرزها صندوق الاقتراع. وقد قدمنا كثير من المؤشرات والحجج التي بإمكانها تفسير انتكاسة الحركة الاسلامية. ويهمنا هنا أن نشير إلى بعض العوامل التي تعرضنا والتي قد يكون القارئ قد غفل عن ادراكها.
لقد بينا عند استعراضنا للتشريعات المنظمة للانتخابات إن نمط الاقتراع المعتمد وطريقة التمويل العمومي من ناحية وتقدم اعداد كثيرة من الأحزاب لم يمض على اعتماد العديد منها بضع الأشهر أن هذه العوامل قد ساهمت بصورة متأكدة في ترجيح الكفة لفائدة الأحزاب الكبيرة الواسعة الانتشار كــ"جبهة التحرير الوطني " على حساب الأحزاب الصغيرة بل والمتوسطة. وهذا هو السبق الوحيد الذي ساعد البعض على خوض غمار الانتخابات في ظروف أفضل من غيرها...
إن صياغة قانون انتخابي يوفر للأحزاب التي تتمتع بأغلبية داخل المجلس النيابي حظوظا أكثر من تلك التي ليس لها اغلبية أمر معتاد لدى أعتي الديمقراطيات تأصلا .وهذا الأسلوب الذي عادة ما تلتجئ اليه الاحزاب الحاكمة لتحصين نفسها وتمتعيها بحظوظ أوفر من خصومها لا يخرج على قاعدة أن القانون هو في المحصلة النهائية انعكاس لميزان القوى وهو غالبا ما يكون في صالح القوى المهيمنة اقتصاديا وسياسيا فيكفي قراءة للميزانية السنوية للدولة أو تحليل قانون الضرائب لنتبين أنه ليس في خدمة القوى المهيمن عليها. إن الإقرار بهذا الأمر شيء والقبول به شيء ثاني. إنه أسلوب مرفوض
ويستوجب التصدى له بصرامة عبر توعية المواطنين وتعبئتهم لأجل تغييره في اتجاه تمتيع كل المرشحين بنفس الحظوظ. إلا أن القبول بالمشاركة في الانتخابات في ظل قوانين انتخابية قد تبدو مجحفة، لا يخول للمنهزم فيها رفض نتائجها والتشكيك في شرعية الفائزين فيها خاصة عندما يكون هذا المنهزم عضو في تحالف حكومي ورئاسي لما يقارب عقدين ساهم في سن هذه القوانين.
لكن السؤال الذي يبقى دون جواب لماذا إذن كل هذا الصخب الاخواني وما هي دلالاته؟
ليس التبريرات المقدمة من هذا الطرف او ذاك داخل الحركة الإسلامية بريئة وليس غايتها دائما البحث عن الحقيقة ، وإنما هي مقدمات لإضفاء المشروعية عن التموقعات الجديدة التي بدأت تفرزها المحاسبات الدائرة حول من الذي يتحمل المسؤولية في الهزيمة التي لحقت بالحركة الإسلامية أثناء الانتخابات التشريعية الأخيرة. إن الهدف من المطارحات الفكرية التي اندلعت داخل صفوف الحركة الاسلامية الجزائرية عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات ليس إذن الفهم الموضوعي للنكسة التي لحقت بها والبحث في أسبابها العميقة والمباشرة بقدر ما هو تعزيز مواقع كل طرف ورصف صفوفه عند المحاسبة عن النتائج وهذا ما تكشف في النهاية .
لقد احتد الصراع داخل الحركة الاسلامية الجزائرية عامة ، وبين صفوف"حركة مجتمع السلم"خاصة وقد دار هذا الصراع بين تيارين.

1. التيار المتشدّد الذي يمثله عبد الرزاق مقري، بمرجعياته الفكرية الراديكالية الداعية إلى التخلي عن المشاركة في السلطة لحساب معارضتها، والمبنية أصلا على الرؤية الشكية في التعامل مع السلطة وتحجيم أرضية المشتركات بينهما ، وهو تيار قوي داخل الحركة يرى أصحابه أن التواجد في المعارضة بشكل صريح، أفضل رد على النظام الذي لم يعد التعايش معه مقبولا، بعدما زوّر الانتخابات على نطاق واسع وحرم الجزائريين من نتيجة كانت تبدو منطقية، وهي اللحاق بركب بلدان الربيع العربي.
2. أما الاتجاه الثاني فيمثله عمر غول الذي يرفض تعليق الفشل الذريع في الانتخابات على التزوير، لأن التكتل الأخضر وحمس حققا نتائج جيدة في الولايات التي اشتغلت فيها القوائم بجد، مثل الجزائر العاصمة ووادي سوف. أن نتيجة التشريعيات تعكس وضعا جديدا آلت إليه حمس هذا الوضع هو نتاج لتخبطها بين الخروج إلى المعارضة، والبقاء في الحكم. و ما زاد وضع حمس تعقيدا، العبء الذي حملته على عاتقها بالانضمام إلى تحالف إسلامي يتكون من حزبين، تبيّن ضعفهما في التعبئة في الميدان خلال الحملة الانتخابية. ففي الكثير من الولايات التي نزلت إليها قيادات التكتل، كان مناضلو حمس الوحيدين الذين نظموا التجمعات وجمعوا الأشخاص لحضورها، بسبب عدم وجود أثر لهياكل "الإصلاح " و"النهضة ". لقد كشفت نتائج الانتخابات التخبط السياسي لحمس التي انفصلت عن تحالف يطغى عليه حزبان محسوبان على النظام ، إلى تحالف آخر مع حزبين أشبه بشبحين أضعفاها في الانتخابات أكثر مما نفعاها. لذلك يرغب هذا الاتجاه في تحميل القيادة وبصورة خاصة أبو جرة سلطاني مسؤولية الإخفاق في الانتخابات. و يعتبر هذا التيار إن المشاركة في السلطة هي السبيل الأوحد لتعميق هذه المشاركة والمطالبة بتوسيعها، أفقيا وعموديا، بعد اكتساب الخبرة في التسيير والتجربة السياسية المطلوبة في هذا المجال. بينما المقاطعة تعني تعرّض المئات من إطارات حمس لعملية تنظيف من الوزارات والمناصب في هيئات أخرى.
لقد أفضت هذه الصراعات إلى احداث شرخ عميق داخل الحركة انجر عنه استقالات بالجملة وانشقاق عميق لعدد من القياديين شكلوا تنظيما سياسيا يقطع مع الكثير من المسلمات التي قادت لهزيمة الحركة وقد تزعم السيد عمار غول التنظيم الجديد "تجمع أمل الجزائر"
يقتضى فهم الهزيمة التي منيت بها الأحزاب الإسلامية الخروج من فقه التبرير ونظرية المؤامرة إلى تحليل الأسباب العميقة التي أفرزتها. يمكن القول إن انهزامها في الانتخابات الأخيرة لم يكن لأسباب موضوعية، وإنما هي بالأساس لأسباب ذاتية بمعنى أن هذا الإخفاق جاء نتيجة تراكم أخطاء في الرؤية وسوء التدبير.
ففضلا عن انغلاقها الثقافي الصارم وانحيازها المسبق للإسلام الحركي والرغبة في رفض غيرها... وهي أسباب ساهمت بقوة في تأزم العلاقة بين المواطن البسيط والإسلام الحركي أو السياسي الذي زايد على تدين المجتمع الجزائري الفطري وكرّس شرخ المجتمع وتقسيمه إلى إسلامي وغير إسلامي راكمت الحركة أخطاء قاتلة حيث دأبت أغلبية الإطارات التي حمّلتهم الحركة تمثيلها في مؤسسات الدولة على خدمة مصالحهم الشخصية والآنية وربط علاقات مع ذوي الجاه والنفوذ في النظام، وابتعدت عن تطلعات المجتمع إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وعلى قاعدة هذه الازمة الهيكلية تولدت لدي القيادة أو جزء هام منها نزعة مغامرة جانحة دفعت السيد أبو جرة سلطاني المهندس الفعلي لـ"تكتل الجزائر الخضراء" إلى إتباع سلوك التصعيد مع السلطة ثم الانسحاب من التحالف الرئاسي وتم هذا السلوك انطلاقا من قراءة موغلة في الذاتية للوضع الجزائري ذلك إن المتبع للشأن الجزائري ليلاحظ أنه لم يطرأ جديد على الأوضاع الداخلية الجزائرية من شأنه أن يشكل مبررا وجيه يدفع سلطاني أو حزبه لتغيير السياسة التي توخاها منذ ما يقارب عن عقدين وهي سياسة المشاركة في دواليب الحكم دون إبداء تباين واضح.
إن ما تغير في واقع الأمر هي الأوضاع الإقليمية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والمغرب وسوريا...بعد 14 جانفي 2011 تلك التغييرات التي أفضت في نهاية المطاف إلى صعود الحركات الاخوانية إلى سدة الحكم، سواء عن طريق العمليات الانتخابية كما الشأن بتونس ومصر والمغرب.... أو بعد حرب مدمرة تحت قيادة الحلف الأطلسي كما حصل في ليبيا وربما ما قد يحصل في سورية...
لقد أفقدت هذه التحولات الإقليمية الحركة الإسلامية الجزائرية وبصورة خاصة جناح ابو جرة سلطاني قدراته على فهم الواقع بموضوعية والتعامل معه بحكمة ذلك أنه لا يوجد تطابق بل وحتى تشابه بين أوضاع الحركات الاسلامية في كل من هذه البلدان و مثيلاتها بالجزائر. لقد اكتسبت الحركات الإسلامية في تونس والمغرب ومصر قوة وحنكة من مقارعتها للسلطة التي أذاقتها الأمرين بفسادها وخاصة استبدادها ولقد أكسبتها هذه المعاناة مشروعية نضالية أهلتها لأن تطرح نفسها كقوة بديلة للسلطة الحاكمة في حين أن الحركة الإسلامية الجزائرية التي أنهكتها الانشقاقات والانقسامات بسبب تبعيتها للسلطة ليس لديها هذه المشروعية التي تؤهلها لخلافة السلطة القائمة ؟
وما تجدر الاشارة إليه بقوة إنه غاب على الحركة الإسلامية الجزائرية أبعادا أخرى حملتها هذه التحولات في طياتها وهي أبعاد غير تلك التي كانت تعمل لصالح تحويل وجهات الثورات العربية إلى ثورات مضادة. أبعاد تتأكد يوما بعد يوم.ذلك أن النهوض الجماهيري العربي وما ترتب عليه من تداعيات للدكتاتورات العربية السند الرئيسي للهيمنة الامبريالية لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يفضي إلى هيمنة جديدة لتلك القوى التي قد تكون أكثر استبدادا ورجعية من سابقاتها لان المد الثوري مازال متواصلا و هو بالتأكيد يتطور لغير صالح القوى الامبريالية والاخوانية ...كما أن قوى التقدم الاجتماعي والتحرر الوطني لا تزال تكسب يوما بعد يوم مواقع جديدة وتعزز مكانتها على الصعيد الدولي والعربي... رغم الانتكاسات العرضية... فالقوات الامريكية الغازية خرجت منهزمة من العراق وهي بصدد الانهزام في أفغانستان. زيادة على تخبط الرأسمالية العالمية في أزمات اقتصادية ومالية هيكلية عميقة ومتتالية لا تنتهي في مقابل صعود قوى اقتصادية جديدة تتلمس طريقها للتعبير عن ذاتها سياسيا ( دول البيكز BRICS:البرازيل والصين والهند والصين وجنوب افريقيا). وهي تعمل على عقد تحالفات جديدة فاعلة ستشكل ولاشك عنصرا مهما في التوازن العالمي وبالتالي مقاومة القطب الواحد وحلفائه ...
لقد عكست تصريحات الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين السيد عبد المجيد سيدي السعيد رهانات الانتخابات الجزائرية وعبر بصدق عن التحديات التي كانت تواجه الشعب الجزائري حين قال: ""أن الشعب الجزائري تصدى لمكائد جهات أجنبية أرادت أن تثير الفتنة. " و أن الانتخابات التشريعية التي جرت في الـ 10 من ماي "جعلت الجزائر تجتاز مرحلة حرجة كانت أطراف أجنبية تريد ألا تمر على خير. " وأن " الانتخابات التشريعية حققت النجاح . وأضاف لقد أعطى الشعب الجزائري درسا كبيرا للأجانب الذين أرادوا تخريب الدار .
ومما لاشك فيه ان لنتائج هذه الانتخابات انعكاسات عميقة على الوطن العربي ومنطقة المغرب العربي بالخصوص. لذلك فإن انكسار المد الاخواني على مرافئ الجزائر له أكثر من دلالة...نعم لقد كانت انتخابات الجزائر استثناء ...لكن هذا الاستثناء لم يكن تأجيل للربيع العربي وإنما استعادة لمساره الطبيعي التحريري الاجتماعي والوطني...

الطاهر شقروش

*باحث في العلوم الاجتماعية وخبير سابق بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو).
-LE MONDE : « L Algérie à contre-courant du printemps arabe » du 12.05.2012
2 - Lagha CHEGROUCHE, "Géopolitique transsaharienne de l énergie : Le jeu et l’enjeu ? ", in Revue Géopolitique N°108, 2010.
3 -« Appel d’Alger : Contre les guerres d’occupation, contre les ingérences étrangères, pour la défense de la souveraineté nationale et populaire » La conférence d’urgence "Contre les guerres d’occupation, contre les ingérences étrangères, pour la défense de la souveraineté nationale et populaire" s’est tenue à Alger du 10 au 12 décembre 2011. http://entente-internationale-des-travailleurs-eit-ilc.blogspirit.com/archive/2011/12/21/appel-d-alger-contre-les-guerres-d-occupation-contre-les-ing.html
4 - Andrej Fursov , « Frappe contre la Syrie cible : la Russie ». Horizons et débats 11 septembre 2012. http://www.horizons-et-debats.ch/index.php?id=3533.
5 - عبد العزيز النوي، " النهضة المواقف المشبوهة والعلاقات الخفية" تونس، مارس 2012 صاحب المؤلف قيادي وعسكري منذ ما يزيد على أربعين سنة انسلخ أخيرا من النهضة بسبب هذه السياسات.
6 - Mohamed Bouhamidi (Philosophe et chroniqueur): Algérie : le "printemps algérien" et l intox médiatique | Jeuneafrique.com - 08/11/2011

7 -« Déclaration d’intellectuels, hommes et femmes de culture sur la rébellion au nord du Mali ». Bamako, le 7 février 2012. http://www.foram-forum-mali.org/index.php/non-classe/declaration-du-7-fevrier-sur-la-rebellion-au-nord-du-mali/. Une deuxième déclaration intitutlée : « LE MALI : CHRONIQUE D’UNE RECOLONISATION PROGRAMMEE.». Bamako, le 4 Avril 2012 http://www.foram-forum-mali.org/index.php/non-classe/declaration-du-7-fevrier-sur-la-rebellion-au-nord-du-mali/
8 - International Crises Group « MALI : EVITER L’ESCALADE » Rapport Afrique N°189 – 18 juillet 2012
9 - Contestation en Algérie en 2011 wikipedia . http://fr.wikipedia.org/wiki/Contestation_en_Alg%C3%A9rie_en_2011
10 - Cherif Ouazani, Algérie : bouffée d oxygène démocratique | Jeuneafrique.com 14/02/2012
11- Aoudia Malek, Labat Séverine, Algérie 1988-2000 : autopsie d’une tragédie, [DVD-ROM], Ed. Compagnie des phares et balises, 2003
12- M. Bouhamidi, Guerres de reconquête et de contrôle des routes de l’énergie : Poutine, les Chinois, la Syrie et nous. Les premières réactions occidentales confirment la place centrale qu’occupent la question syrienne et le veto russe dans les enjeux planétaires actuels :« Elles affirment que les dirigeants chinois sont parfaitement conscients que la Chine (comme la Russie) est le but ultime des guerres actuelles de reconquête coloniale et de contrôle des routes de l’énergie. Partout, ces guerres visent à contrarier le développement du commerce et la coopération chinoise en Afrique – Mme Clinton a appelé les Africains à contrer le «colonialisme chinois», alors qu’elle cherchait un appui à l’agression de la Libye et à isoler les propositions africaines de dialogue et de négociations pour éviter la guerre civile et l’implosion de la Libye – à lui enlever toute autonomie d’approvisionnement énergétique jusqu’à l’étouffer, à l’encercler de façon à la couper de l’Eurasie... Les responsables chinois avancent aussi qu’il est possible pour l’Occident de garder une place prééminente sans avoir recours à la destruction. »Le Jeune-Indépendant du Mercredi, 07 Mars 2012 19:15
http://www.jeune-independant.net/index.php?option=com_content&view=article&id=678:guerres-de-reconquete-et-de-controle-des-routes-de-lenergie&catid=9:dossier&Itemid=9
13 - بو الصفصاف عبد الكريم، جمعية العلماء المسلمين الجزائرين ودورفي الحركة الوطنيةالجزائرية 1931-1945 دار البعث للطباعة والنشر1981
14- Labat Séverine, Les islamistes algériens entre les urnes et le maquis, Paris, Ed. du Seuil, 1995
15 - Khelladi Aïssa, Le Fis à l’assaut du pouvoir, Alger, Ed. Marsa, 2002, Première édition sous le titre Algérie, les islamistes à l’assaut du pouvoir, Ed. L’Harmattan, 1995.
16-Jeune Afrique : Algérie : les islamistes du MSP se retirent de l alliance présidentielle 2012-01-01 17:08:16
17 - Algérie : Trois partis islamistes forment une "alliance verte" en vue des législatives in jeuneafrique.com.2012-03-08
18 - Nacer Djabi,( professeur de sociologie à l Université d Alger) in Tarek Hafid, Législatives algériennes : quand les islamistes retrouvent la foi | Jeuneafrique.com 31/01/2012
19- Nacer Djabi,( professeur de sociologie à l Université d Alger) in Tarek Hafid, Législatives algériennes : quand les islamistes retrouvent la foi | Jeuneafrique.com 31/01/2012

20- Jeuneafrique.com : Algérie : trois partis islamistes forment une "alliance verte" en vue des législatives | Jeuneafrique.com -08/03/2012
21- "Plate-forme pour une solution politique et pacifique de la crise algérienne" SANT EGIDIO, 13 JANVIER 1995 in http://www.confluences-mediterranee.com/Document-SANT-EGIDIO-13-JANVIER

** لقد اعتمدت بخصوص استعراض كل ما يهم السير العملي للانتخابات بداية من عمليات تسجيل الناخبين وانتهاء بفرز الاصوات ومرورا بالحملة الدعائية بصورة حصرية على تقارير الملاحظين الدوليين الذين واكبوا الانتخابات التشريعية وبصورة خاصة التقارير النهائية لبعثة المراقبين الاوروبية وكذلك على التقرير النهائي لبعثة الملاحظين الأمريكين التابعين للمعهد الوطني للديمقراطية والتي لا يمكن بأية حال أن يطالهما الشك أو الاتهام بالانحياز للحكومة الجزائرية. انظر بشكل خاص ما جاء في:
22 - Union européenne. Mission d’observation électorale, Rapport Final : Élections Législatives. Algérie 2012 voir également Elections Législatives en Algérie. Délégation D Observation Des Elections.8-12 mai 2012. Rapport de Madame TOKIA SAÏFI ET DE Monsieur ANTONIO PANZERI, Co-présidents De La Délégation.
أنظر أيضا: المعهد الديمقراطي الوطني:" التقرير النهائي حول الانتخابات التشريعية الجزائرية 10 ماي 2012 ". – صدر بتاريخ: 31 /08/2012 http://www.ndi.org/node/19180
23 - Jeuneafrique.com : Législatives 2012 : les Algériens votent, taux de participation décisif | Jeuneafrique.com - 10/05/2012

ب. سهيل :" برلمانيون أوروبيون يسجلون السير الحسن للتشريعيات في الجزائر ". " الخبر " يومية بتاريخ 30-05-2012 الجزائر. -24









#أ._الطاهر_شقروش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أ. الطاهر شقروش - -الانتخابات التشريعية الجزائرية: انتكاسة الحركة الاسلامية الدواعي والدلالات-.