أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الماركسية والتراث والموقف من الدين















المزيد.....



الماركسية والتراث والموقف من الدين


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يزال معظم الماركسيين في المغرب بعيدين عن ادراك الابعاد الحقيقية للتراث ولعلاقة الماركسية بالدين ، وهو العامل الاساس الذي لعب الدور الاكبر في تحجيم الماركسيين وليس الماركسية التي ظلت مجهولة من قبل الشعب ، وسط الجمهور رغم الآلاف من المذكرات والوثائق الماركسية التي صدرت في هذا الشأن . ان السؤال الحرج الذي يتجنب الماركسييون طرحه : لماذا تنفر الغالبية العظمة من الشعب المغربي ، ومن جميع الشرائح والفئات ، من الحركات اليسارية واليسراوية ومن الفلسفة الماركسية و من كل فلسفة مادية ، ولماذا يميلون الى الارتباط ولو ظاهريا بالمعتقدات وبالقيم والأنماط الغارقة في الاصولية التاريخية والإعتقادية المقابلة للعصرنة والحداثوية ؟ . ان الهروب من الجواب يمكن ان نفسر به السبب الرئيسي في اندثار حركة 20 فبراير التي رفع اعضاءها من شباب غير ’مؤطر ، ومن تيارات يسراوية ويسارية متطرفة ، شعار الدولة العلمانية التي قصدوا بها ، ليس فصل الدين عن الدولة ، ولكن قصدوا بها الدولة الملحدة ، مستندين على بعض ما جاء في الميثاق الأممي للأمم المتحدة ، متناسين او جاهلين ان للمغرب خصوصية خاصة قوامها تشبث المغاربة بالدين الاسلامي ، ولو من باب النفاق الاجتماعي . ان الهجوم على الدين سوف لن يضعفه ، بل سيقويه ويساعد على سرعة وزيادة انتشاره ، وهذا ما يفسر بانحسار اليساريين وبغلبة الاسلامويين الذين حققوا نصرا انتخابيا ساحقا في مصر ( الاخوان والسلفيون ) في تونس ( اخوان النهضة ) في ليبيا وسورية على الابواب . كما لا ننسى فوز حزب العدالة والتنمية الاخواني المغربي بعدد مهم من المقاعد النيابية مقارنة مع باقي الاحزاب الاخرى وفي مقدمتها الاحزاب التاريخية ( حزب الاستقلال ، الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية ) . لذا فعندما تجد متطرفا يتغوط في المسجد او يبول فيه او يتبول على القرآن ، ولا يتورع حين يمارس الاكل جهارا في رمضان ، ويدعو الى الزندقة والإباحية ويمارس طقوسا غريبة ومستفزة لمجتمع تقليداني ، فان هكذا سلوكات غير مسئولة تؤجج عليه وعلى تنظيمه حقد وكراهية العامة ، وتجعل الناس ينفرون منه ، وفي المقابل يزداد حجم المنادون الى الدين والتراث ولو من باب النفاق الاجتماعي ،ما دام ان الدين اضحى عملية مضمونة للوصول الى الحكم في البلاد العربية .
ان قضية التراث وعلاقة الماركسية به وبالدين يجب ان تكون ابعد مدى وأكثر اهمية ، سواء على الصعيد النظري الايديولوجي او العملي السياسي . وهنا سنتوقف على نصين هامين لفلادمير لينين بخصوص تحديد الموقف من الدين ، قبل ان نشرع في معالجة الاشكالية من زاوية نقدية لممارسات غير مسئولة تدعو الى تخطي الدين في مجتمع تقليدي مسكون بالدين وبالتقاليد المرعية ، الى مجتمع تحرري اباحي وملحد ، باعتبار ان القضية تتعلق بحقوق الانسان المنصوص عليها في ميثاق الامم المتحدة .
1 ) النص الاول : لينين : الاشتراكية والدين (.....) يجب ان ’يعرف عادة بموقف الاشتراكيين ازاء الدين . بيد انه يجدر تحديد معنى هذه الكلمات بدقة ، منعا لأي التباس . فأننا نصر على ان يكون الدين شأنا خاصا تجاه الدولة ، لكننا لا نستطيع بأي شكل ان تعتبر الدين شأنا خاصا فيما يتعلق بحزبنا نحن .
يجب ألاّ تتدخل الدولة في امور الدين ، كما يجب ألاّ تكون الجمعيات الدينية مرتبطة بسلطة الدولة . ينبغي ان يكون كل فرد حرّا تماما في اعلان انتماءه الى اي دين او في عدم اعترافه بأي دين ، اي في ان يكون ملحدا ، كما هم الاشتراكيون بوجه عام . ويجب عدم السماح بأي فارق في الحقوق المدنية يستند الى معتقدات دينية . فلا جدال في انه لا بد من ازالة اي اشارة الى طائفة المواطنين في الاوراق الرسمية . كما انه يجب ألاّ تمنح الدولة اي اعانة سواء للكنيسة او للجمعيات الطائفية او الدينية ، التي ينبغي ان تصبح جمعيات من المواطنين المشتركين في دينهم ، حرة ومستقلة تماما ازاء السلطة . (....) الفصل الكامل بين الكنيسة والدولة ، هذا مطلب البروليتارية الاشتراكية ازاء الدولة والكنيسة الحديثتين . (...).
اما بالنسبة لحزب البروليتارية الاشتراكية ، فليس الدين شأنا خاصا . ان حزبنا جمعية مناضلين طليعيين واعين ، يكافحون من اجل تحرر الطبقة العاملة . فهذه الجمعية لا تستطيع ، و لا يجوز ان تبقى غير مبالية بانعدام الوعي او الجهل او الظلامية التي تتخذ شكل معتقدات دينية . اننا نطالب بالفصل الكامل بين الكنيسة والدولة من اجل مكافحة ضباب الدين بأسلحة ايديولوجية صرفا وحصرا في صحافتنا ودعواتنا . غير ان جمعيتنا ، الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي في روسيا ، قد حددت لنفسها بين اهداف اخرى ، عند تأسيسها ، هدف مكافحة كل تزويق ديني للعمال . فبالنسبة لنا ، ليس صراع الافكار شأنا خاصا ، بل امر يهم الحزب برمته والبروليتارية بأسرها .
لذلك لا نعلن وينبغي ألاّ نعلن الحادنا في برنامجنا . ولذلك لا نمنع وينبغي ألاّ نمنع البروليتاريين الذين حافظوا على هذه او تلك من بقايا اوهامهم القديمة ، من ان يقتربوا من حزبنا ، وسوف ننادي دوما بالمفهوم العلمي للعالم ، ( ...) لكن ذلك لا يعني البتة انه ينبغي وضع المسألة الدينية في المقام الاول ، وهو ليس مقامها ، وانه ينبغي ان ندع القوى المنخرطة في النضال السياسي والاقتصادي الثوري حقا ، ان ندعها تنقسم باسم معتقدات من الدرجة الثالثة او خرافات لا تلبث ان تفقد كل قيمة سياسية ويحيلها مجرى التطور الاقتصادي بذاته ، وبسرعة فائقة الى غرفة مهملات " 3 دجنبر 1905 " .
2 ) النص الثاني : لينين : موقف الحزب العمالي ازاء الدين (...) " ان الدين افيون الشعوب " . تشكل حكمة ماركس هذه حجر الزاوية لمجمل التصور الماركسي في موضوع الدين . فالماركسية تنظر دائما الى الدين والكنائس وشتى انواع المنظمات الدينية القائمة حاليا ، بوصفها ادوات للرجعية البرجوازية ، ’تستخدم للدفاع عن الاستغلال وتضليل الطبقة العاملة .
بيد ان انجليز قد ادان مرارا عديدة محاولات اولئك الذين ، رغبة منهم بالظهور كأنهم " اكثر يسارية " او " اكثر ثورية " من الاشتراكيين الديمقراطيين ، ارادوا ان ’يدخلوا في برنامج الحزب العمالي الاعتراف الصريح بالإلحاد ، مضيفين عليه معنى اعلان للحرب على الدين . ففي سنة 1874 ، في حديثه عن البيان الشهير الصادر عن لاجئي كومونة باريس ، البلانكيين المهاجرين الى لندن ، وصف أنجلس بالحماقة اعلانهم المدوي للحرب على الدين ، وأكد ان اعلانا للحرب مثل ذلك لهو خير وسيلة لتأجيج الاهتمام بالدين وجعل اضمحلاله الفعلي اكثر صعوبة . وقد اعتبر انجلس ان البلانكيين لا يفهمون ان نضال الجماهير العمالية الطبقي ، بجره اوسع شرائح البروليتارية الى ممارسة النشاط الاجتماعي الواعي والثوري بعمق ، لهو وحده كفيل بتحرير الجماهير المقهورة من نير الدين تحريرا فعليا ، ولا يفهمون ان اعلان الحرب على الدين كمهمة سياسية للحزب العمالي ، ليس سوى مهمة فوضوية . وفي سنة 1877 ، في كتاب دحض دوهرنج ، مع هجومه العنيف على ابسط تنازلات دوهرنج ( فيلسوف المثالية والدين ) ، ادان انجلس بقوة فكرة دوهرنج الثورية المزعومة بمنع الدين في المجتمع الاشتراكي . ان اعلان مثل هذه الحرب على الدين لهو ، حسب انجلس ، " ان يكون المرء اكثر بسماركا من بسمارك نفسه " ، اي انه تكرار لحماقة الكفاح البسماركي ضد الكهنوتيين ( " الكفاح من اجل الثقافة " الشهير ، اي الكفاح الذي خاضه بسمارك بعد عام 1870 ضد حزب " الوسط " الكاثوليكي الالماني ، بواسطة اعمال اضطهادية بوليسية موجهة ضد الكاثوليكية ) . وبذلك الكفاح لم يفلح بسمارك سوى في تدعيم كهنوتية الكاثوليك المناضلة ولم يفلح سوى في الضرر بقضية الثقافة الحقيقية بوضعه الانقسامات الدينية في المقام الاول بدل الانقسامات السياسية ، وقد حرّف اهتمام بعض شرائح الطبقة العاملة والشرائح الديمقراطية عن المهام الجوهرية التي يتضمنها النضال الطبقي والثوري ، حرّف اهتمامها نحو معاداة الكهنوتية هي في غاية السطحية والنفاق البرجوازي . ان انجلس ، مع اتهامه دوهرنج ، الذي رغب الظهور بمظهر المتطرف الثوري ، بأنه اراد تكرار حماقة بسمارك تلك ذاتها بشكل آخر ، فكان يصر على ان يعمل الحزب العمالي بصبر في مشروع تنظيم البروليتارية وتثقيفها الذي يؤدي الى اضمحلال الدين ، بدل ان يزج الحزب نفسه في مغامرات حرب سياسية ضد الدين . وقد دخلت وجهة النظر هذه في لحم ودم الاشتراكية الديمقراطية الالمانية التي اعلنت موقفا مؤيدا لمنح الآباء اليسوعيين الحرية ، لدخولهم الى المانيا وإزالة
جميع اجراءات القمع البوليسي ضد هذا الدين او ذاك . " اعلان الدين شأنا خاصا " : هذه النقطة في برنامج ارفورت (1891) قد كرّست ذلك التكتيك السياسي للاشتراكية الديمقراطية . " 26 مايو 1909 " .
الماركسية والخصوصية الوطنية : في صلب الرؤية الماركسية للمسألة التراثية يقوم الفهم الديالكتيك للعلاقة بين القديم والجديد ، للتوارث والاستمرارية في التاريخ . ففي مجرى التطور لا يأتي الجديد نفيا كاملا للقديم ، تخريبا له وتدميرا ، وإنما يتمثل ويستخدم كل ما تضمّنه القديم من عناصر ايجابية ، قابلة للحياة . فإن النفي ، في التناول الديلكتيك له ، ليس هدما بقدر ما هو بناء ، ليس الغاء بقدر ما هو تطوير . انه نفي ينطوي بالضرورة على التوارث . " فليس النفي العاري ، ليس النفي العدمي ... هو الشيء المميز والجوهري في الديالكتيك ، الذي يحتوي ، بلا شك ، على عنصر النفي ، حتى كأهم عنصر فيه كلاّ ، وإنما النفي كجانب من الارتباط ، كجانب من التطور ، يحتفظ الايجابي " . ( لينين . المؤلفات الكاملة المجلد 29 ، ص 207 ) .
ان تطور الانتاج المادي ، الذي هو اساس حياة المجتمع وثقافته ، يفترض تحسين ادوات العمل وخبرة الكادحين الانتاجية . ولكن تحسين ادوات العمل ، وما يتطلبه ذلك من ابداع ثقافي ، يتعذر بدون الاعتماد على نتائج النشاط السالف على الخبرة الموروثة " فليس التاريخ إلاّ تعاقبا لأجيال مفردة ، يستخدم كل منها المواد والرساميل والقوى المنتجة التي خلفتها له كافة الاجيال الماضية " ( ماركس وانجلس المؤلفات الروسية ، المجلد 3 ، ص 44 و 45 ) . لذا يتعذر استبعاد اية مرحلة من تاريخ المجتمع وثقافته ، فكل طور منه يمارس تأثيرا فعالا على الطور الذي يليه . وفي اطار هذا التوجه يقول انجلس في معرض الحديث عن الثقافة الاوربية المعاصرة بالثقافة اليونانية القديمة ، أنه بدون هذه الاخيرة " ما كان تطورنا الاقتصادي والفكري " . ( نفس المرجع الثاني . المؤلفات . المجلد 20 . ص 185 و 186 ) .
وعليه فلا يمكن للثقافة ان تتطور بدون توارث . " فالناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ، ولكنهم لا يصنعونه على هواهم ، و إنما في ظروف لم يختاروها بأنفسهم ، ولكن يجدونها امامهم ماثلة للعيان ، ’معطاة لهم وموروثة عن الماضي " . فالبشرية حين تصعد من درجة الى اخرى على سلم التقدم الاجتماعي ، وتنتقل من تشكيلة اقتصادية اجتماعية الى اخرى ارفع منها ، وتسير الى الامام في اطار التشكيلة المعنية ، فإنها لا تبني ثقافتها من جديد في كل مرة ، وإنما تستند الى الانجازات السالفة . ومن ذلك ان فلسفة كل عصر تمتلك كمقدمة مادة فكرية معينة ورثتها عن اسلافها لتنطلق منها نحو رسم مستقبل بما يخدم الانسانية ويحافظ على الثوابت التي تشكل قيمة لا غنى عنها ، بل هي قاعدة اساسية لكل جديد لا يقطع مع الموروث الايديولوجي المميز لشعب ودولة . وهذا هو سر فشل حركة 20 فبراير وسر افلاس وتقوقع التنظيمات الماركسية المتطرفة من جذرية وراديكالية ، كما انه سر تهميش الاحزاب التي تطورت من الماركسية المنغلقة الى ماركسية منفتحة قابلة للمسايرة والعيش مع التطورات التي تطرأ في المجتمع . ومع ذلك فان عجز هذه الاحزاب في التوفيق بين مطالب العلمانية المؤدية الى الثورة على القيم والتراث ، وبين ما يزخر به الواقع من نماذج مختلفة تصب في جانب الاستمرارية والحفاظ ، بل التشبث بالقيم المتوارثة منذ اكثر من احد عشر قرن ، جعل هذه الاحزاب تعيش عزلة قاعدية وجماهيرية فرضتها على نفسها بسبب حسابات سياسوية ضيقة ، استطاع التيار الاسلاموي استغلالها وتوظيفها في خدمة مشروعه الذي ’يحضر للانتقال من حكومة الحزب الى دولة الحزب ، وهو ما يفسر بالنتائج المهمة التي حصدها هذا التيار الغارق في الرجعية مقارنة مع الاحزاب التي ترفع خطابا ضبابيا ظاهره شكل وعمقه شكل آخر .
اذن من هذه الركائز والمنطلقات سنجد ان لينين ناضل ضد شتى انواع العدمية التراثية التي راجت في احيان كثيرة في صفوف الحركة العمالية الثورية . فمنذ مقالة " اي ميراث نجحد " ( 1897 ) ، فنّد لينين تهمة العدمية التراثية التي وجهها الشعبويون الى الشيوعيين ، ناسبين اليهم تجاهل التراث الثوري الروسي ، وليؤكد أننا " نحن المحافظون للتراث والأكثر امانة له " . وقد ترتب عن هذا الموقف ، بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 ، التصدي الدءوب للفوضوية الثقافية والعدمية التراثية ، التي انتشرت في روسيا على نطاق واسع عقب الثورة . وكان لأنصارها مواقع هامة في الدولة ، وخاصة في الاجهزة والمؤسسات الثقافية . ففي ذلك الحين شن " الشيوعيون اليساريون " و " المستقبليون " وجماعة " الثقافة البروليتارية " هجوما عنيفا على تراث الماضي ، فلسفة وثقافة وفنا وأدبا ، ونادوا بالقطيعة الكاملة مع كافة " المخلفات البرجوازية والإقطاعية " ، وبينها اعمال شكسبير ، وبوشكين ، ورافائيل ، وتشايكوفسكي ، حتى وتفاخر بعضهم بأنهم " مدمرو المتاحف " و " سفاحو الجمال " .
كان هؤلاء الفوضويون والعدميون يتوهمون " الثقافة البروليتارية " شيئا جديدا تماما ، لا يمت بصلة الى ثقافة الماضي وتراثه . وكانوا يفهمون الشعار المرفوع آنذاك – " لندمر العالم القديم ، ولنشيد على انقاضه صرح العمل والحرية " – فهما عدميا من اساسه . لذا راح لينين منذ الايام الاولى للثورة ، يخوض صراعا عنيفا ضد مختلف الوان الامزجة العدمية . فقد تصدى لها في كراسه " المهام الملحة للسلطة السوفيتية " ، ومداخلته في جلسة اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا في 29 ابريل 1917 ، ومقالته " حول الصبيانة اليسارية والنزعة البرجوازية الجديدة " وغيرها من الاعمال التي يبين فيها جوهر المهمات الاساسية للثورة الثقافية ، ويسلط الضوء على دور التراث في البناء الاشتراكي ، ويكشف عن عقم وبوار العدمية التراثية وضررها الانتحاري .
خوصصة ومغربة الماركسية : ان من اهم معيقات الماركسيين المغاربة هو انهم يتعاملون مع الماركسية كنصوص منزلة لا يأتيها الباطل من حيث اتى ، وقد وصل بهم الامر الى اعتبار كل محاولة للاجتهاد في الماركسية بمثابة ارتداد وتراجع ينتهي بصاحبه الى حضن البرجوازية ، بل والسقوط في اليمينية والتحريفية المضرة بالنظرية الماركسية ، لقد تجاهل هؤلاء او نسوا ان الماركسية كفلسفة ، هي من ابتكار العقل الانساني لمواجهة اشكالات عميقة كانت سيدة عصرها في وقت من الاوقات ، وليست صالحة في جميع الاوقات . وهنا يجدر بنا الحديث على الخطوط المختلفة التي ظهرت عند الماركسيين باسم الخصوصية والملائمة ومواكبة التطور المتلاحق ، والذي قد لا يكون هناك مثيلا له في دول اخرى . وقد وصلت هذه الموجهة التصحيحية باسم الخصوصية في تجربة رابطة الشيوعيين اليوغسلاف ، وفي التجربة الرومانية ، والتجربة الصينية التي اعتمدت في ثورتها على الفلاحين وليس على العمال الذين وعدهم ماركس بغد افضل ، كما ظهرت في التجربة الاوربية المسماة بالآروشيوعية ، اي الاحزاب الشيوعية في اوربة الغربية وعلى الاخص منها الحزب الشيوعي الايطالي والفرنسي والاسباني والبرتغالي ، اي التركيز على التمايز المفروض في بنية المجتمع الاوربي الذي يختلف عمّا يسود في المجتمع السفيتي الشرقي .
لذا فان الحديث عن مغربة وخوصصة ( الخصوصية الوطنية والتراثية والجمالية ) لا يعني بالضرورة مسألة ترجمة المؤلفات الماركسية اللينينية الى اللغة العربية او الى الدارجة او البربرية ، لكن المقصود بذلك وفي المقام الاول ، تقديم الفكر الماركسي في قالب مغربي ، وعرضه في صورة قريبة من مدارك الجمهور المغربي ، اي استعمال السهولة والبساطة في ايصال الفكر دون عجرفة او تعال و نظرة فوقية . وهنا لا بد من ان نذكر ان التيار الاسلاموي نجح في استمالة الشارع ، لأنه يخاطبه بأسلوبه وبشكل بسيط ، وباستعمال الاحاديث والآيات القرآنية التي تثير الوجدان والشعور ، بخلاف الاسلوب ليس الماركسي ، بل اسلوب الماركسيين الغارق في الفلسفة المستعصية على رجل الشارع العادي المكوّن للأغلبية الامية . فإذا كانت الاشتراكية العلمية قد اجتذبت بعض الفئات من المثقفين والمتمدرسين والمتعلمين ، التي رأت فيها نقيضا للرأسمالية كمرادف للاستعمار والامبريالية ، وتحقيقا لتطلعاتها نحو العدالة الاجتماعية ، فإنها فشلت في استقطاب الفئات العريضة التي يتكون منها الشعب المغربي التي تسيطر على جزء مهم منه العقلية الخرافية والشعودة . ففي نظر هؤلاء فان الفكر المادي ، اي المادية التاريخية والديالكتيك ، لا يزال يمثل لهم فكرا مستوردا من الغرب المسيطر عليه من قبل اليهود والمسيحيين ، والخطورة حين يعتبرون الماركسية معادية للدين الاسلامي وللإسلام المستهدف من قبل الاعداء . وبعبارة اخرى فإذا كانت الماركسية ( المادية التاريخية والاشتراكية العلمية ) هي نتاج العقل الاوربي الغربي ، حيث انها اعتبرت كاستمرار وتطوير للفلسفة الكلاسيكية الالمانية ، والاقتصاد السياسي الانجليزي والاشتراكية الطوباوية الفرنسية ( الجذور الاوربية للماركسية ) ، فماذا تعني تلك الشرعية بالنسبة للجمهور المغربي الذي تربى على القول ان الشرق شرق ، والغرب غربا ولن يلتقيا ابدا ؟ .
ان الجمهور المغربي المثقف لا ينظر الى التراث الاوربي الذي طورته الماركسية ، على انه تراثه . ان اسماء كانط وهيغل وريكاردو وسميت وسان سيمون وفورييه لا تعني شيئا بالنسبة له ، حتى وتبدوا احيانا اكثر غربة وأجنبية من اسماء ماركس وانجلس ولينين. ولكي يكف عن اعتبار الماركسية فكرا وافدا وغريبا ، يجب ان تعرض له في صورة ، تبدو معها وكأنها نابعة من صميم ماضينا وتراثنا ، من اعماق تاريخينا وفكرنا ، من " اشتراكية " ابي ذر الغفاري وعلي بن ابي طالب والقرامطة والمزدكية والخرامية والشيعة ، وعقلانية المعتزلة ، ومادية ابن سينا و ابن رشد ، وطروحات ابن خلدون المادية التاريخية ، ودياليكتيك اخوان الصفا وغيرهم من مفكرينا القائلين بالتطور في الطبيعة ، وضمنا بترقي القرد الى انسان وغيرها . ان ضرورة تقديم الماركسية في لبوس تراثية ، لا ترتبط فقط باعتبارات " تكتيكية " ، عملية – سياسية ، بمقتضيات الدعاية والتحريض ، وإنما تمليها ايضا اعتبارات منهجية ونظرية ، لا تقل شئنا وأهمية . فالماركسية تتطلع الى تقديم رؤية فلسفية شاملة ، نظرة متكاملة الى الكون كله والتاريخ العالمي بأسره ، وإن كانت صيغت اول الامر ، في ضوء اللوحة الاوربية فحسب . والبرهان على شموليتها يستلزم ان موضوعاتها الاساسية تصحّ حتى على المغرب والبلاد العربية ايضا . ان التدليل على صحة الافكار مثل القول بأولوية الوجود الاجتماعي على الوعي الاجتماعي ، وبالصراع الاجتماعي الطبقي قوة محركة للتاريخ البشري ، وبانقسام المذاهب الفلسفية الى مادية ومثالية ، دياليكتكية وميتافيزيقية ، وغيرها ، انما يعني ضمنا اثبات صحتها بالنسبة لتاريخ بلدنا الاقتصادي والاجتماعي والفكري . واذا كنا لبعض الاسباب لا نستطيع اثبات ذلك ، فكيف يمكن الرد على انكار الآخر الخصم لشمولية الماركسية ، ولعملياتها تاليا ؟ وكيف نقنع الآخرين بقدرة المادية الدياليكتيكية والتاريخية على استشراف آفاق مستقبل مجهول ، اذا وقفنا عاجزين عن تطبيقها على ماض معروف او حاضر قائم ؟ ان التطبيق الخلاق للمنهجية الدياليكتيكية يعني فيما يعني " اكتشاف الماركسية اللينينية في الظروف الخاصة المميزة لكل بلد " ، اي تنزيل الماركسية طبقا للخصوصية الوطنية التي هي التراث والدين وجميع القيم التي تشكل الرصيد و الارث الايديولوجي التي تميز الامم عن بعضها الآخر ، اي اعادة اكتشاف الماركسية في ضوء التاريخ المغربي ، وقائعه وتراثه ودون اسقاطات او ممارسات عدمية ويسراوية صبيانية .وفي هذا الباب ودحضا لتفسيرات العدميين والمتطرفين للتراث وللدين ، يجدر بنا الاستشهاد بما قاله لينين الذي يلوكون اسمه كل يوم وبسبب وغيره مثل الببغاوات في مسألة التراث ( " ... في ظل نضوج الاحتجاج العفوي لدى الجماهير الشعبية ، الذي يتجلى على قدم وساق في احياء الاشكال التقليدية من التنظيم الاجتماعي والروابط الاجتماعية وأنماط الوعي الاجتماعي ، فان واجب الديمقراطيين الثوريين هو اضفاء صيغ واعية على هذا الاحتجاج الاجتماعي ، وتوجيهه في طريق اقامة مجتمع جديد ، ذي طابع لا رأسمالي . فالتراث الثقافي بالبلدان المتحررة ، كونه ينتمي الى عصر سابق على البرجوازية ، ليس عدوا للديمقراطيين الثوريين ، وإنما هو حليف وسند لهم ..." ) ومن هنا ( " يترتب على الديمقراطيين الثوريين حل مسألة ذات اهمية تاريخية عالمية ، هي الجمع بين كل ما هو سليم وطليعي وقابل للحياة في الثقافة القومية للبلدان النامية وبين الثقافة الاشتراكية بوصفها تجسيدا وتطويرا لخير جوانب الحضارة الانسانية " ) . ( الديمقراطية والشعبوية في الصين . لينين ، المؤلفات الكاملة ، المجلد 21 ، ص 402 ) .
الدرس الذي يجب أخذه من التاريخ الاوربي : الاصلاحية في مواجهة القروسطوية : ان من بين الاخطاء القاتلة التي سقط فيها العلمانيون المتمركسون واليساريون الجذريون والراديكاليون والدعاة الى نصرة الالحاد واللاّدينية في المغرب ، هو الانطلاق في التعامل مع الموروث الايديولوجي ، من قيم وتاريخ وتراث ودين ونظام ، يزاوج بين التيوقراطية والعصرنة ، ضمن الخصوصية المميزة للمغرب عن بقية البلدان الاخرى ، التي تحتفظ كل منها بخصوصية تميزها كذلك عن بقية الدول ، ، اقول الانطلاق في التعامل مع هذا الموروث الابدي ، من اعتباره شيئا من مخلفات القرون الوسطى ان لم تكن القرون الحجرية او قرون ما قبل التاريخ ، ومن ثم يمكن التخلص من هذا الموروث بالتنوير والدعاية المادية والإلحادية . ويقوم هذا الاعتبار او التحليل الخاطئ عند الكثيرين ، على تصور حول مسيرة اوربة في العصر الحديث ، يرى فيها كفاحا بين فكر مادي والحادي وعلماني من جهة ، وإيديولوجية غيبية دينية من جهة ثانية . ويتوهم اصحاب هذا التصور العدميون والمتطرفون ، ان التيارات المتمثلة بالشك الديكارتي ، والمادية الانجليزية في القرن الثامن عشر ، والمادية الفرنسية في نفس القرن ، والإلحاد البرجوازي عامة ، ، ، جاءت فأطاحت بالظلامية القروسطوية ، وفتحت الباب للانطلاقة البرجوازية التقدمية في حينها . وعلى هذا النحو يرون ان على الماركسيين في المغرب ان يقوموا بالمهمة نفسها التي انجزتها البرجوازية الاوربية ، وان يلجئوا الى الوسائل نفسها ، الى الدعاية المادية والإلحادية ( شعارات حركة 20 فبراير والتنسيقيات اليسراوية والالحادية والعلمانية المرتبطة بها ) .
و لا يهمنا هنا ان نبين ان خصوصية المسألة التراثية في بلدنا تجعل من غير اللائق ، ومن غير الجائز النظر الى الموروث الديني في المغرب على غراره في الغرب الاوربي ، فقد اظهرت التجربة صبيانية ما راج في حينه من تصدّ لذلك الموروث من موقع الالحاد في سبعينات القرن الماضي من قبل الجبهة الماركسية ( الى الامام و 23 مارس ) التي سيطرت على المنظمة الطلابية في المؤتمر الوطني الخامس عشر ( 1972 ) وما اعقب ذلك من تصفيات لقادة يساريين ( عمر بن جلون ) على ايدي الفاشيست الاسلاموي ( الشبيبة الاسلامية برئاسة عبدالكريم مطيع وعبدالاله بن كيران ) . كما اثبتت التجربة خطأ اسقاط تعامل التجربة الاوربية مع التراث على القضية المغربية التي تختلف اختلافا جذريا عن القضية الاوربية .
وبالرجوع الى التاريخ الاوربي سنجد ان الاقطاعية الظلامية و الديانة المسيحية في صيغتها القروسطوية ، لم تجابه من قبل فكر مادي والحادي ، ولكنها ’جوبهت بحركات الاصلاح الديني التي ظلت عموما في اطار الايديولوجية الدينية نفسها . وبهذا الصدد سبق لأنجلس التأكيد ، ان نضال البرجوازية في سبيل تحررها من نير الاقطاع ، منذ القرن الثالث عشر وحتى القرن السابع عشر ضمنا ، قد صيغ في قوالب دينية ، " فقد كانت مشاعر الناس متخمة بالغداء الديني ، ولذا فان العمل لإجهاض حركة عاصفة كان يتطلب ، وبالضرورة ، ان تقدم لهم مصالحهم الذاتية في لباس ديني " ( ماركس وانجلس ، المؤلفات ، الملجد 21 ، ص 314 ) . وانه في ظروف سيطرة الرؤية الدينية " كان لا بد لكافة المذاهب الثورية – الاجتماعية منها والسياسية – ان تتجلى ، على الاغلب ، في صورة هرطقات دينية في الوقت ذاته " ( نفس المرجع ، المجلد 7 ، ص 360 ) . كما ينوه انجلس بان حركات الاصلاح الديني ، كالكالفينية مثلا كانت تتجاوب مع متطلبات الفئات الاكثر جرأة بين برجوازيي ذاك الحين . اما المادية في انجلترا مثلا فقد وقف انصارها ( هوبس لوك ) الى جانب الملكية الاستبدادية المطلقة والارستقراطية الاقطاعية ، وكانوا معادين للبرجوازية الصاعدة والتقدمية ، ولهذا فانه على النقيض من مادية الارستقراطية ، كانت الطوائف البروتستانية بالذات ، هي التي كانت تقدم الرّاية والمناضلين في الصراع ضد آل ستيوارت ، كما كانت تغذي ايضا القوى المكافحة الرئيسية بين قوى الطبقة الوسطى ( البرجوازية ) التقدمية . وعلى هذا الاساس لم يكن من الصدفة ان الثورة البرجوازية الانجليزية عام 1649 لم تتسلح بالمادية والإلحاد ، وإنما رفعت الشعارات الدينية . وفي فرنسا التي لعب فيها مادّيو القرن الثامن عشر دورا بارزا وزاهيا في الصراع ضد الظلامية الاقطاعية والعقلية الغيبية ، نجد ان الاجنحة الاكثر راديكالية ضمن البرجوازية الفرنسية ( اليعاقبة ) في الثورة الفرنسية العظمى ، لم تنطلق من الفلسفة المادية في برنامجها السياسي ونشاطها الثوري ، بل انطلقت من افكار روسو الدينية المثالية . وهنا ألا يجدر بنا القول ان روسو المثالي كان مفكرا اكثر ثورية من المادّيين امثال لامتري وهولباخ وهيلغيتيوس ؟ ..
ولعل ما يجب ان نلفت اليه النظر فيما يخص دروس التاريخ الاوربي ، هو الاسلوب الذي استخدمته الحركات الاصلاحية و مثيلاتها في مجابهة الايديولوجية القروسطوية وفي ترسيخ وعي اكثر تقدما . ففي " الثامن عشر من برومير لويس بونابارت " يذكر ماركس : " أن لوثر توشح برداء القديس بوليس " ، وانه " من اجل الثورة البرجوازية استخدم كرومويل والشعب الانجليزي اللغة والمشاعر والأوهام ، المستعارة من العهد القديم " ( التوراة ) . والثورة الفرنسية 1789 –1814 " لبست قميص الجمهورية الرومانية حينا ، والإمبراطورية الرومانية حينا آخرا " .. لخ . ويخلص ماركس الى القول ان جماهير هذه الثورات وأحزابها وأبطالها ، الذين استعاروا رداء الاجيال السابقة والسالفة ، حتى وان اخذوا بشعارات القرون الغابرة ، انما كانوا يعملون لحل " مهمة عصرهم ، التحرر من القيود ، وإقامة المجتمع البرجوازي المعاصر " . وهذا ما يسميه ماركس في مواضيع اخرى بأسلوب " تحطيم التقاليد في اطار التقاليد " ، اسلوب تدليل التراث بالتراث ، وكما يقول المثل المغربي الدارج ( منْ لْحيْتو لقّم ليه ) .
يجب ان يفهم من هذا ان التوجه الفعال الى الجمهور يجب ان يكون باللغة البسيطة التي يفهمها مع استعمال لغة الرموز التراثية التقليدية التي يهضمها بغية تدليل التأويل الرجعي القروسطوي الذي تستخدمه حركات الاسلام السياسي للدين ، وترسيخ فهم من شأنه ان يساعد على الانطلاق نحو التقدم ، نحو مجتمع افضل . ومن ثم يجب التأكيد كذلك ، وفي ضوء وقائع التاريخ الاسلامي ، أنه لم يكن في وقت من الاوقات فهم واحد ووحيد لأحكام القرآن ، ناهيك عن السنة ، وانه لا مجال في الاسلام لمرجع اعلى يفرض على الناس تأويلا للدين بما يتناقض مع مقتضيات التقدم ، مع العمل لإقامة العدالة الاجتماعية ، فليس في الاسلام كنيسة ، ولا اكليروس يكون وسيطا بين الانسان وربه ، ومن المعروف انه لم يمضي قرنان او ثلاثة على الدعوة المحمدية حتى افترقت الامة الاسلامية الى ثلاث وسبعين فرقة او اكثر ، كل منها تعتبر نفسها غير ما عداها هي الداخلة الى الجنة . وصار من المأثور انه ما من فرقة إلا ولها في القرآن حجة ، فكان مع السنة المنهل الذي يغرف منه الجميع الاغنياء والفقراء ، الحكام والمعارضون ، الظالمون والمظلومون .. وكل يجد فيهما ( القرآن والسنة ) ما يؤيد وجهة نظره وتموقعه وضالته .
فهذا يفتش في القرآن و ( السنة ) عن سند " نظري " للخنوع و الطاعة والانبطاح ، وذاك يستلهم منهما ما يحفّزه على العمل والنهوض والثورة ، " فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . وهذا يجد فيهما ما يبرر الملكية الخاصة والتفاوت الاجتماعي والطبقي والاستغلال ، وذاك يعثر فيهما على من يؤيد قيم المشاعية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وهذا يرى فيهما دعوة لأن يكون كل مسلم رقيبا وحسيبا على ضمائر الناس ، وذاك يرى ان الله ، والله وحده ، هو الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ، وهو – وحده – من يحاسب الناس على ايمانهم وخطاياهم الدينية . وهذا يعتبر الدين اقتداء بالسلف وتقليدا لهم بعصمة الأئمة ، وذاك يرى انه " لا يصح ايمان المقلّد " ، ويروي عن الامام الاكبر علي ابن ابي طالب قوله "لا ’يعرف الحق بالرجال ، بل اعرف الحق تعرفه اهله " . وهذا يرى في الاسلام جمعا للسلطتين الدينية والدنيوية ، وذاك يفصل بين المنصبين مستندا في ذلك الى المأثور عن النبي نفسه " انها النبوة لا الملك " و " انتم ادرى بشؤون دنياكم " . وهذا يحصر العلم كله في القرآن ، ويتقوقع رافضا كل " علم اجنبي وفكر مستورد " وذاك يروي عن الرسول قوله " اطلبوا العلم ولو في الصين " و " خذ الحكمة ولو من فم وثني " ... لخ .
ولا مجال هنا لاعتبار الرجحان الكمي ، اي ايهما اكبر عددا : الآيات او ( الاحاديث ) التي تؤيد الرأي المعني او تلك التي تعارضه . فالمظلوم ميّال للأخذ بآية واحدة او ( حديث واحد ) ترفض الظلم والاضطهاد ، والإعراض عن عشر آيات يفهم منها انها تبارك الظلم والاستغلال . هذا ناهيك عن سلاح التأويل الذي من شأنه ، على الاقل تحييد كل الآيات التي يفهم ظاهرها تأييد الاستغلال مثلا ، وصرفها عن هذا الظاهر ، باعتبارها من المتشابه لا المحكم ( وليس ثمة معيار حاسم في فصل محكم القرآن من متشابهه ) . ثم ان التوجه يجب ان يكون الى قلوب عامة الفقراء والمحرومين والمضطهدين ، بعيدا عن التورط في جدل لاهوتي بيزنطي مع هذا او ذاك من المشايخ وخطبة الجوامع . ان الدين مسألة عفوية عند الجمهور ، لذا فان التعامل معه من منطلق عدمي تطرفي سيزيد من عدد المتدينين الغافلين بأمور بحقيقتهم ، وسيزيد من تعميق الشرخ بين جمهور المتدينين ولو ظاهريا ، وبين المنادون لألاّ دينية وللإلحاد وللعلمانية والليبرالية الممسوخة . وهنا فماذا ستنفع محاولات اقناع عامل متدين بسيط لا علاقة له بماركس ولا بالماركسية ، بأن صاحب المعمل يستأثر بقسم من عمله وأتعابه ، اذا كان هذا العامل يؤمن بان الاستغلال هو من قضاء الله وقدره ، او انه امتحان في الحياة الدنيا ، او انه جزاءا لما اقترفه من إثم و آثام في الاجيال السابقة من حياته وغيرها . ثم ما العلاقة بين العلمية والأكاديمية وبين حقوق الانسان ال’مداس عليها من قبل الفاشية والرجعية في السجون العربية ، ثم يأتي باحث ( هادي العلوي ) فيهدي الى الضحايا المسجونين بحثا له " حدود التعذيب في الاسلام " ( المجلة الموقوفة الثقافة الجديدة ) ينبري فيه للرد على الوعي العام الذي يتوهم " ان الدين بما هو دين يتعارض مع اخلاقية التعذيب " ، ولفضح التبسيط الشعبي القائم على اغفال التاريخ الشخصي للأديان ، وعلى الجهل بالجذور البعيدة للسلوك الديني . ان هذا التبسط الشعبي الذي اعتاد على اعتبار الدين نقيضا للعدوان والنظر الى الجلادين باعتبارهم عصاه او ’فساقا لا يخافون الله ، بدلا من استخدام التراث الاسلامي لترسيخ قناعات جمهور المؤمنين حول رفض الدين للتعذيب ، نحاول زعزعة هذه القناعات الانسانية . وماذا سيحصل يا ’ترى لو تخلى الجمهور المتدين – نفرض هذا جدلا – عن هذه القناعات ، وآمن بتأثير – كتابات كهذه – بان الدين يبارك التعذيب : هل يتخلى عن الدين كما يتوهم الماركسيون والعلمانيون واليساريون قاطبة ، ام يستحسن ويبارك تعذيب الحاكم ( المؤمن ) للشيوعي او الماركسي واليساري ( الكافر ) ؟ انها المازوخية بعينها ، التلذذ بتعذيب الذات .
استخدام المنهج العصري دعم للتراث والأصالة : هل الاسلام عدو للعصرنة والتحديث والجديد : ؟ وهل يتعارض الاسلام مع الاشتراكية التي تدعو اليها مختلف الحركات الماركسية واليسارية : ؟ بالرجوع الى اصالة القرآن يتبين ان تلك الاصالة ، اضافة الى جانب ادلة اخرى ، تمثل دليل اعجاز القرآن ، لأنه قدم للإنسانية مبادئ عامة استهدفت خير البشرية في كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية . وكلام الله منزه عن ان يكون مجرد مباحث نظرية فلسفية محددة ، بل هو اشمل من ذلك واسمى . وبلغة الفلسفة نقول ان العقل الفعّال الاعظم وضع العموميات ، وترك للعقل ال’منفعل ، اي العقل البشري الذي اعظم ما خلق الله في اعظم مخلوقاته وهو الانسان ، مهمة صياغة النظريات ووضع المناهج . والعقل البشري يصيب ويخطئ ، فما من نظرية في تفسير ظواهر الكون ’كتب لها الاستمرار ، ذلك ان ما ’يثبته عقل يمكن ان يبطله عقل ، وبقاء نظرية ما مرهون بإحاطتها بقوانين حركة التطور ، وبحدوث المتغيرات تتعدّل النظريات او تذوي ممهدة لأخرى اكثر اتساقا مع الواقع الجديد . اما المبادئ العامة فثابتة وقائمة ، وهي رحبة وثرية تحتوي النظريات والمناهج ولا تحتوي التفاصيل .
والمفكرون الاسلاميون قليل منهم من فطن الى ذلك الجانب الإعجازي في القرآن ، ومعظمهم التزموا بحرفية النصوص ، فجمّدوا الفكر الاسلامي او اسرفوا في التأويل ، فركبوا متن الشطط ، والتقى الراديكاليون المحافظون والليبراليون المتطرفون عند نتيجة واحدة هي الإغفال او التّغافل عن حقيقة العلاقة بين العقل الفعال والعقل المنفعل .
لقد حاول المعتزلة تعميق فهمهم الصحيح لتلك العلاقة بإطلاق العقل المنفعل – البشري – من اساره ، لكن التيار السلفي كان غلابا ، فاستنفدوا طاقاتهم في – هدم القوالب الفكرية الرجعية ، وكبح التيار الليبرالي الجامح ، ودار صراع كانت الغلبة فيه للاتجاه السلفي الذي مثله الأشاعرة والحنابلة ، ثم بلغ مداه على يد الغزالي ، فضاع صوت ابن رشد – صوت العقل – واختفى في ضجيج التيار السلفي الذي استفحل على يد المتصوفة كابن عربي وابن سبعين ، وتحول التصوف الى دروشة ظلت حجر الزاوية في الفكر الاسلامي الى مشارف العصر الحديث . وهنا تكمن اسباب النكسة الحقيقية التي المّت بالعالم الاسلامي ، وهنا ايضا تكمن اسباب النهضة الاوربية التي امسكت بالخيط الرفيع الذي تركه ابن رشد .
من القرآن الكريم اذن يمكن استلهام النظريات والمناهج الحديثة . واذا كان الجدل " الدياليكتيك " اخطر ما وصل اليه العلم الحديث في تفسير ظواهر الكون ، وتحديد قوانين حركته ، فأعتقد ان فيلسوفا اسلاميا كابن خلدون فطن الى خطورته قبل ان يذهل هيجل العالم باكتشافه . وبالرجوع الى مقدمة ابن خلدون نجد : " ... ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الاحوال في الامم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الايام . وأهل الملك والسلطان اذا استولوا على الدولة والأمر ، فلا بد ان يفزعوا الى عوائد من قبلهم ، ويأخذون الكثير منها ، ولا يغفلون عوائد جيلهم مع ذلك ، فيقع في عوائد الدولة بعض المخالفة لعوائد الجيل الاول ، فإذا جاءت دولة اخرى من بعدهم ومزجت من عوائدهم وعوائدها خالفت ايضا بعض الشيء وكانت للأولى اشد مخالفة ، ثم لا يزال التدريج في المخالفة حتى ينتهي الى المباينة بالجملة .. " . اذن اليست تلك العبارة تلخيصا لحركة التاريخ وكشفا عن قوانينه قبل ان يقف عليها هيجل ، ويقيم عليها ماركس ماديته التاريخية ؟ . لذلك اقول ان المنهج العصري دعم للتراث وللأصالة وللإسلام وليس على حسابهم .
اما في شق الديمقراطية عصب النظريات العصرية في السياسة ، فان القرآن الكريم دعا اليها من اصلها وليس من ضفافها
وهي ممثلة في مبدأ – لا نظرية –" الشورى " . ولو انطوى القرآن و ( الحديث ) على نظرية في الحكم ،فلماذا لم يوصي بها النبي قبل وفاته ؟ . ان عظمة الاسلام اذن في انه لم يقدم نظريات ولن ينسج مناهج ، وإنما ارسى مبادئ وقيما عامة في اطارها يكيف المسلمون نظمهم في الحكم والسياسة وفق طبيعة العصر ومقتضياته .
ومن الناحية الاقتصادية فان القرآن الكريم تضمن مبادئ سامية في العدالة الاجتماعية ، ومن هذه المبادئ يمكن صياغة نظرية اقتصادية لا تختلف كثيرا عن الاشتراكية العلمية المعاصرة . فمنطلق الاسلام هو منطلق الاشتراكية العلمية في تحديد اسباب معوقات العدالة . ويكمن السبب في طبيعة النفس الانسانية وحب الانسان وشهوته للسيطرة . قال تعالى في الكتاب المبين " ... اذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا " وقال " ان النفس لأمارة بالسوء " . ان اطلاق العنان لغريزة التملك والسيطرة يسفر عن الظلم الاجتماعي ، فتستغل الاقلية مقدرات الجماعة ، وهذا الظلم من صنع البشر وليس من صنع الاسلام " ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون " .
ان الاقلية الظالمة فاسقة ، واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها . والصراع بين الاقلية المترفة وجمهور المقهورين حتمي . والإسلام يحض على ثورة المظلومين . قال النبي " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ...لخ " . والله يعلم ان الظلمة لا يرتعدون بالحسنى . " ولقد اهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا " ، وإنما الردع بالعنف والقسوة ونتيجته في صالح المستضعفين بالضرورة " ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ".. تلك الآيات البينات .. وغيرها تنهض دليلا على اشتراكية الاسلام ، وبوحي منها يمكن للشارع ان ينسج من النظريات الاقتصادية ما يوائم طبيعة العصر ، ويواكب مجريات التطور . فالروح العامة للإسلام تستهدف العدالة الاجتماعية ، وفي تحقيقها خير البشر وازدهار الحضارة . يقول ابن خلدون " .. فلما كان الظلم مؤذنا بانقطاع النوع لما ادى اليه من تخريب العمران ، كانت حكمة الخطر فيه موجودة ، فكان تحريمه مهما وأدلته من القرآن والسنة كثيرة اكثر من ان يأخذها قانون الضبط والحصر .. " .
ومرة اخرى يقف ابن خلدون على احدى ركائز الاشتراكية العلمية ، حيث فطن الى جوهر ما يعرف ب " فائض القيمة " ، وفي هذا يقول : " ... ومن اشد الظلمات وأعظمها في افساد العمران تكليف الاعمال وتسخير الرعايا بغير حق ، ذلك ان الاعمال من قبيل المتمولات ، لأن الرزق والكسب انما هو قيم اعمال اهل العمران ... فاذا مساعيهم وأعمالهم كلها متمولات ومكاسب لهم ، بل لا مكاسب لهم سواها ، فان الرعية المتعلمين في العمارة إنما معاشهم ومكاسبهم من اعتمالهم ومكاسبهم من اعتمالهم ذلك ، فاذا كلفوا العمل في غير شأنه واتخذوا سخريا في معاشهم بطل كسبهم واغتصبوا قيمة عملهم ذلك وهو متمولهم ، فدخل عليهم الضرر وذهب لهم حظ كبير من معاشهم ، بل هو معاشهم بالجملة ، وان نكرر ذلك عليهم افسد مآلهم في العمارة وقعدوا عن السعي فيها جملة ، فأدى ذلك الى انتفاض العمران وتخريبه " .
ولا غروة في ان التاريخ كما ورد في القرآن الكريم كان للعبرة والموعظة الحسنة ، ويتضح ذلك من قصص الانبياء والرسل في صور شتى . ومن القصص التاريخي المتعلق بأخبار الدول الدارسة كعاد وثمود وغيرها ، وهو ما يعرف ب " اساطير الاولين " . وان الغرض من عرض القرآن لذلك هو المغزى الاخلاقي الذي يتماشى مع اسباب تنزيله . قال تعالى : " قل سيروا في الارض فانظر كيف كان عاقبة المجرمين " . وفي القصص القرآني تبرز قدرة الله على الخلق ، وعظمته في تسيير الكون ، وعلمه بما كان وما سيكون . ومن ناحية اخرى يفهم منها حرية الانسان في افعاله وامتلاكه ناصية ارادته . ومن هنا كانت مسؤولية البشر عن اعمالهم ، فالجزاء من جنس العمل ، ومن ثم فالبشر – افرادا وجماعات – هم صانعو التاريخ ، ولا تناقض هنا بين قدرة الخالق وبين خلق العباد لأفعالهم ، وحريتهم الكاملة في صنع واقعهم . والحياة الاخروية مدخلها الاعمال الدنيوية ، فمن عمل مثقال ذرة خيرا يراه ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يراه .
الخلاصة ان التاريخ من صنع البشر ، وأعمال البشر هي مادة التاريخ . وما عدا ذلك يخرج عن اطار مباحثه ، فالجوانب الروحية لا محل لبحثها عقليا ، " قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم إلا قليلا " . والمؤمن يسلم بها تسليما غيبيا " الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " ، والخوض فيها عبث ومهلكة ، وابن خلدون نبه الى ذلك حيث يقول " العلوم الالهية لا توسع فيها الانظار و لا تفرع المسائل " .
لذلك حض القرآن الكريم على إعمال العقل وإطلاق طاقاته في الظواهر الكونية التي في متناوله ، وبالتالي معرفة عللها ومسبباتها دون ان يكون في ذلك ادنى مساس بعلتها الاولى ، بل على العكس فالبحث والنظر في علل الظواهر يعمق الايمان ويؤكده . قال تعالى " انما يخشى الله من عباده العلماء " . ومن هنا نستخلص من القصص التاريخي في القرآن منهجا علميا في البحث التاريخي قوامه اغفال " الغيبيات " وأعمال العقل في " المعقولات " باستكناه هويتها ومعرفة عللها ومسبباتها والوقوف على قوانين حركتها ، اكثر من ذلك يمكن ان نستخلص من العبرة الكامنة في القصص القرآني امكانية التطلع الى المستقبل ، وتلك خاصية من خصائص العلم الحديث . فباستقراء " اساطير الاولين " نقف على قانون " الحتمية التاريخية " من خلال معرفة المصير الواحد الذي آلت اليه دول الظلم والطغيان والجبروت .
قصارى القول ان القرآن الكريم ينطوي على مبادئ عامة لا نظريات محددة ، ولا مناهج مقولبة ، وان الشارع في هديها بوسعه ان يقيم نظريات متكاملة في السياسة ونظم الحكم والاقتصاد والاجتماع ، والباحث بإمكانه ان يستوحي منهجا علميا سليما في معالجة التاريخ وجميع الظواهر الكونية ، وهذا بحد ذاته دليل ساطع على ان التراث والإسلام لا يتعارضان مع التقدم والمدنية والعلوم الحقة وحقوق الانسان ، بخلاف ما يدعيه العلمانيون واليساريون والماركسيون والملحدون واللاّدينيون .
اذن لا مصلحة لهؤلاء جميعا في سبيل الشيوعية او الاشتراكية العلمية ان يزعزعو قناعات انسانية ، وليس لهم مصلحة في التشكيك باسم العلم والحقيقة ، بما تكوّن في وعي الجمهور الفقير المتدين من صور زاهية عن عدالة واستقامة الرسول وأبي ذر الغفاري وعمر بن عبد العزيز وابي بكر وعمر وعلي ، وعن دعوة الاسلام الى المساواة وتحرير العبيد ، والى رفض الاستغلال والاضطهاد والظلم بجميع انواعه وأشكاله ، حيث ليس هناك مصلحة في البرهان على " خطل " من يقول " الاسلام دين الاشتراكية " مادام لينين قد اتخذ موقفا مرنا حيال شعار مماثل " الاشتراكية هي ديني " حيث يقول : " ان موضوعة " الاشتراكية دين " هي ، بالنسبة للبعض شكل للانتقال من الدين الى الاشتراكية ، وللبعض الآخر شكل للانتقال من الاشتراكية الى الدين " . وكمثال على الحالة الاولى يورد لينين الداعية او المحرض ، الذي يتوجه الى جمهور العمال ، ويحاول تقديم افكاره عبر المفاهيم الاقرب الى مدارك الجمهور غير الناضج . والحالة الثانية تتفق مع مساعي البعض في بلادنا لترسيخ الدين او على الاقل لترسيخ فهمهم للدين من خلال التأكيد على اشتراكيته التي يطرحونها نقيضا للاشتراكية العلمية . ان هذه الحالة الاخيرة هي التي تجعل البعض عندنا يتهيبون اللجوء الى الرموز التراثية ، خوفا من ان يؤدي ذلك الى تعميق تأثير الدين .
ان المعركة التي من المفروض ان تكون مفروضة على اليسار ، هي العمل لسحب بساط الدين من المتاجرين به لصالح مشاريع تعيد عقرب الساعة سنين كثيرة الى الوراء ، اي التحرك بما يمنع الخصوم الثيوقراطيين والسياسيين من متابعة تحكمهم بمشاعر الناس الدينية ويوظفونها على اهوائهم ، فلا بد من محاربة الخصم بسلاحه . وهنا لا خوف من الاعتقاد في ان اشتغال اليسار بالمسألة الدينية والتراثية قد يساهم في تعزيز الرؤية الغيبية نتيجة لمخاطبة الجمهور باللغة التراثية . فاذا كانت هناك جماعة او منطقة او افرادا قد تحرروا من سيطرة الوعي الغيبي ، فما من ضرورة للتحدث اليهم بتلك اللغة . المقصود هو مخاطبة الجمهور المتدين الذي يعيش التراث في اعماقه ، ويتجسد في سلوكه اليومي ، فينجر بسبب ذلك وراء المتاجرين بالدين . وهو ما يعني في وضع المغرب الراهن تذليل الفهم القروسطوي للدين في تحطيم التقاليد في اطار التقاليد ذاتها . انها نفس الطريقة التي استخدمها ممثلو حركات الاصلاح الاوربية الذين ثاروا على الكنيسة ومن داخل الكنيسة نفسها فيما عرف بحركة الاصلاح الديني ، وتحضرني هنا اسماء مارتن لوثر وكلفن وزونجلي وارزمس وغيرهم من المفكرين الذين مزقوا الغلاف الزائف للحقيقة وخلقوا المناخ الملائم لتقدم العلوم الانسانية والتجريبية .
ملاحظة لها علاقة بالموضوع : في الوقت الذي كنت فيه بصدد معالجة اللمسات الاخيرة لهذه الدراسة قبل النشر ، طلع علينا مجموعة من المثقفين المغاربة الذين كانوا عضويين في احزاب يسارية خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، ولم يعودوا اليوم لأسباب معروفة خارجة عن سياق البحث ، ببيان يدعو الى ( وحدة اليسار وينتقدون انصرافه عن موضوع الدين وجهله بالتراث الثقافي للشعب المغربي ) . وهنا يحق لكل محلل مهتم ان يتساءل : بما ان هؤلاء المثقفين لم يعودوا اعضاء في احزاب يسارية حقيقية ، وقطعوا مع مدرسة اليسار ، فما الدافع الاساس الذي حركهم لدعوة اليسار الى مراجعة موقفه من التراث ومن الدين ؟ ولماذا بالضبط التوجه بالدعوة الى اليسار التي تبقى كلمة فضفاضة تشمل وتضم احزابا ليس لها علاقة بفلسفة اليسار ؟ وهل هناك فعلا الآن يسار بالمغرب كما كان عليه الحال خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي ؟ . ثم ما المقصود بأحزاب اليسار : هل المقصود ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية ) ، هل المقصود ( الحزب الاشتراكي ، الحزب العمالي ، حزب المؤتمر الوطني ، جبهة القوى الديمقراطية و حزب الخضر ) ، هل المقصود بذلك ( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد ) ، هل المقصود بذلك ( حزب النهج الديمقراطي ) ام ان المقصود هو ( النهج الديمقراطي القاعدي وجميع فلول القاعديين الذين يتحركون في الساحة الطلابية بهذا الاسم )ام ان المقصود هو ( التروتسكيون – رابطة العمل الثوري بالمغرب وتيار المناضلة ) ؟ .
فاذا كان المقصود بالنداء ( حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ) فان اصحاب النداء يكونون قد اقترفوا اعتداء على هذا الحزب من خلال اتهامه بالتفريط في التراث وفي الدين ، وهذا اتهام خطير قد تكون له تبعات مستقبلية على مسار الحزب . كذلك اذا كان المقصود بنداء اليسار نفس الحزب ( الاتحاد الاشتراكي ) فان هذا قد قطع نهائيا مع مدرسة اليسار الراديكالي في المؤتمر الارتدادي ( الاستثنائي ) الذي كان انقلابا على ماضي الاتحاد الراديكالي ( المؤتمر التأسيسي ، المؤتمر الثاني ، خطابات رموز الحزب من امثال المهدي بن بركة والفقيه محمد البصري ، اضافة الى البيانات المختلفة التي كانت تنشرها اللجنة المركزية بمناسبات كثيرة ، مثل الاستحقاقات السياسية التي كانت على الابواب ، اضافة الى احداث 16 يوليوز 1963 وأحداث 3 مارس 1973 ) ، وبالرجوع الى وثائق المؤتمر الخامس الذي كان مؤتمر توافقات بين وزارة الداخلية وقيادة الحزب ، وبالرجوع الى وثائق المؤتمر السادس ، وما اعقبه من تطورات لاحقة ، يمكن القول ان حزب ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ) قطع حتى مع مدرسة اليسار المعتدل ، وليتحول بقدرة قادر الى حزب حكومي يشارك في الحكومات وليس في الحكم ، وأحيانا يمارس المعارضة البرلمانية لأحزاب الحكومة وليس ضد الدولة ، وهو ما يعني ان الحزب لا يختلف عن غيره من الاحزاب الاخرى التي تتحرك بعناوين مختلفة ( يمين ، وسط ، ادارة ، محافظة ) ، وهذا واضح من خلال الحكومات التي شارك فيها الى جانب احزاب كان لا يتردد في نعتها بأحزاب ( الادارة ) .
اما اذا كان المقصود من النداء هو ( حزب التقدم والاشتراكية ) ، فان هذا الحزب رغم انه كان يستغل اليافطة اليسارية لإعطاء نوع من الشرعية اليسارية الديماغوجية لإعماله ، فهو لم يكن ابدا ينتمي الى مدرسة اليسار إلا بالاسم . لقد رفض الحزب مطالب استقلال المغرب عن فرنسا ، كما ان مواقفه كانت كلها ضمن نهج الحكومة من خلال مباركته للإصلاحات التي عرفتها الجامعة في سبعينات القرن الماضي ، بل انه لعب دورا رئيسيا في محاربة فصائل الحركة الماركسية اللينينية ، ولم يكن يتردد في حث الدولة على اجهاضها في المهد .
اما اذا كان المقصود بالنداء ( جبهة القوى الديمقراطية ، الحزب الاشتراكي ، الحزب العمالي ، حزب المؤتمر الوطني وحزب الخضر ) فان هذه الاحزاب لا علاقة لها بمدرسة اليسار رغم استعمالها لكلمة اليسار للحفاظ على مكانة ما عند رسم التوازنات الحزبية في الساحة .
اما اذا كان المقصود بالنداء ( حزب الطليعة والحزب الاشتراكي الموحد ) ، فان النداء يكون قد اخطأ الوجهة . فمن جهة ان حزب الطليعة تحول الى حزب يتوق الى ممارسة المعارضة البرلمانية ، وهنا نسجل الى انه شارك في الانتخابات التشريعية في سنة 2007 دون ان يتحقق له ادنى مطلب من المطالب التي دأب يتحجج بها منذ ستينات القرن الماضي لمقاطعة الانتخابات ، اي قدم شيكا على بياض ومع ذلك لم يصوت عليه احد ، ومن جهة فرغم ان للحزب رصيد نضالي في تاريخ الصراع مع الدولة ، إلا ان استمرار سيطرة الشيوخ البعثيين والستالينين على القيادة ( عبادة الشخصية ) ، والتحاق بعض العناصر التي تقوم بدور الشاوش في الادارة الذي يمارس العمل الحقير والوسخ ، ويمارس النميمة في المقاهي ، ويعاني من الاضطرابات النفسية والسايكولوجية ، ومعاناته من السكيزوفرانيا ، ويتخفى وراء بعض المصطلحات التي ’يحقها ( اصحاب الحال ) مثل " المناضل " " الصراع الطبقي " ... قد اضر بالحزب وجعله لا يختلف في شيء عن غيره من الاحزاب التي ناصبها العداء ، ووصفها بأقبح النعوت ، ومارس ضدها القمع التنظيمي والإيديولوجي في ما سمي في حينه ب " مؤامرة 3 ماي 1983 " . ونطرح السؤال : لماذا احداث 3 ماي 1983 ، اذا كان الحزب قد شارك في الانتخابات التشريعية بدون مقدمات في سنة 2007 ؟
من كان صائبا ومن كان مخطئا في تقييم الوضع السياسي بالمملكة . هل الاتحاد الاشتراكي – المكتب السياسي الذي قرر المشاركة في الانتخابات - ، ام الاتحاد الاشتراكي – اللجنة الادارية الوطنية – التي ستسمى ب ( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ) التي قررت مقاطعتها ؟ .
اما بالنسبة للحزب الاشتراكي الموحد ، فهو بدوره يشارك في الانتخابات وله اعضاء بالبرلمان وبالمجالس الجماعية ، اي انه يتحرك من داخل النظام وليس من خارجه . وهو ما يجعل منه يلعب دور المعارضة البرلمانية التي مارسها الاتحاد الاشتراكي بعد المؤتمر الوطني الاستثنائي لسنة 1975 . اي ان الحزب لا يختلف في شيء ذي اهمية عن غيره من الاحزاب التي يجلس معها في البرلمان ، اللهم في بعض المطالب التي تجاوزتها الاحزاب مثل الملكية البرلمانية او الشكلية . ان النضال الذي يمارسه اليوم حزب ( الطليعة وحزب الاشتراكي الموحد ) يقتصر على نضال البلاغات والبيانات التي لن تهز دجاجة من فوق بيضها . وان مقاطعتهما للاستحقاقات الاخيرة ، كان بسبب اقتناعهما بتبرم الناخبين من التصويت لصالحهما ، مما سيكون له وقع نفسي خطير على مستقبلهما ، مثلما حصل في الانتخابات التشريعية لحزب الطليعة في سنة 2007 . ان المنطق يقتضي ، انه في الوقت الذي قاطع فيه ( الاشتراكي الموحد ) الانتخابات الاخيرة ، وحتى يكون منسجما مع نفسه ، كان عليه الانسحاب من المجالس المحلية ومن البرلمان ، وهذا لم يحصل ، مما جعل قرار المقاطعة تسرعا لم يجني منه الحزب شيئا . ويذكرنا هذا التصرف بما كان يقوم به الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في ستينات القرن الماضي ( ينحدر منه الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة ) حين كان يقاطع الاستفتاءات على الدستور ، لكنه كان يشارك في البرلمانات والمجالس التي كانت تنبثق عنه .
اما اذا كان المقصود بالبيان الموجه الى اليسار ( حزب النهج الديمقراطي ) فبأس اليسار . لان الحزب من خلال التنظيم ، او من خلال الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، يقتصر على النضال بواسطة البلاغات والبيانات التي لن تغير في الواقع امرا . كما ان الوضع التنظيمي و الايديولوجي لن يسمح له بتخطي بعض الحواجز التي تفوقه قدرة ، وهنا لا ننسى تنسيقه مع الداعم جماعة العدل والإحسان ضمن حركة 20 فبراير المنتهية . وكم اذرف الحزب من الدموع بعد ان تركته الجماعة فريدا في الحركة ، مما عجل بإظهار وضعه الحقيقي للعلن .
ويبقى التساؤل : هل المقصود باليسار في البيان ( النهج الديمقراطي القاعدي وجميع فلول القاعديين ) . من اللاّفت للنظر ان الوضع الطبقي والاجتماعي لأصحاب البيان لا يخص هؤلاء الذين يبقى وضعهم انتقالي ، بسبب تحركهم داخل الجامعة وضمن حركة 20 فبراير حيث كانوا يرفعون شعارات متطرفة تقصد رأس النظام والنظام بعينه ، مطالبين بالجمهورية ( الديمقراطية الشعبية ) .
اما عن المجموعة التروتسيكة ، فنظرا لقلة ومحدودية اعضائها والمنتسبين لها ، وتحركها ضمن الجامعة وضمن حركة 20 فبراير ، فان نفس النظرة و التقييم لأصحاب البيان من ( النهج الديمقراطي القاعدي ) ينصب على ( رابطة العمل الثوري وتيار المناضلة ) .
ان الذي يجهله اصحاب البيان الذي قطعوا مع مدرسة اليسار منذ زمن طويل بعد اقتناعهم باستحالته الى ارخبيل من النسيان بسبب التشرذم ، هو موت اليسار ليس فقط في المغرب ، بل في اوربة التي يتأثر بها المغرب في كل شيء . اين الحزب الشيوعي الايطالي ، الحزب الشيوعي الفرنسي ، الاسباني ، البلجيكي ... اين منظمات الستينات الاوربية من ماويين ، غيفاريين ، ستالينيين ، ماركسيين ، لينينيي و تروتسكيين ... اين منظمات منظمة ( التحرير الفلسطينية ) خاصة الجبهتين الديمقراطية والشعبية ل ( تحرير فلسطين ) ... ..
ان القول بموت اليسار واحتلال الساحة من قبل الجماعات الاسلاموية والفاشية ليس له من معنى سوى ان العالم تغير ، فهل سيتغير اليسار ام سيظل مرهونا لقوالب جامدة تجاوزها الزمن منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وجدار برلين ، وتحول الصين الى دولة امبريالية تمارس الجشع الاقتصادي في القارات الخمسة .




#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسعة واربعين سنة مرت على حرب اكتوبر . ماذا بعد ؟
- الموقع الطبقي لحركة الضباط الاحرار
- لبنان وسورية في فوهة البركان الصهيوني
- عالم آخر ممكن
- اتجاه العنف في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية
- البنك العالمي للانشاء والتعمير في خدمة الادارة الامريكية
- ( الدولة اليهودية ) ومفهوم الحدود الآمنة
- حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي ...
- الصهيونية العالمية والنازية وجهان للصهيونية الاخوانية
- ميكانيزمات التحكم في القرار السياسي بالبلاد العربية
- في بناء الحزب العمالي الثوري (منظمة الى الامام) ( وجهة نظر )
- الطائفية الورم الخبيث بالوطن العربي
- ازمة منظمة ( التحرير ) الفلسطينية -- دراسة تحليلية ونقدية لم ...
- البومديانية وتجربة التنمية الجزائرية المعاقة
- المثقفون والصراع ( الطبقي )
- (الايديولوجية العربية المعاصرة )
- انقلابيو فتح وراء مقتل ياسر عرفات
- انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 5/5)
- انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 4/5 )
- انصاف الحلول : المؤتمر الاستثنائي ( 3/5 )


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الماركسية والتراث والموقف من الدين