أفول المهرج 1953(أنغمار بيرغمان): رؤيا شاملة لعناصر سيقولها بيرغمان في أفلام قادمة له

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20 - 15:41
المحور: الادب والفن
    

أفول المهرج 1953(أنغمار بيرغمان): رؤيا شاملة لعناصر سيقولها بيرغمان في أفلام قادمة له
أفول المهرج أو ليلة عارية- وهو العنوان الذي اطلق فيه في الولايات المتحدة-،هو الفيلم الثالث عشر لبيرغمان وهو يشكل خطوة متقدمة بالنسبة لأفلامه السابقة وكنظرة ممحصة وسريعة لكل أفلامه السابقة قد يكون هذا الفيلم هو الأفضل لبيرغمان بعد فيلم الظمأ1949.
يبدأ الفيلم مع لقطة استرحاعية(فلاش باك) مقتبسة نوعا ما من التعبيرية الألمانية والتي اعتبرت أحيانا كأفضل لقطة استرجاعية في ذلك الوقت المبكر من عمر السينما.
القصة جرت أحداثها منذ سبع سنوات عن مهرج تعرت زوجته أمام تجمع من الجنود والفضيحة عمت جميع القرية لأن كلهم تقريبا قد رأوا هذا المنظر...
زوجته تتعرى بشكل كوميدي وزوجها يحاول ردعها بشكل كوميدي أيضا،ولكن هذه الكوميديا السوداء ستقلب إلى شيء من الحزن والدهشة وهو-أي المخرج-يحمل زوجته ويحاول ستر جسدها بينما الكل يلاحقه بسخرية ثم في صمت حزين كل ذلك استخدم فيهخ بيرغمان تقنيات السينما الصامتة...
المهرج يمشي حافي القدمين متألما ساقطا غير قادر أن يكمل وهو حافي القدمين يدوس على حجارة قاسية على وشك الموت وكأنه يسير في درب الجلجلة...
إذا مهرجنا هو المسيح ولكنه لا يحمل الصليب لأنه يحمل المرأة كرمز للخطيئة ...
الفيم بشكل عام يتحدث عن ويلقي نظرة سوداوية عن الحب والزواج،بل يتابع بيرغمان مسيرته في الظمأ في الحديث عن المرأة وتحميلها مسؤولية كبيرة في فشل الثنائية الخالدة-الرجل والمرأة-.
هذه المقدمة تعتبر صارمة وحزينة وتخوض وتوصل إلى صلب الموضوع من دون مقدمات تذكر مع بداية مكثفة جدا،تتسم بالعمق الدرامي وقوة خلفيات القصة وعوالم كئيبة ومفتاح للتأمل والتساؤل عن الذي يريد بيرغمان قوله فعليا في هذا الفيلم..
المسيرة أو الأحداث القادمة سوف تقع في مطب الميلودراما وستبدوا بأنها غير قادرة على أن تكون على مستوى هذه الاستهلالة أو المقدمة الرائعة ولكن وبالرغم من كل شيء تظل هذه المقدمة هي تغبير رمزي قوي لكل محدثات القصة الحالية..
البرت يقود فرقة جوالة خاصة باستعراضات السيرك،أحد أعضاءها هو المهرج المذكور في القصة آنفة الذكر...
) التي سرعان ما ستخونه مع فرانزHarriet Andersonالبرت قد هجر زوجته منذ ثلاث سنوات ويتخذ عشيقة غجرية (
المخنث الذي يعمل في فرقة مسرحية من أجل المال ليس إلا،وفي نفس الوقت سترفض زوجته عودته إليها ليعمل معها في محل بيع السجائر...
إذا محور الفيلم هو المرأة،ودورها في العلاقة ولاأرى بأن بيرغمان يبدأها بل هو يتابع مسيرة نساء فيلم الظمأ،وكعادته فبيرغمان يطرح أفكاره من خلال قصص بسيطة فالفيلم ليس قويا جدا في الطرح ولايعطي للمشاهد أبعادا فكرية واسعة،كما أنه لايعطيه قوة التحليل والتمحيص والاكتشاف والتأمل على شاكلة فيلم الظمأ...
بل هذه القصة السلسة والمفهومة من خلال سردية تتابعية ميلودرامية،تدخل موضوع المرأة والعلاقة مع بعض المعطيات الأخرى ضعيفة المعالجة في هذا الفيلم...
مثل أن يقول البرت لزوجته في لحظة تأملية:لا شيء يتغير، في الصيف كما في الشتاء كل شيء هادئ الاعوان تمر ولكن لا شيء يتحرك...إنه الخواء
والخواء هو كلمة شهيرة تذكرنا قطعيا ب ت-س- اليوت،ولكن الفيلم لم يقدم هذه المعالجة بشكل أساسي لنقول بأنه يتحدث بشكل واضح عن محنة الانسان الغربي، كما إن البرت ليس عميقا كفاية لنقول بأنه يمتلك غثيان سارتر....
هذا عندما يكتشف بأنه يمقت الحياة بعد اكتشافه لخيانة (آنا) له،أو لنقول مثلا عن البرتو بأنه منظر لميكافلي عندما يقول بأنه يحب الناس ولكن الناس لا يخافون منه...
على بساطة الفيلم وتسلسل الأحداث وانسيابها وعدم تعقدها فبيرغمان يعطينا في فيلمه هذا مجالا اوسع للرؤية والنظريات عند بيرغمان تعود للحديث عن أن (الناس اجبروا على الحياة) هذه الفكرة التي سيعود بيرغمان للحديث عنها بشكل أقوى وأجمل في عدد من أفلامه القادمة خاصة ثلاثية صمت الله التي تناولناها بالدراسة والتحليل في مقال سابق لنا...
ستهاجر الفرقة إلى قرية أخرى بعد أن يزل البرت من فرانس في عراك بالأيدي وسيحاول الانتحار ولكنه بدلا من ذلك يقتل الدب الاجرب هو الحيوان الوحيد في هذه الفرقة....
فيلم أفول المهرج فيلم جيد ويستحق المشاهدة ويعتبر رؤيا شاملة لعناصر سيقولها بيرغمان في أفلام قادمة له على الرغم من أن فكرة العلاقة بين الرجل والمرأة كانت ذات رؤية أوسع وتحتمل الكثير من المعطيات الفكرية في فيلم الظمأ السابق لهذا الفيلم ربما لأن بيرغمان في فيلم الظمأ أعطى هذه الفكرة حقها ولم يتوه في عدة خيوط امسكها بقوة ولكنه لم يحسن التعبير عنها في فيلمه هذا....

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات