أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبير ياسين - على هامش الثورة المصرية (56): فيليكس وطائر النهضة















المزيد.....

على هامش الثورة المصرية (56): فيليكس وطائر النهضة


عبير ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 3884 - 2012 / 10 / 18 - 18:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أعتقد كمشاهد أنه يمكن نسيان تلك المشاعر التى صاحبتنى وأنا أتابع قفزة المغامر النمساوى فيليكس بومجارتنر للأرض وخاصة فى تلك اللحظة التى خرج فيها من كبسولته ووقف ناظرا إلى الأرض ومستعدا لخوض غمار التجربة والهبوط. كانت اللحظة قوية ومثيرة لدرجة تطرح تساؤلات كبرى حول مشاعر فيليكس نفسه وكل ما دار بذهنه فى الرحلة بشكل عام وفى تلك اللحظة بشكل خاص.

وخلال رحلة صعوده إلى نقطة النزول على ارتفاع ٣٨ كيلومتر عن سطح الأرض كان هناك الكثير من التعليقات عن الأرض التى يرغب البعض فى مغادرتها كليا لما فيها من حروب ومعاناة وآلام بحثا ربما عن عالم تانى فيه الانسان لسه انسان كما تغنى يوما مدحت صالح. حملت التعليقات الساخرة نفس الفكرة حين طالبت فيليكس بالبقاء خارج الأرض لأن من عليها يرغب فى مغادرتها. كانت السخرية واضحة على هامش رحلة فيليكس وقفزته وظهرت على وسائل التواصل الاجتماعى بالتعليقات التى امتدت لتشمل ما هو اجتماعى وما هو سياسى، ما هو محلى وما هو دولى. ومع الوقت رأى البعض ان تلك السخرية دليل على سطحية المواطن المصرى، وعلق البعض الآخر بصورة طبقية بأن ما يحدث هو ضحألة فكرية نابعة من التعليم المصرى شاكرا التعليم الأجنبى الذى تمتع به أو يتمتع به أولاده.، فى حين تمتع البعض الآخر مثلى بالكوميديا المحيطة وما فيها من مشاهدات. وبالفعل أثارتنى المشاهدة والمتابعة، والأكثر أهمية قراءة تلك الكوميديا المصرية الساخرة الجديرة دوما بالدراسة والفحص الدقيق.

نقلتنى المشاهدة إلى عالم مختلف ورؤية قديمة من فيلم تايتنك الشهير والذى ظهر عام ١٩٩٧، حيث ظلت دوما المفارقة القائمة على مقارنة تعامل البشر ممثلين فى ركاب السفينة مع الأزمات ممثله بالطبع فى انتظار الغرق. البعض حاول النجاه بنفسه دون الاهتمام بمصير الآخرين، والبعض فضل التضحية حتى يعطى الفرصة لغيره سواء من عرفهم او من لم يعرفهم، والبعض استمر فى عمله حسبما تقتضى مكانته ويتطلب دوره مستمرا فيما يفترض ان يقوم به فى الظروف العادية، والبعض فضل أن يكون فى صورة جميلة ومحترمة ما دامت هى لحظة الرحيل. فى النهاية عاش من عاش ومات من مات ولكن ظلت القيمة للمشاهد فى تقدير السلوك الانسانى واستنكار غيره.

وعادة يكون من السهولة أن نحكم على مشهد سينمائى لا نعايشه، وربما أن تعرضنا لنفس الموقف أو موقف خطر وتحدى مشابه تصرفنا بطريقة لا نتصورها عن أنفسنا فلا يمكن الحكم ونحن فى مساحتنا الآمنة نشاهد عبر المسافات. ولكن المهم أن هناك فارق أساسى بين تصور الموقف واختباره، ولهذا يصعب على البعض وضع أنفسهم محل الآخرون أو فهم ما تعنيه بعض الأشياء الواردة من سياق مختلف، أو تقدير قيمة أشياء صغيرة لهم ولكنها كبيرة لغيرهم.

وفى هذا السياق مثل فليكس لحظة تحدى شخصية وعلمية، عبر عن شجاعة الفرد وقيمة العلم ولكن خارج سياقه ومن مشاهدات الفيس بوك عبر عن تايتنك الغارقه فى قدرتها على التمييز بين البشر وفقا لانسانيتهم ومبادئهم وعلمهم وما يفعلونه بهذا العلم، وحول رؤية البشر للحدث وقيمته، ورؤيتهم له فى ظل واقعهم المعاش.

فمن جلس وشاهد التعليقات الساخرة ورد عليها بشكل طبقى فيه درجة واضحة من الاستعلاء النابع من مقارنته بين "معرفته" و"جهل" الآخرين أفتقد أبسط قواعد العلم والعالم. فالعالم الحقيقى كالشمس يمنح ضوءا لكنه لا يستعلى على البشر بما يمنح ولا بما يعرف. العالم الحقيقى يمد يده لغيره من أجل المعرفة كضوء الشمعة الذى ينير لنا الظلام دون أن تشكوى الذوبان. وفى كل الحالات لا قيمة لعلم بدون قلب ولا قيمة لبشر بدون انسانية مهما كانت الشهادات والألقاب الرسمية. تلك التعليقات رغم قلتها كانت قريبة لمن يطعن غيره بالكلمات حيث لا دماء تنزف ولكن آلم مستمر. موقف دائما يستوقفنى ولكنه هنا كان حادا وموجها نحو كل من درس فى ظل منظومة التعليم المصرية مقارنة بمن درس فى ظل منظومة تعليم أجنبية. ولازال السؤال عن أى ثورة وإصلاح تتحدث تلك الوجوه وهى فى داخلها تؤمن بأن غيرها لا يستحق وليس لديه أمل فى التغيير والتقدم؟! مجرد سؤال

سؤال يقود لواقع ثورة حدثت فى مصر مع موجة سخرية وصاحبها ولازال موجات من السخرية. ثورة بدأت بموعد محدد سلفا للنزول والتظاهر، وخلقت أجواءها الخاصة فى الميادين والشوارع، ورسمت وسط الألم بسمات ساعدت على الاستمرار والبقاء، ولازالت قادرة على خلق المزيد من الكوميديا كموازن مهم لحالة الألم والغضب وبث الأمل. سؤال يتردد بطريقة انشائية حول فكرة لا تقتل حلمك فمؤكد ان هناك من ضحك من فكرة الثورة وهناك من ضحك من فكرة فيليكس نفسها، ولكن عند الممارسة ينسى البعض تلك الخطب ويظهر بعضه الآخر المترسخ فيه أنه مختلف عن غيره.

بالمقابل فأن التعليقات الساخرة والتى تتنوع بدورها بين من يهدف للضحك فقط أيا كانت وسيلته، ومن يهدف للضحك فى حدود اللياقة، ومن يهدف للضحك مع تقديم فكرة أو موقف عبر نقد الواقع كانت الأكثر حضورا والأكثر أهمية. وعلى الرغم من تساؤلى الدائم حول حدود الكوميديا والسخرية، ومتى تبدأ ومتى تنتهى فأن تلك التساؤلات لا تقلل من قيمة السخرية والكوميديا ولا دورها فى واقعنا المصرى. فمن جانب ومن واقع مشاهدات غير متخصصة تمثل السخرية أيا كانت صورتها وسيلة لتنفيس القدر. فالنكته تحولت للمواطن المصرى المطحون على أكثر من صعيد -سياسى واجتماعى واقتصادى- إلى وسيلة للتعبير الآمن ان جاز القول. فقدرته على اختراع النكته وتداولها هى سخرية من واقعه يبادر إليها قبل أن يسخر منه غيره باعتبار أن السخرية من الذات أخف وطأة من سخرية الآخرين منا. كما أنها وسيلة للقول أن لديه راى أو أنه يؤيد أو يرفض رأى معين تم التعبير عنه بنكته ساخرة. ربما تزيد أحيانا لدرجة أنها تغطى على الحدث الأصلى ولكنها كالحياة مليئة بالمشاهدات والصور والصخب والهدوء ولكن فى النهاية يبقى ما يفيد ويهم بعد ان ينقشع ضباب اللحظة.

وبالعودة للحظة يمكن أن نجد -كما هو الوضع دائما- الكثير من الابداع والعفوية والبساطة الجميلة فى قدرتها على التعبير. فمن يملك الاعتراض على من قارن بين وضعه فى التوجه لعمله أو مكان دراسته الموجود فى نفس الكوكب ونفس البلد فى عدة ساعات في حين ان فيليكس يقطع كل تلك الرحلة للأرض فى عدة دقائق؟! هى سخرية مريرة تعبر عن قضية تشغل حياة الناس التى تعانئ يوميا من تلك المشكلة.

من يملك أن يستنكر على الناس مقارنة ما يروه انجازات شخصية محلية بما فعله فيليكس محملين فارق الامكانيات المسئولية على اختلاف الانجاز. ففى النهاية كل فرد له تصوره حول ما أعطته الحياة من فرص وعن وضعه أن اختلف ما حصل عليه.

من يملك أن يعترض على الكثير من التعليقات السياسية الساخرة وسط واقع عابث تشهده مصر. وهنا لم يستثى أحد من السخرية ففى حين استطاع فيليكس ان يقوم بقفزته الشهيرة بمساعدة فريقه المكون من مائة عضو وبشكل منظم من كل النواحى لازالت الاشاعات والتسريبات سيدة الموقف فى الكثير من الأوضاع فى مصر سواء الجمعية التأسيسية والدستور أو طائر النهضة الاسطورى الذى كان لفيليكس السبق فى تاكيد وجوده فى رحلته للبحث عن الطريق لمصر المحروسة!!

من يملك أن يعترض على ان يمارس الناس الحق فى السخرية لبعض الوقت وان يصيبهم طفرة ضحك تخرجهم من مشاكلهم اليومية ولو لدقائق، ومن يملك ان يحرمهم من الحق فى تلك السخرية بعد ان حرمتهم الظروف من الكثير من أبجديات الحياة الانسانية الكريمة؟

شكرا لفيليكس لأنه كان بالنسبة للمصريين دقائق من السعادة والسخرية من الذات.. شكرا لأنه كان فاصل خفيف وسط واقع ثقيل ولأنه وهو المهم أكد لنا على وجود طائر النهضة علنا فى المرة القادمة نحتفل بهبوط طائر النهضة نفسه على أرض المحروسة. وشكرا ممتدة لشعب يرسم البسمة من الألم ويغزل من الحزن كلمات غزل ومن دموع العين يكتب كلمات أمل ويعزف موسيقى الحياة.



#عبير_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش الثورة المصرية (٥٥): كشف الحساب بين الن ...
- على هامش الثورة المصرية (54): نظارة الإخوان فى رؤية أحوال مص ...
- على هامش الثورة المصرية (53): الانتخابات الرئاسية وفرحة عبد ...
- على هامش الثورة المصرية (52): ألغام العلمين والإنتخابات الرئ ...
- على هامش الثورة المصرية (51): أبو إسماعيل ومسلسل إسقاط الدول ...
- على هامش الثورة المصرية (50): عقبات على طريق الثورة (٤ ...
- على هامش الثورة المصرية (49): عقبات على طريق الثورة (3. التا ...
- على هامش الثورة المصرية (48): عقبات على طريق الثورة (2. مصر ...
- على هامش الثورة المصرية (47): عقبات على طريق الثورة (1.الفهل ...
- على هامش الثورة المصرية (46): الحفيد وحديث الثورة
- على هامش الثورة المصرية(45): مصر ما بين العبث والسخرية
- على هامش الثورة المصرية (44): مصر الثورة والمرأة
- على هامش الثورة المصرية (43): اليابان ومصر ما بين فوكوشيما و ...
- على هامش الثورة المصرية (42): وقفات على هامش أحداث بورسعيد
- على هامش الثورة المصرية (41): مقولات على الهامش
- على هامش الثورة المصرية (40): مصر والحب فى اتجاه واحد
- على هامش الثورة المصرية (39): تساؤلات على هامش ذكرى الثورة
- على هامش الثورة المصرية (38): المحلف الهارب والمواطن المهان
- على هامش الثورة المصرية (37): الثورة والأيام الضائعة
- بشار وخطاب فى اللغة العربية


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبير ياسين - على هامش الثورة المصرية (56): فيليكس وطائر النهضة