أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - قصة قصيرة - اغصان














المزيد.....

قصة قصيرة - اغصان


سمرقند الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 3883 - 2012 / 10 / 17 - 11:32
المحور: الادب والفن
    



لم يعد لي قلب ، فقد تركته في بغداد عند شجرة التوت التي اكتحلت بها باحة منزلنا العتيق حيث أغصانها العالية كأنف امي ، كانت تلك الاغصان تتسابق في نموها عناداً بأشجار بيوت الجيران ، وتصل إلى سطوح أربعة منازل حيث وضعت كل سفارات العصافير قنصلياتها المزقزقة على فروعها العنيدة.

اذن انها الغربة ايها الوطن ، وبلاد لا تعبأ بذكرياتنا الطينية ، فنحن في نظرها مجرد أرقام وأسماء مضطربة اللفظ .

من انا ؟ سؤال لطيف أطرحه على نفسي قبل ضباط الحدود ، عراقي تعرفه الارصفة والمحطات، فكل مظاهرة ونحن بخير ،جلادنا بخير ، السياط المجنونة التي تقضم اجزاءً رقيقة من ثنايا أجسادنا بخير ، الاسنان التي اقتلعوها من أفواهنا ولم يقتلعوا أسماء زملائنا معها بخير* ، وتلك البلاد التي استضافت دموعنا لا تعرف ابعاد الحزن المنحوت على لحم قلب طالب جامعي أحب دجلة والأراجيح، فرأى زملاءه السُـمر يتأرجحون شنقاً حتى الحب قرب ضفاف نهره الحنون عند تكبيرة فجر تشاجر مع الحرية .

في بلاد ما نركب باصات نظيفة، نزور مكتبات تخدم افكارنا ولا تخافنا متمنين لكل أصحابنا في الوطن المقموع زيارتها ، نقف قرب نساء جميلات لانعرفهن نلتقط الصور ونرسلها الى اهلنا كي يبدلوا الوان حدادهم بانعكاسات الفرح على وجوه أصبحت بعد دهور من العناء آمنة مطمئنة.

وكما ايوب علـّمت خلايا دمي ان لاتستكين لذل او مرض، فكل حين ابدل بالبكاء صلاة خاشعة ،وأمارس احيانا ازدواجيتي الشرقية بتقليد قوم أردت حريه فكرهم ، فانقدت الى عبثهم المخمور، وعلاقتهم المباحة الرخيصة بنهم بدوي .

أغصان التوت تطرق ذاكرتي كناقوس أسبرطي ( التتر مسلون وكانوا قبل الاسلام وثنيين فهم لا يستخدمون الناقوس )، تصور لي عصافيرَ فقست بيوضها في مواسم النمو دوني ،أجمل مافي الارض أن العصافير بلا أسماء وكل الارض وطن لها تسبّح بحمد الرحيم بلغة واحدة غير ان عصافير بلادي اروع.

هنا أيضاً أصدقاء يقدمون النصائح دائما، يأخذونك في رحلات الى غابات ومتاحف ، لكنك يا أنت ...يا انا المولع برملك ، وبآثار بلادك المسروقة والموضوعة في متاحفهم لتتذكر إن كنت نسيت، أنك من بلد فجر الحضارات الاولى ، غير ان حاضرك تعيس ومبهم وقروي .

قد تنسى ان اسمك (يحيى) لانهم يتعثرون بحروفك قائلين (يا يا) فتتحول من اسم علم الى حرف نداء ، من تراه الذي يناديك "يا يا" اللعنة أم الغربة، ام أغصان التوت التي امتلكت صحوك والاحلام .

غلاماً كنت حين غادرتك يا بغداد ، فهل أهديك مشيبا خطه الصمت في قارة يمد ثلجها لسانه ليلعق ملح جبينك المحموم ، ألا زلت احمل صوراً بالابيض والاسود لاصحاب إذيبوا بالحامض في احواض زجاجية أو تحولوا الى لحم مفروم في ماكنات عملاقة في دوائر الامن *عندما لم نكن نحلم بان آلا ت التصوير قد تصبح بحجم علبة سكائر، تحمل آلاف الصور كي نرسلها في البريد الالكتروني لشباب نتلقفهم عبر المنتديات الادبية ، قد يخبروننا ما يحصل لهم في ارض غادرناها مرغمين لوطن سيظل أبداً على "كف عفريت" يورّث " لعنة النفط " لابنائه جيلا بعد جيل .

هذا "فــرات " شاب وسيم أهدته لي مساءات الأرق المجوسي، أطـل من نافذة ضوئية في حوار حميم عبر الانترنيت الذي استعضنا به عن عوائلنا ،( جاء ) بعد اسابيع من المحبة الروحية الى شارع سكنت فيه كي يطرق باب بيتنا الذي اصبح خشبيا بدل الحديد الصديء كي يُقبل إمرأة لها تجاعيد سلحفاة مئوية ليقبل يدها الواهنة ،ويرفع صوته قرب اذنيها اللتين ضعف سمعهما لكثرة ما تشاجرت عليهما اخبار الموتى وطرقت سندانتَيْ أذنيها وقناة اوستاكي ليخبرها بأن " يحيى" يحاول العودة غير أنه ينتظر سكون الاوضاع ،فتجيبه مستغربة :

: -" أي يحيى؟ ".

ويذكرها :- " إبنك المهاجر في شرق هذه الدنيا ".

فترمقه بنظرة كره ، فهي لا تعرف عن القارات السبع شيئا ، ولا تعرف ان بعد " كربلاء" و" عمـان " بلاداً اخرى.... فتتذكر ولدها قائلة :

-" عُميتْ عينٌ لا تراك " .

ويستأذنها بالدخول الى باحة المنزل فتقول له : - " لقد قطـّعنا شجرة التوت كي نحتطب لتنورنا الطيني ".. ***

غير ان " فرات" التقط صوراً عدة لزوايا الدار اكراما لتضرعات رجل اصبح حرف نداء، فما أن رأى الدار عبر صندوق بريده لطم سنواته الخمسين وحوّل غرفته الى بحيرة وجع يستحم فيها جسده المنقوش بآثار نضال عتيق .

بعد نهار وجد "يحيى" في سرسره نائما وقد خرجت من قلبه اغصان خضراء تعج بالعصافير ، قال الاطباء الاغبياء إنه " مات "! ، إنهم حمقى يا " فرات" لا تصدقهم لانه وعد الام بالعودة ، فمن كان في قلبه كل هذا الحب لوطنه أبداً لايموت .

سمرقند الجابري – بغداد
[email protected]



#سمرقند_الجابري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انا عراقي - انا اقرا
- ذاكرة قطنية- قصة قصيرة
- مهرجان المتنبي العاشر في واسط
- برزخ - قصة قصيرة
- مائدة نزهت في دار المدى
- مهرجان الدمى في تونس الخضراء
- تفاحة
- تمكين الام والبنت
- صبيحة الشيخ داوود
- بدرية
- طاحونة
- ارغفة الوطن
- اربعة
- وجوه
- المتسكع
- زقورة
- بعيدا عنهم
- آس نائم
- الانتظار
- انامل


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - قصة قصيرة - اغصان