أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - البحث عن الجذور















المزيد.....

البحث عن الجذور


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 3882 - 2012 / 10 / 16 - 23:29
المحور: الادب والفن
    


تمر الأيام وأنا دائم الإنشغال بالبحث عن الجذور ، بدون قصد تحقيق مصلحة شخصية ، وإنما لحاجة أسمى من الذات ، من أجل إيقاظ ذكريات قديمة تحفظها الذاكرة عن زمن مر وانقضى قبل النكبة الفلسطينية ، أعيد تركيبها من جديد ، وأنقشها على أوراقي في سطور طويلة مترابطة لحفظها من النسيان .

ما أكثر المرات الي تعرفت فيها على جذور جديدة لي ، مثل ذلك الجذر الممتد في أتلام مرج بن عامر الذي عرفتني عليه بالصدفة قريبتي حسناء دراوشة ، بعد كتابة مقالة لي في جريدة الإتحادالحيفاوية ، ومثل جذور أخرى تعرفت عليها بالصدفة أيضا في ديار الغربة والشتات .

اهتممت بتفاصيل تلك المصادفات غير العادية ، وتجليات أطياف أخرى متصلة بها عن الناس والأرض والتراب والوعي الأول للحياة في فلسطين ، جمعتها بين دفتي كتاب عنوانه " البحث عن الجذور " سوف يصدر في نهاية العام .

تابعت الكتابة في كتابي هذا دون توقف لفترة طويلة من الزمن ، نبشتُ في طيات الذاكرة عن حياتي الأولى في مسقط رأسي حيفا ، وفي قريتي برقة ، أعدت تشكيل الأماكن كما كانت من قبل ، استعدت بقوة ذاكرتي الكثير من أسماء الأصدقاء والأهل ، تنقلت معهم من حكاية الى حكاية أخرى ، ومن حدث الى حدث أخر … عادت بي الذكريات الى تفاصيل كثيرة سجلتها كلها في كتابي ، تكاثرت على صفحات متصلة صفحة تلو أخرى .

زادني البحث قوة واندفاعاً لا لتسجيل الكلام المجرد عن الماضي فحسب ، بل لرسم مرايا كثيرة متشابكة جسدت فيها حيفا ماقبل النكبة ، حاراتها وشوارعها وأزقتها ومحلاتها ، وأشجارها التي تعلو فوق الكرمل ، أعدت فيها تشكيل بيت أهلي في شارع الناصرة ، وجيران أهلي ، واصدقاء والدي ، ومدرستي مدرسة البرج ، واساتذتي وزملائي ، ولحظات سقوط حيفا ، وبداية الهجرة القسرية في صبيحة يوم مشؤوم غطى بظلامه كل الدنيا .

بين الأسماء التي ذكرتها في كتابي من زملائي في مدرسة البرج اسم راشد الماضي ، شاءت الظروف أن أطلع قبل أيام على مقابلة قديمة أجراها معه موقع حيفا نت ، إنتابتني الدهشة عندما رأيت صورته لأول مرة بعد ما يقرب من أربعة وستين عاماً ، هي عمر النكبة الفلسطينية ... قرأت تفاصيل المقابلة باهتمام زائد ، تحدث فيها عن أيام ما قبل النكبة ، أفاض في حديثه عن مدرسة البرج ، و أماكن كثيرة تترامى في حارات حيفا ومناطقها العديدة ، و تطرق أيضا الى سقوط حيفا وبدء هجرة أغلبية سكانها وبقائه فيها حتى الأن .

حاولت إحياء صورته القديمة وهو في العاشرة من عمره ، دون أن أدهش كيف تعي ذاكرتي كثيراًمنها مختلطة بصور أخرى لزملائي من طلاب مدرسة البرج قبل إغلاقها نهائيا ً قبل سقوط حيفا بشهرين .

حفظت مقابلته ضمن مخزون المعلومات المهمة في حاسوبي ، وبرقَ في خاطري ضرورة الاتصال به هاتفيا ً، ولهذا أرسلت المقابلة عبر البريد الإلكتروني الى قريبي وصديقي عبد السلام دراوشة ، الذي يعيش في بلدة اكسال القريبة من الناصرة ، بينت له رغبتي بالتواصل مع زميلي راشد الماضي … تابع قريبي الأمر كعهدي به بإهتمام كبير... تجاربي معه تنطقُ دوما بإخلاص من طرفه قلما أجده عند الأخرين .

لم ينقض ثلاثة أيام حتى إتصل بي قريبي عبر الهاتف … أخبرني بحماس واضح أنه وجد راشد الماضي ، زاره في بيته بحيفا الكائن في شارع حداد رقم 14 ، أملى علي رقم هاتفه ، وأخبرني أنه بانتظار مكالمة مني .

إتصلت به في اليوم التالي ، قلت له بعد تبادل كلمات المجاملة المعتادة :

“ أشكر موقع حيفا نت ، لأن مقابلته التي أجراها معك دلتني عليك … إنه شئ غير عادي ، أشعر أن أيام مدرسة البرج القديمة تحيا من جديد .”

تأثرت كثيراً حين قال لي :

" أتذكرك ... أتذكر أنني كنت أجلس ذات يوم في ساحة المدرسة ، وجئتني تقول لي بابتسامة ودودة ، هل تريد أي مساعدة في الدراسة ، إنني على استعداد لمساعدتك ، هكذا قلت لي "

تفاجأت لما قاله ، استحوذت عليَ عبارته ، شدتني ، أيقظت في داخلي كل الشوق الى خبايا مرحلة الطفولة في حيفا .

حديث طويل جرى بيني وبينه ، تحدثنا طويلاًعن حياتنا الماضية وما رافقها من قصص وحكايات كثيرة ، دامت فترة المكالمة الهاتفية أكثر من ساعتين ، تدفقت الذكريات ، اندفعت قوة الحياة القديمة منها ، اجتاحت في هديرها كل الأماكن المعروفة في حيفا : مسبح العزيزية ، ومسبح نصور ، وحي الالمانية ، ودرج عجلون على مقربة من مدرسة البرج ، سرت معه عبر أحاديثنا في خط مستقيم من وادي النسناس الى ساحة الحناطير ، وسوق الشوام ، وجامع الاستقلال ، وجامع الجرينة ، وتوافق حديثي مع حديثه عن حارة الكنائس و وادي الصليب ، وتنقلنا معاً في شارع ستانتون واللنبي وشارع الملوك وشارع الخيام وشارع حسن شكري القريب من مدرسة البرج وعدة شوارع أخرى غيرها .

تذكرنا أسماء محلات كثيرة من أيامنا الماضية ، مثل بقالة نعيم العسل التي كانت في زاوية بالقرب من حارة الكنائس ، وفندق الملك غازي بين شارع الملوك وحارة الكنائس ، ومكتب العلمين للتكسيات في شارع الملوك ، ومحطة سكة الحديد الرئيسيه ، ومحل بوظة المر في شارع الخوري في وادي النسناس ، وبقالة الحاج فؤاد تنكي في إحدى زوايا ساحة الجرينة ، ومقهى الأزاز ، ومقهى الزهر، وفول وحمص سعيد ، ودكان سويدان ، ومطعم العبد ، وكلها كانت في ساحة الحناطير .

تحدثنا عن بحر حيفا ورذاذ أمواجه ، تلمس قلبي عذوبة الأمسيات الصيفية القديمة ورحابة حياتنا الماضية واتساعها … وتذكرنا تفاصيل الأيام المخيفة قبل سقوط حيفا ، تابعنا خفايا صور كثيرة لسقوطها ... تجمُع الناس في الميناء ، وبدأ الرحيل الى منافي الشتات البعيدة .

هكذا اتسع حديثي مع راشد الماضي واشتمل على أموركثيرة لم ننساها بمرور الأيام … هذه هي الجذور التي ابحث عنها … ويهمني تسجيلها وحفظها ، قبل أن تختفي وتتوارى في طيات النسيان .

اتفقنا في نهاية المكالمة على اللقاء قريبا في حيفا ، وحددنا مكان اللقاء في مدرستنا القديمة ، مدرسة البرج ، في شارع البرج ، التي ما زالت حتى الأن تنتظر طلابها .

في اليوم التالي ، تلقيت مكالمة هاتفية من صديقي صخر الخطيب ومقر إقامته بإحدى ضواحي نابلس ، أبلغني أن ضيفاً معه من حيفا هو صديقه الفنان المعروف عبد عابدي ، كان قد حدثني عنه من قبل ، وأراد منذ فترة طويلة أن يعرفني عليه لاهتمامي الدائم بالتعرف على أهل حيفا ، كانت مناسبة رائعة للتعرف على الفنان الحيفاوي ، تحدثت معه عبر الهاتف ، عرفني على موقعه ، وزودني برقم هاتفه وعنوانه ، وكانت المفاجأة أن بيته يحمل رقم 13 في شارع حداد ، أي أن جاره الأقرب هو راشد الماضي السابق ذكره ، حدثته عن علاقتي بجاره وأسعده ذلك … اتفقنا على اللقاء قريبا في حيفا ، ووعدني أن نلتقي معا مع جاره راشد الماضي ، وأن يعرفني على أصدقاء له من أهل قريتي برقة من أل الظاهر وال نصر الله الذين ما زالوا يعيشون في حيفا .

جذور جديدة واضحة ومنظورة يربطني بها بحر حيفا .

بعد أيام من تعرفي على الفنان الحيفاوي عبد عابدي ، تصفحت موقعه على الانترنت ، تنقلت عبر صفحاته ، وجدتها تشع بجاذبية تلفت النظر إلى أعمال فنية مميزة ، لوحات لونية مفعمة بمرئيات ومحسوسات جميلة ، و مجسمات و منحوتات رائعة ومدهشة ، على درجة عالية من الإتقان يشع منها عمق إبداعه الفني .

ثمة ومضات ساطعة تضئ أعمال فنية وطنية له تمس شغاف القلب ، لا تهتم بمدينته حيفا فقط بل بالقضية الفلسطينية بكل تفاصيلها ، منها نصب تذكاري لإحياء يوم الأرض في سخنين ، ونصب تذكاري لشهداء قرية كفر كنا ، ونصب تذكاري لشهداء شفا عمرو ، ومنها لوحات قصص النكبة وما نسينا ، ولوحة تحية الى حيفا ، و لوحة باسم " ساعة سقوط حيفا " تحمل التاريخ 22-4-1948 ، اللوحة الثانية التي يضعها لذكرى سقوط حيفا وهي كما عرفه في موقعه "عبارة عن ساعة قديمة لا تقرع أصواتها ، كما الحال في ذلك اليوم المشؤوم من حياة الفلسطينيين في حيفا ، بقيت عقاربها كما هي ولم تواصل العمل .”

يكفي هذا ليكون هذا الفنان الكبير واحدا ً من جذور حيفا وكل فلسطين ، سألتقي به قريبا ً مع راشد الماضي ، لنخوض معا ً اللجة بعد اللجة باحثين عن خفايا مدينتنا الأثيرة بكل ما كان فيها في تلك الحقبة الزمنية من سني أيامنا الباكرة .



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيسى بُلاطه : ناقداً وأديبا ً
- تراجيديا الهنود الحمر
- التوثيق في الأعمال الإبداعية
- امرأة منسية
- فتاة الترومبون
- ناجي علوش شاعراً ومفكراً
- في ذكرى ناجي العلي ثانية
- في ذكرى ناجي العلي
- العرب لا يقرأون
- كتاب - الإسلام وأصول الحكم - للشيخ علي عبد الرازق
- رواية - الحاسة صفر - لأحمد أبو سليم
- رواية فريدة للروائي نعيم قطان
- حول ابداعات القاص عدي مدانات
- حول التقشف والانضباط المالي في أوروبا
- التنمية العربية في ظل الربيع العربي
- عن فنِّ التصوير عند العرب ويحيى بن محمود الواسطي
- هذه الارض لنا ...أنا وانت
- رواية أيام قرية المُحسنة
- مريم ذاكرة وطن
- دينُ الحب


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - البحث عن الجذور