أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل أسعد - تأملات في دقيقتين و ثانية سورية















المزيد.....

تأملات في دقيقتين و ثانية سورية


عادل أسعد

الحوار المتمدن-العدد: 3882 - 2012 / 10 / 16 - 20:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشيطان يسكن في التفاصيل عندما يكون السلام هو الغاية ، و الحقيقة تكشفها التفاصيل عندما يكون الكسب هو الهدف .
بثت المعارضة السورية المسلحة ما قبل البارحة فيلماً على موقع اليوتوب يتضمن اعترافات ل "شبيح" قد تم خطفه و ليس أسره كونه مواطن سوري مدني و لا يمت للأمن أو للجيش السوري أو للجان الشعبية بأي صلة . أما التهمة التي خطف لأجلها شبيحنا هذا فهي بكل بساطة و أريحية ، ترحيبه بدخول الجيش السوري إلى الحي الذي يقطن , و بكلمات أدق فأن تهمته هي فرحته بخروج المسلحين من حيه , و بالعامية المجردة تكون التهمة أنه " لا يحب الجيش الحر" ؟!
دقيقتان و ثانية واحدة هي مدة الفيلم المعروض ، و هي فترة قصيرة جداً نسبة لمعظم أفلام الحراك السوري المنشورة على اليوتوب ، لكن بقليل من المراجعة و بالكثير من النقد المحايد لمشاهد يتمتع بفضول التحليل البوليسي قد تشي هاتان الدقيقتان بما يكفي لتجميع قطع أحجية صغيرة من أحاجي الحراك في سوريا و هي حقيقة الاتهامات المتبادلة بين المعارضة و النظام كل للأخر بتوسيعه المفرط لحدود دائرة القصاص التي يجب أن تطال الغير الموالين له من أبناء الشعب السوري . و الفيلم لا يتضمن هذه المرة (لحسن حظ المشاهد) تصوير لعملية اعدام جماعي من فوق سطح مبنى ، أو لعملية ذبح مباركة لأسير على الهواء مباشرة ، أو لسحل جثة أحد أعداء الله ، أو مشهد حي لعملية حرق لمجموعة من الفاسدين المكممي الأفواه ، بل تدور دقيقتا الفيلم و ثانيته حول اعترافات لرجل خمسيني يدعى خالد عتيق و يبدو من لهجته بأنه من سكان مدينة حلب ، لخالد هذا بنيان هزيل و يظهر الفيلم جزئه العلوي فقط و قد نزعت عنه ثيابه الخارجية لتظهر بنيته الضعيفة و عظامه البارزة التي ازدادت وضوحاً نتيجة لضمه لجسمه بشكل غريزي كرد فعل طبيعي على رعبه الذي يبدو جلياً من نظراته المطيعة و المتوسلة .
يبدأ الفيلم بالبسملة تليها مقدمة توثيقية عن اسم الفئة التي نفذت مهمة الخطف و عن تاريخ العملية . أول ما يسترعي انتباه المشاهد هو وجود شعار ديني قد ألصق في الطرف العلوي الأيمن للشاشة و يحمل في أسفله كتابة تهاجم مذهباً دينياً بالأسم مع أن اعترافات المخطوف لا تمت بصلة لا من قريب و لا من بعيد لهذا المذهب الديني أو ذاك .هذا التصرف من مخرجي الفيلم يتوافق مع اصرار المعارضة المسلحة الفاضح على التركيز على التجييش المذهبي في جميع منابرها ، و احالتها لأي حادثة أمنية إلى أسباب و دوافع مذهبية . يعاكس هذا التوجه اصرار النظام على التمسك بالخطاب الوطني مهما كان الثمن ، و موقف النظام هذا يمكن فهمه بسهولة ، فسيطرة الاصطفاف الطائفي و الانكفاء المذهبي في بلد كسوريا يسحب من النظام عوامل ثباته و سيطرته على الأراضي السورية . لكن ما يصعب فهمه هو اندفاع المعارضة المسلحة للمقامرة بأرواح لا يعلم غير الله كم سيكون عددها و ذلك لأعتمادها على الوقود الديني لتغذية شرايينها بمقاتلين لا يتعاملون إلا بمبدأ الحق المطلق الذي يتضمن الولاء المطلق فعلياً و خطابياً وعاطفياً و ما دونه هو باطل مطلق يستحق قصاص وحيد مناسب . أما الوطن بالنسبة لهم فلا حدود معتبرة له في مقابل سعة حدود الدين الذي يستقطب مقاتلين من كل البقاع إلى أرض ميعاد الجهاد السورية . هذا التعاكس بالمواقف تبدى بجلاء بالخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله الذي ختم بيان تبني اطلاق طائرة الاستطلاع فوق اسرائيل بتهديد دعى فيه المعارضة المسلحة السورية و من لف لفيفها في لبنان بالكف عن زج الحزب "أي الطائفة" بشكل مباشر في صراع تترد فيه أسماء المذاهب ، و سرعان ما أتى الرد على تهديد حسن نصر الله بتصريح استخفافي يفتقد للحنكة و مملوء بتحدي غير مفهوم سطره الكاتب الدرامي السوري المعارض حكم البابا الذي يشغل الأن منصباً في قناة العربية السعودية . هذا الموقف الغير مسؤول من المعارضة المسلحة لا يمكن تفسيره حسب تقديري إلا بواحد من ثلاثة أسباب أو بتقاطعاتها مع بعضها و هي : هيجان يائس قد قمع بعد النظر و الرصانة في ترتيب الحسابات عندها ، أو انصياعها التام لفتاوى من نوع " و مالو" ، أو خضوعها لأجهزة خارجية متمرسة ترى في تجارب أفغانستان و الشيشان و يوغوسلافيا السابقة علاج ناجع لمعضلتها مع النظام السوري .
لا يخفي الشاب الذي يقف خلف الكاميرا و يقوم بالتحقيق مع الأسير افتخاره بخطف شبيحه تحت بند جزائي مبتكر و هو" الترحيب" بدخول الجيش السوري ، و هنا وجب علينا التساؤل : بالنظر إلى أجهزة الأمن السورية المعروفة بقساوتها مع المواطن ، و بالنظر إلى المنطق الذي يتعامل به الخاطفون في الفيلم ، عند أي من الاثنين يا ترى قد يشعر المواطن السوري الحيادي بالأمان أكثر ؟؟ أنا من ناحيتي أفضل الأمن السوري بالرغم من كل سيئاته على ؤلائك الخاطفين لسببين ، أولهما هو أن الأمن السوري يملك أقله قانون (و لو في حدوده الدنيا) و معيار ما (و لو أنه متدني) في تقييمه لنوع الذنب و لدرجة العقاب المترتبة عليه ، كما و يملك تراتبية منضبطة في اتخاذ القرارات و له حدود صارمة تحيط به و ان كانت غير ظاهرة . و على الغالب فأن أكثر ما قد تقوم به المخابرات السورية فيما لو أن مواطن قد فرح لدخول الجيش الحر إلى حيه هو ادراج اسم هذا المواطن تحت خانة السلبي أو الغير موالي وليس تصفيته أو خطفه . أما في الجهة الأخرى فأن قائمة المخطوفين و المعدومين قد طالت الأطباء و الموظفين و الفنيين في دوائر الدولة ، بل فلنقل و دون حرج إن كل من يقع تحت أيدي المسلحين و لم يحمل سلاح ضد النظام ( في أحيان كثيرة شمل الخطف مقاتلين ضد النظام و لكن مخالفين بالرأي) هو غنيمة حلال زلال لأبناء القضية . السبب الثاني هو اصرار المعارضة الغريب على الاحتفاظ بأي مخطوف لديها إلى أجل غير مسمى هذا في حال تم استبعاد قرار اعدامه ، و كأن المخطوفين هم مكاسب لا يمكن التفريط فيها أو أنهم قرش أبيض قد ينفع في يوم أسود قادم !!. يضاف عليها استنزاف أهل المخطوف مادياً بطلب فدية باهظة قد لا يؤدي دفعها دائماً إلى اطلاق سراح المخطوف . بينما نرى بأن المخطوفين أو المعتقلين لدى المخابرات السورية لهم على الأغلب مدة حجز تحددها تهمتهم ، و في كثير من الأحيان تنتهي المسألة "بكفين و بيومين توقيف" . و في التهم الأكبر يوجد هناك دائماً باب موارب لاطلاق السراح ان كان بتوقيع وثيقة ما ، أو نتيجة لتغير في المناخ السياسي ، أو بهدف تسجيل موقف اعلامي معين ، و لكن في النهاية هناك دائماً معياراً و أملاً مهما ضعفت اخلاقيات اليد التي تضغط على الزناد . أنا شخصياً لي معرفة بناشط على الانترنت ضد النظام السوري اعتقل لبضعة أيام ثم افرج عنه. كما و لي معرفة بمخطوف لدى المعارضة ما زال وضعه مجهولاً مع أنه غير نشط سياسياً!! و عليه نستطيع أن نقول بكلمات أبلغ بأن أجهزة المخابرات السورية لم تعد في ظرفنا هذا الذي تعيشه سوريا هي الجهة التي تتبؤا موقع الصدارة باستحقاقها لمصطلح "الداخل مفقود و الخارج مولود" .
لن أتطرق إلى الاذلال الذي تعرض له المخطوف في الفيلم فهذا واقع بات يكوي المواطن من الجانبين و أعتقد شخصياً أن هذا الأمر تتفوق فيه المخابرات السورية بتفننها باذلال موقوفيها على المعارضة المسلحة باذلالها لمخطوفيها ، و لكني أود التوقف عند الكذبة الاعلامية الواردة في الفيلم و هي ادعاء الخاطفين بأنهم قد نفذوا عمليتهم على بعد خمسة أمتار فقط من حاجز للجيش السوري !! هذه كذبة طفولية و واضحة ، لكن المشكلة التي تكمن فيها هي أنها ليست بطارئة أو وليدة لظرف آني ، بل هي نهج و نسق كان و مازال متبعاً في اعلام المعارضة "من ساسه لراسه" . و قد أتحفنا "راسه" اليوم باعتذار وزعته قناة العربية لنشرها وثائق ركيكة عن النظام السوري كانت قد شغلت العالم لمدة قصيرة ليبدو للمشاهد بعد بضعة حلقات وثائقية بأنها ملفقة من ساسها لراسها هي أيضاً و لتطال الفضيحة باحدى جوانبها كاتبنا حكم البابا "اياه" حيث اتهمت قناة العربية ضمناً المعارضة السورية بتلفيق الأخبار التي أرسلت للقناة .
الشائع لدى جميع أطياف المعارضة المسلحة هو اصرارهم على شتيمة شخص الرئيس السوري في كل المناسبات ، و الغريب في الأمر هو اجبار المخطوف دائماً ( و هذا الاجراء يمارس من قبل الجيش و الأمن السوري أيضاً ) على شتيمة من يوالي سياسياً من هذا الفريق أو ذاك ، الأمر الذي لا يفسر إلا بوجود نزعة متجذرة بدائية من الانتقام المهين قد طفت على السطح و هي "الاجبار على القتل بيد القبيلة نفسها" لسلب أي أمل عند من وقع عليه الحد باعادة بناء الجسور مع حياته أو ميوله السابقة لواقعة العقاب . هذه القساوة كنا قد رأيناها بفجاجة ابان حكم صدام للعراق عندما كان يجبر أهل المعارضين له على اعدام أبنائهم بأيديهم في الأماكن العامة ليعيشوا بعدها محطمين كعقاب لهم على تربيتهم الخاطئة . لكن الفرق بين المعارضة و الأمن السوري فيما يخص هذه الحالة يكمن في حرص الأمن السوري على أن لا يعلن عن هذا العقاب على الملأ أو ينشره في وسائل الاعلام ، فالأفلام المعدودة التي تظهر عقاب و اذلال المعتقلين لدى السلطات السورية ترينا بأنها قد سربت عن غير قصد ، فوجوه عناصر الأمن أو الجيش تبدو فيها ظاهرة دون تكلف رغم خطورة ذلك عليهم ، كما يبدو جلياً من نوع العقاب المترافق بتهريجات الحرس بأنه عفوي و غير مدروس على عكس مئات الأفلام التي بثتها المعارضة لمخطوفين لديها حيث يتوارى المحقق خلف الكاميرا أو وراء لثام يغطي كامل وجهه و غالباً ما يتقصد اظهار الضحية بمعالم غير واضحة من شدة التعذيب . اسلوب المعارضة المسلحة هذا في التعامل مع الأعداء و اصرارها على بثه اعلامياً يعكس مدى اعتمادها على الترهيب و العنف كنهج و وسيلة في صراعها على السلطة في سوريا . و هي تعتمد هذا الترهيب من منطلقين أولهما هو منطلق ثقافي شائع في عالمنا العربي و ثانيهما هو منطلق مادي سياسي مدروس يقوم على بناء خوف كبير عند غير الموالين للمعارضة يبتلع ولائهم للنظام السوري أو يتجاوز خوفهم منه .
من أراد القراءة فلن تتوارى الحقيقة عنه شريطة خلق لحظة منعتقة من قيود المسلمات و الولاءات الموروثة ، صراحة أنا لا أعرف ماذا سيكون مصير هذا الرجل الخمسيني الهزيل الخائف بطل فيلمنا ذو الدقيقتن و الثانية ، لكن ما قد تيقنت منه هو أن مخرج هذا الفيلم القصير قد صور عن دون وعي هزالته و خوفه هو شخصياً و أبرزعظام الجسد السوري التي زادها وضوحاً جوع سوريا للحرية و عطشها للأمان و الاستقرار .





#عادل_أسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملائكة تفتي في سوريا
- الرئيس السوري يخاطب الحاوي
- لا تستخفوا بالنظام السوري
- بل أهل الشام من أدرى بشعابها 2-2
- بل أهل الشام من أدرى بشعابها (1)
- و لا عزاء للمتسائلين
- تلفن جوبيه...هيدا جوبيه هيدا
- حتى أنت يا ميسي
- سوريا الوسيلة .. سوريا الغاية
- سوريا الصامتة بين الشبيحة و الموتورجية
- وجهة نظر سورية
- تساؤلات سورية غير مشروعة (2)
- تساؤلات سورية غير مشروعة (1)


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل أسعد - تأملات في دقيقتين و ثانية سورية