أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - قفزة فيليكس، والمفتول الفلسطيني وتحطيم الأرقام القياسية















المزيد.....

قفزة فيليكس، والمفتول الفلسطيني وتحطيم الأرقام القياسية


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3882 - 2012 / 10 / 16 - 16:12
المحور: المجتمع المدني
    


ما الذي يجعل رجلا متعلما غنيا بكامل صحته الجسدية والنفسية، له أسرته ومحبيه، ومستقبله المضمون، أن يصعد إلى حدود السماء، ويقفز من هناك بسقوطٍ حر، ليخترق حاجز الصوت، ويعرض نفسه لمخاطر حقيقية هو في غنى عنها !! وما الذي يجعل عالما فذاً يفني عمره بحثا عن إجابة لسؤال، قد يمر عليه أي منا ولا يثير حتى فضوله !! وما الذي يجعل إنسانا يعيش في محيط اجتماعي تتوفر فيه كل سبل الراحة أن يصعد أعلى قمة جبلية تكاد أن تنعدم فيها شروط الحياة !! وما الذي يجعل آخر يترك دفء فراشه ورتابة حياته الهادئة ليوغل بعيدا في أعماق القطب الجنوبي!! ولماذا يغوص السبّاح عميقا في مياه المحيط ويعرض نفسه للهلاك ؟!

ألم يكن بوسع هؤلاء أن يمضوا بحياتهم بسلام، دون تعب، ودون خطر ؟! هل السبب هو هرمونات التحفيز ومتعة تدفق الأدرينالين، ودوائر الألم والرغبة والخوف ؟! أم أن الدافع هو الرغبة في التميز والإبداع ؟! أم هو حب الشهرة ؟ أم هو البحث المحموم عن إشباع حاجات نفسية غير ملباة، أو لتحقيق الذات والرضا الداخلي ؟؟ أم كل ما سبق ؟

وهل التميز سمة خاصة بالبشر ؟! إذا كانت الإجابة المتسرعة نعم، فلماذا تنقش الفراشات على أجنحتها أجمل اللوحات ؟ ولماذا للعصافير أجنحة تزخر بأجمل الألوان ؟ ألا تؤمّن لها أجنحةً بلا ألوان طيرانا آمناً يوصلها حيث تريد؟ ولماذا يفرد الطاووس ذيله ؟ ولماذا تحيط الوردة نفسها بأجمل العطور ؟ ألم يكفيها جمال خدودها ورشاقة أغصانها ؟

باعتقادي أن رغبة الإنسان بالتميز ليست هي الدافع الوحيد، فبالإضافة للأسباب المحتملة السابقة، ربما كانت الرغبة في إعطاء جدوى وقيمة للحياة، بل وحتى بمنح معنى لوجود الإنسان نفسه، ثم يأتي بعد ذلك هاجس الإحساس بالجمال وإدراك قيمته والتمتع به، فالجمال والاحتفال به هو السر الذي دفع هؤلاء إلى التحدي واجتياز اللامعقول.

فقد ظل الإنسان بوعيه وبعقله الباطن رافضا لفكرة عبثية وجوده، واللاجدوى من حياته، وفكرة فنائه بعد الموت؛ لأنها أفكارا تحط من قيمته وتحطم كبريائه وتجرده من أحلامه .. بل وتُشعره أنه ليس أكثر من نقطة جرت في نهر.. أو فراشة حطّت على ظهر فيل .. ومن أجل ذلك ولتفادي هذا الوقوع المدوّي، كان دائم السعي نحو التفرد والتميز، وعبور المستحيل.

في عصرنا الحديث التقط "الرأسمال الإعلامي" هذه الفكرة، واستوحى منها فكرة تحطيم الأرقام القياسية، والتي صار أشهر تعبيراتها موسوعة جينيس، لأنها تحاكي نزوع الإنسان نحو التحدي واجتراح المنجزات غير المسبوقة، وتحاكي رغبة المجتمع الاستهلاكي في تلقف أخبار تحقيق تلك الأرقام القياسية وتحطيمها من جديد.

على مدار السنين الكثيرة الماضية تم تحطيم أرقاما قياسية في شتى المجالات كان مجرد الاقتراب منها بمثابة حلم، منها أرقاما مهمة ومفيدة للبشرية، ومنها ما هو للتسلية وتحقيق الشهرة أو للجذب السياحي، ومنها ما هو سخيف ومضحك. ولكل مجتمع أرقامه التي تعكس اهتماماته وإمكاناته.
في السنة الحالية تم تحقيق أرقاما مهمة جدا في مجالات العلوم المختلفة: رصْد المرقاب "هابل" أبعد مجرات الكون، هبوط المركبة "كوريوسيتي" على سطح كوكب المريخ، غطسة مخرج فيلم التايتانيك إلى أعماق قشرة الأرض تحت المحيط، قفزة المغامر النمساوي فيليكس من حدود الغلاف الجوي. وفي المجال الرياضي تحطم حاجز الـ 100 متر ركضاً في 10 ثوان. ومن الواضح أن وراء هذه الأرقام دولا ومنظمات ذات تقدم علمي كبير، ولديها إمكانيات ضخمة.

وعند الحديث عن تحطيم الأرقام القياسية تأتي إمارة دبي في مقدمة الأخبار، حيث هناك هوس غير عادي في تنفيذ كل ما هو على وزن "أفعل": أكبر، أعلى، أغلى، أضخم، أوسع .. وهي أرقام تتطلب إمكانيات دولة نفطية على الأقل، طبعا إلى جانب طموح من هو على رأسها بتحقيق مثل هذه الأرقام.

لكن الأرقام الأجمل والأهم تلك التي يحققها أفراد ومغامرون. وهنا ليس بالضرورة أن تكون مفيدة للبشرية؛ فقد تكون مفيدة لأصحابها فقط، أو لمحيطهم الاجتماعي، أو لنطاقهم الجغرافي الضيق، وأحيانا لا يستفيد منها أحد، إلا منتجو الأفلام الوثائقية التي تتناولها.

في فلسطين، أصبح موضوع تحطيم الأرقام القياسية مادة للتندر والتهكم؛ فقد حققت جمعيات تعاونية وأصحاب مطاعم أرقاما قياسية كلها لها علاقة بالأطعمة: أكبر سدر كنافة، أكبر طنجرة مفتول، أضخم طبخة مسخن، أوسع صحن تبولة .. وقد تصادف تحطيم رقم المفتول مع قفزة فيليكس الفضائية، ومع أزمة انقطاع أو تأخر الرواتب .. ولهذا السبب وجد الكثيرون فيها مادة دسمة لشن هجوم كاسح وساخر على الحكومة، وعلى أصحاب تلك الأرقام ..

على أية حال، فإن تحضير مثل هذه الأكلات الضخمة، ليس مجرد مضاعفة كميات المواد الداخلة فيها، إلى الحد الذي نرغب فيه، لنقول هذه أكبر أكلة من نوعها .. بل الموضوع أكثر تعقيدا، فهو يحتاج حسابات دقيقة، ومهارات خاصة، ودقة في التنفيذ، وليس بمقدور أي أحد أن يعمله بسهولة، لذلك فهو إبداع وعمل متميز يستحق التقدير، ومن ناحية ثانية فإن من قام بتحطيم هذه الأرقام هم في الأساس طباخون، بمعنى أنهم أبدعوا في المجال الذي يعملون فيه، وقدموا شيئا مميزا ومختلفا، وهذه الأعمال تأتي بالفائدة على أصحابها من خلال الجذب السياحي والدعاية، حتى أنها تقوم بتنشيط الأسواق الراكدة، سواء عبر شراء الكميات الضخمة من المواد، أو من خلال تحفيز الآخرين.

وفي الحقيقة، فإن اللوم والتهكم يجب أن يكون باتجاه آخر؛ أي باتجاه أصحاب المهن والحرف والاختصاص والعلماء والرياضيين وغيرهم ممن استمروا في مزاولة أعمالهم بصورة رتيبة مملة ليس فيها أي تميز أو خروج عن المألوف، هذا إذا لم نقل أن بعضهم كان مقصرا أو فاشلا في عمله.
ولماذا يوجه اللوم للفلسطينيين فقط، دون غيرهم من الشعوب !! عِلماً أن هناك أشخاصا مؤسسات عديدة في مختلف بلاد الدنيا حققوا أرقاما قياسية في مواضيع عادية جدا، أو سخيفة جدا .. وهناك دولا لديها إمكانيات مادية جيدة، وتاريخ تباهي به، وزعامات تغني لها ليل نهار .. ومع ذلك لم تسجل أية أرقام قياسية من أي نوع .. ولم تحقق أية منجزات مهما كانت ضئيلة ورمزية.

مع العلم أن الفلسطينيين سجلوا أرقاما قياسية غير مسبوقة في البطولة والتضحية والصمود، على سبيل المثال مرّغ أصغر طفل كرامة أعتى دبابة، وبلغ أسرانا البواسل أرقاما لم يسبقهم إليها بشر من قبل في التحمل وعدد أيام الإضراب، وسنوات السجن، والأحكام الطويلة، وسطر الفدائي الفلسطيني قصصا في الشجاعة يتعذر تحويلها إلى أرقام مجردة، ولكن على ما يبدو أن مثل هذه الأرقام لا يحفل بها أحد، ولا تخضع لمعايير موسوعة جينيس .

وطبعا، لم تقتصر أرقام الفلسطينيين وسجلاتهم عند حدود التضحية، وقصص الفداء، ولا حتى عند الطبيخ والحلويات؛ فقد أنجب الشعب الفلسطيني من العلماء والخبراء والأدباء والمشاهير وقصص النجاح والتميز ما يصعب حصره في حدود هذه المقالة. وليس المقصود هنا الإدعاء بتميز وتفوق الشعب الفلسطيني على غيره؛ فتلك نظرة عنصرية مرفوضة، ولكن ما يجب قوله هنا وفي أي موضع آخر هو تقدير وتشجيع المتميز مهما كان إنجازه بسيطا، ومحاسبة المقصر مهما صغر تقصيره. فذلك أول شروط تقدم ونهضة الشعوب.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل هؤلاء بشر !؟
- من بغداد إلى غزة .. حرب على الثقافة
- في ذكرى اتفاقية أوسلو - هل هنالك إمكانية لإلغائها ؟!
- 13 دقيقة هزت العالم الإسلامي .. هل يستحق الفلم كل هذه الضجة ...
- عن الربيع الفلسطيني - محاولة لفهم ما يجري الآن في فلسطين
- راشيل كوري تفضح الاحتلال مرتين
- هل حقا هبط الإنسان سطح القمر ؟! مع وفاة أرمسترونغ
- جرائم اللاشرف
- العالم بعيون سيدة منقَّبة
- لقاء صريح مع د. سلام فياض
- أين عقولكم يا مسلمين ؟!
- بقايا
- كيزي .. ستظلين معي أمام عيني
- عازف الكمان
- إنتحار ثلاثون عبدا
- مذابح بورما .. مرة أخرى
- مذابح بورما .. هل هي حقيقية ؟!
- هل الديمقراطية هي الحل ؟
- أنا أعرف من قتل ياسر عرفات
- الأبارتهايد بين إسرائيل وجنوب إفريقيا 2-2


المزيد.....




- المجاعة تحكم قبضتها على الرضّع والأطفال في غزة
- ولايات أميركية تتحرك لحماية الأطفال على الإنترنت
- حماس: الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين ستبقى وصمة عار تطارد ...
- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون
- الأمم المتحدة تدعو القوات الإسرائيلية للتوقف عن المشاركة في ...
- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - قفزة فيليكس، والمفتول الفلسطيني وتحطيم الأرقام القياسية