أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!














المزيد.....

احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3881 - 2012 / 10 / 15 - 00:52
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!

قد لا يحس المرء بحسرة وخيبة أمل أمرُّ من هذه التي تملئه أثناء قراءة مواد المسودة الأولية للدستور المصري كما صاغتها الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور ذات الأغلبية والهيمنة الإسلامية؛ إذ لا يكاد يخطو المرء جملة واحدة من دون أن يتعثر بمعلم أو لغم ديني إسلامي واضح يكاد يجزم بما لا يدع مجالاً للشك أن القارئ أمام وثيقة رجعية ماضوية لمئات السنين الخالية أكثر من وثيقة دستورية صحيحة تجسد آمال وطموحات وتطلعات الجيل الحالي في مستقبل مزدهر وكريم له والأجيال القادمة. الأشد مرارة لا يزال هو أن هذا الدستور المقترح يوضع عقب ثورة على وضع قائم مستبد ومفلس، لذا كان يؤمل أن يمهد لانطلاقة من هذا الاستبداد والإفلاس نحو مستقبل أكثر حرية وثراءً يصنعه هؤلاء الثوار بأفكارهم وأحلامهم وسواعدهم أنفسهم لا أن يكون- كما هو بالفعل في صياغته الحالية- قفزة عملاقة إلى الوراء، إلى ماضي وهمي بعيد أكثر استبداداً وإفلاساً وتخلفاً أضعاف المرات من حتى الوضع الذي أطاحت به الثورة. مشرع مشروع الدستور المصري يسعى جاهداً للي عنق الدولة المصرية والفرد المصري جهة الوراء، ولا يكترث إذا ما انكسرت في يده أو انطرحت أرضاً جثة هامدة تحت قدميه.

في المادة 12 ينص هذا المشروع الدستوري على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية." حتى لو أن لا أحد ينكر أهمية الأسرة وأنها بالفعل اللبنة الأساسية لأي جماعة بشرية، إلا أن الربط بين الأسرة من جهة وبين الدين والأخلاق والوطنية في المقابل يعني إخضاعها صراحة في مفهومها وبنيتها لمضامين وحدود تلك المفاهيم الثلاثة، لا لاختيارات الأفراد أنفسهم الذين يجب أن تكفل لهم حرية الارتباط والاجتماع والمعاشرة كمواطنين راشدين ومؤهلين قانونياً. على سبيل المثال، في بعض المجتمعات المعاصرة لم تعد الأسرة بمفهومها الديني التقليدي القريب الشبه من المفهوم الإسلامي للأسرة تتجاوز نسبة 50% من جملة المواطنين المتزوجين والمنجبين والعائلين. هل معنى "قوامها الدين والأخلاق" أن الباب في مصر أغلق أمام كافة مفاهيم وأبنية الأسرة إلا ما كان منها منذ أكثر من ألف سنة؟ هل ثبت عبر دراسات مقارنة أن الأسرة بمفهومها وبنائها الإسلامي التقليدي أفضل وأكثر تماسكاً وقيمة ونفعاً للمجتمع حقاً من كافة مفاهيم وأبنية الأسرة التقليدية والمعاصرة حول العالم. أليست الأسرة، في مفهومها وبنائها، إنشاء اجتماعي صرف يخضع للتغيير والتعديل والتطور بحكم التغير والتطور الذي يمر به المجتمع حتماً؟ هل المجتمعات الإسلامية، نتاج الأسرة الإسلامية التقليدية، حققت من التقدم والنجاح والقيم النبيلة ما يجعلها تتمسك بلبناتها الأولية بهذا الشكل وترفض إخضاعها لأي مراجعة أو تحديث في مفهومها وبنائها؟ هل نتخلص من مواليد خارج فراش الزوجية ببيعهم خدماً وعبيداً في أسواق الرقيق، أو مجرد نتجاهلهم ولا نعترف بوجودهم ولا نعطيهم أي حقوق، أو نعاملهم مواطنين من الدرجة الثالثة؟

ثم تضيف نفس المادة "وتحرص الدولة والمجتمع على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وحماية تقاليدها وقيمها الخلقية." هنا أيضاً المشرع يسد باب التطوير والتحديث بسدادة "الطابع الأصيل للأسرة المصرية"، الذي يعني به بالطبع وضعاً قائماً، أو كان قائماً بالفعل للأسرة المصرية ولا يريد أن يتخطاه إلى وضع آخر جديد مختلف، وربما أفضل. ويتأكد هذا الفكر والتوجه الارتدادي والرجعي أكثر بعبارة "وحماية تقاليدها وقيمها الخلقية"، بما يعني أيضاً تقاليدها وقيمها الخلقية القائمة، أو التي كانت قائمة بالفعل من قبل، لكن ليس تلك التي قد تقوم في زمن ما حاضراً أو مستقبلاً، حتى لو كانت أفضل.

في المادة 15، ينص مشروع الدستور المقترح على أن "تلتزم الدولة والمجتمع رعاية الأخلاق والآداب العامة،". مرة أخرى، نحن أمام أخلاق لا نعرف ما هي، عدا ما هو قائم حالياً أو كان قائماً بالفعل طوال مئات وآلاف السنين في الماضي، لكنها بالقطع لا تشمل أي أخلاق جديدة أو حديثة أو متطورة في المستقبل. في نفس التوجه المنغلق على الماضي يلزم مشروع الدستور الدولة والمجتمع بمراعاة "المستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية، والثقافة العربية والتراث التاريخي والحضاري للشعب،". كلها توجهات ماضوية، ولم يرد أي ذكر للاختراعات والابتكارات والقيم الحديثة والمستقبلية. حتى العلم الذي يقوم على التجربة والخطأ والديناميكية والتعديل والتغيير المستمر، أصبح في مفهوم هذا الدستور الرجعي "حقائق علمية" ثابتة جامدة متوهمة، بينما في الأصل العلم لا يعترف بحقائق ثابتة خالدة، ويقر دائماً بنسبية وتراكمية نظرياته وتطبيقاته.

في المادة 24، يحاول المشرع الدستوري جاهداً أن يحبس ويغلق الدولة والجماعة المصرية داخل حدود ثقافة وحضارة ولغة محددة دون تقديم أي سبب مقنع لذلك عدا نوع من التعصب الأعمى أورد أمماً كثيرة سابقة موارد التهلكة، وفي تضاد مؤسف للتعددية الفكرية والثقافة واللغوية الأساس الحديث والمعترف به لكل تقدم وازدهار وديمقراطية حقيقية. وتأكيداً لهذه النظرة الماضوية الأحادية الشمولية المتخلفة، تصبح "التربية الدينية والتاريخ الوطني مادتان أساسيتان في التعليم قبل الجامعي بجميع أنواعه"، لأن لا شيء أكثر توجهاً للماضي وتشبثاً به وتقديساً لأمجاده وأساطيره من مادتي الدين والتاريخ الماضويتين بطبيعتيهما. وبدلاً من أن تنفتح الجامعات على الجديد والتطور والتقدم العلمي العالمي من حولها، نجد المشرع المهووس بالماضي وعاداته وتقاليده وأخلاقه وقيمه الغابرة يلزم الجامعات هي الأخرى "بتدريس القيم والأخلاق اللازمة للتخصصات المختلفة."

احترسوا، هذا المشروع الدستوري مسخ بألف عين تنظر لآلاف السنين إلى الخلف، لكنه لا يستطيع أن يرى حتى ما تحت قدميه.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية التعبير..وصحافة البورنو
- القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
- إشكالية الدستور والشريعة
- تعدد الزوجات جريمة
- حرية الاعتقاد مطلقة في مشروع الدستور المصري!
- العاهرة والجنرال على ميزان القيمة
- أسطورة العرب
- من يكون المتطرف؟
- مربع سياسة ومربع دين، أيهما فوق الآخر؟
- نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر
- في معرفة الله...والنص
- أم عزباء أم امرأة عانس؟
- في الزواج وممارسة الجنس
- حقيقة الصراع السلمي حتى الآن على الوطن مصر
- الدين والديمقراطية والاستبداد
- شهوة الجسد
- حرية الجسد
- حرية الفكر والاعتقاد والإلحاد
- عدل ظالم...ومساواة حرام
- مساواة في الدين؟


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!