أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عزالدين حسن - في فلسفة اللغة (2): مشكلة أصل اللغة















المزيد.....

في فلسفة اللغة (2): مشكلة أصل اللغة


مجدي عزالدين حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3879 - 2012 / 10 / 13 - 14:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مشكلة أصل اللغة:
تباينت الفرضيات والنظريات حول موضوع نشأة اللغة الإنسانية. وهناك اختلاف (قديماً وحديثاً) حول مدى مشروعية التناول البحثي لمثل نوعية هذا الموضوع، حيث تذهب وجهة النظر المعارضة إلى أن النتائج المترتبة على بحث مسألة أصل اللغة، ليس بوسعنا بأية حال أن نتحقق من مدى مصداقيتها وواقعيتها، وعلى ذلك لا يجب النظر إليه بوصفه موضوعا للبحث العلمي الموضوعي. في مقابل وجهة النظر المعارضة، نجد وجهة نظر أخرى تؤيد البحث في هذه المسألة، بوصفها تشكل بإمتياز موضوعا للدراسات اللغوية، وفلسفة اللغة وما يتصل بها من حقول معرفية.
وعلى مر التاريخ القديم والحديث لهذه المشكلة، نجد أن الباحثين فيها ـ سواء أكانوا علماء لغة أو فلاسفة أو رجال دين ـ قد تبنوا نظريات/فرضيات مختلفة. وعُبر عنها بالتساؤل التالي: اللغة توقيف أم اصطلاح؟ هل اللغة مواضعة واتفاق؟ وهي قضية قديمة وحديثة، فمن جهة أولى، لأنها شغلت قدماء الفلاسفة اليونان، وعبروا عنها بالسؤال: هل العلاقة بين الأسماء والأشياء علاقة طبيعية أم علاقة اتفاقية؟ (نظرية المحاكاة الطبيعية عند أفلاطون: الأسماء تُحاكي نفس طبيعة الأشياء) وفي العصر الإسلامي الوسيط، عبر عنها ابن جني بالسؤال: هل اللغة مواضعة؟ وعبر عنها فلاسفة اللغة حديثاً، بالسؤال: هل العلاقة التي تربط العلامة اللغوية بالشيء الذي تدل عليه، علاقة اعتباطية أم ضرورية؟ وعبر عنها فرديناند دي سوسير، مؤسس علم اللغة الحديث، بالسؤال: هل العلاقة التي تربط الدال بالمدلول، علاقة اعتباطية أم ضرورية؟
لن أتوقف عند الفرضية المتمثلة في أن أصل اللغة هو الوحي، والتي عرفت ب(نظرية الوحي والإلهام والتوقيف). والقائلة بأن الوحي أصلا للغة، وكذلك الفرضية القائلة بأن أصل اللغة يكمن في محاكاة طبيعة الأشياء، والتي عرفت ب(نظرية المحاكاة الطبيعية). سأركز هنا على الفرضية القائلة بأن اللغة الإنسانية تجد أصلها في الاصطلاح، والتي عرفت ب(نظرية التواضع والاصطلاح والاتفاق).
1/ الوحي الإلهي أصلاً للغة الإنسان:
يذهب أصحاب هذا التوجه، إلى أن نشأة اللغة الإنسانية ترجع إلى إلهام إلهي، نزل على الإنسان الأول، وكنتاج لهذا الإلهام امتلك الإنسان الأول القدرة على الكلام وتسمية الأشياء. ويستمد أصحاب هذا التوجه أدلتهم وبراهينهم من الكتب المقدسة، فعلماء المسلمين القائلين بالوحي والتوقيف أصلا للغة ـ ومنهم أبو الحسن الأشعري، وابن فارس، والجاحظ ـ يستدلون بالأية القرأنية التي وردت في سورة البقرة: ( وعلم أدم الاسماء كلها...). وكذلك علماء اللاهوت المسيحي، يستدلون بما ورد في الإنجيل: ( والله خلق من طين جميع حيوانات الحقول، وجميع طيور السماء، ثم دعا أدم ليرى كيف يسميها. وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له الإنسان، فوضع أدم أسماء لجميع الحيونات المستأنسة، ولطيور السماء ودواب الحقول)
2/ نشأة اللغة من محاكاة طبيعة الأشياء:
تجد هذه النظرية أصلا لها في محاورة أفلاطون المعنونة ب (محاورة كراتيليوس)، والتي كان موضوعها الأساسي هو أصل الأسماء. ويرى أفلاطون في هذه المحاورة، أن للألفاظ طبيعة خاصة بها تحاكي طبيعة الشيء الذي تسميه. ويشرح الفارابي هذه النظرية، بقوله: " إن كل لفظة دالة، ينبغي أن تكون محاكية للمعنى المدلول عليه حاصة، وتكون اللفظة بطبعها محاكية، مثل قولنا: هدهد، للطائر الذي يحاكي هذه اللفظة صوته الخاص به، ومثل العقعق ومثل خرير المياه"
3/ الإتفاق والمواضعة والاصطلاح أصلاً للغة:
يورد الفارابي في كتابه (الحروف)، تفسيره لنشأة اللغة والحروف، ولتوضيح ذلك، نقتبس منه التالي: " فهكذا تحدث أولا حروف تلك الأمة، وألفاظها الكائنة من تلك الحروف. ويكون ذلك أولاً ممن (إتفق) منهم. ف(يتفق) أن يستعمل الواحد منهم تصويتاً أو لفظة في الدلالة على شيء ما، عندما يُخاطب غيره، فيحفظ السامع ذلك، فيستعمل السامع ذلك بعينه عندما يخاطب المنشيء الأول لتلك اللفظة،...، فيكونان قد (اصطلحا) و(تواطئا) على تلك اللفظة، فيخاطبان بها غيرهما إلى أن تشيع عند جماعة. ثم كلما حدث في ضمير إنسان منهم شيء احتاج أن يفهمه غيره ممن يجاوره، (اخترع) تصويتاً، فدل صاحبه عليه، وسمعه منه، فيحفظ كل واحد منهما، وجعلاه تصويتاً دالاً على ذلك الشيء. ولا يزال يحدث التصويتات واحداً بعد أخر، ممن (إتفق) من أهل ذلك البلد، إلى أن يحدث من يدبر أمرهم، ويضع ب(الإحداث) ما يحتاجون إليه من التصويتات للأمور الباقية التي لم يتفق لها عندهم تصويتات دالة عليها، فيكون هو (واضع) لسان تلك الأمة. فلا يزال منذ أول ذلك يدبر أمرهم، إلى أن (توضع) الألفاظ لكل ما يحتاجون إليه في ضرورية أمرهم"
ويورد ابن جني في كتابه (الخصائص) ـ في سياق مناقشته لنشأة اللغةـ الفرضية القائلة بأن اللغة مواضعة، على النحو التالي: " ذهبوا إلى أن أصل اللغة، لابد فيه من المواضعة، قالوا: وذلك كأن (يجتمع) حكيمان أو ثلاثة فصاعدا، فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء، ف(يضعوا) لكل واحد منها سمة ولفظاً، إذا ذُكر، عُرف به ما مسماه، ليمتاز من غيره، وليغني بذكره عن إحضاره إلى مرأة العين، فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلف إحضاره، لبلوغ الغرض في إبانة حاله، بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه،...، فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني أدم، فأومأوا إليه، وقالوا: إنسان إنسان إنسان، فأي وقت سمع هذا اللفظ، عُلم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق، وإن أرادوا سمة عينه أو يده، أشاروا إلى ذلك، فقالوا: يد، عين، رأس، قدم، أو نحو ذلك. فمتى سمعت اللفظة من هذا، عرف معناها، وهلم جرا فيما سوى هذا من الأسماء، والأفعال، والحروف"
وفي كتابه: (المغنى في أبواب التوحيد والعدل)، يضيف شيخ المعتزلة القاضي عبد الجبار، القصد والإرادة لنظرية المواضعة، (وهو بذلك ينتقد التوجه الذي يرى أن الاسم يُحاكي طبيعة المسمى) حيث يقول: " اعلم أن الإسم إنما يصير اسماً للمسمى بالقصد، ولولا ذلك، لم يكن بأن يكون اسما له أولى من غيره. وهذا معلوم من حال من يريد أن يسمي الشيء ب(اسم)، لأنه إنما يجعله اسما بضرب من القصد. يبين ذلك، أن حقيقة الحروف لا تتعلق بالمسمى لشيء يرجع إليه، كتعلق العلم والقدرة بما يتعلقان به، فلابد من أمر أخر يوجب تعلقه بالمسمى، وليس هناك ما يوجب ذلك فيه سوى القصد والإرادة. يؤكد ذلك، أن الاسم الواحد قد يختلف مسماه بحسب اللغات لما اختلفت المقاصد فيه، ولذلك يصح تبديل الأسماء من مسمى إلى سواه بحسب القصد"
وإذا توقفنا مع مؤسس اللسانيات الحديثة، عالم اللغة السويسري فرديناند دي سوسير، نجده ينفي إية رابطة طبيعية بين الدال والمدلول، بل على العكس من ذلك تماما، يرى (اعتباطية) العلاقة التي تربط بينهما. فالنظرية اللغوية عند "سوسير" تقوم على المبدأ القائل باعتباطية العلاقة بين الصوت والمفهوم أو بين الدال والمدلول. إن مبدأ القول باعتباطية العلاقة بين طرفي العلامة اللغوية يعني فيما يعنيه أن اللغة بوصفها نظام من العلامات يكتسب قوة العرف الاجتماعي عندما يتفق عليه مستخدمو اللغة، وأن هذا الاتفاق على نظام العلامات تم بصورة عفوية أو اعتباطية. بمعنى أكثر وضوحا فإن مبدأ اعتباطية العلاقة بين طرفي العلامة اللغوية يتلخص في عدم وجود أية رابطة ضرورية أو تلازم ضروري في العلاقة الجامعة بين الدال والمدلول، فمثلاً حينما نصدر الصوت الذي هو لفظ "قط"ـ الذي يمثل الدال هناـ فإن ذلك الصوت يشير أو يدل على مفهوم أو فكرة "القط"، في عقولنا، ذلك الحيوان الأليف ـ الذي يمثل المدلول هناـ في هذه العملية (عملية صدور الصوت من متكلم واستقباله من جانب شخص آخر سامع) لا يمكن أن يحدث تواصل ناجح بين طرفيها ما لم يكن هناك اتفاق مسبق من قبل الجماعة المستخدمة للغة على أن لفظ (القط) يشير ويدل على مفهوم محدد يمثل في مثالنا السابق مفهوم (القط)، وقس على ذلك. وهذا يعني أن الجماعة المستخدمة للغة قد اتفقت اعتباطيا على الدوال التي يشيرون بها ويعبرون بوساطتها عن الأفكار والمفاهيم والتصورات، الأمر الذي يمكّن المرسل والمستقبل داخل هذا النظام اللغوي والمستخدم للغة من التواصل بشكل ناجح. وبالتالي فإن هذا الاتفاق لوحدات اللغة الأساسية المكونة لها، يعني أنها علامات تكونت بشكل اعتباطي باستنادها إلى العرف أو الاتفاق الاجتماعيين، ولكن أهم ما يميز تلك العلاقة الاعتباطية، أننا بمجرد أن نقيم ذلك الربط بين دال معين ومدلول معين، ويكتسب قوة العرف الاجتماعي، فلا يستطيع مرسل بمفرده أو مستقبل بمفرده أو الاثنان معاً تغيير تلك العلاقة دون أن تتفق الجماعة المستخدمة للغة على ذلك التغيير.
ويضرب أيان كريب في كتابه النظرية الاجتماعية، مثال في غاية الطرافة، يشرح من خلاله مبدأ إعتباطية العلامة اللغوية، بقوله: " ليس هناك من ارتباط ضروري بين اللون الأحمر، على سبيل المثال، وأمر الوقوف بالنسبة للمرور. فاللون يمكن أن يكون ازرق، أو برتقاليا أو أرجوانيا، لكن حدث بالصدفة أن الناس اتفقوا على أن دلالة اللون الأحمر هو الوقوف أو الخطر، وهذا الاتفاق هو واقع خارجي فُرض على أفراد المجتمع. ولو قررت أن الأحمر يعني لي سر والأخضر قف، لما بقيت عضواً من أعضاء المجتمع مدة طويلة.



#مجدي_عزالدين_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في فلسفة اللغة (1)
- عن العلمانية (4)
- عن العلمانية (3)
- عن العلمانية (2)
- عن العلمانية
- الحداثة وما بعد الحداثة (1)
- فلسفة التحليل اللغوي
- نقد هايدغر وغادامر لموضوعية التأويل
- ليس ثمة تأويل موضوعي في مضمار الأديان (2)
- ليس ثمة تأويل موضوعي في مضمار الأديان (1)
- مشروع نقد الفكر الديني عند نصر حامد أبو زيد
- صراع الأفيال: هابرماس وغادامر وريكور، التأويل والتاريخ (3)
- تأويل التاريخ وتاريخية التأويل (2)
- تأويل التاريخ وتاريخية التأويل (1)
- كيف يجب للعقل الإسلامي المعاصر أن يتعاطى مع النص الديني الإس ...
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (3)
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (2)
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (1)
- كيف يجب أن نتعاطى مع النص الديني الإسلامي؟ (1)
- الطريق إلى الحقيقة: سؤال المنهج


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عزالدين حسن - في فلسفة اللغة (2): مشكلة أصل اللغة