أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أفنان القاسم - تأملات في واقع الثورات العربية















المزيد.....

تأملات في واقع الثورات العربية


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 16:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ليس هدفي إذكاء الخصام أكثر مما هو عليه، وعلى العكس أرمي إلى إخماده، وذلك بطرح موضوع ما يدعى "الربيع العربي" بشيء من صفاء الفكر ورصانة الحكم. سأتجنب ما دأب عليه البعض من توصيف، والبعض الآخر من تفسير، وأحاول بقدر الإمكان الخوض في غمار "الممارسة النطرية"، فَهَمّي الوحيد هو الوصول إلى معرفة علمية للواقع الجديد، واقع الثورات العربية. لن أنطلق من هذا الواقع، كما دأب عليه المحللون السياسيون العرب والمدبجون لمقالات يوم الجمعة، لأحلق في سماء الاستدلال الفلسفي (التفلسفي بالأحرى)، وأنسى من أين انطلقت. سأتطرق إلى المسائل التي هي برأيي تستحق التركيز عليها بطرق جديدة، المسائل التي يعجز أصحاب الرؤى القديمة عن التقاطها، أو لا يلتقطون سوى جزء منها، فمن الطبيعي أن يكونوا لمخلفات الماضي طُعمًا، ولمطاردة أوهامهم عن الحقيقة لهم فريسةً لا مطاردتهم هم للحقيقة. لهذا أرى أن الفكر العربي على الرغم من شيخوخته لم ينضج، وأن التناول الجديد لمسائل جديدة/قديمة لم يوجد، فلا فكر موافق للتطور، ولا حركة للأفكار موافقة للفكر، وكأن لا مستقبل لهذا الفكر. وباعتقادي أن الجمود الفكري هذا، الجمود في مفهومه التطوري، لهو من وراء الجمود العقائدي، وبالتالي السبق الساحق للإيديولوجيا على العلم، وهيمنة الدغماتية، وبكلام آخر التسليم دون تمحيص، والجزم دون تفنيد، والتعميم دون تحديد.

الآثار والأسباب
هناك توجه واضح للمحللين السياسيين والمفكرين العرب إلى البحث في آثار الثورات العربية دون الاهتمام بأسبابها أو في أسبابها دون الاهتمام بآثارها، علمًا بأن الآثار والأسباب مرتبطة ارتباطًا عضويًا، حتى أولئك الذين يرون هذا الارتباط هم لا يرون ما يحتوي عليه من تناقضات بنيوية تؤدي إلى ما أدت إليه في تونس وليس في ليبيا، في سوريا وليس في مصر، في اليمن وليس في البحرين، آثار وأسباب قرأنا حولها الكثير من التفاصيل، لكنها ظلت في ميدان التجريب، والتجريب للثورة علميًا لا يفسرها. لماذا تم إسقاط رأس النظام ولم يتم إسقاط النظام؟ لماذا تم تبديل النظام بآخر يشبهه أو يزيد عنه سوءًا تحت رداء جديد/قديم (العباءة في الحالات العربية)؟ لماذا تم التماهي بين النظام "الرجعي" والنظام "الثوري"؟ أسئلة كهذه أساسية على علاقة بتصور محوره الإنسان كنتاج للتطور الاجتماعي والاقتصادي هذا صحيح، ولكن أولاً وقبل كل شيء كإنسان ذاته، كفاعل للفعل، بمعنى ألا نلقي به في جوف الإيديولوجيا ليسهل علينا البحث عن الأسباب، بينما تتحدد الأسباب بمعرفة الواقع من خلال فعل الإنسان فيه من أجل تغييره، وبالتغيير تتحدد الآثار، وتُفتح آفاق جديدة للوضع الجديد أو تُغلق في حال انغلاق هذا الوضع على نفسه. لهذا يعجز التجريب أمام السؤال الجوهري حول الفعل البشري، بمعنى فعل التوانسة وفعل الليبيين وفعل المصريين وفعل السوريين وفعل اليمنيين وفعل البحرينيين... إلى آخره، بينما الناظر إليه كدال يرى أن هذا الفعل لم يكن بالقدر المطلوب، وكمدلول لم يكن بالبُعد الكافي. لماذا لم يكن بالبُعد الكافي بُعده، ولم يكن بالقدر المطلوب فعل لا يشبه غيره من الأفعال؟ إذا أجبنا على هذا السؤال كلاسيكيًا نجيب في نفس الوقت على السؤال الخاص بالتاريخ، وهو يُصنع، وكيف يُصنع، وليس بآثار الثورة وأسبابها، فالآثار كالأسباب ما هي سوى الواقع في حركته قبل أن تصبح تاريخًا، فنوغل في التاريخانية (دراسة الأحداث في علاقتها مع الأوضاع التاريخية)، ونتيه في اعتبارات الخطاب، بينما الجواب الإبستمولوجي يوجَزُ بكل بساطة بالدينامية الموجودة داخل كل حركة للواقع، دينامية تضيع دون غاية أو تشق طريقًا نحو التغيير. في الحالات العربية هذه الدينامية ضاعت دون غاية، فلم يكن هناك تغيير. وحسب التَّحَدُّد التضافري، مفهوم لألتوسر يعني تَحَدُّد سلوك ما بدوافع مختلفة متضافرة، سلوك الأفراد الذين قاموا بهذه الثورات بدافع الغضب ودافع التحرر ودافع العيش بكرامة، دافع العيش بكل بساطة، وهذه كلها دوافع تَضَافَرَ من حولها التونسيون والليبيون والمصريون والسوريون واليمنيون والبحرينيون وغيرهم، حسب هذا التَّحَدُّد التضافري، تُطرح فكرةُ الفعاليةِ لسببيةٍ متعددة تُحَدِّد التغيير الذي هو في الحالات العربية غير تغيير، نظام مماثل للنظام السابق.

النظام تبعًا لبنيته
بناء على ما سبق، لم يكن بإمكان الفكر العربي السائد أن يعي العلاقة القائمة بين النظام وبنية النظام وفعالية هذه البنية إن لم يكن فعلها فيه والتأثير المتبادل بينهما، فالجدل بين البنية التحتية والبنية الفوقية لهو من التداخل والتشابك لدرجة يصعب معها لأدوات الفكر القديمة إدراكها، وهي إن حاولت تبقى شكلية، لا تُعنى بالشكل –يا ليت- وإنما بما هو شكلي، لا أساسي، بما هو بعيد عن الموضوع الحقيقي، لأن معرفتها مغلوطة، ليست معرفة للشروط التاريخية والاجتماعية، وبلغة البنيويين ليست المنطوق، منطوق الإنسان محور هذه المعرفة "والناطقها". ونحن هنا نقول بعكس ما قاله ألتوسر بخصوص هذا الإنسان، إنسان لا تفرضه متطلبات الفكر بل يفرض نفسه بأحلامه بأوهامه بمعتقداته بأفعاله على الفكر، إنسان في صميم الفعل، ومن قال في صميم الفعل يقل في صميم النظام، النظام تبعًا لبنيته التحتية التي هي في الحالات العربية عنبرًا للنوم وفضاء للاستهلاك، ولبنيته الفوقية التي هي في الحالات العربية قدرية دينية تنطعية أو قدرية دينية (كالدين) يساروية، فالفكر اليساروي هنا ديني (كالدين) حتى في أقصى حالاته يسارًا. لهذا لعب الفكران الديني واليساروي دورًا ناقصًا –أقول ناقصًا ولا أقول كاملاً لأن في نقصانه كارثة أكبر بكثير من كماله بمعنى أنه لم يزل في آلية مستمرة حتى ما بعد الثورة- لعب هذان الفكران إذن دورًا ناقصًا في تشكيل بنيةِ نظامٍ إنسانُهُ إنسان الفيسبوك أو إنسان المسجد، ما اعتدنا أن نسميه "الطبقة المتوسطة" كبنيةٍ الإنسانُ فيها نتاج سلعوي ككل سلعة وحجر شطرنج على بساط نظام هو دومًا ها هنا تغير اسمًا ولم يتغير فعلاً.

إنسان الثورة لا يعي ما الثورة
ولكن في وضع يتم فيه تغيير النظام لا بد من فعالية لعلاقات الإنتاج التي هي حسب المنهج الذي أتبعه فعالية البنى، قوة فعالة تجرف السهل والجبل لتؤسس لنظام جديد، إلا أن قوى الإنتاج (هل توجد؟) في المجتمعات العربية التي هي حسب المنهج الذي أتبعه فواعل البنى، لم تخض معركتها مع علاقات الإنتاج ليؤدي ذلك إلى ثورة اجتماعية. لماذا؟ لأن قوى الثورات العربية قوى هجينة أو مهجنة ليست منتجة، فواعل ليست فاعلة، وعلاقات الإنتاج العربية علاقات قبل ثورية بدائية وحتى جنينية لم تبدأ، ولم تدخل، بالتالي، في الطور البدائي، وحسب نظرية الرموز والعلامات تضع قدمًا في الفيسبوك وقدمًا في صحراء التطور التي هي صحراء العرب، ومن قال علاقات قبل ثورية بدائية أو جنينية يقل لا وعي لمن هم من وراء هذه العلاقات: الثوار في الحالات العربية. إذن كيف للثورات الاجتماعية التي هي ثوراتنا أن تكون ثورية والوعي ليس ثوريًا، والفعل كالوعي ليس ثوريًا؟ الوعي الديني كوعي بدائي، أي ليس وعيًا، والفعل الاتفاقي كفعل فوضوي، أي ليس فعلاً. وأنا هنا أخشى من كلامي هذا أن يظن البعض بي الظنون، فيقول إنني أُخفي من وراء استنتاج كهذا مقولة "الصراع الطبقي"، فبالصراع الطبقي يتحقق التطور، وبالتالي الوعي الثوري، فالفعل الثوري، هذا ما يقوله المنهج المادي الكلاسيكي. علمًا بأني أرى في الصراع الطبقي تشويهًا لحقيقة الإنسان الذي يغدو بنية اقتصادية، ليس في سبيل سعادته على الأرض، وإنما كنتاج سلعوي كباقي السلع، ودعامة من دعامات اقتصاد السوق بعد أن نجح الرأسمال في الغرب في برجزة العامل، وتشييء الإنسان فيه، وتمكن من نقل الصراع من طبقي إلى استهلاكي، أي إلى لا صراع. عندنا الشيء نفسه، ولكن على مستوى آخر، مستوى كل واشرب واخرأ ونم، هذا هو الوعي الثوري عندنا. لهذا كان إنسان الثورة كمن يخترق بقدمه الجدار، وكانت الثورة كالمرأة في الفن التكعيبي لا يُعرف وجهها من رأسها وبطنها من ظهرها ونهديها من قدميها وإذا ما كان لها وجه واحد وجهان ثلاثة عشرة أم عشرات الوجوه، إنه عالم الفانتازيا، عالم يفوق الخيال، أو ما يُدعى خيال الخيالي.


[email protected]

باريس الأربعاء في 2012.10.10



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى العفيف الأخضر
- الحل الوحيد للمسألة السورية
- هنا العالم رواية الثورة الإعلامية
- مدينة الشيطان رواية الثورة الإسرائيلية
- الصلاة السادسة رواية الثورة التونسية
- قصر رغدان رواية الثورة الأردنية
- زرافة دمشق رواية الثورة السورية
- البحث عن أبولين دوفيل رواية الثورة المصرية
- نافذة على الحدث الأعمال الكاملة
- حوارات بالقوة أو بالفعل
- دمشق كروما فاشية فأينهم مقاتلو الظل؟
- الله وليس القرآن الأعمال الكاملة
- الجنس والله
- الكون لم يخلقه الله
- الإسلام دراسة أعراضية
- فولتير والمثقفون العرب
- ردًا على سامي أبي الذيب الله وليس القرآن
- شعراء الانحطاط الجميل
- البؤساء فكتور هيغو الجزء الأول
- شيطان طرابلس


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل محاضرة في الجامعة العبرية بتهمة الت ...
- عبد الملك الحوثي: الرد الإيراني استهدف واحدة من أهم القواعد ...
- استطلاع: تدني شعبية ريشي سوناك إلى مستويات قياسية
- الدفاع الأوكرانية: نركز اهتمامنا على المساواة بين الجنسين في ...
- غوتيريش يدعو إلى إنهاء -دوامة الانتقام- بين إيران وإسرائيل و ...
- تونس.. رجل يفقأ عيني زوجته الحامل ويضع حدا لحياته في بئر
- -سبب غير متوقع- لتساقط الشعر قد تلاحظه في الربيع
- الأمير ويليام يستأنف واجباته الملكية لأول مرة منذ تشخيص مرض ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف وحدة المراقبة الجوية الإسرا ...
- تونس.. تأجيل النظر في -قضية التآمر على أمن الدولة-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أفنان القاسم - تأملات في واقع الثورات العربية