أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - توظيف العامل -الديني- في قضايا المياه















المزيد.....

توظيف العامل -الديني- في قضايا المياه


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 04:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يمكن توظيف العامل الثقافي، وتحديدا ما تعلق منه بالتراث الديني الإسلامي، بوصفه من الثوابت المشتركة التي تربط بين دول ومجتمعات منطقة الشرق الأوسط، خلال عملية البحث عن حل لمشاكل المياه والصراع عليها؟ وهل يمكن لطرف من أطراف هذا الصراع، وهو الطرف المتضرر هنا، أي العراق كدولة مصب، أن يستمد الدعم والعون في صراعه عبر تحريك واستثمار هذا العامل في بناء دفاع متماسك عن نهريه الكبيرين دجلة والفرات؟
يناقش الباحث العراقي فؤاد قاسم الأمير في كتابه المهم "الموازنة المائية في العراق وأزمة المياه في العالم" وجهة نظر، قال إنه سمعها ممن تحدث معهم حول إمكانية حلِّ مشكلة المياه بين العراق والدول المجاورة له، وفق مبادئ "الشريعة الإسلامية"، ولكن ضمن توجه خاص، يمكن أنْ يدخل ضمن إشكالات علاقة الدين والسياسة وتوظيف العامل الثقافي في الصراعات السياسية. وإذا ما علمنا أنَّ الدولة التركية شيدت على الأنهار المشتركة بينها وبين العراق وسوريا عددا يمكن اعتباره هائلا من السدود، بلغ المنجز فعلا منها 759 سداً، من بينها 208 سدود كبيرة، إضافة إلى 210 سدود تحت الإنشاء والتخطيط والدراسة، وإذا أضفنا إلى ذلك، أنَّ إيران قطعت عن العراق أكثر من أربعين رافدا قادما من أراضيها إلى العراق عرفنا حجم المشكلة الكبيرة التي تواجه الباحثين و الشعوب والدول المعنية.
مفاد وجهة النظر التي تطرق إليها الباحث العراقي، يمكن تلخيصه بالكلمات الآتية: طالما وجِدت حكومة تركية "إسلامية" مستقرة، تحاول التقرب إلى شعوب ودول محيطها الجغرافي السياسي، وطالما وجدت حكومة "إسلامية" في إيران، لها امتدادات في العلاقات والتأثير في العراق، وطالما أنَّ الحكم في العراق "إسلامي"، لذا يمكن حلُّ الأمر وفق "الشريعة الإسلامية".
يرفض الباحث وجهة النظر هذه بقوة قائلاً ( إنّ الأمر لا يحل بتاتاً بهذه الطريقة، ومن يعتقد ذلك فإنه يعيش في وهم) وحجته في ذلك هي أنَّ التفاسير و التأويلات و التخريجات الفقهية قد تختلف تماماً عمّا أريد لها أصلاً بالأحاديث الشريفة الداخلة في هذا الباب كـ "المسلمون شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار"، أو " ثلاثة لا يُمنعن: الماء والكلأ والنار"، وحديث: "لا ضرر ولا ضرار"، ويضيف موضحاً ( إذْ أنَّ الملكية الخاصة للترع والجداول والعيون والآبار أوّلت الأحاديث، وعلى لسان فقهاء عصور "الازدهار"، لتراعي مصالح الملاّك الكبار. والأهم أن مفاهيم الإسلام السياسي قد تختلف اختلافاً كبيراً عما جاء في روحية الدين، من محاربة الظلم والفساد وإيذاء الآخرين، والعدل والمساواة والإنصاف، وأنَّ التاريخ مليء بمثل هذه المواقف) والواقع، فإنَّ رفض الباحث لوجهة النظر موضوع النقاش لا يخلو من التسرع، رغم أنه لا يخلو من قوة الحجة التاريخية في الوقت عينه، في ما يتعلق بالأحاديث النبوية المذكورة، ولكنَّ لدينا عليه عدة مآخذ:
فأولا، ينبغي تصويب الأساس المضموني الذي تقوم عليه وجهة النظر ذاتها، وهي أنَّ الحكومة التركية القائمة الآن لم تعد تعتمد إستراتيجة المصالحة وتصفير المشاكل مع دول الجوار باعتراف المعارضة التركية نفسها، وثانيا هي ليست حكومة "إسلامية" بالمعنى السائد لهذه الصفة السياسية، إلا إذا اعتبرنا أن المملكة السعودية تطبق القرآن وهو الذي لعن الملوك لعنة أبدية في الآية 33 من سورة النمل، إذْ أنَّ القانون العلماني التركي يُحرّم تشكيل أي حزب سياسي ديني أو قائم على أساس الدين، وقد حُلَّت عدة أحزاب جاهرت بمبادئ إسلامية أو لمحت لها تلميحا، أو أنها أقدمت على تصرفات سياسية تحسب ضمن هذا الغرار، و قد أحيل رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس وزعيم حزب الرفاه، وأحزاب ذات خلفية إسلامية أخرى، وأستاذ الثنائي الحاكم اليوم في تركيا غول وأردوغان، بتهمة معاداة وتهديد علمانية الدولة، بعد أن حُلَّ حزبه، الى القضاء وحكم عليه بهذه "التهمة"، إنما هي حكومة يقودها حزب ذو خلفية ثقافية ذات منحى إسلامي عام ومخفف جدا، يتعلق حصرا بماضي بعض قادته وليس ببرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أما في إيران فثمة دولة دينية طائفية ثيوقراطية صريحة، يتقاسم السلطة فيها مرشد روحي و رئيس جمهورية وبرلمان "مُفَلْتَر" بواسطة مؤسسة أيديولوجية دينية هي "مجمع تشخيص مصلحة النظام" التي تتوسط، خلال قيامها بمهمة الحَكَم، موضعا وسطا بين "مجلس صيانة الدستور" من جهة، و "مجلس شورى النظام "البرلمان" من جهة أخرى، أما في العراق فثمة تحالف سياسي حاكم يتقاسم السلطات بموجب قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية من قبل مجموعة أحزاب وشخصيات علمانية وإسلامية وقومية – مع وجود غلبة نيابية للأحزاب الإسلامية الشيعية المتحالفة مع الأحزاب القومية الكردية - والحَكَمُ الأخير وصاحب الكلمة الفصل بين مكونات هذا التحالف هو دولة الاحتلال أو سفيرها في بغداد، ولا يمكن، بالتالي، تحكيم القناعات الإسلامية في توجهات الحكم وممارساته السياسية.
ومع ذلك، يمكن أنْ نأخذ بوجهة النظر هذه ولكنْ بعموم القول، وبكثير من التحفظ، فنقرر أنَّ هذه الحكومات الثلاث هي ذات خلفيات وتوجهات "إسلامية" عامة، تحكم ثلاثة بلدان يشكل المسلمون الغالبية الساحقة من سكانها، وبنسبة تفوق التسعين بالمائة. إنَّ التعويل، هنا، ليس على مدى التزام الحكومات الثلاث و قادتها بالتعاليم والقيم الإسلامية، بل على فاعلية ومردودية العامل الثقافي ذاته، وهو، في حالتنا، من طبيعة دينية في الميدان الجماهيري والتثقيفي العام. بكلمات أخرى، إنَّ التأثير الإيجابي، سيكون لصالح العراق حتما، و يتأتى من تحريك العامل الديني لوعي جماهير الشعب التركي على سبيل المثال، حين تبلغ المأساة ذروتها في العراق، و بزوال أنهاره من الوجود وتحل كارثة كبرى فيه، أو حين تنهار السدود التركية وتطلق طوفاناً مرعباً في المنطقة.
نعتقد، وبثقة، أن عموم الناس العاديين، والنخب المثقفة في تركيا وفي إيران، ستتحرك فورا وبقوة قد تجبر السلطات الحكومية في البلدين على إيقاف عدوانها على شعب العراق حتى قبل تفاقم الكارثة وحدوث المأساة، و إنَّ ذلك يمكن أنْ يتحقق من خلال إدارة عراقية جيدة و جريئة لهذا العامل.
الأمر الثاني، الذي لا يخلو من الأهمية، هو أن الباحث استشهد بثلاثة أحاديث للنبي العربي الكريم، سلف ذكرها، ولا نستطيع، في هذه العجالة، مناقشتها من حيث المتن والسند "العنعنة" والمحمول، لتبيان مدى انطباقها على واقع الحال من عدمه، ولكنه – للأسف - أغفل آية قرآنية صريحة وبليغة في حكمها الذي ورد بصيغة الأمر، وكأنها لم تنزل إلا لإنقاذ الرافدين وشعب الرافدين، عنينا الآيةَ الثامنةَ والعشرين من سورة القمر ونصها ( وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ). فهل هناك نص قرآني أو غير قرآني أكثر وضوحاً وآمرية موجِبة من هذه الآية الكريمة التي تمنع وتحرم المتاجرة بالماء وتأمر باعتباره مشاعا يقتسم بين الناس؟ وكيف سيكون موقف المسلمين في إيران وتركيا، لو رفع ملايين العراقيين المحتضرين عطشا وجوعا، لو رفعوا هذه الآية الكريمة شعارا إنقاذيا لهم في مواجهة قرارات الحكام الأتراك والإيرانيين سواء كانوا إسلاميين أو ماسونيين أو غير ذلك؟
لنتأمل مضمون الفكرة السالفة في ضوء الحادثة الموثقة التالية: في سنة 1993 أقدمت الحكومة التركية على القيام بصفقة خطيرة مع بلغاريا، اشترت بموجبها من الأخيرة كميات من مياه نهر " مريج"، ودفعت ثمنها نقدا، وقد بلغ أربعة ملايين و 300 ألف دولار، في محاولة منها ( لنشر مبدأ بيع المياه بشكل أكبر في التجارة الدولية ) كما يعتقد باحث عراقي آخر هو د. سليمان عبد الله إسماعيل. وكنا قد أشرنا في مناسبة سابقة إلى تصريحات الوزير التركي محمد جولهان عند التوقيع على هذه الصفقة مع بلغاريا وقوله بأن (تركيا قد تطلب من سوريا دفع قيمة المياه المتروكة لها من نهر الفرات). ولا ندري إن كان السيد جولهان على علم بأنَّ العراقيين القدماء من أكديين وآراميين هم من أطلق اسم "الفرات" على هذا النهر، وشقوا منه القنوات وأنشأوا عليه الجسور والخزانات قبل وصول الأتراك إلى أعالي الفرات بأكثر من أربعة آلاف عام؟ وأخيرا، و بهذا الخصوص ( يورد علماء الآثار والنبشيات وجود أنقاض لبعض الترع الكبرى، مثل شط الحي والنهروان التي انشئت قبل 4200 سنة، وفي مقبرة الملكة الآشورية "سميرأميس" عثر على كتابة منقوشة تقول فيها ( أنا سميرأميس استطعت كبح جماح النهر القوي ليجري وفق رغبتي وسُقْتُ ماءه لأخصِّب الأراضي التي كانت قبل ذلك بورا غير مسكونة). نشك في أن الوزير التركي جولهان يعرف هذه الحقائق التاريخية القديمة ولكننا لا نشك في أنه سيؤكد وجود الآية الثامنة والعشرين من سورة القمر في القرآن والآمرة بـ: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ !

*كاتب عراقي



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كافكا الآخر.. رصد الاغتراب الروحي /ج2
- كافكا الآخر : رصد الاغتراب الروحي
- التيّاران اليساريّ والقوميّ بين الفشل وقصور الأداء
- شط العرب اليوم : إنها الكارثة!
- فرانز كافكا بعيون عربية
- شط العرب في معاهدة أرضروم وما بعدها
- شط العرب بعد قرن من الأطماع الإيرانية
- نصف قرن من التجاوزات المائية الإيرانية
- التجاوزات العدوانية الإيرانية على أنهار العراق/ توثيق أولي
- سوريا: الدم المسفوك لا يحتمل مزايدات الساسة!
- زيارة أوغلو الاستفزازية كانت لمصلحة عراقية كركوك!
- ربيع الأكراد والخلط بين الصهر القومي والاندماج المجتمعي
- مَن يعرقل إكمال سد بخمة وإنقاذ دجلة ولماذا ؟
- الحدث السوري في ضوء التجربة العراقية: ضرورة الموقف المُرَكَّ ...
- مشروع تحلية الثرثار سينقذ العراق، فلماذا إهماله؟
- -الجزيرة- و-العربية- و-فن- احتقار عقل المشاهد!
- العراق بين إيران وتركيا.. منعطفات التاريخ وثوابت الجغرافيا
- الأسس العامة لميثاق شرف لإنقاذ الرافدين من الزوال / ج5من 5ج ...
- -لجنة العلوي- تحذر السعودية وتنتقد قمة القاهرة وتناشد أربكان ...
- وزارة الخارجية وقانون المجاري المائية الدولية : تقصير أم توا ...


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - توظيف العامل -الديني- في قضايا المياه