أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل عبد الأمير الربيعي - يهود الحلة ...تأريخهم وعلاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية















المزيد.....


يهود الحلة ...تأريخهم وعلاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 3876 - 2012 / 10 / 10 - 18:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يهود الحلة ...تأريخهم وعلاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية
نبيل عبد الأمير الربيعي

كانت البدايات الأولى في بابل يوم القضاء على مملكة يهوذا في فلسطين عام(612-539)ق.م من قبل الملك الكلداني نبوخذ نصر , فقد أُسُر ملك مملكة يهوذا (يهويا كين) مع حاشته وقادة جيشه , وحملهم إلى بلاد بابل كأسرى حرب (1) , لكن تم إسقاط دولة بابل على أيدي الغزاة الفرس الأخمينيين عام(539)ق.م , وقد سمح ليهود بابل بالعودة إلى فلسطين عام (536) ق.م إلا إن البعض رفضوا العودة لانسجامهم مع المجتمع البابلي آنذاك.
بعد دخول الجيوش الإسلامية فاتحة لبلاد الرافدين قد تحسن حال اليهود , وقد لعبت الشخصيات اليهودية دوراً في مجال التجارة والمال في عهد الخليفة العباسي المقتدر (907-932)م , ثم بعد دخول المغول لبغداد عام (1258)م ترك بصمة على سكان العراق بالتراجع ومنها مدينة الحلة من تخلف في مختلف نواحي الحياة بما فيهم اليهود , ولكن بتعاقب المحتلين للعراق من عهد الجلائريين وإلى سيطرة الدولة العثمانية على العراق عام(1534)م فقد عرف عهد السلطان سليمان القانوني من رشد وحكمة وتساهل, ولما كانت الحلة جزء من ولاية بغداد فإن اليهود وباقي الأقليات فيها كانوا يعيشون في جو من الأمن والاستقرار, وسبب ذلك كان يرجع لالتزام الطائفة اليهودية بدفع الجزية المعتدلة لملتزم الضرائب.
في عام(1765)م زار الرحالة الدنماركي (نيبور) الحلة وذكر في رحلته إنه "مر بالقرب من مرقد النبي (حزقيال) ,وإن مئات اليهود سنوياً يزورون قبره , كما وصف حالة التجانس والانسجام بين المسلمين واليهود"(2).
كان اليهود في مدينة الحلة يعيشون في جو يسوده الأمن والاستقرار وحالة من التفاعل والحوار الثقافي مابين الأديان , فقد كان المسلمون واليهود من أهل الحلة وباقي المدن الأخرى يزورون مرقد ذو الكفل(حزقيال) باعتباره أحد الأنبياء الصالحين.
فقد نال اليهود اهتمام كبير في عهد الدولة العثمانية إذ تولى يهود العراق نقل الأموال من بغداد إلى الأستانة لأن الحكومة العثمانية كان من مصلحتها أن يتولى أمر الشؤون المالية وسك النقود , وتجلى ذلك في منصبهم( صراف باشي) وهو منصب رئيس الصرافين , والسبب في ذلك يعود إلى خبرتهم في شؤون المال والحسابات المالية . وقد" قدر عدد اليهود في العراق بشكل عام سنة 1919م ب(86488) نسمة من مجموع سكان العراق البالغ عددهم(2694282) نسمة"(3), أي نسبة عدد اليهود إلى سكان العراق بحدود 3% ,وكان " عدد يهود الحلة (1063) نسمة حسب التوزيع السكاني ليهود العراق بتقديرات سلطات الاحتلال البريطاني عام 1920(4).
تمكن أبناء الطائفة اليهودية الحلية في العمل في شتى المجالات من النشاط الاقتصادي مثل ( التجارة والصيرفة واستثمار الأراضي الزراعية ) وغيرها , و"كان ليهود الحلة زقاق في مركز المدينة يدعى ( عكد اليهود) أو بوابة اليهود"(5),ويحتوي على مركز للعبادة وهنالك بوابة خشبية تحمي هذا الزقاق إذ تغلق عند المساء وتفتح صباحاً.
لقد اهتم يهود الحلة بإقامة الصلاة في دور العبادة الواقعة في محلة الجباويين وأخرى في محلة التعيس ,أمثال صلاة الغفران وصلاة القمر , وقديماً يهتدون للصلاة في وقتها بالنفخ في الأبواق المصنوعة من قرون الأغنام أو من المعادن , فيذهبون مجتمعين إلى كنيسهم الموجود في محلة التعيس أو الموجود في محلة الجباويين للصلاة وطلب المغفرة, وقد بقيت الكنيس الموجودة في محلة التعيس لحد الآن و لكنها في الوقت الحالي استخدمت من قبل معامل النجارة وأهملت تماماً, إذ تحتوي على دكة دائرية للجلوس ولواويين لراحة المصلين,أما في الأعياد يجتمعون في دور العبادة نساء ورجال وبعد إكمال الصلاة تذهب النسوة حاملات الزهور إلى حديقة النساء في مركز مدينة الحلة للراحة مع أطفالهنّ والبقاء حتى المساء .
لقد تعايش اليهود مع المسلمين في المدينة وأطرافها, فقد حدثت حالات انسجام اجتماعي والتعرف على عادات وتقاليد كل منهم للآخر, لكن كانوا يرفضون الزواج من الأديان الأخرى وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى قصة الفتاة سيرح (سارة) "وهي فتاة يهودية من أهالي الحلة رفضت أسرتها الزواج من شاب مسلم رغم علاقة الحب التي كانت تجمع بينهما مما اضطرها إلى الخضوع إلى إرادة أهلها فانتهت قصة حبها بالفشل , ومع ذلك فإنها رفضت السفر بصحبة والديها إلى إسرائيل وفضلت أن تعيش بقية عمرها برعاية جيرانها المسلمين من أهل (عكد اليهود ) وبالقرب من حبيبها إلى أن فارقت الحياة"(6) ودفنت من قبل بلدية الحلة, فقد كانت تعيش على ما تحصل عليه من معمل الخياطة التي تديرهُ.
لقد تأثرت الطائفة اليهودية في الحلة بالعادات والتقاليد الحلية فيما يتعلق بالالتزام بموضوع الحجاب أو علاقتها مع الرجل , فضلاً عن التطبع الاجتماعي الذي نتج عن التفاعل الاجتماعي الذي استمر حقباً تاريخياً على مدى عقود من الزمن مما جعل أبناء الطائفة اليهودية تألف العادات والتقاليد السائدة في المجتمع الحلي والتي أصبحت جزءاً مهماً من ثقافة المجتمع السائدة , فظلت أسيرة الثقافة التقليدية السائدة , حيث كانت المرأة من الطائفة اليهودية تقضي معظم حياتها داخل المنزل لحين مجيء قسمتها من الزواج , "فكانت عاداتهم في الزواج أن أهل البنت هم الذين يتقدمون لخطبة الشاب اليهودي من أهله ويدفعون المهر الذي تدفعهُ للشاب , بينما إذا كانت الفتاة اليهودية كبيرة العمر وأقل جمالاً فإنها تدفع مهراً كبيراً حتى يقبل بها الشاب اليهودي(7), وزواج الفتاة في سن مبكر من العادات والتقاليد اليهودية المألوفة.
أما الختان للأولاد فكانت فريضة يجب ممارستها للوقاية الصحية من الأمراض وكونها شعيرة من شعائرهم الدينية و علامة من علامات حلف الدين بين الله (يهوه) وبين أبناء الطائفة, وقد حدد يوم الختان اليوم الثامن من الولادة , كما تشدد التوراة احترام يوم السبت وتعاقب على استباحته من تشريعاتهم المهمة .
أما في الميراث فيعتبر الذكر المفضل دائماً على الأنثى , لذلك "كان حقوق الولد في الميراث أكثر من حقوق البنت , فالبنات لا يرثن إذا ترك الوالد أولاداً ذكوراً , ويوزع ميراث الأب على الأبناء ويعطي الابن الأكبر ضعف نصيب الابن الآخر"(8),لكن العائلة اليهودية الحلية التي لم تلتزم بهذه الخصوصية في الإرث هي عائلة (خضوري مير دلومي) , وإنما فضلت توزيع الإرث حسب التشريع الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية , وقد برزت هذه العائلة في ميدان التجارة والاستثمار في الأراضي الزراعية والعقارات وكانت تسكن محلة جبران .
وقد اهتم أحد أبناء هذه الطائفة بجانب إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية عند زيارته لانكلترا وهو من عائلة (آل سوسة) فقد استورد مولده عام1923 وبإدارة (منشي سوسة) إذ عملت بطاقة (25 كيلو واط) وتزود الدور بالكهرباء مقابل رسوم شهرية , وعرفت بمحطة كهرباء سوسة(20) , فكانت تعمل حتى عام 1938 إذ أنشأت الحكومة العراقية محطة جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية بطاقة (100 كيلو واط) في منطقة باب الحسين.
كانت العلاقات الاجتماعية الطيبة والتسامح بين العوائل والانسجام , فقد ذكر الأديب والمحامي أنور شاؤول نتيجة التسامح الديني هو قيام الحاجة ( وضحه أم الهادي) وهي من النساء الحُلياّت بإرضاع أحد أبناء الطائفة اليهودية المدعو (أنور شاؤول) بسبب وفاة والدتهُ وهو أبن سبعة أشهر , إذ لم تكون هنالك مشكلة دينيه , فكلتا الديانتين الإسلامية واليهودية لا تمنعان رضاعة الغريب رغم الاختلاف بين ديانة المرضعة وديانة الرضيع , ويذكر الأستاذ فلاح أمين الرهيمي " هنالك قصة المرأة اليهودية (مسعودة) من سكنت محلة التعيس التي تبنت طفلاً عام1921 كانت تعتقد إن الطفل بالتبني أصبح على دينها يهودياً , وعندما بلغ ذلك الطفل الرابعة عشر من العمر أصابهُ مرض فتوفى على أثره , فأرادت المرأة المتبنية أن تدفن الطفل المسلم في مقبرة اليهود والتي تقع في الجانب الغربي من مدينة الحلة , فرفض أهالي المحلة ذلك وأختلف الطرفان فكان حل المشكلة من قبل الشيخ محمد سماكة وكيل السيد (أبو الحسن الأصفهاني) في الحلة قائلاً:" بأن الطفل مسلم لأنهُ لم يبلغ الحلم ولم يعلن ارتداده وعليه يدفن الصبي في مقبرة (مشهد الشمس), فوافق الطرفين لاعتقاد اليهود إن النبي يوشع ردت إليه الشمس في هذا المكان"(9).
وهنالك تبادل الاحترام بين أبناء الطائفة اليهودية لأبناء الحلة من المسلمين فعند جلوس أبناء هذه الطائفة في المقاهي العامة وأراد تناول فنجان قهوة من صاحب المقهى فيجلب اليهودي الحلّي معهُ فنجان القهوة الخاص به , إن كان من محتسيها فيشرب ويعيد الفنجان إلى جيبه , وقد اتبعت هذه الطريقة حتى في مناسبات إقامة الفاتحة لأبناء المحلة من المسلمين , وقد شارك يهود الحلة إخوانهم المسلمين بجميع مناسباتهم كمشاركتهم في أيام محرم رجالاً ونساء , بعض النسوة يشاركنً في تعازي عاشوراء مع بيوت المحلة ليوم استشهاد سيدنا الحسين (ع), ويذكر الأستاذ فلاح أمين الرهيمي إن" اليهودية ( غزالة) التي كانت تشارك النسوة الحليَات في المآتم الحسينية التي تقام في مدينة الحلة خلال أربعينات القرن الماضي , إضافة إلى قيامها بمداواة الأطفال المرضى من ( رمد العين) دون أخذها أجرة عن ذلك"(10).
أما في مجال التعليم فكانت أول المدارس التي فتحت في الحلة عام1890 ,فقد فتحت مدرستين في لواء الحلة الأولى مدرسة(مدراش) في مركز الحلة والثانية في ناحية الكفل لأبناء الطائفة اليهودية , كانت تعلم التلمود والقراءة والكتابة باللغات العربية والعبرية والفرنسية والانكليزية إضافة للغة التركية , وكانت تعتمد على تمويلها من خلال التبرعات من أثرياء يهود الحلة الذين يقومون بزيارة المعبد ومرقد ذو الكفل وفي المناسبات الدينية و وقد بلغ عدد طلبتها حوالي (40) طالب , وكان من الشخصيات المعروفة التي تخرجت من هذه المدارس الأديب أنور شاؤول والدكتور أحمد سوسة وحبيب بيك آل عبد الجليل, وقد فتح أحد أعضاء البعثة التبشيرية عام 1910 التي أرسلها رئيس الأساقفة(كنتر بيري) مدرسة أخرى في مركز مدينة الحلة (مكان الاتصالات الحالية) وكان يطلق عليها ( الأسكول) وأول مدير لها مسيو(تهامة) وقد بلغ عدد طلابها (175) طالباً و"من أشهر مدرائها (نسيم ملول) وقد تعلم على يد بعض معلميها أحد رجالات الجيش البريطاني اللغة العربية وهو الطبيب (سندرسن باشا) فقد اجتاز اختبار اللغة العربية الذي أجرتهُ سلطات الانتداب البريطاني ليصبح الطبيب الخاص للملك فيصل الأول"(11).
أما في مجال التجارة في مدينة الحلة فقد بدأ عمل ابتدأت من الفئات الدنيا المتمثلة بالصبية الذين يبيعون الحاجيات على الرفوف المعلقة في رقابهم مروراً بالحلقات الوسطى للتجارة بين مدينة الحلة وباقي المدن العراقية والأرياف , "ثم الوصول إلى الحلقات الكبرى في التجارة الدولية من استيراد وتصدير بين العراق والدول الأخرى عبر الشركات التي أصبح اليهود وكلائها المعتمدين على ما تعلموا من لغات في مدارسهم الخاصة "(12),فضلاً عن امتلاكهم لرأس المال وروابطهم الحميمية وتبادل المعلومات والخبرات فيما بينهم في ميدان التجارة والصيرفة حتى أصبحوا مستوردين للبضائع من الهند وبريطانيا مباشرة ودون وساطة للتجار البريطانيين ,كما دخلوا مجال تصدير الحبوب والتمور ," حيث استخدموا طريقة المقايضة مع الفلاحين حاملين المواد الاستهلاكية على حيواناتهم من (الصابون والأقمشة وبعض الأواني المنزلية ) مقابل حصولهم على الحبوب من الحنطة والشعير ويعودون مساءاً محملين بما يحصلون علية في ذلك اليوم "(13) ليتم عرضهُ في محلاتهم للبيع, وقد اشتهر بهذه التجارة "(خضوري اليهودي) صاحب محل لبيع المواد الغذائية في سوق اليهود في مدينة الحلة (حالياً سوق الدجاج) , كان يبيع المواد بربح بسيط لكسب الزبائن والبيع الكثير ومثال ذلك عام1937 كان سعر ربع كيلو الشاي الاسطنبولي بـ"(15) فلس للمفرد فكان العطار اليهودي يبيعه بسعر الجملة(12) فلس ولكن العطار اليهودي كان يستفاد من بيع الكيس والصندوق الفارغين ب(10) فلوس ومبيعاته الكبيرة كان يربح أكثر.
أما في مجال تجارة الأقمشة فكان من أشهرهم في لواء الحلة "(خضوري وصبري اليهودي ومنشي شنشول والياهو دالي) الذين سيطروا على تجارة بيع الأقمشة في الأسواق التجارية في عموم لواء الحلة فكان البزاز عام 1937 يبيع ذراع القماش بـ(20) فلس للمفرد والبزاز اليهودي يبيعهُ ب(15) فلس , إذ كان الربح بوجود مستورد الأقمشة الرئيسي يهودياً بسبب تفاوت بيع أسعاره بين البزاز المسلم واليهودي من طائفته" (14).
وفي مجال تجارة الأدوية وفتح أول صيدلية في مدينة الحلة لصاحبها (سيمون الزاجي) من يهود الحلة عام1934والذي كان موقعها في محلة الجباويين, فقد كان يبيع الأدوية وتحضيرها للمواطنين ثم أغلقت عام1951 أثر تسفير صاحبها إلى فلسطين,كما "اشتهر الطبيبان اليهوديان(ضياء ماميش ويعقوب ناجي ويعقوب وذن ونسيم خضوري) فقد عملا في مستشفى الحلة الملكي,وفي مجال التمريض عملت (جوليت اليهودية وراشيل بنت ابراهيم وخاتون بنت ابراهيم)الواتي عملنً في مستشفى الحلة الملكية,ومن القابلات اليهوديات التي اشتهرت بالولادة في محلة المهدية مركز لواء الحلة(بدرية اليهودية) ثم عملت مساعدة للطبيب (يوسف جبور) بعيادته الواقعة في بداية (عكد اليهود) عام1948 "(15) .أما في مجال طب الأعشاب فقد اشتهر (ابراهيم اليهودي) فقد زاول هذه المهنة في ناحية المدحتية حتى هاجر عام1950" (16), وهنالك أسرة "اشتهرت بمجال الاقراض والربا لمساعدة التجار في المساهمة في السوق العراقية مثل أسرة (شاهين وساسون معلم وشاؤول وراحيل وزبيدة وحوكي)"(17).
وفي مجال الصياغة فقد زاولها أبناء الطائفة اليهودية منذ القدم في لواء الحلة واشتهر بهذه المهنة عائلة (عزرا الياهو)وهو من العوائل اليهودية التي ذاع صيتها في الحلة , كما اشتهر في هذا المجال" (الياهو حسقيل وناجي اليهودي), حيث كانت صياغة الياهو تضرب المثل بين النساء وينسب إليه (ذهب الياهو), وكان الياهو من العوائل المنتمين لصفوف الحزب الشيوعي العراقي في لواء الحلة وكان من الناشطين السياسيين" (18).
أما في مجال الخياطة فقد اشتهر كل من ( صالح دنكور وأبو البير) وكذلك من النسوة (مسعودة ورجينة ونائلة ومارسيل وسيرح) ,والأخيرة كانت تعلم النساء الحليّات للخياطة إذ تعمل بعنوان(الصانعة) دون أجور .
وفي مجال التمثيل المسرحي فكان "من أوائل الرواد في هذا المجال الممثلة (فضة) والممثل(أبو صيون) عام1918وهم من الطائفة اليهودية ,حيث كانوا يديرون مسرحاً غنائياً في محلة السنية في مركز الحلة , فكانت مسرحياتهم من مشهد واحد"(19) , وكان التوجه الثقافي لمرحلة الانتداب البريطاني بسبب تعرض الثقافة في العراق إلى عملية الصهر والتوجه نحو الثقافة الأوروبية.كما اشتهر في جانب المحاماة وبرع فيها كل من(عزرا منشي كباي) و(أنور شاؤول) المولود في مدينة الحلة عام1904 وقد اشتهر في مجال الأدب وإصدار مجلة الحاصد الأسبوعية الأدبية عام1929 والمتخرج من كلية الحقوق-بغداد عام 1927ومارس المحاماة وتولى إدارة شركة التجارة المحدودة بين عامي1945-1960وكتب قصيدة بحق مدينة الحلة اسماها (مسرح الصبا):
يا ديارا حبها تيمني لك في قلبي غرام ابدي
وقصيدة عبر فيها عن عمق احترامه للإسلام من خلال هذه الأبيات الشعرية:
إن كنت من موسى قبست عقيدتي فأنا المقيم بظل دين أحمدِ
وسماحة الإسلام كانت موئلي وبلاغة القرآن كانت موردي

ولا ننسى دور أبناء هذه الطائفة في مشاريع الري فقد كان المهندس (سليم) الذي كان يعمل في دائرة ري الفرات الأوسط والمشرف على مشروع ري الخميسية عام 1947 المغذي لناحية المدحتية.
لقد عمل أبناء هذه الطائفة في جميع مجالات الحياة في لواء الحلة , وكان الانسجام بين أهالي الحلة وهذه الطائفة وليس هنالك حواجز دينية أو اجتماعية كما لهم الدور في الأنشطة السياسية من خلال انضمامهم إلى الأحزاب السياسية العراقية التي كانت تعمل في الساحة العراقية , وعندما "عقدت معاهدة عام 1930 لرسم العلاقات بين بريطانيا العراق التي قابلها الشعب العراقي بالرفض والتظاهرات الجماهيرية التي اشترك فيها أبناء الحلة بمختلف الطوائف والأديان ضد وزارة نوري السعيد أثناء جولة الملك فيصل الأول في منطقة الفرات الأوسط"(21).
ولكن حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 والمعروفة بحركة مايس, لقد أوجدت القلق بين أبناء الطائفة اليهودية في الحلة تمثل الصراع العربي الصهيوني في فلسطين , فقد كان من يؤيد الحركة الصهيونية موقفاً لتقسيم فلسطين وإقامة دولتين أحدهما عربية والأخرى يهودية , وبالمقابل نجد البعض الآخر أبناء الطائفة اليهودية على النقيض وذلك من خلال قرار تقسيم فلسطين عام1947 , "إذ نشر العديد منهم المقالات الصحفية السياسية التي تميزت بين اليهودية كديانة والصهيونية كمذهب سياسي , إذ أدان البعض من يهود الحلة الأساليب الصهيونية في إيجاد الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين ويحمّلون الاحتلال البريطاني على العراق وفلسطين مسؤولية تقسيم الأخير"(22) , وقد ساهموا في التظاهرات التي طالت لواء الحلة يوم 3 تشرين الأول عام1947 وأغلقت المحال التجارية والأسواق والمقاهي من قبل كافة الحليين من المسلمين واليهود.
لقد انتشر الفكر الشيوعي في أغلب مدن العراق الرئيسية مثل البصرة والعمارة والديوانية ومنها مدينة الحلة وتكونت أول خلية شيوعية في مدينة الحلة ومن المنتمين لهذه الخلية من أبناء الحلة اليهودي ( موشي) الذي كان يعمل خياطاً للرجال والنساء في مدينة الحلة وبحكم عمله كان يؤثر في زبائنه الذين يأتون إليه (23).
أما "الأعضاء من الطائفة اليهودية من مدينة الحلة في اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي , فكانت تظم كل من (نعيم صالح ويوسف نسيم أبو زنة وداود الياهو)"(24) وهم من أصحاب محال تجارية من سكنة (عكد اليهود) والذين كان لهم دور كبير في كسب أبناء الأقلية اليهودية في الحلة إلى تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي إضافة إلى "انتماء( الياهو الصائغ) الذي شارك في أنشطة الحزب وقد اعتقل فيما بعد بتهمة انتمائه للحزب و أودع في سجن الحلة"(25), كما انتمى بعض أبناء الطائفة اليهودية إلى بقية الأحزاب السياسية أمثال حزب الأحرار برئاسة سعد صالح جريو الذي كان متصرفاً للواء الحلة وكذلك انتمائهم للأحزاب السياسية الأخرى كحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي وجماعة الأهالي أمثال (يوسف إسرائيل وسليم خضوري وهير شالوم).
لقد اهتم أبناء هذه الطائفة بالتطلعات السياسية للعراق ومشاركتهم الأحزاب السياسية للتعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية إزاء الأوضاع التي يمر بها العراق آنذاك "ولحين قيام الدولة العراقية بإسقاط الجنسية العراقية عام 1950 عن أبناء الطائفة لمن يرغب السفر لفلسطين , فقد بلغ عدد اليهود ممن أسقطت الجنسية العراقية في لواء الحلة (2201) وعدد البالغين منهم (1161) أما عدد القاصرين (1040)" (26) , وبلغ عدد "اليهود العراقيين المهاجرين إلى فلسطين في نهاية عام1951 (121512) يهودي" (27) , حيث هاجر معظم أبناء الأقلية اليهودية العراقية متوجهين إلى فلسطين وأغلبهم من التجار والملاكين وذوي الدخل المحدود وهي عبارة عن هجرة عوائل بأكملها تاركين ديارهم وملاعب الصبا والشباب وذكريات مدينتهم الذين تربوا فيها وأملاكهم وأعمالهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق – د.أحمد سوسة ص125
2- مشاهدات نيبور في رحلة من البصرة إلى الحلة – كارستن نيبور ص88-89
3- الدور الاقتصادي لليهود في العراق(1920-1952)م-احمد عبد القادر القيسي ص9
4- نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق -يوسف رزق الله غنيمة ص209
5- قصة حياتي في وادي الرافدين – أنور شاؤول ص24
6- الحلة بين العشق والانتماء ج1 –جعفر هجول ص47
7- مجلة المصباح العدد102 في 17-11- 1926
8- الكتاب المقدس – سفر التثنية 21- 170
9- مقابله مع الأستاذ فلاح أمين الرهيمي تموز2011
10-مقابله مع الأستاذ فلاح أمين الرهيمي تموز2011
11- يهود العراق –تأريخهم وأحوالهم وهجراتهم – يعقوب يوسف كورية ص237
12-الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية –الكتاب لأول –حنا بطاطو ص380
13الطائفة اليهودية والنشاط الاقتصادي –صباح عبد الرحمن ص53
14-الطائفة اليهودية والنشاط الاقتصادي –صباح عبد الرحمانص65
15- تاريخ الديوانية قديما وحديثاً –وداي العطية ص310
16-الدرة البهية – عبد الرضا عوض ص158
17- خطط الحلة – خليل إبراهيم نوري ص33
18- تاريخ الأحزاب والجمعيات السياسية –عامر جابر تاج الدينصص353
19-المسرح في الحلة البدايات –محمد حسين المرعب ص28
20- تاريخ الصناعات والحرف –عبد الرضا عوض ص181
21- الموسوعة السياسية – عبد الوهاب كلبالي ص416
22- اليهود والمواطنة العراقية – د. كاظم حبيب ص160



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية
- عزيز الحاج ورحلة مع تحولات مفصلية
- الشهيد باسل الطائي(أبو تغريد)...مفخرة مدينة الحلة
- الأنشطة الاقتصادية ليهود العراق
- آهرون ساسون معلم ودوره في تأسيس الجمعيات الصهيونية في العراق
- حسن سريع وملحمة الانتفاضة ونهار القمع الوحشي
- الفنان التشكيلي كريم العامري الباحث في أعماق الخراب
- تجليات مفترضة .. المعرض الشخصي للفنان التشكيلي ناصر سماري
- دور اليهود العراقيين في نشأة المؤسسات المصرفية في العراق
- نقرة السلمان.. أوراق لمذكرات سجين سياسي عراقي
- حسن سريع وملحمة الانتفاضة ....ونهار القمع الوحشي
- الفنان التشكيلي كامل حسين بين جمالية اللوحة والذائقة الفنية ...
- الشاعرة المغتربة وفاء عبد الرزاق في البيت الثقافي في بابل
- محنة اللون في المعرض الشخصي الثالث للفنان التشكيلي طاهر حبيب
- مناهج التعليم المهني ..الفرع التجاري بين الواقع والطموح
- الغور في الشكل وفتح حدوده (معرض غير شخصي) ... المعرض الحادي ...
- قراءة في كتاب (قطار العمر ) سيرة المناضل حكمت محمد فرحان
- الرحلة الفوتوغرافية للفنان كرار الطائي
- قراءة في كتاب محمد شرارة من الإيمان إلى الفكر الحر لكاتبة بل ...
- حسين الرحال رائد الفكر الماركسي في العراق


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل عبد الأمير الربيعي - يهود الحلة ...تأريخهم وعلاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية