أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (4)















المزيد.....

المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (4)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3875 - 2012 / 10 / 9 - 10:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الأحداث الكبرى عادة ما تغري العقل النظري بالتأمل والمقارنة، وذلك لما فيها من طاقة قابلة للتجسد بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة. إضافة إلى ثقل الماضي وكمية الهزائم التي تعرضت لها الحركات الاجتماعية السياسية الكبرى في العالم العربي على امتداد قرن من الزمن، أي منذ أحداث الحرب الاستعمارية (الأوربية) الأولى عام 1914 وحتى عام 2011 في تونس.
غير أن ذلك لا يعني انعدام القيمة الفعلية لما مضى. كل ما في الأمر انه يشير إلى هيمنة فكرة الزمن وضمور فكرة التاريخ. لقد كان ذلك زمن التضحيات والتجارب السياسية الراديكالية والثورة المضادة والخنوع التافه ومختلف أصناف الرذيلة، التي أدت في نهاية المطاف إلى صعود وتصارع نخب سفيهة لا علاقة لها بالدولة والأمة. نخب عائلية وتقليدية من ملوك وأمراء لا حلم فيهم ولا مروءة، ونخب راديكالية مغامرة تحولت لاحقا إلى دكتاتورية فجة. وبالتالي لم يكن ماضي وجودها أكثر من زمن صراعها من اجل السلطة والثروة وفيما بينها، أي صراع بين ملكيات تقليدية خنوعة وجمهوريات مغامرة. الأمر الذي أدى إلى سحق الشرعية باسم الأعراف والتقاليد والرشوة و"الشرعية الثورية". وليس مصادفة أن يلتقيا في نهاية المطاف حتى في اشد حالات صراعهما الظاهري وعدائهم الشخصي.
وليس مصادفة أن يصبح "الحدث التونسي" مثيرا للعقل والوجدان، والشك واليقين، وان يتحول إلى كيان قابل للانعكاس اللغوي بكلمات الثورة والانتفاضة والتمرد والعصيان والانقلاب والهبّة الاجتماعية والاحتجاج المدني والهجوم الوطني العام وما شابه ذلك. لكنه من حيث مقدماته وأسلوبه وطبيعته وقواه وغايته كان يحتوي على كافة هذه الجوانب ويتعداها إلى مدى ابعد من حيث أنموذجه الفعلي، بوصفه انقلابا سياسيا كبيرا قابلا لمختلف الإمكانات. أما العبارات الواسعة الانتشار آنذاك، التي جرى خطها في مجرى الأحداث الدامية والدرامية مثل "أن المجتمع التونسي" قد كشف في ثورته عنه انه عقلاني وإنساني لأنه لم يرفع شعارا إسلاميا، ولم يهاجم أمريكا ولم يهاجم الصهاينة، فإننا نقف أمام رؤية معقدة، أي مليئة بالعقد الأيديولوجية المقلوبة! وعندما تجري الإشارة إلى أن أهل تونس كتبوا بالفرنسية عبارات (تعيش الثورة) كما لو أنه دليل على عدم الإسلامية وأنها تستعيد مآثر الثورة الفرنسية الكبرى، فإننا نقف أمام نفس العقدة النفسية الأيديولوجية والتأويل المفتعل والتقليد الفج. أن الشيء الجوهري والشعار الجوهري للثورة التونسية هو إسقاط الدكتاتورية. ودكتاتورية بن علي كانت مدعومة بصورة علنية وخفية من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسرائيل. وإسقاطها من الناحية الفعلية يعني رفع شعار إسقاط التدخل الأمريكي والفرنسي والصهيوني.
وبغض النظر عن كل هذه الأشياء الصغيرة، وعن كل ما حاط ويحيط وسوف يحيط نفسية وذهنية التأويل الأيديولوجية للحدث التونسي و"ثورة الربيع العربي" ككل، فأنهما يحتويان، حتى في حال اشد التوقعات سوداوية، على قيمة كبرى تجعل منه الحدث الأكبر للعالم العربي في بداية هذا القرن. الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان الحدث التونسي هو الحدث الذي يمكنه تأسيس بداية القرن العربي، أي تاريخه الخاص بالانتقال من نظام السلطة إلى نظام الدولة، ومن حكم العائلة إلى حكم القوى الاجتماعية الحية، ومن حكم القبيلة والمنطقة والجهة والإقليم إلى حكم النظام الاجتماعي الحقوقي، أي من مختلف نماذج البنية التقليدية إلى مشروع التأسيس الذاتي للنظام السياسي الفعال والشرعية.
انه الحدث الأولى في التاريخ العربي الحديث والمعاصر الذي ارتقى من حيث أسلوبه وغايته الأولية إلى مستوى الثورة الاجتماعية الكلاسيكية. وبالتالي، فانه الحدث التاريخي السياسي والاجتماعي الأول من نوعه في التاريخ العربي الحديث. وبالتالي، لا ينبغي أن يؤرخ له بسنوات القرن العشرين والحادي والعشرين. بل من الضروري التأريخ له بما يمكن دعوته بقرن التحولات الاجتماعية السياسية الحقيقية، أي التي جرت خارج مؤامرات الجيش والأمن والاستخبارات ومقامرات الأحزاب السياسية الضيقة. انه الحدث الذي يمكن رفعه إلى مصاف الحدث التأسيسي للقرن العربي الأول في تاريخه الحديث. وفي هذا كان يكمن مضمون وآمال الانقلاب التونسي بوصفه مشروع المستقبل.
فعندما نتأمل تاريخ الانقلابات الكبرى والصغرى العديدة التي جرت في العالم العربي، بما في ذلك في تونس، فإنها لم تتعد في أفضل أشكالها، أكثر من مؤامرات متنوعة الأشكال. الأمر الذي جعلها منذ البدء أسيرة الحصار والزوال، بوصفها مغامرات قوى هامشية أو مغامرة راديكالية. وليس مصادفة أن تتحول جميعها مع مرور الزمن إلى عصابات أحزاب وعائلات انساب وبالتالي إلى دكتاتوريات فجة. وبما أن هذه الظاهرة قد عمت العالم العربي ككل، فان ذلك يعني احتواءها على قدر من "الضرورة" لعل جذورها الكبرى تقوم في طبيعة الانقطاع التاريخي الذي مس العالم العربي بعد خروج اغلب مناطقه من عالم العثمانية المتهرئ، وتعثره في شباك السيطرة الكولونيالية والهيمنة الأوربية. من هنا تناسخ التقليدية القديمة والراديكاليات "المحدثة" بمختلف أشكالها وأيديولوجياتها في أصناف متنوعة من مسخ "الحداثة" المزيفة.
وليس مصادفة أن يؤدي هذا التصنيع الغريب لهذه الحالة الغريبة، إلى ما يمكن دعوته بسيادة الزمن وانتهاك التاريخ الفعلي، أي تاريخ بناء النفس بمعاييرها وتجاربها الذاتية. فإذا كانت معاناة "اليمين" تنحصر أساسا بأجهزة السلطات المتهرئة والتقليدية ودعايتها المشبعة بالمال والدم للحفاظ على الحالة الراكدة، فان معاناة "اليسار" السابقة والحالية عادة ما تتصف بمفارقة الخطاب الحماسي الداعم للانقلاب التونسي الكبير والهيام التائه في دهاليز الأيديولوجية والاغتراب الثقافي. وقد تكون الصيغ المتنوعة لإبراز "اختلاف" و"خلو" الثورة التونسية من "الإسلام" وأنها "لا إسلامية" وما شابه ذلك من صيغ وجدت منفذها العنيف في فكرة التمني "اليساري" الداعي لان تكون هذه الثورة ضربة قاصمة "للإسلام"! وليست هذه الصيغ المختلفة سوى التعبير النموذجي عن ضعف حصانة ورزانة العقل النقدي "اليساري" في التعامل مع الأحداث والمستقبل. كما أنها تحرف مسار التقييم الواقعي والعقلاني للأحداث والمشاريع المستقبلية. إن تقييم الحدث التونسي (ولاحقا كل مظاهر "الربيع العربي") من الناحية الواقعية والرمزية يفترض إدراك معناه الحقيقي، والقائم في مواجهته للاختلال الكبير في وجود وحياة الدولة والنظام السياسي والقيم. انه حدث تاريخي وفكري وسياسي وثقافي واجتماعي بحد ذاته. وبالتالي لا يحتاج إلى مضاف إليه بهيئة عدو أو صديق "إسلامي" او "غير إسلامي".
إن الحدث التونسي الذي أطق نسيم "الربيع العربي"، كان يتضمن من الناحية الرمزية والواقعية الرغبة الطبيعية في إرجاع طبيعة الأمور إلى طبائعها الأولية! فمن الناحية التاريخية والثقافية كان مسار السلطة في جميع دول العالم الحديث هو مجرد انهماك عنيف في عنف السلطة لتمرير برامج "الحداثة" المزيفة. من هنا لم تؤد من حيث الجوهر إلا إلى توسيع حالة الاغتراب والخراب. مما أدى في نهاية المطاف إلى ظهور ما يمكن دعوته بمرحلة الخمول الاجتماعي والسياسي، ومن ثم اضمحلال وتلاشي وعي الذات الاجتماعي والقومي. لهذا لم ينتج القرن العشرين في العالم العربي غير زمن الخراب (كما هو جلي في مصر والعراق وسوريا وليبيا وتونس والسودان واليمن وأمثالها). أما البلدان "الآمنة" التي حافظت على بنيتها التقليدية (الملوكية والسلطانية والأميرية)، فإنها في أمانها كانت وما تزال في الأغلب وليدة السبيكة الخربة للغش والخداع والجريمة المنظمة ضد المصالح الكبرى للوطنية والقومية. من هنا ضعفها البنيوي وهشاشتها الفعلية أمام الاستعمار القديم والجديد، كما هو جلي في ممالك وإمارات آل سعود، وآل خليفة، وآل حمد، وآل ثاني، وآل زايد، وآل الصباح، و"آل" قابوس، وآل هاشم، وآل علوي.
والحصيلة التي يمكن رؤية ملامحها الجلية بهذا الصدد هو انقسام العالم العربي بين قوى نزعت صوب التحرر فسارت ضمن سياق دكتاتوريات خشنة، وقوى ظلت "أمينة" لعبودية قديمة بعد أن جرى ترميمها بشراء أجساد الأفراد والجماعات والإبقاء عليها بوصفها ذرات سابحة في رمال الخداع الذاتي. وذلك لأنها بذاتها وكل انجازاتها من حيث الجوهر لا تتعدى أن تكون مجرد بهرجة وزيف، وتقليد وأعراف لا علاقة لها بالدولة الحديثة والمجتمع الحديث والمعنى الإنساني للوجود الفردي والاجتماعي والوطني والقومي.
وبغض النظر عن الخلافات بين هذه القوى المختلفة ظاهريا، فإن ما يجمعها هو تفريخ الزمن وتوسيع مدى الخلاف والاختلاف في كل شيء. ذلك يعني إنهما يشتركان في كونهما يعيشان في القرن العشرين والحادي والعشرين فقط، أي في زمن لا تاريخ فيه.
وإذا كان زمن القرن العشرين قد بلغ ذروته بعدد من الهزائم المشينة على كافة المستويات، فانه يشير من حيث الجوهر إلى أن العالم العربي مازال يعيش خارج التاريخ الفعلي، أي خارج مشاركته الفعالية في إنتاج نفسه وتقويمها مع ما يترتب عليه من تصنيع للتاريخ الذاتي والعالمي. أما القرن الحادي والعشرين، المليء بتناقضاته الخاصة، فانه أنتج لنا حالة الاحتلال الأمريكي للعراق، أي إعادة إنتاج بداية القرن العشرين والاحتلال الأوربي للعالم العربي.
وكما كانت الحالة في المرة الأولى من إجهاض "للثورة العربية"، فانه قام بإجهاض "الثورة العراقية" (المرة الأولى عام 1991 والثانية عام 2003). وبالتالي لم تكن الإطاحة بالدكتاتورية الصدامية جزء من تاريخ العراق، بقدر ما كانت جزء من تاريخ الإمبراطورية الأمريكية، وزمنا في المسار العراقي. وضمن هذا السياق يمكن النظر إلى الثورة العربية ومظاهرها التونسية والمصرية واليمنية والليبية والبحرينية واستمرارها، من الناحية النظرية والعملية، على انه ثأر من طراز نوعي جديد للثورة العربية المجهضة (وفي الحلة المعنية صيغتها الجزئية في العراق). وليس مصادفة أن تتحول هذه الدول قبل ثوراتها إلى مسارح "التضامن" مع "الشهيد صدام حسين". بينما تحولت دول الخليج إلى مصادر تمويل "المعارضة السنية!". غير أن مفارقة الظاهرة تقوم في أن تعويد الناس على "التضامن" بالآلاف يعني تدريبها على التجمع والاحتجاج ورفع الأصوات والأيادي، أي كل تلك المكونات الفنية الضرورية التي تتحول إلى قوة فعالية حالما يجري إشهارها وتوجيهها في مسارها الصحيح. وهو ما حدث في بداية عام 2011، بوصفها بداية عام تونسي وعربي فعلي. بحيث تحول من حيث رمزيته إلى الحدث الفعلي الأكبر في التاريخ العربي الحديث الذي يتطابق من حيث طاقته المستقبلية مع بداية القرن العربي الذاتي.
ذلك يعني، أن مضمون الحالة الواقعية للتاريخ الفعلي لم ولن يتغير ما لم يجر تغيير مساره. وليس مصادفة أن نقف الآن أيضا أمام نفس الحالة المحكومة بنفسية وذهنية المصالح الفجة الملازمة لجوهر الفكرة المناهضة لحقيقة الثورة، كما هو جلي في السياسية الاوروامريكية وتقاليدها العملية، في الموقف من "الربيع العربي". إذ لم يكن الدعم المادي والدعائي "للربيع العربي" سوى الأسلوب المناسب لإجهاض طاقته الذاتية، ومساره الذاتي، وإمكانياته الذاتية. فإذا كان الحدث التونسي والمصري واليمني قد جرى بصورة اقرب إلى البركان الهائج، أي غير المحسوب له في حساب الرؤية التخطيطية للغرب الاوروامريكي، فان الدعم المباشر والفعال والعنيف للثورة الليبية، هو الغطاء السياسي لفكرة وقوة "التدخل السريع" الأمريكية القديمة. بمعنى "التدخل الثوري" من اجل تحييد وحرف مسارها والتحكم بها عن بعد. وهو الأسلوب الذي جرت تطبيقه للمرة الأولى في ليبيا، ثم محاولة تطبيقه لاحقا بقوة اعنف واشد في سوريا. غير أن الأخيرة استفادت من التجربة الليبية وليس من تجارب الثورات العربية في تونس ومصر اليمن. بينما نرى الدعم الاوروامريكي المضاد للثورة البحرانية، مع أنها من بين أكثر الثورات العربية قوة ونموا وتطورا من حيث الأسلوب والغاية والقوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة فيها. والسبب يكمن في أنها تجسد مساع ورغبات وآمال ورؤية قوى لم ولن تقبل الدعم الاوروامريكي لأسباب عديدة، من هنا نرى الدعم المضاد للثورة، سواء من خلال دعم دول الخليج للنظام السياسي، أو التدخل السعودي العسكري المباشر، أو الصمت الإعلامي شبه المطلق عما يجري هناك. بعبارة أخرى، إننا نقف أمام ظاهرة احتواء الثورة الاجتماعية العربية بوصفها ثورة تتمتع من حيث إمكانياتها ومسارها التلقائي بقوة قومية وتحررية فعلية لاحقا.
فالثورات الكبرى كبيرة في كل شيء، بما في ذلك في هزائمها الأولية وتعرجاتها الملتوية ومآسيها وخرابها وتخريبها. وذلك لأنها تثير كل ما في كينونة الأمم لكي تدرجه في صيرورة وجودها المستقبلي. وتأمل تاريخ الثورات الكبرى في كل مكان يبرهن على أنها لا تكتمل ما لم تتكامل في مؤسسات هي التجسيد الفعلي لتاريخها الذاتي. ولا يحدث ذلك دون تراجعات وهزائم وتدمير ومآس هائلة. فالثورة الفرنسية الكبرى لم تتحول إلى مؤسسة تاريخية بالنسبة لوعي الذات الديمقراطي والحقوقي وفكرة الحرية والنظام الديناميكي إلا بعد مرورها بمراحل الثورة المضادة والرجوع صوب إمبراطورية نابليون وحروبه الداخلية والخارجية، ثم دكتاتوريات فجة صغيرة. وينطبق هذا في الواقع على تاريخ الثورات الكبرى جميعا. وذلك لان حقيقة الثورات الكبرى تتلازم بالضرورة مع معنى الرجوع إلى حقائق الأشياء، أي إلى معنى الأصول المتراكمة في وعي الذات التاريخي والقومي بوصفه وعيا ذاتيا. مع ما يلازم ذلك بالضرورة، فعل التحرر من حالة الوجود بهيئة أداة واعية او غير واعية في ألعاب العقل الماكر أيا كان شكله ومصدره ومستواه وهيئته. إذ حتى للأسماء مكرها الخاص! فقد أراد زين العابدين بن علي الاستهزاء بتاريخ الثورة الروحية العربية والإسلامية التي جسّدها زين العابدين الفعلي، كما أصدمت الوعي العراقي محاولات صدام للانتماء إلى الحسين (بن علي)! وفيما لو نحينا جانبا اثر التأويل المحتمل في هذه المقارنات، فان للكلمات منطقها وأثرها في التاريخ الفعلي للأمم. فرئيس الدولة ينبغي أن يكون رأسا لا ذيلا. والوزير من يؤازر الناس والأحداث وييسر أعمالها وليس من يعسر نومها ويقظتها!
بينما وقفنا ونقف في حال الدكتاتورية الصدامية والزينية والحسناوية والصالحية والقذافية على انقلاب غريب وتطبيق عجيب لحقيقة الأسماء ومعانيها. فزين العابدين بن علي لا زين فيه ولا علو، بل على العكس انه نموذج للفاسقين والسافلين، وعلي صالح لا علو فيه ولا صلاح، بل على العكس انه نموذج للدنو والفساد، وحسني مبارك لا حسنة فيه ولا بركة، بل على العكس انه نموذج للقبح والنقمة، أما معمر القذافي فانه لا عمران فيه. على العكس انه تجسيد تام للتخريب الذي قذف بليبيا إلى هاوية الجنون والخراب. وقد يكون صدام هو الوحيد الذي يتطابق اسمه مع شخصه وشخصيته، بمعنى صدمه العراق بأوجاع مميتة. لهذا أطلق العراقيون عليه اسم هدّام! أما الملوك والأمراء فأنهم خارج هذه المعادلات لسبب بسيط وهو أنهم خارج معادلات الوجود والتاريخ الفعلي للكينونة العربية.
إن هذا الانقلاب في الأسماء ومعانيها يشير إلى الحقيقة القائلة، بأن السير ضد حقائق الأشياء وأصول التاريخ الذاتي يؤدي بالضرورة إلى الهلاك. وليس مصادفة أن تمتلك فكرة الاسم ومعناه أهمية كبيرة في تاريخ الروح الإنساني. فاسم المرء يلزمه، تماما كما أن الأصول تؤصّل للفرد وتجبره على الرجوع إليها. فهي ليست أصول طبيعية، بل وماوراطبيعية أيضا. وذلك لأنها تحتوي على قدرة الامتحان الفردي والتاريخي بوصفها قدرا! وليس مصادفة أن تظهر في تاريخ الحكمة الشرقية (الصينية) مدرسة تعديل الأسماء، بوصفها إحدى المدارس الفلسفية الكبرى. بمعنى إرجاع معنى الكلمات إلى أصولها وإلزام المرء بالعمل بما فيها. فالرئيس من الرأس والأب من الأبوة وهكذا دواليك. ولكل منهما معناه وقيمته ووظيفته. والشيء نفسه يمكن قوله عن تاريخ الثقافية العربية الإسلامية. فقد ادخل النبي محمد فكرة الاسم والمعنى. وأزال لهذا السبب كل ما يمكنه أن يبقي على الإنسان في مستوى الحيوان غير العاقل والبهيمة. ولم يكن ذلك تعاليا على عالم الحيوان، بقدر ما يشير إلى أن الإنسان ينبغي أن يكون إنسانا أي أنيسا ومؤنسا بما فيه وبين بني جنسه. وبالتالي أراد إلزام المرء بالبقاء ضمن تقاليد الأسلاف والفناء في عوالم الحياة الفردية بوصفها قدره وقدرته.
بعبارة أخرى، إن إرجاع حقائق الأشياء إلى أصولها بالنسبة للعالم العربي تعني الرجوع إلى أصوله الذاتية، أي إرساءه على أساس معاناته الذاتية وإبداعه الخاص. بمعنى النظر والعمل بمعايير التاريخ الذاتي بوصفه صيرورة لقدره، أي لقدرته الخاصة. وضمن هذا السياق لم تكن نوعية وكمية المآسي الحالية سوى النتيجة المحتومة للصراع الفعلي بين زمن ماض لا قيمة له يعيش بفاتورة الهزيمة، وتاريخ مستقبلي يتمثل معنى وحقيقة العزيمة. لاسيما وان التطور والارتقاء الفعلي للأمم وثقافتها وحضاراتها هو على الدوام صراع بين الزمن والتاريخ، أي بين ما هو سار بذاته، وتكرار لا جديد فيه، ويقين لا شك فيه، وجمود بلا بدائل، وبين تاريخ متراكم بمعايير التجارب الحية للجهود الذاتية واجتهادها في مسار الحرية والبدائل الإنسانية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (3)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (2)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (1)
- أعلام المسلمين في روسيا (3)
- أعلام المسلمين في روسيا (2)
- أعلام المسلمين في روسيا
- الاستشراق والاستعراب الروسي (6-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (5- 6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (4-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (3-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (2- 6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (1-6)
- منهج الشهرستاني في الموقف من الأديان
- النقد الظاهري للدين النصراني عند ابن حزم
- النقد الظاهري للدين اليهودي عند ابن حزم
- النقد الاشعري للأديان في الثقافة الإسلامية
- النقد المعتزلي للأديان في الثقافة الإسلامية
- التقاليد الإسلامية العامة في نقد الأديان
- نقد الأديان والبحث عن الوحدانية في الثقافة الإسلامية
- فلسفة الإيمان عند الغزالي (2-2)


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (4)