أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال الدين أحمد عزام - رؤية














المزيد.....

رؤية


جمال الدين أحمد عزام

الحوار المتمدن-العدد: 3872 - 2012 / 10 / 6 - 15:52
المحور: الادب والفن
    



جالسة على الأريكة لصق النافذة المفتوحة على عينيها الواسعتين الجميلتين و وجهها الأبيض الناعم و الشعر الأسود الململم خلف الرأس. الجسد مقارب بجانبه الأيمن للجدار تحت حلق النافذة، الساعدان مستقران حتى الكوعين فوق الإفريز، الذقن مرتكزة على ظهر اليد اليمنى المطبقة على ظهر اليسرى، الساقان مختبئتان تحت الثوب الأبيض إلا من قدمها اليسرى التي تدلت عند طرف الأريكة. أرقبها و هي تحتضن النافذة و قد أزاح جسدها الستار الأبيض و النور الباهت ملقى على الوجه الجميل. لا أستطيع رؤية ما تراه، أرقبها و أنا جالسة من جانب في الغرفة بعد عودتي من العمل و هي تنتظرني من الظهيرة لنتغدى سويا، يعجبني أن أرى وجهها من جانبه الأيسر و أخمن من انفعالات الوجه ما ترى. لا أعرف إن كانت تشعر بوجودي و مراقبتي لها، و لكن يبدو لي اندماجها الشديد في تأملاتها.
تتحرك العينان، تروحان و تجيئان، تضيق الحدقتان و تتسعان، تحملقان فيما لا أرى. تبتسم العين اليسرى و ترتفع الوجنة أسفلها، تتبدى الغمازة و تنفرج الشفتين. خمنتُ، ربما رأت عصفورا صغيرا يتقافز فوق أغصان شجرة قريبة تتبدى عروق أوراقها الخضر و قد تذهبت أطرافها تحت إلحاح شمس المساء. تزداد الابتسامة صفاء، فواصلت تخميناتي، ربما يغزل عشه و يغرد بنغمته السرية التي لا يسمعها سواها.
تنبسط الملامح، تمتد العينان إلى الأشياء التي لا أراها، ترنوان في صمت ثم تحدقان فيما أجهل. يبش الوجه و يشرق على الجبهة نور الابتسامة. ربما ترى الآن عاشقين في قلب القرص البرتقالي يحتضنان كفيهما في دفء. تمد ناظريها أكثر فتنحسر الابتسامة قليلا و ترتعش الغمازة تبديا و اختفاء و هي ربما تحاول تبين ملامحهما، فيقول الوجه أنها لا تستطيع، ربما استسلمت كما يبدو على الوجه الباش و اكتفت برؤية شبحيهما الرماديين هناك بعيدا. تزيح شعرها بيمناها و تمرره خلف أذنها اليسرى الظاهرة لي ثم تعاود وضع اليد تحت الذقن و قد ازدادت حرارة الاحتضان للنافذة، هل ربما تحاول سماع همساتهما، و لكن يخيل إلي أنها تراجعت عن إرهاف سمعها و اكتفت بابتسامة وداع حتى لا تجرح سرهما الجميل.
تعود العينان للبحث و التنقيب. يرتفع الحاجبان، ترتعش الأهداب الطويلة، يتهلل الوجه فتبرز ضواحكها المصقولة، تكاد تتحول ابتسامتها إلى ضحكة. ربما رأتها تداعبه، ترفعه بذراعيها و هي مستلقية على النجيل الأخضر، تدغدغ الصغير فيضحك ضحكات تسمعها و لا أسمعها، تضمه الأم لصدرها، تقبله، تعاود رفعه فيضحك ضحكته الصغيرة و تضحك الأم ضحكة كبيرة، فترتسم الضحكات بشقاوة على وجهها الغارق في لحظة تأملها لهما.
هدأت الملامح، اختفت حدود القسمات و تركزت العينان ربما على الأفق البعيد، و تحول الوجه إلى ثمل وله في حضرة الجمال. تنشّقَتْ الهواء المنعش بأنفها الرقيق و قد اقتربنا من المغيب و بدا الجلال على وجهها ربما لجلال ما ترى. ربما ترى سحابات محمرة بحمرة الشفق تناثرت بعرض الأفق تعلوها تدرجات البرتقالي و الأصفر حتى تصل إلى سحابات بيض اتشحت بها السماء كسحبات فرشاة رسام على صفحة من الزرقة. أحسستُ في وجهها المودع رقة المفارق لنهار يرحل و حنين الآمل في نهار جديد.
خفت النور النافذ إلى وجهها أكثر و أكثر ليضيء نور وجهها المغسول بنعيم المرائي الرائعة. جاء الصوت من الداخل، نادت علينا أمي..هيا يا بنات جاء موعد الغداء. انتبهنا أنا و أختي و خرجنا كلتانا من فردوس التأملات، رفعَت ذقنها، ابتعد صدرها عن الإفريز، التفتت بجسدها فعاودت الستارة تغطية النافذة، وضعت قدميها في الشبشب دون أن تنظر أسفلها ، نهضَتْ فنهضتُ و اقتربتُ منها و هي تمد ذراعيها أمامها و عيناها الجميلتان تدوران في عبث و تحملقان في الخواء بينما تخطو قدميها بإشفاق لتتحسس طريقها. أمسكتُ بها فابتسمَتْ و مضينا أقتادها إلى المائدة في غرفة السفرة. تركنا النافذة خلفنا مفتوحة، هب هواء فأزاح الستار كاشفا عن حائط شاهق يكاد يلاصقها مبني من الطوب الأحمر.
تمت



#جمال_الدين_أحمد_عزام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زاد الرحلة
- الفنار
- الثورة و الثورية و الثوار


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال الدين أحمد عزام - رؤية