أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سامح محمد إسماعيل - يونيو 1967م .....الطريق إلى الهزيمة















المزيد.....



يونيو 1967م .....الطريق إلى الهزيمة


سامح محمد إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3872 - 2012 / 10 / 6 - 09:19
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في الساعات الأولى من صباح الخامس من يونيو 1967م وجهت القوات الجوية الإسرائيلية ضربة خاطفة على كافة القطاعات ، أعقبتها بهجوم بري على شتى المحاور ، ولم يخف على أحد أن إسرائيل هي التي بدأت بالهجوم.
قامت الطائرات الإسرائيلية من طراز ميراج ومستير بقصف جميع المطارات المصرية ، وتدمير نحو ثلثي طائرات القتال المصرية الأربعمائة وهي جاثمة على الأرض ، وفي نفس الوقت تم قصف جميع القواعد الجوية في الأردن وسوريا والعراق ، فتحقق لإسرائيل السيادة الجوية المطلقة ، لتبدأ بعد ذلك حرب برية خاطفة.
وقد قطع راديو القاهرة إذاعته في حوالي التاسعة والنصف صباحًا ليعلن أن إسرائيل بدأت تهاجم الجمهورية العربية المتحدة التي تصدت للعدو ، وأن العدوان الإسرائيلي بدأ بهجوم جوي مكثف على القاهرة وأنحاء البلاد ، وناشد الراديو أخوة الحرب في سوريا والأردن أن يزحفوا على إسرائيل ، ثم أذاع الراديو في وقت لاحق أن الجيـش العربـي الموحـد قد بدأ زحفه على إسرائيل من دمشق وعمان وبغداد إلى مكان الالتقاء في "تل أبيب" !! وتواصلت البلاغات العسكرية التي أكدت تفوق الجانب العربي على نظيره المعتدي.
وفي نفس الوقت أعلن الرئيس السوري "نور الدين الأتاسي أن الشعب العربي قد ألقى بثقله في المعركة الفاصلة، ووضع الجيش العربي السوري كل قواه الضاربة في لهيب المعركة وان الطائرات السورية تدمر منشآت العدو ومدنه وأن جيش بلاده في طريقه لتحرير الأرض المغتصبة.
وفي المقابل أعلن "أشكول" أمام الكنيست في 5يونيو أن الطيران الإسرائيلي يخوض معارك جوية ضارية في مواجهة سلاح الجو في كل من مصر وسوريا والأردن وأن القوات الإسرائيلية البرية ترد منذ الصباح حربًا ضروسًا ضد الجيش المصري المعتدي – على حد زعمه – وأن المعارك تدور في سيناء خلف حدود إسرائيل ، واتهم "أشكول" الأردن وسوريا ببدء الهجوم ، وأن القوات الأردنية بدأت إطلاق النار في القدس فقام جيش الدفاع بعمليات مضادة لصد العدوان.وهو ما يعكس ذكاءًا سياسيًا ، وحذرًا في الإفصاح عن أي معلومات تؤكد تفوق الجيش الإسرائيلي الذي حسم المعركة منذ الساعات الأولى ؛ تلافيًا لأي ضغط دولي ، وتخديرًا للأمة العربية الغارقة حتى الثمالة في سيل الأكاذيب التي أخذت تتدفق من راديو القاهرة ودمشق وعمان وغيرها .
وعلى الصعيد الدبلوماسي بعث مندوب مصر في الأمم المتحدة "محمد القوني" برسالة إلى رئيس مجلس الأمن يخطره بأن إسرائيل قد بدأت بالعدوان ، وأنها هاجمت قطاع غزة وسيناء ، والمطارات المصرية ، وأن الجمهورية العربية المتحدة ستستخدم حقها المشروع وفقًا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن نفسها بكل الوسائل الممكنة.
كانت الضربة الجوية الإسرائيلية ساحقة ومكثفة ، حيث دمرت مئات الطائرات ومواقع الصواريخ في الجمهورية العربية المتحدة ، مما أضاف ميزة هائلة للقوات البرية الإسرائيلية التي أصبح بوسعها أن تعمل بمساعدة الطيران ، بينما كانت القوات المصرية في سيناء مكشوفة بلا غطاء جوي يحميها.حيث دمرت الطائرات بشكل شبه تام في الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والأردن في الضربة الجوية الأولى وهى رابضة في الممرات والمطارات ، وبدأ التردي على كافة الجبهات العربية إيذانًا بانتكاسة عسكرية لا مثيل لها منذ نكبة 1948م .
وبعد ساعات من اندلاع القتال كان "عبد الناصر" في غرفة عمليات القوات المسلحة يتابع عناصر المأساة بنفسه ، حيث ظل المشير لفترة يتلاشي الحديث مع الرئيس الذي توجه بنفسه إلى غرفة العمليات بعدما فشل في الحصول على تقرير عن حجم خسائر الضربة الإسرائيلية الأولى ، إضافة إلى عدم اقتناعه بما ورد عن خسائر الطائرات الإسرائيلية ، وما إن وصلته المعلومات الكاملة عن حجم الخسائر المصرية حتى اكتشف هول الكارثة التي حاقت بالطائرات المصرية ، وأدرك كذلك أن القوات البرية المقاتلة في الصحراء المكشوفة على موعد هي الأخرى مع كارثة جديدة .
ولم تكن واشنطن" بعيدة عن كل هذا ، حيث نفذت طائرات الاستكشاف الأمريكية من طراز RF -4C عدة طلعات استكشافية فوق الأراضي العربية منذ صباح الخامس من يونيو وحتى الثاني عشر منه.
وعقب اندلاع المعارك أعلن وزير الخارجية الأمريكي دين راسك في بيان رسمي أن بلاده ليس لها قوات عسكرية متورطة في الصراع الدائر في الشرق الأوسط ، وأنها سوف تبذل بالتعاون مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن أقصى جهد لوقف القتال وتحقيق السلام في المنطقة.
وفي مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة سعت الولايات المتحدة إلى إطالته الحرب إلي أقصى مدى ، حتى تتمكن إسرائيل من بسط سيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي العربية ، وأرادت أن يخرج أي قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار دون أن يدعو إلى انسحاب القوات المعتدية إلى ما وراء حدود الرابع من يونيو 1967م .
وقد شن مندوب يوغسلافيا في الأمم المتحدة "دانيلو ليكتش" Danilo Lekic هجومًا على إسرائيل ، متهمًا إياها ببدء العدوان ، وحملها المسئولية كاملة عما آلت إليه الأمور مطالبًا بتدخل حاسم للمجتمع الدولي. وفي محاولة للضغط على الولايات المتحدة أغلقت القاهرة قناة السويس في وجه الملاحة الأمريكية والبريطانية ، حيث اتهمت الدولتان بتوفير المظلة الجوية للقوات الإسرائيلية المعتدية.
وفي6 يونيو أعلنت القيادة العليا للقوات المسلحة البيان التالي " تعلن القيادة العليا للقوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة أنه ثبت لديها الآن بطريقة كاملة أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مشتركتان في العدوان العسكري الإسرائيلي بالنسبة للأعمال الجوية. ولقد تأكد تماماً أن بعض حاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية تقوم بنشاط واسع في مساعدة إسرائيل ، وبالنسبة للجبهة المصرية فإن الطائرات الأمريكية والبريطانية قامت بعمل مظلة جوية فوق إسرائيل. وأما فيما يتعلق بالجبهة الأردنية، فإن هذه الطائرات تقوم بدور فعلي في العمليات ضد القوات الأردنية. وذلك ما أثبتته شبكات الرادار الأردنية التي أظهرت بوضوح هذا النشاط الجوي المعاون لإسرائيل. ولقد اتصل الملك "حسين" ملك الأردن صباح أمس الباكر بالرئيس "جمال عبد الناصر" وأبلغه أنه الآن واثق من أن الطائرات الأمريكية والبريطانية تقوم بدور خطير في المعركة. وكان هذا يطابق المعلومات المتوفرة من الجبهة المصرية ، ولقد اتفق الملك والرئيس على أن هذا التطور الخطير لا بد من إعلانه إلى الأمة العربية كلها. ولا بد أن يترتب عليه ما يقتضيه من المواقف". وهو ما يمكن أن نسميه التمهيد لإعلان الهزيمة .
وقد نفى وزير الخارجية الأمريكي "دين راسك" تلك الاتهامات في رده على أحد الصحفيين يوم السادس من يونيو ، وأكد أنها ادعاءات كاذبة ، إلا أن القاهرة أصرت على وجود تورط عسكري أمريكي في الحرب الدائرة ، وأعلنت الخارجية المصرية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة في السادس من يونيو 1967م . وفي مساء نفس اليوم اتخذ مجلس الأمن قراره رقم 233 والذي طالب الجانبين بوقف إطلاق النار . دون أن يتضمن القرار دعوة لسحب القوات من الجانبين .
وتجلى الدور الذي لعبته الولايات المتحدة لشل حركة مجلس الأمن بوضوح في كلمة المندوب الأمريكي "جولدبرج" الذي أكد أن الحديث عن سحب القوات أمر سابق لأوانه ، ويمكن أن يتم بعد وقف إطلاق النار في إطار تسوية شاملة. كما أعرب الرئيس "جونسون" عن ترحيبه بالقرار 233، واعتبره خطوة أولى لتحقيق السلام في الشرق الأوسط من خلال وقف إطلاق النار .
كان الوضع العسكري قد بلغ حالة من الانهيار الكامل ، ولعل برقية الملك "حسين" إلى الرئيس "عبد الناصر" يوم 6يونيو توضح ما آل إليه الوضع على الجبهة الأردنية حيث جاء فيها :" أخي ،الوضع متدهور للغاية، القدس في وضع سيئ للغاية، نحن نفقد دباباتنا بمعدل واحدة كل عشر دقائق، بالإضافة إلى خسائرنا الجسيمة في الأرواح والمعدات في كافة الأماكن. إن العدو يركز على القوات العربية في بلدكم هذا بكل قواه، ونحن في الحقيقة نعتز بوقفتها فيه، أردنية وعراقية، تروي هذه الأرض الطاهرة بالدم الزكي وتخوض فيها معركة فيها من الاستماتة والشجاعة والعزم والتصميم، ما سوف ترويه الأجيال على مر السنين! على أننا في صمودنا هذا، يا أخي، نرى هدف العدو الرئيسي هذا البلد.. ضفته الغربية التي حملنا أمانة حفظها عربية منذ النكبة بكل أمانة وإخلاص بعد ابادة هذه القوات ، وبعد تدميرها، وتدميرنا جميعا. وهذا يتحقق مع الأسف نتيجة وجودنا دون دعم جوي، نتيجة صمودنا والتعرض للعدو منذ بداية الحركات وبكل قوانا، دون مساندة فعلية من ميمنتنا عسكريًا. أن لاستمرار هذا الوضع نتيجة واحدة، فقدانكم وأمة العرب لهذا المعقل ولقواتها فيه عن بكرة أبيها، بعد أروع ملحمة يسجلها تاريخنا بالدم ! وكذلك فمعنى هذا انتكاسة في المجهود الحربي العربي ، قد تقارب كونها كارثة ماحقة. أخي، أرجو أن أضع أمامك دقائق الموقف لتشاركني حمل أكبر مسؤولية واجهتها في عمري علمت أن الفريق أول "عبد المنعم رياض" قد أبرق لسيادتكم بهذا الموقف الآن ، فأرجو سرعة تقدير الوضع على ضوء ما ذكرناه وإياه وعسى الله أن يهدينا سواء السبيل. بالمناسبة اتصل بنا سفير الولايات المتحدة يحمل تأكيدًا قاطعًا بأنهم لم يكونوا على علم مسبق بنوايا العدو، وأنهم لا يملكون حاملات في المنطقة ، وأن طائرة واحدة أمريكية لم تشترك في المعركة، ولن تشترك. فوجدت أن يصلكم هذا مع دقائق الموقف كاملة لأرى رأيكم. وإلى أن يأتي، فنحن هنا نخوض معركة انتحارية، يؤلمني فيها أن أعيش لحظاتها وأرى نتاج سنين طويلة من الجهد في بناء قوات هذا البلد ، وهي قوات أمتنا العربية كلها، تدمر وهي تستبسل إلى النفس الأخير بشرف ورجولة. وإلى جانبها ومعها قوات الشقيقة العراق ، التي وقفت شأنها دائما معنا بكل طاقاتها وإمكاناتها في أرض المعركة. أرجو سرعة الإجابة فورا. وبالطبع لم تكن هناك أي إجابة ، فجلالته لم يكن يعرف أن الجيش المصري قد انهار هو الآخر منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب.
وفي غضون ذلك شهدت الجبهات العربية مزيدًا من التردي ، وأذاعت القيادة العليا للقوات المسلحة بالجمهورية العربية المتحدة عدة بلاغات عسكرية يوم الأربعاء 7 يونيو ، أعلنت فيها أن القوات المصرية قد أخلت بعض المواقع في خط الدفاع الأول في عملية تجميع للقوات إزاء نشاط العدو الجوي على الجبهة مدعمًا بقوى أجنبية ، وأن معارك شرسة تدور على خط الدفاع الثاني في سيناء ، وذكر بلاغ آخر أن القوات المتمركزة في شرم الشيخ قد انضمت إلى خط الدفاع الثاني. وفي تطور مؤسف تمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال القدس ، وأعلن ديان صيحته الشهيرة بتحرير القدس ، وتمت إزالة جميع الحواجز بين المدينة القديمة والقدس الغربية ، وإعلان توحيد القدس كمدينة واحدة تمهيدًا لجعلها عاصمة لدولة إسرائيل وقرر ديان – مأخوذا بنشوة الانتصار- استعادة كل أرض إسرائيل التاريخية على حد زعمه ، وضم جميع التلال المحيطة بالضفة الغربية ، وأمر بالعمل فورا على تهويد تلك المناطق من خلال زرع المستعمرات الصهيونية في أنحائها ، حيث خصص لتلك المستعمرات نحو ثلث مساحة الضفة الغربية ، وهو ما شرع إيجال ألون Yigal Allon في تنفيذه.
وفي السابع من يونيو صدر قرار مجلس الأمن رقم 234، يدعو من جديد لوقف إطلاق النار. وأبلغت الجمهورية العربية المتحدة الأمين العام بقبول وقف إطلاق النار اعتبارًا من مساء 8يونيو. وفي اليوم التالي 9يونيو أصدر المجلس قراره رقم 235 يدعو مجددًا لوقف فوري لإطلاق النار.
وفي تلك الآونة كان الجيش المصري الهائم على وجهه في صحراء سيناء يتعرض لأبشع هزيمة عسكرية في تاريخه ، ويعاني من تخبط قيادته التي أعطت أمرًا عشوائيًّا بالانسحاب ، وقد قتل الجيش الإسرائيلي عددًا كبيرًا من الأسرى ، وتعرض آخرون للتعذيب ، وترك الآلاف منهم ليموتوا في الصحراء جوعا وعطشا واحتراقا بالشمس ، كما رفضت القوات الإسرائيلية نقل الجرحى منهم إلى خطوط وقف إطلاق النار.
وفي التاسع من يونيو خرج "جمال عبد الناصر" ليعلن رسميًّا هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل ، وتحمله المسئولية كاملة عما آلت إليه الأمور ، وفاجأ الجميع بتنحيه عن الرئاسة لنائبه "زكريا محيي الدين" في مفاجأة من العيار الثقيل ، وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المنطقة.
وعلى الجبهة السورية كانت الأمور أسوأ حالاً ، وبات واضحًا منذ الساعات الأولى للمعارك أن الجيش السوري لم تعد لديه القدرة على التحرك ، واستمرت الأنشطة العسكرية الإسرائيلية حتى يوم العاشر من يونيو ، حيث تمت لها السيادة على مرتفعات الجولان ، وهنا تدخل الاتحاد السوفيتي وهدد بتدخل حاسم إذا لم توقف إسرائيل تقدمها نحو العاصمة السورية "دمشق" ، وكان الأسطول السادس الأمريكي مرابطًا في تلك الآونة أمام الساحل السوري.وربما أرادت إسرائيل تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الهجوم والتي تضمنت الاستيلاء على أهم المواقع الإستراتيجية العربية ، والتي كانت دمشق في مقدمتها ، وقد وضعت خطة لتنفيذ تلك العملية كشفت عهنا جريدة "لا تريبيون دي ناسيون " الفرنسية في الأول من سبتمبر 1967م ، وتضمنت استخدام غاز التوكسين القادر على إصابة الأعصاب بالشلل ، وتمتد فترة تأثيره لعدة ساعات تدخل خلالها الوحدات الضاربة للجيش الإسرائيلي المزودة بالأقنعة الخاصة وتحكم سيطرتها دون أي مقاومة.
وتلافيًا لموقف سوفيتي لم يُعمل له حساب ، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار على الجبهة السورية يوم 10 يونيو 1967م.بعدما حققت أكثر بكثير مما كانت ترمي إليه .
وفي بيان مقتضب أعلن فيه "حافظ الأسد" وزير الدفاع السوري ما جرى على الجبهة السورية هذا نصه :" خلال المعارك التي دارت بين قواتنا الباسلة وقوات العدوان الثلاثي الاستعماري الصهيوني الذي قامت به أميركا وبريطانيا وإسرائيل حاول العدو اختراق خطوطنا الدفاعية الأولى على طول الجبهة مرات متكررة بكل ما يملك من أسلحته المتنوعة بدباباته ومدفعيته وطيرانه الكثيف. وكانت قواتنا البطلة ترد تلك الهجمات وتسحقها وتدمر تجمعات العدو ومراكز انطلاقه وجميع مستعمراته الممتدة في المنطقة المحتلة المقابلة لمواقعنا الدفاعية الأولى ، ولقد قاتل جنودنا وضباطنا الأشاوس ببسالة وضراوة نادرة ، وصمدت أمام تفوق العدو الآثم وغارات طيرانه الكثيف المتلاحق بدون انقطاع والذي تأكد بشكل قاطع أنه لدول العدوان الثلاثي وليس لإسرائيل فقط. لقد دافع جيشنا عن كل قطعة من أرض الوطن خلال جميع المعارك الضارية المستمرة منذ بدء العدوان ولكن القوى غير المتكافئة بيننا وبين العدو الثلاثي وخاصة استخدام الطيران الغزير قد مكن العدو من اختراق خطوطنا الدفاعية الأولى في القطاع الشمالي محاولا تطويق القطاعات الأخرى ، وقد قاومت قطاعاتنا هذه الخطة بوعي وبطولة خارقة ودافعت عن كل شبر وتحت أقصى الظروف ولم تمكن العدو من إنجاح خطته. لقد قاتل جنودنا وضباطنا قوات العدوان الثلاثي المتفوقة بأسلحتها وطيرانها ببسالة لم يشهد لها مثيل ! واستشهدوا في الدفاع عن كل ذرة تراب من الوطن وهم يتمركزون الآن في خط الدفاع الثاني صامدين بكل إيمانهم غير المحدود بكرامة أمتهم ووطنهم متحفزين لاستعادة كل شبر من أرض الوطن ومقاومة جميع المخططات الاستعمارية الأمريكية البريطانية الإسرائيلية التي تهدف أولا وأخيرًا لحماية المصالح الاستعمارية بالوطن العربي ،والبيان في مجمله يمثل تبريرًا غير مستساغ لما حاق بالجيش السوري من هزيمة نكراء ، لم يعمل لها الساسة أي حساب .
وهكذا تلاقت تطلعات إسرائيل الاستعمارية ، ورغباتها التوسعية مع رغبة واشنطن في القضاء على "عبد الناصر" والقضاء على مشروعه القومي ، وأوكلت تلك المهمة إلى إسرائيل التي نفذتها بنجاح تام ، مستغلة حالة التخبط والعشوائية التي اتسم بها الساسة العرب ، والذين مضوا في طريق التصعيد كمن يسير نحو فخ محكم بكامل إرادته.
وبات واضحًا أن "عبد الناصر" قد خسر الرهان ، وقد خذله الجميع ، راهن على الاتحاد السوفيتي والذي كان موقفه خلال الأزمة هشًّا ، ولم يرق أبدًا لموقف "خرشوف" إبان "حرب السويس" عام 1956م ، وراهن على حشد القوى العربية من وراء مشروعه القومي ، لكن التضامن العربي كان شكليًّا كعادته ، وراهن على قدرة جيشه على صد الضربة الأولى ، ثم القيام بضربة مضادة ، فخذله قادته ، وربما كان انشغال "عبد الناصر" بالسياسة الخارجية ومشروعه القومي سببًا في تراخي المسئولين عن السياسة الداخلية ، مع انهيار الجيش من الداخل ، وافتقاده لقواعد النظام والحزم في ظل قادة استمروا في مناصبهم لفترات طويلة فأصابهم التراخي مما أدى في النهاية إلى كارثة 5 يونيو.
فبالنسبة للاتحاد السوفيتي اقتصر دوره أثناء الحرب على التحرك الدبلوماسي سعيًا لوقف إطلاق النار ، في محاولة للحصول على قرار ملزم من مجلس الأمن يدعو إلى سحب إسرائيل لقواتها العسكرية فورًا من الأراضي العربي. إلا أن الفيتو الأمريكي كان سيفًا مشهرًا أمام مشروع القرار السوفيتي.
وفي لقاء عاصف بين المشير "عامر" والسفير السوفيتي "بوجداييف" اتهم "عامر" الاتحاد السوفيتي بالتواطؤ مع الولايات المتحدة متسائلاً عن وعود الماريشال "جريتشكو" لـ"شمس بدران" بالتدخل في حال تدخل الولايات المتحدة ، فطلب "بوجداييف" معلومات موثقة ومؤكدة بوجود قوات أمريكية مشتركة في المعارك ، فأخبره "عامر" في ثورة أن "واشنطن" منحت إسرائيل أفضل ما عندها من سلاح في حين أن موسكو لم تمنح الجمهورية العربية المتحدة ما يوازي السلاح الأمريكي ، فقال له السفير السوفيتي إن سلاح بلاده يحارب بكفاءة في فيتنام ويتفوق على السلاح الأمريكي.
ويبدو أن القاهرة أصيبت بالصدمة من الموقف السوفيتي ، وتعكس تلك المقابلة بين "عبد الناصر" والسفير السوفيتي "بوجداييف" يوم 8يونيو ما آل إليه الموقف السوفيتي ، حيث نقل إليه رسالة من الرئيس "جونسون" ! يخطر فيها الجمهورية العربية المتحدة بأن قوات إسرائيلية قد هاجمت بطريق الخطأ سفينة أمريكية في شرق المتوسط ، وأن إسرائيل اعتذرت عن الحادث ، وبدا "عبد الناصر" منفعلاً وهو يؤكد للسفير السوفيتي أنه على القادة السوفيت أن يفهموا أنهم بهزيمة العرب هُزموا هم الآخرون ، وأنه لم يعد أمام الإتحاد السوفيتي إلا أن يتراجع داخل حدوده معزولاً عن آسيا وأفريقيا ، بعد أن ربح الأمريكيون الجولة ، وأن شعوب الأمة العربية سوف تضع الإتحاد السوفيتي في سلة واحدة مع الأمريكيين ومع "جونسون".
كان الاتحاد السوفيتي مكبلاً باعتبارات السياسة الدولية ، حيث كانت القيادة السوفيتية تسعى للوصول إلى حالة من الوفاق السياسي مع الغرب ، وعدم الانزلاق أو التورط في مشكلات العالم الثالث بشكل يؤثر على مصالحها ، وكان التورط الأمريكي في المستنقع الفيتنامي ماثلا أمامها بشكل جعلها تعزف عن أي تدخل مباشر في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط ، بل وطلبت من الجمهورية العربية المتحدة الاستفادة من حالة التصعيد والوصول إلى حافة الحرب فقط دون الدخول فيها والاكتفاء بما تحقق من مكاسب تمثلت في جلاء قوات الطوارئ وبسط السيطرة على المضايق ، وذلك على العكس تمامًا من موقف الاتحاد السوفيتي عام 1956م ، وذلك في مرحلة المجابهة مع الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة ، فأطلق إنذارًا نوويًّا ، وهدد وجود دولة إسرائيل ، واكتسح المجر بجيوشه ، وبدا واضحًا أن العد التنازلي لانهيار الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى قد بدأ منذ الخامس من يونيو1967م .
وفي اجتماع القمة للدول الشيوعية الذي عقد في موسكو في التاسع من يونيو 1967م لخص الرئيس اليوغسلافي "تيــتو" الظروف التي أحاطت بالسوفيت في معرض هجومه على الموقف السوفيتي ، مؤكدًا أن فشل موسكو في حماية الجمهورية العربية المتحدة مقدمة لسقوط حركات التحرر تباعًا ليجد الاتحاد السوفيتي نفسه معزولا عن قضايا العالم ، وأن ذلك استمرار للفشل السوفيتي في معالجة أزماته الداخلية ومشكلة القوميات فيه ". كما شنت صحيفة الشعب الصينية هجومًا حادًا على الإتحاد السوفيتي ، واتهمته بالتواطؤ مع الاستعمار الأمريكي في أزمة الشرق الأوسط ، ووصفت القادة السوفيت بالمرتدين وخونة الشعب العربي.
وقد دافع "كوسيجن" عن موقف بلاده مؤكدًا أن تسارع الأحداث لم يسمح له بالتصرف في ظل عدم وجود أي قواعد عسكرية سوفيتية في المنطقة ، على العكس من ذلك كانت الولايات المتحدة تمتلك قواعد عسكرية في ليبيا وشبه الجزيرة العربية وإيران وغيرها إضافة إلى قواعد الأسطول السادس الأمريكي في اليونان ومالطة وإيطاليا ، وأعلن صراحة أن الاتحاد السوفيتي قد أرهق بسبب الأعباء التي فرضتها عليه حرب فيتنام ، وبسبب المساعدات لدول العالم الثالث وعلى رأسها الجمهورية العربية المتحدة ، ولم يكن من الممكن التلويح بحرب نووية لا يمكن لأحد أن يتحمل مسؤليتها.
كانت السياسة السوفيتية تجاه المنطقة العربية تقوم على ثلاث ركائز هي : إقامة علاقات سياسية قوية مع الدول العربية الثورية ، دعم هذه النظم بالأسلحة والعتاد ، تقديم المساعدات الفنية والاقتصادية ، إلا أن هناك عقبات حالت دون استتباب الوجود السوفيتي في المنطقة هي :
1- كانت الحكومات العربية على اختلاف نظمها مستقلة قائمة قبل الوجود السوفيتي في المنطقة ، بخلاف الوضع في أوربا الشرقية ، فإن أغلبية الحكومات هناك قد أقيمت بمساعدة الاتحاد السوفيتي .
2- كانت الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية ضعيفة مضطهدة وظلت بعيدة عن الحكم ، ولا تستطيع الإسهام في القيام بأي دور فعال في استتباب الوجود السوفيتي في المنطقة .
3- كان التفوق التكنولوجي الغربي والأمريكي منافسا للوجود السوفيتي مما شجع كثيرا من الدول العربية على تفضيل الاستعانة بالخبرات الأمريكية والغربية على الخبرات السوفيتية.
4- اتجاه الطليعة العربية نحو الغرب ثقافيًّا وفكريًّا ، فالتفكير الغالب والثقافة الغالبة والمفاهيم السائدة في البلاد العربية هي أكثر ما تكون مفاهيم غربية.
ولقد بانت ظواهر الخلل في الموازيين بين الولايات المتحدة من ناحية والاتحاد السوفيتي من ناحية أخرى في مؤتمر "جلاسبور" Glassporالذي عقد بين الرئيس الأمريكي "جونسون" ورئيس الوزراء السوفيتي "كوسيجن" في الفترة من 23 إلى 25 يونيو 1967م ، والذي تحولت فيه أزمة الشرق الأوسط إلى وسيلة مقايضة ، حيث لوح "جونسون" لـ"كوسيجن" بصفقة سياسية تتعلق بتحديد إنتاج الصواريخ بعيدة المدى ، وكان "كوسيجن" على استعداد لقبولها فورًا ، تلافيًا لما يمكن أن يسببه سباق التسلح من آثار سلبية على الاقتصاد السوفيتي المرهق ، وانتهى الاجتماع إلى تأكيد رغبة الطرفين على إنهاء حدة التوتر والتوصل إلى تسوية سلمية لازمة الشرق الأوسط ، ولم ينتبه "كوسيجن" إلى أن ذلك سوف يؤدي بالضرورة إلى اختصار دور الاتحاد السوفيتي في المنطقة ، لكن أولوياته الاقتصادية سبقت في تقديراته كل الاعتبارات.
وفيما يبدو فإن الاتحاد السوفيتي الذي قدم دعمًا عسكريًّا كبيرًا للدول العربية ، وخاصة الجمهورية العربية المتحدة وسوريا كان مصدومًا هو الآخر من السقوط السريع للقوات العربية على كافة الجبهات .
أما الموقف العربي فكان شكليًّا رغم كل ما صاحب تلك المظاهرة العسكرية من حماس وخطب عنترية وحشد للجيوش والقوات ، فالخلاف المصري السعودي لم يكن قد انتهى ، والمناوشات مازالت قائمة بين البلدين في اليمن ، مما أحدث شقًّا كبيرًا في الصف العربي ، واكتفت السعودية أثناء الأزمة بحشد قواتها على الشاطئ الشرقي لخليج العقبة .دون تقديم دعم عسكري أو اقتصادي مباشر لدول المواجهة .
أما الأردن فجاء في اللحظات الأخيرة ليعلن انضمامه إلى القيادة العربية الموحدة وهو أمر كان يتطلب وقتًا أطول من هذا حيث كان التنسيق مفقودًا بين القوات العربية المرابطة على الجبهة .
كان العالم العربي منقسمًا على نفسه بين معسكرين ، معسكر قومي يضم الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والعراق وثيق العلاقات بالسوفيت ، ومعسكر وثيق العلاقات بالولايات المتحدة يضم الأردن والمملكة السعودية ولبنان والمملكة الليبية.
ولم ينس العرب خلافاتهم الجانبية في تلك الساعات الصعبة ، فهاهو المشير عامر في 18 مايو 1967م يشن هجومًا عنيفًا على المملكة السعودية متهمًا إياها بالتواطؤ مع الاستعمار وحث ما أسماه "قوى المقاومة الوطنية داخل السعودية" إلى مساندة ثورة اليمن إلى جوار الجيش المصري بعد أن ذهب الملك السعودي إلى لندن ليستجدي عون ودعم الاستعمار الذي تتراجع الآن بقايا نظامه المنهار على حد تعبير المشير، كما بدأت تحركات سعودية بدءا من 3يونيو لاستعادة جزيرتي تيران وصنافير وهما جزيرتان سعوديتان واقعتان عند مدخل خليج العقبة ، تركتهما السعودية لمصر بعد حرب فلسطين 1948م لإحكام السيطرة على خليج العقبة ، ولم يكن مفهومًا أن تأتي السعودية لتستعيدهما الآن رغم وجود قوات مصرية على الجزيرتين ، ورغم أن السعودية أوقفت عملية استعادة الجزيرتين إلا أن ذلك كاد أن يؤدي إلى صدام بين البلدين مع إصرار المشير على عدم السماح للمملكة باستعادتهما في هذا التوقيت الحرج.
وفي ليبيا كانت هناك تحركات لمجموعة كتيبة من الدبابات الأمريكية في منطقة التميمي غرب طبرق كما دخلت قوات أمريكية ولاية برقة قادمة من طرابلس ، حتى إن العناصر الوطنية والدينية في المملكة توجهت بطلب للمك "إدريس السنوسي" ليأمر بفرض رقابة على القاعدة الأمريكية في "هويلس" وغيرها من القواعد الأمريكية والبريطانية في المملكة. وبالطبع لم يكن الملك في وضع يسمح له بمواجهة مع الولايات المتحدة .
وها هو اللواء "شاكر شكري" وزير الدفاع العراقي يعلن في 25مايو 1967م أن قبول الأردن دخول قوات عراقية إلى أراضيه جاء متأخرًا ، وأن دخول هذه القوات يتطلب قرارًا جديدًا من القيادة العربية الموحدة بعد أن رفض الأردن طلبًا سابقًا لهذه القيادة بإدخال هذه القوات. بكل ما يعنيه ذلك من إضاعة للوقت والالتفات إلى إجراءات شكلية في تلك الساعات الحرجة من تاريخ المنطقة .
وقد ذكر الفريق "عبد المنعم رياض" قائد مركز القيادة العربية المشتركة المتقدم في عمان أن القيادة العربية الموحدة التي كانت قائمة بهذا العمل قد شلت أيديها قبل المعركة بحوالي سنة، وعليه لم يكن هناك تنسيق بالمعنى المفهوم، ولم يكن هناك تجهيز لمسرح العمليات بشكل مقبول، والقيادة المتقدمة التي شكلت قبل المعركة بأيام لم يكن في وسعها أن تفعل أكثر مما فعلت ، وهذا خطأ بيِّن للسياسة العربية التي جنت على الجندية العربية قبل أن تجني عليها إسرائيل ، كما أكد أن تشكيل القوات الأردنية ينقصه الدفاع الذاتي البعيد ضد الدروع، فمدفع (106 ) مداه محدود، كما أن تشكيل لواء المشاة ينقصه مدافع مضادة للدبابات طويلة المدى، مما اضطره إلى دعمها أثناء المعركة بأسلحة مضادة للدبابات ، وأدى ذلك إلى فرط عقد لواءات الدروع ، كما ذكر الفريق "رياض" أن القوات الأردنية تشكلت من ألوية خصصت جميعها لقيادة الضفة الغربية مما أدى إلى تعامل هذه القيادة مع سبعة ألوية، وهو أمر غير عملي ، وكان يجب إنشاء قيادة مجموعة ألوية أو قيادة فرقة لكل ثلاث لواءات لتكون مسئولة عن تنسيق عملها على المحاور المختلفة، واشتكي كذلك من كثرة انقطاع المواصلات أثناء المعركة ، مما أدى إلى فقدان السيطرة في كثير من الأحيان . وفقدان السيطرة معناه فقدان المعركة
أما القوات العراقية المشاركة فلم تكن ذات حجم عسكري يذكر ، فبحسب كلام الفريق "عبد الرحمن عارف" رئيس الجمهورية العراقية أن القطاعات العسكرية العراقية التي ذهبت إلى الجبهة كانت رمزية ، بدعوى أن جيش الجمهورية العربية المتحدة كامل العدد ! ونفس الأمر ينطبق على القوات الكويتية والجزائرية ، ولا يمكن بأي حال الحديث عن دور عسكري منتظر لجيوش عربية وليدة تفتقر إلى أبسط قواعد التنظيم العسكري والخبرات القتالية الحديثة ، فهى تتبع دول كانت في مرحلة بناء وقد خرجت لتوها من تحت نير الاستعمار ، وبالتالي فإن التعويل على القطاعات الرمزية التي خرجت من هنا وهناك تحمل آمال الجماهير العربية كان يفتقد إلى الواقعية ، وما أشبه اليوم بالبارحة حين خرجت الجيوش العربية عام 1948م لتحرير فلسطين ، فعادت بنكبة تاريخية فشلت في غسل عارها عام 1967م ، مما يعكس رغبة مدمرة في عدم الاستفادة من أخطاء الماضي ، وكأنه قدر للعرب أن يكونوا دومًا ظاهرة صوتية بلا فعل بعد أن خذل القمقم العربي مارده ومنعه من الانطلاق لتحقيق آمال الجماهير.
وليس من شك أن ما انتاب الكيان العربي ككل من ضعف واضح في وحدة الفكر ووحدة العمل كان سببًا رئيسيًّا من أسباب الهزيمة ، وانعكس ذلك على ضعف الوسائل السياسية والدعائية العربية المستخدمة في الميدان الدولي قبيل 5يونيو 1967م ، بحيث غلب عليها طابع رد الفعل ، ويدل على ذلك أيضا تفكك وتخاذل العمل الدبلوماسي العربي بحيث فقد التأثير الفعال دوليًّا ، وهو ما تجلى بوضوح في مناقشات مجلس الأمن والجمعية العامة.
وعلى هذا كان التأييد العربي معنويًّا فقط ، وكان الحمل الأكبر على دول المواجهة التي أفقدتها الضربة الجوية الأولى صوابها ، ولم تستطع قواتها البرية الصمود في ظل افتقاد الغطاء الجوي ، وفشلت حتى في القيام بانسحاب منظم لقواتها فكانت الكارثة .
وعلى صعيد الجيش المصري ، فقد تعاملت القيادة العسكرية مع الأحداث المتلاحقة بشيء الغرور واللامبالاة ، فقد أصدر المشير "عامر" قرارًا يوم 15مايو 1967م بأن يتولى الفريق أول "عبد المحسن مرتجي" قيادة الجبهة المصرية مع إسرائيل في حالة بدء أية عمليات عسكرية ، وأن يتولى الفريق أول "محمد صدقي محمود" قيادة القوات الجوية ، والفريق أول "سليمان عزت" قيادة القوات البحرية ، في حين كان "عبد الناصر" يرى أن تكون قيادة الجبهة شاملة لكل الأسلحة جميعًا ( برية وجوية وبحرية ) على نمط ما أظهرته تجارب الحرب العالمية الثانية ، لكن المشير رفض ، وقبل "عبد الناصر" تلافيًا لحساسيات القادة ، وحسب قول "هيكل" كان الزحام شديدًا وكل شيء يجري على عجل في مقر القيادة العليا للقوات المسلحة. مما سبب مضاعفات لم يكن لها داع في تلك الساعات الحرجة.
وها هو اللواء "سعد الشاذلي" قائد قطاع العريش يصرح يوم 26مايو 1967م يصرح أن قواته قادرة على صد أي هجوم مفاجئ ، ثم القيام بهجوم مضاد مؤكدًا أنه واثق من النصر.وهو تأكيد لم يكن له مردود على أرض الواقع ، كما كان الجيش المصري مشتتًا ، حيث كانت ثلث قواته تخوض حرب عصابات مرهقة في اليمن.كما كانت هناك آليات ودبابات مدرعة مصرية متمركزة في العراق لحماية جبهته الداخلية إبان الإشتباكات التي وقعت بين الحكومة العراقية والأكراد في الشمال.
لقد افتقدت القوات على الجبهة للتنظيم والتخطيط الجيدين في ظل عدم وجود خطط بديلة ، وعدم وجود إستراتيجية عامة لمواجهة كافة الاحتمالات ، وكأن القيادة العسكرية قد اكتفت بحشد القوات ، ثم وقفت موقف المتفرج على الأحداث فكانت كل المعطيات التي وصلت "عبد الناصر" شكلية تمامًا وغير دقيقة وبالتالي لم يكن هناك مفر من التراجع ومن الهزيمة.
ولا يمكن استثناء "جمال عبد الناصر" من المسئولية ، وهو أمر اعترف به بنفسه حيث ترك الرئيس الحبل على الغارب لقيادة عسكرية أثبتت فشلها في كل التجارب التي خاضتها ابتداء من الهزيمة العسكرية التي حاقت بالجيش المصري أمام القوات الإسرائيلية إبان حرب السويس 1956م ، والتي خفف من أثرها المقاومة الباسلة في بورسعيد ، والانتصار السياسي الذي تحقق عقب فشل الغزو الثلاثي في تحقيق أهدافه ، ثم كان الفشل الذريع في سوريا ، والذي يتحمل المشير ورجاله المسئولية الأكبر في حدوثه ، ثم تكررت نفس الأخطاء الساذجة في حرب اليمن التي استنزفت الجيش المصري ، وفشل المشير في إدارتها عسكريًّا وسياسيًّا رغم محاولته إحراز نصر يمحو به عار ما حاق به في سوريا ، لكن المشير على ما يبدو لم يكن مؤهلا لقيادة الجيش المصري الذي كان يمتلك آنذاك أحدث الأسلحة والمعدات السوفيتية ، والذي كان بمقدوره تحقيق نصر تاريخي ، أو على الأقل الصمود وعدم الانهيار بهذا الشكل المؤسف لو توفرت له القيادة المستنيرة ، والإدارة الجدية ، ولكن الرئيس وثق بمن ليسوا أهلا لتلك الثقة ، وانشغل هو بالسياسة الخارجية ، وخوض غمار صراع سياسي مرير في مواجهة المشروع الإمبريالي الأمريكي .
وعلى الجانب الآخر ، وفي 12يونيو 1967م كان "ليفي أشكول" في الكنيست الإسرائيلي يزف أنباء الانتصار التاريخي لإسرائيل ، مؤكدًا أنها أيام تاريخية تغلبت فيها قوات بلاده على القوات العربية المعادية في سيناء وقطاع غزة والقدس والضفة الغربية والجولان ، ودعا "أشكول" – بزهو - الإتحاد السوفيتي إلى تبني مواقف جديدة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ، وأعلن أن هناك اتصالات جرت بين الطرفين في هذا السياق ، ومن منطق القوة أكد "أشكول" أن بلاده غير مستعدة للعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا منذ أسبوع ، وأن هناك وضعًا جديدًا قد نتج عن الحرب ، وأن هذا الوضع يمكن أن يكون نقطة البداية لمحادثات التسوية مع الدول العربية.مدعيًا أن لبلاده الحق في شن حرب وقائية ضد الدول المعادية وهو ما يتناقض قولا وموضوعًا مع أحكام القانون الدولي فحق الدفاع المشروع عن النفس يثبت للدول كنتيجة لحقها في البقاء وللدولة، بموجب هذا الحق الدفاع عن نفسها إذا اعتديَ عليها لرد هذا العدوان، ودفع الخطر الناتج عنه، إلا أنه يشترط لاستعمال الدولة هذا الحق أن يكون الاعتداء حالاّ والخطر واقعًا أو وشيك الوقوع، بل وتشترط المادة الحادية والخمسون من "ميثاق الأمم المتحدة" وقوع الاعتداء فعلاً، وعندها تعلم الدولة المعتدى عليها "مجلس الأمن" بالتدابير التي اتخذتها لهذه الغاية. فإن لم يكن الاعتداء حالاً.، والخطر واقعاً أو وشيك الوقوع فلا محل للدفاع: فليس للدولة مثلاً أن تبدأ بمهاجمة جارة لها بحجة الدفاع عن نفسها لأن الدولة الثانية بلغت في تسليحها حدًا يخشى منه على الدولة الأولى، وأن التسلح كان القصد منه الاعتداء على هذه الدولة، إنما لها أن تتخذ عدتها لرد هذا الاعتداء إن وقع أو أصبح وشيك الوقوع، كأن تكون الدولة الثانية قد حشدت جيوشها بالفعل على حدود الدولة الأولى بقصد مهاجمتها وشرعت فعلاً في الأعمال المؤدية لهذا الهجوم.وبالتالي فلا يمكن تبرير ما يعرف بالحرب الوقائية من الناحية القانونية ، ويصبح ما جرى في يونيو 1967م جريمة في حق الإنسانية رغم المبررات التي تسوقها إسرائيل .
المصادر والمراجع :

-The USSR and the Middle East(Documents and Other , Materials) Progress, Moscow1972.

- Documents on American Foreign Relations 1964, Harper & Row Publishers , New York.1968
- Department of State, American Foreign Policy , Current Documents , 1966 , Harper & Row , New York , 1968.
--Department of States , American Foreign Policy , 1967 , Happer & Brother, New York , 1969.
- Arab Republic of Egypt , Ministry of Foreign Affairs ,White Paper on Middle East Crisis , part.1 , 1967, April 9 1967.
- People Council , International Conference of Parliamentarians on the Middle East Crisis, The War of June 1967, Cairo, 1970.
- -Fraser , T.G : The Middle East , 1914-1979 , Documents of Modern History , Document No. 63 , Edward Arnold , London , 1980.
-Senior WSAG Meeting , Thurthday September 10 , 1970 , White House Situation Room , document 70//633 – A64 , American National Archives, The George Washington University, 2006.
- Aldine Hoffmann , Erik P.: Transaction, The Conduct of Soviet foreign Policy , New York, 1980.
- MacNamara , Robert : Britain , Nasser , and the Balance of power in the Middle East 1952-1967 ,Routledge , London ,2003.
- Black,Ian: Israels Secret Wars : Ahistory of Israels Intellegence Services , Grove Press , New York , 1992.
- Feldman , Shai : Nuclear Weapons and Arms Control in the Middle East MIT Press, Cambridge ,1997.
- Kaufman , Burton I. :The Arab Middle East and The United States,Tawyne Publishers, New York,1995.
- Lacouture , Jean : Nasser.. , Alfred A.Knope , New York , 1974.
- Laqueur , Walter : The Struggle for the Middle East , Kegan Paul, London , 1970.
- Paterson,Thomas & Merrill Dennis : Major Problems in American Foreign Relation Vol . II Since 1914,D.C. Heath And Company , Toronto , 1989.
- Shlaim , Avi : The Iron Wall , Israel and the Arab World , w.w..Norton Company , New York – London, 2001.
-Beit Hallahmi , Benjamin : The Israeli Connection : Whome Israel arms and Why ,I.B.Tauris,New York ,1988.
-Christison , Kathleen : Perceptions of Palestine , Their Influence on US Middle East Policy , University of California Press , Los Anglos , 1999.
-Cristol , Ajay : Liberty Incident : The 1967 Israeli Attack on the US Navy Spy Ship , Brasseys Inc, Dulles , 2002.
-Freedman , Robert O : Israel s First Years , University Press of Florida, Orlando , 1999.
-Hahn ,Peter L. : U.S. Policy Toward the Arab-Israeli Conflict, 1945-1961, UNC Press, North Carolina,2004.
-Halpern , Ben: The Jewish State , Harvard University , Cambridge , 1969.
-J.C , Hurewitz : Middle East Politics , The Military Dimension , Pall Mall Press , London , 1969.
-Jankowski, James P : Nasser s Egypt, Arab Nationalism, and the United Arab Republic , Lynne Rienner Publishers , New York,2001.
-Lawson , Fred Haley : Why Syria Goes To War , Thirty Years of Confrontation , Cornell University Press , New York, 1996.
-Lesch , David W: The Middle East and the United States ,A Historical and Political Reassessment ,2nd edition , Westview Press, New york, 1999.

-Mansour , Camille ,Israel in US Foreign Policy , Columbia University Press, New York, 1994.
-Sela, Avrāhām : The Decline of the Arab-Israeli Conflict: Middle East Politics and The Quest for Regional Order, Sunny Press, New York, 1998.
-Seth,Tilman: The United States in the Middle East, Interests& Obstacles , Indian University Press, Bloomington , 1982.
-Smith , Charles D : Palestine and the Arab – Israeli conflict, Martins Press, New York , 1992.
-Steven L. Spiegel: The Other Arab – Israeli Conflict : Making Americas Middle East Policy , from Truman to Regan , University of Chicago Press ,Chicago , 1985.

-حسين شريف : السياسة الخارجية الأمريكية ، اتجاهاتها وتطبيقاتها وتحدياتها ، ج2، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1994.
-دافيد شانوف : مذكرات أرييل شارون ، ترجمة أنطوان عبيد ، مكتبة بيسان ، بيروت ، 1992.
-دان تشيرجي : أمريكا والسلام في الشرق الأوسط (ترجمة محمد مصطفى غنيم ) دار الشروق ، القاهرة 1984.
-رضا أحمد شحاتة : تطور السياسة الأمريكية نحو مصر بين حربين ، جامعة الدراسات الإسلامية ، كراتشي ، 1993.
-عبد العظيم رمضان : تحطيم الآلهة ، قصة حرب يونيه 1967 ، ج2 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2001.
-عبد اللطيف البغدادي : مذكرات عبد اللطيف البغدادي ، ج2 ، المكتب المصري الحديث ، القاهرة 1977.
-محمد حسنين هيكل : أكتوبر 1973 ، السياسة والسلاح ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة ، 1993.
-محمد حسنين هيكل : المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ، سلام الأوهام ، أوسلو ما قبلها وما بعدها ، الكتاب الثالث ، دار الشروق ، القاهرة ، 1969 .
-محمد حسنين هيكل : المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ، عواصف الحرب وعواصف السلام ، ج2 ، دار الشروق ، القاهرة ، ط6 ، 1996.
-محمد حسنين هيكل : حرب الثلاثين سنة ، 1967 الانفجار ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة 1990 .
-محمد حسنين هيكل : سنوات الغليان ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة ، 1988
-محمد حسنين هيكل : ملفات السويس ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، ط2 ،القاهرة ، 1992.
-محمد فوزي : حرب الثلاث سنوات ، دار المستقبل العربي ، القاهرة ،1984 .
-محمود رياض:مذكرات محمود رياض 1948-1978، ج 2 ، المؤسسة العربية ،بيروت ، 1987 .
-موشي ديان : ديان يعترف ، دار التعاون ، القاهرة ، د.ت .
-وزارة الدفاع ، هيئة البحوث العسكرية ، صفحات مضيئة من تاريخ مصر العسكري ، حرب الاستنزاف يونيو 1967-أغسطس 1970، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 .
-ويليام كوانت : عملية السلام ، الدبلوماسية الأمريكية والنزاع العربي الإسرائيلي منذ 1967 ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة ، 1994.



#سامح_محمد_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتراض الخارجي بين سقطة الخديوى واسماعيل وتوجهات الإخوان ا ...
- قراءة موضوعية حول موقف الجبهة القومية من الانتخابات الرئاسية
- عقيقة المولود كأسطورة طقوسية
- ليسوا أمراء وليسوا مؤمنين
- أسطورة المسيح الدجال وتغييب العقل
- تحقير المرأة في المرجعيات الفقهية
- شهيد العشق الإلهي
- صلب المسيح (رؤية جديدة)
- الصهيونية بين القومية والوطن التاريخي(رؤية تاريخية)
- رواية الحديث بين الواقع والأسطورة


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سامح محمد إسماعيل - يونيو 1967م .....الطريق إلى الهزيمة