أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بلحاج رحومة - أحوال الأمّة بين سكرة العاطفة وسيكولوجيا التبرير














المزيد.....

أحوال الأمّة بين سكرة العاطفة وسيكولوجيا التبرير


يوسف بلحاج رحومة

الحوار المتمدن-العدد: 3870 - 2012 / 10 / 4 - 18:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نظرا للزخم الإعلامي الذي استهلكته، لم نعد في حاجة إلى الحديث عن تفاصيل أحداث العنف والتشنج التي شهدها الشارع العربي والإسلامي خلال الأيام الأخيرة بعد مسلسل الاستفزازات والإعتداءت المتكرّرة والمُمنهجة على مقدسات الأمّة الإسلامية، وجاءت هذه الأحداث نتاجا طبيعيا وتاريخيا لتراكمات سياسات الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة لإسرائيل واللاّعادلة تجاه العالم العربي والإسلامي. وبعد هذه الأحداث كانت ردود فعل مختلف الأطراف الفاعلة من إعلاميين وعلماء دين ونخبة مثقفة، سطحية وتحليلية لا أكثر ولا أقل، وكانت مجرّد انفعالات وفتاوى وتفسيرات وتبريرات لما حدث، وفي أقصى الحالات كانت مصحوبة بالدعوة إلى ضرورة التعبير السلمي وضبط النفس وما إلى ذلك، في غياب واضح لطرح بديل من أجل تغيير الأحوال البائسة للأمة الإسلامية.
لقد آن الأوان لطرح عميق وجوهري لما تعيشه الأمة العربية والإسلامية من تشتت وهستيريا وضياع بين الأمم، كما آن الأوان لمراجعة الأساليب والأفكار المسبّقة التي أثبت التاريخ فشلها. كما آن الأوان أيضا للمرور من مرحلة الشعارات إلى مرحلة الآليات الفاعلة النابعة من المعرفة والعلم. وللخروج من هذه المستنقعات، لا خيار أمام الأقطار الإسلامية غير التنسيق فيما بينها وتوحيد الجهود من خلال رسم استراتيجيات جدية مشتركة، وذلك بدل الدوران في حلقات مفرغة من التصرّفات المتسرّعة والعاطفية، الشبيهة بسكرة العاطفة الجيّاشة والغير منضبطة.
ما يمكن استنتاجه من ردود الفعل حول هذه الأحداث الأخيرة، أنه يغلب عليها طابع إلقاء اللوم على الآخر، والإغراق والإطناب في نظرية المؤامرة. وهذا ما يسمى في علم النفس "سيكولوجية التبرير" أو "الإنكار اللاواعي" ، بحيث ينساق المرء لا شعوريا نحو الاستجابة لنزوات النفس وأهوائها بإلقاء المسؤولية على الآخرين، وإرجاع بقاء الأمّة في الدرك الأسفل من الأمم لمخلفات الاستعمار والتدخل الأجنبي والمؤامرات، وهذا ما يمثّل عائقا أمام التفكير الموضوعي والنقد الذاتي الدقيق - هذا دون التقليل من خطورة المؤامرات الخارجية وضرورة دراستها وتحليلها من أجل احتوائها ومجابهتها - فكثيرا ما يغلب على التحليلات والكتابات المتعلقة بأحوال الأمة الإسلامية طابع التبرير والانفعال والتباكي والبحث عن الانتقام، وليس الرغبة في الإصلاح ومراجعة الذات. وغالبا ما يسود الحديث عن الغرب ككتلة إيديولوجية وفكرية متجانسة، والواقع أنّ الغرب لا يمثّل تيارا واحدا عنصريا، بل هناك تيارات غربية تقدمية تميل إلى النزعة للعرقيّة باسم "الأممية" و "التقدمية". ومن الحكمة أن يكون النظر إلى الغرب والتعامل معه انطلاقا من هذه التيارات الحاملة لمبادئ كونيّة سامية، مقابل الابتعاد عن النظريات البائسة المبنية على الصدام و الانتقام وصراع الحضارات وما إلى ذلك، هذا مع التأسيس لفكر واتجاه أممي مبني على السلام والإنسانية و التعايش انطلاقا من المقاصد الحقيقيّة للإسلام، لأن الانتقام ليس من مقاصد الإسلام، وما قام به السلف قد لا ينفع الخلف ما دام لا يؤدي المقاصد والمضامين الحقيقية للإسلام، تماشيا مع قوله تعالى ( إنّ الله لا يغيرّ ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
يبدو أن الوقت قد حان لتطويع مفهوم الأمّة بما يتماشى مع العصر وتعقيداته و متطلباته، فما كان ناجعا في توحيد الأمة والنهوض بها في الماضي قد لا يكون ناجعا اليوم، وما كان مناسبا للسلف لا يعني أنه مناسب للخلف. فالأمّة الإسلامية تستمدّ وجوديتها من قيم كونيّة عليا تتميز بالديناميكية، والأمّة كمفهوم قادرة على قبول نظم وأُطر جديدة تسمح لها بالتكيف مع العصر بمرونة. فالخلل الحقيقي لا يكمن في الوجدان والتاريخ والعادات واللغة والتراث الثقافي والروحي للأمة، بل يكمن في عدم تحويل الطاقة المختزنة في ضمير الجماعة إلى قوة تنظيمية واعية، كما يكمن الخلل أيضا في أنماط التفكير والنظم الثقافية القائمة في الأقطار الإسلامية والتي عادة ما تكون مشوّشة وهامشية أو رازحة تحت سيطرة فاعلين اجتماعيين وسياسيين يسيرونها حسب مصالحهم.
رغم كثرة الجمعيات ومراكز الأبحاث التي تدّعي خدمة الأمّة الإسلامية والتفكير والتنظير لكيفية النهوض بها، إلا أنها ظلّت بعيدة عن العمق الشعبي للأمّة، وكثيرا ما يغلب عليها طابع الفئوية والنخبوية أو العمل الدعوي والتقليدي المشحون بالدمغجة والتنميط. ولا يخفى على أحد أن الكثير من هذه المراكز والجمعيات التي تدعي خدمة الأمة الإسلامية، تحمل أجندات سياسية وحزبية وتستعمل الإسلام كحصان طروادة لتمرير سياسات وأنماط اقتصادية واجتماعية في الأقطار الإسلامية. والكثير من هذه التنظيمات يغلب عليها طابع التحزب والطائفية والمذهبية، وتمثل تهديدا للهويات الوطنية القطرية وهي أبعد ما يكون عن خدمة الأمّة الإسلامية بل تمثل عامل تقسيم وربما فتنة وانقسام طائفي. فالأمة كمفاهيم وقيم حاضرة لدى الوعي الجماعي لا تمثل تهديدا للهويّات الوطنية، بل على العكس، تؤدي ضبابية هذه القيم والمفاهيم والتضييق عليها وعدم توظيفها إيجابيا إلى تهديد الهوية الوطنية للأقطار. فمفهوم الأمّة والهوية الوطنية لا يهدد أحدهما الآخر ما داما قائمين على أسس سليمة ومتينة دون تضييق أو قمع أو تمييز.
إذا أرادت الأمة الإسلامية الخروج من الدوران في حلقات مفرغة، فلا خيار أمامها سوى إيجاد إستراتيجيات مشتركة تقوم على آليات علمية بعيدة عن المصالح الضيّقة والتدخلات الخارجية، ترتكز على الثقافة والتربية والتعليم والفنون والبحوث العصرية، من أجل تطويع مفهوم الأمّة ووجدانها المشترك مع العصر وتوظيفه إيجابيا.
يوسف بلحاج رحومة



#يوسف_بلحاج_رحومة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة التونسية في مستنقع الحسابات الانتخابية... المسكوت عنه ...
- الثورة التونسية بين مطرقة الرجعية وسندان الانتهازية
- تونس لازالت مستعمرة


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بلحاج رحومة - أحوال الأمّة بين سكرة العاطفة وسيكولوجيا التبرير