أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب حميد رشيد - حضارة وادي الرافدين- ميزوبوتاميا، 8- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية-















المزيد.....



حضارة وادي الرافدين- ميزوبوتاميا، 8- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية-


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3870 - 2012 / 10 / 4 - 17:30
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الفصل السادس عشر
الأدب
(الملاحم والقصص والاساطير)

خلَّفت حضارة وادي الرافدين إرثاً أدبياً غزيراً يتصف بالأصالة والتنوع. ويعتبر الأكثر قِدماً حتى بالمقارنة مع أدب حضارة وادي النيل(1). إن أقدم النصوص السومرية المعروفة حتى الآن يعود تاريخها إلى 2400 ق.م، وهي أسطورة (انليل)- إله الجو واخته ننخرساك. وحسب كريمر، فالسومريون "كانوا بلا أدنى شك أول من أوجد وطور الأدب المحلمي المؤلف من روايات قصصية بطولية وضعت في صيغ شعرية...(2)"
لم يبدأ تدوين أدب وادي الرافدين إلا بعد مرور حوالي ألف عام على إختراع الكتابة. ذلك أن الأدب القديم كان يُنشد أمام الجمهور، ويُسمع في أحضان الأُمهات قبل ظهور الكتابة. وبعد حوالي العام 2000 ق.م واستقرار الكتابة وإنتشارها، ظهرت الحاجة التعليمية والثقافية إلى الأدب المدون. يقول د. ساكس "إن الأدب القديم كان شيئاً يُقص ولم يكن شيئاً يُقرأ بصمت… فقد كان له وجود حقيقي فقط عندما يُقص (ربما بمصاحبة ممثل) أمام الجمهور… كان ينقل شفاهاً من راوية مقتدر (ربما كان يعمل في البلاط أو المعبد) إلى تلاميذه....(3)"
غطت موضوعات أدب حضارة وادي الرافدين حياة القوم- أفكارهم وممارساتهم: الحياة والموت والخلود (أصل الوجود)، الخير والشر (العدالة الإِلهية) THEODICY، القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية، الحياة الروحية والعاطفية.. إن قراءة متأنية لهذا الأدب الزاخر- الذي ينطلق من قاعدة محورية تتجسَّد في المعتقدات الدينية- والمتميزة بالحيوية والمتعة، تنقل القارئ إلى رحاب تلك الحضارة التي أخذت تشع بنورها في حدود العام 3000 ق.م، وتمنحه خلفية واعية عن الكثير من المعتقدات الواردة في كتبنا الدينية، وتغذيه بنفاذ البصيرة وقوة التمحيص لتمييز الكثير من أفكارنا ومعتقداتنا وممارساتنا الاجتماعية الحالية. يقول الدكتور هاري "ولعلَّ أكثر النشاطات الأدبية التي لها صدى لدى الإنسان المعاصر هو أدب بلاد ما بين النهرين القديمة(4)." ولم يكن هذا الأدب مجرد أساطير وخيالات، بل وليدة معتقدات القوم وأفكارهم ونظرتهم للكون بالعلاقة مع بيئتهم. عليه، فإن فهم معتقدات القوم وأفكارهم الفلسفية تتطلب استيعاباً جيداً لأِدب حضارة وادي الرافدين. وفي الصفحات التالية نماذج موجزة تتضمن القصص والأساطير والملاحم وأدب الرثاء والمناظرة والفكاهة والأمثال(5).

1- أساطير خلق الكون– الإنسان (ملحمة الخليقة البابلية)
اختلفت ملاحم الخليقة بشأن الإِله الخالق إرتباطاً بتطور حضارة القوم والتنقل بين الزراعة المروية والمطرية (الديمية)، علاوة على التطورات السياسية. إن أقدم ملحمة مكتشفة للخليقة هي "أسطورة المعول". سادت في الألف الرابع ق.م، وظهرت بداياتها الأولى في الأقسام الشمالية المعتمدة على الزراعة الديمية (المطرية)، خاصة المناطق المتذبذبة الأمطار. فما دام الهواء هو العنصر الفعال في حركة الأمطار لذلك صار لـ (انليل)- إله الجو دوراً كبيراً في حياة القوم وأصبح في نظرهم هو خالق الكون والبشر. تذكر القصيدة قيام انليل بفصل السماء عن الأرض، ثم خلق الإنسان ووضع في يده المعول للعمل وخدمة الآلهة(6):
فحفر شقاً في الأرض…
وخلق المعول…
ووضع بدايات البشرية في الشق
وعندما بدأ البشر يظهر كالحشيش في الأرض
كان الإِله انليل ينظر مرتاحاً إلى شعبه السومري
تشير هذه الملحمة بوضوح لبداية إنتشار الزراعة. وهي الملحمة الوحيدة التي تقول بظهور الأنسان مثل الحشيش من باطن الأرض، وتعكس مفهوما زراعياً صرفاً لحضارة وادي الرافدين التي قامت في مراحلها الأولى على الزراعة المطرية خلال الفترة 8000-5000 ق.م(7).
كما أن هذه الأسطورة السومرية، حسبما سبقت الإشارة، تميط اللثام عن مسألة أُخرى غاية الأهمية تتعلق بِأصل السومريين (ف3) فهي تشير إلى بداية ممارسة الزراعة (المطرية) التي ظهرت في شمال البلاد. وفي نفس الوقت ينظر (انليل) مرتاحاً إلى شعبه السومري! وهذه إشارة واضحة بِأن السومريين وأهل الكهوف الذين اكتشفوا الزراعة لأِول مرة في تاريخ البشرية ومارسوا الزراعة المطرية، هم أنفسهم أهل البلاد ممن انتشرت قراهم في طول البلاد وعرضها. وهذا التواصل الفكري- التاريخي يقدم دعماً آخر بِأن السومريين هم أبناء أولئك الرواد الذين خرجوا من كهوف الشمال ونقلوا البشرية من عصر جمع القوت إلى عصر إنتاج القوت (الزراعة المطرية)، ثم انتشروا لغاية الجنوب (زراعة الري)، ونقلوا البشرية من عصر ما قبل التاريخ إلى عصر التاريخ (اختراع الكتابة).
وتُجسّد أسطورة "إله الشعير (اشنان) و (النعجة)"- التي من المتوقع ظهورها قبل الانتقال إلى القسم الجنوبي من البلاد- بدايات الحياة الزراعية الصرفة بما في ذلك دجن الحيوان. والطريف فيها أنها لا تخلو من أفكار عصرية عن طبيعة البشر الأوائل وأصل الإنسان (القرد). فبعد ولادة آلهة الانوناكي العظام، حيث لم تُخلق النعجة بعد ولم يُخلق اشنان إله الشعير، كيف كان حال البشر الأوائل؟
البشر الأوائل لم يعرفوا أكل الخبز
ولم يعرفوا ارتداء الملابس بعد
وكانوا يسيرون على أيديهم وأرجلهم
ومن القنوات يشربون الماء...(8).
أخذت أهمية عناصر البيئة الطبيعية وموقعها في حضارة وادي الرافدين بالتغير مع الانتقال من الزراعة المطرية (الشمال) إلى الزراعة المروية (الجنوب)، وبدأت قدسية (انليل)- إله الجو- بالتراجع لصالح (انكي)- إله المياه السطحية والجوفية. من هنا ظهرت "أسطورة الإِله (انكي) والإِلهة (تنماخ)" وهي تنسب خلق الإنسان لـ (انكي). وتُعبِّر عن مجتمع زراعي يقوم على الري الصناعي واعتمدت المقومات المتاحة في بلاد سومر، وتكشف عن غضب صغار الآلهة لتحميلهم مشاق العمل تحت سياط الآلهة الكبار، فجاء خلق الإنسان حلاً لهذه المعضلة "يكون مصيره العمل". وكان الخالق أو الآمر بالخلق هو انكي(9).
بدأت مكانة (انكي) بالتراجع أيضاً بعد منتصف الألف الثالث ق.م وظهور آفة الملوحة والتصحر وهجرة الأرض والمدينة في بلاد سومر (ف1/3، ف5)، حيث لوحظ كيف أن هذا العامل شكل أحد العوامل الرئيسة في فقدان بلاد سومر لسلطتها السياسية لصالح سلطة بابل التي بدأت أهميتها في التعاظم منذ العام 2000 ق.م، وأصبحت في حدود 1800 ق.م مركز السلطة السياسية في بلاد الرافدين. هذه التطورات السياسية دفعت كهنة بابل لإحداث تطوير في قصة الخلق لتتناسب ومكانة (مردوخ)- إله بابل فظهرت ملحمة الخليقة البابلية(10).
تعتبر هذه الملحمة من أبرز القصائد الشعرية في الأدب الديني وواحدة من أكثر الروائع الأدبية في محتواها وقدمها وشهرتها. تُعرف أيضا بقصيدة (اينوما ايلش)- حينما في العُلى- نسبة إلى فاتحتها. تضم أكثر من ألف بيت، وأُصبغت عليها صفة القدسية مثل (الكتاب الديني)، إذ كانت تُتلى أثناء احتفالات رأس السنة في مدينة بابل وعلى مدى حوالي ألفي عام(11).
تذكر الأسطورة أنه في البداية لم يكن هناك سوى العماء CHAOS- المياه الأزلية: (ابسو)- المياه العذبة- مذكر.. و (تيامات)- المياه المالحة- مؤنث.. وبعد امتزاجهما تولد جيل من الآلهة. وعن طريق الزواج ولدت أجيال جديدة من الآلهة اشتهر منهم الثلاثة الذكور الكبار (آنو، انليل، انكي). وبعد أن تكاثر عدد الآلهة وأخذ ضجيجهم يقض مضجع أباهم الأكبر (ابسو)، قرر الأخير تصفيتهم لينعم بالراحة(12). يذهب ابسو يصحبة وزيره "حمو" إلى تيامة شاكياً همه ويخبرها بقراره، لكنه يجد معارضة من تيامة(13):
"ولما سمعت (تيامة) ذلك غضبت وصرخت بزوجها
أدركت في قلبها ما يبيت (ابسو) من شر وخاطبته:
علامَ نُدمر ما أوجدناه بِأنفسنا
حقاً أن صنيعهم يسبب الألم
ولكن لنصبر على ذلك ونتحمله عن طيب خاطر"
استمر (ابسو) في خطته بمعاونة وزيره لتصفية جيل الآلهة الحديثة بعد استبعاد (تيامة) من الخطة. لكن جيل الآلهة الحديثة أدركوا نواياه قبل تنفيذ خطته، فأصابهم الرعب والهلع ولاذوا أخيراً بـ (انكي) المتبحر بالمعرفة والحكمة لحمايتهم. عمد (انكي) إلى قوته السحرية فعمل تعويذة سحرية شلَّت حركة (ابسو) ثم قتله وانتزع منه تاج الألوهية وسجن وزيره (حمو). وهنا اشتد حنق (تيامة) وانتفضت لأِخذ ثأر زوجها. فولّدت جيشا من العفاريت على رأسهم (كنكو) الذي أصبح قائد جيشها وزوجها. وأثناء هذه الفترة الطويلة ولِدَ لـ (انكي) إبنه (مردوخ) الذي سيلعب دوراً حامياً في الأساطير البابلية. اتصف (مردوخ) بالحكمة والثقافة و"كان أعجوبة منذ ولادته... وكان هيكله هائلاً... (14).
وبعد أن أدرك جموع الآلهة الخطر المحدق بهم، وجَبُنَ كبارهم مثل (آنو، انليل، انكي) مواجهة (تيامات) وجيشها المرعب، علاوة على فشل محاولتهم الصلح معها، وافق (مردوخ) على اقتراح الآلهة اضطلاعه بهذه المهمة الخطيرة ومنازلة (تيامات)، ولكنه طلب جزاء ذلك أن يتبوأ السلطة العليا المطلقة على جميع الآلهة. وهذا الأمر اقتضى اجتماع الآلهة وعقد مجلس الشورى (مجلس الانوناكي) لمنحه الصلاحيات المطلوبة. ولما انتظم عقدهم في وليمة عامرة بالطعام والشراب، وذهب عنهم الخوف بتأثير ما احتسوه من خمر جيد، أقاموا منصة لـ (مردوخ) واتفقوا بالاجماع على نقل سلطاتهم وزعاماتهم إليه، وفوضوه تقرير المصائر والأقدار، وصارت "إرادته لا تُرَدْ ولا تتبدل"، وتوجوه ملكاً عليهم وعلى جميع الكون، وهتفوا له قائلين "حقا مردوخ ملك"، وقدموا له الخضوع والولاء والطاعة بصفته ملكهم، وقلَّدوه شارات الملوكية والسلاح الذي لا يُقهر، وحرَّضوه على قتال (تيامة).. وهناك بعض الباحثين الغربيين يرى وجود أوجه شبه بين حالة مردوخ- تيامة وبين ما ورد في التوراة (سفر حبقوق- الإصحاح الثالث(15)."
هيأ مردوخ أسلحته للنزال الرهيب، تتقدمها أسلحته السحرية: العاصفة والبرق والنور الوهاج ومجموعة مخلوقات مخيفة، علاوة على أسلحته التقليدية الضخمة: الشبكة والقوس والسهم. اقترب (مردوخ) من جموع (تيامات) بقيادة (كنكو) فصعقت من جلال الوهيته المرعبة وأسلحته الفتاكة وهربت تلك الجموع، عدا (تيامات) التي ثبتت أمامه. وقبل النزال تبودلت الشتائم بينهما. وعندما تقدمت تيامات لمنازلته، نشر مردوخ شبكته فاصطادها، ولما فتحت فاهها لإبتلاعه ساق في فمها الرياح الشريرة، فمنعها من إطباق شفتيها، وسلَّط عليها الرياح فانتفخ جسمها وعندئذ رشقها بسهم في فمها الفاغر فأصاب قلبها، وقضى عليها، ووقف على جثتها منتصراً. قبض على أتباعها وسجنهم وانتزع من قائد جموعهم (كنكو) لوح الأقدار وختمه بختمه وعلَّقه في صدره. ثم عاد إلى جثة (تيامات) فشق جسمها نصفين متطابقين، صنع السماء من أحدهما والأرض من النصف الآخر. وبعد أن عيَّن للآلهة الكبار (آنو، انليل، انكي) الأجزاء التي يحكمونها من الكون وحدد أماكنهم في السماء قرر تقسيم الآلهة إلى مجموعتين الأولى والأكبر في السماء والآخر في الأرض. وأما الإنسان، فإن (مردوخ) يأمر بخلقه، ولكن الخالق الحقيقي حسب الاختصاص بقي (انكي). ومادة الخلق هنا هي الطين: التراب ودم أحد الآلهة (كنكو) الشرير بعد ذبحه. كما بقي هدف ودوافع خلق الإنسان نفسه، شكوى صغار الآلهة من عناء العمل المضني تحت ضربات سياط الآلهة الكبار، وإيجاد بديل (الإنسان) للعمل وخدمة الآلهة(16).
وعرفاناً بفضل مردوخ وبطولته، عمل آلهة الانوناكي طوال عام واحد في تشييد بيت يليق بمقامه، فأقاموا معبده العظيم (اي- ساقلا) في بابل. وبعد أن تم ذلك اجتمع الآلهة في حفل وليمة عزفت فيها الموسيقى وقدمت الجعة ورتل الآلهة بمديح مردوخ وتمجيده، وتنازلوا له عن أسمائهم وصفاتهم، فصار لـ (مردوخ) خمسون اسماً، وتنتهي القصيدة بترتيل يُرتل تمجيداً لإِله بابل في عيد رأس السنة(17).
رغم صعوبة إعطاء تفسير أُحادي لما تعكسه أحداث الأسطورة من معاني ومضامين، لكنها تكشف عدداً من الأمور التي قد تجد اتفاقاً عاماً: الثأر والعنف والحروب، الحكم المطلق والملكية الإستبدادية وفق المعتقد الديني (التفويض الإِلهي)، خلق الإنسان من الطين: التراب والماء أو دم إِله شرير، غاية خلق الإنسان العبودية للآلهة والطاعة المطلقة لنائب الآلهة (الملك).. وكثرة اسماء الحاكم المطلق في زمننا المعاصر.. وبموجب الأسطورة البابلية تكون المادة الأولى ذات طبيعة ثنائية، إذ كانت مادة وإله في نفس الوقت، أي أن المادة أزلية منذ البدء.. هذا على خلاف الأديان الرئيسة حيث أن وجود الخالق أزلي سبق وجود المادة التي أوجدها(18). لكن معرفتهم الثنائية لطبيعة المادة، رغم أنها تشكل فكراً معاصراً، قامت على فلسفة ميتافيزيقية لم يُكتب لها التحرك والتطور في غياب منهج التفكير العلمي.

2- أساطير خلق أُخرى
وردت أساطير خلق أُخرى قصيرة. ففي "أسطورة أصل الآلهة" تم ترتيب ظهور الآلهة في شكلها البابلي على هيئة زوجين ذكر وأنثى والاتصال الجنسي بينهما بزواج الولد من أُمه وقتل أباه وزواج الأخت من أخيها وقتلها لأِمها(19).
وفي "أسطورة الهبوط" التي تنتمي إلى مجموعة أساطير انليل إله الجو، وترد في صيغ عديدة، تتضمن معاشرته لـ (ننليل)- قبل أن تصبح زوجته- فجاءت نتائج هذه المعاشرة ولادة المطر والفيضان وخصوبة الأرض وإخصاب العائلات البشرية(20). وفي صيغة أُخرى يقوم انليل باغتصابها فيُحكم من قبل مجلس الآلهة بالنفي إلى العالم الأسفل. وتشير إلى إنحدار مركز (انليل) في مرحلة الانتقال من الزراعة المطرية في الشمال إلى الزراعة المروية في الجنوب(21). وفي صيغة ثالثة تتم الخطبة والزواج ويطلق انليل عليها سيدة الهواء(22).
وبعد وصف أرض دلمون- البحرين في "أسطورة انكي وننخرساك": غزيرة المياه، عالية الخصوبة، كثيرة الخيرات، ذات زرع وحقول وبساتين، والتي جعلها انكي أرضاً طاهرة... تتحدث الأسطورة عن حصول جماع بين انكي والإلهة ننخرساك ثم مجامعته لإبنته، ثم حفيدته.. وهكذا في ظل ولادات سريعة. وفي آخر جِماعه بإبنة حفيدته فهي تلد ثمانية أنواع من النباتات والأشجار. وعندما شاهدها (انكي) أراد معرفة ماهيتها، فأمر رسوله (اسيمود)- ذات الوجهين- أن يقطعها ويأكلها، وعندئذ غضبت (ننخرساك) ولعنت (انكي) وأحلَّت به الأمراض. ومن خلال وساطة ناجحة للثعلب تحضر (ننخرساك) لمجمع الآلهة في دلمون وتشفي (انكي) من علله بعد أن غفرت له إساءته "وأخذته وأجلسته على فرجها‍"، فعاد انكي وتبوأ مركزه السامي بين الآلهة(23).
وتتحدث "أسطورة انكي وتنظيم الكون" عن قيام انكي- إله المياه والمعرفة والحكمة- بجولة في أقاليم الأرض المعروفة آنذاك، بدءاً من بلاد سومر، لإسباغ بركاته ونشر الحضارة فيها. وأخذ بعد ذلك بتنظيم أحوال الأرض وأنهارها وبحارها، فملأ نهري دجلة والفرات بالمياه العذبة والاسماك، وأوجد أحراش القصب والآجر والحيوانات. ومن أجل تنظيم المجتمع البشري، نصب إلهاً لكل ناحية من نواحي النشاط الحضاري، فمثلاً خصص للإشراف على الفلاحة والزراعة الإِله (اينمكدو) والخضار والغلال الإِله (اشنان) والماشية والرعي الإِله (دموزي)- تموز.. وهكذا..(24).
وتتطابق " أسطور تمجيد عشتار" مع عصر ما قبل التاريخ والعصور التاريخية المبكرة. تتضمن محاولة إعادة هيبة (آنو)- إله السماء من قبل كهنة (الوركاء)- مركز عبادة (آنو). وتتناول كيف أن (آنو) أشرك ابنته الإِلهة (عشتار) في تاجه بعد فترة حب طويلة لها. واعترافاً بجميلها رغب أن يرفعها إلى درجة المساواة معه، بناء على نصيحة مجمع الآلهة. وأمر أن يكون اسمها بعد الزواج منه (انتو)- صيغة المؤنث لـ (آنو). وبعد أن مُجِّدت (عشتار) وبُجِّلت احتلت مكاناً مهماً في السماء- مقر (آنو)- ثم شُخصت بالكوكب السيار (الزهرة)(25).
وفي "أسطورة نقل النواميس الإلهية إلى الوركاء" قصة تحايل عشتار- انانا لحيازة (النواميس الإِلهية) من انكي- ايا المختص بحيازتها، ونقلها لمدينتها الوركاء- اوروك، والتي تشكل العناصر الأساسية للحضارة والمدنية من بينها: السيادة والألوهية، نظام الحكم والتاج والصولجان، وظيفة الكهانة، الصدق والخداع والتزوير، الفن والموسيقى، العداوة والبغضاء، الصدق والأمانة، الصلاح والعدل، الطوفان، الجماع والبغاء، وطائفة من الحرف والصناعات المختلفة مثل النجارة والحدادة والبناء والحياكة.. ومن ثم نجاحها في مهمتها بعد أن أكثرت له الشراب(26).
وتحدثت "أسطورة ننورتا" عن الكفاح الذي خاضه الإله ننورتا ابن انليل ضد قوى الشر وانتصاره عليها. منح الصخور التي حاربت معه أحسن الأسماء (الرخام، اللازورد، المرمر..) حيث تستعمل في زخرفة القصور والمعابد ومواد للتماثيل والهياكل الخاصة بالآلهة. بينما أعطى الصخور التي حاربت ضده أردأ الأسماء فصارت تستعمل في بناء عتبات الأبواب وتدوسها الأقدام(27)!
وتعود أسطورة "تعويذة الولادة- خلق الإنسان" السومرية الأصل إلى عصر انكي، وتتضمن جوانب من آراء القوم في خلق الإنسان من قبل (مامي)- إلهة الخلق (من أسمائها: ننيتو، نبيتو، ننخرساك). وبطلب من انكي والآلهة الأُخرى تم خلق الإنسان من الطين (التراب) بعد خلطه بدم أحد الآلهة المضحى به لهذا الغرض. وهي تشبه في هذه النقطة ملحمة الخليقة البابلية(28).
وتُعبر أسطورة "تعويذة خاصة بوجع الاسنان" عن عصر الآلهة الكبار. "من بعد أن خلق الإِله انو السماء، السماء خلقت الأرض، وخلقت الأرض الأنهار، وخلقت الأنهار الجداول والقنوات، وخلقت الجداول الأهوار، وخلقت الأهوار الدودة".. ذهبت الدودة للإِله شمش وانكي وقالت "ماذا تعطيني لطعامي؟ وما تعطيني لأِمتصه؟" أجابها انكي "سأعطيك التين الناضج والمشمش"، قالت "وما جدوى التين الناضج والمشمش لي؟ ضعني في الأسنان، واجعل مسكني اللثة، لكي أمتص دم الإنسان، وأقرض اللثة وآكل جذورها". ووفق هذا المعتقد يقوم الكاهن بعمل تعويذة للمريض الشاكي ألماً في أسنانه تتضمن "لأِنكِ قلتِ هكذا يا دودة فليحطمكِ الإِله ايا(29)."

3- ملاحم البطولة (ملحمة كلكامش)
تعود في أصلها إلى عدة قصص سومرية تتناول ملحمة كلكامش في أجزاء متفرقة يعود الفضل في دمجها إلى الشاعر البابلي الذي شكل منها ملحمة رائعة متكاملة تميزت بشهرتها وانتشارها الواسع في العالم القديم. "... جلجامش أفضل قصيدة ملحمية عِبر العصور حتى مقارنة بـ إلياذة هوميروس. وهي تسبق الإلياذة بِألف وخمسمائة سنة(30)." تربعت القمة بين شوامخ الأدب العالمي. ومع أنها دونت في صيغتها البابلية في حدود 2000 ق.م، إلا أن أحداثها تعود إلى عهد أقدم، لذلك تعتبر أقدم الملاحم البطولية في تاريخ جميع الحضارات. ورغم هذه المسافة الزمنية البعيدة فإنها بقيت حية خالدة تتمتع بالجاذبية لإرتباط أحداثها بقضايا دنيوية لا زالت تشغل بال الإنسان المعاصر وتؤثر في مداركه العقلية والعاطفية، بما في ذلك لغز الحياة والموت والخلود، الحب والكره، الصداقة والوفاء، المخاطرات والمغامرات.. من هنا استحقت ملحمة كلكامش تسمية (اوديسة العراق الخالدة)(31). هذه "القصيدة البطولية التي يستطيع قارئها أن يثق بنفسه في السيطرة على سامعيه." ويقول سبايزر "إن ملحمة جلجامش تتعامل مع أشياء من عالمنا الدنيوي مثل الإنسان والطبيعة، الحب والمغامرة، الصداقة والحرب، وقد أمكن مزجها جميعاً ببراعة متناهية لتكون خلفية لموضوع الملحمة الرئيس ألا وهو (حقيقة الموت المطلقة). إن الكفاح الشديد لبطل الملحمة من أجل تغيير مصيره الإنساني المحتوم، عن طريق معرفة سر الخلود من رجل الطوفان، ينتهي بالفشل في نهاية الأمر، ولكن مع ذلك الفشل يأتيه شعور هادئ بالاستسلام. ولأِول مرة في تاريخ العالم تجد تجربة عميقة على مثل هذا المستوى البطولي تعبيراً بأسلوب رفيع. إن مدى الملحمة وقوتها الشعرية العارمة جعتلها تنال إعجاب الناس في كل العصور. ففي العصور القديمة انتشر أثر هذه الملحمة الشعرية إلى لغات ومراكز حضارية عديدة، واليوم تستحوذ على الشعر وعشاقه على حد سواء." يُضاف إلى ذلك أن الملحمة واجهت نهايتها المحزنة ببديل اجتماعي مؤثر. فإِذا كان الخلود مستحيلاً للإنسان لأِن الآلهة استأثرت به، فباستطاعته أن يُخلَّد بِأعماله ومآثره(32). وتجمع هذه الملحمة عدة أساطير: ملوكية كلكامش، صداقته لغريمه انكيدو بعد خلقه ومغامراتهما، ثم موت انكيدو، ورحلة كلكامش بحثاً عن الخلود وقصة الطوفان، وأخيراً موت كلكامش.
اشتهر كلكامش في أدب وادي الرافدين كونه من أبطال الملاحم. وكان شخصية تاريخية واقعية حسب قائمة الملوك السومرية (خامس ملوك السلالة الأُولى لمدينة الوركاء) رغم معرفة القليل عنه. ويُرجح أنه حكم في حدود 2600- 2500 ق.م(33).
كان كلكامش ملك وكاهن مدينة الوركاء. أُمه الإِلهة (ننسون) وأبوه الكاهن الأعلى لإِحدى مقاطعات المدينة (كلاّب). وصفته الملحمة بطلاً ضخماَ شجاعاً وطموحاً، ورمزاً للقوة والإقدام، ورجل المغامرات والمخاطرات. تميّز بخبرته وحكمته ومعرفته بخفايا الأمور وأسفاره البعيدة التي "أحلَّت به الضنى والتعب فنقش في نصب من الحجر كل ما عاناه وخبَّره… وبنى أسوار الوركاء ومعبدها المقدس (اي- انا) وهو عمل لم يُضارعه فيها الملوك… وكان كلكامش على أتم ما يكون من الخَلق وكمال الصورة، فقد حبّاه شمش السماوي بالحسن، وخصَّه الإِله (ادد) بالبطولة… ثلثاه إله وثلثه الباقي من مادة البشر(34)."
ولكن رغم صفاته تلك وحمايته لأِهل مدينته من الإعتداءات الخارجية حتى وصف بـ (الراعي)، فقد عُرف بغطرسته وقسوته وظلمه لأِهل اوروك علاوة على فجوره وفسوقه، فلم "يترك ابناً طليقاً لأِبيه، ولم يدع عذراء طليقة لحبيبها ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل(35)." هذه الأفعال أثارت عليه حفيظة واستياء أهل مدينته فشكوه للآلهة. استمع إله السماء آنو لشكواهم وأمر (اورورو)- إلهة الخلق- وقال لها "يا (اورورو) أنتِ التي خلقتِ هذا الرجل بِأمر (انليل) فاخلقي الآن غريماً له يضارعه في قوة العزم وليكونا في صراع دائم حتى تنال (اوروك) السلام والراحة(36)." رضخت (اورورو) لأِمر (آنو). أخذت قبضة من الطين ورمتها في البرية فخلق منها (انكيدو) الصنديد، ونشأ مارداً متوحشاً يجلل الشعر جسمه، لا يعرف العمران، يرعى الكلأ مع الظباء ويرتاد الماء مع وحوش البرية. وهنا تبدأ قصة كلكامش وانكيدو(37).
وفي أحد الأيام يراه صياداً مذعوراً من بعيد وقد قطع انكيدو شباك صيده، ففهم سبب تخريب الفخاخ التي ينصبها وهروب الطرائد من يديه. قصَّ الصياد الحادثة على أبيه الذي نصحه بإخبار كلكامش وأوضح له الطريقة التي ينبغي لـ كلكامش معالجة الأمر. وبعد أن سمع القصة واقتنع بالنصيحة، قال كلكامش للصياد "إنطلق أيها الصياد واصطحب معك بغياً مومساً وحينما يأتي انكيدو إلى مورد الماء لسقي الحيوان دعها تخلع ثيابها وتكشف عن مفاتن جسمها، فإِذا ما رآها انجذب اليها، وعندئذ ستنكره حيواناته التي ربيت معه في البرية(38)."
تصرَّف الصياد وفق الخطة، سار مصطحباً البغي حتى وصلا مورد الماء، ولما جاء انكيدو مع الحيوانات، قال للبغي "هذا هو أيتها البغي فاكشفي عن نهديك ومفاتن جسمك ليتمتع بها... فأسفرت البغي عن صدرها وكشفت عن عورتها وتمتع بمفاتن جسمها…" ولبث انكيدو معها ستة أيام وسبع ليال "وبعد أن قضى حاجته منها وأراد اللحاق بألفه من حيوانات البرية أنكرته وهربت منه، وخذلته رجلاه لما هَمَّ أن يطاردها ويلحق بها". وهكذا زالت القوة الوحشية عن انكيدو ولكنه أصبح "فطناً واسع الحس والفهم(39)."
اضطر انكيدو الرجوع للبغي التي قالت له "أصبحت الآن يا انكيدو عارفاً حكيماً مثل إله، فعلامَ تتجول مع حيوانات البرية؟ تعال أُقدمك إلى (اوروك) ذات الأسوار، إلى بيت آنو عشتار حيث يعيش كلكامش المكتمل القوة والمتسلط على الناس كالثور الوحشي." وافق انكيدو وقال "هلمّي أيتها البغي، خذيني إلى البيت المشوق، مسكن آنو عشتار، إلى حيث يحكم كلكامش وسأتحداه وأُنادي وسط اوروك! أنا الأقوى! أنا الذي سأُبدل المصائر(40)."
وفي هذه الأثناء يحلم كلكامش ويقص حلمه على أُمه فتفسر مغزى الحلم أن غريماً له سيظهر عن قريب وسيكون مماثلاً له في البأس والقوة، لكنه سيصبح رفيق عمره الذي لا يخذله (41). وتأخذ البغي بيد انكيدو "كأنها أُمه" وتقوده إلى اوروك حيث يتعلم أمور التمدن العامة: يستحم ويقص شعره ويطيب جسمه بالزيت ويأكل الخبز ويشرب الخمر. وهكذا هيأته على مدى ستة أيام وسبع ليال. وبمناسبة حصول تجمع في مركز المدينة (الزواج المقدس) يلتقي البطلان ويجري صراع هائل بينهما يشبه مغامرات هرقل الأغريقي (بطل الأساطير الدينية الاغريقية الذي اشتهر بمغامراته الحربية مع الوحوش والآلهة)(42). ورغم رجحان كفة كلكامش في النهاية لكنه هدأ وترك خصمه.. ولما استدار ليمشي كلَّمه انكيدو قائلاً له: رفع انليل رأسك عالياً بين الناس وقدَّر اليك الملكية بين البشر(43).
بعد أن أصبح البطلان صديقين حميمين، عزم كلكامش القيام بحملة إلى (غابات الأرز) لتخليد اسمه والترفيه عن صاحبه الذي يبدو أنه سئم حياة الحضارة وأخذ يحن إلى حياته الأولى يوم كان طليقاً في البوادي. اتفق الصديقان على الرحلة، رغم ما أبداه انكيدو من مخاوف، خاصة وأن الإِله انليل قد وكَّل على الغابة مارداً لحراستها هو العفريت (خمبابا) الذي "زفيره عباب الطوفان وفمه نفاث ألسِنَة اللهب وأنفاسه الموت الزؤام." وكان خمبابا، لأِسباب غير معروفة، عدواً للإِله شمش(44). ويُحتمل أن هذه القصة في دوافعها العملية تعكس صدى المحاولات القديمة جداً للحصول على الأخشاب غير المتوفرة في البلاد(45).
أوعز كلكامش للصناع الحرفيين صنع عدة الحرب اللازمة لهذه الرحلة وجاءت ضخمة بما يناسب قوة البطلين. ثم اتجه نحو مجلس الشيوخ وخاطبهم "سأمد يدي وأقص الأرز فأُسجل لنفسي اسماً خالداً." وأمام إصرار كلكامش وافق المجلس على رحلته بعد تردد وأمدَّه بالنصائح(46). وقبل أن يشرع بالسفر زار مع انكيدو معبد أُمه الإِلهة ننسون ليسألها الشفاعة والبركة والنجاح في مهمته.. استجابت له ننسون ورفعت يديها إلى الإِله شمش وخاطبته بقولها "علامَ أعطيت ولدي كلكامش قلباً مضطرباً لا يستقر؟ والآن حثثته على السفر بعيداً إلى موطن خمبابا. فإلى أن يذهب ويعود ويبلغ غابة الارز ويقتل خمبابا ويمحو من الأرض كلَّ شرٍ تمقته، عسى أن تذكرك عروسك (اي) باليوم الذي ترجعه فيه، ولتوكل به حراس الليل والكواكب وأباك سين حين تحتجب أنت في المساء....(47)" ثم دعت انكيدو بحضور الكاهنات والبغايا والمتبتلات وأوصته قائلة "يا انكيدو القوي الذي ليس من رحمي قد اتخذتك منذ الآن ولداً… ها أنا أئتمنك على ولدي فارجعه إليَّ سالماً(48)." وبعد سفر شاق وطويل بلغا غابة الأرز ليلاً ومكثا خارجها(49). وفي الصباح دخل البطلان الأرض المحرَّمة (غابة الأرز) وشرع كلكامش بقطع أشجار الأرز. سمع العفريت خمبابا فهاج وهجم عليهما، وحلَّ الرعب بالبطلين، وكاد أن يفتك بهما لولا تضرعهما للإِله شمش واستجابة الإِله لدعائهما بتسليطه الرياح العاتية على خمبابا فسببت له الشلل التام وتمكنا من قتله(50).
عاد البطلان إلى اوروك وشاركا باحتفالات النصر التي أُقيمت لهما، وكان كلكامش في أبهى ملابسه وحلله والتاج على رأسه، فلما وقعت عينا عشتار عليه هامت به وخاطبته بقولها "تعال يا كلكامش وكن عريسي المختار، وأمنحني ثمرتك أتمتع بها... سأعد لك مركبات من حجر اللازورد والذهب... وستربط لجرهما شياطين الصاعقة بدلاً من البغال. وفي بيتنا ستجد شذى الأرز يعبق فيه إذا ما دخلته. وستُقَبل قدميك العتبة والدكة. سينحني لك الملوك والحكام وسيقدمون لك الأتاوة من نتاج السهل والجبل وستلد عنزاتك ثلاثاً وتلد نعاجك التوائم…" رفض كلكامش عرض عشتار، بل وعدَّ عليها مثالبها وعيوبها وأهانها وذكَّرها بغدرها لعشاقها السابقين وفي مقدمتهم (دموزي)- تموز الذي أنزلته إلى العالم الأسفل (ف16/5)(51).
غضبت عشتار وذهبت شاكية لسماء أبيها آنو، وبناء على إصرارها، خلق لها ثوراً سماوياً هائلاً وسلَّمه إليها فانزلته إلى اوروك وأخذ يفتك بِأهلها. وعند ذاك انبرى البطلان لمصارعته. وهنا تصف الملحمة وضعاً شبيهاً بمصارعة الثيران في إسبانيا(52). نجحا في قتل الثور بعد صراع عنيف وطويل. وفي هذه الأثناء كانت عشتار تراقب المنظر من معبدها وتلعن حاكم اوروك الذي قذفها بفخذ الثور. فراحت ومعها بغايا المعبد تندب موت الثور(53).
كان هذا السلوك أكبر من أن تتركه الآلهة يمر دون عقاب. فرأى انكيدو حلماً- وهو يعادل الحقيقة في حضارة وادي الرافدين(54). ومضمونه أن الآلهة الثلاثة الكبار (انو، انليل، انكي) ومعهم شمش اجتمعوا وتقرر في هذا الاجتماع القضاء على أحد البطلين، رغم اعتراض شمش:

لأِنهما قتلا الثور السماوي وقتلا خمبابا
فينبغي أن يموت ذلك الذي اقتطع أشجار الارز
ولكن انليل أجاب: انكيدو هو الذي سيموت
وكلكامش لن يموت(55).
حلَّ بـ انكيدو مرض الموت، وأدرك قرب نهايته، ولازم الفراش وأخذت تمر عليه ذكريات الأيام الخوالي عندما كان سعيداً يتجول مع حيوانات البرية، فوجَّه لعناته للبغي داعياً عليها الإِله شمش. ولما سمع الإِله كلامه خاطبه من السماء موبخاً إياه قائلاً علامَ تُلعن البغي يا انكيدو؟ تلك التي علَّمتك كيف تُؤكَل الخبز اللائق بالألوهية، وأسقتك خمراً يليق بالملوكية، وأعطتك كلكامش الوسيم خِلاًّ وصاحباً. ولما سمع انكيدو كلام شمش بدَّل لعناته إلى بركات(56). ولكن هيهات(57).
اشتد مرض انكيدو ورأى قبل موته حلماً آخر تكشَّف له فيه عالم الأموات، فقصَّ حلمه على كلكامش وكيف ظهر أمامه مخلوق مخيف مثل طير الصاعقة (زو) عرّاه من ملابسه وأخذ بخناقه حتى خمدت أنفاسه، ثم بدَّل هيئته وصارت يداه مثل جناحي الطائر مكسوتين بالريش، وقاده إلى دار الظلام- مسكن (ايراكلا)- البيت الذي حُرِّم ساكنوه من النور، حيث التراب والطين قوتهم وهم مكسوون بِأجنحة من الريش(58). وشاهد في هذا العالم الملوك وقد نُزِعَتْ تيجانهم وكُدِّسَتْ على الأرض(59). وأخيراً مات انكيدو فحزن كلكامش على صديقه وبكاه ستة أيام وسبع ليال قبل أن يواري جثمانه التراب "حتى نزلت دودة من أنفه (انكيدو)(60)." وبعد أن وسده اللحد هام كلكامش على وجهه في البراري محاولاً الهروب من المصير الذي حلَّ بصاحبه، وقام برحلة بعيدة وشاقة إلى (اوتو- نبشتم) بطل قصة الطوفان (في صيغتها البابلية) ليسأله عن سر الحياة وكيف استطاع نيل الخلود ودخول مجمع الآلهة(61).
صار شبح الموت يلاحق كلكامش ويفزعه بعد موت انكيدو. هل سيختفي مثلما اختفى صاحبه؟ أم سيكون بوسعه تجاوز هذا المصير المرعب!؟
"خائفاً من الموت أجوب السهوب
وقد أقضت مصيبة أخي مضجعي
كيف أستطيع السكوت وكيف أبقى ساكتاً
صديقي الذي أُحب عاد إلى الطين
هل يتوجب، عليَّ أنا ايضاً، أن أرقد مثله
كي لا أستيقظ أبد الآبدين(62)؟
أخذ كلكامش طريقه إلى (اوتو- نبشتم)، سائراً في البراري يصطاد الحيوانات لتوفير غذائه ولباسه. وبعد سفر طويل صعب محفوف بالمخاطر والأهوال لِما واجهه من مخلوقات وأشجار وظروف غريبة مذهلة ومرعبة، بلغ ساحل البحر، فوجد هناك صاحبة الحانة (سدوري) التي أوصدت أبوابها حالما لمحته من بعيد بسبب هيأته الغريبة. وبعد أن عرَّفها بشخصيته، حاورته قائلة "إن كنت حقاً كلكامش… فَلِمَ ذبلت وجنتاك ولاحَ الغمُّ على وجهك واستبدَّ بك الحزن وتبدَّلت هيئتك". وبعد أن أخبرها بموت صاحبه وحزنه عليه وفزعه من الموت، سألها بقوله "فيا صاحبة الحانة أيكون في وسعي أن لا أرى الموت الذي أرهبه(63)؟"وهنا تُقدم سيدوري له نصيحة دنيوية بالكف عن الحزن والتجوال، محببة إليه الإستمتاع بملذات الحياة:
إلى أين تسعى يا كلكامش
إن الحياة التي تبغي لن تجد
حينما خلقت الآلهة البشر
قدرت الموت على البشر
واستأثرت هي بالحياة
أما أنت يا كلكامش فليكن كرشك مملوءً على الدوام
وكن فرحاً ليل نهار
وأقم الأفراح في كل يوم من أيام حياتك
وأرقص وألعب نهار مساء
وأجعل ثيابك نظيفة زاهية
وأغسل رأسك واستحم بالماء
ودلل الطفل الذي يمسك بيدك
وأفرح الزوجة التي بين أحضانك
وهذا هو نصيب البشرية(64).
كما أخبرته تعذر الوصول إلى اوتو- نبشتم لأِن مياه بحر الموت تحول دونه. لكنها أرشدته إلى ملاح رجل الطوفان (اور- شنابي) الذي ساعده على عبور بحر الموت بقارب ركباه معاً فوصلا حيث يقيم بطل الطوفان(65). وبعد أن علم رجل الطوفان بسبب مجيء كلكامش أخبره بحتمية الموت وعبث ما يسعى إليه الإنسان من خلود، وقال اوتو- نبشتم:
"إن الموت قاسٍ لا يرحم
متى بنينا بيتاً يدوم إلى الأبد؟
وهل ختمنا عقداً يدوم إلى الأبد؟
وهل يقتسم الأخوة ميراثهم ليبقى إلى آخر الدهر؟
وهل يرتفع النهر ويأتي بالماء على الدوام
والفراشة لا تكاد تخرج من شرنقتها فتبصر وجه الشمس حتى يحل أجلها
لم يكن دوام وخلود منذ القدم(66).
ويا ما أعظم الشبه بين النائم والميت ألا تبدو عليهما هيئة الموت؟
ومن ذا الذي يستطيع أن يميز بين العبد والسيد إذا وافاهما الأجل!
إن آلهة الانوناكي تجتمع مسبقاً ... تقدر المصائر.
لقد قسموا الحياة والموت، ولكن الموت لم يكشفوا عن يومه(67)."
سأل كلكامش رجل الطوفان (اوتو- نبشتم) كيف استطاع الحصول على الخلود، رغم أنه بشر مثله، بل وأضعف منه. وتشكل إجابة اوتو- نبشتم قصة الطوفان. ومن المفيد التعريف بها أولاً..
(الطوفان) قصة حية تتكامل مع ملحمة كلكامش. ورد خبره في قائمة الملوك السومرية. تضمنت أن الطوفان جرف البلاد بعد حكم مدينة (شروباك)- تل فارة على بعد 140 ميل جنوب شرق الديوانية. واعتبر هذا الحدث حدّاً فاصلاً بين عهدين متميزين في تاريخ وادي الرافدين: ما قبل الطوفان وما بعده. كما "أن ما يذهل القارئ الصورة الحية لشخصيات الآلهة التي تضفي عليها صفات الإنسان البدائي والصراحة في وصف هيجانها وغضبها...(68)" ومن الناحية التاريخية تشكل القصة الأكثر قِدَماً، إذ استقرت فكرة الطوفان في وجدان العالم القديم. والمعتقد أنها ترجع في أصولها إلى الفيضانات العارمة للنهرين الكبيرين (دجلة والفرات). وذهب الباحث الأثري المعروف وولي الذي نقَّب في اور إلى احتمال وقوع هذا الطوفان في حدود 4000 ق.م (69). كما واستنتج العالم الفرنسي والخبير الجيولوجي ج. دي مورغان J.DE MORGAN الذي ترأس بعثة التنقيب الفرنسية في (سوس)- بلاد عيلام- إيران.. أن قصص الطوفان تُخلِّد ذكرى فيضان حدث بدرجة من الجسامة لا يمكن نسيانها وذلك في آخر عصر جليدي يرجع تاريخه إلى 8000 سنة، أي 5000 ق.م(70).
أما آثار هذه القطعة الأدبية فيكاد ينعقد الإجماع بين الباحثين على أن خبر الطوفان الوارد في الكتب المقدسة، بدءاً بالتوراة، هو نفسه الوارد في مآثر وأدب وادي الرافدين(71). يذكر جورج رو "تتماثل قصة الطوفان إلى حد يبعث على الدهشة مع تلك التي ترد في الكتاب المقدس (سفر التكوين 50،11- 80،22...)" وهذا يدلل على وجود "احتمال كبير أن العبرانيين استعاروا هذه الأسطورة، التي كانت تشكل تراثاً ثابتاً لدى سكان وادي الرافدين، من العراق فضمنوها في كتابهم المقدس…(72)"
وجِدَتْ قصة الطوفان في ثلاث روايات رئيسة تتشابه في خطوطها العامة والعديد من تفاصيلها. بدأت في أصلها مأثرة أدبية سومرية ثم ضُمَّت إليها أو عُدِّلت أو طورت وأُخرجت بصيغة بابلية، كما هو حاصل في أدب حضارة وادي الرافدين بعامة. وأُولى تلك الروايات بطلها (زيوسيدرا) الذي أنقذ البشرية من طوفان شمل الأرض كلها حسب مفهوم القوم. والثانية بطلها اوتو- نبشتم، محل العرض، والثالثة وأكثرها تفصيلا بطلها (اتراحاسيس) الذي يقوم بدور مشابه في إنقاذ البشرية.
كانت عقوبة الطوفان في رواية اتراحاسيس آخر سلاح تلجأ إليه الآلهة للحد من تكاثر البشرية التي أخذت ضوضائهم وصخبهم تقض مضجع الآلهة وتحرمها من الراحة والهدوء (وهي نفس المشكلة التي دفعت الآلهة القديمة في محاولتها تصفية الآلهة الحديثة- قصة الخليقة البابلية). ويظهر أن انليل- إله الجو/ الرياح، كان المحرض على قيام الآلهة بمجموعة خطوات متلاحقة الغرض منها الفتك بالبشرية وإهلاكهم. ففي المرة الأولى أقنع انليل الآلهة إنزال الأمراض والاوبئة وفوضت (نمتار)- الإِله الموكول بالأمراض والأوبئة- تنفيذ خطتها. فانتشر الوباء في البلاد "وأخذ يلتهم الناس التهاماً." وعندئذ استنجد اتراحاسيس بـ انكي/ ايا لتخليص الناس من هذا الهم. جاءت توصية انكي بناء معبد للإِله نمتار وتقديم الهدايا والنذور له "وعندئذ سوف يرفع نمتار يده عنهم." وبمرور فترة زمنية أُخرى وتكاثر أعداد الناس من جديد وازدياد صخبهم وضجيجهم، قرر انليل أن يعاقبهم بالجفاف والقحط والمجاعة، وهكذا أصدر أوامره للآلهة: ادد لحبس المطر، انكي لمنع المياه الجارية، نيسابا- إلهة الحنطة "أن تمنع فيض ثديها". حلَّت المجاعة بين الناس لمدة ست سنوات متوالية (وهنا فكرة مشابهة للحلم الذي رآه يوسف في مصر- قصة يوسف). فلم ينبت الزرع، وسادت المجاعة وفتكت الأمراض بالناس، وأصبحت الأجسام ضامرة، وتوقفت الولادات، وأصاب الناس الجرب، وتشوهت ملامحهم "اتخذوا من البنت عشاء لهم. واتخذوا من الولد غداء لهم.. لكنهم لم يشبعوا. حتى التهم كل جار جاره. وكان الناس أحياء ولكن على حافة الموت. (73)" يبُادر انكي مرة أُخرى بالإشفاق على الناس وإنهاء مصيبتهم فيسمح بتدفق المياه من العمق. وبهذا التصرف عرض نفسه لغضب انليل الذي صمَّم هذه المرة أن تؤدي جميع الآلهة القسم لإرسال الطوفان وتدمير الأرض ومن عليها.
شروباك مدينة اوتو- نبشتم إبن ملك المدينة(74)، التي كانت مقراً لإِقامة الآلهة الذين اجتمعوا بحضور الثلاثة الكبار (انو، انليل، انكي). وبتحريض من انليل صدر قرارهم لإِفناء البشر بتسليط الطوفان عليهم. لكن انكي بادر منذ البداية الوقوف إلى جانب البشر، ونقل قرار الآلهة بشكل غير مباشر لـ اوتو- نبشتم "يا كوخ القصب! يا كوخ القصب! أسمع يا كوخ وأفهم يا حائط. يا رجل شروباك، يا ابن اوبار- توتو، قوّض بيتك وأبني لك فلكاً. تخلَّ عن مالك وأطلب النجاة. أنبذ الملك وانجَ بحياتك، وأحمل في السفينة بذرة كل ذي حياة. والسفينة التي تبني أضبط قياسها. ليكن عرضها مساوياً لطولها، وأختمها جاعلاً إياها مثل مياه ألـ ابسو(75)." ولما سمع رجل شروباك (اوتو- نبشتم) تصدَّع للأمر، وفهم قرب حدوث الفيضان وكيف يتصرف. صنع السفينة بمساعدة أهل المدينة في سبعة أيام وجهَّزها بالمؤن والمتاع، وأدخل فيها من كل حي بذرة، بما في ذلك الحيوانات، علاوة على أهل بيته وذوي قرباه(76).
كما عيَّن الإِله شمش له موعداً بقوله "حينما ينزل الموكل بالعواصف أمطار الموت والهلاك في المساء فادخل السفينة وأغلق بابها." ولما حان الوقت المحدد سقط المطر المهلك "فولجتُ في السفينة واغلقت بابي…" وفي هذه الأثناء أخذ كل من آلهة السماء والأرض دوره في إطلاق الفيضان ليصل أقصى حالاته من رعود مزمجرة تبلغ عنان السماء وزوابع وأمطار غزيرة، علاوة على إطلاق مياه العمق. فدمرت المساكن والأبنية والسدود، وساد الظلام الداكن "وصار الأخ لا يبصر أخاه، والناس لا يُميَّزون من السماء".. حتى الآلهة ارتعدوا من شدة الهول فأخذوا يتراجعون إلى خلف لغاية بلوغهم سماء انو "لقد استكان الآلهة وربضوا كالكلاب خارج الجدار(77)."
استمر الطوفان ستة أيام وسبع ليال، وفي اليوم السابع هدأت الأوضاع، نظر اوتو- نبشتم من فتحة صغيرة في سفينته إلى الجو فرأى السكون مطبِقاً "ورأيت البشر وقد استحالوا جميعاً إلى طين… فسجدت وبكيت وانهمر الدمع على وجهي...(78)"
استقرت السفينة على جبل فمسكها الجبل ولم يدعها تجري. ويباشر رجل الطوفان في معرفة مدى إمكانية الخروج من السفينة والعودة للأرض، فأخرج حمامة وأطلقها فما لبثت أن عادت لأِنها لم تجد محطّاً لها، وحصل للسنونو نفس الشيء في المحاولة الثانية، وفي المرة الثالثة أطلق الغراب فطار ولم يعد بعد أن وجد مكاناً يحط فيه(79).
وحال تأكد رجل الفيضان إمكان العودة للأرض، أخرج ما في السفينة "وقرَّبتُ القرابين وسكبتُ الماء المقدس على قمة الجبل...وكدَّستُ أسفلها القصب والآس والأُرز فشمَّ الآلهة شذاها، وتجمعوا حولها كأنَّهم الذباب(80)." ولما وصل انليل قال غاضباً للآلهة "عجباً كيف نجتْ نفس واحدة وكان المقدر أن لا ينجو بشر من الهلاك؟" أجابه (ننورتا) بقوله "من ذا الذي يستطيع أن يقوم بهذا الأمر غير ايا…" وهنا قال ايا مخاطباً انليل "أيها البطل‍ أنت أحكم الآلهة، فكيف لم تبصر فأحدثت الطوفان؟ حمِّلْ صاحب الخطيئة وزر خطيئته والمعتدي إثم اعتدائه، ولكن إرحم في العقاب لئلاّ يمعن في الشر… أما أنا فلم أفشِ سر الآلهة ولكن جعلت اوتو- نبشتم يرى رؤيا فأدرك سر الآلهة، والآن تدبر أمره وقرر مصيره(81)." هدأ انليل ولانَ وخفًّت سورة غضبه، ثم دخل السفينة وجعل رجل الطوفان وزوجته يسجدان أمامه ولمس ناصيتهما وباركهما قائلاً "لم يكن اوتا نبشتم قبل الآن سوى أحد البشر، ولكنه منذ الآن هو وزوجته مثلنا نحن الآلهة، وسيعيش اوتانبشم بعيداً عند فم الأنهار."
وهنا يوجه اوتانبشتم كلامه إلى كلكامش: من سيجمع الآلهة من أجلك لتنال الحياة الخالدة؟ تعال أمتحنك "لا تنم ستة أيام وسبع ليال." لكن كلكامش أخذته سنة النوم حال جلوسه، فالتفت بطل الطوفان لزوجته قائلا "انظري وتأمَّلي هذا الإنسان القوي الذي ينشد الحياة قد غلبه النوم." فاقترحت عليه زوجته إيقاظ كلكامش ليعود أدراجه من حيث أتى، لكن اوتا- نبشتم حذَّرها قائلاً "لما كان الخداع سمة البشرية فإنه سيخدعك. فأخبزي له أرغفة من الخبز وضعيها عند رأسه، والأيام التي ينام فيها أشريها على الجدار." فعلت ما أمرها. ولما كان الرغيف السابع لا يزال على الجمر لمس اوتا- نبشتم كلكامش فاستيقظ وقال له "لم تكد تأخذني سنة من النوم حتى لمستني فايقظتني." أجابه اوتا- نبشتم "يا كلكامش عدْ أرغفتك ينبئك المؤشر على الحائط عدد الأيام التي نمتها."
عندئذ يئس كلكامش.. وأمر رجل الطوفان ملاحه أخذ كلكامش ليغتسل ويبدل ثيابه ويعود به إلى مدينته اوروك. وقبل أن يهمّا بركوب سفينة العودة، تشفَّعت له زوجة بطل الطوفان عند زوجها بِأن لا يدعه يعود خائباً لبلاده. فكشف له اوتا- نبشتم سر نبات شوكي عجيب ينبت في أعماق البحر له خاصية سحرية في تجديد الشباب. نجح كلكامش في العثور على ذلك النبات وفرح وقال لرفيقه الملاح أنه سيحمله معه إلى اوروك ويشرك الناس معه ليأكلوه، وسيكون اسمه (يعود الشيخ إلى صباه كالشباب). أما هو فسيأكل منه في أواخر ايامه حتى يعود إلى شبابه. ولكن أثناء توقفهما في الطريق تسرق الحية منه هذا النبات وتأكله، فتنزع جلدها حالاً وأصبحت تجدد شبابها كل عام(82). حزن كلكامش بعد أن ضاعت عليه الفرصة الأخيرة لحصوله على الخلود. لكن الملاح يفتح عين كلكامش على طريق آخر لخلود الأنسان من خلال ما يتركه خلفه من عمل طيب ينفع الناس/ المجتمع.
وفي خاتمة هذه الملحمة ترد قصة "موت كلكامش" وهي قصة سومرية الأصل يعود تدوينها للعصر البابلي القديم (الألف الثاني ق.م)، ورغم قلة ما تبقى من النص الأصلي فهي تلقي ضوءاً ساطعاً على جانب مهم من معتقدات القوم عن عالم الأموات.
تتلخص القصة في أن كلكامش أدرك الحقيقة ورضخ لحتمية الموت المقدرة على الإنسان. وهدأت نفسه بما منحه له الإِله انليل من الملوكية ورفعة الشأن والبطولة. وبعد موته تصطحبه أسرته وحاشيته: زوجته ومحظياته وأولاده وخدمه وأتباعه الذين ذهبوا معه إلى عالم الأموات، ومعه أيضاً الهدايا التي قدمها كلكامش إلى آلهة العالم الأسفل وفي مقدمتهم ملكة هذا العالم ايريشكيكال. وهذه القصيدة تكشف مسألة جوهرية هي أن الأتباع الذين رافقوا كلكامش من أُسرته وحاشيته دُفنوا أحياء على غرار ما كان يمارس في حضارة وادي الرافدين في إحدى الفترات المبكرة من عصر فجر السلالات بدفن حاشية الملك معه كما في مقبرة اور الملكية(83).

4- أساطير وقصص ملحمية أُخرى
تروي قصة (كلكامش و "اكا" حاكم كيش) أحداث الصراع بين كلكامش ملك الوركاء وبين اكا آخر ملوك سلالة كيش الأُولى، وكلاهما حكما في حدود منتصف الألف الثالث ق.م.(84). وهي تصور أوضاع ذلك العصر الذي سادته الصراعات والحروب (عصر فجر السلالات: عصر دول المدن السومرية).
تبدأ القصة بقرار ملك كيش محاولة فرض نفوذه على الوركاء، وإرساله إنذاره لـ كلكامش بالخضوع إليه أو الحرب. يعرض كلكامش الأمر على مجلس شيوخه فيقرر الاستسلام تحاشيا للقتال والضحايا. فيذهب كلكامش لمجلس المحاربين الذي يتخذ قرار الحرب والتي تقع فعلاً. أما نهاية هذه الحرب فغير معروفة لإصابة النص بثغرات وخروم. لكن خطاب الثناء والمديح المرسل من كلكامش إلى اكا، يبين احتمال حصول صلح بينهما. تعتبر هذه القصة فريدة في الأدبيات السومرية. تعكس اهتماماً قوياً بالوجود البشري، وهي متحررة من أي تدخل إلهي.(85)
تتحدث "أسطورة الطائر زو" عن مخلوق غريب بهيئة طائر اسمه زو/ انزو، وربما كان من آلهة العالم الأسفل. عُرف بشدة بأسه. وأثناء وجود انليل- إله الجو في مرفق الماء للإغتسال، سرق زو منه ألواح القدر التي هي مصدر قوة الإِله وسر قدراته. وبذلك تعطلت أقدار الكون وأصاب الآلهة الهلع والاضطراب. اضطر كبير الآلهة آنو جمع أبنائه طالباً أن ينبري أحدهم لملاحقة زو واسترداد ألواح القدر، لكنهم أحجموا خوفاً من بطشه. وأخيراً تمكن أحد الآلهة استرداد ألواح القدر من الطائر لا بالمواجهة المباشرة بل بالتحايل عندما دعا زو وزوجته وابنه إلى وليمة استطاع أثناءها السيطرة عليه وتنفيذ خطته(86).
تتعلق "ملحمة ايتانا" في الفكر السومري القديم بوراثة الحكم بوصفها قيمة من قيم الحضارة. فمن أجل منح البشرية النظام والأمن أنزلت الآلهة الملوكية من السماء على ايتانا التقي. كما أنها تعرض أقدم حلم للطيران عند الإنسان. وبطل الأسطورة (ايتانا) هو الملك الثالث عشر لسلالة كيش الأولى (تل الاحيمر) التي حكمت بعد الطوفان حسب قائمة الملوك السومرية. وذكرت أزاءه "ايتانا الراعي الذي عرج إلى السماء وموطد جميع البلاد(87)." لم يكن له وريث رغم تقديمه القرابين، فدعا الإِله شمش مساعدته للحصول على (حجر الولادة) أو (نبات النسل)(88). استجاب له شمش ونصحه أن يصعد إلى الجبل ليجد نسراً سيدله على (نبات النسل). وهنا تبدأ الأحداث الرئيسة للأسطورة، فتتحدث عن نسر وثعبان عقدا عهد صداقة ووفاء بينهما برعاية ومباركة شمش على أن يعيشا بسلام ووئام وتعاون. وصارا صديقين حميمين حتى أنهما كانا يتقاسمان صيدهما معاً. ومع نضوج فراخ النسر وقدرتهم على الطيران أقدم النسر على خيانة صاحبه فأكل صغار الثعبان وطار مع صغاره للأجواء البعيدة. حزن الثعبان وبكى ودعا شمش أخذ حقه من النسر.
أشار شمش على الثعبان بالصعود إلى جبل ليجد فيه ثوراً وحشياً ميتاً. عليه أن ينقر بطنه ويختبئ داخله، وعندما يأتي النسر ليأكل من لحمه عندئذ يمسك به وينتف ريشه ويكسر جناحه ويرميه في حفرة حتى يموت جوعاً. فعل الثعبان ذلك وحقق مراده في معاقبة النسر. يبدأ النسر في استعطاف شمش الذي يرفض مساعدته إلا بعد تكرار استعطافه. فيهيئ (ايتانا- المار الذكر) ليتفق مع النسر على تخليصه من الموت لقاء مساعدته الحصول على نبات النسل. وبعد شفائه يأخذه النسر على جناحيه إلى السماء السابعة (سماء آنو) وبقية الأسطورة غير معروفة بسبب تلف النص. والمرجح أنه حصل على بغيته كما تشير إلى ذلك قائمة الملوك السومرية التي تضمنت اسم الملك (بالبخ) على أنه ابن ايتانا الذي خلفه في الحكم. وتشبه هذه الملحمة أسطورة يونانية تتعلق بالنسر والجعل(89).
تنتمي "أسطورة ادبا/ ادابا" لمجموعة الأساطير التي تُقدم العِظة الأخلاقية بشأن آراء القوم في الخير والشر والموت والخلود وعلاقة الإنسان بالآلهة. ويدور موضوعها الرئيس حول تعذر نيل الإنسان للخلود حتى عند موافقة الآلهة. ويذكر طه باقر أن للأسطورة أهمية خاصة لوجود شبه بينها وبين قصة اخراج آدم من الجنة "وقد رأى غير واحد من الباحثين في اسم بطل الأسطورة (ادبا) صيغة لفظية اُخرى لاسم (آدم)، وأن معاني كلمة (ادبا) و (ادب) في البابلية الإنسان(90)." وهناك من قارن بين بطل هذه الأسطورة وبطل يوناني أخفق في الحصول على الخلود بتخطيط من الآلهة(91).
(ادبا) من البشر، بنسب إلهي، خلقه انكي/ ايا نموذجاً للإنسان الكامل، ومنحه الحكمة ورجاحة العقل، وصار على رأس حكماء عصره (الحكماء السبعة) المعروفين في حضارة وادي الرافدين باسم (ابكلو) APKALLU، وجعله مثلاً للإنسان الصالح، محباً للناس، يساعدهم في أعمالهم، وتُنسب اليه قصة إشارته على سكان مدينته امتهان حرفة صيد السمك. وكان زاهداً تقياً يخشى الآلهة ويقدم القرابين باستمرار، ويقوم على تزويد مائدة الإِله ايا في معبد المدينة بالسمك (92).
كان ادبا يمتهن صيد السمك في مدينته اريدو (ابو شهرين)- واحدة من أشهر المدن السومرية المقدسة المهمة لكونها المسكن الأرضي للإِله ايا (ف2/3). وعُرِفَ بحذقه في الملاحة. وذات يوم وهو يصطاد السمك في "البحر العظيم" هبَّت ريح الجنوب بقوة مفاجئة قلبت قاربه وأشرف هو نفسه على الغرق. وفي غمرة انفعاله تفوَّه ادبا بـ (لعنة) "سببت كسر أجنحة ريح الجنوب" التي شخَّصها القوم في صورة طائر. "مما أدى إلى توقف هبوبها على البلد فترة طويلة." أحسَّ كبير الآلهة آنو بسكوت ريح الجنوب وعلم أن ادبا ابن الإِله ايا هو المتسبب في المشكلة، فاستشاط غضباً وطلب إحضار ادبا أمامه ليعاقبه عل فعلته.
عرف ايا بالأمر، فنصح ادبا وزوَّده بتعليماته من أجل نجاته وهيأه للمحاكمة.. انطلق ادبا إلى سماء آنو وهو أشعث الشعر بملابس الحداد (السواد)، فقابل في طريقه إلى عرش آنو الإِلهين المختفيين من الأرض: دموزي- تموز و كزبدا. وعندما سألاه عن سبب هيئته وارتياده ثياب الحِداد، أجابهما أنه حزين على إلهين اختفيا من الأرض، فسرّا بذلك وسمحا له بالدخول (لأِنهما المختفيان من الأرض)، بل وشفعا له عند آنو. وإلى هنا نجحت تعليمات وخطط ايا.
وبعد أن مثَّل في حضرة الآِله، سأله آنو عن سبب كسره أجنحة الريح الجنوبية، أجاب ادبا إنها أغرقت سفينته وحرَّمته كسب رزقه. وبمساندة الإِلهين المذكورين، اقتنع آنو وبدلاً من أن يُعاقبه قرر أن يُطعمه طعام الحياة ويسقيه ماء الخلود، إلا أن ادبا رفض الطعام والشراب وقبل من آنو فقط الرداء فلبسه والزيت فزيَّت به جسمه.. وهنا استغرب آنو من تصرف ادبا وسأله لماذا رفض الطعام والشراب، أجابه ادبا بِأنه عمل حسب تعليمات ايا. وعندئذ أخبره أنه فقد فرصته في الخلود. وقال آنو لأِتباعه "خذوه وردوه إلى الأرض". ثم سخر إله السماء من نصيحة إله الحكمة ايا، وقال ضاحكا:
مَنْ من آلهة السماء والأرض على كثرتهم أعطى مرة مثل هذا الأمر
ومن يستطيع منهم أن يجعل أمره يفوق أمر آنو؟
تُعتبر هذه الأسطورة واحدة من الأساطير الجريئة التي "لا يتردد مؤلف القصص من عرض الآلهة وهم يحملون نقاط الضعف الإنسانية، وهو يتركنا نحمل انطباعاً بِأن هذه هي الطريقة التي كان يُنظر بها إليهم. فبالرغم من أنهم كانوا أقوياء، إلا أن هناك حدوداً لقوتهم (93)."
"أسطورة ايرا" متأخرة، نُظمت في الغالب إثر غزو العيلاميين لمدينة بابل وإنهاء حكم السلالة الكشية (ف7). تركز موضوعها الأساس على وصف ويلات الحرب والأمراض كالوباء والطاعون التي هي من اختصاص الإِله ايرا، مقابل ما يحققه السلام من نعمة الاستقرار والخير والرفاه الذي هو من صنع (مردوخ) إله بابل.
سلَّط ايرا الوباء على بلاد بابل وغزاها الأعداء بعد أن خدع مردوخ وأبعده عن مدينته بإِغرائه النزول إلى أجزاء من العالم الأسفل للحصول منها على شيء من المواد الثمينة والصناع المهرة ليصنعوا له ملابس وأثاثاً.. وهكذا خلى الجو لإِله الأمراض فسلَّط على بابل الحرب والدمار والطاعون. ولكن لأِسباب غير معروفة خفَّف بطشه وكفَّ عن التدمير وبشَّر بلاد بابل بعودتها لسابق عهدها من الرخاء والازدهار(94).

5- أساطير ما بعد الموت
تبدأ أحداث "أسطورة كلكامش وشجرة الخلبو" عند بدء الخليقة. حدث في تلك الفترة أن شجرة الخلبو اقتلعتها الرياح الجنوبية وجرفها نهر الفرات حتى أوصلها التيار إلى الوركاء وصادف أن رأتها الإِلهة عشتار فانتشلتها وحمتلها لبستانها المقدسة في المدينة وتعهدتها بالرعاية حتى نمت وازدهرت وقررت أن تصنع من خشبها بعض الأثاث. لم تستطع عشتار ذلك لأِن ثعباناً اتخذ جزئها السفلي مأواها، وابتنى فيها طير الصاعقة (زو) عشاً لصغاره، واتخذت الشيطانة (ليلث) وسطها مأوى لها. حزنت انانا لِما حلَّ بشجرتها. ولما علم كلكامش بمحنتها أسرع لنجدتها فذبح الثعبان وطرد طير الصاعقة زو والجنية ليلث منها. ثم جمع بعض رجالات اوروك وقطع الشجرة وقدَّمها إلى انانا التي صنعت منها كرسياً وسريراً، وكذلك آلتين هما (بكو) PUKKU و (مكو) MUKKU. أهدتهما لـ كلكامش جزاء صنيعه. ولكن لسوء الحظ سقطت الآلتان في العالم الأسفل ولم يستطع كلكامش استعادتهما فحزن وصار يندب خسارته(95).
في الجزء الثاني من الأسطورة، "نزول انكيدو إلى العالم الاسفل" يتطوع صديق كلكامش (انكيدو) لنجدته بالنزول هناك لإسترجاع الآلتين، عندئذ نصحه كلكامش مراقبة سلوكه عند نزوله إلى عالم الأموات: أن يكون هادئاً ولا يدع أحداً من الأموات يحس بوجوده، لا يلبس حُلُّة زاهية، ولا يطيب جسمه بالزيت الفاخر، ولا يرمي عصا، ولا ينتعل، ولا يُقَبِّل زوجاً أو ولداً، ولا يُحدث صوتا.. لكن انكيدو سار على عكس وصايا صاحبه فأثار الموتى بتصرفاته وأحاطوا به، فقررت ملكة العالم الأسفل أن يبقى انكيدو حبيس هذا العالم لأِن من سننه: لا يخرج من دخله "أرض أللاّ عودة".
صار كلكامش يندب صديقه ويبكيه. قصد معبد الإِله انليل في نفر، ثم معبد الإِله سين في اور، فلم يجد العون. وأخيراً، التجأ لمعبد الإِله ايا في اريدو وكرر الاستغاثة بِأن يسمح إله العالم الاسفل (نرجال) إحداث فتحة صغيرة لتخرج منه روح انكيدو فتخبره عن أحوال ذلك العالم. استجاب نرجال وخرجت روح انكيدو (شبحه) كأنها الريح فتعانق الصديقان وأخذ كلكامش يسأل شبح صاحبه عن أخبار عالم الأموات، أخبره انكيدو بقوله: الظلام والتراب والطين وانعدام الهواء.. من مات فجأة أو قتل في معركة ينام على سرير ويشرب الماء الصافي، بينما لا تجد روح الميت الاستقرار والراحة لمن تُركت جثته "بدون دفن" أو بدون إجراء طقوس الدفن وطقوس الميت من الصلوات والقرابين "إنه يشرب من الحثالة ويأكل كسر الخبز من فضلات المدينة"، بينما تتحسن معاملة روح الميت كلما ترك الميت أعداداً أكبر من الأولاد الذكور(96).
وفي " اسطورة نرجال (و) ايريشكيكال" أن الآلهة هيأوا في أحد الأيام وليمة كبرى فأرسلوا رسولاً لأِختهم (ايريشكيكال) إلهة العالم الأسفل ليقول لها "لما كنا لا نستطيع أن ننزل اليكِ وأنت لا تستطيعين أن تصعدي إلينا فابعثي إلينا من يحمل إليك حصتك من الوليمة". بعثت ايريشكيكال وزيرها (نمتار) NAMTAR فرحَّبوا به ونهضوا إجلالاً وتكريماً لأِختهم. ولكن الإِله نرجال لم يفعل ذلك. فعاد الرسول إلى ملكته وقص عليها الحدث. وعندئذ بعثت إلى مجمع الآلهة أن يحضر ذلك الإِله الذي لم ينهض لرسولها إجلالاً لمقامها لكي تودعه في عالم الأموات. رضخ نرجال، مُكرَهاً، لطلب الإِلهة، ولكن حال وصوله إلى قصر ايريشكيكال حدث ما لم يكن بالحسبان. فبدلاً من اعتذاره لها، هجم عليها وأمسك بشعرها وأنزلها من عرشها وجرها على الأرض وهمَّ بقطع رأسها، فتخاذلت الملكة واستعطفته قائلة "لا تقتلني يا أخي، ودعني أقول لك كلمة: كُنْ زوجي وسأجعلك ملكاً على مملكة العالم الأسفل الواسعة." وهنا لانَ نرجال وتبدَّل غضبه إلى حب وهيام وصار زوجها وحكم معها ملكاً وإلهاً(97).
من الأساطير المهمة عن عالم ما بعد الموت بخاصة والمعتقدات الدينية بعامة، هي أسطورة " نزول عشتار إلى العالم الأسفل". خلاصة الرواية السومرية هي أن انانا ملكة السماء، وهي مدفوعة ببواعث غير معرومة، صممت النزول إلى العالم الأسفل(98). وقبل ان تبدأ رحلتها تزودت بالنواميس الإِلهية السبعة (التي يسير بموجبها نظام الكون) ولبست أجمل حُليّها وجواهرها واستعدت للنزول إلى (أرض أللاّ عودة). وخشية أن تحبسها أختها ايريشكيكال في مملكتها، أوصت رسولها (ننشوبر) NINSHUBUR إذا لم تعد في بحر ثلاثة أيام عليه أن يلبس ثياب الحزن ويخف إلى نجدتها لدى انليل في نفر، فإن لم يستجب فعليه بـ (سين)- اله القمر، وإذا لم يستجب فعليه طلب النجدة من ايا في اريدو "وهو الحكيم العارف بسر طعام الحياة وشراب الحياة(99)." وبعد مضي الأيام الثلاثة دون عودة عشتار، بدأ ننشوبر تنفيذ خطة انانا، ورغم تقاعس الإِلهين الأولين لنجدتها فإن ايا استجاب، كما توقعت انانا، ودبَّر خطة أنقذتها وأعادتها إلى الحياة، وخرجت من العالم الأسفل بنواميسها وحليها وملابسها بعد أن سُلبت منها عند دخولها(100).
الأسطورة التالية المكملة هي " نزول دموزي (تموز) إلى العالم الاسفل" فمع خروج انانا من عالم الأموات رافقتها مجموعة الشياطين بغية تسليمهم بديلاً يحل محلها في عالم الأموات. فكان أول من لاقت رسولها ننشوبر الذي حالما رآها تمرغ في التراب وهو يلبس ثياب الحداد. فلما همَّ الشياطين القبض عليه بديلاً عن انانا، حالت دون ذلك. وفي طريقها لاقت حالات مماثلة من التقدير من آلهة المدن التي مرت بها. وكانت في كل مرة تمنع الشياطين من القبض على أي منهم لأِخذه بديلاً عنها. وعند وصولها إلى مدينتها وجدت زوجها دموزي- تموز الذي لم يكترث لمقدمها ولم تبدو علية إمارات الحزن، فطلبت من الشياطين أخذه بديلاً عنها إلى العالم الأسفل. ولأِن غياب دموزي من العالم يعني غياب الخصب، عليه تحقق شيء من الاتفاق لخروجه من العالم الأسفل نصف العام (بداية الربيع) ليحل محله اخته- كشتن- انا(101).

6- أدب الحكمة
(1) قصيدة المعذب الصالح
تُعتبر من أشهر القصص الأخلاقية. يرقى تدوينها إلى العهد الكشي، لكنها سومرية الأصل واُضيفت إليها نهاية سعيدة تُعظم مردوخ إله بابل. سُميت بقصيدة (ايوب البابلي) لأِوجه الشبه الواضحة بينها وبين قصة أيوب المشهورة في التوراة، وسميت أيضاً (التقي المعذب)، كما عُرفت بفاتحتها (لأُمَجِدَنَّ رب الحكمة)(102).
يُرجح أن يكون بطل الأسطورة أحد وجهاء بابل من المتعبدين، ساءت أحواله وفقد ثروته ومكانته فجأة. ووجد نفسه منبوذاً من القصر وأصدقائه وعائلته، بل وعومل بمذلة حتى من عبيده. أخذ المرض بخناقه، وحيَّرت أعراضه الكهان وأصحاب التعاويذ. لذلك يصرخ بقوله "لم يدر إليَّ ربيّ وجهه، ولم ترفع آلهتي حتى رأسي، ولم ينقذني المعزم بشعائره من الغضب المقدس(103)." ويستمر بشكواه "لم أعرف في حياتي سوى العمل الصالح والعبادة، وشغلت أفكاري بالتضرع إلى الآلهة والتضحية والتقرب إليها، وكانت عبادة الآلهة سروراً لقلبي. ويبعث تمجيد الملك المسرة لقلبي…(104)"
تثير هذه الأسطورة علامة استفهام بِشأن المعتقدات الدينية للقوم، كيف يمكن تفسير الأمر عندما يُجازى التقي الصالح بالحرمان والمرض في حين ينعم الآثم بالغنى والصحة! وهنا يتجه المؤلف إلى تفسيرات تبرر حالة المعذب بقوله أن أحكام الإنسان قاصرة فهو مخلوق ابن ساعته ضعيف الإدراك بحكمة الآلهة(105). ومع هذا التبرير الميتافيزيقي يبقى التشكك قائماً، فيهرع المؤلف إلى معالجة هذه الحالة بنهاية سعيدة عندما قرر مردوخ، كما حصل لـ أيوب التوراتي، إعادة المعذب المتعبد لحالته السابقة من الصحة والثروة والجاه، وليبين أن العبادة والتقوى هي الغالبة في النهاية(106).

(2) قصيدة العدالة الإِلهية
تدور هذه القصيدة كذلك حول القيم الأخلاقية، وتحاول غربلة معتقدات القوم. ومن المرجح أن ترقى للألف الأول ق.م. نُظمت على هيئة حوار DIALOGUE، وتشبه أبياتها من حيث مقاطعها وتنظيمها ما ورد لاحقاً في المزامير (الزمور 119). وهي تدور على الشك والسخرية من جانب المعذب لتصل في بعض الحالات إلى درجة "التجديف والكفر". سُميت أيضاً "حوار في العذاب الإنساني" و "الجامعة البابلية"(107). ومن المدهش أن أسلوب الحوار الوارد هنا قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام وفي موضوع خطير (التشكيك في المعتقدات الدينية) يُجسد قدراً عالياً من رقة الكلام والنقاش المهذب والاحترام المتبادل!
يبدأ المعذب حواره مع صديقه الحكيم بالحديث عن همومه وآلامه وعما أصاب جسده من وهن وكيف أن الدنيا اسودت في عينيه وصار لا يرى أملاً في الخلاص.. هذا رغم أنه منذ صباه كان يتعبد الآلهة ويقدم لها القرابين، فكان جزاؤه أن أدارت الآلهة له ظهرها وجعلت أعزَّ أصدقائه يتنكر له وسلَّطت عليه أدنى الناس مكانة ومنزلة. وهنا يتساءل المعذب "لماذا لا تحمي الآلهة أولئك الذين لا يستطيعون حماية أنفسهم؟" ومن خلال هذا الحوار يلاحظ أن المعذب كان دائماً يضرب على وتر واحد ألا وهو حقيقة وجدوى العدالة الإِلهية.. من جهة أُخرى يحاول صديقه الحكيم تقديم الحجة تلو الحجة لردعه وإعادته إلى تقواه، وإن بدت حججه، في الغالب، غير مقنعة- على الأقل- بالنسبة للمُعَذَّب(108).
المعذب: أين الناصح الذي أشكو إليه عذابي؟ أراني قد انتهى أمري وتسلَّط عليَّ الشقاء. فعندما كنت طفلاً اختطف القدر أبي وذهبت أُمي إلى أرض اللاّ رجعة. ولا من يتكفل برعايتي.
الصديق: ما قلته يا صديقي الموقر يبعث على الحزن. أراك وجّهت فكرك إلى الشر والبؤس، وبدا فهمك كفهم العاجز، وبدَّلتَ بشاشة وجهك عبوساً. إن الموت قَدَرٌ على آبائنا وعلينا. وكما قيل منذ القِدَم "يعبر الجميع نهر خبر- الموت(109)."
المعذب: فكرك، يا صديقي، منبع لا يُدرَك عمقه، إنه البحر المتلاطم الذي لا ينضب. دعني أسألك: لقد خذلني التوفيق، وذهبت عني الراحة والطمأنينة. وهنت قواي، وفقدت النعيم والخير. واظلمَّ وجهي من كثرة الحزن والبكاء، تضاءلت غلال حقلي، فكيف سأنال السعادة؟
الصديق: يُجازي الآلهة الأتقياء الصالحين في نهاية المطاف.
المعذب: دعني أسألك سؤالاً: هل يقدم السبع المفترس، الذي يلتهم أحسن اللحم، قرابين إلى الآلهة؟ والفتى الذي كدَّس الأموال هل يقدم للآلهة (مامي) الذهب؟ وأنا هل انقطعت عن تقديم الصلوات والقرابين؟
الصديق: أعرف أنك ثابت كالأرض، وتعلم أن حكمة الآلهة صعبة الادراك. فإن الأسد الذي ضربته مثلاً تنتظره الحفرة التي ستصطاده، والفتى الذي كدَّس الأموال مَنْ أدراك إنه لن يموت حرقاً على يد الملك قبل حلول أجله؟ أترغب أن تسير في هذا الطريق؟ كلا! الأجدر بك أن تسعى وراء الجزاء الدائم الذي يعدك به إلهك.
المعذب: ما أشبه فكرك بالريح الشمالية، إنه نسيم عليل للناس. فيا أعزَّ صديق، دعني أقول لك كلمة واحدة: كثيرون هم الذين لا يلتزمون بعبادة الآلهة ولكنهم ساروا في طريق الفلاح، في حين أن العابدين الأتقياء فقراء معدمون. وأنا في أيام شبابي كنت أسير وفق إرادة إلهي، وتعلَّقت بِآلهتي في التضرع والصلوات. ولكن كنت أنوء بجر النير في "عمل سخرة" لا نفع منه. لقد كتب عليَّ إلهي الفقر بدل الغِنى. فالمُقعَد خير مني، والبليد سبقني، وعلا شأن اللئيم، أما أنا فنزلت إلى أحط درك.
الصديق: يا صديقي العارف المستقيم أرى أن أفكارك قد إعوجت وفسدت، ونبذت الاستقامة، وصرت تكفر في خطط إلهك وطرقه. بل إنك في سرك صرت لا تتقبل أقدار الآلهة المقدرة. إن خطط الآلهة المحكمة مثل أعماق السماء لا يُدرَك كنهُها.
المعذب: يستمر في التمادي بشكوكه حتى يبلغ فيها درجة "الكفر" فيقول ضمن ما يقول "لن أنصاع لأِوامر الآلهة، وسوف أدوس بقدمي على شعائرها…(110)"

(3) حوار بين سيد وعبده
تنتمي هذه القصيدة إلى أدب السخرية والتشاؤم، وكذلك التشكك بالقيم الاجتماعية والمعتقدات الدينية السائدة بسخرية لاذعة قد تُصوِّر الانحلال الذي ساد حضارة وادي الرافدين في أدوارها الأخيرة، وهي تعود إلى مطلع الألف الأول ق.م(111). وفي كل فقرة يتكرر السطرين الأولين في الفقرة الأولى، لذلك تم حذفهما من بقية الفقرات:
السيد: اسمعني أيها العبد
العبد: أجل يا سيدي، أني مصغٍ إليك
السيد: هيء عربتي واحضرها، أُريد أن أذهب إلى القصر
العبد: افعل يا سيدي، فإنك ستحقق كل رغباتك وتنال الحظوة عند الملك
السيد: لا أيها العبد لن أذهب إلى الملك
العبد: لا تذهب يا سيدي فإن (الملك) سيبعث بك في مهمة وستؤسر في أرض غريبة لا تعرفها وستلازمك المتاعب ليل نهار.

السيد: احضر لي في الحال ماء لأِغسل يديَّ لأِني أُريد أن آكل
العبد: كُل يا سيدي، كُل. فالأكل بانتظام يشرح القلب. إن الإِله شمش يحضر مأدبة كل من يأكل بيدين نظيفتين
السيد: لا أيها العبد، لن آكل
العبد: لا تأكل يا سيدي، لا تأكل فإن الجوع بعد الأكل والظمأ بعد الشرب يأتي لكل إنسان.

السيد: عزمت على أن أقوم بعصيان
العبد: افعل يا سيدي، افعل. فإذا لم تقم بعصيان فمن أين تحصل على ثيابك ومن يملأ لك كرشك
السيد: لا أيها العبد، لن أقوم بعصيان
العبد: لا تفعل يا سيدي، لا تفعل. إن من يقوم بعصيان إما أن يُقتل أو يُسلخ جلده أو تُسمَّل عيناه أو يُحتجز أو يُرمى في السجن.

السيد: أُريد أن أُحب إمرأة
العبد: افعل يا سيدي، افعل. فالرجل الذي يحب إمرأة ينسى أحزانه وهمومه.
السيد: لا أيها العبد، لن أُحب إمرأة
العبد: لا تفعل يا سيدي، لا تفعل. المرأة بئر(112). المرأة خنجر من حديد يقطع عنق الرجل.

السيد: احضر لي ماء لأِغسل يديَّ، أُريد أن أُقدِّم القرابين لإِلهي
العبد: افعل ذلك يا سيدي، افعل. فإن من قدَّم القرابين لإِلهه نال السعادة وأضاف دنيا على دين
السيد: لا يا عبد لن أقرب
العبد: لا تقرب يا سيدي، لا تقرب! تستطيع أن تعلم أن الإِله يركض وراءك كالكلب عندما يحتاج إليك لتقيم شعائره.

السيد: عزمت على أن أقرض الناس وأُساعدهم
العبد: افعل يا سيدي، افعل. إن من يقرض الناس تبقى حنطته خالصة ويكون ربحه جسيماً
السيد: لا أيها العبد، لن أقرض الناس
العبد: لا تفعل يل سيدي، لا تفعل! إن من يقرض الناس كمن يحب إمرأة… فاسترجاعها أمر عسير مثل ولادة طفل. ثم أنهم سيأكلون حنطتك وينزلون عليك لعناتهم دون هوادة ويحرمونك من الفوائد على حنطتك.

السيد: أُريد أن اساعد بلادي
العبد: افعل يا سيدي، افعل. إن من يساعد بلاده توضع حسناته أمام الإِله مردوخ
السيد: لا أيها العبد، لن أُساعد بلادي
العبد: لا تفعل يا سيدي، لا تفعل. اصعد فوق الأطلال القديمة وتمشى فوقها وانظر إلى جماجم السابقين واللاحقين، فأيهم الأشرار وأيهم الأبرار؟

السيد: والآن أي شيءٍ حسن في الدنيا؟ سأدق عنقك وعنقي أو نرمي بنفسنا في الماء، وهذا هو الشيء الحسن. وهنا بدَّل السيد رأيه بسرعة مماثلة وقال لعبده "لا أيها العبد، سأقتلك وحدك وأدعك تسبقني." فيجيبه العبد "هل يرغب سيدي في أن يعيش من بعدي حتى ولو كان ذلك لمدة ثلاثة أيام(113)!"


(4) الأمثال
تشكل الأمثال جانباً من أدب الحكمة. وهي بصفة عامة تُقال في مناسبات معينة وبجمل قصيرة مركزة تُعبِّر بالنتيجة عن تجارب وحالات اجتماعية محددة. لذلك تكون صعبة الفهم بعامة وتتطلب مسبقاً معرفة بالوقائع والأحداث التي حصلت فيها حقيقة أو افتراضاً. وتزداد الصعوبة عندما تعود هذه الأمثال إلى آلاف من سنين مضت، رغم أن أمثالاً عديدة منها لا زالت حية في مجتمعاتنا. والسطور التالية نماذج منها جُمعت من مصادر متعددة(114).
* لذة الخمر (تُذهب) وعث الطريق.
* من لا يعرف الخمر لا يعرف الخير، فالخمر يدخل السرور إلى كل بيت.
* تملَّق المرء فيعطيك ما تريد.
* إرمِ كسرة للكلب يهز لك ذيله.
* الفقراء هم الصامتون وحدهم في سومر.
* صاحب المال سعيد بلا شك، ومن يملك الكثير من الحبوب سعيد بلا ريب. أما من لا يملك شيئاً يستطيع أن ينام.
* من لم يَعِلْ زوجة أو طفلاً سلم أنفه من الخشخاش TETHER.
* الإكثار من الزوجات أمر يخص المرء نفسه، ولكن الإكثار من الأولاد أمر يخص الإِله.
* أطع كلام أُمك كأنه أمر إلهي.
* ما ولِدَتْ إمرأة قط ابناً بريئاً.
* قضيب الزاني مثل فرج الزانية.
* المال مثل الطير لا يعرف موطناً ثابتاً.
* لا تدع الغضب يظهر على وجهك أثناء الخصام.
* لن يترك العدو بوابة مدينة ضعيفة السلاح.
* إذا أباحت المدينة لكلاب الصيد أن تظل في داخلها تحكمت الثعالب فيها.
* الذبابة تدخل الفم المفتوح.
* إذا قال لك أحد ما يغضبك فلا ترد عليه بالمثل تجنباً للعواقب.
* إذا حكمت على شخص فلا تقرن ذلك باستهجانك الشخصي.
* في المدينة المتهاونة المهملة يصبح الجاني تاجراً.
* لا كسب بدون تعب.
* لا تطلب الحياة من ننجشزيدا (إلهة الموت).
* إذا أحسَّ بقرب أجله قال لآِكل جميع ما عندي، وإذا تعافى قال لأِقتصد.
* يحصل القوي على عيشه بقوة ساعده ولكن الضعيف يبيع أولاده.
* أولى بالفقير أن يموت، فهو إن حصل على الخبز عدم المأوى، وإذا كان عنده ملح عدم الخبز، وإذا كان له بيت عدم الفراش.
* لقد أرخيت الشبكة ولكن الأصفاد محكمة.
* هل تضرب الثور إذا كان دائباً على السير؟
* ثور الغريب يأكل الحشيش ولكن ثور صاحب الحقل نائم من الجوع.
* إذا خرجت تصطاد الطيور بدون شبكة فلن تصطاد شيئاً.
* المرأة بلا زواج مثل حقل بلا زرع.
* الزوجة المُبذِّرة أكثر ضرراً من جميع الشياطين.
* أن تضرط الشابة أثناء عناق زوجها لها أمر لم يحدث منذ القِدَم.
* من تُحب عليك أن تتحمل ثقل نيره.
* عيناي عينا أسد، وجسمي جسم الملاك الحارس، وشفتاي تنطقان بالفتنة والسحر، من سيكون قريني؟
* شدْ حزامك يكون إلهك معك.
* إذا أسأت إلى صديقك فما عساك أن تفعل مع عدوك؟
* الإِله هو الذي يُعينك صغيراً كنت أم كبيراً.
* ساكن البلد الغريب مثل العبد.
* الناس بلا ملك مثل قطيع الغنم بلا راع.
* الناس بلا مشرف مثل الحقل بلا حارث.
* إن فمي هو الذي يجعلني أُعَد بين الرجال.
* الصداقة تدوم يوماً ولكن ارتباط المصالح يدوم إلى الأبد.
* الصداقة تدوم يوما والقرابة تدوم إلى الأبد.
* قد تدوم الصداقة يوماً والعبودية دهراً.
* إن الناسخ الذي لا يجيد اللغة السومرية، فأي ناسخ هو؟.. إنه أبكم أحمق في فنون الكتابة غبي في السومرية.. لسانه ثقيل في اللغة السومرية، وهو لا يستطيع تحريكه بشكل صحيح.
* فن الكتابة أبو العلماء وأُم الخطباء.
* الكاتب الذي تتحرك يده بسرعة حركة الفم نفسها، هو الكاتب الذي ينفعك.
* الكتابة أُم للمتحدثين وأب للاساتذة المتمرسين.
* الكتابة فن بهيج لا تشبع منه النفس. الكتابة فن ليس من السهل تعلمه، ولكن متى ما تعلمه المرء فلن يقلق بسببه.
* جاهد لأِن تكون بارعاً في الكتابة لأِنها سوف تغنيك. كن مُجِدّاً في الكتابة لأِنها ستوفر لك الغنى والعيش الرغيد.
* لا تتقاعس في الكتابة أو تهملها.
* إن الكتابة "بيت الغنى" وسور الآلهة انوناكي.
* اعمل في الكتابة دون انقطاع وسوف تكشف لك عن أسرارها، فإِن أنت أهملتها قال الناس عنك كلاماً سيئاً. الكتابة نصيب الخير، إنها الغنى والعيش الرغيد. في طفولتك لاقيت في تعلمها الأمَرَّين، وفي الكِبَرْ جلبت لك الخير والرخاء.
* الكتابة "وثاق" كل المعارف فاعمل جاهداً في سبيل تعلمها وسوف تنعم بيسرها البهيج.
* يعبر الجميع نهر خبر (الموت).
* لا تأكل سمناً لا تنزف دماً.
* يُقال حبلت بلا اتصال.. سمنت بلا أكل.
* إذا ضُرِبَ النحل عضَّ يد الضارب.
* إذا لم تنضب بئري فعطشي قليل.
* لقد أُوقف المعبد قبل أن يبدأ البناء.
* النهر باتجاه الريح يجلب الماء الوفير.
* الرجل ظِل الإِله، والعبد ظل الرجل، ولكن الملك صورة الإِله.
* كما كانت الحياة بالأمس ستكون هكذا كل يوم.
* إذا كانت خميرة الجعة حامضة فهل تكون الجعة حلوة؟
* تلدغ العقرب إنساناً فأي خير يناله في ذلك؟ ويجلب الواشي الموت على أحد الناس فأي خير يناله من وراء ذلك؟
* هل يحصل سرير القصب على ثمن قصبه أو المرج ثمن حشائشه؟
* هل يقبض المستنقع ثمن قصبه؟ وهل يقبض الحقل ثمن محاصيله؟
* من هو اليوم حي يموت قبل غد.
* هدية لملك تضمن نبوءة مبشره بالخير.
* لا تتزوج المرأة التي كان لها عُشاق كثيرون لأِنها ستتخلى عنك إذا ما ساءت أحوالك، وإذا تخاصمت معها فإنها ستهزأ بك. إنها تأتي بالكارثة إلى أي بيت تحلُّ فيه وتُحطم أي رجل يتزوجها.

7- أدب المناظرة والمفاخرة
وردت جملة قطع أدبية في اللغتين السومرية والبابلية، والمرجح أنها تعود أصلاً إلى الأُدباء السومريين. وربما جاء منشأ هذا النوع من الأدب نتيجة ممارسة عادة التحاور والتفاخر الثنائي أثناء الاحتفالات والأعياد في بلاطات الحكام والملوك، ولعلَّ الملك نفسه كان يمثل إله الحكم الذي يحتكم اليه المتناظرين(115).
وفي مثل هذه المناظرات يفخر كل طرف بمزاياه ومنافعه ثم يصدر الحُكم لصالح أحدهما. ففي "المناظرة بين الصيف والشتاء" يحتكم الطرفان لخالقهما الإله انليل فيحكم لصالح الشتاء. وفي "المناظرة بين النخلة وشجرة الاثل" يُصدر الملك حكمه لصالح النخلة لأِهيمتها في حضارة ميزوبوتاميا. بينما يصدر الحكم لصالح الثور في " المناظرة بين الحصان والثور(116)."
تدور مناظرة "دموزي (و) ينكمد (الراعي والفلاح)" حول عشتار وعشاقها، وفي مقدمتهم دموزي- تموز الملقب بـ الراعي. وجد عالم الآثار (كريمر)، عند نشره نصّها وترجمتها، أن فكرتها تضاهي موضوع أسطورة (قابيل وهابيل) الواردة في التوراة، حيث يفضل الله الفلاح (قابين- وفي المآثر العربية قابيل) على الراعي (هابيل) الذي قتله أخوه الفلاح. لكن الأسطورة السومرية لا ينتهي خاتمها بمأساة القتل.
جاءت الأسطورة على شكل حوار بين شمش/ اتو إله الشمس وبين أخته الإِلهة انانا. فهي تهيم بالفلاح، بينما يريدها الأخ أن تتزوج الراعي الذي ينعته بـ "تنين السماء" و "صديق انليل". ترفض انانا لأِن قلبها متعلق بالفلاح "الذي كدَّس لها المخازن بالقمح". لكن أخاها يواصل إلحاحه:
يا انانا العذراء، عَلامَ أنتِ لا ترتضينه زوجاً
إن سمنه دسم ولبنه طيب فيا انانا تزوجي الراعي دموزي.. لكن انانا تجيبه:
لن أتزوج الراعي ولن ألبس ثيابه الخشنة… وهنا يتدخل دموزي نفسه في الحوار ويعدد مزاياه على الفلاح:
بِأي شيء يكثرني الفلاح؟
إذا قدَّم طحينه الأسود، فسأُقدم نعجتي السوداء
وإذا قدَّم طحينه الأبيض، فسأُقدم نعجتي البيضاء
وإذا سقاني جعته الصافية سقيته لبني الدسم
وأخيراً تنتهي المناظرة بغلبة الراعي دموزي بحيث تُبدل انانا موقفها وتتزوجه(117).

8- أدب السخرية (جميل- ننورتا: فقير نفر)
تُعتبر نصوص الفكاهة المكتشفة قليلة بالمقارنة مع المآثر الأدبية التي خلَّفتها حضارة وادي الرافدين. وتضاهي القصص التي جاءت على لسان الحيوانات تلك الواردة في (كليلة ودمنة) ومجموعات قصص الكاتب الاغريقي ايشوبAESOP السابق الذكر(ف9). كما وحازت "قصة فقير نفر"، التي سترد لاحقاً، على شهرة واسعة(118).
من نصوص الفكاهة القصيرة (الفأر والنمس) حيث يهرب الفأر من مطاردة النمس إلى غارة فيجد نفسه أمام خطر آخر (الحاوي). وفي (الكلب والنمس) ينحبس الكلب في انبوب أثناء مطاردته للفأر.. وبعد أن تقف على ظهره للراحة (البعوضة والفيل) تسأله البعوضة: هل أثقلت عليك يا أخي... يجيبها الفيل: من أنتِ؟ لم أحس أنكِ فوق ظهري ولن أعرف عندما تنزلين. وأثناء سفده لها (الحصان والأتان- أنثى الحمار) يقول الحصان: عساكِ أن تلدي هذه المرة مهراً عداءً مثلي فلا تجعليه كالحمار ينوء بحمل الأثقال. وبعد أن بال في مياه البحر (الثعلب والبحر) نظر لمياهه وقال متعجباً متباهياً: أكل هذا الماء من بولي؟ ويتملكه الرعب (الكاهن والأسد) بعد أن لمح أسداً في البادية. وعند عودته ناجياً، رأى الكاهن تمثال أسد عند بوابة المدينة فهجم على التمثال ولطَّمه على وجهه قائلاً: ماذا كان أخوك يفعل في البادية؟ وفي (رسالة من قرد إلى أُمه) يشكو فيها ما قاساه من الجوع في المدينتين المعروفتين اور (و) اريدو اللتين اشتهرتا بالخيرات، فيكتب "الى أُمي لودي- لودي.. قل: هكذا يقول اوكو- دل- ي.. إن اور مدينة البهجة والمسرات (و) اريدو مدينة الرخاء.. ولكنني مع ذلك أجلس وراء باب قاعة الموسيقى آكل الفضلات فعسى أن لا أهلك من الجوع. لم أذق طعم الخبز والجعة فابعثي لي برسولك على عجل(119)!"
تُعتبر قصة "جميل– ننورتا (فقير نفر) أطول قصة هزلية مكتشفة مؤخراً، وخلاصتها: بلغ الإِملاق بِأحد فقراء نفر "جميل- ننورتا" أنه لم يجد من الخبز ما يسد رمقه. وكثيراً ما كان يطوي الليالي وهو يتضور جوعاً. ولما اشتد به العِوَز فَقَدَ صوابه من اثر الجوع فباع ثيابه واشترى بقيمتها عنزة ليذبحها ويأكل لحمها، لكنه عدل عن قراره لأِن ذبح العنزة وأكلها وحده سيجلب عليه سخط الأصدقاء والأقرباء، وإذا ما دعاهم لمشاركته فهذا يتطلب تقديم الجعة ومصاريف أُخرى لا يملكها. وللخروج من حيرته اعتزم أمراً آخر كان يأمل منه خيراً أكثر. أخذ عنزته إلى بيت حاكم المدينة ليقدمها هدية للحاكم فينال منه الجائزة. وهكذا دخل على الحاكم مسروراً وهو يمسك رقبة عنزته بيده اليسرى، وحيّا الحاكم باليمنى ودعا له بالخير قائلاً: عسى أن يبارك الإِله انليل الحاكم، ويغدق عليه الإِله ادد (و) نسكو الخيرات. ولكن خاب ظنّ فقير نفر، عندما فاجأه الحاكم بالنهر والتقريع والغضب بقوله "أتجرُؤ يا هذا أن تقدم لي الرشوة." حاول فقير نفر عبثاً شرح بؤس حاله للحاكم الذي اكتفى بطرده متهكماً بِأن نصيبه من العنزة سيكون "عظاماً" وسقاه جعة رديئة وطرده من قصره. فقال فقير نفر للبواب وهو خارج من البوابة "قل لسيدك ما فعلتَه بي سأُوفيك حقه ثلاث مرات". ولما بلغ الحاكم قول جميل ظلَّ يضحكك منه طوال نهاره. أما فقير نفر فإنه قصد قصر الملك، ولما مثَّل أمامه حياه وقال "يا سيدي، يا مصدر قوة الرعية ويا من تُمجده الملائكة الحارسة، استعطفك أن تأمر بإِعطائي عربة واحدة وتأذن لي أن أفعل ما أتمنى طوال يوم واحد، وسأدفع منا واحداً من الذهب مقابل ذلك". وبدون أن يسأله الملك عن أُمنيته وعن الأجرة مقدماً أمر تجهيزه بالعربة من الصنف الذي يستعمله الوجهاء والأُمراء، كما أمر له بكسوة فاخرة. ركب جميل- ننورتا في العربة وقصد قصر حاكم نفر الذي خرج بنفسه لإستقباله والترحيب به. وعندما سأله الحاكم عن هويته أجاب أن الملك سيده أرسله وأنه جلب ذهباً لمعبد الإِله انليل. أكرمه الحاكم وذبح له ذبيحة غالية، وبعد انتهاء الطعام تعب الحاكم من السهر، ولكن جميل- ننورتا ظلَّ يحادثه، ولما غلبه النعاس والنوم قام فقير نفر في سكون الليل ومزَّق ثيابه وفتح الصندوق الفارغ الذي معه وصرخ بالحاكم أن يستيقظ وزعم له وهو يصرخ في وجهه أنه وجد صندوق الذهب مفتوحاً وسُرق الذهب منه، واتبع قوله بِأن هجم على الحاكم يكيل له الضربات، فاستعطفه الحاكم أن لا يقضي عليه، وعوَّضه عن الذهب المزعوم ضعفين وأعطاه بدلاً من ثيابه الممزقة كسوة فاخرة. وعندما خرج من باب القصر قال للبواب "قل لسيدك أنني استوفيت منه حقي دفعة واحدة، وبقي لي عنده قسطان". ولما بلغ الحاكم ذلك كرر ضحكه واستخفافه بفقير نفر.
ثم تنكر جميل- ننورتا بزي طبيب وحلق شعر رأسه واصطحب معه عدة الأطباء الخاصة وقصد قصر الحاكم وأخبر البواب أنه طبيب ماهر جاء من مدينة ايسن (تعرف بقاياها الآن باسم: ايشان بحريات- قرب بقايا مدينة نفر. كانت مشهورة بِأطبائها) وأنه متمرس بشفاء جميع الأمراض. ولما أُحضر جميل- ننورتا أمام الحاكم كشف له الحاكم الكدمات في جسمه، فقال له الطبيب الدعي إنه لا يستطيع أن يُشفيه إلا في مكان منعزل مظلم. وهكذا انفرد به في غرفة مظلمة وأوثقه وربطه وانهال عليه بالضرب المبرح، ثم تركه وخرج من باب القصر وقال للبواب "ليبارك الله سيدك قل له أني استوفيت من دَيني الآن قسطين وبقي لي عنده قسط واحد".
خاف جميل- ننورتا في المرة الثالثة أن يظهر بنفسه، فاستأجر رجلاً وأوصاه أن يقصد باب الحاكم وينادى بِأعلى صوته "أنا صاحب العنزة الذي طُرِد من باب الحاكم". أما فقير نفر فإنه اختبأ تحت قنطرة قرب قصر الحاكم. ولما سمع الحاكم صراخ الرجل خرج ومعه جميع أتباعه وحتى نساء قصره يطاردونه. تخلف الحاكم بسبب آلام جسمه، وعندئذ فاجأه جميل- ننورتا من مخبأِه وانقض عليه بالضرب المبرح وقال له "لقد استوفيت منك حقي ثلاث". وترك الحاكم مغشياً عليه وهو بين الموت والحياة.
هناك شَبه واضح بين قصة فقير نفر والقصة الواردة في ألف ليلة وليلة عن ذلك الفتى الذي أرسلته أُمه ليبيع لها عجلاً في السوق فوقع في شرك جماعة من المحتالين أوهموه أن ما يعرضه للبيع ليس عجلاً بل عنزة فاشتروه منه بثمن بخس. وبعد أن نهرته أُمه لغبائه وبلاهته، انتقم الفتى من رئيس العصابة ثلاث مرات أيضا وبطرق تحايل مشابهة لما فعلها فقير نفر بالحاكم (120).

هوامش الفصل السادس عشر
(1) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص33.
(1) علي، فاضل عبدالواحد، "الاعياد الاحتفالات"، حضارة العراق، ج1، ص320..، نفسه، سومر: اسطورة وملحمة، ص50.
(2) ساكز، هاري، ص82- 83..، وقارن: باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص45..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص32..، نفسه، سومر: اسطورة وملحمة، ص49- 50.
(3) ساكز، هاري و.ف.، ص95.
(4) تم جمع نماذج الادب هذه من مصادر عديدة، انظر على سبيل المثال لا الحصر، ساكز، هاري..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر..، رو،جورج..، باقر، طه، مقدمة في ادب…، حضارة العراق، ج1..، الماجدي،خزعل، متون سومر..، الدين السومري..، نائل، حنون..، شمّار، جورج بوييه.
(5) الانانوكي: مجمع الآلهة.
(6) رشيد، فوزي، حضارة العراق، ج1، ص167..، الماجدي، خزعل، متون سومر، ص168.
(7) رشيد، فوزي، حضارة العراق،ج1، ص167- 168.
(8) رشيد، فوزي، حضارة العراق، ج1، ص172- 173.
(9) رشيد، فوزي، حضارة العراق، ج1، ص174- 177..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص327.
(10) اوينهايم، ليو، ص339.
(11) حنون، نائل، ص45-47..،شمّار، جورج بوييه، ص381- 392.
(12) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص71- 75.
(13) بوستغيت، نيكولاس، ص327.
(14) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص79.
(15) رشيد، فوزي، حضارة العراق، ج1، ص175- 176.
(16) شمّار، جورج بوييه، ص381- 398.
(17) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص81- 82.
(18) نفسه، ص92- 94.
(19) كونتينو، جورج،ص332.
(20) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص94- 96.
(21) الماجدي، خزعل، متون سومر، ص98.
(22) باقر، طه، مقدمة في…، ص89-90..، رشيد، فوزي، ص173.
(23) باقر، طه، مقدمة في…، ص90-91..، رشيد، فوزي، حضارة العراق، ص173..، الماجدي، خزعل، متون سومر، ص179- 183.
(24) كونتينو، جورج، ص333.
(25) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص91- 92..، شمّار، جورج بوييه، ص339- 342.
(26) كونتينو، جورج، ص332- 333.
(27) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص85- 86.
(28) نفسه، ص84..، بوستغيت، نيكولاس، ص22..
- ترد هذه الاساطير باختلافات جزئية وبصيغ متعددة في مصادر مختلفة، رغم انها تشترك جميعاً في مضمونها العام. كما وتوجد اساطير عديدة اخرى.. انظر على سبيل المثال: الماجدي، خزعل، الدين السومري، ص111- 148.
(29) ساكز، هاري، ص96..، رو، جورج، ص167..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص338.
(30) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص102..، يونغ كافن، ص33.
(31) كونتينو، جورج، ص337..، علي، فاضل عبدالواحد، من الواح سومر الى التوراة، ص149.., Hawkes,Jacquetta,P.12.
(32) رو، جورج، ص173،180..، باقر، طه، مقدمة في أدب…،102- 103..، علي، فاضل عبدالواد، حضارة العراق، ج1،ص339..، نفسه، من الواح سومر الى التوراة، ص147..، شمّار، جورج بوييه، ص367- 379،399- 400.
(33) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص105.., Hawkes,Jacquetta,P.67.
(34) نفسه، ص105..، وايضاً: ساكز، هاري، ص97..، رو، جورج، ص168..، كونتينو، جورج، ص338.
(35) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص105.
(36) رو، جورج، ص168.
(37) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص106.
(38) نفسه، ص106..، علي فاضل عبدالواد، حضارة العراق، ج1، ص340.
(39) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص106- 108.
(40) علي، فاضل عبد الواحد، حضارة العراق، ج1،ص340.
(41) كونتينو، جورج، ص338.
(42) ساكز، هاري و.ف، ص98..، اوينهايم، ليو، 342..، شمّار، جورج بوييه، ص 367- 369 .
(43) علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1،ص342.
(44) كونتينو، جورج، ص338..، ساكز،هاري، ص85.
(45) علي، قاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص343.
(46) آي (او) آية: زوجة الإِله شمش (شمس)، كانت تمثل الفجر مثل الآلهة اليونانية ايوس EOS والرومانية ارورا AURORA.. سين: إله القمر ويالسومرية نانا (او) ننار، عده العراقيون القدماء اباً للإِله شمس لأِن النهار يتولد من الليل حسب تصورهم.
(47) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص109- 110..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص344.
(48) ساكز، هاري، ص98- 99.
(49) كونتينو، جورج، ص339..، ساكز، هاري، ص99..، رو، جورج، ص170.
(50) رو، جورج، ص170..، باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص111- 112.
(51) ساكز، هاري، ص99..، باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص113.
(52) عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، ص162.
(53) كونتينو، جورج، ص340.
(54) عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، ص162.
(55) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص114.
(56) انظر:ف17/4- بشأن اعتقاد القوم بقوة (اللعنة) حتى ان الإِله يتحرج م اغفالها، وكيف ان (شمش) اضطر الى الاستجابة للعنة انكيدو تجاه البغي!
(57) ايراكلا:من اسماء إلهة العالم الاسفل المعروفة بـ (ايريكيكال) ملكة عالم الاموات.. اما المخلوق الذي قاد انكيدو في حلمه الى عالم الظلام فهو يُضاهي ما يسمى (ملاك الموت) في الاديان الاخرى. وكان الغالب على تصور اهل حضارة وادي الرافدين لروح الميت انها على هيئة طير، يشاركهم في ذلك الاقوام القديمة.. (باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص115..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص345..، حنون، نائل، ص339- 346 ** وفيما يخص موقع اللعنة في معتقدات حضارة وادي الرافدين.. انظر: ف17/4.
(58) ساكز، هاري، ص100.
(59) رو، جورج، ص171.
(60) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص116.
(61) رو، جورج، ص171.
(62) نفسه، ص171..، باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص117.
(63) باقر، طه، مقدمة في أدب، ص117- 118..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص348.
(64) كونتينو، جورج، ص342..، ساكز، هاري، ص101.
(65) قارن: التوراة، سفر الجامعة 1:4،11.. (باقر،طه، مقدمة في ادب…، ص119.
(66) نفسه، ص119..، حنون، نائل، ص80.
(67) كونتينو، جورج، ص329.
(68) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص303.
(69) كونتينو، جورج، ص330.
(70) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص303.., Hammond,Mason,P.34.
(71) رو، جورج، ص158،161.
(72) علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص331- 333..، باقر، طه, ص258.
(73) رو، جورج، ص158.
(74) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص120.. وايضاً كونتينو، جورج، ص327- 328..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…، ص166..، علي، فاضل عيدالواحد، حضارة العراق،ج1، ص334.
(75) عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…، ص168..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص335.
(76) كونتينو، جورج، ص328..، رو، جورج، ص159..، باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص122.
(77) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص122.
(78) نفسه، ص123..، عبدالواد، فاضل (و)سليمان، عامر، ص170..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص337.
(79) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص123.
(80) باقر، طه، مقدمة في أدب، 123- 124..، ساكز، هاري، ص103.
(81) تشكل اسطورة الحية هذه، في الغالب الاعم، اتخذ صورة الحية رمزاً للتطبيب والشفاء والحياة عند اليونان وفي العصر الحديث. ويصح ربط هذه الاسطورة باسطورة العداء الذي استحكم بين الحية وذرية حواء وآدم بعد حادثة الاغواء وطردهما من الجنة بعد ان اغوت الحية (الشيطان الممثل بالحية) حواء ان تأكل من الشجرة المحرَّمة..(باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص125).
(82) نفسه، ص130.
(83) نفسه، ص126.
(84) نفسه، ص128.
(85) Hawkes,Jacquetta,P.152-153. .. باقر، طه, مقدمة في أدب...، ص131..، كونتينو، جورج، ص331..، ساكز، هاري، ص131.
(86) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص132.
(87) عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، ص148- 249.
(88) كونتينو، جورج، ص347..، ساكز، هاري، ص105..، رو، جورج، ص165..، لي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص359-361..، باقر، ه، مقدمة في أدب…، ص134..، شمّار، جورج بوييه، ص347.
(89) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص135.. وقارن: ساكز، هاري، ص105..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…، ص154.
(90) اوينهايم، ليو، ص343.
(91) كونتينو، جورج، ص346..، باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص136..، رو، جورج، ص154..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…، ص155.
(92) كونتينو، جورج، ص347.. انظر في احداث هيه الاطورة ايضاً: شمّار جورج بوييه، ص343-347،408.
(93) اوينهايم، ليو، ص344..، سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص137- 138..، ساكز، هاري، ص106- 107.
(94) لا تُعرف ماهية شجرة الخلبو، ربما تكون الصفصاف.
بكو، مكو: آلتان لا تُعرف ماهيتيهما، ويرى البعض انهما قد يكونا الطبل ومدق الطبل.. (باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص227- 228).
(95) نفسه، ص228-231..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص349- 353..، شمّار، جورج بوييه، ص339- 346
(96) اوينهايم، ليو، ص347..، كونتينو، جورج، ص334- 335..، باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص235..، حنون، نائل، ص327- 334.
(97) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص236.
(98) نفسه، ص236- 240.
(99) نفسه، ص238- 241..، اوينهايم، ليو، ص347- 348..، كونتينو، جورج، ص335- 336..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص353- 356..،حنون، نائل، ص307- 326.
(100) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص241-249.
(101) نفسه، ص147..، ساكز، هاري، ص107.
(102) كونتينو، جورج، ص348.
(103) باقر، طه، مقدمة في أدب...، ص148.
(104) نفسه، ص149.
(105) شمّار، جورج بوييه، ص253- 256.
(106) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص150- 151.
(107) علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص363.
(108) نهر خبر:اسم نهر عالم الاموات في حضارة وادي الرافدين الذي يعبره الموتى..(باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص152- الهامش).
(109) نفسه، ص152- 153..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ص364- 365.
(110) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص153-156..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص370- 371.
(111) تشبيه المرأة والزوجة بالبئر والحفرة ورد في آداب الاقوام الاخرى.. قارن هذا بما ورد في التوراة (سفر الامثال5:5،15) (باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص155).
(112) شمّار، جورج بوييه، ص252- 253.
(113) باقر، مقدمة في أدب…، ص157- 159..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق،ج1، ص374-375..، نفسه، سومر: اسطورة وملحمة، ص46..،ساكز، هاري، ص107- 108..، كونتينو، جورج، ص450- 451..، شمّار، جورج بوييه، ص328.
(114) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص162- 170..، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص373- 374.., Hawkes,Jacqutta,P.147,179,185,245.
(115) الماجدي، خزعل، متون سومر، ص176- 178.
(116) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص167- 169.
(117) نفسه، ص181- 182، علي، فاضل عبدالواحد، حضارة العراق، ج1، ص375- 382.
(118) النمس MONGOOSE- حيوان في حجم القط الاليف قصير اليدين والرجلين طويل الذنب مولع بصيد الفأر والحيات. والحاوي SNAKE CHARMER – يرقى الحيّات: مُلاعب الحيّات السامة.
(119) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص183- 186…، ساكز، هاري، ص108- 109.
د. عبد الوهاب حميد رشيد، حضارة وادي الرافدين،ميزوبوتاميا،" العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية" STOCKHOLM – SWEDEN, ISBN 978-91-633-7539-2



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميزوبوتاميا 7،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكا ...
- ميزوبوتاميا،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار ...
- ميزوبوتاميا4: -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار ...
- ميزوبوتاميا 3،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكا ...
- الكشف عن فضائح الفساد في العراق قد يُجسّد ظاهرة سياسية دموية ...
- أوباما يفوز جولة في سعيه لحبس الأمريكيين دون محاكمة
- ميزوبوتاميا2، -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار ...
- مرحبا بكم في معسكرات العمل الأمريكية: استخدام قوانين الالتزا ...
- ميزوبوتاميا 1..العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار ...
- بغداد تحظر البيرة (المشروبات الكحولية).. لماذا يٌشكل هذا الح ...
- العراق ما يزال يدفع الثمن بعد اتهامه زوراً بأحداث 11 سبتمبر
- نشطاء مصر يُبادرون بحملة جديدة ضد قرض صندوق النقد الدولي
- أكثر من 50 مليون يواجهون الجوع في الولايات المتحدة الأمريكية
- القرض المقدم من صندوق النقد الدولي لمصر.. إجابات صحيحة، أسئل ...
- قراءة في كتاب* المبحث الرابع: الديمقراطية ومعضلة المرأة
- قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي- المبحث الثالث
- قراءات في كتاب.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي.. المبحث الث ...
- قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي
- قراءات في كتاب:*
- ليبيا: حرب الجميع ضد الجميع!؟


المزيد.....




- شاهد أوّل ما فعلته هذه الدببة بعد استيقاظها من سباتها الشتوي ...
- تحليل: بوتين يحقق فوزاً مدوياً.. لكن ما هي الخطوة التالية با ...
- نتنياهو يقول إنه يبذل قصارى جهده لإدخال المزيد من المساعدات ...
- روسيا.. رحلة جوية قياسية لمروحيتين حديثتين في أجواء سيبيريا ...
- البحرية الأمريكية تحذر السفن من رفع العلم الأمريكي جنوب البح ...
- صاروخ -إس – 400- الروسي يدمر راجمة صواريخ تشيكية
- إجلاء سياح نجوا في انهيار ثلجي شرقي روسيا (فيديو)
- الطوارئ الروسية ترسل فرقا إضافية لإنقاذ 13 شخصا محاصرين في م ...
- نيوزيلندا.. طرد امرأتين ??من الطائرة بسبب حجمهن الكبير جدا
- بالفيديو.. فيضان سد في الأردن بسبب غزارة الأمطار


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب حميد رشيد - حضارة وادي الرافدين- ميزوبوتاميا، 8- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية-