أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام صادق - هشاشة الدهشة / 3 القصيدة آخر خطوط دفاعنا المفترضة















المزيد.....


هشاشة الدهشة / 3 القصيدة آخر خطوط دفاعنا المفترضة


سلام صادق

الحوار المتمدن-العدد: 1125 - 2005 / 3 / 2 - 10:44
المحور: الادب والفن
    


القول أبجدية عصيان والسكوت تعب ( ليس من ذهب) ، فماذا لو انعتق القصد وارتبكت الريبة ، تزاحمت الاعذار وانسجمت الهزائم ، انتقينا الكارثة واتقينا الصوت او لذنا في عراء مسالكه دون لسان 0
لاشيء اشد رذاذا او شتاتاً من النطق واكثر ثباتا وتشبثا من الصمت حين يسحل سحلا الى مواقع الكلام حتى حدوده الموقوتة بانفجار مؤجل لاتؤرشفه سوى قصاصات مدماة تضع الاسماء على الاشلاء0
ففي الخطوط الخلفية من ( موضع) ضيق هو الحنجرة وراء ساتر من لزوجة اللعاب وغبارالكلام المتيبس، ليس مانألفه رفيف الدم الرهيف ، وانما فحيح خوفنا الذي ينفخ في التراب فتتطاير اللعنات واللغات غمامات ..غمامات ، لتموّه العلاقة بيننا وبين ورطتنا باشياء نجترحها فتجرحنا بنصال قسوتها ، واول مايحز الزردوم منها هو الصراخ باسم الوطن ، فيا ايها الوطن ..ياايها الوطن رفقا بنا وبنفسك منك عليك ، يامنتجع الكآبة وأرخبيل الهباء ، يالجة القول العنيد ، المسّورة بالانفلات 0
تقودنا نحو الزعيق وتقودنا بتاكيد اكبر نحو واحات خيار صامت ، او مستنقعات خيال ضاجة فيها ضفادع التقافز والنقيق
تكتفي ببذخ شعاع التجربة الاولى دوما ، وترسم ماعدا ذلك من الومضات الباقية على احداقنا المشبوحة رعبا ، قصائد واستيهامات
تنتخب للقصيدة مفهومها وتعيد اليها انتاج خبرتها في الكتابة عنك ، فتنشغل بها لتنشغل بك ، ولا تنشغل عنها لئلا تنشغل عنك ، حتى كأن ليس هنالك من سواك0
متى ستدرك بان القصيدة تصاب بالخرس وهي تنظر الى اهوال موتك اليومي ، متى ستدرك بان الحياة ستنطق فيها في مكان آخر ، ليس بالضرورة ميدان المعركة لو تخليت عن ذلك وتخيلت غيره ؟
منذ قرون بستهويك تحجيم الاندفاع ، وأد الانفلات، قتل الجموح ولجم المبادرة ، حتى استحلت بذاتك لتحديد جغرافي تعسفي للذاكرة ، وانتماء تاريخاني يمسخ انسانيتنا بدون لازمة التعددية والحوار المفتوح على الجمال من اقصاها الى اقصاه ، لكن انىّ لنا ان نفرغ الارض من محتواها من الاصابع والحناجر والحروف واللافتات، ونطلب من النص ان يغمض عينيه ؟
كانت هنالك اشياء كثيرة تتقاسم وايانا ( الوطن) حين يُختزل لحجم حفرة ضيقة تلتصق اسمال جلودنا برحمها البارد المظلم ( هذه الاشياء لاتزيد على ذاكرة حبٍ مجروحة منذ ازمنة المراهقة وبندقية تهزا من جهلنا ببدائية فنيتها وقطعة صمون كصخرة، وفضلات تتحلل بفعل الحرارة ليس من الذوق ذكرها في الحضرة البهية للانترنيت) .. هنالك حيث كل ما يشارف الارض يموت قبل ان يطأها ، حتى الذباب الذي يتطوع بطنينه للزوجة أجفاننا وحين نغفو من شدة اليأس واللاحراك يخرا على جباهنا ورموشنا ويطير، فتناوبه الطائرات هادرة ترش موسيقى كيمائها شظايا صفراء ، تخترق جدار الموت في جلود الفقراء 0
فتعلمهم بان الغياب وجه من وجوه مطاردة الذات ، وهي تهرول مدحورة امام شاحنات الغزاة المصفحة بالعنف والصراخ ، ليصبحوا نموذجا في قسوتهم مع بعضهم ، يدحرهم مذاق اصابتهم ، فيشرق الالم قصائد ترتاب بنكهة التراب، ويكتمل المعنى بابتسار مسافة الخوف في مواجهة فاصلة مع آخر اللحظات 0
نساق للحرب نحن من دوننا ، ولذلك ادمنّا ان ندعس على القيم المتصالبة اذ تدعسنا بحوافر النهاية ، لحظة تصهل مرارة السؤال ونتقيأ نواميس المسلمات المدافة بمرارة الانفعال: لماذا هنالك توابيت صغيرة ؟ فالذي يرعبنا حقا ان هنالك توابيت صغيرة / مصممة على حجوم القصائد وقامات الاطفال 0
وفي الحرب يصطبغ كل شيء بلون التراب ، عدا هلام الافكار فله لون الترف المداف بعصارة الدماغ ، منتظرا رصاصة تشق عليه نسيج صمته وتفرغه من محتواه الساكن الرجراج ( الرصاصة تحلزّنه وترتبه بشكل زمني محسوب بدقة ، تعيده الى لحظة البدء كنافورة ، او قل كساعة رمل فكرتها الاساسية التفريغ من اجل التلاشي او من اجل الامتلاء ، التفريغ الذي يؤذن بحصول شيء ما لن يكون الفراغ على اية حال ) ربما يكون حربا خارج فيزياء الزمن اعني في الاحلام ، احلام من نوع آخر تعود بالرجال الى احضان زوجاتهم ، يخدشون ستائر الهلال المنتظِر المرتاب ، يلهثون ، يتثائبون ثم يغفون ، وتستمر الحرب تقرع طبولها في الخارج 0 كيف يكون لمن يمارس الحرب طوال اليوم ، ان يمارس الحب مع زوجته في المساء ؟
ولذا فان صعوبة (معاركنا) متأتية من خصوصية جوهرها الفاضح لاعمومية اشكالياتها ، حين تتشابك في اطر متعددة وترفض التخلي عن ملامحها الخاصة بها ، المتماهية وحياة تلتحف ضميرها المستتر الهزيل وحلمها المستحيل0
ان تتشنج من بصقة رشاش ناشبا اصابعك بحصى الطريق
ليس كارتعاشتك من جرّاء قبلة دموية على فراش وثير
لكن حين تلتحم الاشياء والافكار والاسماء جميعها بجحيم الارض او آتون السماء ، تبتسر المسافة بين عنوانين لموتين يعدوان بين تضاريس القتل ودهشة الفناء ، ويكون الموت سيد الاشياء
فيكون الهواء هباء
وتمسي النجوم رصاصات في جبين الليل
تخطؤها العين حين تتصدع استدارة الارض بفعل الاهتزاز ، كسورات باهتة غادرت كثافاتها الذهبية الصفراء، واعطت للسواتر ( من شدة كثافة الموت ) لون الوجوه المعجونة من طين التجارب المفخورة بضراوة النار 0
واذ تلوذ راحة الكف بقفاز الاحابيل ، تعقد صلحا مع الكواسر لحظة تُكتب مواثيق الغابة فتنسل التعاليم من بين اطراف اصابعنا لكنها تفرّ الى الميتاورائيات ولا نطيق لحظة انحلالها او تكونّها الجديد ، ليس لان الوقت الرابض ورائها محدد وله سيماء ، بل لان الدقائق فيه لاتقود الى سعةٍ لتأمل زمنه الفيزيقي ومعطياته الجهنمية المنصبّة على رؤوس الكائنات0
بدأ الطوفان يزحف فراحت الحياة تغرق او تتشظى
رأينا الكثير مما لم يره غيرنا ، لكن ماكنا نراه ماكان بعين ثاقبة تقودنا لامعان النظر في دواخلنا كبداهة وفي الحرب كأبشع استثناء، وانما بقي الخارج يستحوذ على الحوار الاشّل وغير التام ، يحتكره بكامله ، فراحت الانساق الواعية تتحول الى رموز وليس مرتكزات او منطلقات ، بل الاعجب من هذا كله فقد راح النقد مثلا يتناول من الحرب ماهو شفاف ونفاذ ومضيء او ملتهب وينصرف عما هو مدمى وغائر او عميق ، مختنق بنقاوة الطين الاول في شرايين الكلام ، ومشتبك بجذور الرمل ولعثمة التراب 0
ربمالان اللعبة كانت بالنسبة لبعضهم ، ان يتبادلوا وحنكتهم (العسكرية) المواقع ليكونوا قريبين من المنابر الصادحة باسمها(اي الحرب) وان ينعكس ذلك على مزاجهم الشخصي بحيث يتشخصن ويتبوّب انتاجهم وحياتهم ورغبتهم في العيش ايضا , بل وحتى فيضانات جهازهم التناسلي ليكونوا الاستثناء الذي يحرض على التوالد والانتشار0
لكن ما كنا نراه من نافذة الحانة التي تعاقر السياسة ، لم يعطنا ما يكفي من مسوغات النار لابداع حديقة ضوءٍ في جهنم
ولا يسعفنا حين نفكر باختراق الاسيجة والخنادق كالطيور الفارة من وحل الدناءة الثقيل
وحدها الحرب ترتكب معصية الافراط في الوهم حين تحتدم
وحده جرح الجبين يقول كلاما لايفهمه العريف
وحده الخوف متنكرا في لاجدواه يهطل كالنيران من سقوف النسيان ، فنرتجف ساعة لابرد ، ونصاب بحمى الهذيان لحظة تماثلنا للشفاء ، فيدلهم لون الغياب ، وحشة لايوقدها لون الوردة تنبت في البارود، غياب في مواجهة مع الجسد ، وجسد في مواجهة عزلاء مع الغياب ، والمسافات برارٍ للكسل ، المساحات لاتتموج بغير ازيز الغبار ، المرايا تنزف الاسماء ، والوقت يكفي لاكثر من ميتة واحدة بالمرصاد0
ففي المراحل المبكرة من علاقة الارض/ الانسان ، انوجدت علاقة الوطن / الحرب وان تلونت الموضوعات والحالات فقد بقيت القطيعة الاساسية قائمة مابين الدوافع لذلك التعلق الاخلاقي الافلاطوني الموروث ودوافع الانتماء العاطفي الجغرافي الذي يمارسه الانسان بمحض ارادته او بدونها، دون اثارة أية تساؤلات لنفي علاقة الموت من طرفي هذه المعادلة، ماأجمل الوطن بلا موت والحرية دون اساطير0
حتى رحنا -دوما- نزن كفة الموت الباهظة بما في دواخلنا من هلع من اجل ان لاتختل تلك المعادلة ، وكثيرا ما رجحت كفة الهلع فكانت الحرب على اهبة الاستعداد وكان موتنا واقفا بالمرصاد يخبط على الابواب 0
واذ يحل هذا الزلزال الذي من صُنع الانسان ، اقول زلزال بفعل التطور التقني المهول ولابعاد الذهن عن توقعات السيف والرمح في عصر المعلقات ، صار ليس من المبالغة الحديث عن قصيدة تكتنز انفجاراتها وفراقيعها في بنيتها الادبية الفنية ، فحلّت حروب عبثية اخرى على الابيض الصقيل وراحت الاشياء تنزف بقرف ما بداخلها من طِباع جراء اصاباتها بالنزف الوراثي وافراغها لشحناتها من ثوابت ومطلقات ، عجفاء من عصور الرطانة الاولى ، تستحيل الى طبول فارغة تقرع للحرب نفسها دون ان نتناولها بحوار تام وبكثافة ككثافة القصف او الدم الذي يهمي شلالات وانهار 0
والقصيدة في كل هذا اداة صراع ، لكن الحرب تعمل على تقزيم واختزال هذا الصراع لمطالب تردح في جانب واحد ، وتتغنى باحادية الانتصار ، فنيا ، بالضبط كما في ساحة المعركة ، وبذلك يُشل احد اطراف العلاقة / القصيدة وتولد عرجاء ، لفقدانها نصف همها الانساني الموجود على الطرف النقيض ، حيث الموت نفسه متأهب وبنفس الشراسة لالتهام الآخر، الانسان 0
وصارت القصيدة تفجّر جوفها ، تتقيا ، فتقذف احشاءها رمادا على الحب والزهور والطيور
الحرب صيرورة مراوغة ملعونة تريد التوكيد على ان ادوار استحالة القصيدة لاتنتهي ولا تنضج يرقاتها الا في بركة دم
وتوكيد مضاعف على عدم ثبات الصور والاشياء حين يحكم عليها بالزوال ساعة يخبو الوميض الذي يشق صمت المواضع الظلماء كالمستنقعات 0
الخوف يعطي للحرب هوية كونية عالمية ، لكن الموت يعطيها هويتها المحلية اذ يجعلها لصيقة بالمسحوقين والفقراء فهم وقودها والاخرون من يصب عليها الزيت متباهيا وربما يستلذ برائحة الشواء . يقول هتلر في كفاحه الذي هو ليس كفاحي ( بان الحفاظ على الجنس النبيل، يبرر عند الله اكثر الحروب هولا) ، لكن الابداع لصيق المعدمين فهو غذاء استلابهم ، والقصيدة لاتتملق الجنس النبيل او تتعلق به، فهي بلا جنس ، تولد في اكواخ الصفيح لتدخل القصور المنيفة بلا استئذان .ولهذا فهي عندي لاتحتمل هذا التاويل التأثيمي الفظ لانها تتناول ضرورات الجمال البدهية وتطلعات الانسان المشروعة في الحياة ومثله العليا في الخلق والابداع ، ولا تعكف على ضرورات الموت والتيه والفراغ والخراب الذي تفضي اليه دهاليز الحروب وطاولات المؤتمرات . وهكذا وبكل بساطة تلطم القصيدة هتلر على شاربه المستطيل وفمه المعوّج حماسة ، والقصيدة كذلك لاتفهم فاشية القول لتاخذ بمزاعم عضده الثقافي، اوزوالد سبنغلر حين يزيد بان الحرب هي الشكل الابدي للوجود الانساني . ماذا ستكون المقولة لو استبدلنا الابدي بالادبي من اجل ان نفاقم الذرائع والمبررات ، ونبتعد بالقصيدة عن هذه الترهات ؟
ان محاولة الانطلاق من غبارها ( الحرب) من اجل اضفاء جوهر ناصع عليها وعلى النصوص التي انتجتها سيقود بالتاكيد الى اضافة بنيوية هشّة بهوامش مشعة بالدم ، لكنها تزيد من عمى الالوان في عينين لاترصدان بنفسجية الحرائق التي ترافق تشظي القصيدة نفسها وتكوبس حلميتها، واصبعان لايحسان بان خشونة القصيدة هذه من نعومة الرصاصة تلك حين تترك ثقبا على جبين اللغة المدبوغ من جلد التجارب الهلعة امام فحوى الدمار 0
قصيدة الحرب مفهوم مرتجف ( من إرتجاف وأراجيف معا)عناصره تتجلى بكل ماهو لاعقلاني ولا امومي وكل ماهو متجسد خارج الحضور لان الحرب حركة تلاشٍ وغياب للمبدع وللابداع فالحرب استهلاك واسع لكل ماهو جميل وحيوي بدأ من الرغبة والارادة وانتهاءا بكل ماهو حسي اي متعلق بالجسد الذي تعمل على نفيه والغائه من عالم الماديات واحالته الى صديد وتراب 0
قصيدة الحرب حاضر اللاوعي ووعي غائب مشوش ومهزوز ، مزيف لكنه غير متخيل او مشكوك في صحته ، لافت لكنه لايستدعي واقعا فيزيولوجيا اكثر من ثقب في جلد او هرس لاطراف اصابع تشير ، او فتحة نافذة صغيرة في جمجمة، تنسرب منها القصيدة خائرة القوى والمضامين لتطل على مستنقع بطولة هشة ، او حريق هائل لايمكن اعادة الملامح لمخلفاته وبقاياه التي اتت عليها السنة النيران 0
وعلى هذين المستويين يحتشد هذا الحضور النصي المتشبح ، بجوانيته المستترة ومستوياته الظاهرة المتناقظة في علاقته مع الحرب او ضدها دون الاهتمام بما يفرزه على مستويات اخرى لاتروم الجمال بل تممسخه( لانها تسفح دمه)، تغرف منها القصيدة تلك لغتها الشوكية وبنائها الهش ، فتكون الجواد الطعين ومبدعها فارس الخواء ، الطائر المهيض في فضاء مختنق برائحة البارود ، والوردة النابتة في تفسخ الاسطبلات0
وتبقى ( مهما اجهدت نفسها) مجرد شاهد زورعلى واقعة جرت يتيحها مكون التفاعلية الجاثم بين الحب والكراهية زمانا ومكانا ، بين هندسة الخراب وهندمة الوحشة ، بين القتل والقول من اجل القتل . غير ان القصيدة تكره الحرب بسليقتها وتكره ان تطالع وجهها المدمى كل صباح ، لذلك تكتنز بين طياتها عنصر ادانتها دوما وتهيم شغفا به وعلى استحياء، والادانة هذه تحددها اخيرا عملية التلقي الحماسي من خلال قراءة مستندة الى مرجعية نص يلهث معروقا، تسربله بغبارها وتنصبه على عرشها المنخور أو تحيله الى خلفية ثقافية مؤطرة بعناصر الانهيار، ومؤهل يتوزع بين التاويل الخجول والتصريح المشاكس حتى حدود الاغماء او الامحّاء، وحتى يضمد الهذيان جرح اللسان
الرؤيا المدافة بالنجيع لاتروض الوحشة وانما تزيد المشهد توحشا
الحرب قبح الاشياء والكائنات لحظة تمسح رماد الليل عن جفونها المنتفخة ذات فجر
فلا ترى الفجر الاحمر من طيش الدخان ساعة تتدحرج الخوذ الحديد كالثمار المرة التي نضجت على رؤوس فائرة بالاحلام تثقل الاغصان ( اي الاعناق) في شجرة حياة يباغت نسغ براعمها رماد النسيان
الحرب خداع الانسان لا اختراع الطبيعة
القصيدة لاتعانق الدم وتميل الى الاخضرار، هكذا اراها خضراء دوما مثلما تراها ( بيرجلوند) وليس لعفوية هذا الطرح من مبررات ، انها خضراء فقط ، واجدني غير ملزم باعطاء التفسيرات ، تماما مثل بيرجلوند 0
وتبقى الاشجار بريئة، تنتصرعلى حلكة ظلالها برفيف العصافير ( وان صنعوا منها الكراسي والتوابيت والصولجانات ) وتبقى الطبيعة لسان الام في تهويدة المعنى ، تاخذ القصائد في حضنها حتى نوافذ البحر ، تغسلها من لطخات الدم المتخثر حتى اشتباك الصفصاف وعودة المآقي نجوم ، كي لاتشع اطياف الدم في مرايا الدمع ثانية وتتنافر الالوان
نهر الدم الشحيح طوفان
لايسبر غوره الانسان
الا لحظة النسيان
والحرب تسكر بالدم لتصبغ منه قميص نومها لتضاجع جنرالاتها الاغبياء ، الجنرالات يذبحون الوطن من اجل تامين الضرورات لنصفهم الاسفل ، ويعتبرون الحرب نزهة في مضارب غجر مستباحين او مضاجعة عابرة في مشجب تلك الضرورات الخابية بتوقيت 0
وينسون بان سرير نومها اشواك واشلاء / زينة عرسها مقل مفقوؤة
احجمت عن مغازلة صفاءها النجوم
مرهفة هي القصيدة تحتمي بزجاج الحانة الشفيف وبشغاف القلوب الواجفة لا بسواتر الدخان والتراب
واذ تتناسخ الحروب او تتناسل ، تتناوب اماكنها وحُجر نومها كما المومسات الطارئات ، تجثو على اربع آخر الليل ، وتشرب قهوتها المرة مبكرا بكفين مرتجفتين ، او بقايا خمرتها البائتة ، تنتصر او تندحر ، تفشي مغزى خيبتها حين تتامل راسها ( المنتفخ بالبيانات ) في المداد الاحمر - هل باستطاعتها ان تتامل-ولو تاملت فماذا غير قرمز الهباء ، ذاكرتها مبتورة ، تنسى مامر فتعاود التكرار، مأخوذة بعنف الانبهار
وحين تتكرس حقيقتها جدلا ( الحرب بلا حقيقة) تصبح تاريخا نتنا ، وحين لايتاح لها ان تتكرس تصبح ماضٍ يعتاش على حليب الاتي ويفطمه كل لحظة ، فالحرب والنسيان عدوان ، ولفرط تضادهما مع ذاكرة القصيدة ، صديقان
سنة إثر سنة
الحرب هي الحرب
منذ اول طعنة
وآخر بسوس
مطرها نار
كوابيسها عارية
اصابعها من شرار
فماذا ستكتب غير الدمار؟
وحين تجرجر آخر اشلائها من احشاء المدن والصحارى والانهار ، تصنع لنفسها قوسا من النصر ، تنزين تحته بسبائك من تيجان مرصعة بالكوارث في ما ينصهر في شدة آتونها من شهقات او مهج او خوذٍ حديد
الطرقات حصى
والذخيرة ارواح رهيفة
فكيف لاتتضرر بضاعة الطين المذعور وتفيض مجزرة الكيمياء ؟
فتكون الهزيمة محض نزهة عابرة ، والكلام انتصار عجول ، لكن الحروب جميعا ، تغتصب في النهاية اسبابها نكاية بانجازها القيصري وافرازها الخديج ، تحاول الخروج على نتائجها الهازلة والتملص من الرعب المدفون في ذاكرتها ، ولكنها تنسى، او تتعمد النسيان لكي لاتُستجوب ، الحرب ( ذكية) بقنابلها وصواريخها وغبية عندما تضع اوزارها وتعرض عورتها على الكون والكائنات ، وتستجدي الصفح من ضحاياها ، حينها تكشف عما استتر من عجزها وخداعها في الدفاع عن ذاتها فكيف ننتظر منها ان تكون باعثا لنص جريء ومتأبد تتطامن معه الروح وتعقد اتفاقية سلام ؟ وحتى وان كفنت ضرورات زيفها الاقصى وقطّنت آذانها بالصمت المريب، فسوف تلتئم الاصوات وهي تنزف قرفها لترفع عقيرتها ، حين تستنهض الاسئلة الكبرى قاماتها من مستنقعات الخراب ، فيروح صمتها يدوي في حلقة من نار مليئة باسئلة اخرى اشد اشتعالا ووجودية ومرارة ، تحيلنا الى طفولة الكائنات قبل ان تنطق ، والى براءة العالم قبل ان تستيقظ الكلمات0
تبتسر الحرب ذاتها بذاتها
وتترك كوبيا من رماد رحمها المتفحم
للذين يريدون ان يولدوا بسلام
فلا حرب بلا رغبة في الهيمنة ، ولا حرب بلا انحراف يصيب هندسة الشرائع ومفاهيم الالفة في الحياة ، حين تجنح الى الافتراس ولا سلام بلا رغبة اكيدة في قتل الاب الماكر ( ليس ماديا فقط ) وافراغه من مفاهيم سطوته وخلع غريزة البطش من انيابه
لكن هل يقود هذا (القتل الرحيم) الى السلام ؟ هنا تكمن حيرة الاخلاق والسلوكيات وطرائق التفكير، ولذا نتخندق في قمصاننا ، كي لاتشغر عواطفنا منا ونتكاسر من فرط الانفعال في دائرة المطاردة ، فنكتب القصيدة على ضوء شمعة، لاشعلة انفلاق، لتكتمل اضاءة الذاكرة بالشعر ، وتنسى البلاد قوائم موتها الطويل ، فيتبرج المعنى في راحة التاريخ، لارائحة الدماء 0
فيا ايتها القصيدة المتغنجة طويلا بحمرة الدم على شفتيها وخدودها وراء ساتر التراب ، لقد خبا بريقك وقد انصرف الجميع الى عتماتهم وقضاء حاجاتهم! ، ولم يبق سوانا ، فهل تبعثين بسعاتك من جديد الى حفر ذاكرتي العمياء و قبور الريح والضياء ؟ ام تشغفي باصابعي المشغولة بالفضة لمداعبة قمرٍ وحيد ، ادحرجه بين كفيك، سارقا بكارته من قلب المجرات ، كي تهجري نوايا الليل المباح وتستظلي معي خيمة الكلام الذي لايأزف وان نفذ الرصاص 0


ســلام صـــادق



#سلام_صادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازاحة الفاصل - عراقيون
- ثلاث قصائد
- رياضة يومية
- في ثقافة اليسار : الابداع والحرية الفردية
- *الاعلام بين نارين : العولمة والانظمة الشمولية
- ونحن كل هذا وذاك : خيط دم من رئة السياب يمتد على طول الشفق ، ...
- في تأبين الاديبة السويدية سارة ليدمان
- قصيدتان
- التماثيل تتجول ليلاً في حدائق المستشفيات
- أذكر ان امرأة تمردت على الوحش فتغمدها الاله بالرحمة
- ذوبانات بفعل شموس قديمة
- في سلوكية اليمين الامريكي المتطرف - سلالة بوش .. وسياسة الحر ...
- احتجاجا على مايجري أراك واضحة كامرأة ليست في مرآة


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام صادق - هشاشة الدهشة / 3 القصيدة آخر خطوط دفاعنا المفترضة