أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سليمة ملاح - تحقيق حول بن لادن الصحراء الافريقية















المزيد.....



تحقيق حول بن لادن الصحراء الافريقية


سليمة ملاح

الحوار المتمدن-العدد: 1124 - 2005 / 3 / 1 - 12:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


مناورات جزائرية - أميركية صغيرة
تحقيق حول بن لادن الصحراء الافريقية
"بن لادن" عجيب في الصحراء الافريقية

*سليمة ملاح وجان باتيست ريفوار
Salima Mellah et Jean-Baptiste Rivoire

بدأت القضية في العام 2003. ففيما كانت الحكومة الجزائرية تبذل جهوداً ديبلوماسية جبارة كي تحصل من واشنطن على دعم مالي وعسكري، قام السيد عبد الرزاق "البارا"، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة في الجيش الجزائري انتقل رسمياً الى ميليشيا "المجموعة السلفية للتبشير والجهاد" (GSPC) ، بضربة ساعد فيها النظام. ففي 4 كانون الثاني/يناير وعشية وصول بعثة عسكرية أميركية الى الجزائر العاصمة من أجل العمل على استئناف مبيعات الأسلحة الى الجزائر في إطار الحرب على الارهاب، قامت قواته بمهاجمة موكب عسكري بالقرب من بطنة. وكانت نتيجة الهجوم سقوط ثلاثة وأربعين جندياً وموجة من السخط في أوساط الشعب.

وقد جهدت الأجهزة السرية في الجيش الجزائري، أي قسم الاستخبارات والأمن البالغ النفوذ (الأمن العسكري سابقاً DRS) مستعينة بتسجيل فيديو تبين في ما بعد أنه مزور، لكي تقنع الرأي العام الدولي بأن البارا هو احد "ضباط بن لادن" ومكلف "إنشاء مراكز لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل الافريقي". وبعد فترة خففت الولايات المتحدة الحصار على الأسلحة المتوجهة الى الجزائر وأعلنت عن بيعها بعض التجهيزات العسكرية الخاصة بمكافحة الارهاب [1]. وكان السيد وليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، قد أعلن في أواخر العام 2002 من الجزائر العاصمة أن "على واشنطن أن تتعلم الكثير من الجزائر في مجال الحرب على الارهاب" . [2]

وكذلك في مطلع العام 2003 نفذ "البارا " عملية جديدة سوف تساهم في تسريع التقارب بين الجزائر وواشنطن. فما بين 22 شباط/فبراير و23 آذار/مارس خُطف اثنان وثلاثون سائحاً أوروبياً في منطقة "العزي" في عمق الصحراء الجزائرية (16 ألمانيا و10 نمسويين و4 سويسريين وسويدي وهولندي). وقد احتجزوا فيها على مدى أسابيع قبل أن يطلق سراحهم، بعد مساومات لم يتسرب منها شيء، على دفعتين، الأولى في اواسط أيار/مايو والثانية في أواسط آب/أغسطس.

وهكذا تحولت الجزائر هدفاً لتنظيم القاعدة وبالتالي حليفة طبيعية للولايات المتحدة، كما كانت مطاردة بن لادن مبرراً لاحتلال أفغانستان وإقامة قواعد عسكرية في آسيا الوسطى المنطقة الاستراتيجية بالنسبة الى واشنطن. فهل ان "البارا" كنموذج مصغر سيكون الفزاعة التي ستشرع الوجود العسكري الأميركي في الساحل الافريقي الذي بات يصور على أنه قاعدة خلفية محتملة لتنظيم القاعدة؟ ففي آذار/مارس عام 2004 كان الجنرال تشارلز والد، مساعد قائد القوات الأميركية في اوروبا (EUCOM)، يؤكد أن عناصر من تنظيم القاعدة يحاولون أن يستقروا "في القسم الشمالي من افريقيا، في الساحل وفي المغرب. فهم يفتشون عن ملاذ كما في أفغانستان حين كانت حركة طالبان تتولى الحكم. إنهم بحاجة الى مكان مستقر لكي يتجهزوا ويتنظموا ويجندوا عناصر جديدة" . [3]

هناك أمر واحد أكيد هو أن التقارب بين العاصمة الجزائرية وواشنطن لا يمكن إلا أن يفيد حكماً عسكرياً يهمه أن يطمس جرائمه. وتبين تجربة قسم الاستخبارات والأمن في هذا المجال أن هذا الحكم، ومنذ تسعينات القرن الماضي، قد برع في توظيف "الارهاب الاسلامي" لاجبار الغرب على دعمه...

في أواخر العام 1993 سعت القيادة العسكرية الجزائرية، التي كانت تخوض منذ عامين حرباً لا هوادة فيها ضد المعارضة الاسلامية، الى استمالة فرنسا الى موقفها. وفي باريس كان السيد شارل باسكوا في وزارة الداخلية، ومستشاره جان شارل مارشياني، يدعمان بشكل لصيق سياسة هذه القيادة "الاستئصالية" بعكس الاليزيه والكي دورسيه، حيث فرنسوا ميتران والسيد ألان جوبيه كانا يتمنيان موقفاً أقل قمعاً.

ومن أجل جر باريس الى موقفهم والقضاء على المعارضين الجزائريين اللاجئين في فرنسا عمل قادة قسم الاستخبارات والأمن بالتعاون مع السيد جان شارل مارشياني الى أخذ الرأي العام كرهينة فنظموا في آخر تشرين الأول/أكتوبر عام 1993، عملية خطف "مصطنعة" للزوجين تيفينو وألان فريسيي، وهما موظفان فرنسيان يشغلان منصباً في العاصمة الجزائرية [4] . وقد انتهى الأمر بالسيد إدوار بالادور الى السماح للسيد باسكوا بتنفيذ عملية "كريستيانتام"، التي اعتبرت أهم صفعة للمعارضين الجزائريين في فرنسا منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر عام 1961. وإذ حققت الأجهزة الجزائرية مرامها فقد عمدت الى "تركيب" عملية من أجل إثبات فكرة أنها نجحت في تحرير الرهائن الفرنسيين من براثن "خاطفيهم الاسلاميين".

في اواخر العام 1994 خطا قسم الاستخبارات والأمن خطوة إضافية في "الحرب على المتمردين" عبر تشجيعه وصول "أمير" يتحكم به، هو السيد جمال زيتوني، على رأس "الجماعة الاسلامية المسلحة"(GIA) الدموية. وما بين تشرين الأول/أكتوبر عام 1994 وتموز/يوليو عام 1996، سوف يتبنى هذا الأمير وجماعته عمليات دموية منها خطف طائرة ايرباص تابعة لشركة اير فرانس في كانون الأول/ديسمبر عام 1994، والاعتداءات على قطار الانفاق السريع الباريسي RER في العام 1995، إضافة الى مجازر بحق المدنيين... وكل هذا خدم عملياً أهداف الجنرالات الذين ينفذون عملية الاستئصال ومنها إسقاط الثقة بالاسلاميين والتأكد من دعم باريس ونسف كل محاولة لتحقيق التسوية السياسية في الجزائر. فهل أن قسم الاستخبارات والأمن الجزائري، وبعد عشر سنوات على هذه المناورة الدموية، يجدد هذه العملية مع "البارا"؟

وكان البارا، وهو الضابط السابق في القوات الخاصة في الجيش الجزائري (وبحسب اقواله كان رئيس الحرس الشخصي لوزير الدفاع الجنرال خالد نزار ما بين 1990 و1993 [5]) قد التحق بالميليشيا الاسلامية في العام 1992. ومؤخراً أصبح "الرجل الثاني" في المجموعة السلفية للتبشير والجهاد التي تخوض الحرب ضد الحكم الجزائري. لكن هل أن البارا هو حقاً القائد الأعلى لهذه المجموعة؟ في الوثائق المعروضة على موقع الانترنت التابع للجماعة السلفية [6] لا يظهر اسم عمارة سيفي الملقب أبو حيدرة أو البارا. ومن المؤكد أن السياح الألمان الذين خطفوا في مطلع العام 2003 قد تعرفوا اليه بين خاطفيهم. لكن فقط القيادة العليا للجيش الجزائري، حيث كان يعمل البارا سابقاً، هي التي تؤكد أنه بات يعمل لحساب هذه الجماعة السلفية... التي لم تتبنَّ أبداً خطف هؤلاء السياح.

وترى مجلة "باري ماتش" الاسبوعية أن ما من شك أن البارا قد "كلف نشر تنظيم القاعدة في الصحراء". لكن وللمفارقة أن منشورات عناصر الحركة السلفية وأحاديثهم، إضافة الى المواقف التي يتخذها خاطفوهم والتي نقلها الرهائن من الصحراء أو من مرافقي البارا الذين قابلتهم المجلة نفسها في أواسط العام 2004، كل ذلك يبين أن المعركة المسلحة التي يخوضها هؤلاء الرجال تندرج ضمن المنطق الجزائري حصراً (حتى وإن كانوا يعبرون عن تضامنهم مع المعارك التي يخوضها سائر المجاهدين).

وبغية إثبات الروابط بين الجماعة السلفية للتبشير والجهاد وبين تنظيم القاعدة زعمت السلطات الجزائرية أن يمنياً يحمل اسم عماد بن الوحيد، الذي قتله الجيش بالقرب من بطنة في 12 أيلول/سبتمبر عام 2002، كان "موفداً من بن لادن الى منطقة الساحل المغربي" وقد سجل قبل مصرعه شريطاً يؤكد تبني تنظيم القاعدة للسلفيين الجزائريين. لكن بحسب أقوال ثلاثة من الاعضاء السابقين في الحركة السلفية فان هذا الشريط مزور بكل بساطة وقد ركبته الخلية السمعية البصرية في المجموعة [7] . غير أن هذا النوع من "الأدلة"، ومصدرها الوحيد هو قسم الاستخبارات والأمن (أو من هم على علاقة به في الصحافة الجزائرية) قد سمح للادارة الأميركية بإدراج المجموعة السلفية على لائحة "المنظمات الارهابية" (المنظمات الارهابية الأجنبية FTO). ومع أن بعض الخبراء الأميركيين يشكون في صحة هذا الصلة "فان الربط بين المجموعة السلفية وتنظيم القاعدة قد تسرب بدون وعي الى كتابات الصحافة الوطنية ثم الأجنبية في ما بعد" . [8]

وفي العام 2003 ما بين شباط/فبراير وآب/أغسطس، أي في فترة اختطاف السياح في الصحراء الافريقية لم يصدر أي بيان بالمطالب ولا أي مطلب مالي أو سياسي من الجهة الخاطفة الغامضة. وقد تطلب الأمر انتظار 12 نيسان/أبريل لكي تتحدث الصحافة عن فرضية عملية للحركة السلفية بدون أن تقدم عناصر مقنعة. والأكثر إثارة في الموضوع أن بعض السجناء المخطوفين شهدوا بأن العملية لم ينظمها القائد المفترض للحركة السلفية السيد حسن حطاب وإنما البارا نفسه [9] . وقد نقل السجناء أيضاً أن الخاطفين كانوا يتصلون بشكل منتظم بواسطة جهاز الراديو وبنوع خاص، وعلى جناح السرعة، عندما كانت طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش الجزائري تحلق فوق مواقعهم مع أنهم كانوا يغيرون هذه المواقع. فإذا كان بالامكان تحديد مكان البارا فلماذا لم يتم تعطيل قدرته على الاذى؟

في 10 أيار/مايو عام 2003 استقبلت الجزائر العاصمة السيد يوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني والسيد أوغوست هينغ، قائد جهاز المخابرات(BND) الألمانيين. وبعد يومين حررت القوات العسكرية الجزائرية مجموعة اولى من الرهائن. قيل رسمياً أن هذه هذه القوات شنت "هجوما خاطفا اتخذت خلاله الاحتياطات لكي تحافظ على حياة الرهائن". لكن بعد التدقيق في العملية يتبين أنها نوع من تمثيلية...

الأمر الغريب الأول هو أن رجال البارا، وبدلاً من أن يستخدموا رهائنهم كدروع بشرية اجبروهم على الاحتماء في بعض المغاور. وإثر الهجوم وعندما خرج السياح من مخابئهم فوجئوا بأنهم لم يجدوا لا جثثاً ولا جرحى فيما تقول الرواية الرسمية أن الجيش قتل أربعة من الخاطفين. ويشكك احد الرهائن في الرواية الرسمية: "كان السلفيون يعرفون جيداً ما سيحدث وقد ساروا بنا عمداً مسافة 18 كيلومتراً في الصحراء حتى وصلنا الى مكان محدد سلفاً وملائم جغرافياً لكي نستطيع حضور سيناريو "تحريرنا". لكن لم يخطر في بالي الا في ما بعد أن تكون عملية تحريرنا هذه من إخراج الجيش الجزائري. [...] ولا ازال أتساءل هل كان هناك اتصالات مشتركة بين السلفيين والجيش" . [10]

وأمر آخر مستغرب: ففي حين أن الخاطفين كانوا محاصرين من الجيش الجزائري وليس بحوزتهم سيارات، فإن بعضهم تمكن من النجاة وكأنما بمعجزة من الكمين الذي نصب لهم والتحق على جناح السرعة بالمجموعة الأخرى من الرهائن رغم أنها كانت على بعد يزيد على... 1000 كيلومتر. وبعد هذه العملية العجيبة، في 18 آب/أغسطس، حررت المجموعة الثانية من الرهائن في مالي في ظروف أكثر خيالية بعد دفع فدية، بلغت خمسة ملايين دولار بحسب مختلف المصادر، دفعتها ألمانيا والنمسا وسويسرا [11]. ومذاك سادت الشبهات. فهل ان البارا، الضابط السابق الذي تخدم عملياته الارهابية جيداً مصالح النظام الجزائري الساعي الى الدعم الدولي، لا يزال يعمل سراً في خدمة أجهزة مستخدميه السابقين بعد أن نجح في اختراق الميليشيا الاسلامية؟

في أول آذار/مارس عام 2004 أمكن تحديد مكان البارا وحوالى خمسين من رجاله وهاجمتهم وحدة عسكرية تشادية في شمال تشاد. وبعد أن نجح في الفرار عبر بعض التواطؤ وقع الارهابي الجزائري أخيراً أسيراً بين أيدي المتمردين من "حركة الديموقراطية والعدالة في تشاد"(MDJT) التي تحارب نظام ادريس دبي. وسرعان ما اشتبه المتمردون في انه "هذا السلفي الذي يلاحقه الجميع والذي تتحدث عنه الاذاعات العالمية" [12] . وقد بدا البارا الواثق من نفسه متأكداً من أنه سيحرر سريعاً. وهذا ما باح به أمام معتقليه: "أعرف الكثير من الناس في العاصمة الجزائرية، وإذا كنتم تريدون المال فسوف نعطيكم". لكن حركة الديموقراطية والعدالة رفضت ذلك، وقد صرح لنا السيد ابرهيم تشوما المكلف الشؤون الخارجية في حركة الديموقراطية والعدالة التشادية: "وقد توجهنا الى كل الفرقاء المعنيين من أجل تسليم البارا ولكي يحاكم وفق الشروط المناسبة".

وفي اول نيسان/أبريل تلقى ثلاثة من ممثلي المتمردين التشاديين في فرنسا دعوة سرية لزيارة الجزائر. وقد لبوا الدعوة على أساس اقتناعهم بأن الجزائر ترغب في استعادة "عدوها الرسمي الرقم واحد"، وقد استقبلهم الجنرال محمد مدين القائد الرهيب لقسم الاستخبارات والأمن. وقد أخبرنا السيد محمد مهدي، نائب رئيس حركة الديموقراطية والعدالة في الخارج بما يأتي: "وصفنا له زعيم السجناء وسرعان ما حدد هويته على انه فعلاً عمري صيفي المعروف بعبد الرزاق البارا. وقد كانت معلومات قادة قسم الاستخبارات والأمن بالغة الدقة. حتى أنهم لفتونا الى أن في رقم هاتف البارا الخليوي، وكنا قد دوناه على ورقة صغيرة، خطأ بسيطاً. كانوا يعرفون رقمه الصحيح. وقد طلبنا معاً هذا الرقم وقد رن فعلاً هاتف البارا في تيبستي حيث كان رجالنا قد صادروه!". إذن كيف يمكن تفسير كون السلطات الجزائرية لم توقف البارا قبل ذلك؟

والأكثر إثارة للاستغراب ان المفاوضات مع قسم الاستخبارات والأمن قد جرجرت كثيراً، فيروي المهدي أن "الجزائريين بدأوا بالمطالبة بأكبر قدر من السرية، فلم يريدوا الكشف عن اعتقال البارا. فاقترحنا عليهم أن يحضروا لتسلمه لكنهم بادروا الى المطالبة بأن ننقله نحن بأنفسنا الى جنوب الجزائر". وبعد أسبوعين من المماطلة غير المجدية راح الثوار التشاديون يتساءلون عما إذا كانت الجزائر العاصمة ترغب فعلاً في تسلم البارا، ثم عاودوا الاتصال بالسلطات الالمانية التي أصدرت مذكرة توقيف دولية بحق هذا الارهابي. غير أن المفاوضات طالت كثيراً إذ يبدو أنه منذ اختطاف الرهائن تلمح العاصمة الجزائرية للألمان بامكان توقيع عقود مهمة [13] . وفي أواخر أيار/مايو، يبدو أن المتمردين التشاديين شعروا بالمزيد من الارباك نتيجة الازعاج الناتج من أسر الضابط الجزائري السابق، فاثاروا زوبعة تردد صداها عندما تحدثوا الى صحيفة "لوموند" [14] عن تحفظ الأجهزة الجزائرية المستغرب. وبعد أيام قررت الأجهزة الجزائرية التصرف. فارسلت في إطار من السرية الكاملة، فرقة كومندوس الى الحدود التشادية في مهمة لاستعادة البارا سراً، وذلك بعدما رشت أحد القادة المحليين لحركة الديموقراطية والعدالة التشادية بمبلغ كبير من المال. ومن أجل إخفاء دوره عمد قسم الاستخبارات والأمن الى تركيب مناورة. ففي 2 حزيران/يونيو عام 2004 اكد صحافي من "راديو-فرانس" الدولي وبدون أي مواربة أن "عبد الرزاق البارا، وهو أحد المطلوبين أكثر من غيرهم في الجزائر قد أصبح حراً" موضحاً "أن ناشطين آخرين من الحركة السلفية قد دفعوا فدية بلغت قيمتها 000 200 يورو للمتمردين التشاديين من أجل تحرير البارا وناشطين جزائريين آخرين" . [15]

لكن الخبر كان مغلوطا، وفي ما بعد تحدث الصحافي من راديو فرانس انترناسيونال، الذي خدع على الأرجح، عن "مصادر عسكرية جزائرية" مبهمة. ويروي محمد مهدي: "ما إن أذيع الخبر اتصلت بقيادة حركتنا، فنفت الخبر، لكن أكدت لي أن أحد قوادنا المحليين، ومركزه على الحدود مع النيجر قد امسك بـ"إلبارا" وباثنين من ضباطه". وقد استجيب طلب المهدي بان يسلم السجناء الى قيادة الحركة. لكن في الساعات التالية فوجئ باتصال هاتفي من أحد ضباط قسم الاستخبارات والأمن كان قد التقاه قبل أسابيع في العاصمة الجزائرية. وقد بدا هذا الأخير مغضباً وهو يلوم قيادة حركة الديموقراطية والعدالة لأنها "غطت تهريب إلبارا". ويدافع مهدي عن حركته قائلاً: "نحن لم نوافق على أي شيء. لكن لماذا تفاوض الجزائريون من وراء ظهرنا مع أحد قادتنا المحليين؟ ولماذا أرادوا الايحاء بأننا عدنا وبعنا إلبارا الى السلفيين، فيما الحقيقة هي ان الأمن العسكري هو الذي كان يسعى الى استعادته سراً؟".

إثر ذلك اقترحت حركة الديموقراطية والعدالة التشادية على ألمانيا أن تسلمها إلبارا ورجاله عبر ليبيا. وفي اول تموز/يوليو انتهت عملية تسليم السجينين الأولين بشكل سيئ، إذ أعلن الليبيون بعد تسلمهما أنهما قتلوهما في "اشتباك". وعندها اوقفت حركة الديموقراطية والعدالة عملية التسليم إذ اعتبرت نفسها ضحية خيانة ليبية. ثم وفي مقابلة مع صحافيين من "باري ماتش" (مصحوبين بمصور من محطة فرانس-2) اعترف البارا بمسؤوليته عن اختطاف السياح الاثنين والثلاثين في ربيع العام 2003، لكنه نفى أن يكون عاملاً لحساب السيد بن لادن . [16]

اما الأجهزة الجزائرية التي احست بالارباك فقد نجحت في النهاية، في اواخر تشرين الأول/أكتوبر عام 2004، في إقناع أحد القادة المحليين من حركة الديموقراطية والعدالة التشادية بتسليمها الأسير المزعج. وبمجرد ان أصبح بين أيدي قسم الاستخبارات والأمن لم يعد "بن لادن الصحراء يعتبر صيداً ثميناً" [17]. ومذاك وبحسب الصحافة الجزائرية، هو يترقب مشروع العفو العام الذي سيصدره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والهادف الى تبرئة الارهابيين كما القادة العسكريين الذين تورطوا في جرائم ضد الانسانية اقترفوها خلال "الحرب القذرة" ... [18]

والمفارقة هو عدم حماسة إدارة بوش لتسلم "الذراع اليمنى لبن لادن في الساحل الافريقي". وتفسير ذلك فيه على الأرجح شيء من السخرية، فبعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر بات للولايات المتحدة مصلحة اكيدة في التقرب من النظام الجزائري. ففي العام 2003، وبعد الاعلان عن بيع الجزائر تجهيزات عسكرية تستخدم في الحرب على الارهاب، أعلنت واشنطن أن الجزائر "هي البلد "الأكثر ديموقراطية" في العالم العربي. والأمر الأساسي بالنسبة اليها هو أن تنشر نقاط مساندة عسكرية في المغرب والساحل الافريقي، وقد بدأ تنفيذ المبادرة التي سميت "عبر الساحل" Pan-Sahel في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2003، وذلك بعد قليل من خطف الرهائن في الصحراء. أما هدف الولايات المتحدة فهو إعادة بناء قواعدها العسكرية في العالم. وبدلاً من الابقاء على بنى ضخمة ثقيلة، مكلفة وصعبة الحركة، فقد قررت أن تطور شبكة من القواعد الصغيرة العملية التي تتطلب عدداً بسيطاً من العاملين فيها.

إن افريقيا الشمالية والغربية تشكل أحد مراكز الثقل في هذا المشروع وذلك بسبب احتياطها النفطي الذي يغطي حالياً 17 في المئة من الحاجات الأميركية والذي في غضون عشر سنوات سوف يبلغ 25 في المئة من وارداتها. فشركة "سوناتراتش" الجزائرية، التي بلغ مجمل مبيعاتها 32 مليار دولار في العام 2004 ولأنها تحتل المرتبة الأولى بين الشركات الافريقية، تلعب في ذلك دوراً رئيسياً. وليس فقط أن الأميركيين قد زرعوا قوة عسكرية كبيرة من 2000 جندي في جيبوتي، القاعدة العسكرية الفرنسية منذ عهد الاستعمار، بل أنها تنوي إنشاء عشرات القواعد العسكرية في المنطقة، من السنغال الى مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وغانا والمغرب وتونس والجزائر [19]. وفي الجزائر تتحدث بعض وسائل الاعلام عن وجود بات قائماً لقوة ربط من الوحدات الخاصة الأميركية متألفة من حوالى 400 جندي في مكان غير بعيد عن تمانراسات. وهكذا ستصبح الجزائر "دولة محورية" ذات دور ضروري لعمليات الانتشار العسكرية المستقبلية في المنطقة وذلك بحسب مفهوم الجيوستراتيجيا الأميركية في مشروع "الشرق الأوسط الكبير".

في ربيع العام 2004 قررت واشنطن أن ترفع من 7 الى 125 مليون دولار الموازنة المخصصة لمبادرة "عبر الساحل" Pan-Sahel، وهي خطوة ستسمح لها بزيادة مبيعاتها من الأسلحة الى دول المنطقة. والحال بحسب تأكيدات الصحافة الجزائرية "ليس هناك إلا الحركة السلفية للتبشير والجهاد لتبرير الوجود الأميركي في المنطقة. فإذا ما قتل البارا، وتم التعرف اليه رسمياً، أو إذا هو أسر وسلم الى دولة ثالثة، فعندها سيكون هناك الكثير من الأمور سوف تتطلب إعادة النظر" [20] . فإذا ما عطلت قدرة البارا على الأذى فإن ذلك سيربك الولايات المتحدة ودول الساحل على السواء، إذ ان للجميع مصلحة في أن يستمر في أن يعيث فساداً في المنطقة... وإذا كان لا بد من توقيفه فليكن ذلك على يد الجزائريين من اجل تفادي الاعترافات المحرجة. ففي تموز/يوليو عام 2004 صرح الناطق الرسمي في وزارة الخارجية الأميركية السيد ريتشارد باوتشر بأن "البارا والمتواطئين معه يجب ان يسلموا الى السلطات الجزائرية في أقرب فرصة وذلك من أجل محاكمتهم على أساس التهم الموجهة اليهم" . [21]

وهذا الهجوم الأميركي يواجه بالطبع ما يعرقله في المناطق ذات النفوذ الفرنسي، ومنها المعاقل التقليدية مثل تشاد وأنغولا وصولاً الى الغابون المخلصة، التي تواجه مغريات الشركات الأميركية [22]. وهذه الاستهدافات تترافق طبعاً مع رغبة في تهميش الدور العسكري لباريس في المنطقة. وسواء تعلق الأمر بالتزود من الأسلحة أو بتوقيع عقود التنقيب عن النفط واستثماراته أو بالمبادلات التجارية (مشروع آيزنستات Eizenstat الأميركي الهادف الى إقامة منطقة تبادل حر في العام 2004 والذي نفذ اساساً في المغرب لمنافسة المنطقة الحرة الأوروبية المتوسطية المرتقبة في العام 2010)، فإن فرنسا التي دعمت أساساً النظام العسكري الجزائري على مدى كل سنوات "الحرب الشاملة" هذه، تخشى بكل وضوح أن تزيحها القوة العظمى الأولى في العالم.

ولذلك فان الحكومة الفرنسية، وبعد أن توقف مسار برشلونة الذي أطلق في العام 1995، قد ركزت اهتمامها على العلاقات الثنائية مع الجزائر. وجاءت زيارة الرئيس شيراك للجزائر في العام 2003 لتترجم هذا الهاجس. فإعلان الجزائر العاصمة الصادر في 2 آذار/مارس عام 2003 كان تمهيداً لتوقيع "معاهدة صداقة" في العام 2005 وهدفها العمل بمبدأ "الشراكة المميزة" على الصعيد الاقتصادي والثقافي والعلمي والبشري و...العسكري. وقد تضاعفت الزيارات المتبادلة بين وزراء البلدين، وإزاء تردد الشركات الفرنسية المدعوة الى الاستثمار في الجزائر، تحضر باريس "لاتفاق شامل" يتعلق بالاستثمار في هذا البلد. وهناك بحث في توقيع "اتفاق دفاعي". لكن مما خيب آمال فرنسا كثيراً أن الجزائر لم تنضم الى الفرنكوفونية خلال مؤتمرها المنعقد في 26 تشرين الثاني/نوفمبرعام 2004.

إذن لقد عرف النظام الجزائري كيف يستفيد ببراعة من انعكاسات اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر. فهو إذ أدرك أن الولايات المتحدة تسعى الى الدخول الى شمال افريقيا عرف في الواقع كيف يرعى، أو على الأقل كيف يترك حرية التصرف لـ"بن لادن" محلي. إلا ان ما لم يكن متوقعاً هو أن يؤسر على يد الثوار التشاديين، وهم "نقطة في بحر" في هذه التمثيلية. ولاستبداله راحت الصحف الجزائرية تبرز مؤخراً الى الواجهة إرهابياً جديداً. فبحسب صحيفة " L’Expression" فان المهرب مختار بلمختار ورجاله، الذين يصورون منذ فترة طويلة على انهم على صلة بالجماعة السلفية للتبشير والجهاد، سوف يكون من الآن وصاعداً مستهدفاً من السلطات: "فمنذ قضية خطف السياح الأوروبيين في الجنوب الجزائري الكبير، أصبحت هذه المجموعة العدو اللدود لكل الأجهزة السرية الغربية" [23]. وللقضية تتمة...






--------------------------------------------------------------------------------

* هما على التوالي المسؤولة عن موقع "ألجيريا-واتش" على الانترنت(www.algeria-watch.org) وصحافي في محطة "كانال بلوس"( Canal Plus).


--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحيفة "تريبون"، الجزائر العاصمة في 12/10/2004.

[2] صحيفة نيويورك تايمز، نيويورك، في 10/12/2002.

[3] صحيفة " Le Quotidien d’Oran"، اوران، في 6/3/2004

[4] راجع : Lounis Aggoun et Jean-Baptiste Rivoire, Françalgérie, crimes et mensonges d’Etats, La Découverte, Paris, 2004.

[5] مجلة باري ماتش، باريس، 5-11/8/2004.

[6] www.jihad-algeria.com

[7] صحيفة " Le Quotidien d’Oran"، في 23/10/2004.

[8] صحيفة " Le Quotidien d’Oran" في 18/5/2003.

[9] راجع: Reiner et Petra Bracht, 177 Tage Angst, Highlightsverlag, Euskirchen, 2004.

[10] راجع : Harald Ickler, Entführt in der Wüste, Bastei-Lübbe, Bergisch-Gladbach, 2003.

[11] المرجع: Lounis Aggoun, Le Croquant, Lyon, n°s 44-45, décembre 2004.

[12] صحيفة لوموند في 26/5/2004.

[13] صحيفة " L’Expression" في 7/6/2004.

[14] في 26/5/2004

[15] راديو فرانس انترناسيونال، في 2/6/2004.

[16] باري ماتش، 5-11/8/2004. وكذلك باتريك فوريستيي وبول كوميتي، في برنامج " Envoyé spécial " على محطة فرانس-2، في 9/9/2004.

[17] صحيفة الوطن، الجزائر العاصمة، في 30/10/2004.

[18] صحيفة " L’Expression "، الجزائر العاصمة، في 28/12/2004.

[19] صحيفة " Junge Welt"، برلين، في 12/7/2004.

[20] صحيفة " L’Expression" في 6/6/2004.

[21] . صحيفة "لوماتان Le Matin "، في 11/7/2004.

[22] مجلة "لونوفال أوبسرفاتور Le Nouvel Observateur"، باريس، 9-16/6/2004.

[23] صحيفة " L’Expression" في 27/12/2004.



#سليمة_ملاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سليمة ملاح - تحقيق حول بن لادن الصحراء الافريقية