أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حيدر علي الوندي - إنتفاضة خانقين ضد الجوع والطغيان عام 1948 وإمرأةٌ شجاعةٌ من بلادي















المزيد.....

إنتفاضة خانقين ضد الجوع والطغيان عام 1948 وإمرأةٌ شجاعةٌ من بلادي


حيدر علي الوندي

الحوار المتمدن-العدد: 3866 - 2012 / 9 / 30 - 17:28
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لازالت أحداث الإنتفاضة الشعبية التي حدثت ضد الجوع والطغيان في مدينة خانقين في أواسط عام 1948 ماثلة أمامي بشخوصها وناسها وأحزابها الوطنية التي قادت وحضرت لتلك الإنتفاضة الشعبية الخالدة وتلك المرأة المناضلة البطلة التي لم تفارقني ملامحها وشخصيتها القوية المؤثرة والتي كانت تردد الشعارات وتقود المتظاهرات من نساء خانقين وصولاً لسراي الحكومة وإختراقه وهروب قائمقام خانقين خوفاً من المتظاهرين الغاضبين وإختبائه في بيته. فلقد كانت جموع الجياع الثائرة من أهالي خانقين الطيبين تزحف نحو سراي الحكومة وهم يطالبون بالعيش بكرامة وسد رمقهم ويهتفون بسقوط الحكومة وسلطة المدينة المتمثلة بقائمقام خانقين وحاشيته وزبانيته ( أصبح لاحقاً نائبا في البرلمان في العهد الملكي ) والذين يقومون بتهريب موارد المدينة الزراعية والمواد الغذائية الضرورية الى دول الجوار وبيعها بالسوق السوداء مما تسبب ذلك في مجاعة كبيرة وحرمان لأهالي مدينة خانقين والقرى والمدن التابعة لها.
وقتها قررت الحركة الوطنية في مدينة خانقين متمثلة بالحزب الشيوعي العراقي والحزب الديموقراطي الكوردستاني( البارتي) وبعض الشخصيات الإجتماعية الوطنية ( أتحاشى ذكر الأسماء كي لا اقع في الخطأ وعدم ذكر البعض دون البعض الآخر وذلك لتقادم الأيام والسنين ) قررت القيام بمظاهرات شعبية احتجاجاً لما وصلت اليها الأوضاع المعيشية في المدينة والتي تحولت لاحقاً الى إنتفاضة شعبية عارمة شاركت فيها جميع قطاعات الشعب من النساء والرجال وعمال النفط والطلبة والشبيبة والفلاحين والفقراء ..وأعطت مثالاً حياً عن تلاحم أبناء المدينة ووعيهم وتقدمهم اجتماعياً وسياسياً ومن هذا المنطلق جائت مشاركة النساء في الحياة السياسية والنضالية كونهم يمثلون نصف المجتمع في مدينة تشهد حراكاً سياسياً وطنياً فعالاً سرعان ما التف حولها ابناء الشعب الكوردي في المدينة ...فلقد كانت مدينة خانقين من المدن العراقية المتحضرة المعروفة حيث يتكلم أهلها بالإضافة للغتهم الأصلية الكوردية عدة لغات أخرى منها العربية والتركمانية والفارسية والأنكليزية بالإضافة للبعض الذين يتكلمون اللغة الهندوسية من خلال تواجد جيوش الحلفاء المتعددي الجنسيات خلال الحرب العالمية الثانية كونها مدينة حدودية مع ايران .. كما كانت توجد في مدينة خانقين عدد من شركات البترول والعديد من المدارس المختلطة ولكن باللغة العربية( حيث كانت الدراسة باللغة الكوردية ممنوعة) واكثر من خمس دور للسينما ونوادي اجتماعية وفرق رياضية وطبقة كبيرة من المثقفين والسياسيين مما كان يدل هذا على تطور المستوى والوعي الثقافي والسياسي الجيد السائد آنذاك وإستمر الحال عليه لغاية منتصف الستينات من القرن الماضي حين تدهورت الأحوال الإجتماعية والمعيشية والسياسية والثقافية لاحقاً.
فمن بين كل تلك الأحداث السياسية والتظاهرات الشعبية برزت شخصية إمرأة شجاعة قوية ومناضلة حقيقية من نساء المدينة ( تعادل بشجاعتها عشرة رجال شجعان ) لا زال إسمها يتردد بين أبناء خانقين حين يتذكرون مآثر المدينة الوطنية وممن عاشوا تلك الفترة من أيام الإنتفاضة وشهدوا أحداثها وهي السيدة الفاضلة المناضلة ( بدرية عبد الله والملقبة بأم جعفر ... زوجة حسن هماوندي – الملقب بحسن أفندي شل - أحد المشاركين في الإنتفاضة) والتي كانت تقود مظاهرات النساء وتردد شعاراتها بالكوردية والعربية والتركمانية وتهتف بسقوط الحكومة العراقية وسلطتها المحلية في المدينة .. قادة تلك السيدة البطلة مظاهرات النساء بكل شجاعة واقدام بل كانت تحفز الأخريات للإنضمام للمظاهرات وعدم الخوف من رجال الشرطة والأمن وقادتهم نحو ( السراي) أي مقر الحكومة في وسط المدينة على ضفاف نهر الوند وهي تسير بكل شموخ في المقدمة كأي ثائر مقدام شجاع.. ولكنهم لم يجدوا أحداً من افراد الحكومة , بعدها توجهت هي وبقية النساء والمتظاهرين نحو منزل القائمقام الذي هرب اليه خوفاً وهناك وقعت الواقعة الكبرى حين أخرجت السيدة ( أم جعفر ) القائمقام من ( زنبيل كبير) كان يختبئ فيه تحت حراسة الشرطة فأمسكته من ياقته ورفعت حذائها وضربته على رأسة الذي تفجر دماً وسلمته للمتظاهرين الغاضبين .. حينها تدخلت الشرطة وأطلقت الرصاص على المتظاهرين في الهواء كي تنقذه من بين ايديهم بينما كانت هي تدافع عن النساء المتظاهرات وتمنع عنهم الأذى بالتصدي للشرطة وهي تحمل بيدها عصا غليضة ( توثية ).... أنا في الواقع لم ولن أشاهد بعد في حياتي موقفاً شجاعاً وبطولياً لإمرأة ثائرة كالذي حدث أمامنا ونحن مجموعة من الطلبة المتظاهرين المنذهلين بها لأنها كانت تمدنا بالشجاعة وتشحذ هممنا بأن لا نخاف ونحن في مقتبل العمر ولازلنا لا نعرف الحياة السياسية والمواقف البطولية ..أنها بالفعل كانت إسطورة للنساء والأمهات الكورديات والعراقيات...
بعدها قادة المتظاهرات وهي تسير في مقدمتهم وتهتف وتردد الشعارات الحماسية بصوتها القوي نحو مخازن الحنطة والشعير والرز والشاي والسكر في محطة قطار خانقين حيث تلاحم المنتفضون في وحدة جماهيرية لا تنسى وكأننا في ملحمة ( كومونة باريس ) وهي في مقدمتهم وقاموا بتحطيم وكسر أبواب المخازن الكبيرة وأخذ محتوياتها من المواد الغذائية لكي يسدوا بها رمقهم وآفة المجاعة التي استشرت في المدينة ... وكلما أتذكر تلك المشاهد التي عشتها وأنا في سن الصبا تنذرف الدموع من عيوني حنيناً وشوقاً لأيام وأحداث بطولية وطنية وناس طيبين وصادقين في حب الوطن من الصعب أن نلقاهم في هذه الأيام ....
...وبعد أن تم ماكان وأخذ المتظاهرون المنتفضون ما غنموه من المواد الغذائية وهدأت الجموع هجم رجال الشرطة والأمن وأخذوا بإعتقال قادة التظاهرات والإنتفاضة من الحزبين الوطنيين الشيوعي والبارتي في المدينة وكانت السيدة( أم جعفر) من بين من أعتقلوا , وبعد العديد من التدخلات والوساطات العشائرية والشخصيات الإجتماعية حكمت عليها المحكمة بالسجن لمدة 6 أشهر كأقصى عقوبة من بين النساء الأخريات لإهانتها وضربها قائمقام خانقين وتحريض الناس على التظاهر والعصيان وسجنت في بيت المختار ( حيث كانت النساء تسجن سابقاً في بيت مختار المحلة لعدم وجود سجن خاص بالنساء في المدينة ) .. لقد كانت أيام الإنتفاضة حدثاً ومشهداً تراجيدياً ثورياً لا يمكن أن ينساها من عاشها من أهالي مدينة خانقين ممن كانوا شهوداً ومشاركين في تلك الإنتفاضة الخالدة التي نسيها الإعلام الوطني الرسمي والإعلام الحزبي بعد ثورة 14 تموز للأسف الشديد ولم يُكتب عنها بتاتاً .. وتكاد أن تكون كلماتي البسيطة هذه أول من ذكر تلك الإنتفاضة الجماهيرية الوطنية الخالدة ضد الجوع والطغيان في مدينة خانقين عام 1948.
وهنا لا يفوتني أن أذكر بأن هذه السيدة المناضلة الشجاعة الفاضلة التي خطت بشجاعتها وبسالتها تأريخاً مشرقاً لنضال المرأة الكوردية والعراقية قد لاقت هي وعائلتها الكثير من المضايقات في العهد الملكي وبعد أحداث الإنتفاضة الشعبية مما تسبب ذلك في تفريق عائلتها.. كما أنها عانت هي وأبنائها الفنانان المعروفان ( جعفر حسن وناصر حسن ) الأمرين من المضايقات والإضطهاد والإعتقال لاحقاً على أيدي الحرس القومي السئ الصيت عام 1963 وكذلك في عهد حكومة الطاغية البائدة بل دفعوا الثمن غالياً من التهجير والمنفى لأكثر من ثلاثة عقود لقاء مواقفهم الوطنية الشجاعة ووقوفهم بوجة الظلم والتهجير والأنفال للشعب الكوردي وما لاقاه الشعب العراقي عموماً طوال أربعة عقود من الظلم والإضطهاد والذي انتهى بسقوط الطاغية ونظامه ....
ختاماً علينا أن نذكر وللأسف الشديد بأن الحكومتان الإتحادية وحكومة الإقليم والسلطة المحلية الحالية لمدينة خانقين لم تكرم هذه العائلة المناضلة وأبنائها والتي أصبحت رمزاً من رموز النضال الوطني والثقافي والفني لمدينة خانقين وللعراق .. كما لم تهتم بتأريخ هذه السيدة المناضلة التي قادة بشجاعتها واقدامها وحرصها وشعورها الوطني أكبر تظاهرة للنساء في تأريخ مدينة خانقين الوطني وأصبحت واحدةً من مفاخر المدينة... كما لم يعد لهذه العائلة الوطنية المناضلة أي أثر يذكر في المدينة التي ساهوا في بنائها ورسم بعضاً من ملامحها وتأريخها النضالي والثقافي والحضاري ..

حيدر الونـــدي ....
شاهد عيان لإنتفاضة خانقين ضد الجوع والطغيان عام 1948



#حيدر_علي_الوندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حيدر علي الوندي - إنتفاضة خانقين ضد الجوع والطغيان عام 1948 وإمرأةٌ شجاعةٌ من بلادي