أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - البقــــرة الحلـوب















المزيد.....

البقــــرة الحلـوب


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1124 - 2005 / 3 / 1 - 12:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يحكى أنه في قديم الزمان, وسالف الدهر والأوان, يا سادة يا كرام, وفي رُقع النصب والشفط ,والدروشة ,والاستهبال, أن قاضيا كان يفصل في إحدى القضايا بين غريمين متنازعين ,"دسمين" ,وعلى درجة من "الشحم, والتورم, والاكتناز,كالعربان الذين نراهم على شاشات التلفاز" ,ويختلفون في قضية عادية حول أرض. وكان المتخاصمون يتناوبون حضور الجلسات عنده لسنوات طوال.وكان هذان الرجلان, وكلما حضرا للقاضي, يحملان له الأموال, وأتعاب القضية ,والزيت والسمن والبُر والفول, والعدس, والعسل والأجبان , وكل مالذ وطاب,وفي كل مرة كان القاضي الهمام ,يؤجل بهم إلى موعد جديد,وعيناه المتوقدتان على مافي الخرج من زاد وطيب وحلال, , متذرعا بدراسة الموضوع ,واختلاق شتى الأعذار .فما كان من المتخاصمين إلا الانصياع لعدالة المحكمة,وحكمة الحاكم المغوار. واستمرت الأمور بالسير على هذا المنوال ,وبدا أن القضية لن تنتهي في يوم من الأيام.وكان القاضي,في كل مرة, يظهر طقوس الاهتمام,ويعقد الخلوات,ويحل ويشكل الوزارات,وبجتمع مع المستشارين ,والاستراتيجيين , والمحللين الدهاة ,وينتظر التطورات,وتحسن الأحوال,وحصول المعجزات, ويزور موقع الأحداث,ويرسم الخطط والتصورات, ويطّلع عن "كثب" على تفاصيل وترتيبات القرار ,ثم يعود لمخدعه وعرينه ,للتفكير بشتى الحلول الممكنة واستعراض كل الأفكار.ولكن النتيجة كانت دائما تأجيل القضية لموعد آخر,والتسويف, والمماطلة,والتخدير,والتنويم ,والاستغفال.

وذات يوم, مرض القاضي مرضا شديدا استلزم جلوسه في الفراش ,لفترة من الوقت. وكان للقاضي ولد يدربه على القضاء وحل المنازعات.وفي هذه الأثناء, كان هناك موعد للجلسة,فتولى الولد مكان أبيه ,في هذه الجلسة بالذات.وحين حضر الغريمان اللدودان, وشرحا النزاع للقاضي الابن ,قال لهما الموضوع بمنتهى البساطة والوضوح ولا يحتاج لكل هذا الخلاف,والمنازعات ,والأخذ ,والرد, وكل هذه المداولات, والسنوات ,والعقود الطوال. فما رأيكم لو أن كل واحد منكم فعل كذا وكذا ,وأخذ كذا وكذا ,ألا تعتقدون أن هذا أجدى لكم وأحسن من الخلاف,و"المطمطة والمرمطة" والقيل والقال؟والحق واضح وبيّن ,ولا يحتاج لعباقرة ,ودهاة؟فقالا له:حسنا ,وهذا مانريده بالضبط ,وماكنا نقوله للوالد القاضي دائما,أمد الله في عمره,وأدامه ذخرا للعدالة,والمظلومين ,والنزاهة والقضاء. ولكنه كان يرفض دائما, ويقول إن هذا ليس عدلا ,أنا سأحاول أن أحقق لكما العدل المطلق,لأنني أنا العدل ,والعدل أنا. ولن أقبل بالحلول الوسط والعادية,ويمطرهم كل مرة بالخطب العصماء ,الذي لا ينقذهم منها سوى حلول وقت الغذاء.وخرج الرجلان بعد حكم الابن مسرورين,وانتهت القضية على ما تمنوا ,وعلى هذه الحال,وبعد كل هذا الوقت الطويل من الأخذ والرد, والذهاب والإياب, لعند القاضي.

وطار القاضي الصغير إلى أبيه يزف له هذه البشرى,وهذا الإنجاز ,ويعتز بما حققه وبما عجز عنه القاضي المحنك القديرالفهمان, قائلا :لقد أرحتك يا أبتاه وخلصتك من قضية الرجلين, إياهم, وانتهت مشكلتهم العويصة بجلسة واحدة ,وذهب كل في سبيله ,وها هو الحكم ,فتأمل براعة ابنك الجهبذ الشاطر الوقاد في حل المعضلات.فما كان من الأب إلا أن انتفض من فراشه, وقال له الله لا يسلم يديك ,والله لا يعطيك العافية على هذا القرار,ألا تدري بأن هذه القضية الدسمة هي التي علمتك في الجامعات, وربتك أنت وإخوتك بدلال , وكان بيتنا مفتوح,ونحن نعيش مستورين من ورائها ,وما تدره علينا من الليرات, ,فتأتي وتحلها أنت بثوان, وتقطع رزقنا يابن الحرام,روح الله يغضب عليك ياحمار,"هكذا قال له بالحرف". فمن أين سنعيش بعد حل مثل القضايا ,ومن سيجلب لنا المؤونة والطعام؟وسقط مغشيا, عليه ومات من شدة الغم والحزن والإيلام,حيث لم يعد هناك قضية يعيش لأجلها. وهنا انتهت القصة. هل فهمتم شيئا من هذا اللغو والكلام؟

فهناك الكثير من الناس يعيشون على آلام الناس, وبؤسهم ,وشقاءهم,وتعاستهم ,وحين يموت البعض, يفرح حفارو القبور, وتجار الموت,وقارؤو النعوات, لأن هذا يعني مصدر رزق, وتكسب, وشغل لهم.وهناك بشر يعيشون من شتى الأعمال ,حتى الموت أصبح تجارة لبعض الناس ,ولا يعيشون ولايستمرون ولا يتلذذون بالحياة ,إلا بقبض الأرواح. إنها غرائب الحياة المضحكة والعجيبة والمرعبة في كل الأوقات.وجدلية المتناقضات الأبدية المتبادلة, بين جميع الكائنات. ومن بعض الفوائد للبعض,أن تبقى الشعوب منكوبة وتعيسة وتعيش في أرذل الأحوال ,وقديما قال المتنبي : بذا قضت الأيام بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد.

فإذا لم يكن هناك أرض, فمن أين سيعيش الفلاحون, والورود, والأشجار؟وإذا لم يكن هناك طلاب, فمن أين سيعيش المدرسون؟وإذا لم يكن هناك مرضى, فمن أين سيعيش الأطباء؟ وإذا لم يكن هناك معارضون"أشرار", فمن أين سيعيش الجلاوزة ,والجلادون, والطغاة,ولمن ستفتح فروع المخابرات؟وإذا لم يكن هناك رعاع ,ودهماء,وبلهاء, ومغسولو دماغ , فمن أين سيعيش النصابون والكذابون, والاستهباليون الكبار؟وإذا لم يكن هناك رعايا ,وسبايا ,ومقهورون ,وأذلاء ,فكيف ستستمر ,وتزدهر,ويطول عمرالشموليات؟وإذا لم يكن هناك ثورات, فمن أين سيعيش المناضلون الأبرار؟وإذا لم يكن هناك عهر وعاهرات, فمن أين سيعيش السماسرة والقوادون والزناة؟وإذا لم يكن هناك مراجعون ,فمن أين سيعيش الموظفون الإنكشاريون المرتشون الجباة؟ وإذا لم يكن هناك عربان, فكيف سيعيش و"يتنمرد"و"يتفرعن" علينا الأمريكان؟وإذا لم يكن هناك ظلاميون ,فكيف سنشعر بالظلام؟ وإذا لم يكن هناك "قضاة " جهلة وخائبون, فكيف ستستمر كل القضايا خاسرة إلى نهاية الزمان؟وإذا لم يكن هناك خزائن مستباحة فمن أين سيسترزق اللصوص والحرامية و"النشترية" الكبار؟وإذا لم يكن هناك طواحين هواء ,فمن أين لنا أن نتشرف بالتعرف على الرائع "دونكيشوت" ,ونستمتع بالبهلوانيات ؟وإذا لم يكن هناك خوات وأتاوات ,فمن أين سيسترزق البلطجيون العتاة؟وإذا لم يكن هناك “علكات” ممجوجات,واسطوانات مشروخات ,فمن أين سيعيش فطاحل الصحافة والإعلام؟ويسترزق المسترزقون والمتعيشون المتفوهون والناعقون في الهواء؟

وهنيئا,وألف مبروك, لمن كان لديه بقرة حلوب ,في دنيا قطّاع الطرق, وغابة البوم والذئاب والغربان , ومرابع الحفيان والرعيان,تدر عليه اللبن والعسل والبترو دولار,ويتاجر بها في كل المنابر ,والصالونات ,والكباريهات ,والبازارات. ورِِزق "الهِبل"على المجانين, والمعتوهين الأشقياء . والله لا يوقعكم بأيادي هكذا "قضاة".



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقــــوط الرهانات
- سورية العظمـــى
- هل نحن أمة من الجهـــلاء؟
- دروس في الديمقراطيـــة
- الحـــــرب الإليكترونية
- بالـــونات الهواء
- مجانيـــن بلا حــــدود
- لوحــــة من الصحراء
- عندما يموت الكبــــار
- الموت على الطريقة العربية
- الفالانتاين ..........عيد الحب
- الديكتاتورية هي الحـــل
- العلمــــانية والعولمة
- طل الصيبيح ولك علوش
- حــــروب المقاطعــــة
- إنهم يأكلون الأصــــنام
- السقيفـــــة
- سجناء بلا حــــدود
- فقـــــراء بلا حدود
- لاتحاكمـــوا هذا الرجل


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - البقــــرة الحلـوب