أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - بيرم ناجي - الجبهة الشعبية في تونس : مساندة نقدية. ( رسالة مفتوحة الى الرفاق و الأصدقاء و الاخوة في الجبهة الشعبية التونسية .)















المزيد.....



الجبهة الشعبية في تونس : مساندة نقدية. ( رسالة مفتوحة الى الرفاق و الأصدقاء و الاخوة في الجبهة الشعبية التونسية .)


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3864 - 2012 / 9 / 28 - 21:19
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


تم في المدة الأخيرة تأسيس "الجبهة الشعبية " التونسية المتكونة من أهم تيارات و تنظيمات اليسار الشيوعي و البعثيين و القوميين الناصرين و التيارات القريبة منهم مثل التيار الاشتراكي الشعبي و التيار البيئي في انتظار الاعلان الرسمي عن انطلاق عملها يوم 7 أكتوبر المقبل.
ان تأسيس الجبهة هو فعلا خطوة هامة الى الأمام : ان الوحدة السياسية و التنظيمية الجبهوية للفصائل اليسارية و القومية ضرورية و مطلوبة بل يمكن القول انها تأخرت بعض الشيء .
كان من المأمول أن يكون الأمر قد تم مع "جبهة 14 جانفي" التي تأسست منذ فيفري 2011، لكن لا يهم" فان تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا" و لعل تجربة الجبهة الأولى هي التي أنضجت عملية تكوين الجبهة الثانية ، اضافة الى ضغط الواقع السياسي نفسه، و نتمنى الآ تعرف الجبهة الثانية مصير الأولى رغم شكوكنا وتخوفاتنا ،التي نتمنى أن تكون في غير محلها، والتي سنوضحها الآن ارتباطا بوثيقتي "نداء" الجبهة و مشروع أرضيتها السياسية .
و ان كنا نساند هذه الجبهة فاننا نرى انه من الضروري ان تكون تلك المساندة نقدية و ذلك لتجنب "الولادة المشوهة" اذ ان تشوهات الولادة ، خاصة ان تكررت، كثيرا ما تسم المولود في بقية مشوار حياته ،هذا ان لم تقتله.
نقدم أولا ، فيما يلي ، نصّ النداء التاريخي للجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة في تونس كاملا ثم نسوق بعض الملاحظات النقدية التي نراها أساسية في "النداء" وفي "مشروع الأرضية السياسية" و كل أملنا هوالا يتحول تأسيس الجبهة من: خطوة الى الأمام الى خطوة في الهواء ليس فقط بسبب محتوى وثائق الجبهة بل كذلك بسبب عقليات و سلوكيات عديدة، نأمل أن تنتهي بسرعة ، لن ناتي عليها كثيرا في هذا المقال رغم احتمال تأثيرها المستقبلي حتى في العلاقة بنقاش الوثائق ، ناهيك عن تأثيرها في قضايا التركيبة التنظيمية والتمثيل و القيادة ،ألخ.

هذا نص النداء الذي سنقوم بنقاشه بالتفاعل مع مشروع الأرضية السياسية و الوثيقتان موجودتان في الموقع الخاص بالجبهة في الفايسبوك :

" جماهير شعبنا

لقد مضت شهور عن انتصاب "الإئتلاف" الحالي في الحكم وقد تبين أن المخاطر والأزمات التي ولّدتها سياسات هذا الائتلاف تتجاوز حدود الالتفاف على أهداف الثورة وإجهاضها إلى تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي والسيادة الوطنية وقيم الجمهورية.
فبعد أن نجحت السلطة الحاكمة في الانحراف بالاستحقاق الانتخابي المتصل بالمجلس التأسيسي المنتَخب لصياغة دستور حددت الثورة ملامحه المدنية والاجتماعية والدّيمقراطية، ها أننا نجد أنفسنا أمام ما يشرّع لنوع جديد من الاستبداد وما يتصل به من تهديد للحريات العامة والفردية ومن تراجع عن المكاسب الاجتماعية وذلك في انقلاب سافر على تلك المبادئ التي أقرتها الثورة.
لقد استحوذ الائتلاف الحاكم على مختلف السّلط فوضع يده على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها (القضاء، الإعلام، الإدارة، الأمن...) وهو يتصرف كأنه سلطة دائمة ومطلقة لها كامل الصلاحيات على البلاد والعباد.
إن الإئتلاف الحاكم ما انفك يتغوّل على المجتمع ويوظف مؤسسات الدولة لصالح سياسات حزبية ضيقة ملحقا أضرارا كبيرة بمصالح البلاد الداخلية والخارجية منتهجا خيارات وإجراءات اقتصادية ليبرالية متوحشة تعمق معاناة الشعب وتزيد من فقر المواطنين وبؤسهم. إن هذا الائتلاف يرهن مقدرات الوطن للدوائر الاستعمارية ووكلائها ويكرس سياسة المكيالين ويطلق العنان لسيطرة المليشيات لضرب الحريات وتعنيف المعارضات والمعارضين وتجريم الاحتجاجات الشعبية وغض الطرف عن قوى تكفيرية مهددة لوحدة المجتمع التونسي وحرية أفراده ومثقفيه ومبدعيه فضلا عن العبث الخطير بملف العدالة الانتقالية. إن إذلال جرحى الثورة ورموزها والاستهانة بشهدائها والسّعي إلى تحويل بنات الوطن وأبناءه إلى رعايا بلا حقوق ولا كرامة أصبحت من سياسات الحكومة الثابتة.

إن هذه السياسات المعادية لمصالح الشعب والمناقضة لأهداف الثورة تلقى مقاومة متعددة الأشكال من مختلف طبقات الشعب وفئاته المفقرة في كل الجهات وهو ما يستوجب من قوى الثورة وكل من انحاز إلى أهدافها العمل على رص الصفوف وتوحيد الجهود للتصدي لهذه السياسات اللاشعبية واللاوطنية.
إن بناء جبهة شعبيّة، وطنية، ثورية هي ضرورة حتمية لتلبية طموحات شعبنا في تحقيق أهداف ثورته وهي إذ تتقدم ببديل سياسي وهياكل تنظيمية فاعلة فإنّها تمنح القوى الشعبية وحدتها ونجاعة لنضالاتها وترسم لها آفاقا على درب تحررها الوطني وانعتاقها الاجتماعي.
يا بنات شعبنا و أبنائه.
أيها العمّال والفلاّحون، أيها الطلبة والمثقفون والمبدعون.
ياشبابنا المعطّل،
يا أحرار تونس وشرفائها.
أنتم من كنتم محرّك الثورة وشعلتها،
ندعوكم في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ وطننا إلى استنهاض الهمم من جديد لاستكمال أهداف الثورة.
إننا نهيب بكم أن تشاركوا في بناء جبهتكم الشعبية عبر الانخراط في هياكلها المحلية والجهوية والوطنية والمساهمة في برامجها ونضالاتها.
إن النصر في متناولنا وهو مرهون بنجاحنا في بناء الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة.
لنتّحد من أجل بناء جبهة شعبية تنتصر للشعب ولقيم الثورة.
المجد والخلود لشهيدات وشهداء تونس
النصر والعزة للثورة ولبناتها وأبنائها. "
- انتهى النداء-


ينقسم النداء – الذي سنعتمدة كحامل نقدي أساسي - الى قسمين : في القسم الأول هنالك توصيف للواقع الحالي في تونس، وهو يختلف أحيانا عن توصيف "الأرضية السياسية" و لو نسبيا ،أما في القسم الثاني فهنالك - في ما يشبه الاستنتاجات المخالفة للمقدمات - توضيح مختصر لمايجب القيام به ارتباطا بمهمة تأسيس الجبهة نفسها و بتقديم صيغة مكثفة لبرنامجها السياسي، هذا البرنامج الموجود مبدئيا في "مشروع الأرضية السياسية" والذي مازال مسودة و مقترحا لا غير و الذي سنضمن بعض فقراته الهامة هنا كلما احتجنا الى ذلك :

أولا : في التوصيف المتردد للواقع بين "النداء" و"مشروع الأرضية" :

يبدأ النداء بتوصيف الوضع منذ انتخابات 23 أكتوبر و وصول النهضة ،على رأس الترويكا ،الى الحكم فيقول:
" لقد مضت شهور عن انتصاب "الإئتلاف" الحالي في الحكم وقد تبين أن المخاطر والأزمات التي ولّدتها سياسات هذا الائتلاف تتجاوز حدود الالتفاف على أهداف الثورة وإجهاضها إلى تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي والسيادة الوطنية وقيم الجمهورية.
فبعد أن نجحت السلطة الحاكمة في الانحراف بالاستحقاق الانتخابي المتصل بالمجلس التأسيسي المنتَخب لصياغة دستور حددت الثورة ملامحه المدنية والاجتماعية والدّيمقراطية، ها أننا نجد أنفسنا أمام ما يشرّع لنوع جديد من الاستبداد وما يتصل به من تهديد للحريات العامة والفردية ومن تراجع عن المكاسب الاجتماعية وذلك في انقلاب سافر على تلك المبادئ التي أقرتها الثورة.
لقد استحوذ الائتلاف الحاكم على مختلف السّلط فوضع يده على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها (القضاء، الإعلام، الإدارة، الأمن...) وهو يتصرف كأنه سلطة دائمة ومطلقة لها كامل الصلاحيات على البلاد والعباد.
إن الإئتلاف الحاكم ما انفك يتغوّل على المجتمع ويوظف مؤسسات الدولة لصالح سياسات حزبية ضيقة ملحقا أضرارا كبيرة بمصالح البلاد الداخلية والخارجية منتهجا خيارات وإجراءات اقتصادية ليبرالية متوحشة تعمق معاناة الشعب وتزيد من فقر المواطنين وبؤسهم. إن هذا الائتلاف يرهن مقدرات الوطن للدوائر الاستعمارية ووكلائها ويكرس سياسة المكيالين ويطلق العنان لسيطرة المليشيات لضرب الحريات وتعنيف المعارضات والمعارضين وتجريم الاحتجاجات الشعبية وغض الطرف عن قوى تكفيرية مهددة لوحدة المجتمع التونسي وحرية أفراده ومثقفيه ومبدعيه فضلا عن العبث الخطير بملف العدالة الانتقالية. إن إذلال جرحى الثورة ورموزها والاستهانة بشهدائها والسّعي إلى تحويل بنات الوطن وأبناءه إلى رعايا بلا حقوق ولا كرامة أصبحت من سياسات الحكومة الثابتة".

ان هذه الفقرة تكاد تكرر نفس المحتوى الوارد في "مشروع الأرضية السياسية" الذي جاء فيه:

" لقد أفرزت انتخابات 23 أكتوبر 2011 مجلسا تأسيسيّا تهيمن عليه حكومة الترويكا بقيادة "حركة النهضة"، واليوم بعد مرور قرابة ثمانية أشهر من وصول هذا التحالف إلى الحكم فقد بدا واضحا أنه يسير بخطى حثيثة نحو الالتفاف على ثورة شعبنا و التمهيد لإعادة إنتاج نظام التبعية و الاستبداد والفساد بغلاف ديني.

إن وحدة الشعب التونسي مهددة بالصراعات العقائدية المفتعلة التي تحركها قوى خارجية بأياد محلية متسترة بالدين، والحريات التي افتكها الشعب بدمه مهددة أيضا من الحكومة ومن العصابات الإجرامية المنسوبة إلى بعض التيارات السلفية التي تتحرك دون رادع.

كما وقع الالتفاف على الإصلاحات الديمقراطية التي طالبت بها الثورة على مستوى الإعلام والقضاء والإدارة والمؤسسات الأمنية التي استندت إليها الدكتاتورية في قمع الشعب والسيطرة على المجتمع.
إن الحكومة تماطل إلى حد الآن في إنصاف الجرحى ومحاسبة قتلة الشهداء ورموز الاستبداد والفساد وتحاول كسبهم إليها وتمكينهم من صكوك غفران مقابل دعمهم لها.

كما أنها تماطل في وضع أجندة للفترة الانتقالية وما تقتضيه من ضبط تواريخ رسمية لإنهاء تحرير الدستور وبعث هيئة مستقلة للانتخابات وسن قانون انتخابي وتنظيم الانتخابات."


لكن بين الفقرتين بعض الاختلافات التي قد تصبح مهمة ،الا اذا كان الأمر يتعلق بالصياغة لا غير ،ولكن داخل "النداء " نفسه افكار قد تصبح أخطر على الجبهة.

يبدو التوصيف السياسي هنا كالآتي: بعد 23 أكتوبر و صعود الترويكا الى الحكم بقيادة النهضة انتقل المسار السياسي الى مرحلة تتلخص في : " ان المخاطر والأزمات التي ولّدتها سياسات هذا الائتلاف تتجاوز حدود الالتفاف على أهداف الثورة وإجهاضها إلى تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي والسيادة الوطنية وقيم الجمهورية."
هذا يعني ، اذا كنا قد فهمنا جيدا ، ان ما يقع ليس مجرد مسار التفافي يحاول اجهاض أي تقدم ثوري باتجاه تحقيق الأهداف بل هو أخطر من ذلك لأن التنتائج "تتجاوز" هذا "الى تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي و السيادة الوطنة و قيم الجمهورية" أي ان التهديد بدأ بتحقيق ماهو أخطر من الالتفاف على مطلب "التقدم" وذلك بتهديد القديم نفسه ، بالتراجع عن بعض مكاسب ماقبل الثورة نفسها. و قد حاول "مشروع الأرضية السياسية " التعبير عن نفس الفكرة و لكن بطريقة مختلفة جدا وذلك كما يلي:

" لقد أفرزت انتخابات 23 أكتوبر 2011 مجلسا تأسيسيّا تهيمن عليه حكومة الترويكا بقيادة "حركة النهضة"، واليوم بعد مرور قرابة ثمانية أشهر من وصول هذا التحالف إلى الحكم فقد بدا واضحا أنه يسير بخطى حثيثة نحو الالتفاف على ثورة شعبنا و التمهيد لإعادة إنتاج نظام التبعية و الاستبداد والفساد بغلاف ديني".

أين يكمن الاختلاف الذي لا يد من توضيحه هنا؟
في "مشروع الأرضية السياسية" يجري الحديث حرفيا عن "اعادة انتاج نظام التبعية و الاستبداد و الفساد " و ذلك "بغلاف ديني" أما في " النداء" فيجري الحديث عن تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي و السيادة الوطنة و قيم الجمهورية "

كأننا بالوثائق تصدر عن طرفين مختلفين هنا أو كأننا بنفس الطرف يغير أفكاره بين الوثيقة و الأخرى. أنه من الواضح الذي لا يستحق الا الذكر –ربما- ان بين صيغة "اعادة انتاج نظام التبعية و الاستبداد و الفساد" و بين "تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي و السيادة الوطنية و قيم الجمهورية "الفروق الجوهرية التالية:

- بين صيغتي "النسيج الاجتماعي" و "نظام" هنالك فرق كبير. فصيغة "النسيج الاجتماعي" العضوية تحيل الى الوحدة و التجانس و التشابك الاجتماعي كما انها صيغة "حيوية" توحي بأن وجود المجتمع نفسه أصبح في خطربينما صيغة "النظام" المرتبطة بمصطلح "اعادة الانتاج" تفيد بأن ما يتم هو تكرار للمحتوى القديم و لكن فقط "بغلاف ديني. جديد."

- بين صيغتي "اعادة انتاج نظام التبعية" التي تقول ان النهضة و الترويكا يعيدون انتاج و اقع التبعية للخارج وصيغة " تهديد غير مسبوق ...للسيادة الوطنية" و كأن من مكونات الجبهة الشعبية من يقول اننا كنا أصحاب سيادة لا يحتاج عاقل الى تنبيه اضافي للمقارنة.
-بين صيغة "اعادة انتاج نظام ... الاستبداد و الفساد" و صيغة " تهديد غير مسبوق ...لقيم الجمهورية" تبدو الفروقات واضحة و جلية أيضا.


لكن رغم هذه الاختلافات يعود "مشروع الأرضية السياسية" ليقول:

"إن وحدة الشعب التونسي مهددة بالصراعات العقائدية المفتعلة التي تحركها قوى خارجية بأياد محلية متسترة بالدين، والحريات التي افتكها الشعب بدمه مهددة أيضا من الحكومة ومن العصابات الإجرامية المنسوبة إلى بعض التيارات السلفية التي تتحرك دون رادع.

كما وقع الالتفاف على الإصلاحات الديمقراطية التي طالبت بها الثورة على مستوى الإعلام والقضاء والإدارة والمؤسسات الأمنية التي استندت إليها الدكتاتورية في قمع الشعب والسيطرة على المجتمع."


هنا يقع التنبيه الى "وحدة الشعب التونسي" في صيغة أقرب الى وحدة " النسيج الاجتماعي" المخالفة لمنطق كل من "الصراع الطبقي" الذي تؤمن به بعض مكونات الجبهة و" الصراع الوطني او/و القومي" الذي تؤمن به أطراف أخرى في الجبهة. ولذلك فهذه الوحدة مهددة حسب "الأرضية" و فقط من قبل "أياد محلية متسترة بالدين" تحركها " قوى خارجية" عبر افتعال "الصراعات العقائدية" .
ان الأمر هنا يكاد يكون واضحا : هنالك استسلام لمنطق بسيط في التحليل يكاد يقول ان المشكل هو في السلفية الوهابية المستوردة من الخليج والتي تهدد "وحدة الشعب التونسي" و "الحريات" سواء كانت سلفية "العصابات الاجرامية" أ و سلفية الحكومة نفسها.

ان ما عبر عنه "مشروع الأرضية" هذا يقوله "النداء "بالصيغة العامة التالية:

" فبعد أن نجحت السلطة الحاكمة في الانحراف بالاستحقاق الانتخابي المتصل بالمجلس التأسيسي المنتَخب لصياغة دستور حددت الثورة ملامحه المدنية والاجتماعية والدّيمقراطية، ها أننا نجد أنفسنا أمام ما يشرّع لنوع جديد من الاستبداد وما يتصل به من تهديد للحريات العامة والفردية ومن تراجع عن المكاسب الاجتماعية وذلك في انقلاب سافر على تلك المبادئ التي أقرتها الثورة.
لقد استحوذ الائتلاف الحاكم على مختلف السّلط فوضع يده على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها (القضاء، الإعلام، الإدارة، الأمن...) وهو يتصرف كأنه سلطة دائمة ومطلقة لها كامل الصلاحيات على البلاد والعباد."

هنا لا يقع الحديث عن "اعادة الانتاج" بل عن نجاح السلطة في " الانحراف" باتجاه "نوع جديد من الاستبداد" يشكل "انقلابا سافرا " على مبادئ الثورة و يتصرف "كأنه سلطة دائمة مطلقة" ...
ثم يواصل "النداء" قائلا :

"إن الإئتلاف الحاكم ما انفك يتغوّل على المجتمع ويوظف مؤسسات الدولة لصالح سياسات حزبية ضيقة ملحقا أضرارا كبيرة بمصالح البلاد الداخلية والخارجية منتهجا خيارات وإجراءات اقتصادية ليبرالية متوحشة تعمق معاناة الشعب وتزيد من فقر المواطنين وبؤسهم. إن هذا الائتلاف يرهن مقدرات الوطن للدوائر الاستعمارية ووكلائها ويكرس سياسة المكيالين ويطلق العنان لسيطرة المليشيات لضرب الحريات وتعنيف المعارضات والمعارضين وتجريم الاحتجاجات الشعبية وغض الطرف عن قوى تكفيرية مهددة لوحدة المجتمع التونسي وحرية أفراده ومثقفيه ومبدعيه فضلا عن العبث الخطير بملف العدالة الانتقالية. إن إذلال جرحى الثورة ورموزها والاستهانة بشهدائها والسّعي إلى تحويل بنات الوطن وأبناءه إلى رعايا بلا حقوق ولا كرامة أصبحت من سياسات الحكومة الثابتة".

هنا نجد القراءة العامة للسلطة الحالية و "سياساتها الثابتة" بوصفها تلحق "أضرارا كبيرة بمصالح البلاد الداخلية و الخارجية" بسبب سياسات "الليبيرالية المتوحشة" ورهن المقدرات الوطنية "للدوائر الاستعمارية ووكلائها" و بسبب سياسة" ضرب الحريات " و "تجريم الاحتجاجات الشعبية" ...مما يكاد يضرليس فقط ب"وحدة المجتمع التونسي" بل بحقوق و حريات أفراده الذين هم مهددون بالتحول "الى رعايا بلا حقوق و لا كرامة".

يعبر "مشروع الأرضية " عن نفس الفكرة تقريبا كما يلي : " إن "حركة النهضة" التي تقود الائتلاف الحاكم وتوجهه، تسعى إلى وضع يدها على كل مؤسسات الدولة لتستعملها، بتزكية من حليفيها ، كما استعملها "التجمع"، لبسط نفوذها وتوظيفها مباشرة في هذه الفترة الانتقالية لضمان نتائج الانتخابات القادمة وإرساء دكتاتورية جديدة تصفي مكاسب الثورة كما تصفي المكاسب التاريخية والحضارية للشعب التونسي في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية وخاصة المكاسب التي حققتها المرأة"

اذن ،ان النهضة تريد "ارساء دكتاتورية جديدة" تصفي ليس فقط "مكاسب الثورة" بل وكذلك "المكاسب التاريخية و الحضارية للشعب التونسي في مختلف المجالات الاجتماعية و الثقافية و التربوية وخاصة المكاسب التي حققتها المرأة..."

أين المشكل اذن مع القسم الأول من" نداء" الجبهة الشعبية و ما اتصل به في "مشروع الأرضية السياسية"؟

المشكل يكمن في التردد بين صيغين ، الأولى تقول بأن ما يحدث هو مجرد "اعادة انتاج" للقديم و فقط في "شكل ديني" لا يغير من جوهر المسألة شيئا و هو ما عبرت عنه الأرضية برفض: "الاستقطاب الثنائي المغشوش الذي يقابل بين "قطبين" والحال انهما يلتقيان في الحفاظ على نفس التوجهات الاقتصادية الليبرالية المرتهنة للدوائر الأجنبية و إن تغلف أحدهما بغلاف "ديني" و الاخر بغلاف "حداثوي" مما يدفع باتجاه طمس التناقض الحقيقي بين القوى المتمسكة بتحقيق أهداف الثورة والقوى التي تعمل على الإلتفاف عليها" و عليه رفض "اعادة انتاج نظام التبعية و الاستبداد و الفساد"

أما الفكرة الثانية فمحتواها يقترب من اعتبار نظام النهضة-الترويكا ليس مجرد "اعادة انتاج" للقديم في شكل جديد بل هو تراجع عنه- أو على بعض ماهو جيد حتى في النظام القديم حيث تحققت مكاسب رغم كل شيء- و عن مطالب الثورة و مطامحها في نفس الوقت وتم التعبير عن هذه الفكرة بأساليب متناقضة و غير واضحة أحيانا. ولكن عبارات "النسيج الاجتماعي" و "وحدة الشعب التونسي" و السيادة الوطنية " و "قيم الجمهورية" و " المكاسب التاريخية والحضارية للشعب التونسي في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية وخاصة المكاسب التي حققتها المرأة" مما يهدد "بتحويل بنات الوطن وأبناءه إلى رعايا بلا حقوق ولا كرامة" ... تدل كلها بوضوح على تحسس كتاب "النداء" و "الأرضية" لأمر عميق يحدث يتجاوز مسألة اختلاف الأشكال و اعادة الانتاج الى ما هو أخطربكثير.


ثانيا : في النتائج المترددة تردد المقدمات.


بعد توصيف الواقع انتقل "النداء" الى ما يجب عمله . و في الجزء الثاني منه ورد ما يلي:

" إن هذه السياسات المعادية لمصالح الشعب والمناقضة لأهداف الثورة تلقى مقاومة متعددة الأشكال من مختلف طبقات الشعب وفئاته المفقرة في كل الجهات وهو ما يستوجب من قوى الثورة وكل من انحاز إلى أهدافها العمل على رص الصفوف وتوحيد الجهود للتصدي لهذه السياسات اللاشعبية واللاوطنية.
إن بناء جبهة شعبيّة، وطنية، ثورية هي ضرورة حتمية لتلبية طموحات شعبنا في تحقيق أهداف ثورته وهي إذ تتقدم ببديل سياسي وهياكل تنظيمية فاعلة فإنّها تمنح القوى الشعبية وحدتها ونجاعة لنضالاتها وترسم لها آفاقا على درب تحررها الوطني وانعتاقها الاجتماعي."

و قد ورد في "مشروع الأرضية السياسية" ما يلي أيضا :

"إن بلادنا تعيش أزمة حقيقية ولا مخرج لها إلا بمواصلة الشعب التونسي لمسيرته النضالية بأبعادها الوطنية والديمقراطية والاجتماعية والثقافية والبيئيّة حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة وإرساء سلطة الشعب. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالقطع مع تشتت القوى الثورية والوطنية والديمقراطية والتقدمية أحزابا وجمعيات ومنظمات وشبابا وشخصيات مستقلة وتحالفها معا صلب جبهة شعبية تشكل بديل حكم حقيقي..."

كما ورد في آخر فقرة من تلك الأرضية :

"هذا ويعتبر الممضون على هذه الوثيقة أنّ الهدف الرئيسي للجبهة هو استكمال المسار الثوري وإرساء سلطة الشعب عبر كل أشكال النضال الممكنة بما في ذلك الانتخابات ويؤكدون على الاستعداد للتفاعل الايجابي مع كل المبادرات الوطنية والشعبية التي تلتقي مع توجهات الجبهة ومهامها"

هكذا ،اذن ، فان المحتوى العام للفقرة الثانية من "النداء" و بعض فقرات "مشروع الأرضية" تدل على ان الجبهة الشعبية تعتبر نفسها جبهة وطنية ثورية تريد استكمال الثورة و لذلك فهي تشكل "بديل حكم حقيقي" يهدف الى تأسيس "سلطة الشعب" و سندها في ذلك " مختلف طبقات الشعب وفئاته المفقرة" وهدفها هو" تلبية طموحات شعبنا" و السير بالقوى الشعبية نحو" تحررها الوطني وانعتاقها الاجتماعي. "

هنا يبدأ خطر تحول تاسيس الجبهة الشعبية من خطوة الى الأمام الى "خطوة في الهواء" اذ ان الوثائق التأسيسية هذه تدل على أن التنظيمات المتوحدة تضع لنفسها مهمة استكمال انجاز "الثورة الوطنية (أو القومية) الديمقراطية" تقريبا.
يمكننا أن نلاحظ هنا الأمور التالية و باختصار:

أولا: ان المشكل – كما يبدو لنا- هو ان فصائل اليسار و القوميين المختلفة تحلم اليوم بسلطة الشعب ، بالجمهورية الديمقراطية الشعبية أو بسلطة عبدالناصرالقومية أو صدام حسين البعثية و هي لا تبدو واعية تماما بالأمور الأساسية التالية.

ثانيا: ان ما وقع في تونس هو شكل خاص من " ثورة مصغرة" تظافرت فيها التحركات الجماهيرية الشعبية مع تدخل نهائي أساسي من الجيش و قسم من القوى الأمنية لقلب رأس النظام السابق .

ثالثا: ان ما وقع يشبه، الى حد ما ،ماكانت بعض فصائل اليسار التونسي تسميه "مرحلة الحرية السياسية" التي كان ينظر اليها كمرحلة مركزية "دنيا" تصفي "الجناح المتغطرس" في النظام و لكن ليس كمقدمة مباشرة للثورة الوطنية /القومية الديمقراطية.

رابعا: ان "المسار الثوري" الذي يذكرونه هو في الواقع مساراحتجاجي لانتفاضة شعبية عفوية تقريبا لا تتوفر فيه مقومات التحول الى ثورة " وطنية ديمقراطية " ناجزة لأن القوى السياسية المعنية بالثورة الوطنية (القومية) الديمقراطية و الطبقات و الفئات الاجتماعية المرتبطة بها ضعيفة الوعي والتنظيم و التحالفات الداخلية و الخارجية الى درجة كبيرة بحيث لا يمكنها تجاوز الآمكانيات التحريكية المطلبية للشارع الى امكانيات تحريك ثورية جذرية و لا حتى امكانيات انتخابية واسعة بحيث تتحول الى قوة انتخابية ثورية – على الشاكلة اللاتينية الأمريكية-. و لعل صيغة الفقرة الأخير من مشروع الأرضية يعكس ذلك عندما يعترف :" أنّ الهدف الرئيسي للجبهة هو استكمال المسار الثوري وإرساء سلطة الشعب عبر كل أشكال النضال الممكنة بما في ذلك الانتخابات" و في العادة يقول الثوريون باستكمال المسار الثوري و ارساء سلطة الشعب عبر كل الأشكال النضالية بما في ذلك " العنف الثوري" و ليس "بما في ذلك الانتخابات" .

خامسا: ان توصيف ما وصل اليه المسار الثوري بعد انتخاب المجلس التأسيسي و وصول الترويكا بقيادة النهضة الى الحكم على انه " تهديد للنسيج الاجتماعي" و "لوحدة الشعب" و" للسيادة الوطنية" و "لقيم الجمهورية"، اذا اضفناه الى النقاط الأربعة السابقة، يجعل صيغة "الجبهة الوطنية الثورية" المستندة فقط وحصريا الى " طبقات الشعب وفئاته المفقرة" وحدها من أجل" تحررها الوطني و انعتاقها الاجتماعي " ضربا من" القفز في الهواء" غير الواقعي سياسيا و بالتالي هو هروب الى الأمام يهدد بعزل هذه الجبهة عن الجماهير التي لا تضع الآن مهمة "التحرر الوطني و الانعتاق الاجتماعي" للانجاز بل تطلب اصلاحات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية محسوسة تحسن ظروف حياتها في اطار المحافظة على "وحدة النسيج الاجتماعي" و "السيادة الوطنية" و "قيم الجمهورية" وذلك بالمحافظة على "المكتسبات التاريخية" و تعزيزها وفق شعارات الثورة في العمل و الحرية و توازن الجهات و لكن ليس بثورة وطنية ديمقراطية تقطع جذريا و نهائيا مع "اعادة انتاج نظام التبعية والاستبداد و الفساد".
ان الجبهة الشعبية تخلط بين ما تريده هي و ما هو قابل للانجاز فعليا من قبل الشعب، بين حلم الثورة و علمها، بين التكتيكي الجبهوي و الاستراتيجي الجبهوي نفسه ، ناهيك عن استراتيجيات كل طرف داخلها.
سادسا: يظهر هذا الأمر جليا في "الأرضية السياسية" من خلال المطالب المرفوعة التي قد تصلح لجبهة وطنية ثورية تهدف الى التحول الى" بديل حكم حقيقي وتتجاوز الاستقطاب الثنائي المغشوش الذي يقابل بين "قطبين" والحال انهما يلتقيان في الحفاظ على نفس التوجهات الاقتصادية الليبرالية المرتهنة للدوائر الأجنبية و إن تغلف أحدهما بغلاف "ديني" و الاخر بغلاف "حداثوي" مما يدفع باتجاه طمس التناقض الحقيقي بين القوى المتمسكة بتحقيق أهداف الثورة والقوى التي تعمل على الإلتفاف عليها..." و لكن على المدى البعيد و بين الخيار التكتيكي المرحلي الملح في علاقة بالانتخابات المقبلة و بسد الطريق أمام قوى "الالتفاف" العائدة وقوى " التراجع" المتغولة في نفس الوقت.
سابعا : ان مشكلة الجبهة الشعبية انها تريد ان تكون في نفس الوقت جبهة انتخابية في الانتخابات القادمة و جبهة سياسية للمرحلة التاريخية "الوطنية الديمقراطية " بكاملها دون أن تفرق بين الأمرين وفق ما يقتضيه ميزان القوى و المهام الملحة الآنية و بين ما يطمح اليه استراتيجيا من قلب جذري لتلك الموازين في المستقبل.
ان هذه المشكلة لا يجب أن تحول الجبهة الى مجرد جبهة انتخابية مؤقتة ، فيا حبذا لو أصبحت جبهة تاريخية متواصلة في الزمن ، و لكن اذا ابتلع الاستراتيجي التاريخي العام التكتيكي المرحلي المؤقت فقد يؤدي الى ان ما نقوم به اليوم هو في الواقع يعرقل انجاز ما نحلم به غدا لأننا منذ البداية نرفع السقف أمام درجة الوعي و التنظيم الجماهيري الحالية مما يعزلنا الآن عن الارتباط بمن سيقومون بمهام المستقبل.
المشكلة اذن تكتيكية بالأساس و التكتيك هو فن ادارة الحالي و القريب في علاقة بموازين اللحظة التاريخية لربطه بالاستراتيجي المأمول في مرحلة تاريخية بكاملها. و لذلك قد لا يبقى للجملة الأخيرة الواردة في "مشروع الأرضية السياسية" للجبهة و القائلة" انها على استعداد " للتفاعل الايجابي مع كل المبادرات الوطنية والشعبية التي تلتقي مع توجهات الجبهة ومهامها" أي معنى تقريبا.
فاذا كانت الجبهة "وطنية شعبية" و" ثورية" فان "قوى الثورة الوطنية الديمقراطية" غير المنضوية حاليا هي المعنية بالأمر، على ما يبدو، و ليس القوى الأخرى " الديمقراطية والتقدمية أحزابا وجمعيات ومنظمات وشبابا وشخصيات مستقلة" التي قد لا تكون "وطنية ديمقراطية" و لكنها يمكن ان تعمل مع الجبهة تكتيكيا الآن لتحقيق الأهداف الملحة في وقف نتائج " المخاطر والأزمات التي ولّدتها سياسات هذا الائتلاف ( الحاكم و التي) تتجاوز حدود الالتفاف على أهداف الثورة وإجهاضها إلى تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي والسيادة الوطنية وقيم الجمهورية."

ان الانتخابات المقبلة يجب تكون محطة هامة لوقف هذا "التهديد غير المسبوق" للمكتسبات التاريخية و لأهداف الثورة في نفس الوقت و من المهم جدا أن تعي الجبهة أنها ليست وحدها المعنية بهذا بل معها أحزاب و تنظيمات و شخصيات ديمقراطية و تقدمية و مستقلة ، لنقل، "وطنية اصلاحية" و ليست "وطنية ثورية" و يجب العمل معها في اطار جبهوي أوسع كنا قد حددناه في مقال سابق لنا نشرناه في موقع "الحوار المتمدن" بعنوان "قوة ثالثة جديدة صعبة و لكنها ممكنة ".
ان تأسيس الجبهة الشعبية أمر مهم جدا و لكنه لا يجب أن يتحول الى "قفزة في الهواء" باتجاه الانتحار السياسي بسبب الأحلام الثورية. ان أبجديات العمل السياسي تقول ان الممارسة السياسية السليمة لا تكون لا بعبادة وعي الجماهير و الوقوف عندها بحجة الواقعية مما يهدد بنسيان المبادئ و لا بمحاولة اسقاط وفرض تلك المبادئ والرغبات على الجماهيربالتعسف عليها و على الواقع. ان السياسة هي فن المراوحة بين "الموجود و المنشود" وفن الربط بين القابل للانجازمن البرامج المرحلية وبين الأهداف الاستراتيجية و هذا يتطلب كثيرا من الصدق و الواقعية و كثيرا من الحلم و الثورية في نفس الوقت.

خاتمة

قلنا في بداية هذا المقال " كل أملنا هوألا يتحول تأسيس الجبهة من: خطوة الى الأمام الى خطوة في الهواء ليس فقط بسبب محتوى وثائق الجبهة بل كذلك بسبب عقليات و سلوكيات عديدة، نأمل أن تنتهي بسرعة ، لن ناتي عليها كثيرا في هذا المقال رغم احتمال تأثيرها المستقبلي حتى في العلاقة بنقاش الوثائق ، ناهيك عن تأثيرها في قضايا التركيبة التنظيمية والتمثيل و القيادة ،ألخ." و نريد ان نختم بهذا ونسبق تاريخ 7 أكتوبر ، قبل فوات الأوان ربما.
يجمع كل من يتعاطف مع "الجبهة الشعبية" ان أهداف الثورة هي " الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية" و نريد ان نذكر فقط بقيمة الحرية هنا سواء بصفة عامة أو في داخل "الجبهة الشعبية " نفسها .
يعرف الجميع ان الحرية السياسية و الديمقراطية كان ينظر اليهما في الفكرالاشتراكي الشيوعي و الاشتراكي القومي و البعثي العربي على السواء على انهما قيم بورجوازية و شكلية و لم تمارس الديمقراطية السياسية لا في الاتحاد السوفياتي و لا الصين و لا ألبانيا و لا مصر الناصرية و لا العراق البعثي.
يعرف الجميع و لكن لا أحد يعترف بذلك جهرا – مع الأسف- ان العلاقات التاريخية بين الشيوعيين و القوميين و البعثيين في الوطن العربي مرت بمراحل كارثية في مصر و العراق و سوريا و اليمن.
كما يعرف الجميع في تونس ان الوطنيين الديمقراطيين ،مثلا، كانوا يمنعون البعثيين و بالقوة من النشاط السياسي العلني في الجامعة و يعتبرون القوميين و الناصريين عموما " قوى شوفينية" و كان أحد شعاراتهم التاريخية " شيوعيين شيوعيين – لا اخوان و لا شوفين" . كما كان حزب العمال الشيوعي التونسي يعتبرالقومين و البعثيين "فاشيين" عندما كان مولعا بهذا المصطلح. وفي المقابل كان القوميون و البعثيون يعتبرون اليساريين قوى "عميلة" للدول الاشتراكية السوفياتية و الصينية و الألبانية .


هل يمكن للجبهة الشعبية التونسية ، و هي المتكونة أساسا من اليساريين الشيوعيين و البعثيين و القوميين الناصريين، أن تكون جبهة ديمقراطية تدافع عن الحرية في تونس و تحمي الحرية داخل هياكلها هي بالذات ؟
ألا يتطلب هذا نقدا ذاتيا علنيا و مراجعة صادقة للتصورات و الممارسات القديمة تعيد للديقراطية و الحرية مكانتهما في الخطابين القومي و الشيوعي حتى تعود الثقة بين مكونات الجبهة نفسها و بين الجبهة و القوى السياسية الأخرى و بالتالي داخل الحياة السياسية التونسية؟
ألا تخسر الجبهة المعركة مسبقا ضد الاستبداد الديني و السياسي في تونس اذا كانت هي نفسها ما تزال مناصرة لأشكال خاصة أخرى من الاستبداد ؟
ألم تكن هذه المسائل ، ولو جزئيا، هي ما أفشل جبهة 14 جانفي السابقة وما ساهم في جعل تونس تخسركل ما خسرته من فيفري 2011 الى اليوم؟
ألم يحن الوقت الآن لخلق أحزاب قومية ديمقراطية و يسارية ديمقراطية فعلية لا تكتفي بتسجيل وطنيتها الثورية في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية على حساب الديمقراطية السياسية حتى نقطع فعلا مع "الاستبداد الديمقراطي" الليبيرالي والاستبداد الديني "المقدس"؟






#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد الأصولية الحمراء : نحو تجاوز مادي و جدلي للماركسية.
- الاسلاميون و المقدس الديني:نقد الاستبداد المقدس ( تونس مثالا ...
- تونس : من أجل جبهة جمهورية ديمقراطية مدنية وتقدمية.
- حركة النهضة الاسلامية التونسية: دراسة نقدية.
- ضد التيار في تونس: قوة ثالثة جديدة صعبة و لكنها ممكنة ( رؤية ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - بيرم ناجي - الجبهة الشعبية في تونس : مساندة نقدية. ( رسالة مفتوحة الى الرفاق و الأصدقاء و الاخوة في الجبهة الشعبية التونسية .)