أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - شذى ظافر لجندي - نحو عقد اجتماعي جديد يعتمد الحقوق والتنمية















المزيد.....



نحو عقد اجتماعي جديد يعتمد الحقوق والتنمية


شذى ظافر لجندي

الحوار المتمدن-العدد: 3864 - 2012 / 9 / 28 - 00:44
المحور: حقوق الانسان
    


مقدمة
تشهد المنطقة العربية بداية جديدة تمثلت في انتفاضات وثورات أطاحت بعدد من الأنظمة المستبدة وأدت إلى تغيرات من شأنها إعادة تشكيل العلاقة القائمة بين المواطن والدولة في المنطقة العربية. الثورات العربية (1) ليست رد فعل على أنظمة مستبدة وفاسدة فحسب، وإنما هي أيضا محصلة لسياسات اقتصادية واجتماعية فاشلة وغير عادلة، من بينها فشل سياسات التنمية المستدامة في الدول العربية، وﻻ يمكن أن تحقق هذه الثورات أهدافها وتستكمل شروطها إﻻ بمراجعة عميقة ﻻنماط النمو السائدة التي أخفقت في تحقيق النهوض واﻻستقرار والرفاه والتنمية الشاملة والعادلة. وبدل أن تؤمن التوازن وتحرر الطاقات وتعزز المبادرات الجماعية والفردية، عمقت الفوارق بين الفئات والجهات، وخلخلت البنى اﻻجتماعية، وشوهت أسس التماسك الوطني واﻻجتماعي.

إن الثورات العربية ما هي إلا إعلان عن (سقوط العقد الاجتماعي الذي كان قائم بين المواطنين ودولهم) نتيجة تراجع الأخيرة في الوفاء بإلتزامتها الاقتصادية والاجتماعية نحو مواطنيها وتضييق شديد في جانب الحقوق المدنية والسياسية. حيث إن مفهوم الثورةُ يعتمد على (تأسيسٌ لعقدٍ اجتماعي جديد) يعبر عن مطالب الشعب المحقه وتطلعاته، ويُنهي أزمنة التناقض الذي بلغ حدا لا يُطاق. الثورة من هذا المنطلق هي انسلاخ ٌ من سيادة الماضي ووصاية المرجعيات المستبدة الأبوية، وارتباطا بالفكر المدني الحديث المعتمد على حقوق المواطنة الكاملة والمساواة (2).

وهذا يعني إن ثورات الربيع العربي هي في الأساس تشكل قطيعة مع نظام لم يعد بمقدوره ادعاء القدرة على قيادة هذه الشعوب بعد أن تآكلت شرعيته ومصداقيته. لكن في الآن نفسه، لن تكون عملية الانتقال هذه سهلة، وسوف يتطلّب تجسيد أفكارها في الواقع بذل جهود مضنية (3) . حيث لم يعُد الفكر السّياسي يبحث في أفضل الأنظمة الحاكمة وشرُوط المدينة الفاضلة، وإنما صارَ يبحث عن الشرعيَّة (4) : شرعيةِ تمثيل الإرادة الشعبية وحِماية حُقوق الأفراد الطبيعية. الشرعية الجديدة تتمحورُ حول الإنسان، حول حقوق المواطنة لديه، حول حريته، حول أمنه الاجتماعي والاقتصادي، حول حقه في المشاركة الكاملة والمساواة.

1. مصطلح العقد الاجتماعي

العقد الاجتماعي كما يعرفه الخبراء والمحللون السياسيون -هوبز ولوك وروسو وغيرهم- هو محاولة إعداد صياغة لكيفية ممارسة السلطة بالتوافق والتفاهم بين القوى الممثلة للشعب والسلطة من خلال دساتير وقوانين وآليات تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم. يعني العقد الاجتماعي أن ثمة تعاقدا تم بين مجموعة من الأفراد من أجل نشأة الدولة، سواء كان هذا التعاقد بين الحاكم والمحكوم أو بين المحكومين وبعضهم البعض.

إن الهدف من وراء إقامة فكرة (العقد الاجتماعي) هو إيجاد معادلة موضوعية بين الحاكم والمحكوم، وطالما يوجد مجتمع تسوده علاقات فلا بد من وضع إطار ينظم هذه العلاقات. ورغبة في إقامة مجتمع منظم وفق قواعد ثابتة، فان مفهوم العقد الاجتماعي ما هو إلا صياغة منظمة لمفهوم الحق الطبيعي للبشر للتوصل إلى مجتمع له أساس ثابت يقوم على العدل والإنصاف، والابتعاد عن الصراع الشرس الذي خاضه الإنسان مع الطبيعة منذ العصور القديمة للحصول على حقوقه وواجباته(5).

ويمكن القول إن مسار الدول في أواخر القرن العشرين قد تأثر بمجموعة من العوامل من أهمها التحول من النظم الاشتراكية إلى نظام الاقتصاد الحر؛ العولمة؛ و التكيف الهيكلي (الخصخصة ). ومن ثم فإن اغلب الدول أصبحت في حاجة إلى صياغة (عقد اجتماعي جديد) من شأنه أن يغير من طبيعة ووظائف ودور الدولة في علاقاتها بالمجتمع في ضوء انسحابها من التزامات الدولة الراعية، إلى الدولة الشريكة في التنمية مع أطراف أخري أهمها القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين (6).

والواقع أن الحاجة إلى صياغة عقد اجتماعي جديد أصبحت حاجة عالمية بعد نهاية الحرب الباردة، وهبوط المكانة الإيديولوجية للماركسية والاشتراكية، وبروز العولمة باعتبارها العملية التاريخية التي تهيمن في الوقت الراهن على المجتمع العالمي، وتؤثر على كافة المجتمعات الإنسانية في ظل مبدئها الأساسي وهو الحرية المطلقة للسوق في ظل مبادئ الليبرالية الجديدة. وقد أدت التغيرات الجسيمة التي لحقت ببنية المجتمع العالمي إلى الانتقاص من قوة مبدأ سيادة الدولة، واستقالة الدولة من أداء عديد من وظائفها التنموية، وانسحابها التدريجي من مجال الخدمات الصحية والاجتماعية، وخصخصة المشاريع العامة، وعدم التزامها بالتشغيل. ومن هنا أجمعت عديد من المؤتمرات والندوات العالمية وفي مقدمتها مؤتمر حوارات القرن الحادي والعشرين الذي نظمته هيئة اليونسكو منذ سنوات، على أهمية صياغة عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطنين (7).

تتركز الأفكار المحورية لهذا العقد في نقد التصور السائد الذي يرى أن تخفيض الفقر يتم من خلال إعانات للفقراء، من خلال الدولة (الراعية) ويقترح بدلا من ذلك تطبيق نموذج التنمية من خلال (التمكين والشراكة)، وان التمكين يعتمد (المشاركة الكاملة)، فمثلا نجد ان اقتصاديات دول المنطقة والتي تغلب عليها (الاقتصادي الريعي) تعتمد وبشكل كبير على مردود النفط أو على التحويلات المالية أو حتى المساعدات الخارجية ولا تعتمد بشكل أساسي على الضرائب التي تعد نوع من أنواع المشاركة الاقتصادية للمواطنين في بناء الدولة. بالإضافة إلى ان طبيعة هذه الاقتصاديات تسمح بتمركز الثروة في أيدي قلة محدودة متنفذه تقوم بدورها بإقصاء مجمل شرائح المجتمع.

كما تركز أولويات العقد الاجتماعي الجديد على (تحقيق الديمقراطية والمشاركة) التي أصبح أداة أساسية للتحول الثقافي والسياسي، وبذلك يستطيع المواطنون أن يمتلكوا المرافق والخدمات العامة ويديروها ويحرصوا على الحفاظ عليها. ومعنى ذلك أن العقد الاجتماعي الجديد يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطنين من خلال القيام بتغيرات سياسية واسع المدى، ووضع برنامج للتنمية المستدامة من القاعدة إلى القمة، والتركيز على مبدأ المواطنة، والانتقال من السلطوية التي ميزت أداة الدولة في الماضي إلى الديمقراطية وفتح الباب أمام تداول السلطة . بعبارة أخرى العقد الاجتماعي الجديد سواء على الصعيد الدولي أم الصعيد الداخلي في كل دولة معناه تكييف وضع الدولة في ضوء المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية الجديدة، وعدم ترك المواطنين في العراء ضحايا للرأسمالية المتوحشة التي تساعد عليها الاتجاهات الغالبة في العولمة اليوم (9).

لقد كانت الدساتير في الماضي لا تحتوى أي مواد خاصة بالقضايا الاجتماعية- الاقتصادية، ولكن حدث تطور كبير خلال العقود الماضية أدت إلى أن تحتوي الدساتير الحديثة على الخطوط العريضة للفلسفة الاجتماعية والاقتصادية التي تسود المجتمع والتي تعتبر موجهاً للمشرع عندما يضع القوانين التي تحكم هذه الأمور. ونتيجة لذلك قامت عدد كبير من الدول بتطوير دساتيرها وتشريعاتها من اجل (صياغة عقد اجتماعي جديد) يعيد تنظيم العلاقة بين الدولة والشعب والمجتمع، كما أدى إلى تطوير في وظائف الدولة من خلال تطوير دورها من (الدولة الراعية) والشعب من (رعية) إلى (دولة شريكة في التنمية) مع أطراف أخري أهمها القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين . إن النظام الجديد الذي حمله الفكر الفلسفي الحديث عامة والنظر السياسي منه خاصة يقوم على عناصر أربعة، لا جديد فيها وهي العقل والحرية والمواطنة والإنسان، وهنا نجد ان هذه العناصر الأربعة تشكل أسس المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد الثورات العربية، حيث سيعيش الإنسان العربي في بيئة تنموية تسود فيها الثقافة الديمقراطية، وتحترم الحقوق والواجبات والحريات، وتحترم إنسانية الإنسان.

والعقد الاجتماعي هو في حقيقته دستور الدساتير(10) لأنه انعكاس حقيقي وحي وصادق للإرادة السياسية للمواطن ومشاركته المجتمعية علي أرض الواقع. وإذا كانت مواد الدستور تبدو في صياغتها نصوصا قانونية جافة في معظم الأحيان فإن العقد الاجتماعي في صياغته منظومة فكرية أخلاقية ارتضاها المواطن ميثاق عهد متبادل مع المجتمع ومن هنا يكتسب العقد الاجتماعي أهميته ومرجعيته الشعبية، فالعقد الاجتماعي هنا بمثابة (وثيقة ديمقراطية للفكر السياسي ومقدمة ضرورية للحراك الاجتماعي علي مستوي المجتمع ككل بهدف تحريك الشق الآخر للديمقراطية السياسية والتي تتضمن الديمقراطية الاجتماعية).

ومعنى ذلك أن العقد الاجتماعي الجديد يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطنين، ووضع برنامج للتنمية المستدامة، والتركيز على مبدأ المواطنة، والانتقال من السلطوية التي ميزت أداة الدولة في الماضي إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وفتح الباب أمام تداول السلطة.

2. العقد الاجتماعي في الفكر الفلسفي

يتردد مصطلح العقد الاجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم، ابتداءً من ظهوره في فلسفات سقراط وأفلاطون 400 ق.م), ومن ثمّ دراسته وبلورته بشكل "نظرية علمية" علي يد بعض علماء الاجتماع.

لما كانت طبيعة الإنسان كما يراها هوبز (1588- 1679) هي الشر دائماً استلزم الأمر وجود قوة نفوذها أعلى من العقد تكون مهمتها تنفيذ العقد إجبارياً على الأفراد، هذه القوة هي الدولة أو الحكومة،
تلا هوبز جون لوك (1632- 1704) الذي اتفق معه في وجود عقد اجتماعي بين الدولة والأفراد، إلا أنه خالفه في كون سلطة الحكومة المشرفة على تنفيذ العقد مطلقة، فهو يرى أن السلطة مقيدة بقبول الأفراد لها؛ ولذلك يمكن سحب السلطة منها بسحب الثقة فيها . ويعتبر (جون لوك)، مؤسس الليبرالية الحديثة في انجلترا وفي العالم الجديد في أمريكا صاحب الصيغة الأهم والأفضل للعقد الاجتماعي, حيث جاءت الصيغة محققة لمطالب الناس في حياة حرة وكريمة يتمتعون فيها بالمساواة والمشاركة في اختيار الحاكم وهي صيغة تسمح بتداول السلطة وفقا لاختيار المواطنين نظرا لأنهم أصحاب السلطة الحقيقية, فكل فرد لا يتنازل عن أي حق من حقوقه الطبيعية إلا بالقدر الذي يسمح للحاكم وحكومته بحماية هذه الحقوق الطبيعية للأفراد ككل وأهمها حرية الملكية والعمل.

وقد بلغت هذه الصيغة للعقد الاجتماعي في الفكر السياسي الغربي ذروتها علي يد الفيلسوف الفرنسي الشهير (جان جاك روسو), (1712- 1778) عندما تحدث عن فصل السلطات، حيث السلطة التنفيذية تنفذ ما تمليه عليها السلطة التشريعية، فالشعب هو واهب السلطات وهو القادر علي تغيير أفرادها وقتما يشاء ويعدل سياستها بأي شكل يشاء حسب الدستور الذي يعبر عن حقيقة التعاقد الذي يتم بين أفراد الشعب وبين هذه السلطات التي يفرزها (11). حيث تعد نظرية العقد الاجتماعي التي أبدعها (جان جاك روسو) الأبرز في حدوث التطور الأكبر في فلسفة الحق (12) فقد ساهمت بشكل كبير في بروز الديمقراطية، وفي إعطاء السلطة للشعب بدل إعطائها للفرد المستبد. والتي تطورت بعد ذلك لتصبح مشروع دولة وصولاً إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

3. ارتباط الثورات العربية في الإخفاقات التنموية (النموذج السائد للعقد العربي)

أكد تقرير تحديات التنمية العربية: نحو دولة تنموية في العالم العربي (2011) (13) ، إن النموذج السائد للعقد الاجتماعي العربي في جوهره اعتمد على مقايضة المواطنين حريتهم السياسية مقابل تلقي خدمات معيّنة، كالتوظيف في المؤسسات الحكومية والحصول على الرعاية الصحية العامة، والتعليم، وتخفيض الضرائب والإعفاء منها. وقد سمح هذا العقد الاجتماعي السائد، الذي يمكن تفهمه في ظل الاقتصاد السياسي الريعي، للعديد من الدول العربية بالاستمرار في متابعة مسار غير تنموي. وبدت العديد من الدول العربية على حال من الاستقرار بمعيار العمر المديد لأنظمة الحكم والحكام. وقام هذا الاستقرار على القهر وقمع حقوق الإنسان وتطلعات المواطنين، وغالباً ما لقي تدعيماً من كثير من القوى الخارجية ذات المصالح الجيواستراتيجية الخاصة.

وترتبط الإخفاقات التنموية في المنطقة العربية (14) دون ريب بإخفاقات النظام الاقتصادي والاجتماعي, الذي أهدر الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والتنمية الحقيقية, في سوق لم يعرف استراتيجية للتنمية، وتحقيق نموا لاقتصاد ريعي; لم يثمر سوي تبديد الموارد وإثراء القلة وإفقار غالبية المواطنين في المنطقة العربية .

تواجه التنمية الشاملة اليوم تحديات وصعوبات حقيقية، (حيث تعتبر مجرد نمط ثقافي له أبعاد اجتماعية واقتصادية وبيئية ومؤسساتية فاشلة) حيث إن ثقافة التنمية السائدة مازالت غير واضحة المعالم ومتناقضة، وهذه التحديات كما حددها تقرير تحديات التنمية العربية: نحو دولة تنموية في العالم العربي (2011) (15) وعدد من الباحثين العرب (16) تتلخص في الأسباب التالية:

أولا، غياب دولة الحق والقانون، حيث يشهد الواقع الاجتماعي العربي المعاصر غيابا واسعا ومتزايدا لحقوق الإنسان وللقانون العادل الذي يحمي الإنسان من الانتهاكات المدنية والاجتماعية والاقتصادية، ولاسيما في البلدان التي تعتمد التسلط والديكتاتورية منهجا في الحكم، فالإنسان العربي المعاصر الذي عاش في كنف هذه الأنظمة تعرض لمختلف أشكال الاضطهاد والتمييز والتسلط، وعاني مختلف ألوان التعصب وغياب الحريات العامة، فهو محروم من حرية إبداء الرأي والتعبير في شؤون مجتمعه ووطنه وأمته وهو مستبعد عن المشاركة في تقرير مصيره ومصير بلده ومكبل بقيود القمع والخوف والاستبداد. لقد أكدت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية في العالم العربي هذه الصورة المأساوية لواقع حقوق الإنسان في الوطن العربي في تقاريرها حيث ركزت على: “أن وضع الحريات الأساسية للإنسان والمواطن في بعض البلدان العربية مأساوي إلى حد كبير، فالحرية الفردية يضرب بها عرض الحائط والحريات الجماعية لا تصان، والرقابة مفروضة، وحرية التعبير لا تمارس إلا سرا. وقد بين التقرير أن هجرة الأدمغة والعقول العربية إلى الخارج إنما يأتي نتيجة لغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه البلدان.(17) وهذا يشكل تحدي من تحديات التنمية العربية حيث تهاجر العقول العربية لتبدع في دول العالم بينما يحرم الوطن من الكفاءات والقدرات والخبرات الوطنية التي يجب ان تكون أساس التنمية في كافة المجالات.

إن انسداد الأفق السياسي يحرم الجماهير من حقها في المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مع ممارسة القمع والتنكيل وتكميم الأفواه. كل هذا يؤدي إلى تردي الأوضاع العربية على نحو خطير في كافة المجالات، ويشكل انتهاكات خطيرة في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يعني انتشار البطالة والفقر والتخلف واتساع الهوة بين العالم العربي والعالم الخارجي حضاريا وتقنيا، وكل هذا يؤدي أيضا إلى انتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، بشكل غير مسبوق وغير محتمل، ويشكل حلقة مفرغة بين انتشار الفساد الذي يؤدي بدوره إلى انتهاك في حقوق الإنسان، وانتهاكات حقوق الإنسان التي تؤدي بدورها إلى تدني التنمية ومن ثم إلى انتشار الفساد وهكذا ندور في حلقة مفرعة من الفساد وغياب التنمية وحقوق الإنسان.

ثانياً، الدول العربية وسياسات الإقصاء والاستبعاد، إن الدول العربية بجميع مؤسساتها هي دول اقصائية لا يساهم فيها المواطن بشكل فعال في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وسادت المنطقة لفترات طويلة حالات لا مبالاة من قبل الحكومات لمتطلبات وتطلعات شعوبها، بالإضافة إلى مسارعة الحكومات والنخب لتبني حلول سريعة عوضا عن تبني حلول تنموية. وقد كان أحد أسباب الثورات العربية استمرار إقصاء المواطن العربي من كافة المجالات.

ان الانظمة السياسية العربية مغلقة وثابتة وتمنع أي تداول سلمي على السلطة وتؤسس منظورها السياسي على إقصاء المواطن من المشاركة في تدبير الشأن العام وفرض نفسها كوصي على الشعوب المفتقرة في رأيها لأي وعي سياسي والتي تحتاج لمن يرعاها. ان الشعوب العربية تعيش في ظل سيادة أنظمة حديدية شمولية احتكرت السلطة وألغت مساحة المجال العام وألحقته بمجالها الخاص، لقد زرعوا في فكر المواطن ثقافة الخوف وثقافة اللامبالاة حيث يعتبر المواطن ان السياسة مجال محرم وان المجال السياسي حكر على أقلية أو نخبه مقربة من النظام تحتكر المشروعية السياسية وتعتبر أي تدخل فيه أو إبداء الرأي مساسا ب (الأمن العام) وأمن الدولة. إن الإقصاء بجميع أشكاله مؤسس له بنيويا وهيكليا مما حد من تأثير نمو الطبقى الوسطى في المنطقة وكذلك أضعف من نمو المجتمع المدني والأحزاب السياسية (18).

ثالثاً، الطبيعة الريعية للاقتصاديات العربية وضعف برامج التنمية، أحد مظاهر الضعف ومصادر أزمة التنمية العربية، الأمر الذي يتطلب صياغة استراتيجية فعالة لنقل الاقتصاديات العربية من طبيعتها الريعية إلى الطبيعة الإنتاجية، القائمة على أساس تنويع الدخل وزيادة القدرة التنافسية في الاقتصاديات العربية.

ويسعى هذا العالم العربي الناهض من سباته إلى القطع مع نسق طبعه الاقتصاد السياسي للدولة الريعية بطابعه، والتحول نحو الدولة التنموية الملتزمة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ومنذ البداية، عجز أولئك الذين يسيطرون على مقاليد السلطة عن فهم الديناميات الكامنة وراء استشراء السخط الشعبي - تلك الديناميات التي تراكمت على مدى سنوات عديدة في ظل نظام اتسم بالقمع السياسي وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية. واستُخدِمت الأساليب القمعية لإسكات الأصوات المعارضة أو احتوائها.

ويجب أن نتذكر أيضاً أن دوافع التحولات والثورات غالباً ما تكون اجتماعية- اقتصادية، وليس سياسية فحسب. حيث إن الجماهير مهتمة بتحسين ظروفها المعيشية والحد من الفساد، بنفس قدر اهتمامها بوجود حكومة ديموقراطية ونظيفة الكفّ.

لقد ولد الفشل التنموي المتمثل في انعدام فرص العمل لجيوش من الشباب العاطلين تفاوتا حادا في المستوى المعيشي وازدياد شريحة الفقراء والبؤس وامتداد أحياء كاملة من الصفيح باتت لازمة للمدن العربية. (19) وهكذا، فإنّ التنمية الشاملة (20) هي المفتاح الحقيقي للحصول على القوة، وبالتالي للوصول إلى أي مستقبل فاعل أو مثمر يمكن أن يكون بانتظار العرب خلال العقدين المقبلين، بدون الشروع في اتخاذ خطوات واثقة في طريق التنمية وفي طريق (تطوير عقد اجتماعي جديد) يعتمد الحقوق والتنمية، فإنه من المؤكد أنّ مستقبل العرب لن يكون أفضل من حاضرهم.

ويؤكد التركماني (21) إنّ نجاح الخطط التنموية العربية ومواجهة تحديات العولمة واقتناص فرصها، يتطلبان توفير شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين العرب من المشاركة في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات.

إن حركات التغيير التي اجتاحت المشهد السياسي - الاجتماعي للعالم العربي تطالب بمسارات تنمية جديدة تولي أهمية أكبر لقضايا الحق والقانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعمل اللائق المتداخلة. ويتوقف إنجاز تحول ناجح على فهم مطالب الشارع العربي بالمشاركة وبالاستيعاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاستجابة لها.

إننا بحاجة إلى تبني نموذج جديد للتنمية لا يتعامل مع قضية الاستقرار من منظور أمني فحسب، وفوق كل شيء لا ينظر إلى التقدم من منظور منفعة السلع والخدمات (مثل نمو معدل نصيب الفرد من الدخل)، وإنما من خلال القدرات الجوهرية التي تمكّن المرء من اختيار حياة يعتبرها ذات قيمة. إن الدولة التنموية قادرة على تحويل الإمكانيات الهائلة والموارد الطبيعية في المنطقة إلى قاعدة لنمو استيعابي لا إقصائي يحترم حقوق الإنسان، ويحد من الفقر، ويخلق فرصاً للعمل اللائق، ويرى في الإنفاق الاجتماعي استثماراً حقيقياً في المستقبل. ولا يمكن تحقيق هذه التنمية الجديدة إلا من خلال تبني عقد اجتماعي جديد يرتكز على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمشاركة الكاملة والمساواة يتعمد التوافق والحوار بين كل الشركاء في الوطن.

رابعاً، دور الفساد في تعميق التفاوت الاجتماعي وانتهاك حقوق الإنسان، وقد تم تحديد الفساد في العديد من الدول العربية كعقبة رئيسية أمام التنمية، إن ما يجعل الأمر متفجرًا في المنطقة العربية هو ذلك المركّب الذي يجمع بين الفساد وارتفاع مستويات التفاوت الاقتصادي المناطقي داخل البلدان، وارتفاع مستويات المحسوبية التي تحرم الفئات الضعيفة من فرص العمل والخدمات. وهي جميعها مغلفة بشبكات الولاء السياسي التي تعطي الحصانة للفاسدين وتضعف من استقلال القضاء. وأفضى إغلاق الحيز العام وضعف الرقابة من جانب البرلمانات (التي أصبحت متورطة في قضايا فساد خطيرة) إلى تآكل شرعية الأنظمة القائمة، بما في ذلك المجالس التشريعية.

خامساً، الإصلاحات الشكليّة لإدارة الحكم في الدول العربية، حيث قامت العديد من الدول بالإصلاحات التي ركزت على الاستقرار على حساب الإصلاحات الحقيقية. وقد فشل الإصلاح السياسي الشكلي في تلبية تطلعات الشباب العربي إلى الحرية، وفي ظل فشل شبه تام وعجز عن معالجة مشاكل المجتمع العربي السياسية المتعلقة بإطلاق الحريات بمختلف أشكالها وفي مقدمتها الحريات السياسية المتعلقة بآليات الحكم وتداول السلطة سلميا وكذلك حريات التعبير عن الرأي التي تضمن تنفيس المجتمع عن مشاعره ومعاناته وأحاسيسه وما يتعرض له من مظالم، كل ذلك أدى إلى تناقض حاد ما بين شعارات الأنظمة وإعلامها وبين حقائق الوعي السياسي الشعبي القائم على المعاناة اليومية.
ً
سادسأ، أزمة المشاركة في العالم العربي، ليس في الجانب السياسي فقط ، بل جانب إشراك كل فئات المجتمع في أية عملية تنمية فعلية وصحيحة، لأنها من أول شروط تحقيق التنمية واستدامتها، إن نسبة المشاركة في الانتخابات في الدول العربية ضعيفة لأن الانتخابات فقدت معناها ووظيفتها كقنوات للمشاركة والمساءلة. وقد أصبحت الانتخابات خيارًا بلا مصداقية نظرًا لضعف الأحزاب السياسية، والوهن المهني في هيئات إدارة الانتخابات. كما أصبحت الانتخابات في العديد من البلدان مسرحاً تتوسله الشبكات القبلية والعائلية لتأكيد سلطتها، وتوزيع غنائم النمو الاقتصادي فيما بينها وعلى أتباعها، وغالبًا ما يأتي ذلك على حساب المشاركة الواسعة والمساءلة. وقد قيدت الدول العربية، على سبيل المثال، حرية التعبير وتكوين الجمعيات من خلال الوسائل الدستورية والتشريعية، مما أعاق تشكيل المؤسسات والعمليات الخاصة بإدارة الصراع الاجتماعي والتفاوض الجماعي.

كما إن ضعف مشاركة هيئات المجتمع المدني، بالرغم من وجود العديد من المؤسسات المهنية والنقابية والعمالية والبيئية والاجتماعية والثقافية، التي تقوم بنشاطات قيّمة في مجال حقوق الإنسان ومسائل اجتماعية واقتصادية مختلفة، إلا أنّ هذه المؤسسات ما زالت دون حجم التحديات والحاجات القائمة. فهي غير قادرة على أداء دورها بشكل طبيعي حيث تسيطر عليها الأجهزة الأمنية وتحد من قدرتها وامكاناتها, وتوجه أنشطتها وعملها لإرضاء النظام الحاكم والتحالف معه للسيطرة على كل الجهات العامة والخاصة.

سابعاُ: هيمنة المركزية، وضعف الحياة البلدية أو المجالس المحلية، إذ تتميز الأنظمة الإدارية العربية - بشكل عام - بهيمنة أجهزة الدولة المركزية على حياة الهيئات المحلية من بلديات ومجالس أو إدارات مستقلة، وبضعف اللامركزية الإدارية؛ وبشكل عام، تُظهر حالة الحكم المحلي في العالم العربي استبعاداً راسخاً ومركزية قوية.

من أهم توصيات التقارير الدولية للتنمية العربية، التركيز على ضرورة التحول إلى نموذج عقد اجتماعي جديد في الدول العربية يصون الحقوق وينظم الواجبات ويبتعد عن النموذج الريعي الذي شوه بنيان الدول العربية ووقف أمام مسيرتها التنموية، حيث من الضروري التركيز واعتماد مبادئ جديدة للعقد الاجتماعي الجديد تتضمن مبدأ الحقوق والواجبات، مبدأ الشفافية، مبدأ المشاركة، ومبدأ العدالة الاجتماعية..

4. العقد الاجتماعي الجديد والثورات العربية

وإذا كانت الثورات العربية وما أفرزته من تداعيات قد كشفت عن غياب واضح لاستقرار تقاليد مؤسسية (22) تسهم في تحقيق التداول السلمي للسلطة الذي يمثل جوهر الديمقراطية، فإن محاولة معالجة هذا المأزق تتطلب وجود عقد اجتماعي جديد لتحقيق انتقال آمن للسلطة في المنطقة العربية يعتمد الحقوق والتنمية ، حيث كما أكدنا سابقا ان غياب الحق والقانون والاخفقات التنموية كانا من الأسباب الأساسية للثورات العربية، ومعالجة أي برامج انتقالية أو استراتيجية لما بعد سقوط أي نظام يجب ان تعتمد على تطوير عقد اجتماعي جديد يعتمد الحقوق والتنمية كأساس له من أجل توفير العدالة الاجتماعية للمواطنين.

يكفل الدستور بمثابة العقد الاجتماعي ما بين الحاكم والمحكومين تنظيم العلاقات ما بين مؤسسات الدولة المختلفة، ويحقق التوازن المطلوب بينها، غير أن تاريخ التجربة الدستورية في العالم العربي يتسم بخصوصية فريدة خاصة لسلطات الحاكم، وهو ما تبرزه طبيعة الحقوق التي كفلها له الدستور في بعض الدول، والتي جعلته القوة الفاعلة الأهم في النظام، أو بالأحرى جعلته يفعل ما يشاء وقتما يشاء بلا وجود ضوابط تحد من هذه الهيمنة التي لا مثيل لها في دساتير العالم المختلفة، وهو ما أدى إلى صناعة الديكتاتور (23). ولهذا كان من الضروري أن يكون هناك مرتكزات ومبادئ أساسية يجب أن تكون متوفرة في (العقد الاجتماعي الجديد) لتكون العلاقة ما بين الأطراف مجتمعة علاقة تحترم القانون والحقوق والعدالة الاجتماعية.

فالثورات العربية جعلت الملايين من العرب ممن ينتمون إلي مختلف الطوائف والفئات والتوجهات والمستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، يدركون أن هناك حاجة ماسة إلى فكر جديد يلبي طموحاتهم. ومن خلال مطالبهم التي تخلصت في الحرية والكرامة والحقوق والعدالة الاجتماعية يعني أنهم يطالبون بعقد جديد مع السلطة تكون قادرة فيه على تحقيق مطالبهم، وهذا يعني وبشكل علمي أنهم يطالبون بعقد اجتماعي Social Contract يتضمن الحق والقانون والعدالة، حيث يمكن اعتبار هذا العقد هو الصيغة المثلي التي بمقدورها أن تملأ الفراغ، وتسد الفجوة الحادثة نتيجة تثاقل مسيرة الديمقراطية وتعثرها، وعدم اكتمال التنظيمات السياسية والاجتماعية، القادرة علي إحداث التغيير، حيث لم تلعب التنظيمات السياسية العربية دورا واضحا في تمثيل المطالب الشعبية بل قام الشعب بنفسه في الثورة الشعبية، عندما وجد أن الواقع السياسي أصبح من الهشاشة والتمزق، لدرجة أن وجود الفرد أصبح غير متحقق لعدم وضوح الرؤية، وعدم وجود هيئات سياسية حقيقية تمثل مطالبه، مما يدفع في النهاية إلي ضرورة التمسك بفكرة الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد بين الشعب والسلطة يوفر قيم الحرية والعدالة والمساواة (24).

1,4 نحو عقد اجتماعي جديد يرتكز على مبدأ الحق والقانون والتنمية

إن (العقد الاجتماعي الجديد) ينطلق من المبادئ الأساسية للأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان، حيث يتمثل العقد الاجتماعي في عدد من المظاهر أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وذلك مع وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من سنة 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من سنة 1966. وتشكل الوثائق الثلاثة معاً ما يسمى "لائحة الحقوق الدولية والتي تتضمن الأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان والتي تشكل جوهر العقد الاجتماعي الجديد.

1,1,4 نحو عقد الاجتماعي الجديد يحترم حقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة في10 ديسمبر 1948، ويتألف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من 30 مادة تكفل حقوق الإنسان لجميع الناس. ويعتبر الإعلان العالمي أساس الجيل الأول لحقوق الإنسان (25)، بالإضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1948. وقد جاء هذا العهد ليؤسس لهذه الحقوق بشكل قانوني على المستوى الدولي، ويكون أساس للعقد الاجتماعي الجديد، حيث انه مرتبط بالمساواة، والحق الحياة، والكرامة الإنسانية، والحريات الخاصة الفردية، ثم الحرية الفكرية وحرية الاعتقاد، حرية الرأي و التعبير، ثم الحريات السياسية وكذلك حرية التمثيل العمالي من خلال تأسيس النقابات، ثم إقرار مبدأ المساواة أمام القانون بين جميع الأفراد.

يجب أن يركز العقد الاجتماعي الجديد على أن ( الدولة تقوم علي حكم الحق والقانون)، بما يقضي المساواة بين المواطنين، وكفالة الاستقلال الكامل للسلطة القضائية دون تدخل السلطة التنفيذية، وان يعتمد النظام الاقتصادي علي الجمع بين المقومات الرأسمالية والعدالة (اقتصاد السوق و الملكية الخاصة و التعاونية) و الاشتراكية بما يقدمه من برامج لتحقيق العدل والتكافل والعدالة الاجتماعية.

2,1,4 نحو عقد اجتماعي جديد يوفر العدالة الاجتماعية ( الحقوق الاجتماعية والاقتصادية)

كما يتضمن العقد الاجتماعي الجديد الجيل الثاني من حقوق الإنسان (26) والذي يرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تهدف إلى توفير أكبر قدر من الحماية والمساعدة للأسرة، والحق في العمل، والحق في مستوى معيشة كريمة، والحق في الصحة، والحق في التعليم والثقافة ، والحق في الإضراب، و الحماية الاقتصادية والاجتماعية. وما يمكن أن نخلص إليه هو أن عناصر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تشكل جوهرا التنمية و تشكل أهم مجالاتها.

وفي العقد الاجتماعي الجديد لا يتم التركيز على الحقوق المدنية والسياسية فقط وإنما يتم التركيز على ضمان الحقوق اﻻاقتصادية واﻻجتماعية وهو هدف أساسي ومركزي من أهداف الثورات العربية، ومكمل طبيعي وأساسي للحقوق المدنية والسياسية. كل السياسات يجب أن تكون في خدمة هذا الهدف، وذلك من خﻼل عدم اﻻكتفاء بالتركيز على عجلتي النمو أو الدخل، وإنما بربط ذلك بتحقيق العدالة في توزيع الثروة.

إن مفهوم الأمن أو الأمان اتسع الآن اتساعًا شديدًا.. أصبح هناك الأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن الثقافي، وهناك أيضًا كرامة الإنسان، وهكذا دخلنا فيما يقال له دولة الرفاه أو الدولة العادلة. والأمن الاقتصادي يتمثل في ضرورة أن توفر الدولة لكل المواطنين حدودًا معقولة من الدخول تتناسب بطبيعة الحال وفقًا لمساهمتهم في الإنتاج القومي. كذلك فإن الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي يتضمنان عددًا من الخدمات الأساسية توفرها الدولة الحديثة وتكون موسومة بالتقصير إن هي لم توفرها. والرعاية الصحية في مقدمة هذه الخدمات. بالإضافة إلى توفير التعليم للجميع ورعاية الطفولة من ناحية والشيخوخة من ناحية أخرى (27)، العقد الاجتماعي الجديد يجب أن يوفر مظلة للحماية الاجتماعية لجميع المواطنين بدون استثناء وقد يكون اعتماد برامج الأرضية الاجتماعية جزءً أساسياً من العقد الاجتماعي الجديد.

3,1,4 نحو عقد اجتماعي جديد يوفر التنمية الشاملة والمستدامة (الحق في التنمية)

يرتبط العقد الاجتماعي الجديد بالجيل الثالث لحقوق الإنسان (28) وما يصطلح عليه حقوق تضامنية وتنموية، تركز على المناداة بالحق في التنمية لدول العالم، وقد أقرت الأمم المتحدة مبدأ هاما يقول " إن تكافؤ فرص التنمية حق للدول بقدر ما هو حق للأفراد داخل الدول نفسها " ، و قد اعتبرت أن الحق في التنمية هو حق غير قابل للتجزئة أو التصرف، و أن التنمية تمكن الإنسان من ممارسة حقوقه وأن الدول مطالبة بإتاحة الفرص تتكافئ للجميع ضمانا لوصولهم إلى الموارد الأساسية وإلى التعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والشغل والتوزيع العادل للثروات، ويمكن القول أيضا أن الحقوق و التمتع بها يساهم في إنجاح جهود التنمية البشرية و يساعد تطبيق برامجها .

إن تحقيق العدالة الاجتماعية يعد هدف أصيل في التنمية، وهو ما يعنى توفير وضمان حد أدنى مقبول من الحياة الكريمة لكافة المواطنين على قدر المساواة، وتحقيق هذا الهدف يقتضي الإعتراف بأنه لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة إلا بمعدل مرتفع ومستدام من النمو الاقتصادي ولكن يجب اعتبار هذا الهدف هو هدف وسيط لتحقيق الهدف الأصيل وهو تحقيق العدالة الاجتماعية وذلك عن طريق ترجمته إلى عدد من السياسات (المالية والنقدية) توفر عدد من فرص العمل المناسبة واللائقة .

تبرز أهمية العقد الاجتماعي الجديد بشكل أساسي من خلال إعلان الحق في التنمية الذي اعتمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 في عام 1986، حيث يركز على أن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.

حيث تركز المادة الأولى من هذا الإعلان (29) على الحق في التنمية كحق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما.

ووفقا لهذا التصنيف فإن الحق في التنمية هو أحد حقوق التضامن أي الحقوق التي يطلق عليها حقوق الجيل الثالث أو (جيل الحقوق الجماعية أو الحقوق التضامنية). فالتنمية هي نتيجة وسبب في التعاطي مع حقوق الإنسان، حيث أنها تشكل البيئة الصحية لاحترام حقوق الإنسان بمختلف أشكالها، وهي نتيجة بالنظر إلى أن حالة التنمية تعني في نهاية الأمر احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتعزيز مبدأ سيادة القانون وإشراكا اكبر للمواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية في أي بلد.

ويعتبر "إعلان الحق في التنمية" أساسي في ربط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل صريح بعملية التنمية، (من خلال العقد الاجتماعي الجديد) واعتبار الحق في التنمية حقا من حقوق الإنسان وليس مجرد مطلب من مطالبه. كون موضوع التنمية لم يعد سواء للشعوب أو للأفراد مجرد "صدقة أو إحسان، بل أصبح حقا معترفا به" (30)، كباقي حقوق الإنسان الأخرى . فلم تحظ احتياجات ومصالح وتطلعات الدول العربية بأية مكانة في استراتيجيات الحكام العرب.

إن صياغة عقد اجتماعي في إطار دولة مدنيّة تقوم تنمويًّا على التحوُّل من نموذج الرّيع إلى نموذج دولة الإنتاج كما حددها الدكتور عمر الرزاز (31) يتطلّب تغييرًا بنتويا في هياكل العلاقة بين الدّولة والمجتمع بسبب تحوُّل النّظام الرّيعي إلى منظومة علاقات اقتصاديّة اجتماعيّة انعكست في كلّ مناحي الحياة الاجتماعيّة والثقافية والرمزيّة الأخرى. وفي هذا السياق يقدم الباحث عمر الرزاز أطروحة بالغة الأهمية تأمل في التقاط بدايات التغيير العربي وربطها في إطار فكرة صوغ عقد اجتماعي عربي جديد ينقل العرب من الدولة الريعية والاقتصاد الريعي إلى الدولة الإنتاجية والاقتصاد الإنتاجي، اللذين لا يقومان إلا على أرضية الحرية وانقضاء الاستبداد وهو ما تتيحه موجة التغيير الأخيرة، ولو على المدى المتوسط والبعيد (32).

كما أكد تقرير تحديات التنمية العربية: نحو دولة تنموية في العالم العربي (2011) ذلك من خلال الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير في أن البلدان العربية، لكي تستطيع الاستجابة إلى مطالب الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية، تحتاج إلى تبنى نموذج "دولة تنموية" يرتكز على عقد اجتماعي جديد من المساءلة المتبادلة، وإلى استبعاد نموذج الاقتصاد السياسي الريعي. ويعني ذلك أن تصبح الدولة أكثر استجابة للمواطنين وأكثر خضوعاً للمساءلة أمامهم، مما يمكّنهم من أخذ زمام المبادرة في الشؤون المجتمعية بقدر أكبر، وكسر ذلك النمط السيئ في الاتكال على الدولة، الذي طالما كان السمة المميزة للعقد الاجتماعي العربي.

إن الثورات تفرض مراجعة أنماط التنمية، وﻻ يمكن أن يحصل ذلك إﻻ بفكر تنموي نقدي، يستوعب خصائص المنطقة ودينامياتها ويستجيب لحاجياتها وأولويتها. إن التجارب العالمية في التحول الديمقراطي والمساعي ﻻرساء نظام العدالة اﻻجتماعية والنقاش الدائر بين دول وشعوب العالم والمنظمات الدولية اﻻقتصادية والتنموية حول مفاهيم وأهداف التنمية وعﻼقتها بحقوق اﻻنسان، كلها تركز على أهمية الحق في التنمية المستدامة، التنمية الشاملة المعتمدة على الاحتياجات الوطنية الحقيقية.

2,4 نحو عقد اجتماعي جديد يعزز المشاركة السياسية ( الأحزاب السياسة ومؤسسات المجتمع المدني)


يعتبر مفهوم "المشاركة الشعبية" من أكثر المفاهيم المرتبطة بالتنمية، فالمشاركة الوسيلة الأساسية التي يمكن من خلالها حشد كل طاقات المجتمع وموارده بشرية كانت أم طبيعية، حيث يقتضي ذلك توفير الإجراءات القانونية والإدارية والتخطيطية لتحقيق هذا الحق.

يحلل الدكتور مبارك مبارك أحمد دور الأحزاب السياسية في الدول العربية (33) حيث تعد هذه "الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني مؤسسات وسيطة تهدف إلى التنشئة السياسية، وملء الفراغ الذي خلفه غياب الدولة. فوجود حياة حزبية فاعلة يعزز من التعددية السياسية، ويحقق التداول السلمي للسلطة. من هنا، تبرز أهمية وجود قنوات للمعارضة السياسية لتقديم البدائل، وطرح الحلول للمشكلات التي برزت في الآونة الأخيرة كنتاج لأزمة الدولة في العالم العربي، والتي تعاني غيابا واضحا لاستقرار تقاليد الممارسة الديمقراطية. ويرجع هذا الإخفاق بالأساس إلى فشل المعارضة السياسية في تقديم رؤى، أو بالأحرى تقديم برامج تتعامل مع الواقع داخليًا وخارجيًا، فضلاً عن تشرذم هذه القوى، ليس فقط بفضل ممارسات أنظمة الحكم ضدها - التي لم تختلف من دولة لأخرى - بل وفشلها أيضًا في توحيد صفوفها، ناهيك عن غياب الممارسة الديمقراطية داخل مؤسسات المعارضة نفسها. فقادة هذه الأحزاب كثيرا ما يرفعون شعارات بعيدة تمامًا عن حقيقة واقعهم وممارساتهم.
.
أما مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي، وبرغم التحديات التي تواجهها في ظل غياب القوانين التي تؤطر عملها بشكل مؤسسي، فإن دورها في مراحل التحول يزداد أهمية، على أساس أن تطوير هذه المؤسسات يمثل سندا أساسيا لإحداث التغيير والتأثير الفاعلين في مستويات الوعي، والقدرة على تعزيز العمل الجماعي، وهى أيضاً سند أساسي لدعم التوجه الديمقراطي وتطويره ، باعتباره عملية حيوية يجب تنميتها والحفاظ عليها والاستمرار في تطويرها. كما أن تفعيل هذه المؤسسات هو الكفيل بتكريس قيم الديمقراطية، بما يؤدى إلى تحسين ودعم التحول الديمقراطي، وصولاً إلى مرحلة الرسوخ الديمقراطي، خاصة أن المجتمع المدني شهد تطوراً ملموساً في الآونة الأخيرة، حيث ظهر هذا القطاع كفاعل رئيسي في عملية التنمية في مختلف دول العالم، وشريكاً بارزاً للمؤسسات الحكومية في عمليات المساعدة الإنمائية، ومواجهة الفقر والبطالة. وتوسع دوره من مجرد منظمات ترتكز على المنظور التنموي إلى توفير مساحة أكبر من الحرية والممارسة الديمقراطية، والمشاركة في صنع الأحداث، واتخاذ القرارات على مختلف الأصعدة، وتحسين إدارة الحكم، عبر تعزيز المساءلة والشفافية، إلى النظام السياسي وحماية الحقوق والتوفيق بين المصالح ، وإيصال الخدمات الاجتماعية. ومن ثم، فإن تعظيم الاستفادة من هذا القطاع يسهم في التهيئة السياسية لانتقال السلطة وتداولها. فثمة علاقة ما وثيقة بين آلية تداول السلطة العليا وآلية تداول السلطة في باقى المؤسسات، سواء كانت أحزابا أو هيئات مجتمع مدني ، ربما لأن الأولى تلخيص للثانية في قمة النظام السياسي، ومن ثم فهي نتاج لها، وربما لأن الثانية تسعى إلى تقليد الأولى، والتأثر بها، باعتبارها القدوة في القمة، وربما للسببين معاً. والمؤكد أيضاً أنه ليس من المنطقى أن تنفى الديمقراطية في نقل السلطة العليا، ثم نعثر عليها في باقي المستويات"

وقد حدد صلاح عبد العاطي (34) المشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة. بعبارة أخرى، المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنظمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار. مبدأ يقيم فرقاً نوعياً بين نظام وطني ديمقراطي قوامه الوحدة الوطنية، وحدة الاختلاف والتنوع والتعارض الجدلي، ونظام شمولي أو تسلطي قوامه التحاجز الاجتماعي والحرب الأهلية الكامنة التي يمكن أن تنفجر عنفاً عارياً وتدميراً ذاتياً في أي وقت، مبدأ سياسي وأخلاقي يقيم فرقاً نوعياً بين الحرية والاستبداد.

ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي التعبير العملي عن العقد الاجتماعي الجديد، لا في مفهومه فحسب، بل في واقعه العملي أيضاً، إذ تعيد المشاركة السياسية إنتاج العقد الاجتماعي وتؤكده كل يوم؛ أي إنها تعيد إنتاج الوحدة الوطنية وتعزها كل يوم، وهذه أي الوحدة الوطنية من أهم منجزات الحداثة، ولا سيما الاعتراف بالحقوق الناجمة عن الاعتماد المتبادل بين مختلف الفئات الاجتماعية وإسهام كل منها في عملية الإنتاج الاجتماعي على الصعيدين المادي والروحي، نعني الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل.

وتحدد الدكتورة علياء رافع مفهوم الشراكة بالنسبة للعقد الاجتماعي (35) كأحد المفاهيم الهامة والأساسية، فالدولة لا تستطيع وحدها أن تتحمل عبء التنمية بالكامل، والمجتمع المدني بكل مؤسساته لن يشكل دولة داخل دولة، ولذا فإن التفاعل والتكامل بين الدولة والمجتمع من شأنه أن يعظم من قدرة التنمية. يبدو أن الأمر أكثر تعقيدا من إعلان الدولة عن رغبتها في التحالف مع الجماهير من خلال عقد اجتماعي، لأن هذه الجماهير ترفض أن تضع يدها في يد الحكومة تحت أي مسمي وتحت أي قيادة. وبناء الثقة بين الشعب وبين الدولة في حاجة إلى كثير من الجهد. إن المسئولية تقع على كل الأطراف في هذا العقد الاجتماعي الجديد ولايمكن التخلص من المسئولية أو إلقائها علي طرف من الأطراف الأربعة في العقد‏:‏ الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطن‏,‏ فإذا تحقق التوازن في المصالح وحرص كل طرف من أطرافه علي أداء ما عليه مع العدالة المتوازنة بين المسئولية والحق في مناخ من الحرية والكرامة التي يجب العمل علي تحقيقها للمواطنين هنا يتحقق العقد الاجتماعي

ويعرف عطية الحسن أفندي(36) أسلوب الحكم الموسع هذا ‏ بأنه عقد جديد بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في إطار شراكة ثلاثية بهدف تعبئة أفضل لقدرات المجتمع وإدارة أكثر رشادة لشئون الحكم‏,‏ وينطوي هذا المفهوم علي إعادة تجديد مجالات العمل والنشاط لكل من تلك القطاعات الثلاثة‏,‏ فتصبح الريادة في الحياة الاقتصادية في يد القطاع الخاص في ظل اقتصاد تنافسي قائم علي مبدأ الحرية الاقتصادية‏,‏ وتعمل الحكومة علي ضمان الحرية السياسية والاقتصادية من خلال إيجاد أطر قانونية تعزز ذلك وترفع كفاءة أداء الجهاز الإداري‏,‏ وتعمل علي تنمية الموارد البشرية عبر الاهتمام بالمجالات التعليمية والصحية ثم أخيرا تحافظ علي مساواة الأفراد أمام القانون‏,‏ أما المجتمع المدني‏,‏ الطرف الثالث في الشراكة‏,‏ فإن عليه تعبئة جهود الأفراد في منظمات قوية تشارك بفعالية في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية‏,‏ وتعلب دورا في التأثير في السياسات العامة.‏

3,4 نحو عقد اجتماعي جديد يعتمد على الحوار والتوافق والتفاهم

كل طرف في هذا العقد الاجتماعي له دور في صنع السياسات، ولا يزيد دور طرف عن الآخر في الأهمية، بل تقوم العلاقة بين مختلف أطراف العقد الاجتماعي علي المشاركة. ومما لا شك فيه أن المجتمع المدني والقطاع الخاص ومؤسسات الدولة المختلفة تُعدُّ أطرافًا هامة في العقد الاجتماعي الجديد. فلا يزال البعض يختزل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أنها علاقة بين المواطن والحكومة فقط، بينما المجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنون والحكومة والمؤسسات القضائية والبرلمان كلٌّ منهم له دور ومسئوليات محددة في الدولة، بِما يجعله شريكًا وصانعا للسياسات.

يقوم أعضاء المجتمع، عن طريق الاتصال والحوار والتشاور والتفاهم، إلى إنهاء حالة الصراع والفوضى الدائمة، عن طريق اتفاق اجتماعي يستهدف اختيار سلطة سياسية يتنازل الأفراد لها عن حقوقهم، وتقوم تلك السلطة بإعادة توزيع الحقوق والواجبات على الأفراد وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومؤدي هذه الفكرة إن صورة المجتمع السياسي ونظام الحكم في أي دولة ينبغي أن يتم وفق اتفاق واضح بين أفراده علي الصيغة التي يرتضونها لشكل هذه الدولة ونظامها السياسي وهذا الاتفاق بين أفراد المجتمع هو الذي تعبر عنه صيغة ما يسمي بـالعقد الاجتماعي التي يترتب عليها شكل العلاقة بين الحاكم والمحكومين ومدي الحريات التي يتمتعون بها وحقوق كل طرف وواجباته.

العقد الاجتماعي هو مجموعة تفاهمات حول شروط العيش المشترك في مجتمع واحد، يُبنى عليها الدستور، هي فوق اللعبة السياسية، فلا أكثرية تستطيع تغييرها ولا أقلية تستطيع التنصّل منها.

إن التوافق والمشاركة والتفاهم من خلال الحوار يعد من أهم أسس العقد الاجتماعي الجيد لأن إلزامية التراضي الشعبي تكتسب قوتها وحجيتها من تقسيم وتوزيع المسئوليات والواجبات بين الدولة والمواطنين فلم يعد في هذا العصر دولة تستطيع أن تتكفل بكل شيء أو ترفع يدها عن كل شيء فتترك الحبل علي الغارب لما يسمي بقوانين السوق (37)

ويؤكد ليث زيدان (38) انه "ليس المقصود بالعقد الاجتماعي توقيع وثيقة بين الأفراد سرعان ما يتم التخلي عنها، وقد يتم هذا التخلي قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به. ففيما وراء هذا الجانب الشكلي يعني العقد الاجتماعي حصول تفاهم حقيقي, وبالتالي قناعات عميقة لدى الأطراف المختلفة حول الغايات والأهداف والمبررات، ينشأ عنها إيمان عميق أيضاً بصلاحية الأسس التي يبنون عليها اجتماعهم وفائدته للجميع، وبالتالي التزام فعلي وداخلي بالمبادئ والأسس التي تم الاتفاق عليها".

5- العقد الاجتماعي الجديد في الدول العربية

لقد بدأت الدول العربية فعلياً في تطوير عقد اجتماع جديد، فعلى سبيل المثال في تونس، تم الاتفاق إلى وضع (خارطة طريق لإرساء عقد اجتماعي جديد)، بهدف إحداث مجلس وطني للعقد الاجتماعي سيتم التوقيع عليه في كانون الثاني 2013، حيث سيتم إطلاق مشروع النهوض بالحوار الاجتماعي بهدف إرساء عقد اجتماعي تلتزم من خلاله الأطراف الاجتماعية الثلاثة بتوفير الظروف الملائمة والكفيلة بتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بما يستجيب لأهداف الثورة ولتطلّعات الشعب التونسي وبما من شأن أن يمثّل هذا العقـد خطوة نحو إرساء ميثاق مجتمعي تنخرط فيه الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والمجتمع المدني.

وفي مصر تم إحداث (مركز للعقد الاجتماعي) من خلال مبادرة مشتركة بين مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بناء على توصيات تقرير التنمية البشرية لمصر، وذلك لتقديم الدعم الفني لجهود التنمية البشرية في مصر من مدخل حقوقي تنموي يستند إلى مبادئ الحكم الرشيد ومفهوم المواطنة. ويهتم المركز برصد ومتابعة جهود الحد من الفقر وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وبناء توافق وطني حول مفهوم العقد الاجتماعي والآثار المترتبة عليه وإعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين.

وفي سورية، تقوم المعارضة السورية بالاتفاق على عهد وطني جديد، وخطة للمرحلة الانتقالية حيث تمت مناقشة الوثيقتان في مؤتمر توحيد المعارضة في القاهرة في حزيران 2012. وتشكل هاتان الوثيقتان اللتان تعرضتا للكثير من النقد (العهد الوطنيّ وخطة المرحلة الانتقاليّة) بداية أو خطوة أولية لتشكيل عقد اجتماعي جديد في سورية، بعد أن يتم التوافق على النقاط الخلافية فيهما. وقد يحتاج هذا إلى الكثير من التعديل والتغيير للتوافق عليه من قبل كافة أطياف المجتمع السوري.

6. تصورات للعقد الاجتماعي الجديد للدول العربية

على الدول العربية التي تقوم بالثورات والانتفاضات والتغيرات والإصلاحات، البدء في وضع تصورات للعقد الاجتماعي الجديد، بهدف بناء توافق وطني حول رؤية مستقبلية لعقد اجتماعي يحدد العلاقة بين الشعب والقيادة السياسية، وفيما بين مواطني الشعب أنفسهم بكافة انتماءاتهم. ومن الضروري العمل على إيجاد توافق وطني بشأن كافة المجالات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في القضايا التي تحتاج إلى تفاهمات وتوافق مثل التحول الديمقراطي والحكم الرشيد والمواطنة وقواعد التعامل مع أعضاء النظام القديم ومشاركتهم في المجتمع الجديد، وشروط المصالحة والعدالة الانتقالية، وسياسة التمثيل العادل لكافة فئات المجتمع، والعدالة الاجتماعية، والتنمية والإنتاج، والإعلام، والتحول لمجتمع المعرفة، بالإضافة إلى السياسة الجديدة للتعامل مع العالم الخارجي.

إن النهضة العربية الجديدة أو (الصحوة) كما يسيمها البعض لن تبقى خططها مجهولة كما كان الوضع في الماضي، بل يجب التخطيط لها في المرحلة الانتقالية وصياغة تصورات جديدة للتنمية يتم تضمينها في (العقد الاجتماعي الجديد). إنّ المطلوب من الدول العربية لمواجهة هذه التحديات أن تعيد صياغة توجهات ومسار التنمية العربية، وان تعيد صياغة (العقد الاجتماعي الجديد) بما يساعدها على الاستفادة المتبادلة من الإمكانات والموارد المتوافرة لديها وهذا يتطلب توفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة مستقرة، تحمي كافة المواطنين وتحفظ حقوق الإنسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية.

وهكذا، فإنّ التنمية العربية الشاملة كما حددها عدد من الباحثين العرب (39) – يجب ان تقوم على تغيير سياسي حقيقي (تعددية سياسية وفصل السلطات، وتغيير اقتصادي)، وتغيير اجتماعي (إعادة الاعتبار لسلم القيم لأخلاقية المجتمعية القائمة على الحرية والمساواة والعدالة اجتماعية) ولذلك فإنه من دون الشروع في اتخاذ خطوات واثقة في طريق التنمية (وبناء عقد اجتماعي جديد) فإنه من المؤكد أنّ مستقبل تلك الدول العربية لن يكون أفضل من حاضرهم.

إن (العقد الاجتماعي الجديد) لدولنا العربية يجب ان يكون جزء من عملية التغيير السياسية والاجتماعية، من خلال التغيير السياسي الذي يقضي على الأنظمة الديكتاتورية والتحول نحو الديمقراطية ودولة الحق والقانون، وهنا علينا التخلي عن نموذج التنمية السابق الذي اثبت فشله خلال العقود الماضية، والتحول نحو ثقافة تنموية جديدة، تعتمد على (ثقافة الحقوق، وثقافة التنوع وثقافة احترام الآخر، وثقافة التعددية، وثقافة الحرية، وثقافة المشاركة، وثقافة الحوار). إن العقد الاجتماعي الجديد يتطلب منها أن نؤسس علاقات جديدة (علاقة مع الذات) نحقق فيها طموحنا (وعلاقة مع الأجرين) مع محيطنا المجتمعي نتقبل فيها الآخر ونحترم خصوصيته واختلافة (وعلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني) نكون مشاركين فاعلين نعزز فيها دورنا السياسي والاجتماعي (وعلاقة مع الدولة) من خلال احترام حقوق المواطنة والمشاركة السياسية من خلال الأحزاب ومؤسسات الديمقراطية.

الثورة هي من أجل تأسيس (عقد اجتماعي جديد)، هي من أجل ثورة حقيقية، ثورة توفر رؤية سياسة بديلة قادرة على تقديم برنامج واضح يشكل أفقا للتغير وملاذا لتحقيق طموحات الشباب المطالب بالتغيير الشامل، وليس من اجل إصلاح قد يوفر بعض الحريات من دون ضمانات يؤسس لها التوقيع على عقد اجتماعي حديث. إن نزع رأس النظام وحده غير كافيا كما حدث في بعض الدول العربية، الثورة تتطلب من الشعب توقيع عقدا اجتماعيا جديدا، تتطلب رؤية ثورية عارمة تؤسس لتعاقد اجتماعي جديد من خلال توافق على برامج سياسية واضحة المعالم والرؤية وقريبة من نبض الشارع، وصوت الشارع، وطموح الشعب الذي يواجه الموت والقمع والظلم من اجل دولة تحترم حقوقه وكرامته وإنسانيته.

**********************

1- نحو عقد اجتماعي جديد: إعﻼن مبادئ أساسية من منظمات من المجتمع المدني في المنطقة العربية، صدر هذا اﻻعﻼن عن اجتماع اقليمي بعنوان "مسارات التحوﻻت الديمقراطية والتنمية العادلة في المنطقة العربية: نحو بناء الدولة المدنية وتأسيس لعقد اجتماعي جديد"، والذي عقد بدعوة من شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، و المعهد العربي لحقوق اﻹنسان، وذلك في القاهرة يومي اﻻحد واﻻثنين في 29 و30 مايو 2011،
2- د.سحر الطويلة : "الربيع العربي" أسقط العقد الاجتماعي القائم اضاءه نحو اشراقة عربية، 2012
3- عبد الحفيظ العبدلي، الثورات العربية شكلت قطيعة.. لكن عمليات الإنتقال لن تكون سهلة"، سويس أنفو 2012
4- أحمد الدلباني، عن الثورة العربية وأسئلة العقد الاجتماعي الجديد ..قد يعود البرابرة، الحوار المتمدن
5- العقد الاجتماعي، المفهوم ، فيديو 2012.
6- فتحي سيد فرج، العقد الاجتماعي الجديد، الحوار المتمدن، 2008
7- سيد يسين، تعديل دستوري أم عقد اجتماعي جديد في مصر، أخبار الديمقراطية، 2007
8- فتحي سيد فرج، العقد الاجتماعي الجديد، الحوار المتمدن، 2008
9- المرجع السابق.
10- اأحمد يوسف القرعي ، لدولة والمواطن‏..‏ وعقد اجتماعي جديد، 2011
11- عبد الرحمن تيشوري، العقد الاجتماعي في الفلسفات السياسية الأوربية
12- ا حمد غرار، الإنسان الطبيعي والإنسان السياسي من العقد الاجتماعي إلى إعلان حقوق الإنسان
13- تقرير تحديات التنمية العربية: نحو دولة تنموية في العالم العربي (2011)، مكتب الأمم المتحدة الإنمائي
14- د. طه عبدالعليم، الحق في التنمية الاقتصادية، الأهرام
15- تقرير تحديات التنمية العربية: نحو دولة تنموية في العالم العربي (2011)، مكتب الأمم المتحدة الإنمائي
16- عبد الله تركماني، العرب والحاجة إلى التنمية الشاملة، الحوار المتمدن، 2009
17- علي أسعد وطفه، الاستلاب الحقوقي للإنسان في العالم العربي، موقع المستشار 2011
18-عبد الحق لبيض، أي سؤال لسؤال المشاركة السياسية في العالم العربي، الحوار المتمدن، 2008
19- خالد المعيني ، بعيدا عن الاستنساخ والتلاعب الخارجي وترف الصالونات الفكرية، 2012
20-عبد الله التركماني، التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية، الحوار المتمدن، 2009
21-عبد الله تركماني، العرب والحاجة إلى التنمية الشاملة، الحوار المتمدن، 2009
22- مبار متطلبات انتقال الآمن للسلطة في دول الربيع العربي، جريدة السياسة.
23-العقد الاجتماعي والانتقال إلى مجتمع ديمقراطي، الأهرام
24- مبارك محمد ،متطلبات الانتقال الآمن للسلطة في دول الربيع العربي
25-هشام اخوزام التنمية البشرية وربطها بحقوق الإنسان، 2007
26- هشام اخوزام التنمية البشرية وربطها بحقوق الإنسان، 2007
27- يحي الجمل، نحو عقد اجتماعي جديد، 2011
28-هشام اخوزام التنمية البشرية وربطها بحقوق الإنسان، 2007
29-إعلان الحق في التنمية، اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 كانون الأول/ديسمبر 1986
30- ناديا أبو زاهر، الحق في التنمية، الحالة الفلسطينية نموذجا،
31- الدكتور عمر الرزاز، الطّريق الصّعب نحو عقد اجتماعيّ جديد: من دولة الرّيع إلى دولة الإنتاج"،
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 24 آذار 2012
32- خالد الحروب، عقد اجتماعي عربي جديد، الحوار المتمدن، 2012
33- مبارك أحمد مبارك ،متطلبات الانتقال الآمن للسلطة في دول الربيع العربي
34-صلاح عبد العاطي، المشاركة السياسية في المجتمع العربي، الحوار المتمدن، 2007
35- عليا رافع ،العقد الاجتماعي الجديد : احتواء أم تمكين؟
36- عطية الحسن افندي، العقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع‏..‏ ماذا يعني؟
38-ليث زيدان، ماذا نريد من العقد الاجتماعي ؟ الحوار المتمدن، 2007
39- نبيل علي صالح، أولويات الثورات العربية الراهنه، التنمية السياسية والحداثة العقلية، الوحدة الإسلامية، 2011



#شذى_ظافر_لجندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - شذى ظافر لجندي - نحو عقد اجتماعي جديد يعتمد الحقوق والتنمية