أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر كريم - تحية للسيستاني وأمنية















المزيد.....

تحية للسيستاني وأمنية


ثائر كريم

الحوار المتمدن-العدد: 1124 - 2005 / 3 / 1 - 12:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يظهر في العراق الحديث - على خلاف بلدان عربية واسلامية- علماء مسلمون يرفعون راية تجديد الاسلام لاستلهام روحه بهدف تحديث المجتمع ودفعه باتجاه استبطان قيم التسامح والعدل والديمقراطية. رفاعة رافع الطهطاوي، محمد عبدة، عبدالرحمن الكواكبي، رشيد رضا وآخرون سواهم... اسماء لمعت في مصر وبلاد الشام منذ اواخر القرن التاسع عشر. في المغرب العربي برزعبد الحميد باديس وعبد القادر المغربي. وهناك غيرهم آخرون في باكستان والهند وايران.
إلا العراق. استوطنت الطائفية وأختطفت نسيج فكر سكانه سياسيا واجتماعيا وفكريا كل من العشائرية والقومية والشيوعية والطائفية المذهبية والسلفية الاسلامية. كماعرفت البلاد الناس شيئا من اللبرالية والوطنية. ولكنه لم ينجب-رغم مسيس الحاجة التاريخية الكبرى- فقه وفقهاء اسلاميون يضعون روحهم في العدل والمساوة السياسية. في الحريات المدنية والسياسية. في الانتخابات والشرعية الدستورية. في التعددية ودولة القانون. فقهاء يعضون الناس بالقول والعمل، في الفكر والتطبيق، كيف ان هذه المفهومات تعكس جزءا بالغ الاهمية من روح الاسلام ومعناه. بل انها من اساسيات الحياة المعاصرة، للمسلم وغير المسلم.
تمنيت (مع آخرين كثيرين) ان يتهيأ آية الله احمد علي السيستاني لقلب الصورة وتبوأ الصدارة الاولى لارجاع الاسلام انطلاقا من بلاد العراق الى اصله الروحي: دين الانسان وضميره مع نفسه ومع ربه، دين لله. وتمنيت، ايضا، ان يدفع المرجع الكبير المذهب والهوية والطائفة دفعا الى العصر: تنوعات داخلية في وطن للجميع.
لاسباب محددة كان السيستاني مهيأ لذلك في زمن ظل فيه البعض ينتج آليات الكوابح والعودة للوراء السلفي، اعادة للدين سطوة سياسية قسريا وللدين سلطة مفروضة عمياء فوقيا. وبعض آخر لم يكلّ في وصف كتائب الارهاب الاعمى والعنف الدموي في مدن العراق المختطفة بالمقاومة الشرعية.
فثمة خط فكري ثابت قوامه الحكمة والعقلانية السياسية ينتظم سلوكيات السيستاني وطروحاته منذ الاطاحة بنظام الشمولية الطائفية. فمنذ الايام الاولى للاحتلال شدد السيستاني- رغم الاستفزازت المتكررة من اطراف عديدة- على ضرروة جعل العمل السياسي السلمي وسيلة نقل السلطة الكاملة للعراقيين. جعل ذلك رفضا قطعيا للعنف طريقا في بناء عراق ما بعد صدام حسين والاستبداد. وظل السيستاني يردد بقوة ان الانتخابات هي الطريق الوحيدة لقيام شرعية الحكم السياسي وقيام الدولة العراقية. وظلت فتاواه تنضح بروح الهوية العراقية والانسان العراقي والبلاد وطنا لكل العراقيين.
وحتى مواقف السيستاني المتعلقة بالاوضاع السياسية في العراق فهي مطروحة في اطار النصح والأرشاد والرغبة الفردية وليس بالالزام القسري والجمعي. وفي طروحاته النظرية وسلوكياته العملية رفض لنظرية ولاية الفقيه وتبنى واضح لنظرية ولاية الأمة على نفسها. فيها القناعة بان العبادات لا تدخل ضمن مواقف وبرامج الاحزاب السياسية. وفيها الرؤية ان على الدولة واجب ضمانة حرية ممارسة العبادات لكل الناس. وفيها الامل ان العراق مكون جامع من اجناس ومذاهب وطوائف وقوميات مختلفة لا ضامن للسلام لها سوى دولة وطنية واحدة تقوم على المساوة السياسية. وان الدولة وحدها هي من يحتكر مؤسسات العنف.
كنت ارى موقف السيستاني تاريخيا، يذهب ما يذهب اليه، بالتاكيد، بعيدا عن أي دوافع محكومة بتشيعه للشيعة ومساعي احزابهم خصوصا الدينية منها للاستحواذ على الدولة، كما اراد بعض المعلقين السياسيين قبل الانتخابات.
كنت ارى ان الفرق بين فقه السيستاني وسياساته وفقه ألاخرين وسياساتهم فرق ينبأ عن قطع لا سابق له في تاريخ الفكر السياسي الديني في العراق والمنطقة. قطع في طريقه الى ان يكون-بمرجعية السيستاني والمرجعيات القريبة منه- استشرافا حضاريا واسعا لفصل الدين عن الدولة. للاعلان الصريح ان الدين لله والوطن للجميع.
بيد ان ما رأيت ابان العملية الانتخابية من دخول السيد الجليل الى السياسات العراقية دخولا شيعيا بحتا ووقوفه الواضح وراء قائمة محددة بعينها يكاد يهز امنياتي. رايت صور السيد السيتساني في كل مكان مع رموز كبيرة من قائمة الائتلاف الوطني الموحد 169، قائمة المجلس السياسي الشيعي. الصورة رمز سياسي وطاقة مشحونة يمكن (في ظروف معينة) ان تدفع بالملايين الى تبني سلوك واحد بعينه. ورايت تداخلا متلازما وتناغما بين وكلاء السيد ومرشحي القائمة للانتخابات. تناغما قائما على الدعم المتبادل معنويا وسياسيا. رأيت وشعرت ان ثمة عودة ممكنة للطائفة على حساب الرسالة التاريخية للسيد السيستاني.
لا اتردد في القول ان في صلب برنامج الائتلاف قيم حضارية تنبو عن حيوية واضعيه في استرشادهم بدروس الاستبداد والشمولية الفردية استرشادا ديمقراطيا وعصريا. ولا اقلل من الدور التعبوي الكبير لاطراف كبيرة من قائمة 169 ولا من تاريخهم الوطني في مقارعة الشمولية الطائفية. ولا اريد التشكيك بصدق نواياهم في جعل الوطن العراقي وطنا للجميع واخضاع شيعيتهم لمنطق دولة القانون في العراق.
ولكن، في اللحظة التي استخدم فيها الائتلاف (الموسوم اصلا بهوية اسلامية شيعية) المرجعية الدينية استخداما واسع النطاق بما يضمن وقوف الملايين وراءه فان اختطاف الهوية العراقية طائفيا ودينيا شيئا قائما. كما ان عرقلة مسيرة ترسيخ مبدأ الدين لله والوطن للجميع عرقلة دينية واقعا محتملا.
فهل ان المسالة، كما تبدو لي (وارجو ان اكون مخطئا) ان المرجع الكبير لم يثبت لضغوطات القوى السياسية الشيعية ومغريات تثبيت سلطة المرجعية في وقوفه الصريح وراء قائمة الائتلاف؟ وكيف سمح وكلاء السيد ان يخرج اسمه وتظهر صورته في كل مكان سوية مع قادة سياسيين ميدانيا؟ وهل ان اسم السيد السيستاني وصورته قد استغلا، عمليا في سياق عراقي معقد (كان فيه المرجع الكبير صمام امان لضمان عقلانية سلوك الاغلبية الشيعية والتزامها بمسيرة العملية السياسية سلميا) لصالح منافع سياسية محددة لقائمة بعينها؟ وهل اقتنع خط السيد السيستاني، حقا، بالتأويل السياسي المطروح – وهو تأويل خاطل في صلبه- بان الائتلاف يمثل الهوية العراقية تمثيلا كليا بما يستدعي دعمها بالذات؟
وهل يمكن القول ان نجاح قائمة المجلس السياسي الشيعي 169 تنبىء عن خسارة السيد السيستاني لحياديته السياسية وتخليه عن صورة روح العدل لكل العراقيين بلا تفريق بين طائفة واخرى؟
وهل يتحتم علي ان اخنق تمنياتي باحلال مرجعية الامة محل مرجعية الفقيه؟
لا زلت اتمسك بقناعة المتأمل ان مرجعية السيستاني ومن سيخلفه ستمضي قدما في ترسيخ الشرط الاول من شروط سيادة تحكيم العقل والضمير: استقلالية فكر الانسان وحريته المعرفية. استقلاليته في التفريق الذاتي بين الخير والشر. واستقلاليته في تمرير افكار الاخرين وتصوراتهم عن الواجب والضرورة عبر فلترات عقله وضميره. استقلالية فكر الانسان وضميره كضمان لنبذ الطاعة الجاهلة لما ياتي من فوق. كضمان لمسؤوليته الذاتية عن مصائره وبلده.
ولازلت ارى افق المرجعية الشيعية منفتحا على امكانية التحول الى سند لمسيرة كل العراقيين في حكم انفسهم سياسيا بانفسهم وفق قواعد العدل والمساوة السياسية وبلا تدخل من سلطة دينية او ما ورائية. آمل ان لا اكون مخطئا.



#ثائر_كريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعب حي تكلم بلغة السلام، فماذا ستقدم الحكومة؟
- الانتخابات مهمة و هناك أشياء أكثر أهمية
- هل ان قدر فكر اللبرالية في منطقتنا ان يكون تابعا او عدميا؟
- لا خير في بوش بعد اسقاط صدام حسين
- حتى لا يخرب الدفاع الاعمى عن سياسات بوش روح اللبرالية: ردا ع ...
- تكوين الدولة والهوية الوطنية العراقية ومسؤولية الفعاليات الس ...
- نحو اعادة تقييم انقلاب 14 تموز 1958 في افق الديمقراطية والاص ...
- القوى السياسية في العراق ومستقبل الهوية الوطنية العراقية 2-2
- القوى السياسية في العراق ومستقبل الهوية الوطنية العراقية 1-2
- نحو اعادة تقييم المجالس التمثيلية في العهد الملكي
- هل سيتحقق مشروع الدولة الوطنية في العراق يوما ما؟
- كيف يتعامل الماركسيون العرب مع انهيار النموذج الاشتراكي الاو ...
- كيف يتعامل الماركسيون العرب مع انهيار النموذج الاشتراكي الاو ...
- كيف يتعامل الماركسيون العرب مع انهيار النموذج الاشتراكي الاو ...
- ما تأثير الراسمالية والطبقة الوسطى في انجاح الانتقال للديمقر ...
- اجتثاث البعث بين التسرع المرتجل والنقد الغاشم
- لا معنى لمحاكمات نظام صدام حسين بدون ترسيخ الولاء لدولة القا ...
- من يقود الارهاب في العراق: بعثيو صدام حسين ام الاصولية الاسل ...
- هل هناك افق للتغيير الديمقراطي في العراق؟


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر كريم - تحية للسيستاني وأمنية