أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلود العدولي - يوميات هائمة في شوارع العاصمة















المزيد.....

يوميات هائمة في شوارع العاصمة


خلود العدولي

الحوار المتمدن-العدد: 3861 - 2012 / 9 / 25 - 01:08
المحور: الادب والفن
    


غبار متوحش يلفح المدينة...إنقطع التنفس في هذه الشوارع..وحدها الغازات تطلق روائحها النتنة.الشوارع تلفظ هذه الكائنات السريعة.يا آلاهي!إنها تمارس السرعة كما يمارس الريح فعله في شجرة.الشوارع في حصار صارخ تمتلأ بالزوايا و بالروائح البشرية الخانقة.العرق بخور العاصمة في هذا السير اليومي.في هذه المدينة و على هذه الأرصفة صار الهواء مجرد دعابة!في هذه العاصمة المغلقة ينتشر الباعة على الأرصفة في توتر متذبذب.في ركن ما يبيع الأولياء الصالحون قنينات العطر الشرعي و بعضامن البخور الحلال المستورد.أما في الزاوية الأخرى فتباع كتب الجنة و المصير:"تعلم منهاج الصراط المستقيم" "العائلة الإسلامية و قواعدها""فتاوي الطريق إلى الجنة" "فنون التلاوة"و كتب أخرى تمنح صكوك الغفران و التوبة بمجرد ملامستها .
مل الشارع الإهتزاز المتواصل مل هذا السباق الشرس الذي يعقد فيه كل يوم...مل وقع الأقدام التي توقعه في صخب عسكري خارج عن كل القوانين.الميترو تعلم الشتم و الصلاة!يشرب مع الشاربين و يتلوا المعوذتين بعد السكر!الساحة الكبيرة تشكوا من هذا الشجار اليومي الذي يلفها.هذا سلفي!هذا بوليس سياسي!هذا تقدمي!هذا حداثي!ما الفرق بين الحداثي و التقدمي؟ ماهو طول اللحية المطلوب للسير على خطى الرسول؟هذه أصوات عديدة مختلطة إختلاطا مفزعا يخرج من بينها اصوات دامعة:من أين سنأكل الليلة؟و أين يباع اللحم الرخيص؟.المقاهي تفتح ذراعيها للميتين من كل صوب:يحرق "المناضل"كومة سجائر و يلعن حتى القيء و يتأخر على موعد النقاش و يضرب موعدا للشرب في المساء.
في المقاهي نضحك من المأساة و نسكر من عمق الضياع الذي فتك بنا.نحاول أن نجعل من الرئيس الجديد أضحوكة و مهرجا:برنسه،نبرته،نظاراته العملاقة،وكلماته الجنونية.في المقهى بين الخناق الذي يمارسه العابرون و بين دخان السجائر الرخيصة نصنع الثورة الواهمة فوق الطاولة:بالصراخ بالحلم بالشكوى بالغرق في الإديولوجيا و بعبر التاريخ بالتحليل العلمي و الإقتصادي و السوقي و الشعبي و النخبوي،بالتبسيط و التعقيد إلى أن نصل إلى الوهم فالوهم وحده إديولوجيتنا.العاصمة تموء تعوي و تتخبط .ترقص رقصا سيئا بلا خطوات على وقع نغم الشتم الذي صار مقفى بالريق التونسي.تتلوى العاصمة في هذا المخاض اليومي و لا تلد غير الآلم المختبئ في الزوايا...لا تلد غير الآمال المعلقة على مستقبل غير مرئي
العاصمة لا تنفك عن إصدار الأصوات و لاتصمت...تخبئ إغوائها السابق و تلبس ثوبا أسود من أجل هذا المأتم اليومي السريع!في المساء تسرق القبل في الشوارع و تمتص الغضب الشعبي الذي إنقلب إستهتارا! تظيف هذه القبل ثقبا على صدر الثوب المأتمي من أجل هيبة الحب من أجل الهواء الذي صار معجزة في مدينة لا تتنفس..
احدثكم بالأمل من وطن اللأمل,هنا تحتل الوجوه الصفراء ساحة المدينة تصاحبها همهمات ما و لحن من الحان الشتم و السباب .على هذه الطرقات الضيقة بالجثث المارة أصاب بداء التذبذب...ابحث عن ركن صادق في مدينة يبنى فيها السور من دون رخصة.أبحث عن نسيم خال من سم الكذب المستمر..السادة هنا متحصلون على المجيستار في فنون تزييف الحقائق و مغالطة الرأي العام أما العبيد فهم ناجحون بالجملة في شهادة الرضوخ بل و هم متحصلون أيضا على لإمتياز العالمي في ثورات اليسامين بشتى وسائل الحرق و الضرب و الصراخ لكن هذه الشهائد لم تكن مرفوقة بضمان.
أحاول الخروج عن الخط التحريري لإعلامنا الجديد من خلال الصدق في نقل هذه الأسطر أو بالأحرى يوميات هذه الأنثى الهائمة في شوارع تونس الدامعة...أحاول ممارسة العدالة الإنتقالية من خلال نقل النص الأدبي من المجاز إلى قلب الشارع..من الوهم و الخيال إلى صميم الإسفلت و جوهر المستنقعات التي نغرق بها كل يوم.نحن نحب هذا الوطن حتى و إن كنا نغترب فيه كل يوم أكثر.نحن نغار على هذا الوطن حتى و إن صارت تربته و جباله و هضابه و سهوله و حيواناته و سمائه و نسيمه هو وحده ما يمثل إنتمائنا له.نحن هنا في هذا الوطن مذنبون دوما و كافرون كل لحظة و خائنون لحظة بعد لحظة,نحن لا نكاد نخرج من دائرة الإتهام و من دائرة المأساة ايضا؟؟؟
أي طريق هذا؟؟ألم تكن انقسنا هي الوطن في حد ذاته؟؟لما يصرون على نحت شكل جديد لتونس؟؟شكل لا يحتوي شكلنا؟؟هذا الوطن لم يكن عدونا و هو ليس عدونا إلى حد الآن,فلما يصرون على خلق هذه العداوة بيننا و بينه؟؟في هذه الايام صرنا نختنق من ضيق الإنسان في شعبنا...إيه غادرنا فتات الإنسان الذي كان في شعبنا..وصرنا نبني طرقاتنا بالكذب و نمارس مواطنتنا بالكذب و نبني الجمهورية الثانية بالجمهورية الأولى و اسسها.صرنا نتاجر بالجريمة و نحل أزماتنا النفسية في الشارع و نمارس جميع أنواع العاب القوى مع اقرب الناس إلينا.إلى اي مستقبل نتجة؟؟ربما هذا هو السؤال الذي لازلنا غافلين عنة إقتداء ربما بشريعة تحرم إستشراف المستقبل كما يحرمون النشرة الجوية.أصحاب الكراسي اليوم يطرحون مواضيع القرن الرابع للهجرة من اهمية العقل و النقل و علم النحو و البلاغة و فن الخطابة و منازل الشعر و الشعراء و هم يطرحون كل هذه المواضيع في نشرة"أزمة الدين و العرق و الهوية في حياة التونسي".
في ظل دولة "ألف كذبة و كذبة" كان ينقصنا جاحظ ما يتحفنا بفنون نوادر الكذابين و الكذابات و الزائفيين و الزائفات عوضا عن البخلاء فالبخل عندنا ظاهرة عادية تمارسها حتى الدولة"نموذجنا الأول" في إطار سياسة تسمى "بالتقشف"
البطون في وطننا لم تحرك عقولا بعد بل حركت أجسادا تمارس العنف...البطون في وطني عقل يمارس الجنون للتسول؟؟نحن هنا نقتات من خبز بعضنا البعض و ننظر في المساجد للتكافل و الإيثار.أمسك هشاشتي لأنتشلها من إحتضار الإنسان في وطني...أحاول أن أجنبها مرارة الماتم الأسود بمراسمهم.أحاول بعث الأمل في رضع يراقبون العاصمة في تعجب...يحاولون تحليل الوضع بعقولهم الصغيرة و نظراتهم الواسعة ثم اضحك؟؟ربما يتعب هؤلاء الصغار في البحث عن حقيقة ما يحدث في الوطن أكثر مما يفعل هؤلاء "المواطنون"...ابحث بفضوليتي الطفولية عن آثار الحب في شوارع العاصمة فيصيبني دوار ما ...أكاد أحفر قبري بنفسي...يا إلاهي أيتعلم الرجال الكذب عن الوزير؟؟؟و لما كل هذا الكلام المنقول عن النسخة المدبلجة من مسلسل تركي ما...و لما تقلد النساء تمايلات فقاقيع فنية مقنعة؟؟؟أنا أحتضر و أبحث عن عناق صادق من رحم قلبين ساخنين هنا في قلب العاصمة المنقبة؟؟بينما يستمر تسكعي في هذه الشوارع يستمر إرتجاف الأمل الذي أكتب به هذه الأسطر...و أحاول ختم أسطري لا بعبارات الصدق التي يغرق فيها الوطن من "يا صادق" و "صدق الله العظيم" إلى"صدقت ايها الأخ" و ما تعبر عنه من سمو في معيار رشتر للصدق عن ابناء وطني بل بأمل كبير في أن نبعث يوما ما ذاك الإنسان فينا من جديد



#خلود_العدولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى حلاق باب الخضراء
- مدخل للتفكير في سؤال ما الكتابة؟؟
- اللقاح الذكري
- بين البحث عن الذات و واقع البينذاتية
- إقرأ لأحبل بكتاب
- إلى طفلي
- فوضوية أنثى.....عشوائية صارخة
- النفس الانتحاري في الرواية اليابانيّة
- حانة الكلمات
- جيل البيت في الرواية الأمريكية -the beat generation-


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلود العدولي - يوميات هائمة في شوارع العاصمة