أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نورالدين علوش - حوار مع المفكر السياسي الدكتور عصام عبد الشافي















المزيد.....



حوار مع المفكر السياسي الدكتور عصام عبد الشافي


نورالدين علوش

الحوار المتمدن-العدد: 3859 - 2012 / 9 / 23 - 19:05
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع المفكر السياسي الدكتور عصام عبد الشافي(اجرى الحوار نورالدين علوش)

الجزء الأول :
• بداية من هو الدكتور عصام عبد الشافي؟
باحث ومفكر سياسي وأكاديمي مصري، يعمل أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، جمهورية مصر العربية، حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، بتقدير ممتاز من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، عن موضوع "الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي"، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، تخصص علاقات دولية، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف والتوصية بطبع وتبادل الرسالة بين الجامعات المصرية والأجنبية حول موضوع "البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية"، من جامعة القاهرة أيضاً.
له العديد من الاسهامات الفكرية والبحثية في العلوم السياسية بصفة عامة والعلاقات الدولية بصفة خاصة، تتوزع بين الكتب المطبوعة والدراسات المنشورة وعشرات الحوارات والتحقيقات والمقالات والبحوث وأوراق العمل المقدمة فى أكثر من ثلاثين مؤتمرا علمياً في عدد من الدول العربية والأجنبية.
• شكلت الثورات العربية منعطفا تاريخيا بكل المقاييس, في نظركم ما هي المقاربات الناجعة لقراءة هذا الحدث التاريخي؟
الثورة في أحد معانيها، هي الإطاحة بنظام سياسي اجتماعي اقتصادي واستبداله بنظام مختلف تماما عن طريق حركة شعبية عارمة أو عن طريق العنف المسلح. وقد تكون الثورة ضد محتل أجنبي (كالثورات الأمريكية والجزائرية والفيتنامية) وقد تكون ضمن حدود البلد الواحد وموجهة ضد طبقة أو سلطة حاكمة تلحق أضرارا بغالبية أبناء الشعب، فيقوم الشعب بالإطاحة بتلك الطبقة الحاكمة بشكل جذري واستبدالها بنظام بديل مغاير في الاتجاه والأيديولوجية والبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
والثورة وحدها هي التي تؤسس لوضع جذري شامل على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتستغرق سنوات للوصول إلى حالة الاستقرار، حسب ظروف البلد الذي انطلقت فيه والقوى القائمة عليها والمستفيدة من نجاحها والقوى المضادة التي تحاول عرقلتها. فقد استغرقت الثورة الفرنسية نحو عشر سنوات للاستقرار والثورة البلشفية نحو خمس سنوات والثورة الإيرانية نحو سنتين، وقد سقط آلاف الضحايا قبل الوصول إلى حالة الاستقرار.
وقد شهدت المنطقة العربية مع نهاية عام 2010، بداية عدد من الثورات والانتفاضات والحركات الاجتماعية، التي تراوحت بين السلمية والعنيفة، سواء من جانب القائمين بها أو الداعين إليها، من ناحية، أو من جانب ردود الفعل الرسمية ممثلة في النظم السياسية القائمة، من ناحية ثانية، ورغم تعدد الدعوات للتغيير والإصلاح في معظم، إن لم يكن كل الدول العربية، خلال الفترة محل التحليل، فإن هناك حالات لثورات واحتجاجات لنظم عربية، يمكن وصفها بالكامنة، وهي تلك النظم التي تحمل في عواملها الهيكلية دواعي ومتطلبات التغيير، إلا أن آليات هذا التغيير، ومظاهره ما زالت كامنة، وغير واضحة المعالم، وغير محددة الأبعاد والخطوات.
وقد حكمت "فلسفة اللا منطق"، الثورات والحركات الشعبية العربية فى هذه المرحلة، حيث لم تسقط النظم التى كان يتوقع الجميع سقوطها، منطقياً (مثل اليمن، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير)، وسقطت النظم غير المتوقعة، كما حدث في تونس ثم مصر، ثم ليبيا. الأمر الذي يتطلب الوقوف على العوامل الهيكلية التي حكمت عملية التغيير السياسي في المنطقة العربي، والنماذج المعروضة لهذا التغيير، وأنماط الاستجابات الرسمية (الداخلية منها والخارجية)، والسيناريوهات المحتملة لمستقبل النظم السياسية العربية، وتداعيات ذلك الإقليمية والدولية.

• الكثير من المحللين اعتبروا تلك الثورات فريدة في نوعها باعتبارها ثورات بدون قيادات وبدون اديولوجيات؛ فهل نحن أمام قيادة ريزومية بالمعنى الذي يعطيه الفيلسوف الفرنسي دولوز؟
الثورة عند جيل دولوز "خط انفلات يندلع في لحظة دقيقة تتكاثف فيها، بشكل استثنائي ولحظي، عوامل عدة كامنة ومتواجدة مسبقا إنما بشكل غير ممركز"، وتتفق الثورات العربية في الكثير من سماتها مع المنطلقات الفكرية التي قال بها دولوز، فهذه الثورات اتسمت بعدد من بعدد من الخصائص والسمات التي تشكلت من البيئة التي انطلقت في إطارها وما تتضمنه هذه البيئة من محددات وأسباب ودوافع، ومن بين هذه الخصائص وتلك السمات:
1ـ التشابه في عوامل التغيير: حيث جمعت بين البلاد التي شهدت مدا ثورياً فاعلاً، الدوافع المحفزة على الانفجار الثورى كالفساد السياسي والاستبداد والهيمنة الكلية على مقاليد الأمور في البلاد، وتحول الحكم بمرور الزمن إلي حكم العائلة التي تدير البلاد وتمسك بالاقتصاد وتجنى مليارات الدولارات من مشاركتها المباشرة في كل مشاريع الاعمار والتسلح والتجارة والاستيراد والتصدير في كافة المجالات. والتشابه كذلك في مشروعات نقل وتوريث السلطة. وكذلك التشابه فى سياسة التبعية للولايات المتحدة الأمريكية دون أي اعتراض علي ما تقوم به من ممارسات أو ما تتبناه من سياسات.
2ـ أن الشعوب العربية كسرت حاجز الخوف، فهذا هو التغير الإستراتيجي الرئيس، فقد كانت الشعوب محكومة بالخوف، وبالأجهزة الأمنية وبالفقر، وعندما استطاعت أن تكسر هذا الحاجز، انتقل هذا الخوف إلي الطرف المقابل، السلطة.
3ـ أن القوي التي قررت النزول إلي الشارع وتحدى السلطة وأجهزتها الأمنية لم تكن الأحزاب التقليدية "التاريخية" أو الحركات الناصرية أو القومية، أو حتى الحركات الإسلامية، وإذا كانت هذه القوي قد التحقت بالمظاهرات ونزلت بقوة إلي جانب المتظاهرين، وساهمت في إنجاح الثورة، فإنها لم تكن منشئة الثورة، ولم يكن لها دور في قيادتها وتوجيهها عند بدايتها.
4ـ أن الشباب الذي بادر إلي الاحتجاج الذي تحول إلي ثورة في تونس ثم في مصر ثم انتقل إلى العديد من الدول العربية، هو جيل متعلم ومثقف، يتقن أكثر من لغة ويعرف التواصل مع العالم، جيل الحداثة والتكنولوجيا، الجيل الذي لم يشهد الهزائم العربية، بل شهد زمن التراجع الأمريكي في العراق وفي أفغانستان وهزيمة إسرائيل في لبنان وصمود حماس في غزة. ونجح في استخدام تقنية التواصل الإلكتروني، بنقل التجارب والخبرات الغربية والدولية في التظاهر والاحتجاج دون أن يتوقعوا في البداية أن يتحول الأمر إلي ثورة.
5ـ التشابه في التحديات: حيث تتشابه الثورات العربية في التحديات التي تواجهها، والتي من بينها:
(أ) تحدي البعد الاستراتيجي المستقبلي: فالثورة باعتبارها حركة جماهيرية تدعو للتغيير الشامل تقع في مأزق الغرور, خاصة إذا واجهت نظماً ضعيفة, وانهارت تلك النظم بسرعة, ومن ثم تتصور الحركة الثورية أن تغيير المجتمع مسألة بسيطة. وهنا يظهر تحدى النظرة المستقبلية لتطور المجتمع, فتغير المجتمع ثقافياً واجتماعياً ليس مسألة سهلة, وهذا البعد الاستراتيجي المستقبلي يحتاج لتطور التركيبة الذهنية والسلوكية للمجتمع ويحتاج لوقت طويل.
(ب) تحدي العقيدة السياسية: فكثير من الثورات يغيب عنها البعد الإيديولوجي المتكامل، والعقيدة السياسية والفكرية المشتركة التي تلتف حولها مختلف الفصائل والتيارات
(ج) تحدي القيادة: حيث تشترك هذه الثورات في غياب القائد أو الموجه أو المرشد أو الملهم، سواء كان شخصاً أو حزباً أو تياراً أو مؤسسة، وهو ما ترتب عليه تشرزم في عناصرها وتياراتها، وسهولة اختراقها، في ظل تعدد الانتماءات، وتغليب الآني على المستقبلي، والشخصي على الوطني.
6ـ بروز الدور الحيوي للإعلام بكافة أشكاله ووسائله، في تنوير وتثقيف الشعوب، وفي الحشد والتعبئة، فقد لعب الإعلام الجديد والتقليدي، دوراً رئيساً في هذه الثورات، إذ كان هو الأداة الرئيسة في الثورتين التونسية والمصرية، وكان تأثيره واضحاً في تعبئة طاقتها وتعزيز مكتسباتها، بحيث نجحتا بدون عنف وانقسام في المجتمع، كما كان لهذه الوسائل دورها في في انتقال هذه الثورات من دولة إلى أخرى ومن إقليم إلى آخر داخل نفس الدولة.
7ـ ضعف البناء السياسي في الدول العربية، وتمحورها حول شخص القائد أو الرئيس، وعدم تطور البناء السياسي إلى بناء مؤسساتي، يستطيع أن يقدم من خلاله، الأفكار والنصح والرؤى للمؤسسة السياسية، ولذلك تضعف الحكومة في حال ضعف الرئيس، وكذلك عدم استطاعتها مواجهة الضغوط الدولية، بشكل فاعل لأن قراراتها فردية وتتمحور حول رأس الهرم السياسي.
8ـ أنها أبرزت أهمية الحاجة للإصلاح ومواكبة التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأهمية التنمية المستدامة في الدول العربية، والتي تركز على تنمية الإنسان، خصوصاً في الجانب التعليمي، وتطوير مصادر الدخل الفردية والمجتمعية.
9ـ أن هذه الثورات أبرزت أهمية الرأي العام المجتمعي، وضرورة وجود مؤسسات فاعلة المجتمع المدني، تساعد في اتخاذ الرأي الصحيح والقرار الصائب، وتستطيع من خلال هذه المؤسسات الحكومات أن تحاور الجميع، وكذلك إصلاح مؤسساتها بناء على ما يتطلبه الرأي العام.

• هل تتفقون مع الباحثين الذين يقولون بان المستفيد الوحيد من هذه الثورات هم الاسلاميون؟
غير صحيح أن الإسلاميون هم فقط من استفاد من الثورات، فكل التيارات والقوى الشعبية والوطنية قد استفادت من الثورات بشكل أو بآخر، من خلال التمتع بمعدلات أكبر من حرية الحركة والتنظيم والحشد، ولكن مع الفارق أن عدد من القوي الإسلامية كانت أكثر تنظيماً وأكثر خبرة من بعض القوى الأخرى في عدد من الدول العربية، وهو ما ساعدها على تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهد تها بعض الدول، ولكن المرحلة القادمة، ومع اتجاه التيارات السياسية بتوجهاتها المختلفة نحو توحيد الصف وتنسيق الجهود، ستشهد ما يمكن وصفه بترسيخ الأوزان النسبية لهذه القوى على الأرض، وإن كنت أعتقد أن التيارات الإسلامية ستبقي لفترة تتمتع بتفوق ولو نسبي في مواجهة هذه القوي.


• ما هي انعكاسات الربيع العربي على منطقة الشرق الأوسط سياسيا واستراتيجيا؟
ترتبط آفاق الثورات العربية، وانعكاساتها سياسياً وإستراتيجياً، بالعديد من الاعتبارات:
أولاً: الاعتبارات الدولية:
حاولت بعض التيارات الفكرية إثارة فرضية أن ما حدث من ثورات عربية جاء بتخطيط من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي أرادت التخلص من الحكام الذين باتوا عبئاً عليها وعلي شعوبهم، وأن الولايات المتحدة هي التي أرادت التغيير لكي تبقي المنطقة تحت السيطرة بدلاً من سيطرة قوي أخري علي مقدرات الأمور.
إلا أن هذه الفرضية لا تتفق وتحولات السياسة الأمريكية في المنطقة وفي العالم، والتراجعات التي شهدتها خلال العقد الماضي. هذا التراجع الذي يعترف به الأمريكيون في العديد من المواقع سواء من صناع القرار أو من مراكز الأبحاث ومؤسسات التفكير أو من الباحثين والمحللين، ومن أدلة هذا التراجع، إخفاقات القوات الأمريكية في العراق، والفشل الذي منى به المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد، والعجز الأمريكي عن السيطرة علي أفغانستان، أو القضاء علي حركة طالبان، وكذلك العجز عن وقف البرنامج النووي الإيراني رغم العقوبات الدولية المتكررة علي إيران، وتصريحات الرئيس الأمريكي، في أكثر من مناسبة، أن الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها أن تدير العالم بمفردها وأنها باتت تحتاج إلي تعاون الآخرين معها. وهو ما حدث بالفعل فقد اضطرت إلي الاستعانة بالصين لمواجهة الأزمة المالية، واستعانت بروسيا لتوفير طرق إمداد لقواتها إلي أفغانستان، واستعانت بإيران لتوفير انسحاب آمن لقواتها من العراق.
كما أن قدرة الولايات المتحدة لم تعد كما كانت لا في صناعة الرؤساء ولا في الاحتفاظ بهم. والأمثلة كثيرة في أمريكا اللاتينية، التي يعتبرها الكثيرون "حديقة الولايات المتحدة الخلفية" حيث تشهد مزيداً من الاستقلال عن السياسة الأمريكية، بل ومزيداً من التعاون مع أحد من تعتبره الولايات المتحدة عدواً لها، وهو إيران، فهناك تعاون أوسع بين الأرجنتين وفنزويلا والبرازيل مع إيران، خلافاً للرغبة الأمريكية التي تريد عزل إيران ومعاقبتها. كما فشلت إدارة أوباما في تحقيق أي تقدم في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية علي الرغم من كل وعود أوباما في هذا المجال. وفشلت في وضع إياد علاوى رئيساً لحكومة العراق، وعجزت عن إبقاء سعد الحريري رئيساً لحكومة لبنان، والمحصلة أنها أيضاً عجزت عن حماية حلفائها الذين انهاروا الرئيس التونسي، ثم الرئيس المصري، ولم يكن من المتوقع أن تتخلي عنهم، بتلك السهولة التي يعتقدها البعض.
إلا أن هذا التراجع لا يعنى أن الولايات المتحدة لن يكون لها دور في التعاطي مع هذه الأحداث وإدارتها، بل ستعمل جاهدة لاستيعاب الواقع الجديد، والحد من الخسائر الناجمة عنه، والقبول بإسقاط رأس النظام ولكن مع المحافظة علي طبيعة هذا النظام، أي توجهاته الليبرالية الاقتصادية، وعلاقاته الإقليمية وتحالفاته الدولية، خصوصاً ما يتعلق منها بأمن إسرائيل وأمن النفط، ومنع الإسلاميين من السيطرة علي النظم السياسية الجديدة في مرحلة ما بعد الثورة.
ومن هنا تأتي أهمية التأكيد على أن العامل الخارجي عامل مؤثر في مستقبل الثورات العربية، وإن لم يكن في بداياتها فسيكون في نهاياتها، وسيكون الدور الخارجي في هذا التغيير، ليس فقط في النظم السياسية ولكن أيضاً في الجغرافية السياسية، فجغرافية المنطقة الحالية، باستثناء تركيا وإيران ومصر، هي جغرافية غير قابلة للإستمرار، في ظل وجود دول تمزقها التكوينات الدينية والمذهبية والعرقية والطائفية، ودول جغرافيتها ومواردها أعبائها أكبر من قدرات نظمها السياسية، ودول تسعي القوي الكبري لتقذيمها لتعارض جغرافيتها الراهنة مع مصالح هذه القوي.
ثانياً: الاعتبارات الإقليمية:
حيث يرتبط مستقبل الثورات العربية بالعديد من الاعتبارات الإقليمية، في مقدمتها:
1ـ الأدوار الإقليمية الجديدة: يرتبط الحديث عن هذه الأدوار بالدرجة الأولي بالدور المصري المرتقب، في مرحلة ما بعد الثورة، نظراً لأهمية الدور المصري وموقع مصر وحجمها وقيادتها السابقة للمنطقة والفاعلية في معظم القضايا التي تهم دول المنطقة، وعودة مصر للمكانة التي كانت عليها، قبل فترة مبارك التى تراجعت فيها، تتطلب إعادة النظر في اتفاقيات كامب ديفيد، وإعادة النظر في طبيعة علاقاتها مع القوي الإقليمية الفاعلة في المنطقة خاصة إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، بحيث تقوم هذه العلاقات على التوازن الفاعل والدقيق بما يضمن لها التأثير في مختلف القضايا والمشاركة فيها بحيادية وموضوعية، تتفق ومكانة مصر وما تنشده من دور مستقبلي.
2ـ المحاور الإقليمية: أدت الثورات العربية لسقوط المحاور التقليدية التي كانت قائمة في المنطقة، مثل "محور الاعتدال" الذي ضم بجانب مصر والأردن دول مجلس التعاون الخليجي، في مقابل ما عرف بمحور "الممانعة" الذي تأرجح بين سوريا والعراق واليمن والسودان والجزائر، وفقاً لطبيعة التحولات الدولية والإقليمية في المنطقة، وظهر في أفق ما بعد الثورات دعوات لمحور جديد يضم دول مجلس التعاون الخليجي بجانب كل من المملكة الأردنية والمملكة المغربية، يسعي لاحتواء التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السلبية التي يمكن أن تنجم عن موجة المد الثوري في المنطقة العربية.
3ـ الدور الإسرائيلي: فالكيان الإسرائيلى من أكثر الأطراف قلقاً وخوفاً من نتائج الثورات العربية، والتى كشفت عن حجم الكراهية والعداء التي تكنها الشعوب العربية لهذا الكيان، هذه الشعوب التي فرضت عليها أنظمتها التطبيع والسلام مع إسرائيل قهراً، دون مراعاة لمشاعرها ودون احترام للحقوق والمقدسات التي تنتهكها إسرائيل بشكل دائم منذ احتلالها للأراضي العربية واغتصاب فلسطين وتأسيس كيان غير شرعي على أراضيها. والقلق الأكبر لإسرائيل يتمثل في مصر، التي كانت تضمن لإسرائيل حدوداً آمنة طوال العقود الثلاثة الأخيرة، والتى لن تبقي كما كانت، بل يمكن أن تشكل أكبر مصدر لتهديد هذا الأمن، وهو ما كشفت عنه وأكدته تطورات الأحداث الحدودية بين الجانبين.
4ـ المكانة الدولية: فهذه الثورات تمثل بداية عصر جديد للشعوب العربية التي استعادت ثقتها بنفسها، وبداية لتشكيل أوضاع إقليمية جديدة، تراعي مصالح الدول والشعوب العربية بالمقام الأول، أوضاع من شأنها الحد من إستراتيجيات الهيمنة والوصاية والتدخل التي مارستها وتسعي إلى الاستمرار في ممارستها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، خاصة وأن استكمال هذه الثورات لنجاحاتها من شأنه أن يحول بين أي سلطة عربية جديدة والعودة إلي سياسات التبعية للخارج وإلي القمع والاستبداد في الداخل.
ثالثاً: الاعتبارات الداخلية:
ترتبط هذه الاعتبارات، في جانب كبير منها بالأبعاد والمكونات الثقافية والاجتماعية والنفسية في المجتمعات العربية، فمجتمعاتنا الطامحة إلى بناء الحياة الديمقراطية, والتي تجسدها ثورات الشباب العارمة والناتجة بفعل عوامل الانهيار الداخلية, إلى جانب عوامل الانفتاح على العالم المتقدم بكل ما يحمله من ثورة تقنية ومعلوماتية, وما تحمله من دوافع إنسانية، تسعي لبناء مجتمع واسع ومتسامح يسع للجميع بعيدا عن الصراعات المذهبية والعرقية والدينية والقبلية.
وهذه الثورات لا تقاتل فقط على جبهة الإطاحة بالنظم الدكتاتورية، يل أيضاً على جبهة حماية الثورة من الانحراف, والبناء والتأسيس لثقافة التسامح, والتصدى لاختراقات بعض القوي التي تسسعي لإعادة توليد أنماط من الحروب الأهلية الداخلية والحروب الإقليمية. ومن هنا فإن مستقبل هذه الثورات يبقي رهناً بقدرتها على تعزيز الإنسان الفرد ثقته بنفسه وتقديره لذاته كما ينبغي, وإطلاق قدراته في مختلف مجالات الحياة لبناء مجتمع العدالة والديمقراطية والتقدم العلمي والتقني والعيش بسلام وآمان في المحيط الوطني والإقليمي والدولي.

الجزء الثاني:
• استطاعت الأحزاب الإسلامية الوصول إلى السلطة عبر انتخابات نزيهة فما هي التحديات والرهانات التي تنتظرها؟
التحديات كثيرة، في مقدمتها القدرة على الانتقال من الفكر إلى الحركة، والقدرة على التخلص من عقدة الاضطهاد والتعاطي مع مختلف التيارات من منظور المشاركة والتعاون، وكذلك تحدي العدالة الانتقالية، وتحدي الخطاب الإعلامي المتوازن، وغيرها من أمور كشفت المرحلة الماضية عن وجود بعض القصور في التعاطي معها وإدارتها بفاعلية.


• في نفس السياق ما هو تقييمكم لأداء الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي سياسيا وإعلاميا؟
بالنظر إلى سياسة الدكتور مرسي، وأدائه السياسي وخاصة على المستوى الخارجي، من الصعب تقييم البعد العام لهذه السياسة، نظراً لمحدودية الفترة الزمنية التي تولاها، من ناحية، وعدم اكتمال الهياكل المؤسسية التي تقوم على صنع وإدارة السياسة الخارجية من ناحية ثانية، ولأن هذا البعد يحتاج لمرور فترة زمنية طويلة حتى تتضح وتتبلور مكوناته.
ومن هنا فإن التقييم الأولي لهذه السياسة ينصب بالدرجة الأولي على البعد المحدد للسياسة الخارجية (القرارات، السلوكيات، المعاملات)، وفي إطار هذا البعد يمكن التمييز بين ثلاث مستويات قامت عليها السياسة الخارجية للرئيس مرسي خلال الفترة الماضية:
المستوي الأول: مبادرات تم التخطيط لها والقيام بها بعناية وموضوعية بحيث كانت محددة في أهدافها وما ترسله من رسائل وإشارات لكل الأطراف ذات الصلة بالسياسة الخارجية المصرية، ويبرز في هذا الإطار:
1ـ الزيارة التي قام بها الرئيس مرسي للصين واستمرت ثلاثة أيام، والإعلان عن توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، وتوصيل رسائل رمزية ذات دلالات معينة للولايات المتحدة الأمريكية ومعسكرها الغربي، حول ما يمكن أن تقوم عليه السياسة الخارجية المصرية في المرحلة القادمة.
2ـ الاتفاق الذي تم توقيعه مع صندوق النقد الدولي، لأنه من غير المستبعد أن يكون اتفاقاً بهذا الحجم وبهذه السرعة، وزيارة رئيسة الصندوق لمصر، ومباحثاتها مع الرئيس المصري ورئيس الحكومة، جاء دون تخطيط كامل ودون وعي بكافة أبعاده وتأثيراته السياسية والاقتصادية، بغض النظر عما اثير حول هذا القرض من جدل داخلي، لا محل للاهتمام به في هذا المقام.
المستوي الثاني: مبادرات جاءت انتهازاً لفرص أتيحت أمام صانع السياسة الخارجية المصرية ونجح في الاستفادة منها بدرجة كبيرة، ومن ذلك:
1ـ انتهاز فرصة انعقاد مؤتمر القمة الأفريقي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، لإعادة مصر إلى أفريقيا، بعد قطيعة استمرت نحو 17 عاماً من زيارة الرئيس السابق الشهيرة عام 1995، وما حدث فيها وما ترتب عليها، ومن هنا جاء حضور الرئيس مرسي للقمة، وكلمته أمامها ومباحثاته المكثفة لترسل رسائل عن سياسة مصر الأفريقية الجديدة، وأنها ستكون في قلب دوائر سياستها الخارجية.
2ـ انتهاز فرصة القمة الطارئة لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، في السعودية، والتي تم استغلالها في تأكيد عودة مصر إلى دائرتها الإسلامية، وطرح مبادرة لتسوية الأزمة السورية تكون مصر أحد أطراف مربعها الفاعل بجانب السعودية وإيران وتركيا.
3ـ انتهاز فرصة قمة منظمة عدم الانحياز في العاصمة الإيرانية طهران، وجاء استغلالها بشكل جيد، رغم الجدل الواسع داخلياً وخارجياً حولها، حيث كان حضور الرئيس مرسي للقمة وزيارته لطهران بعد قطيعة مصرية استمرت 33 عاماً، حتى ولو كانت في إطار مراسم بروتوكولية، فرصة جيدة لفتح هذا الباب المغلق، ونقل عدد من الرسائل الرمزية للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية، في مقدمة هذه الرسائل أن مصر بسياستها الجديدة تمد يدها للجميع، وتحدد بإرادتها الحرة كيفية صياغة هذه السياسة وتحديد أطرافها دون توجيه أو وصاية من أحد.
4ـ انتهاز فرصة المؤتمر الدوري لوزاراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية، وجاء استغلالها بشكل جيد من خلال مشاركة الرئيس في فعاليات المؤتمر وتوجيه كلمة تحدد توجهات سياسة مصر العربية، وأهميتها في قيادة المنطقة والدفاع عن قضاياها.
المستوي الثالث: ردود أفعال لا ترقي لمستوي المبادرة، ولكنها مقبولة في ظل طبيعة الظروف الراهنة التي تمر بها مصر، من ناحية، وفي ظل قصر الفترة الزمنية للرئيس مرسي من ناحية ثانية، ولأنها ترتبط بملفات ذات درجة عالية من الأهمية والحساسية والتعقيد والتشابك، والتعامل معها يتطلب درجة عالية من التركيز والهدوء وحسن الرؤية، في ظل ما يمكن أن تفرزه إثارتها من تحديات نحن في غني عنها في هذه المرحلة، ومن ذلك:
1ـ الموقف من إسرائيل ومناوشاتها على الحدود الشرقية، حيث يتم التعامل مع كل حدث وفق مستواه كنوع من رد الفعل دون تضخيم أو مبادرة في تحرك جاد وحاسم تم التخطيط له بعناية، وقد تثبت المرحلة القليلة القادمة غير ذلك.
2ـ كذلك يبرز في هذا المستوى الاكتفاء بردود أفعال محددة تجاه سياسات عدد من دول الخليج في ملفات كالعمالة المصرية هناك ودعم أركان النظام السابق ورفض توفير الدعم الاقتصادي لمصر، وعرقلة العديد من المشروعات المشتركة بين مصر وهذه الدول كنوع من الضغط عليها في سياستها الخارجية، وهو ما تعاملت معه القيادة المصرية إما بنوع من التجاهل أو التهميش أو توجيه مستويات أقل للتعامل مع مثل هذا القضايا، والتي تشكل مناطق لتوترات ومشكلات محتملة إذا لم تقوم هذه الدول بإعادة النظر في توجهاتها وسياساتها تجاه هذه الملفات.

3ـ الموقف من الولايات المتحدة، حيث اقتصرت السياسة الخارجية المصرية على توجيه عدد من الرسائل الرمزية للإدارة الأمريكية، سواء في زيارة الصين أو زيارة إيران، مع التأكيد بين الحين والآخر على أهمية العلاقات المصرية ـ الأمريكية، ولكن ليس بنفس الدرجة التى قام عليها النظام السابق والتي وصلت لدرجة الانبطاح والتبعية أمام كل السياسات الأمريكية.
وفي إطار هذه المستويات وما تقوم عليه من مؤشرات، يمكن القول أن السياسة الخارجية للرئيس مرسي تشهد ما يمكن توصيفه بنقلة نوعية (مع التحفظ على مستوي وحدود هذه النقلة الآن على الأقل) من شأنها أن تؤثر إيجابياً في طبيعة التوازنات الدولية والإقليمية في المنطقة، من ناحية، وفي الدور المنشود لمصر في التعاطي مع قضايا هذه المنطقة، من ناحية ثانية.

• تراجع دور مصر القيادي في المنطقة لصاح إيران وتركيا في السابق . فهل سنشهد ولادة مصر جديدة لتلعب دورها الاستراتيجي والإقليمي ؟
نعم، أتوقع ذلك بل وبقوة كبيرة، لأن هناك تغير جذري حدث، فرض قيما جديدة في سياسة مصر الخارجية، كان أهمها أن الحكام والمسئولين أصبحوا يدركون قيمة وتأثير الرأي العام الداخلي في توجهاتهم، ويحسبون له حساباً كبيراً، وليس صوغ هذه التوجهات وفقا لرغبات القوي الكبرى.
وقد عكست تحركات الرئيس مرسي الأخيرة تحركاً جاداً نحو تفعيل هذا الدور، في إطار من الإدراك الحقيقي للواقع الراهن وتوازنات القوي الإقليمية في المنطقة.


• في الأخير هل دخل العرب إلى التاريخ مجددا كما قال الدكتور أبو يعرب المرزوقي؟
العرب خرجوا من التاريخ بإرادتهم وبتواطؤ العديد من القوى ضدهم، واليوم عادوا أيضا بإرادتهم، ويبقي التحدى الأكبر القدرة على مواجهة التواطؤ الأكبر والمتوقع ضدهم، ليس ليبقوا في التاريخ ولكن ليقودا قاطرة هذا التاريخ.



#نورالدين_علوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الاكاديمي التونسي محسن الخوني
- حوار مع الدكتور منير كشو
- حوار مع الناقد المغربي الدكتور فريد الزاهي
- حوار مع الدكتور رحال بوبريك
- حوار مع الاستاذ الباحث سمير بلكفيف
- حوار مع البروفسور موسى معيرش
- حوار خاص مع الدكتور احمد الطريبق
- حوار مع الدكتور مراد قواسمي
- حوار مع الاكاديمية التونسية ام الزين المسكيني
- حوار مع الدكتور هيثم مزاحم
- حوار مع الدكتور عامر عبد زيد الوائلي
- الدكتور عادل حدجامي
- حوار مع الدكتور عادل حدجامي
- حوار مع الدكتورالبارز عبد الحليم عطية
- حوار مع الدكتور يوسف بن عدي
- حوار مع الدكتور عبد القادر بوعرفة
- حوار خاص مع الناقد العراقي الدكتور رسول محمد رسول
- حوار مع الاستاذ الباحث احمد عطار
- حوار فلسفي مع الدكتور عبد الحكيم صايم
- حوار مع السوسيولوجي عثمان اشقرا


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نورالدين علوش - حوار مع المفكر السياسي الدكتور عصام عبد الشافي