أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - الاسبرطية والشيوعية والتحريضية الاخوانية الكفاحية هى المشروع السياسى للجماعة















المزيد.....



الاسبرطية والشيوعية والتحريضية الاخوانية الكفاحية هى المشروع السياسى للجماعة


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3856 - 2012 / 9 / 20 - 17:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في يوم من الأيام قامت احدى المدارس بعمل رحلة للأطفال الي احدي الأماكن الترفيهية ..... وعندما تجمع الأطفال امام المدرسة بدأ المشرف في الأشراف علي عملية دخول كل الأطفال الي الأتوبيس استعدادا لهذه الرحلة ...كان الأتوبيس يسير بسرعه عالية علي الطريق السريع المؤدي الي المكان الذين يرغبون للوصول اليه .....وكان هناك نفق يبعد بضعة أمتار من الأتوبيس .. مكتوب عليه الحد الأقصي للعبور من تحت هذا النفق ثلاث امتار...وكان ارتفاع الاتوبيس ثلاث امتار .. ولأن السائق كان يعبر من تحته كل سنة عندما يذهبون الي هذا المكان وايضا لأن ارتفاع الأتوبيس هو نفس الأرتفاع المسموح به للعبور من تحت هذا النفق ..... كان السائق يسير بسرعته دون القلق من هذا النفق !!..ولكن المفاجأه ...... اذ احتك الأتوبيس بسقف النفق عند العبور وبسبب السرعه العالية للأتوبيس تم تعثره في منتصف النفق نتيجة الأحتكاك الشديد الذي اصاب سقف الأتوبيس !! .. الأمر الذي اصاب الأطفال بحالة من الخوف والهلع نتيجة هذا الصدام ونزل الجميع ليروا ماحدث لهم فوجدوا الاتوبيس متعثر في منتصف النفق ولا يعرفون ماذا يفعلون كي يمروا من تحته !!!..فقام احد المارة بالتوقف ليحاول مساعدتهم فسأله سائق الاتوبيس قائلا له : كل سنة اعبر بسهوله من تحت هذا النفق فماذا حدث ؟...فقال له الرجل لقد تم رصف الطريق من جديد وبالتالي زاد ارتفاعه بسبب طبقة الأسفلت الجديدة التي تم وضعها !!..وبدأ كل الحضور يفكرون ماذا يفعلون للخروج من هذا المأزق فمنهم من قال نحضر سيارة قوية لسحب هذا الأتوبيس !!.. وأقترح البعض الأخر بالحفر وتكسير هذه الطبقة الأسفلتيه !!..ووسط هذه الأقتراحات الضعيفة التي لا تفيد بشئ نزل احد الأطفال من الاتوبيس قائلا : انا عندي الحل !!..فقاطعه المشرف قائلا : اصعد الي الاتوبيس ولا تفارق اصدقائك ولا تنزل مرة اخري !!......فقال الطفل في ثقة .... لا تستهتر بى لصغر سني ... وتذكر ما قد تفعله ابره صغيرة في بلونه كبيرة !!... و لابد ان ننزع من داخلنا هواء الكبر الذي يجعلنا ننتفخ بالغرور امام الناس سيصبح حجم ارواحنا وانفسنا طبيعي جدا كما خلقنا الله ... فقال له المشرف حسنا تكلم ماذا تريد ؟؟...قال الطفل الصغير : اذا طبقنا هذا الكلام علي الاتوبيس ونزعنا قليل من الهواء من اطاراته سيبدأ تدريجيا في الأبتعاد عن سقف النفق وسنعبر بسلام !!!..انبهر الجميع من فكرة الطفل الرائعة .. وبالفعل نزعوا الهواء من اطارات الأتوبيس حتي هبط علي الأرض وعبر بسلام !!.. ولذلك اوجه كلامى الى جماعة الاخوان المسلمين ليتنا ننزع من داخلنا هواء الكبرياء والغرور والكذب والنفاق حتي نستطيع المرور من عنق الزجاجة !!... او نعبر ازماتنا المستعصية على الحل !!..

الى جانب ان الهدف الأساسى لهذا المقال هو مناقشة مدى صحة المقولات التى تؤكد على اعتدال الإخوان المسلمين فى مصر، ومدى دقة المؤشرات التى يطرحها هؤلاء للتأكيد على صدق هذه المقولات... وبمعنى آخر، فإن السؤال الأساس للمقال هو: ما هى الشروط التى يمكن فى ظلها القول بأن قيم الاعتدال والديمقراطية أصبحت مكونا أساسيا من مكونات أيديولوجية وسلوك الإخوان المسلمين فى مصر؟ ...وهنا اطرح فى هذا المقال فرضية إن الإخوان المسلمين هى حركة سياسية شديدة التنوع، فعلى سبيل المثال، فإن موقف الجماعة من القضايا السياسية بشكل عام، وقضية الديمقراطية بشكل خاص، يختلف من دولة إلى أخرى، وفقا للظروف التاريخية، والثقافية، والاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول.... ومن ثم، فإن قرار دمج الإخوان المسلمين فى الحياة السياسية من عدمه، يجب أن يختلف هو الآخر من حالة إلى أخرى، وفقا لرؤية ومنهج الجماعة تجاه قضايا السياسة والديمقراطية فى كل حالة على حدة، وليس بناء على وصف تخيلى أو تصور عام لهذه الحركات على أنها حركات تعلن التزامها بالديمقراطية.....مما لاشك فيه ان جماعة الإخوان المسلمين فى مصر أنتجت عددا مهما من الأدبيات، بدءا من الكتب والتصريحات، والبيانات، وانتهاء بالمواقع والمدونات الإليكترونية. فضلا عن ذلك، فإن تمثيل الإخوان المسلمين داخل البرلمان لعدة سنوات يسمح بتحليل المواقف السياسية للجماعة عن قرب.... ويعتمد هذا المقال بشكل أساس على السلوك السياسى للجماعة منذ عام 2005 عندما حصلت على 20% من مقاعد البرلمان.... أضف إلى ذلك، البرنامج الانتخابى الذى طرحته الجماعة أثناء هذه الانتخابات، بالإضافة إلى ثلاث وثائق أخرى طرحتها الجماعة خلال عام 2007، الأولى هى رد الجماعة على "بيان الحكومة" فى يناير من ذلك العام، والثانية هى الموقف الذى تبنته الجماعة إزاء انتخابات مجلس الشورى فى يونيو، والثالثة هى مسودة مشروع برنامج حزب الإخوان المسلمين الذى طرحته الجماعة على نطاق ضيق فى سبتمبر2007...

خلال نحو ثمانية عقود، هى عمر جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، شكلت الجماعة جزءا من الكيان السياسى المصري.... فقد تأسست الجماعة على يد حسن البنا فى محافظة الإسماعيلية فى سنة 1928، بهدف إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، سرعان ما انتقلت من مصر إلى الكثير من الدول الإسلامية.... خلال هذه الفترة عمل الإخوان المسلمين كحركة سياسية، وكتحد مهم للدولة المصرية الحديثة التى تأسست فى عام 1922، سواء خلال الفترة الملكية (1922- 1953)، أو خلال الفترة الجمهورية (1953- الآن)، فقد تحدى الإخوان المسلمون جميع الأنظمة السياسية فى مصر، الأمر الذى نتج عنه تعرض الجماعة لموجات من القمع الدورى على يد تلك الأنظمة، واعتقال الكثير من قياداتها وكوادرها...ولكن فترة السبعينيات كانت قد شهدت تحسنا ملحوظا فى علاقة الجماعة بالنظام، فقد قام السادات بإطلاق سراح الإخوان المسلمين من السجن، كما سمح لهم بالاستفادة من عملية تحرير السياسات المصرية، وإن كان ذلك قد حدث بشكل غير رسمى وبدون وضع قانونى محدد.... ونتيجة لذلك، استطاع الإخوان المسلمون المشاركة فى الانتخابات - وفى الحياة السياسية بشكل عام (كمستقلين)، حيث استطاع الإخوان من خلال هذه التجربة تبنى مفردات سياسية جديدة نسبيا، كالديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمجتمع المدنى، والمساواة، والمواطنة.... وفى الانتخابات البرلمانية عام 2005، استطاع الإخوان الحصول على 88 مقعدا، (حوالى 20 % من المقاعد المنتخبة)، وذلك بالمقارنة بـ17 مقعدا فقط فى انتخابات سنة 2000، و 8 مقاعد فقط فى انتخابات سنة 1984، و 36 مقعدا فى انتخابات سنة 1987.... والواقع أن هذا الوضع الخاص للجماعة، والذى يمكن أن نطلق عليه تقنينا غير رسمى informal legalization تزامن معه ارتفاع كبير فى شعبيتها واحتلالها مساحة كبيرة من الاهتمام الإعلامى على المستويين المحلى والعربي....

وخلال السنوات الأولى من تأسيسها، لم تلق فكرة إنشاء حزب سياسى قبولا داخل الجماعة بدعوى أن الأحزاب السياسية ليست سوى أداوات يستخدمها الغرب لتقسيم "الأمة الإسلامية"، أو "جماعة المؤمنين".... إلا أنه مع تزايد مشاركة الجماعة فى الحياة العامة، بدأ الإخوان فى مناقشة فكرة إنشاء حزب سياسى.... وقد جاءت أول محاولة معلنة من جانب الجماعة لإنشاء حزب سياسى فى عام 1986، عندما طرحت الجماعة فكرة "حزب الشورى"... وتكررت هذه المحاولات فى اوائل التسعينيات، ومرة أخرى فى عام 1995... وقد جاءت هذه الجهود على يد عبدالمنعم أبوالفتوح، عضو مجلس شورى الجماعة.... وجاءت المحاولة التالية فى منتصف التسعينيات عندما طرح جناح منشق عن الجماعة من الأجيال الأكثر شبابا فكرة إنشاء حزب باسم "حزب الوسط".... ثم جاءت المحاولة الأخيرة فى سبتمبر 2007، عندما قامت الجماعة بتوزيع مسودة لمشروع برنامج تفصيلى لحزب سياسى للجماعة.... وقد فجر هذا المشروع تساؤلات جوهرية حول موقف الجماعة من العلاقة بين الدين والدولة، وطبيعة الدولة التى يسعى الإخوان إلى تأسيسها، فقد وصف مسئولو الجماعة الحزب المقترح بأنه كيان سياسى مدنى ذو مرجعية دينية....

يحاول الإخوان المسلمون منذ السبعينيات تقديم أنفسهم باعتبارهم حركة ديمقراطية معتدلة..... وفى هذا الإطار، يقول روبرت ليكين وستيفين بروك، وهم من مركز نيكسون، "إن الإخوان المسلمين هم خليط من جماعات وطنية ذات رؤى مختلفة، وأن هذه الجماعات تختلف فيما بينها حول الطريقة الأمثل التى يمكن من خلالها تحقيق رسالة الجماعة، ولكنهم يتفقون على رفض الجهاد العالمى، وعلى قبول فكرة الانتخابات وغيرها من ملامح الديمقراطية.... وهناك جناح داخل الجماعة لديه الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة. هذا الجناح هو الذى لعب الدور الأهم، بالتوازى مع تأثير الواقع العملى والسياسات العملية، فى توسيع الاتجاه الاعتدالى داخل الجماعة خلال العقود الأخيرة".... وينتهى المؤلفان، بناء على هذا التشريح، إلى ضرورة الإقرار بأن الإخوان المسلمين يمثلون فرصة ووسيلة مهمة لمواجهة التطرف والتنظيمات المتطرفة كتنظيم القاعدة وغيرها....واقع الأمر، إن الصورة شبه المعتدلة للإخوان المسلمين جاءت نتيجة جهود الجماعة فى تقديم نفسها بهذه الصورة داخل البرلمان المصرى وفى الحياة العامةفى عهد مبارك .... فقد تبنى أعضاء الجماعة داخل البرلمان سياسة نقدية للحكومة، ركزوا خلالها على إثارة قضايا وحالات الفساد، والمطالبة بزيادة مستوى الشفافية فى السياسات الحكومية.... كما ركز أعضاء الجماعة داخل الاتحادات والنقابات المهنية على القضايا نفسها تقريبا.... وعلى مستوى الإعلام المصرى والعربى والدولى، كرر الإخوان التزامهم بالدولة المدنية وبالنظام الديمقراطى، وعلى إيمانهم بقيم التسامح والمساواة، ورفضهم للدولة الدينية.... ففى إحدى رسالات مرشدها العام السابق مهدى عاكف، للصحافة والمثقفين المصريين، حدد خلالها موقف الجماعة من عدد من القضايا، قال إن الحكام هم بشر ومن ثم فإنهم لا يمتلكون أية قوة أو سلطة دينية.... وقد ذهب عاكف إلى أن شرعية الحكم فى مجتمع من المسلمين تعتمد على رضا الشعب وعلى قدرة الحكام على توفير المساحة والفضاء الذى يسمح لهم بالتعبير عن آرائهم والمشاركة فى الشئون العامة.... وأن الشكل الذى سيأخذه هذا الحكم سيعتمد على الطريقة التى ستُطبق بها الشورى.... يقول عاكف، إذا كان للشورى أى معنى فى الإسلام فإنها تتقاطع مع النظام الديمقراطى من حيث وضع شئون الحكم والدولة فى يد الأغلبية دون أن يعنى ذلك الإضرار بحقوق الأقليات فى التعبير عن آرائها والدفاع عن مصالحها....

ويعلن الإخوان المسلمون دوما إيمانهم والتزامهم بحقوق الإنسان، وبالمساواة بين البشر والمواطنين بغض النظر عن الدين والعقيدة أو اللون أو العرق أو الجنسية، وأن المسيحيين فى مصر هم شركاء متساوون داخل هذا الوطن.... أكثر من ذلك، فإنهم يؤكدون دوما التزامهم بالأدوات السلمية لتحقيق أهدافهم، كما يدينون استخدام العنف أو الإرهاب ويعتبرونه خطأ فى حق الله وفى حق الإنسانية.... وفى بيان أكثر ذيوعا أعاد محمود غزلان، عضو مكتب الإرشاد، التأكيد على الرسالة ذاتها...... كما أعاد البرنامج الانتخابى للجماعة أثناء انتخابات مجلس الشعب 2005، التأكيد على أن هدف الجماعة هو إنشاء نظام دستورى، برلمانى، جمهورى، ديمقراطى.... وأشارت جميع الوثائق والبرامج الصادرة عن الجماعة خلال السنوات الأخيرة تأكيد التزام الجماعة الكامل بمبادئ الحرية والمساواة....على الرغم من كل الرسائل الإيجابية السابقة التى حرص الإخوان على توصيلها والتأكيد عليها، إلا أن نظرة فاحصة للبيانات والتصريحات الصادرة عن أعضاء الجماعة خارج البرلمان تكشف عن وجود اتجاه ورؤى أكثر محافظة وراديكالية داخل الجماعة بخصوص العلاقة بين الدين والدولة. ففى الوقت الذى استعار فيه الإخوان المسلمون الكثير من المفردات والمفاهيم من القاموس الليبرالى، إلا إنهم اعتادوا إضافة تحفظات مهمة على هذه المفاهيم، من قبيل "بما يتوافق مع المبادئ الإسلامية"، أو "بما لا يتعارض مع ما هو معلوم بالضرورة من الشريعة الإسلامية"..... مثل هذه التحفظات تضع مواقف الإخوان المسلمين من العلاقة بين الدين والسياسة بشكل مباشر فى إطار دينى. وبهذا المعنى، لا يُنظر إلى صنع السياسات على أنها عملية تشريع لتقنين وتحقيق المصالح العامة، ولكنها تصبح عملية يصبح فيها الحكم ليس إلا عملية إصدار للفتاوى....


وبالفعل، فإن الإخوان المسلمين يختزلون فهمهم للسياسة فى شعار "الإسلام هو الحل". وعلى سبيل المثال، عندما يعلن الإخوان المسلمون التزامهم بمبدأ "حرية ممارسة الشعائر الدينية"، فإن ذلك ينصرف فقط إلى الأديان السماوية المعترف بها من جانب الإخوان، أى الإسلام، والمسيحية، واليهودية.... ولكن عندما يتعلق الأمر بأتباع الديانات والمعتقدات الأخرى، مثل الهندوسية أو البوذية على سبيل المثال، فإن الأمر يكون مختلفا تماما... وعلى سبيل المثال، عندما طالبت مجموعة من البهائيين المحاكم المصرية بمنحهم حق تسجيل دياناتهم فى بطاقة الرقم القومى، كما هو الحال بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، فقد اعترض الإخوان المسلمون على هذه المطالب بشدة، داخل وخارج البرلمان، ورفضوا الاعتراف بالبهائية كدين أو حتى كعقيدة يجب احترامها.... وحتى عندما يتعلق الأمر باليهود والمسيحيين، فإن الإخوان المسلمين يختزلون العلاقة معهم فى عبارتهم المشهورة "لهم ما لنا من حقوق وعليهم ما علينا من واجبات"، والمقصود من الناحية العملية هو اضطلاع المسلمين باتخاذ القرارات استنادا إلى الشريعة الإسلامية، والتى تكون ملزمة للجميع، باستثناء المجال الخاص بالأحوال الشخصية وحرية العبادة.... وفى الاتجاه ذاته، فقد خرق الإخوان المسلمون المبدأ ذاته مع المسيحيين أنفسهم وتحديدا فيما يتعلق بمبدأ حرية العقيدة، ففى الوقت الذى يعارض فيه الإخوان المسلمون تحول بعض المسلمين إلى المسيحية، والذى يعتبرونه ردة عن الإسلام تستوجب عقوبة الموت، فإنهم لا يعتبرون التحول من المسيحية إلى الإسلام جريمة، بل لا يرون فى ذلك قضية تستحق المناقشة من الأساس....

إن نظرة تحليلية دقيقة لخطاب الإخوان المسلمين تكشف عن عدد من التناقضات، وعدم اتساق واضح بين خطابهم المعلن وبين ما جاء فى بعض الوثائق الصادرة عن الجماعة، وبين ما يقولونه على المستوى النظرى وبين سلوكهم التطبيقى، وأخيرا بين ما يقولونه باللغة الإنجليزية وما يقولونه باللغة العربية. إن قراءة دقيقة لوثائق الجماعة تكشف عن وجود نية قوية لديها لإقامة ما يمكن أن نطلق عليه "الاستبداد الدينى". وبشكل أكثر تحديدا، هناك أربعة أهداف أساسية للمشروع السياسى للجماعة، نشير إليها فيما يلى:
1- الإنسان المؤمن:
إن حجر الزاوية بالنسبة للإخوان المسلمين فى مصر، وفى العالم الإسلامى بشكل عام، هو إيجاد "الإنسان الجديد" الذى يخلو من النوايا الشريرة، والذى يمتلك مشاعر طيبة، ولديه الاستعداد لتطبيق وخدمة كلمة الله..... وعلى العكس من التصريحات العديدة التى تصدر عن الإخوان المسلمين والتى تؤكد دعم الجماعة والتزامها بحرية التعبير، وإجراء الانتخابات الحرة، وحرية إنشاء الأحزاب السياسية، وحرية التظاهر، فإن الإخوان يقيدون هذه الحريات من خلال سعى الجماعة إلى قولبة الأفراد وفق بعد واحد فقط وهو الالتزام الدينى الإسلامى وإيجاد "الفرد الملتزم دينيا"..... وبمعنى آخر، فإنهم يدعون إلى شىء مماثل لما حاولت اسبرطة أن تقيمه من خلال طبقة المحاربين، وإلى شىء مماثل لما حاولت الأنظمة الشيوعية أن تحققه من خلال إيجاد "الفرد الشيوعى"، ولما حاول عبد الناصر تحقيقه من خلال إعادة بناء المواطن المصرى.... ففى جميع هذه الحالات السابقة، فإن عملية من البناء العقيدى والأدلجة ممزوجة بحالة من الخوف هى التى سادت الحياة العامة....ولتحقيق هذا الهدف، يدعو مشروع الإخوان المسلمين بوضوح إلى احتكار شبه كامل لجميع وسائل التنشئة بما فى ذلك المساجد ووسائل الإعلام والمدارس...الخ... وتبعا لذلك، فإن الإخوان المسلمين لن يقللوا من سيطرة الدولة على وسائل الإعلام "القومية"، بل أكثر من ذلك فسوف يقومون بتوسيع حجم ودور هذه الوسائل الإعلامية وإضافة قنوات جديدة بلغات مختلفة مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية، من أجل نشر كلمة الله، وتفنيداً لما يعتبرونه إدعاءات باطلة ضد الإسلام..... على أن يسبق كل ذلك عملية تطهير للمؤسسات العامة مما يعتبرونه أشكال الانحراف ووسائل التدمير والفساد، لكى تكون بعدها الساحة ملائمة للرأى الحر والكلمة الطيبة والفن الراقى، واحترام ثوابت الأمة، مع ملاحظة أن مفهوم ثوابت الأمة يشير هنا إلى مبادئ الدين الإسلامى كما يراها ويفسرها الإخوان المسلمون....
ورغم أن مسودة مشروع برنامج حزب الإخوان المسلمين تدعو إلى إمكانية إنشاء محطات إذاعة وتليفزيون خاصة - والتى توجد بالفعل - فإن الإخوان يضيفون شرطا آخر لعمل هذه القنوات وهو أن تتوافق فى رسالتها مع قيم ومبادئ المجتمع المصرى, أى قيم ومبادى الإسلام.... كما تولى مسودة البرنامج أهمية خاصة للإنتاج الثقافى، الذى تصبح خاضعة لنوع من الضبط الذاتى، وذلك كنتيجة للتأسيس المذهبى الذى من المفترض أن يبدأ فى مرحلة مبكرة من حياة الفرد، ومن ثم ينتج عنه التزام منتجى الثقافة بإنتاج منتجات ثقافية تتسق مع تقاليد الإسلام....إن هدف خلق أو قولبة "الإنسان المؤمن" تقود الإخوان المسلمين إلى التمييز ضد الأقليات، خاصة المرأة والأقباط..... وكما سيتضح فيما بعد، فإن هذه الأقليات ليست فقط مستبعدة من الولاية العظمى - المناصب السياسية العليا مثل الرئيس ورئيس الوزراء - ولكنهم يخضعون أيضا لأنماط مختلفة من القوانين..... وفى الواقع فإن هناك جناحاً داخل الإخوان المسلمين لن يقبل بوجود قانون واحد يحكم أماكن العبادة، المساجد والكنائس على السواء، حيث يطرح هؤلاء فيما يتعلق ببناء الكنائس أهمية الاحتكام إلى مبدأ أو معيار حجم الحاجة الفعلية للمجتمع إلى بناء كنائس جديدة.... وبخصوص المرأة، فإن الإخوان المسلمين لا يصرون فقط على أن ختان الإناث هو عفة وطهارة للمرأة، ولكنهم يطالبون أيضا بضرورة خضوع مسألة عمل المرأة - خاصة كقاضية - للإجماع الاجتماعى..... وفى الوقت الذى يحتفون فيه بالفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، فإن البرنامج يدعو فى مجال التعليم إلى مناهج إضافية للمرأة تؤكد على التمايزات والاختلافات النوعية....

2- الدولة الدينية:
رفض الإخوان المسلمون منذ عودتهم إلى الحياة العامة فى منتصف السبعينيات الاتهام الموجه إليهم بأنهم يسعون إلى إنشاء دولة دينية، كما كرروا دائما التزامهم بفكرة الدولة المدنية، مؤكدين أن السياسات الدينية التى تعنى حكم رجال الدين لا توجد فى الإسلام، حيث لا يتمتع رجال الدين والوعاظ بوضع أو سلطات رسمية، وحيث لا وجود لوسيط بين الإنسان والله..... ويؤكد الإخوان المسلمون فى هذا السياق أن خبرة التدخل الثيوقراطى فى الحياة السياسية هى خبرة تنتمى للعصور الوسطى الأوروبية، ولا يوجد ما يوازيها أو يماثلها فى تاريخ الدول الإسلامية، حيث كان الحكام دائما مدنيين.http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?Action=&Preview=No&ArticleID=27867
إلا إنه من الناحية العملية، ورغم هذا التأكيد، فقد سعى الإخوان إلى تكريس مفهوم الدولة الدينية من خلال وسائل عدة:
أولا: اعتمد الإخوان على نص المادة الثانية من الدستور، والتى تنص على أن "الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيس للتشريع". وفى الوقت ذاته، يتجاهل الإخوان الكثير من مواد الدستور الأخرى، خاصة المادة الأولى التى تنص على أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة"‏، والمادة الثالثة التى تضع السلطة فى يد الشعب، والمادتين (40)، و(46) اللتين تؤكدان على المساواة التامة بين المواطنين المصريين....
ثانيا: أن الإخوان يميلون إلى جعل عملية صناعة الفتوى جزءاً من العملية التشريعية... وطالما استندت عملية التشريع إلى آيات القرآن الكريم والأحاديث، فإن السياسات العامة تصبح فى هذه الحالة مجالا إسلاميا خالصا، وسوف يستخدم الإسلاميون هذه المصادر (الفتوى، والآيات القرآنية والأحاديث) كمحددات للحريات الفردية، خاصة فى مواجهة غير المسلمين، وضد حريات التعبير، وتصبح السياسات/ التشريعات (الفتاوى فى هذه الحالة) محددا وقيدا على حريات الرأى والتعبير فى الفن والأدب....
ثالثا: أن الإخوان المسلمين يصرون على استخدام الرموز والشعارات السياسية التى تُعد فى حقيقتها شعارات دينية وثيوقراطية.... فعندما يرفع الإخوان شعار "الإسلام هو الحل" فإنهم يلغون عمليات المساومة السياسية والاجتماعية، والتى تعد أحد الملامح الأساسية للديمقراطية، والتى لا يمكن تقييدها بتفسيرات محددة للنصوص المقدسة.... ومن ناحية أخرى، فإن هذا الشعار يحول التفاعلات السياسية من عمليات من المساومة والضغوط، والضغوط المتبادلة، إلى عملية دينية، ويحول الصراعات السياسية إلى حروب مقدسة حيث يصبح الخصم السياسى "عدو الله"، ولاشك أن ذلك يتناقض مع كل التقاليد الديمقراطية والمدنية....
رابعا: أخذت مسودة المشروع الأخير لحزب لإخوان المسلمين خطوات أكثر وضوحا فيما يتعلق بتراجع مفهوم وتعبيرات الدولة الدينية، فقد نصت مسودة البرنامج - المكونة من 128 صفحة - على أن "الدولة الإسلامية هى دولة مدنية بالضرورة، لأن الوظائف العامة يجب أن يتم توليها على أساس الكفاءة والخبرة الفنية المتخصصة والأدوار السياسية يقوم بها مواطنون منتخبون، تحقيقاً للإرادة الشعبية الحقيقية، والشعب مصدر السلطات"... ومع ذلك، يجب فهم هذا التعريف للدولة المدنية على أن الشريعة، وليس الدستور، هى أساس التشريع، وهو أساس ملزم للنواب المنتخبين.... يقول البرنامج:
"تطبق مرجعية الشريعة الإسلامية بالرؤية التى تتوافق عليها الأمة من خلال الأغلبية البرلمانية فى السلطة التشريعية المنتخبة انتخاباً حراً بنزاهة وشفافية حقيقية دون تدليس ولا تزوير ولا إكراه بالتدخل الأمنى المباشر أو المستتر، والتى تتم تحت رقابة المؤسسات المدنية داخلية وخارجية وبعيداً عن هيمنة السلطة التنفيذية. ويجب على السلطة التشريعية أن تطلب رأى هيئة من كبار علماء الدين فى الأمة على أن تكون منتخبة أيضاً انتخاباً حراً ومباشراً من علماء الدين ومستقلة استقلالا تاماً وحقيقياً عن السلطة التنفيذية فى كل شئونها الفنية والمالية والإدارية، ويعاونها لجان ومستشارون من ذوى الخبرة وأهل العلم الأكفاء فى سائر التخصصات العلمية الدنيوية الموثوق بحيدتهم وأمانتهم، ويسرى ذلك على رئيس الجمهورية عند إصداره قرارات بقوة القانون فى غيبة السلطة التشريعية ورأى هذه الهيئة يمثل الرأى الراجح المتفق مع المصلحة العامة فى الظروف المحيطة بالموضوع، ويكون للسلطة التشريعية فى غير الأحكام الشرعية القطعية المستندة إلى نصوص قطعية الثبوت والدلالة القرار النهائى بالتصويت بالأغلبية المطلقة على رأى الهيئة، ولها أن تراجع الهيئة الدينية بإبداء وجهة نظرها فيما تراه أقرب إلى تحقيق المصلحة العامة، قبل قرارها النهائى ويتم، بقانون، تحديد مواصفات علماء الدين الذين يحق لهم انتخاب هيئة كبار العلماء والشروط التى يجب أن تتوافر فى أعضاء الهيئة"....
وهكذا، فإن هذه الهيئة الدينية سيكون لها الكلمة الأخيرة، على الأقل فيما يتعلق بجميع القضايا التى تقدم فيها الشريعة الإسلامية شواهد وأدلة لا يمكن إنكارها... فضلا عن أن تشكيل هذه الهيئة لا يقوم على قاعدة ومبدأ المساواة والمواطنة، وذلك فى ضوء غياب تمثيل المرأة والأقباط وغير المسلمين فى هذه الهيئة، وهو ما يضع الإخوان فى تناقض مع بياناتهم ومواقفهم السابقة بخصوص غير المسلمين، خاصة شعار "لنا مالهم من حقوق". ومن الناحية السياسية، فإن إنشاء مثل هذه الهيئة سوف يفتح المجال أمام الصراع السياسى والدينى داخل المجتمع، ويثير سؤالا وجدلا مهما حول المؤسسة التى سيكون لها السلطة والكلمة الأعلى: الهيئة الدينية أم المؤسسة التشريعية؟...
خامسا: ومن النقاط المهمة أيضا التى جاءت فى البرنامج أن "للدولة وظائف دينية أساسية، فهى مسئولة عن حماية وحراسة الدين، والدولة الإسلامية يكون عليها حماية غير المسلم فى عقيدته وعبادته ودور عبادته وغيرها، ويكون عليها حراسة الإسلام وحماية شئونه والتأكد من عدم وجود ما يعترض الممارسة الإسلامية من العبادة والدعوة والحج وغيرها ".....وتلك الوظائف الدينية تتمثل فى رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسى القائم. ولهذا نرى أن رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسى القائم عليه واجبات تتعارض مع عقيدة غير المسلم..... مما يجعل غير المسلم معفى من القيام بهذه المهمة، طبقا للشريعة الإسلامية، والتى لا تلزم غير المسلم بواجب يتعارض مع عقيدته"....
سادسا: أن الوظائف الدينية لرئيس الدولة قادت واضعى البرنامج إلى القول بأن "قرار الحرب يمثل قرارا شرعيا، أى يجب أن يقوم على المقاصد والأسس التى حددتها الشريعة الإسلامية، مما يجعل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسى القائم، إذا أتخذ بنفسه قرار الحرب مسائلا عن استيفاء الجانب الشرعى لقيام الحرب، وهو بهذا يكون عليه واجب شرعى يلتزم به"....
وهكذا، عندما تفقد الحروب أبعادها وطبيعتها الوطنية، فإن هذا يعنى أن عملية التجنيد العسكرى لغير المسلمين داخل الجيش لن تكون مقبولة، وهو ما سيفتح الباب أمام العودة إلى "ضريبة الحماية" أو فرض "الجزية" على غير المسلمين، (والتى كان قد أثارها بالفعل مصطفى مشهور، المرشد العام الأسبق للجماعة)....
3
- الدولة ذات الأيدى القوية:
فى دولة مثل مصر تتسم بوجود جهاز بيروقراطى ضخم يتجاوز سبعة ملايين موظف، فإن السؤال الذى يثار فى هذه الحالة ما هو نمط الحكومة المقترحة من جانب الإخوان المسلمين؟ وما هو دور البيروقراطية فى هذه الحكومة؟ الملاحظة المهمة التى تكشف عنها مسودة مشروع الحزب السياسى هو استعارتها للكثير من مفاهيم خبرة ومفاهيم الستينيات واستراتيجيات التنمية التى سادت العالم الثالث خلال تلك الفترة، حيث لعبت الدولة دورا تدخليا مكثفا فى إدارة الاقتصاد والمجتمع.... كما اقترح البرنامج إنهاء برنامج الخصخصة القائم فى إطار إصلاح الاقتصاد المصري....وأخذا ذلك فى الاعتبار، فإن البرنامج يقترح أولا أن يركز الاقتصاد المصرى على هدف "الاكتفاء الذاتي" فى المجالات الحيوية مثل الغذاء، والدواء، والتسليح، وتوفير الاحتياجات الضرورية للمواطن من الملبس والمسكن والمواصلات، بالإضافة إلى تحسين البيئة.... ويقترح البرنامج ثانيا زيادة الاستثمار الحكومى فى القطاعات الخدمية، خاصة قطاعى التعليم والصحة، والبيئة، بهدف تحسين مستوى هذه الخدمات، وزيادة فرص التوظيف.... ويقترح ثالثا، تنفيذ عدد من المشروعات القومية الضخمة مثل مشروع تنمية سيناء، والوادى الجديد، والساحل الغربى، والصحراء الشرقية، بالإضافة إلى عدد من البرامج الكبيرة مثل البرنامج النووى، والفضاء، والهندسة الوراثية.... وأخيرا، يعد الإخوان بالتأكد من أن يقوم القطاعان العام والخاص بتطوير قاعدة صناعية متكاملة للصناعات الإستراتيجية التى تساهم كمدخلات فى الصناعات المدنية....لاشك أن دولة وحكومة يتم بناؤها وتنظيمها وفق هذه الضوابط والمبادئ، سوف تنتهى بظهور نوع من الدولة الشمولية على غرار ما شهدته الدول النامية خلال حقبة الخمسينيات والستينيات، بما فى ذلك الخبرة المصرية خلال هذه المرحلة من مراحل تطور الدولة المصرية.... ولن تقتصر سيطرة الدولة على مجالات الاقتصاد بدءا من الإنتاج إلى الاستهلاك والتوظيف، ولكنها سوف تتبنى سياسة خارجية كفاحية وصراعية تستند إلى عسكرة الدولة....

4- سياسات خارجية وأمن قومى كفاحية:
تميز معظم تصريحات وبيانات الإخوان المسلمين بين التحديات الداخلية والخارجية للأمن القومى.... وتشمل التحديات الداخلية التخلف، والفساد، وعدم كفاءة الحكومة، واستبداد الحاكم، والفقر، والضعف الاقتصادى والاجتماعى بشكل عام.... واللافت للنظر هنا أن أياً من هذه البيانات أو التصريحات أو الوثائق لم تشر فى أى سياق إلى الإرهاب باعتباره تحدياً داخلياً....أما التحديات الخارجية، فقد شملت "الكيان الصهيوني" (إسرائيل)، والمشروعات والخطط الأمريكية المختلفة فى الشرق الأوسط، ونشر القوات الأجنبية فى منطقة الخليج العربى والبحر الأحمر والعراق ولبنان لاشك أن دولة وحكومة يتم بناؤها وتنظيمها وفق هذه الضوابط والمبادئ، سوف تنتهى بظهور نوع من الدولة الشمولية على غرار ما شهدته الدول النامية خلال حقبة الخمسينيات والستينيات، بما فى ذلك الخبرة المصرية خلال هذه المرحلة من مراحل تطور الدولة المصرية.... ولن تقتصر سيطرة الدولة على مجالات الاقتصاد بدءا من الإنتاج إلى الاستهلاك والتوظيف، ولكنها سوف تتبنى سياسة خارجية كفاحية وصراعية تستند إلى عسكرة الدولة.... . واللافت للنظر هنا أيضا أن هذه التحديات لا تقتصر على مصر فقط، ولكنها تمثل تحديات مشتركة لمصر والدول العربية والدول الإسلامية المجاورة (وتحديدا إيران).... واستجابة لهذه التهديدات، يقترح الإخوان الاعتماد المتزايد على القدرات الذاتية، مثل بناء تحالف عربى وإسلامى، وإصلاح النظام الدولى، وإنهاء كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، بل وعرض معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية على الرأى العام المصرى لكى يقرر المصريون ما إذا كان من الواجب استمرار المعاهدة مع الكيان الصهيونى من عدمه....
وبالإضافة إلى ذلك، يعلن الإخوان التزامهم ببذل كل الجهود للوصول إلى حل هيكلى للقضية الفلسطينية يضمن حق كل الفلسطينيين، داخل وخارج الأراضى المحتلة، من خلال إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس على كامل أراضى فلسطين التاريخية.... وعندما صرح عصام العريان، أحد أعضاء الجماعة البارزين، بأنه إذ قدر للإخوان المسلمين الوصول إلى السلطة فإنهم سيكونوا مستعدين للاعتراف بإسرائيل واحترام المعاهدات القائمة بين مصر وإسرائيل، فإن مرشد الجماعة السابق ، مهدى عاكف، انتقد هذا التصريح بشدة مؤكد أن الجماعة لا تعترف بإسرائيل ولن تعترف بها( ولكنهم مع وصول مرسى لسدة الحكم اعترفوا باسرائيل وبمعاهدة السلام ).... وأضاف أنه لا يوجد شيء فى قاموس الإخوان المسلمين اسمه إسرائيل، ما نعترف به هو العصابات الصهيونية التى احتلت الأراضى العربية وطردت أصحابها منها، وإذا كانوا يريدون العيش بيننا فإن ذلك يكون فى إطار دولة فلسطين، ولكن إذا أرادوا دولة خاصة بهم فإننا لا نقدم شيئا سوى المقاومة......
هذا النمط من التفكير فى الأمن القومى ليس جديدا على منطقة الشرق الأوسط، إذ يجد تعبيرا له لدى الأنظمة القومية والراديكالية خلال العقود الماضية، كما يجد له تعبيرات حالية فى المشروع والسياسات الإيرانية.... ولكن ما يميز الإخوان هو الخلط بين أهداف الأمن القومى من ناحية، والحماس والتحريض الدينى...

وهكذا، يتضح أن قراءة دقيقة لمواقف ورؤى الإخوان المسلمين تكشف أنه يصعب وصف الجماعة بالاعتدال، فلازالت تتبنى الجماعة الكثير من المواقف المتشددة فى المجالين الداخلى والخارجى.... وتشير تجارب الإخوان المسلمين فى بعض الدول الأخرى أن الإخوان المسلمين يتوزعون على مختلف أنماط الجماعات الإسلامية بدءا من التطرف إلى الاعتدال، فالإخوان المسلمون فى العراق وسوريا والمغرب وتركيا يتبنون مواقف معتدلة بخصوص السياسات الداخلية والخارجية، وعلى العكس، فإن الإخوان المسلمين فى كل من مصر والأردن وباكستان لا زالوا أقرب إلى التشدد منهم إلى الاعتدال.... إن الخط الفاصل الأساس الذى يميز بين الاعتدال والتشدد هو الموقف من القضايا الخاصة بالعلاقة بين الدين والدولة، ورؤية الجماعة الدينية للدور الاقتصادى للدولة، وأخيرا طبيعة سياسة الأمن القومى المقترحة: تكيفية، أو كفاحية صراعية؟....

هناك عاملان أساسيان يلعبان الدور الأكبر فى دفع جماعة الإخوان المسلمين إلى الاعتدال.... العامل الأول هو عندما يكون النظام السياسى الذى تعمل فى إطاره الجماعة نظاما قوميا/ شموليا، وعندما تكون الدولة وجماعة الإخوان المسلمين وجميع القوى السياسية الأخرى فى موضع تهديد شديد أو فى الاتجاه إلى كارثة وطنية.... هذا العامل يتوفر فى حالات العراق وسوريا، حيث وجد الإخوان المسلمون أنفسهم يعانون من نظام مستبد، يضطرون فيه إلى التعاون والتفاعل وتشكيل الائتلافات والتحالفات مع القوى العلمانية الأخرى....العامل الثانى هو عندما تصل الدولة إلى مستوى التطور والتنمية السياسية والمؤسسية والاقتصادية لدرجة تكفى لحدوث نقلة داخل جماعة الإخوان المسلمين فى اتجاه الاعتدال... وفى هذه الحالة، فإن الاعتدال يكون ناتجا عن خبرة المجتمع ككل فى الإصلاحات السياسية والاقتصادية فى اتجاه الديمقراطية واقتصاد السوق.... فالديمقراطية واقتصاد السوق ليسا مهمين فقط لتحقيق التنمية ولكنهما مهمان أيضا لخلق معارضة شديدة لممارسة العنف فى بيئة تحكمها قيم المساومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.... وتقدم حالة تركيا نموذحا مهما لدور هذا العامل فى تحول جماعة الإخوان المسلمين إلى الاعتدال، فقد لعب حزب العدالة والتنمية، ذو الجذور الإخوانية، دورا مهما فى تقوية الديمقراطية التركية، وتشجيع النمو الاقتصادى، وبناء علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبى، وتشجيع بناء دبلوماسية نشطة لتحقيق السلام والتوافق فى الشرق الأوسط....

ومن ثم يمكن تفسير غياب الاعتدال فى حالة الإخوان المسلمين فى مصر فى ضوء غياب أى من العاملين السابقين.... فعلى الرغم من أدوات القمع التى كان يمارسها النظام المباركى من وقت لآخر ضد الإخوان المسلمين والمعارضة إلا أنه لا يمكن وصف النظام فى مصر بأنه نظام شمولي.... وفى الوقت ذاته، فإن الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطبقة فى مصرفى ظل حكم الاخوان انفسهم لازالت غير كافية لتحقيق القدر من التنمية السياسية والاقتصادية الذى يكفى لحدوث التوازن المطلوب داخل الجماعة وانتقالها من التشدد إلى الاعتدال.... إن التحديثيين والإصلاحيين داخل الجماعة لازالوا يشكلون أقلية.... لذلك تعثر الاتوبيس الاخوانى فى النفق المظلم للسياسة المصرية !!!

حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلوتوث الانسانى(التخاطر عن بعد)
- لن تستطيعوا فهم ما يجرى حولكم حتى تفهموا النظام العولمى
- الأخضر الإبراهيمي هو القنطرة لاستعادة تركيا مجدها السياسى فى ...
- افيقوا الفيلم المسىء للرسول طعم لتغذية الفتنة الطائفية وتقسي ...
- كل ما بداخلى مات
- الفيلم المسىء للرسول هل هو حرية رأى ام تحريض على فتنة طائفية ...
- موسى الصدر والجعد بن درهم من ابلغ الامثلة على القتل الاستهدا ...
- يعنى ايه كوشيز مصر (محمد وديع ) يكون فى السجن وعتاة المجرمين ...
- يا مرسى تعلم من ارسطو ربنا يهديك
- نعمة النسيان
- مبارك والعادلى كانوا يظنون ان الشعب المصرى مجموعة من الخراف ...
- تصريحات هنرى كيسنجر ذلاقة لسان لاتطيق صاحبها ولاتريح نفسها
- ليس مهماً أن ندافع عن ثقافة يهددها الإخوان المهم ان نخلق ثقا ...
- اخر نكته مرسى والتوقيع على علم الشهداء
- ابعاد الشراكة بين الاخوان ورشيد محمد رشيد على قفا الشعب المص ...
- قرار الغاء الحبس الاحتياطى مناورة للتهدئة نريد تشريعات تحمى ...
- الى المناضلة الشهيدة لوجين بولنت لست وحدك من يحمل هم الكورد
- حدوتة ( ماء اللفت ) هديتى اليك يامرسى فى عيد ميلادك
- غجرية انظمة ماقبل المدنية تؤدى الى الاعتقالات السياسية
- انت حبى وقطعة منى


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - الاسبرطية والشيوعية والتحريضية الاخوانية الكفاحية هى المشروع السياسى للجماعة