أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - امير عزيز - بين الاسلام و التاريخ مقاربات اوليه..قبل التاسيس















المزيد.....


بين الاسلام و التاريخ مقاربات اوليه..قبل التاسيس


امير عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 3854 - 2012 / 9 / 18 - 04:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كل ما كان مطلق صار تاريخا و كل نظام سكوني انحل الي تراب..جي ديبور

-1-

اتسم تاريخ الجزيره العربيه قبل ظهور الاسلام( اول القرن السابع الميلادي نحو عام 610 ميلاديه) بدرجه من الانقطاع بين مرحلتين اشار اليهما الاخباريون العرب بجاهليه قديمه شهدت درجه ملحوظه من التطور الاجتماعي و السياسي لاسيما في الجنوب حيث عرفت الدوله كمؤسسه سياسيه منذ العام 1300 قبل الميلاد في عهد المعينيين ترادفت مع مستويات من التطور النسبي في الزراعه و الري الاصطناعي و العماره و تقسيم العمل بين زراع و مربي ماشيه و حرفيين..و جاهليه حديثه بدات بعد انهيار سد مارب في عهد الحميرين بين 300-550 ميلاديه مما ادي الي سقوط الدوله الجنوبيه و هجره اهلها الي مناطق اخري علي اطراف الجزيره..و هنا بدات تسود علاقات جديده تعتمد علي الترابط القبلي كبديل للدوله و الرعي كبديل للزراعه و الترحل طلبا للمراعي الموسميه و تجمعات المياه غير الدائمه بديلا عن الاستقرار..فماذا حدث في القرنين الخامس و السادس الميلاديين و مهد الظروف لنشوء دوله مركزيه بايديولوجيا توحيديه؟ او كيف تغيرت اللوحه الاقتصاديه الاجتماعيه في جزيره العرب؟

-2-

في الثلث الثاني للقرن السادس الميلادي استعاد طريق البخور و العطور التجاري القديم الذي كان يربط بين جنوب الجزيره و شمالها اهميته بعد ان كان قد فقدها منذ القرن الاول قبل الميلاد مع سيطره الرومان علي البحر الاحمر..و تزامن معه طريق اخر يمتد من افريقيا الشرقيه الي العراق و اليمامه!..و ظهرت المدن و الثغور التجاريه و تنامي نفوذ قريش تحديدا حيث اصبحت قلب الحركه التجاريه الناشئه التي تربط بين حواضر العالم القديم اليمن و الهند و مصر و فلسطين و العراق و اليونان و غيرها..و ادي هذا التطور الاقتصادي الي بروز اشكال من التبادل النقدي و نمو انشطه زراعيه(الحبوب و الفواكه و الخضر) و صناعيه (المحراث الحديدي والاسلحه و الخمور من التمر و البلح و معادن و جلود و دباغه) و اصبح هناك مساحه للانتاج بقصد التبادل! مما ادي الي انحلال البنيه القبليه الاجتماعيه(حيث القبيله هي وحده الشكل الاجتماعي و العلاقات داخلها تعتمد علي رابطه النسب و السلطه داخلها ترجع لعوامل الشرف و الاصل) لتحل محلها بنيه جديده نصف قبليه( حيث تنقسم القبيله راسيا بين اغنياء و فقراء و تتسم سلطه رئيس القبيله بالسطوه الاقتصاديه و تنشا ظاهره الصعاليك او فقراء القبائل و علاقات التحالف و الولاء بين القبائل علي اسس مصلحيه) لقد بدا ان هناك تغيرات عميقه علي المستو الاجتماعي تجري داخل مجتمع الجزيره العربيه و ان الشكل الاجتماعي القبلي اصبح عاجزا او يكاد عن استيعاب طابع هذه التغيرات و رسم مسارها و ان الحاجه الي سلطه مركزيه تتنامي..

-3-

كانت مكه(يقول عن اسمها الاخباريون العرب انه مشتق من امتك و هو ولد الناقه امتص ما في ضرعها و قد جف و يسميها هيرودت مكربا و يفسر ذلك الاسم جواد علي انه يعني مقرب و يقرب) و بفعل دورها التجاري المتنامي قد تحولت الي واحده من اهم الحواضر الكوزموبولتينيه في اخريات القرن السادس الميلادي, و كانت التجاره تحمل معها جمله من المكتسبات مثل المعارف العمليه عن الزراعه و استخدام المعدات التقنيه و التعرف علي العقائد و التصورات الدينيه التي شغلت العالم القديم و كثيرا من العادات الحضريه التي تمثلها تجار قريش و ايضا الاوضاع السياسيه و الاجتماعيه في البلدان المجاوره المرادفه لصراع الامبراطوريتين الفارسيه و الرومانيه..و كان نفوذ قريش داخل مكه يتزايد و في القلب منه دور الارستقراطيه القرشيه التي و بفعل ثرائها المادي استطاعت الهيمنه السياسيه علي هذه الحاضره...لقد اضحت قريش قادره علي ايجاد تنظيم سياسي عسكري جديد يعبر عن هذا الواقع الجديد اي تحول البنيه القبليه تدريجيا الي بنيه ذان طابع سلطوي تتماير فيه مجموعتان اجتماعيتان احداهما تمركز ثروه ومال من خلال التجاره و الاستثمار الربوي و فرض الضرائب علي الانشطه التجاريه لغير الحلفاء و الاجانب و فرض انواع اخري من المكوس علي علي حق الانتفاع بالابار و مياه العيون و المراعي و بين مجموعه ازدادت فقرا من ضغار تجار و مزارعين و صعاليك و عبيد!..لقد كانت ادوات هذه السيطره السياسيه هي مؤسسه دار الندوه التي امتلكت جمله من الحقوق اتشريعيه و القضائه و التنفيذيه بالتعبير المعاصر و التقي فيها نخبه قريش الاريستقراطيه حيث لم يكن يسمح لمن هو دون الاربعين بدخولها باستثناءات قليله و شرطه الاحابيش و هي شرطه تقوم علي حمايه البيت و منازل اريستقراطيه قريش..كانت مكه التي يشير اسمها رمزيا الي هذه الحركه نحو الالتقاء و التقريب و الجذب بفعل دورها الديني قد تحولت الي ماهو اكثر من ذلك..كانت مكه قد اصبحت مركزا يتجلي او سيتجلي فيه التاريخ من جديد حيث يكون طابع حركته النوعيه قد اشر علي الحاجه الي دوله مركزيه و ايديولجيا توحيديه تستطيع ان تكون الاطار الثقافي المعبر عن هذه الضروره....فكيف حدث ذلك؟

-4-

-و بينما كانت البنيه القبليه تتفكك علي مستو الواقع الاقتصادي و الاجتماعي بمعناه المباشر كانت تجري حركه اخري علي مستو اللغه و التعبيرات الثقافيه تسير في نفس اتجاه الحركه التي اشرنا اليها اي خلق الاسس الضروريه للانتقال الي التوحيد السياسي و و الاجتماعي و الثقافي او الديني..يشير جواد علي في موسوعته تاريخ العرب قبل الاسلام الي اكتشاف سلسله من الوثائق اللغويه التي تكشف عن تحول تدريجي للخط النبطي ( خط عرب الشمال و هو امتداد للاراميه) الي خط عربي فصيح او ما عرف بعد ذلك بلهجه قريش و تكشف اقدم هذه الوثائق و تسمي ام الجمال 250 م عن كتابه نبطيه بقواعد عربيه بينما تكشف اخرها و تسمي برديه حران 568 م عن انفصال ملموس للخط العربي عن الخط النبطي..اما الملمح الثاني فيما يخص اللغه فهو هيمنه لهجه قريش العربيه الفصحي علي سائر اللهجات العربيه تدريجيا و ذلك بفعل الدور المركزي لقريش في الحياه الاقتصاديه و الاجتماعيه في اخريات الساس الميلادي, يقول الفراء( ان قريشا كانوا يسمعون لغات العرب فما استحسنوه منها تكلموا به فصاروا افصح العرب) و يشير باحث كصبحي صالح في راسات في فقه اللغه العربيه ان الشاعر من غير قريش كان يتحاشي خصائص لغته(اللهجه غير القرشيه) و يقدم شعره للناس بلغه الفوها و اصطلحوا عليها..علي ان هذا التوحد او الهيمنه التدريجيه للهجه قريش العربيه الفصحي لم ينفيا تماما تعدديه اللهجات لفتره انتقاليه داخل الجزيره العربيه يقول ابن هشام صاحب مغني اللبيب في النحو (كان العرب ينشد بعضهم شعر بعض و كل يتكلم علي مقتضي سجيته التي فطر عليها و من هنا كثرت الروايات في الابيات) الا يذكرنا هذا بالسبعه الاحرف التي نزل عليها القران (ان هذا القران انزل علي سبعه احرف فاقراوا منه ما تيسر كما ذكر البخاري و مسلم!) و بعض المفسرين ينفي ان يكون المقصود بالاحرف لغات العرب او لهجاتهم و يقولون ان انكار عمر لقراءه هشام بن حكيم وقع علي الحروف و ليس علي المعاني لكن عبد الصبور شاهين مثلا في كتابه تاريخ القران يشير الي انه يرجح فيما يرجح في معني الاحرف السبعه اختلاف اللهجات و يقول ان النبي كان يقر بعض هذه القراءات اقرار لمن اقراه حيث انه لا يستطيع ان ياتي بلغه النبي علي وجه الدقه لاختلاف اللهجه و القدره و هو لا ينفي انها قراءه بالمعني ..اما الطبري فيشير الي ان الحروف السبعه ليست الا لغات"لهجات" من اللسان العربي و ان الامه حين خيرت بين هذه اللغات السبع فانها اختارت لعله من العلل الثبات علي حرف واحد منها و هو لهجه قريش في اشاره الي المصحف العثماني اي ان عمليه التوحيد اللغوي التي بدات مع القران بدرجه ما اكتسبت معناها النهائي في عصر عثمان..

-5-

و لعل ابرز ملمح ثقافي يمكن الاقتراب منه قبل ظهور الاسلام هو الملمح الديني, يذكر المستشرقون و الكلام لجواد علي ان لفظه دين هي لفظه فارسيه الاصل دخلت الي العربيه قبل الاسلام بفتره طويله و هي تاتي بمعني الحشر في الاراميه و العبريه و بمعني القضاء في البابليه و احد مشتقاتها في الاراميه تعني الديان او الحاكم المجازي اما كلمه الله و هي لفظ الجلاله فقد عثر عليها في بعض الكتابات الصفويه هي و مؤنثها اللات (الصفويه خط عربي قديم) ..علي ان ما يعنينا اضافه الي هذا التحليل اللغوي للكلمه هو معرفه كيف تجلت الظاهره الدينيه في جزيره العرب قبل الاسلام؟..يشير جواد علي ايضا الي ان العرب قد عرفوا بالاضافه الي اليهوديه و المسيحيه ديانات ذات طابع توحيدي(ليست توحيديه خالصه بالمعني الذي ورد بعد ذلك في الحنفيه و الاسلام) مثل ديانه ذو سموي اي صاحب السماء و ديانه الرحمن و هي ديانه جنوبيه انتقلت بعد ذلك الي اليمامه و كان نبيها هناك مسليمه بن الحبيب او مسليمه الكذاب احد الاحناف..كما عرف الجنوب العربي ايضا عباده اله الشمس (في تاثير مصري ظاهر) في مرحله سابقه لهذه الديانات ذات الملمح التوحيدي و بالتحديد في عهد الدوله السبئيه علي ان هذا العرض السريع لا يغطي بالقطع الملامح الكليه للظاهره الدينيه في شبه الجزيره العربيه قبل الاسلام لان ما يهمني فيه هو الاشاره الي هذه السمه و هي هيمنه التوحيد في اخريات القرن السادس و اوائل السابع الميلاديين كضروره او كتعبير عن اتجاه البنيه الاقتصاديه الاجتماعيه التي بدات وحداتها القبليه القديمه في التفكك و اصبح هناك حركه بينه نحو تاسيس دوله مركزيه لعوامل تحدثنا تحدثنا عنها سابقا..اقول كيف انعكس ذلك علي الظاهره الدينيه؟..لعله من اكثر الملامح اثاره في التعبير عن هذه الحركه التوحيديه كان قيام بعض القبائل في القرن السابق لظهور الاسلام بعمليه توحيد جزئي لما تعبده من اصنام مثل ذو الخلصي و الاقيصر الذي توحدت خلف كل منهما مجموعه من القبائل كاله مشترك و جلي ان هذه الوحده لم تكن وحده دينيه! لقد بدا مثل هذا التوحيد الجزئي كحلقه انتقال نحو الهيمنه الكليه لتوحيد جذري يدق الابواب.. فكيف حدث ذلك؟...

-6-

لعل التجربه الدينيه و ربما كنت اشير الي الديانات الابراهيميه الثلاث تحديدا تتسم بتعدد مستوياتها مابين رمزي و معرفي و تشريعي ..اما المستو الاول و هو المستو الرمزي فهو الذي يشكل تجربه الانسان الروحيه و الوجدانيه و يعكس الطابع الفردي و الخاص في هذه التجربه ذلك الطابع الذي يجعل من الديني او الوجداني/الرمزي شرطا للوجود الانساني! و لنتأمل قليلا هذه الفكره قبل ان نمضي الي التعامل مع مستويات اخري في هذه التجربه...تحكي لنا كاربن ارمسترونج في كتابها قصه قصيره للاسطوره ان انسان النياندرثال( و هو يسبق الهومو سابينس الذي هو نوعنا البشري في سلم التطور) كان يحتفظ في قبره بأسلحه و ادوات و عظام حيوانات مقدسه !.و كان هذا يعني ان نوعا ما من الاعتقاد بحياه اخري كان فاعلا في ذاكرتهم و هو ما يمثل بالنسبه لها روايه مضاده تحيل الي معني للوجود و تمكن هذا الكائن ما قبل البشري من اقامه علاقه مع الفناء!..نعم ان عظام الحيوانات المقدسه التي غالبا ما تشير الي اعتقاد طوطمي كانت ضروره لمجابهه العالم الذي يحيل الوجود الي فناء في الذهن اللاديني و يفعل العكس في حاله الاعتقاد..و تمضي كارين ارمسترونج مع هذه الفكره قائله و هكذا يمكنني ان اقول ان الانسان حيوان يسكنه المعني, يسقط في اليأس و الالم و الاضطراب و يري العلم من حوله في فوضي عارمه و لكنه لا يستسلم, ذلك انه تعلم و منذ البدايه كيف يخلق الروايات اللازمه التي تمكنه من المجابهه و الاستمرار...ان هذه الخبره الوجدانيه او الدينيه تكاد تحايث الوجود الانساني بهذا المعني رغم كونها تتجلي باشكال مختلفه طبقا للسياق المعرفي و الثقافي الذي تظهر فيه و اعني ظهورها في صوره طوطميه او صوره الهه متعدده تعبر او تقف وراء قوي الطبيعه او حتي في صوره اله واحد تتعدد اقانيمه او تتحول صفاته الي عين هذه الذات في توحيد كلي وصارم..فبماذا يفيد هذا التقديم في موضوعنا؟...قلنا ان الجاهليه الاخيره اتسمت بجمله من التحولات الاجتماعيه و الاقتصاديه و الثقافيه مهدت لظهور الاسلام و من ضمن هذه التحولات في الاطار الثقافي كان ظهور او بمعني ادق بدايه سياده التوحيد و اشرنا الي محاولات لتوحيد بعض الهه القبائل في اطر اكثر شمولا تعبر عن وحده هذه القبائل الا اننا لم نشر الي الظاهره الاهم في هذا السياق و هي ظاهره الحنفيه او الاحناف الموحدين...و السؤال هو كيف يمكن ان تعكس او تعبر العلاقه بين الحنفيه و الاسلام عن مستويات متباينه داخل الظاهره الدينيه او تلك العلاقه بين الرمزي و التشريعي؟...........

-7-

يحكي البلاذري (توفي نحو 279 هجريه)" ان سويدا بن الصامت لقي الرسول يوما فدعاه الرسول الي الاسلام فقال سويد لعل الذي معي مثل الذي معك فقال النبي و ما الذي معك؟ قال سويد مجله لقمان فقال اعرضها علي فعرضها عليه سويد , فقال ان هذا الكلام حسن و الذي معي افضل منه قران انزله الله علي من هدي و نور"..اما سويد هذا فهو احد الحنفاء كما يذكر الاخباريون العرب قال عنه صاحب الاغاني كان سويد احد الكمله اي رجلا كاملا, فمن هم الحنفاء؟..ذكر علماء المسلمون ان اصلها حنف بمعني مال فالحنف ميل عن الضلال او ميل اليه و يري بعض المستشرقون ان اللفظه اصلها عبري (لاحظ العلاقه مع الاختتان) و يري اخرون ان اصلها عربي و يستخدمها السريان في الاشاره الي الصابئه كما وردت في بعض النصوص العربيه الجنوبيه بمعني صبأ..و يقول جواد علي اننا عرفناهم من القران و كتب الاخباريين المسلمين فليس في كتابات المسند و لا في الكتابات الجاهليه الاخري ولا في كتب اليونان او اللاتين شيئ عن عقيدتهم!...و قد ظهروا بشكل رئيسي في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي اي قبل الاسلام بنحو نصف قرن و كان من ابرزهم "اميه بن ابي الصلت و قيس بن ساعده و وزيد بن عمرو بن نفيل (الذي قيل عنه انه يبعث امه وحده) و حاتم الطائي و زهير بن ابي سلمي وورقه بن نوفل خال خديجه زوج الرسول و بحيره الراهب الذي عد حنفيا في بعض الكتابات و نصرانيا في كتابات اخري و ابوقيس بن الاسلت و مسليمه نبي اليمامه و سويد بن الصامت احد الكمله و اخرين"..و قد امتدوا بين بين مكه و اليمن و اليمامه و دعوا الي التوحيد و الايمان بالله و اليوم الاخر و الشرك بالاصنام و حرموا الخمر و اكل الميته و الاخذ من انصاب الاوثان اي رفض الاخذ من الذبائح المقدمه للاوثان و يذكر الاخباريون ان الحنيف كان من اختتن و حج البيت و يضيف الطبري الي ذلك ثم استقام علي مله ابراهيم! و يلاحظ جواد علي ايضا ان جميع من حشرهم الاخباريون بين الحنفاء كانوا من القارئين الكاتبين العالمين بالاراء و المذاهب و الديانات..و هناك ملمح اسطوري في حياه بعضهم مثل قس بن ساعسه الايادي الذي امتد عمره في روايات الاخباريين الي عده مئات من السنين!....فما هي الحنفيه اذا؟ تقدم الايديولوجيا الدينيه الفكره التوحيديه بوصفها فكره قديمه قدم الوجود الانساني و تفسر التاريخ بانه صراع بين التوحيد او الايمان و التعدد او الشرك و هو صراع لا يلبث ان ينتصر فيه احد القطبين حتي يعود الامر الي القطب المضاد, ان التاريخ هنا يشار اليه بشكل دائري مغلق لا يلبث ان يكشف عن ذاته في مراوحه تنتهي بظهور الاسلام, فهل الاسلام بهذا المعني هو نهايه للتاريخ؟! حيث تفسر الحركه في الزمان و المكان بانها تكشف للمعاني الكليه القائمه في النص..ان مثل هذا التصور هو نفي للتاريخ او سلبه خصيصته الرئيسيه و هي اطلاقيته او الطابع التطوري للحركه داخله...الحنفيه كما يمكن ادراكها من منظور تاريخي هي الكشف عن الطابع الرمزي الوجداني في التجربه الدينيه كما اشرت اليها قبلا في اطار تصور عقيدي توحيدي ينسجم مع ضرورات الواقع بمستوياته الاجتماعيه و الاقتصاديه و السياسيه و الثقافيه..الحنفيه بهذا المعني هي استغراق في التاريخ و ليس تعاليا عليه, و رغم ان الفكره التوحيديه باشكال متباينه كانت قائمه في العالم القديم المحيط بجزيره العرب مثل مصر و العراق منذ فتره تتجاوز الاربعه الاف سنه الا اننا نتحدث عن حضارات زراعيه كانت قادره علي تمثل مثل هذا التجريد للالوهه..اما الحنفيه و التي ظهرت في اطار بنيه اجتماعيه اقتصاديه مختلفه "رغم ان هذا لا يمنع من التاثر الثقافي بثقافات توحيديه مجاوره في اطار ادماج او تبني مفهوم التوحيد في بنيه جديده تتشكل.." فهي التعبير عن التوحيد في الزمان و المكان المحددين! انها التاريخ متعينا و ليس مجرد اطارا تجري داخله الاحداث و الوقائع كما تدور وقائع العمل السينمائي علي اطار نراها من خلاله بينما يظل سبب و دافع حركه هذه الوقائع قائما خارج هذا الاطار...

-8- في كتابه موسي و التوحيد يسعي فرويد للتمييز بين موسي التوراتي و موسي التاريخي او الممكن تاريخيا فيشير و نقلا عن بريستد ان كلمه موسي بالمصريه القديمه كانت تعني طفلا و هكذا فان اسماء الملوك في مصر القديمه تعني طفل الاله او ابن الرب فاسماء تحتمس و رمسيس و غيرها يمكن ان تفكك علي النحو التالي تحتوت-أ-موس او رع-أ-موس (thut-A-mose)&(ra-A-mose)...etcو هكذا فان موسي اي الطفل يصبح ابن رع او ابن تحتوت و بمعني اخر تكون الترجمه بدقه اكثر كالتالي الاله رع او الاله تحوت اعطي طفلا"يشير فرويد في هذا السياق الي انه ليس مسئولا عن استنتاجات بريستيد و انما يبني عليها" و يعود فرويد بعد ذلك للنظر الي الاسطوره الموسويه من زوايه اخري و هي بنيه الاساطير التي تزامنت او سبقت الاسطوره الموسويه فيقول ان اغلب الشعوب المتحضره قديما قامت بنسج اساطير و ملاحم حول ابطالها القوميين و خصوصا فيما يتعلق بميلادهم و طفولتهم المبكره و يمضي قائلا و قد لاحظ اغلب الباحثين هذا التشابه بين بنيه هذه الاساطير"سواء كان تشابهها كاملا او جزئي" حتي لو كانت تنتمي الي شعوب متباينه و من ابرز هذه الملامح ان الطفل المولود و هو غالبا ابن لفئه عليا او لاسره حاكمه يتم الحمل به بشكل سري و خلال حمل الام به تاتي رؤيا للاب محذره اياه من مولود ابن يصبح خطرا عليه و علي مملكته او علي سلامته و كنتيجه لذلك فان الاب او من يمثله يعطي امرا بقتل الابن و في اغلب الاحيان فأن الابن يوضع في سله و يترك للامواج التي تحمله الي امرأه اخري من اصل متواضع تقوم بأنقاذه...و سرعان ما يبلغ الابن/البطل و يكتشف اصله النبيل و يتعرف عليه ناسه او جماعته و يستعيد مجده و شهرته المفقوده..يقول مثلا سرجون الاكادي مؤسس بابليون "انا سرجون الاكادي الملك العظيم الذي حملت به امه سرا و اطلقته في النهر حيث تم انقاذي علي يد اكاي المنقذ من المياه..الخ و تتكرر هذه الحكايه مع كل من سرجون الاكادي و سيريس الفارسي و روميليوس توأم روما و موسسها و باريس الذي عرف بالاسكندر او الاسكندروس و امفيون و تيلفوس و الطفل يسوع...الخ اما الملاحظه الثالثه التي يشير اليها فرويد في مقدمته و هو الذي يقدم فرضيه مفادها ان موسي التاريخي او الممكن تاريخيا لم يكن عبرانيا و انما احد كهنه الاله اتون المصري فهي الاشاره الي العلاقه بين اتون و ادوناي العبراني و ادونيس السوري..هي اذا ثلاث اشارات يضعها في مقدمته الهامه في كتابه موسي و التوحيد في اطار اعاده انتاج العلاقه بين موسي التوراتي او اللاهوتي و بين موسي التاريخي او الممكن تاريخيا اي موسي الذي تمكن معرفته! و الفرق الاساسي في هذا السياق ان موسي التوراتي او المنقذ من الماء هو معرفه(اللاهوت بالقطع ينتج معرفه ايضا و التمييز الذي قصدته في المقدمه هو محاوله لنفي امكانيه ان يقدم لنا التفسير اللاهوتي معرفه حقيقيه) تتسم بالجزئيه و الانفصال عما سبقها او تلاها من تيمات مشابهه او روايات مطابقه كليا او جزئيا..انها معرفه تستغرق في بنيه ذاتيه لو جاز التعبير, يقول شوبرت اوجدن اللاهوتي المسيحي انه لا توجد وقائع تاريخيه موضوعيه يمكنها ان تميز محتوي المعرفه اللاهوتيه فهي ممكنه فقط كخبره وجوديه..فكيف يمكن ان نشير الي العلاقه بين اللاهوتي و المعرفي في الحاله الاسلاميه؟

-9-

كان الله هو موضوع التوحيد في اللاهوت الاسلامي فهو ذات منفرده كليه القدره و المعرفه "لا شريك له يحي و يميت و هو علي كل شئ قدير و هو الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا احد"و يمكن معرفه او مقاربه علاقته بالعالم من خلال جمله من الصفات التي تتحدد بها هذه العلاقه بالعالم..فمن هو الله؟ يري جواد علي ان معظم اسماء الالهه العربيه القديمه هي صفات في الاصل استعملت فيما بعد استعمال الاعلام..فمن النصوص التي اشارت الي صفات الالهه في الخط المسند جاء ذكر صافت من نوع "رحم اي رحيم", "و حلم اي حليم","وسمع اي سميع" كما ورد وصف "أل تعلي او ايل تعالي (تعالي الله عما يصفون)"..اما في النصوص الثموديه فقد اطلقت علي الالهه نعوت منها "عم اي رحيم رؤوف","و رم بمعني عظيم", "و ابتر اي الذي ليس له ولد"..و قد ورد نص ثمودي ختم كالاتي" ه ال ه ابتر بك سرور لنا..اي فيا الهي او الهنا الذي ليس له ولد بك سرور لنا", اما صفه" هاعرف اي العارف فقد وردت ايضا في نصين قديمين و عبر عنها بلفظ حصي او احصي اي احاط بكل شئ فهو بكل شئ محيط"..و في النصوص الثموديه وصفت الالهه باوصاف اخري مثل"عبر بمعني القدير و ذو عبر بمعني ذو القوه و القدره و ايضا وصفت بكونها العوذ اي الملجا لكل انسان بالاضافه لوصف للعلي او المتعالي", و الاله مغيث في هذا النص الثمودي ايضا الذي يقول فيه المتعبد لله"اعطني لبك يا مغيث اي اسمع ندائي يا مغيث", و كان احد الالهه الجنوبيه الشهيره و هو عنتر يشار اليه" بعنتر ذو قبضم او عنتر القابض"..و هو ايضا"عنتر نورو اي عنتر نور و الله هو نور السماوات و الارض"..و ذهب بعض علماء اللغه الي ان ايل التي ينسب اليها مكائيل و جبرائيل و عزرائيل هي لفظه عبريه الاصل و تاتي بمعني القادر و العزيز و القهار و القوي و الحاكم اي تنسب اليها هذه الصفات..اما في نصوص المسند فقد ورد "ود و هو احد الالهه الجنوبيه و ينسب للقمر سمع اي سميع و حكم اي حكيم و حلم اي حليم وعلم اي عليم و رحم اي رحيم و رحمنن اي رحمن..و قد عرفنا قبلا ان رحمن كان الها جنوبيا رمز الي التوحيد كما ان مسليمه الحبيب او الكذاب كان من عباد الرحمن في اليمامه"..فاسماء الله الحسني بهذا المعني المشار اليه هي صفات قديمه تحولت الي اسماء اعلام في مركب توحيدي بعينه ظهر في لحظه اتسمت بمواصفات اقتصاديه و اجتماعيه و ثقافيه تؤسس لهذا الظهور و تلك العلاقه بين الذات و الاسماء و الصفات!..و التشكل التاريخي لله بهذا المعني منظورا اليه من خلال العلاقه بين الذات و الاسماء و الصفات ربما يكون ضروريا كمقدمه عند الاشاره الي اشكاليه الذات و الصفات تلك الاشكاليه التي انفجر علي اثرها علم الكلام اللاهوتي من داخله في محاولته للبحث في الذات و الصفات التي انتهت بنفي امكانيه البحث في الذات و الصفات و طرحت سؤال التوحيد مفتوحا علي مصراعيه للبحث التاريخي و للممارسه المعرفيه التي تتجاوز محددات اللاهوت..اشير اذا الي ان مفهوم الله هو تركيب من كل تلك الممارسات اللاهوتيه و الدينيه السايقه علي ظهوره بشكل شبه منسجم في بدايات السسابع الميلادي.."



#امير_عزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - امير عزيز - بين الاسلام و التاريخ مقاربات اوليه..قبل التاسيس