أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - نقد الفن بالكلمة خيرٌ وأبقى















المزيد.....

نقد الفن بالكلمة خيرٌ وأبقى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3852 - 2012 / 9 / 16 - 21:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نقد الفن بالكلمة خيرٌ وأبقى
طلعت رضوان
يحكى تاريخ السينما العالمية والمصرية أنّ الأفلام الهابطة والمُسفة تموت بعد عرضها الأول الذى يستغرق أسبوعًا أوإثنيْن على الأكثر، بينما الأفلام ذات المستوى الفنى الرفيع ، تعيش فى الوجدان لعدة سنوات ، ويتشوّق محبوهذا الفن لمُشاهدة العمل أكثرمن مرة. وأتذكرأنّ فيلم (باب الحديد) لم يُقبل عليه الجمهورعند عرضه لأول مرة ، وبعد سنوات تغيّرتْ الذائقة الفنية لدى شعبنا ، فشاهدتُ أقاربى (أميين ومتعلمين) وهم يستمتعون به ويعترفون بأنهم شاهدوه عدة مرات وفى كل مرة يشعرون بمتعة الفرجة الأولى . وكلما تذكرتُ الفيلم المنسوج بخيوط الدراما والعلم عن قصة حياة العالمة (هيلين كيلر) أسال نفسى : من يستطيع مقاومة ترك كل ما يشغله ، ليُشاهده عشرات المرات ؟ أومقاومة مشاهدة الفيلم الروسى المأخوذ عن رواية سرفانتس (دون كيشوت) الذى جمع بين المتعة الفنية والفلسفة والكوميديا الراقية. ونفس الشىء عن كل الأفلام عن حياة مشاهير العلم والفن فى أوروبا. ومن يستطيع مقاومة مشاهدة فيلم (الزوجة الثانية) لعدة مرات ، تضعف المقاومة فى كل مرة لأنه (فلتة) من فلتات السينما المصرية.
خرج الآلاف إلى الشوارع يعترضون على الفيلم الأمريكى الذى تعرّض لحياة النبى محمد (ص) فهل شاهد أحد من هؤلاء الشاب الفيلم ؟ أزعم أنّ أغلب من كتبوا عنه لم يُشاهدوه . وأنهم لايعلمون اسم الفيلم الأصلى (براءة المسلمين) وأنّ شركة جوجل حجبتْ عرضه فى ليبيا ومصر. وكان محرر صحيفة الشرق المصرية دقيقــًا عندما كتب أنّ مدة الفيلم (كما يتردد) ساعتيْن . أى أنه لا أحد يعلم حتى المدة الزمنية لعرض الفيلم . ورغم ذلك اعتمد المتظاهرون ضد الفيلم على ما كتبه الشيوخ فى الصحف وما قالوه فى الفضائيات ؟ إذن نحن أمام آلية (القطيع) الذى يؤمن براعى القطيع الذى حرّض على العنف كبديل للرد الحضارى على صانعى الفيلم. هذا التحريض الشعبوى يُمثل إساءة للإسلام وإساءة لتاريخ مصرالحضارى ، ليس التاريخ القديم فقط ، وإنما التاريخ الحديث ومثاله الشهير الحوارالممتع الذى داربين الشيخ الإمام محمد عبده وفرح أنطون حول فلسفة ابن رشد والفرق بين الإسلام والمسيحية ، فلا يجد القارىء لهذا الحواركلمة تجريح واحدة ، وإنما طرح وجهة النظربأسلوب شديد الرقى من الطرفيْن . هذا الرقى الحضارى فى الحواربين خصميْن على طرفىْ النقيض ، سببه الوحيد أنهما احتكما للعقل . وإذا ردّ أحد المُتعصبين أنّ هذا حوار دار على صفحات مجلة الجامعة ، وهى محدودة التأثيرعكس الفيلم السينمائى ، فإنّ الاجابة فى شكل سؤال: ولماذا لم تخرج المظاهرات فى أروربا وأمريكا ضد صناع عشرات الأفلام التى انتقدتْ الديانة المسيحية ، بل وانتقدتْ شخص السيد المسيح عليه السلام؟ الاجابة أنهم هناك يردون على الفيلم بفيلم آخر، أوبالعديد من المقالات النقدية التى تـُخطىء السيناريست والمخرج. هنا أيضًا نجد أنّ الاحتكام للعقل هوالذى يجعل الأمورتسيربشكل طبيعى دون اللجوء إلى التحريض الشعبوى . وأعتقد أنه لوأنّ المُحرّضين ضد الفيلم الذى تعرّض لحياة النبى محمد (ص) احتكموا للعقل ، لكان عليهم أنْ يسألوا أنفسهم الأسئلة التالية :
هل النبى الكريم يوافق على أفعالهم ؟ هل يوافق على محاولة اقتحام السفارة الأمريكية ؟ أوليس أعضاء السفارة فى حماية مصر؟ وهل يوافق على الاعتداء على أبنائنا من جنود وضباط الشرطة المصرية؟ وما ذنبهم لأنْ يكون من بينهم قتلى ومصابين؟ وهل يؤخذ مجموع المسيحيين والديانة المسيحية بذنب سيناريست ومخرج أوحتى عدد من الممثلين؟ لقد سمعتُ شيوخ الفضائيات وأئمة المساجد اليوم (14سبتمبر) فى خطبة الجمعة وهم يُحرّضون على كراهية كل المسيحيين ، فهل هذا هوالانتصارللإسلام؟ أليس ما يحدث إدانة للإسلام؟ أليس هذا التحريض من عوامل تأجيج نارالاحتقان الدينى فى مصر؟ وماذنب المسيحيين المصريين ليُحاسبوا على فيلم لادخل لهم فيه؟ ولماذا لم يتعظ المُتعصبون من البيانات التى أصدرتها كنائس مصر(بكل طوائفها) ضد الفيلم ؟ وكذلك أصدر ائتلاف أقباط مصر(بالاشتراك مع الكنائس المصرية الثلاث) عدة بيانات استنكرتْ فيها الفيلم ، بل وطالبوا بتوقيع أقصى العقوبة على صناع الفيلم (الشروق المصرية 14/9/2012) وهل يجوزأنْ يصل الأمرلدرجة تمزيق الكتاب المقدس ثم حرقه أمام جميع المُتظاهرين المُتواجدين حول السفارة الأمريكية؟ وهوالفعل الذى قام به الشيخ أحمد عبدالله الشهيرب (أبوإسلام) وصاحب قناة (الأمة الإسلامية) والخبرنشرته صحيفة الشروق المصرية (مصدرسابق) وأهميته أنّ د. مصطفى المراغى (رئيس ائتلاف أقباط مصر) وأستاذ القانون والشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة هوالذى تقدّم ببلاغ ضد (أبوإسلام) إلى مكتب النائب العام بتهمة ازدراء الأديان .
ولعله من حُسن حظ مصرأنّ مُتعصبيها لم يفعلوا ما فعله متعصبو ليبيا الذين قتلوا السفير الأمريكى وثلاثة آخرين ؟ فما ذنب هؤلاء ؟ هل هم الذين أخرجوا وأنتجوا الفيلم؟ أليست الجريمة شخصية وكذلك العقوبة شخصية؟ ولنا أنْ نتصورأن هذا حدث فى مصر، فهل ستتغاضى الإدارة الأمريكية على قتل أبنائها ؟
خطورة انتصار العاطفة على العقل :
لاشك أنّ احترام معتقدات الناس الدينية ، مسألة بديهية ، لاينكرها إلاّ الأحمق والمعتوه والمُتجرد من حكمة العقل والمشاعرالنبيلة. وأنا على يقين أنّ شعبنا (كما كتب كل علماء الاجتماع) شديد الحرص على احترام معتقدات الآخرالمختلف معه دينيًا . وهذا هو ما كان عليه طوال عدة آلاف من السنين ، إلى أنْ جاء الغزوالأصولى فى السنوات الماضية ، ومع ذلك فإنّ أغلب شعبنا لايزال على فطرته السليمة ، التى تحرص على عدم الاعتداء (سواء بالكلمة أوباليد) على المختلف معهم دينيًا . ولكن هذه الفطرة الطبيعية تـُعانى من هزال جهازالمناعة القومى ، أى أنها مُهدّدة بالهزيمة أمام طغيان اللغة الدينية التى اكتسحت شتى مؤسساتنا . والأمل الوحيد لتقوية جهازالمناعة القومى فى مؤسستيْن : التعليم والإعلام . فإذا كانتْ الغاية وطنية لصالح النهضة والحرية والتقدم ، لابد أنْ تكون رسالتهما ترسيخ المبدأ الذى رفع الشعوب المُتحضرة إلى الصفوف الأولى عالميًا : الرسالة هى أننا أبناء وطن واحد اسمه (مصر) وأننا مصريون رغم اختلاف الديانة أو حتى المذهب . فهل يمكن تغييرالمناهج التعليمية لتحقيق هذا الهدف البديهى : تعميق انتمائنا لمصر؟ الاجابة تحتمل (نعم ممكن) وتحتمل (لايمكن) لو ظلّ الوضع على ما هو عليه حاليًا ، والاصرارعلى فصل أبناء مصر داخل جدران المدرسة. أما احتمال (نعم ممكن) فلابد أنْ نبدأ بجيل الأطفال : لابد من انتهاء كارثة فصل التلميذ المسلم عن التلميذ المسيحى فى حصة الدين . والبديل مادة (الأخلاق) يكتبها علماء فى علم الاجتماع ، بها آيات من القرآن العظيم وآيات من الأناجيل الكريمة التى تحض على التماسك الأسرى ، وعطف الكبيرعلى الصغير، واحترام الصغيرللكبير، ونماذج من كتابات جدودنا المصريين القدماء ، مثل الوصية التى قالها الحكيم (آنى) لابنه ((إذا دخل عليك إنسان أكبرمنك سنـًا ، فعليك أنْ تقف له ، حتى لوكنتَ أنتَ أعلى منه منصبًا)) وفى المراحل التالية (اعدادى ، ثانوى ، جامعى) يتعرف الطالب على المدارس والمذاهب الفلسفية المختلفة. فمثلا يقول بوذا ((الشخص الخيرهو وحده الذى يمكن أنْ حكيمًا . والشخص الحكيم هو وحده الذى يمكن أنْ يكون خيرًا)) وقال أيضًا (( إذا زرعتَ شجرة فلا تقطف كل ثمارها.. أترك بعضها للطيرالمهاجر.. وللإنسان العابر)) أما القاعدة الذهبية التى وضعها كونفوشيوس فهى ((عامل الآخرين بما تحب أنْ يعاملوك به)) والقاعدة الثانية ((لاتفعل بالآخرين ما لاتريد أنْ يفعلوه بك)) أما برامج الإعلام فعليها مراعاة خطورة طغيان اللغة الدينية. وإذا كانت الفضائيات تدخل فى نطاق (كل صاحب دكان حر فى تجارته) فعلى تليفزيون الدولة أنْ يُحقق التوازن ، بأنْ يكون للعقل دور فى تنويرأبناء شعبنا ، وذلك لن يتحقق إلاّ إذا سمح لأصحاب العقول الحرة والضمائرالحية بمخاطبة المشاهدين ، وأنْ يأخذوا فرصتهم لأداء دورهم الوطنى . فهل يأتى يوم على (مصرنا) يكون فيه الانتصارللعقل ؟ وأنْ تبقى العواطف فى إطارها الصحيح ، أى داخل نطاق البُعد الشخصى ، فلا تخلط بينه وبين شئون الوطن؟ أعتقد أنه لو تم ذلك ، فإنّ النقد بالكلمة أو بالقانون ستكون له السيادة على أى هجوم على المقدسات الدينية. وأنّ تأثيرالنقد أعمق من التحريض الشعبوى . والفائدة الثانية نكون قد هزمنا آفة آلية القطيع .
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفغانستان بين الاستعماريْن الإنجليزى والروسى
- الليبرالية المصرية بين الفشل والنجاح
- لويس عوض و(إلحاد) الأفغانى
- جمال الدين الأفغانى فى الثقافة السائدة
- العلاقة بين الشعر والفلسفة
- شخصية فى حياتى : بورتريه للسيدة ن. ن
- الأصولية تلاحق الشاعر أحمد شوقى
- الدم العربى فى قصور الوحدة العربية
- المواطنة من المنظور الأصولى الإسلامى
- أسلمة الدولة المصرية
- التنوع الثقافى فى إطار الوطن الأم
- الوجه الإنسانى - قصة قصيرة
- عيون بلا ذاكرة - قصة قصيرة
- أضلاع المثلث أربعة
- فى البدء كانت العتمة - قصة قصيرة
- الإبداع الشعبى والإبداع التشريعى
- لماذا لا يتعظ الإسلاميون والعروبيون من الدرس ؟
- العرب ظاهرة صوتية
- الحضارة المصرية بين علم المصريات والأيديولوجيا
- البحث عن خنوم : حدود العلاقة بين الإبداع والتراث


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - نقد الفن بالكلمة خيرٌ وأبقى