أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ما يستقيم وما لا يستقيم في معالجة -الأزمة السورية-














المزيد.....

ما يستقيم وما لا يستقيم في معالجة -الأزمة السورية-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3852 - 2012 / 9 / 16 - 18:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



إذا أراد السيد الأخضر الإبراهيمي خدمة "سيده الوحيد"، الشعب السوري، على ما قال في تصريح له قبل أيام، فسيكون عليه العودة أولا إلى أصول المسألة السورية. خرج السوريون معترضين على نظام استبدادي شديد العدوانية، يحكم منذ 42 عاما البلد العربي الوحيد الذي جرى توريث الرئاسة فيه عائليا. أكثر الثورات العربية تفجرت في بلدان حكمها طغاة كانوا يعتزمون توريث مناصبهم لأبنائهم أو من في حكمهم، ونجحت في إسقاط هذا النكوص المشين.
القضية في سورية هي ثورة ضد هذا الطغيان الملوكي، يلخصها شعار رفع في بداية الثورة: الله، سورية، حرية وبس! مقابل شعار الموالين: الله، سورية، بشار وبس! وهو ما يجسد علاقة النفي المتبادل بين بشار والحرية: حيث الحرية لا بشار، وحيث بشار لا حرية للسوريين. وقد تكثف هذا أيضا في شعار آخر شهير لا شك أن الإبراهيمي يعرفه: "الأسد أو لا أحد"، أي حيث لا بشار فلتكن سورية يبابا، أرضا محروقة على ما تقول صيغة أخرى للشعار نفسه. والبرنامج المضمن في هذا الشعار هو ما يجري تطبيقه فعلا. فإن كان لسورية أن تبقى بلدا ودولة، وهو ما نفترض أن الدبلوماسي الجزائري يسعى إليه، فينبغي أن يرحل الأسد.
فد تبدو هذه استدلالات منطقية في مجال قلما يجدي فيه المنطق: السياسة. لكن دون انضباط بالمنطق لا تستقيم السياسة، تغدو مجالا مباحا للقوة العارية والاعتباط، وهو الواقع في سورية اليوم، وهو ما اقتضى مهمة الإبراهيمي أصلا. لا يستقيم أن من يداوم على قتل السوريين منذ عام ونصف يبقى رئيسهم، ولا يستقيم أن يقصف نظام أحياء مدنه وبلداته بالطيران الحربي ثم يبقى حاكما. إذا لم نستند إلى مقدمات وأصول ثابتة مثل عدم جواز قصف المدن بالطائرات والدبابات، أو تحريم اغتصاب نساء وأطفال في المعتقلات (وهذا وقائع مثبتة)، فإنه لا شيء يستقيم، وسنتأدى إلى الخراب العام. لا يلزم أن يكون الواحد منا ثوريا كي يقول ذلك. يلزم فقط القبول بأن هناك منطقا في الأمور، أن هناك ما يستقيم وما لا يستقيم، وأن الإصرار على إقامة ما لا يستقيم هو باب للعنف حصرا. الجمهورية لا تصير مملكة إلا بالعنف، وقوانين الاستثناء لا تدوم عقودا إلا بالإكراه ، والطاغية الصغير لا يغدو عظيم شعبه وسيد وطنه إلا بتعنيف الأجساد والنفوس. الأسد هو قرين للعنف أو معادل له بقدر ما إنه قام على أحوال استثناء دائمة وعلى قلب الجمهورية ميراثا وعلى رفع الألثغ الركيك فوق مرتبة البشر.
والبدائية السياسية في بدلنا والعالم العربي متولدة عن انفصال السياسة عن المنطق العام، وعن أي منطق خاص بها (عمومية الدولة وبشرية الحاكمين ومسؤوليتهم والتساوي بين المحكومين...)، تترابط فيه نتائج بمقدمات، وينضبط بأصول عما يجوز ولا يجوز. التقدم السياسي ممتنع دون ذلك.
وفي سورية اليوم ثورة واسعة النطاق جغرافيا وبشريا، وسقط خلالها فوق 25 ألفا من السوريين الذين يبدو ماضين في ثورتهم لا يوقفهم شيء. ما يعني أن شجاعة الشعب الثائر وآلامه تؤازر المنطق في وجوب أن يرحل السيد بشار الأسد، وكلما تحقق ذلك في وقت أبكر كان أحسن.
الأرجح أن الإبراهيمي سمع من المسؤولين السوريين كلاما عن مؤامرة خارجية، وعن إرهابيين محليين ووافدين، وعن أن سورية (= النظام) مستهدفة بسبب مواقفها.. إلخ. كذب صرف. ولعله لو يتفحص ما يسمعه بمعاير المنطق المجرد أو بمعيار الدولة الحديثة لوجد أن الثابت الوحيد وراء ما سمه وسيسمع هو إرادة بشار الأسد وطاقمه البقاء في حكم البلد إلى الأبد ودون حساب أو مساءلة من أحد. هذا غير إنساني ولا يستقيم.
للسياسة مطرح مع ذلك: كيفية خروج بشار الأسد، وآليات التغيير السياسي في البلد، ومن قد يجري التفاوض معهم من جهة النظام. لكن لا ينبغي أن يكون بقاء بشار وفريقه من مسؤولي القتل الرئيسيين موضوع تفاوض إن كان للمهمة أن تثمر ولسورية أن تنجو. هذا ليس اشتراطا تحكميا ولا تفضيلا ذاتيا، وإنما هو مقتضى منطقى لتخليص سورية من العنف، وهو النقطة الأساسية في مهمة الإبراهيمي. العنف هو بشار الأسد، كشخص وكاسم للنظام. سلام لسورية والسلام في سورية يعني انصراف بشار الأسد. فإذا تقرر هذا المبدأ، زال كل عائق أمام السياسة والمبادرات السياسية، وصار الإبراهيمي شخصيا في موضع قوة لاشتراط أي شيء على الثائرين السوريين.
نذكر الدبلوماسي الجزائري بأن سلفه كوفي عنان أقر دون لبس بعد أن تحرر من ضغوط منصبه كموفد عربي ودولي بأن على بشار الأسد أن يتنحى من الحكم من أجل حل "الأزمة السورية". سيحسن الإبراهيمي إلى نفسه ومهمته إن انطلق من هنا، وسيذكره السوريون والتاريخ بأنه الرجل الشجاع الذي قال ما يجب أن يقال، ولم يخلط بين الدبلوماسية كأسلوب ناعم وبين المنطق القاسي الذي يقضي برحيل بشار لإنقاذ سورية.
قد يقال إنه ليس هناك منطق في السياسة يعلو على موازين القوى. هذا صحيح من وجهة نظر المحللين والمؤرخين، وليس من وجهة نظر السياسة كعمل. والإبراهيمي يقوم بمهمة سياسية عملية. فإن كانت سياسة الرجل تجسيدا لموازين القوى دون مبالاة بأية مبادئ وأصول سياسية وإنسانية، فإن بشار الأسد هو من يجسدها، وإن استمراره في "الحسم" منذ عام ونصف هو تحقيق لموازين القوى. ولا حاجة عندئذ إلى مهمته من الأصل. السلاح الذي يحطم سورية اليوم هو سلاح النظام الحربي الذي دفع ثمنه السوريون المقتولون، وسقوطه هو ما يمكن أن ينقذ البلد. لا وجه أخلاقيا أو سياسيا للاعتراض على تسليح الجيش الحر، على ما فعل الإبراهيمي، دون توقف القوات الأسدية عن عدوانها.
في سورية ثورة في مواجهة نظام قاتل مدعوم من قوى إقليمية ودولية متوحشة. يحتاج الإبراهيمي إلى شجاعة وخيال كي لا يكون مجرد وسيط بين نظام قاتل وثورة شعبية. فرص مهمته في النجاح أكبر إن فكر بمنطق العدالة لا بمنطق البيروقراطية الدولية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار حول الثورة والمثقف والسجن
- الثورة السورية إلى أين؟
- ما قصة روبرت فيسك؟ ماذا يريد؟
- -الصورة واضحة-: مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي!
- سياستان موضوعيتان وسياسات ذاتية للثورة السورية
- المسألة السورية والنظام الدولي
- نظام الإبادة: من الإبادة السياسية والأخلاقية إلى القتل الجما ...
- بخصوص الثورة السورية والأخلاق
- في الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية
- الدولة الظاهرة والدولة الباطنة في سورية
- حلب
- حوار حول مشكلة الطائفية وسياسة الأقليات
- مشاهد سورية الجديدة وملامحها
- تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة
- حقوق الأقليات أم جمهورية المواطنين؟
- فصل رابع من الصراع السوري
- على درب القيامة الكبرى في دمشق
- لماذا، وضد من يثور السوريون؟
- الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟
- في عالم انفعالات الثورة السورية


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ما يستقيم وما لا يستقيم في معالجة -الأزمة السورية-