خزانة شهرزاد ، قراءة جديدة للأجناس الأدبية في الليالي

هالة موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 21:46
المحور: الادب والفن
    

خزانة شهرزاد ، قراءة جديدة للأجناس الأدبية في الليالي
حظي نص ألف ليلة وليلة منذ ظهوره مترجما إلى الفرنسية على يد أنطوان غالان، بما لم يحظَ به أني نص أدبي عربي ينتمي إلى الثقافة العربية إلا من خلال تعريف الغربيين لنا بها ،لذلك لو قارنا ما كتب عن نص " ألف ليلة وليلة " في الأدبيات الغربية وما كتبها عنها في أدبنا العربي لوجدنا خزانتنا فقيرة جدا بصدد هذا النص الذي كان له أبلغ الأثر في الآداب الأوربية ،وفي امتدادها في أمريكا اللاتينية .
لذا يأخذ كتاب " خزانة شهرزاد، الأنواع السردية في ألق ليلة وليلة " للناقدة المغربية سعاد مسكين والصادر حديثا عن دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة أهمية خاصة ، لأنه لم يتعامل مع نص ألف ليلة وليلة من منظور علم اجتماع الأدب فقط، بل تعامل مع طرائق السرد أو الأنواع السردية في الليالي .
يقدم للكتاب الناقد سعيد يقطين بقوله :" تتناول سعاد مسكين في كتابها هذا موضوعا شائكا معقدا. إنه موضوع " الأجناس الأدبية" هذا الموضوع أشبع بحثا، ولكنه ما لا يزال يثير الأسئلة ، وسيظل يستثيرها ، وحين تنطلق من خزانة شهرزاد لقراءة الليالي فإنها تغامر . تكمن المغامرة في صعوبةأو استحالة لملمة هذه الخزانة أو تنظيمها .هناك من سعى إلى ذلك (ليتمان مثلا) ،فقدم لنا تصنيفا بسيطا يرتهن إلى تصور القرن التاسع عشر للأنواع. وكانت هناك محاولات أخرى لكنها لم تتعد التصورات المكرورة لنظرية الأجناس"
تعمد سعاد مسكين إلى الحفر في الخزانة النصية لشهرزاد ، وتعيد ترتيبها من منظور جديد للأنواع الأدبية ، وتعيد النظر في النص السردي لليالي من خلال من خلال تجاوز التصورات القديمة للأجناس الأدبية مستفيدة من الرؤية الحديثة للأجناس الأدبية،فانتهت إلى ما تحتويه الليالي من أنواع متعددة ومختلفة :بسيطة ومركبة ، وحاولت أن تقدم للقارئ العربي هيكلا يتضمن ويستوعب العديد من المواد الحكائية. ومن خلال مقاربة الحكايات داخل هذا النص،استطاعت أن تكشف عن طبيعة الأنظمة والأنساق التي تحكم تكونه الحكائي إن على مستوى البناء أو على مستوى المحتوى .
انطلق عمل الباحثة من افتراضين طرحتهما في المقدمة : الافتراض الأول أن ألف ليلة وليلة "خزانة " للأنواع السردية العربية ، أنواع مختلفة التجلي النصي من حيث صيغ الخطاب، ومن حيث الوظائف الدلالية والجمالية.
الافتراض الثاني إن دراسة الليالي باعتبارها "خزانة " للأنواع السردية تستوجب النظر في كيفية تشكل حكاياتها انطلاقا من الحكاية الإطار، مرورا بالحكايات المتضمنة لمعرفة معماريتها النصية ومحاولة خلق "فهرسة " جديدة لها على ضوء التصنيف النوعي.
وقد اتخذ بحث سعاد مسكين في الأنواع السردية مسارا يزاوج بين ما هو تنظيري وما هو تجريبي؛إذ سينطلق من نظرية الجناس الأدبية وما تقدمه من قضايا تظهر تباين المرتكزات النظرية إن على مستوى تصتورها العام لمفهوم الجنس الأدبي وموقعه داخل النظرية الأدبية ، أو على مستوى مختلف العلاقات والروابط التي يعقدها الجنس مع النص ككيان يتجسد داخل الممارسة الأدبية كي تحدد موقعا للنوع السردي ضمن هذه النظريات يمكن الباحثة من طرح تصور نظري بخصوصه ،ومن ثم استطاعت توليد تصورات عامة حول الأنواع السردية .
كذلك اشتغلت مسكين في كتابها على إظهار الخصائص الجوهرية للنوع السردي،صفاته المتحولة والمتغيرة عبر تفكيك البنيات الحكائية لليالي، وتجريدها إلى ضوابط عامة تقدم تصورا نظريا للأنواع السردية العربية ، وتؤسس لمشروع نظري محكوم بمقاصد وطموحات سعت جاهدة للحصول عليها منها : وضع اقترح نظري للأنواع السردية يُسهم في تمثل نظريات الأجناس القديمة والحديثة ، ويسعف بالحد من معضلة الأجناس في الأدب العربي . كذلك سعت إلى ضبط قوانين وميكانيزمات النوع السردي لضبط تسميته، وللحد من الخلط في المصطلحات الدالة عليه، كما فتحت المجال أمام أبحاث متخصصة في دراسة الليالي بتحديد موضوعاتها أو أشكالها وفق مناهج محددة ، وتصورات نظرية مضبوطة، كما عملت على إعادة تصنيف الليالي من منظور التقسيم النوعي للحكايات ووضع " فهرسة " جديدة تُدرِج كل حكاية ضمن نوع سردي معين.
ومن خلال هذا البناء النقدي المتماسك خلصت الباحثة إلى أن نظرتها " للصيغة لم تكن نظرة شكلية صرفة بل جاء اشتغالنا بها وعليها في إطار مشروط بثلاثة معايير : المعيار الشكلي ، والمعيار الموضوعاتي ، والمعيار الوظيفي، لأن النوع السردي خطاب يعتمد على مختلف تشكيلات اللغة، وصيغها، ووظائفها التي تسمح بالامتداد أو التقلص في قوالب مختلفة بحسب المقصدية النصية، وانسجامها مع التشكل الخطابي للنوع. وبعد التحليل وفق هذه المعايير ، نؤكد نتائج أدرجناها أثناء اقتراح تصورنا النظري للأنواع السردية في ألف ليلة وليلة ".
كذلك تؤكد سعاد مسكين على أن الأنواع السردية البسيطة تتأسس على صيغة السرد إذ تهيمن كميا ووظيفيا سواء في الخبر أو الحكاية، لكن يبقى الاختلاف بينهما واردا في التنويعات الصيغية الأخرى،فنلمس في الخبر بعض خصائص المشافهة بإسناد الخطاب لقائله لضمانة أمانة " الراوي" ووثوقية " المروي "
ويتسم الخبر في السرد في الليالي بوحدة عضوية متلاحمة لا يمكن الاستغناء فيها عن جزء من أجزائه حتى لا يفقد قيمته باعتباره حدثا بسيطا قابلا للانفتاح في أنواع سردية أخرى ( التناص) أو الحضور المستقل في مصنفات خاصة وعامة. إلا أن الحكابة ـ بحسب مسكين ـ بناء بسيط وطويل ، تنبني على سرد تراكمي يعتمد على تسلسل الأحداث وفق مبدا التجاور بين المحكيات ، لا التجاوز . وقد ميزت مسكين بين حكاية جادة تُجسد تحول مصائر الأفراد ، وخضوعهم العفوي للعبة الأقدار مما يفسر هيمنة صيغ التحول المصيري ، وصيغ القدرية . وينفتح السرد في الحكاية المرحة على استراتيجية خطابية تتوسل بصيغ تتمثل في المفارقة بطابعيها : التورية والسخرية ، وتجلي المظهر الهزلي، والهجاء اللاذع ، أما الحكاية العجيبة، فتعتمد على صيغ تعمل على تحيين المحتمل والممكن ، عبر تبئير " الخارق" تعبر عنه صيغ التعزيم ، والتحذير ، وتوظيف الزمن المطلق ، والمسخ ، والتحول ، إضافة إلى الاشتغال على مقولات حكائية مغرقة في الإغراب والعجب .
كما صنفت الأنواع السردية المركبة ضمن نوعين سرديين هما : القصة والسيرة لاعتمادهما معا على صيغة " العرض" تُمكّن الراوي من تتبع الشخصية الحكائية وهي تنتج مواقفها ورؤاها ، وأحاسيسها في مختلف أطوار الحياة الفردية والجماعية ، وقد تجلت هذه الصيغة في قصص العشاق عبر البناء الدائري الخماسي : دائرة العشق ، ودائرة الرغبة ، ودائرة المنع ، ودائرة الانفصال، ودائرة الاتصال . ما بين هذه الدوائر تتراكم سلسلة من الأحداث وتتوالد، كي تحقق الثابت الموضوعي " الوصل"، تتباين طرق عرضه عبر الكشف عن مكامن الذات للتخفيف من بعض تداعيات الاختلال النفسي والعاطفي الذي تعكسه بنية مشهدية، تخضع لايقاعي الاستسلام والخضوع ، أو الرفض والتحرر .
وتعيد سعاد مسكين قراءة قصص الشطار وتكشف أنها تنبني على البناء الدائري نفسه ، حيث تتوالد دوائرها وتتداعى بتعدد مهارات ومناصف الشطار، فنجد : دائرة الرغبة ، ودائرة المماصف ، ودائرة التحدي ، ودائرة العشق ، ودائرة تحقق الرغبة ، تتمظهر هذه الدوائر عبر تصويغ خطابي متنوع يشمل الصيغ الدالة على التحول الطبيعي ، واخرى دالة على التحول العجائبي ، وصيغ التتويج البطولي ، وصيغ للتتويج الاستقطابي ، وصيغ التتويج الجماعي . تعبر القصة بنوعيها ( العشاق والشطار ) عن وعي تاريخي ومعرفي بتحدي إفلاس القيم السائدة ، ويدعو إلى وضع جديد ومغاير ، يُشكل فيه الحب كينونة اجتماعية وإنسانية .
كذلك تتوصل الباحثة إلى أن السيرة تُمثّل نوعا سرديا مركبا ينبني على مجموعة من المواقف الإنسانية ، والتاريخية ،والأخلاقية ، تعكس رغبة العربي في الخلاص من ربقة الاستعباد والظلم ، يستند هذا النوع السردي على خصيصات بنيوية تنطوي على التواتر الدائري ، والتسلسل الحكائي ، والاطناب ، خصيصات تُسعفه على تحقيق شرط التراكم النصي بفعل تفرع المحكيات إلى ثلاث دوائر : أوان الدعوى ، وإنجاز الدعوى ، ، وتحقق الدعوى ، ، وتُسهم ضوابط صيغية في تسلسل هذه الدوائر واتساقها : صيغ التحول الحكائي ، وصيغ الاسترسال الحكائي ، وصيغ الاستطراد التبريري .
أخيرا أثبتت الدراسة إلى أن الأنواع السردية المختلطة تأتي على هيئة أنواع تجمع بين البسيط والمركب ( السرد والعرض) تتمثل في الأمثولة بمظهريها : القصص الرمزي ، القصص التمثيلي ، تتجسد عبر بناء تركيبي ثلاثي : الخروج إلى ميدان التجربة ، وممارسة التجربة ، ونتيجة التجربة. يعمد هذا البناء إلى تمثيل التجربة عبر التصوير والمماثلة ، كي يستقر الذهن المعني المجرد ( التقرير الحكمي ) بصورة محسوسة وملموسة ، لذلك تتخذ الأمثولة من الطاقة الرمزية لها لإبلاغ المغزى الأخلاقي تتوالى فيها الاستعارات ، متجاوزة حدود الجملة إلى حيز النص برمته .
أنهت الباحثة كتابها بجملة من الأسئلة يُنتظر من نقاد وباحثي النقد العربي أن يتصدوا لها ،تقول :" لا غرو إذن، أن بحثنا في الأنواع السردية في " ألف ليلة وليلة "يظل مشروعا نظريا ما زال يطرح العديد من الأسئلة تحتاج إلى بحث مستفيض ومستقل من قبيل : تاريخ وتشكل النوع السردي العربي ، و كيفية تلقي ألف ليلة وليلة عبر استقراء وجرد كل الدراسات التي اهتمت بتحليلها ، مع محاولة تحقيب هذه القراءات النقدية التأملية ، المقارنة بين مختلف طبعات " ألف ليلة وليلة " الغربية والعربية بعد جمعها وحصرها ، التفكير في نسخ طبعة جديدة لها تراعي المقترح التصنيفي للأنواع السردية ، متابعة التطورات الي لحقت بنص الليالي الورقي إلى النص الألكتروني " ثم تأمل سعاد مسكين مستقبلا أن من يخوض غمار البحث في هذه الإشكاليات النقدية أن يتمتع بوعي متجدد وتصور جديد يسمحان بالتطور والتخصص في البحث العلمي عامة والدرس الأدبي خاصة .

#هالة_موسى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات