أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير















المزيد.....

أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 19:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير
جعفر المظفر

ثمة هناك من يعيب علينا عدم قدرتنا على قراءة المجتمعات الغربية بهدف التعرف على أهم مرتكزات ثقافتها, ونسياننا لأهم ما فيها, ألا وهو حرية التعبير المقدسة والمحمية من قبل الدستور, والتي لا يمكن للحكومات الغربية أن تتدخل فيها.
ولهذا فحينما صار هناك حديث عن ضرورة قيام الحكومة الأمريكية بدور ما لردع النشاطات الثقافية العدوانية, ومنها الفلم المسيء للرسول, فإن كثيرين راحوا يذكرونا بهذه الحرية المقدسة وكيف أن كثيرا من الأخطاء التي يرتكبها الناس في شوارعنا حال استفزازهم هو نتيجة عدم معرفتهم بقدسية هذه الحرية, التي لا يجوز لأية حكومة غربية أن تقترب منها إلا بقوة الاحترام الذي تكنه للديمقراطية وحقوق الإنسان.

ويوم أن هاج الشارع الإسلامي وتطرف في رد فعله جوابا على الفلم المسيء للرسول محمد وللدين الإسلامي فقد كانت أقلامنا جاهزة لإلقاء اللوم على عقلية هذا الشارع وعلى جهل المسلمين بثقافة الغرب وطريقة تفكيره, وذهبنا لكي نقول ما قلناه عن جهل الجاهلين بقيم الحداثة وكأننا مدرسين أكاديميين في صف جامعي ولسنا مثقفين مفكرين بمهام تقتضي معرفة ثقافة الشارع الوضعية وصولا إلى منع رد فعله من الانفلات.
لقد راح البعض منا يتبارى في عرض مواهبه الثقافية بينما لم يكلف نفسه في البحث عن إيجاد مخارج حقيقية لمشاكل سوف يكون مستعصيا الخروج منها إذا ظل الاقتراب منها يجري من خلال منهج إلقاء اللوم على أضعف أطراف المعادلة, ألا وهو الشارع الإسلامي, رغم الاعتراف بأنه شارع يمكن استفزازه بسهولة, ورغم وجوب إدانة ما يصدر من أفعال مشينة سواء من قبل الغوغاء أو من قبل مستغلي الفتنة من التكفيريين أو من تجار الدين عامة الذين لا يهمهم في الحقيقة الدفاع عن الرسول بقدر ما يهمهم إستثمار الحالة لأغراضهم التعبوية السياسية المتخلفة.

لا ضير في أن نذهب بهذا الاتجاه, أي أن ندين الناس التي غلبت عاطفتها على عقلها, وأن نتمنى لناسنا ثقافة أفضل يستطيعون من خلالها كسب قضاياهم بأساليب متحضرة. لكن العمل بما نتمناه, لا بما نراه, غالبا ما يزيد من تفاقم المشكلة ولا يفلح في تقديم حل ولو جزئي لها, وهو أيضا قد يكون محاولة للهروب أو العجز عن البحث في عمق المشكلة ذاتها وتلافي البحث عن خصائصها المعقدة والمركبة بأساليب تساعدنا على أن نصل إلى الحل السليم.
إن مجرد الاعتراف بأن هناك استعداد في الشارع الإسلامي لردود أفعال منفلتة هو اعتراف بجزء من المشكلة, أما عن الأجزاء الأخرى فعلينا أن نبحث عنها في شوارع الغرب نفسه. وفي حالة رد الفعل الذي أحدثه الفلم المسيء للرسول وما أنتجه من دمار كان من بينها مقتل السفير الأمريكي في طرابلس فإنه لن يكون من الخطأ رصد عقلية الغوغاء التي سادت ذلك الشارع وحتى إدانتها, لكن تحميل تلك العقلية إثم الموقف كله سوف لن ينفع مطلقا في الوصول إلى الحلول التي من شأنها ان تقلل من حدوث ردود أفعال من هذا النوع في المستقبل.

وما دمنا نتحدث عن رد الفعل هنا فإن ذلك يعني بكل تأكيد الاعتراف بأن هناك فعل كان سبقه, وفي حالة كهذه هل سيكون من الخطأ القول أن أصحاب الفعل يتحملون معظم الذنب إن لم يكن يتحملون الذنب كله.

ولهذا فحينما نتحدث عن حرية التعبير علينا أن نعي أن الشارع الإسلامي ليس هو وحده المعرض للانفلات وإنما أيضا أولئك الذين يستغلون حرية التعبير لتمرير مخططات الفتنة.. لكن مقارنة سريعة بين نوعية الإنفلاتين سوف تجعلنا على يقين أن أولئك الذين إستغلوا حرية التعبير يتحملون وزر ما حصل, وليس الشارع الإسلامي, لأن الأولين قاموا بعملهم بنيات واضحة وبالجرم المتعمد ومع سبق الإصرار والترصد بينما جاءت ردة فعل الشارع الإسلامي عفوية بكل ما سادها من مظاهر الجهل ومن سلوكيات الغوغاء, وحينما نتحدث عن جريمة فلا بد لنا أن نميز بين الفعل المرتكب عن وعي وتخطيط وسبق إصرار وبين رد الفعل المنفلت الذي قد لا يمكن السيطرة عليه حال إنفلاته.

لهذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية باتت ملزمة باتخاذ القرار لأنها مسؤولة تماما عن كثير مما يحدث في هذا العالم من واقع كونها الدولة التي تحاول أن تدير شؤونه, وعليها في حالة كهذه أن تختار بين أمور عدة.. أن تفهم ما يعنيه إختلاف الحضارات والثقافات وما يؤسس له هذا الإختلاف من سلوكيات متباينة للتعبير ولطبيعة رد الفعل ونوعيات الإستجابة الأمر الذي يجعلها قادرة بشكل أفضل على حماية بعثاتها الدبلوماسية في الخارج.
أو أن عليها من جهة أخرى أن تنسحب إلى خلف البحار والمحيطات بعد أن تعلن عجزها عن التفاهم مع عالم بثقافات مختلفة لإتقاء أخطار لا تتمكن على منعها. أو أنها من جهة ثالثة تستمر في معالجة قضياها الخارجية بمنطق القوة والغزو لمعاقبة كل شعب تستفزه الإساءات التي تأتي بسبب ثقافة حرية التعبير المنفلتة أساسا من كل ما يجعلها حرية مسؤولة .

والحال أن تأكيد الإدارة الأمريكية على أنها لا تتحمل وزر الأفعال التي يفعلها مواطنوها بوحي من حرية التعبير التي كفلها الدستور ليس صحيحا حتى في حدود معرفة ما تملكه من صلاحيات تنفيذية ليس منها التشريع المناط بهيئات التشريع القضائي, فثمة ما يشير إلى وجود خروقات فاضحة بهذا الإتجاه, أو لنقل ثمة تعديلات قانونية كانت قد جرت من أجل الحد من حرية التعبير, ومن قرأ كتاب ( من يجرأ على الكلام ) الذي كتبه سيناتور أمريكي والذي أشار في أحد صفحاته أنه إكتشف أن العرب هم بشر حينما توفرت له فرصة زيارة إحدى بلدانهم وهي اليمن الجنوبية معتبرا أن سياسة منع حرية التعبير التي يفرضها الإعلام الصهيوني هي التي تحول دون إدراك الأمريكيين لما يجري في العالم خلف المحيطات وهي التي تحول دون معرفتهم بما إذا كان هناك بشر يستحقون الحياة في الشرق الأوسط خارج إسرائيل أم لا.

أما الحديث عن الهولوكست اليهودي فقد جرى منع تداوله إلا بما ينسجم مع التهويل الصهيوني, ولنتذكر كيف جرت مطاردة الفرنسي (بير آبيه) الذي تجرأ على التعبير عن رأيه بحقيقة هذا الهولوكست مما أضطره بعد ذلك إلى اللجوء إلى الفاتيكان طالبا حماية البابا نفسه. ولقد شرع رجال القانون الأمريكيون تشريعات تقضي بمعاقبة كل من يتعرض للسود أو غيرهم بإشارات ذات طابع عنصري, كما وحرمت أيضا الإساءة الكلامية للمثليين الجنسيين. فإذا كان كل ذلك قد تم فعلا فمعنى ذلك أن حرية التعبير في أمريكا قابلة لأن تحدد قانونيا إذا ما تم من خلالها الإساءة للآخرين.
وفي دولة علمانية تحترم الأديان كافة وتمنع التعرض لأي دين فإن الإساءة لأي دين وليس للدين الإسلامي وحده هي ممنوعة بحكم الدستور والقوانين, ولذلك فإن الحديث عن قدسية التعبير, حينما تكون هناك إساءة للدين, أي دين, تعتبر من باب اللغو الفارغ, إذ كيف يمكن أن تكون هذه الحرية ممنوعة حينما يتم الغمز من قناة المثليين الجنسيين في حين يكون مسموحا بها في حالة الإنتقاص من الأديان وبطرق تؤدي بالأضرار الفادحة كما حدث مع الفلم المسيء للرسول (ص).

إن صانعي الفلم هم الذين يجب أن يقدموا إلى القضاء لمخالفتهم الدستورية والقانونية والأخلاقية التي أدت إلى مجموعة من الأضرار الفادحة, فليس وحده السفير الأمريكي من راح ضحية لردة فعل الشارع الإسلامي وإنما أيضا الدول والشعوب الإسلامية التي أدخلتها الثقافة الأمريكية المرتبكة في خانق حقيقي.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب على الطريقة الغوغائية
- القدس.. عاصمة إسرائيل
- بين حمد والعلقمي وبن سبأ .. ثلاثية القراءة الممسوخة
- هلهولة ... دخول العلم العراقي في كتاب غينيس للأرقام القياسية
- الحمار الطائفي
- هل كانت الدول الإسلامية .. إسلامية
- الدولة العلمانية لا دين لها.. ولكن هل هي ضد الدين
- العلمانية.. أن تحب الحياة دون أن تنسى الآخرة
- الإسلام السويسري *
- دولة الإسلامويين ومعاداة العلمانية
- الطائفية.. من صدام إلى بشار
- أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة
- ثلاثة طرق طائفية للهجوم على الطائفية
- كيف تكره الأسد دون أن تحب حمد
- البصرة.. مدينة السياب والشاوي وأهلها الطيبين
- طائفيو المهجر
- ما الذي فشل مع فشل الاستجواب
- الخلل في الدستور أم في الرجال والنظام
- ديمقراطية بدون ديمقراطيين وعراق بدون عراقيين
- لماذا لا يقود المالكي المعارضة بدلا من مجلس الوزراء


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير