أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (4)















المزيد.....

بوح امرأة (4)


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 3850 - 2012 / 9 / 14 - 23:09
المحور: الادب والفن
    


اغتسلت، و خرجت من صالة الحلاقة امرأة أخرى، أدركت هذا جيدا من خلال صرخة نجلاء:
- هاو نجلاء أخرى، سترقص الحانة كلها عندما تراك، سنتمم العملية هذه الليلة، سأجعل منك ملكة جمال الخمارة إن اقتضى الحال.
شعرت بالخجل، أظهرت ذلك بابتساماتي العفوية، أعجبت بذاتي لأول مرة، و بدأ اللوم يطاردني، "كل هذا الجمال سيتيه وسط السكارى، بلا مستقبل، أصبحت بضاعة مثل باقي البضائع، لحم نيئ، ميت أو حي، المهم لحم، يتهافت عليه المعتوهين، يفرغون همومهم و مشاكلهم، و قيئهم، فعلى من أفرغ معاناتي؟ هذه الحياة ظالمة، أنا ضائعة في هذا الوجود"، ربما أدركت أمينة الأمر، فصاحت:
- أسرعي ليس لدينا وقت للتعطل.
توجهنا إلى إحدى الصلات الفخمة، و بدأت تعرض علي الألبسة الجديدة، التي لم أرتديها من قبل، أغلبها تظهر العري، من جهة النهدين، و الكتفين، و البطن، رفضتها في البداية، فألحت علي:
- الشغل يريد هذا الملبس، أنظري كم أنها بينت مفاتنك، سيتهافتون عليك الرجال، و ربما تصطادين صعلوكا، و تخرجين من عالم الفقر، خذي هذا السروال، و هذا أيضا، و هذا البودي، ...
أقتنيت بالفعل مجموعة من الألبسة، لم أكن أحلم بها من قبل، و في نفس الوقت اقتنيت بعض الأشياء لأختي، و خرجنا.فقلت:
- إلى أين؟
قالت:
- سنفترق، و يكون لقاءنا في الخمارة، ما بين الرابعة، و الخامسة مساء.
كانت الساعة تشير إلى الثانية تقريبا، توجهت إلى إحدى المقاهي أكلت ما تيسر من المأكولات الخفيفة، و اشتريت أخرى لعائلتي، و اقتنيت تاكسي، و توجهت إلى درب الكلب، و من حسن الحظ، لم أجد أحدا في البيت، رميت الأكل فوق طبق صغير ، و غطيته بقطعة من الثوب، و وضعت الملابس في حقيبتي، و أخذت ورقة من كتب فاطمة، و دونت عليها ما يلي:
- جئت و لم أجد أحدا، ستجدين في أمكنتي الخاصة بعض الملابس، مكتوب عليها فاطمة، خذيها فهي لك، كما ستجدين في الطبق، ما يطفئ جوعكم، إذا ما تعطلت لا تقلقي علي، الشغل يتطلب ذلك، أتمنى لك ليلة سعيدة - أختك نجلاء .
ارتديت ملابسي العجيبة، و رميت فوقها، سترة طويلة، لكي لا أجلب علي مشاكل الحي، لأني أخاف من هيجان شبابه، إذا رأوا هذا التغير، لن يرحموني، و ربما سأصل إلى مستوى الانحطاط، أكثر مما وصلت إليه، كانت الساعة تقترب من الرابعة، وقفت في الشارع الرئيسي، اقتنيت تاكسي، و توجهت إلى الخمارة مباشرة، قبل الدخول، أزلت السترة، فظهرت مفاتني، أصبحت شبه عارية، تصنعت الابتسامة
قلت للرجل البدين الذي يوزع الخمر
- مساء الخير
فرد:
- جئت يا الغزالة
لم أرد توجهت إلى إحدى الموائد، و قلت:
- هل أشارككم شرابكم
تلعثم أحدهم و رد:
- تفضلي ، تفضلي، إننا على وشك الملل من بعضنا
التفت إلى النادل الذي كان يراقبني عن قرب، وقال له:
- قدم للأخت ما تطلبه
قلت:
- لا، عفوا، لا أحتاج إلى ذلك
ضحك بكل قواه وقال:
- لماذا أنت هنا إذن؟
و بسرعة، دفع كوبه المملوء بماء البيرة، و أمرني:
- اشربي، اشربي، بلا تمثيل، كل ما تشربينه على حسابي ،
أصبت بالصدمة، و قلت في خاطري:
- هذه الليلة سوف لن تمر بخير
وضعت الكوب بالقرب مني، وقلت:
- حسنا سأفعل ذلك، انتظر قليلا
ثم سكبت ماء البيرة الموجودة أمامي في كل الكؤوس، و قلت:
- بصحة الجميع
أفرغت نصف الكوب في جوفي، لم يعجبني المذاق، أخذت حبيتين من اللوز لوكتهما بين أسناني، و ألحقتهما به، و توالت الجرعات، إلى أن وصلت القنينة الثالثة، بدأت أشعر بالدوران، و في نفس الوقت بدأت أتحدث عن حياتي، و أغني، و أصفق، و كأني في عالم الخيال، و أنا أسأل نفسي من حين لآخر:
- هل أنا نجلاء؟ يجب أن أتوقف عن هذه المهزلة، لا أستطيع مواصلة اللعب، يجب أن أتوقف
لكن الجو الصاخب، و الأصوات المتعالية، لم تمنحني فرصة للقرار، بدأت أبوح بأشياء لم تكن في الحسبان، أشتم الواقع، و الدولة، و الحكومة، و الحاضرين، ...ثم أحسست بدوار شديد، و ما هي إلا لحظات، بدأ القيء يتطاير في كل الاتجاهات، شعرت بأمينة تأخذني من كتفي، بعد ذلك لم أعد أعرف من أنا؟ و لا أين سيقذف بي في هذه الليلة السوداء؟ و كل ما أتذكره، هو أني كلما توقفت، سقطت من جديد.
استيقظت باكرا، وجدت أمينة نائمة بالقرب مني، أدركت أنني ارتكبت إثما كبيرا البارحة، خصوصا و أني لم أتوجه إلى البيت، سينتظرونني إخوتي، و سيطرحون الكثير من الأسئلة، ماذا سأقول لهم؟ الشغل أيضا، لم يصدقوني إذن، أي شغل يجعلك تظلين خارج البيت، نجلاء الطيبة، ماتت، نجلاء المتخلقة، و المتعففة انتهت، ماذا سأفعل إذن؟ كيف سأتدبر أمري؟ لماذا قمت بذلك؟ أشرب الخمر، هذا مستحيل، من يصدق أن نجلاء انقلبت، رأسا على عقب؟ أحسست بالتعب الشديد، لازال رأسي ثقيلا، و كأني أحمل كيسا من الإسمنت، استيقظت أمينة، و هي تبتسم و قالت:
- صباح الخير، كيف أصبحت إذن؟
وقبل أن أرد السلام، واصلت و هي تمشط شعرها المصبوغ بلون يميل إلى الصفرة
- كان عليك ألا تشربي بذلك الشكل،
لوت خاصرتها اتجاهي، و هي تجمع بطانيتها و واصلت كلامها:
- لا عليك، إنها بداية، يجب عليها أن تكون كذلك
بقيت صامتة، لم أتفوه بأية كلمة، و بينما هي تشرح لي طريقة الشرب، و ما يحدثه في الإنسان المبتدئ، و أن المتسكعين الذين يملئون الحانة كل يوم، تعودوا على مثل تلك الأشكال، بل تعجبهم، لأنها شكل من أشكال الفرجة، إنها ليلة من أجمل لياليهم، أجهزت بالبكاء، و أنا أصرخ:
- أنا تافهة، أنا لا شيء، لا يجب علي أن أتجه إلى ذلك المسار، لكنه الفقر، نعل الله الفقر، و ما يأتي منه من بلاوي
ابتسمت أمينة من جديد، و هي تضع يديها على رأسي، و تجفف عيوني بإحدى المناديل، و هي تقول:
- تضخمين الأشياء أكثر من اللازم، قلت إليك مرحلة لا بد منها، حدث لي مرارا أكثر من ذلك، و مع الوقت أصبح الأمر عاديا.
بدأت أرتدي ملابسي، أزلت كل ألوان الطيف التي علقت بي البارحة، و ضعت لحافا على رأسي، و استعدت للخروج، و بينما أمينة تنظف حجراتها، قلت:
- سأتركك، سأتوجه إلى البيت، و نلتقي فيما بعد
- انتظري خذي، قدمت أوراق نقدية تقدر ب600 مائة درهم
قلت مبهورة:
- ما هذه؟
- 100درهم من طرف صاحب الحانة، كهدية منه، و 400 درهم أعنبريها سلفا مني، لكي تتدبري أمورك هذه الليلة، الصديق يظهر وقت الشدة، أليس كذلك؟.
- صحيح، صحيح، أشكرك يا صديقتي ، إلى اللقاء، إلى اللقاء.



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمق الإبهامات لكي لا تكون ألغازا
- إبهامات لفقرات متقطعة (10)
- بوح امرأة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (9)
- بوح امرأة (2)
- إبهامات لفقرات متقطعة (8)
- بوح امرأة (1)
- إبهامات لفقرات متقطعة (7)
- إبهامات لفقرات متقطعة (6)
- إبهامات لفقرات متقطعة (5)
- إبهامات لفقرات متقطعة (4)
- إبهامات لفقرات متقطعة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (2)
- إبهامات لفقرات متقطعة (1)
- صور من واقع مضى ! الصورة : 10
- اشتراكية العالم العربي أم ليبراليته؟
- صور من واقع مضى ! الصورة : 9
- صور من واقع مضى ! الصورة : 8
- صور لواقع مضى ! الصورة: 7
- صور من واقع مضى ! الصورة: 6


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (4)