أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد عبد الستار رشيد - ( في الأرض متسع للعيش ) قصة قصيرة بقلم نهاد عبد الستار رشيد















المزيد.....

( في الأرض متسع للعيش ) قصة قصيرة بقلم نهاد عبد الستار رشيد


نهاد عبد الستار رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3848 - 2012 / 9 / 12 - 00:31
المحور: الادب والفن
    


في الأرض متسع للعيش

كانت لا تزال باقية على شروق الشمس ساعة أو ما يقرب من الساعة ، عندما شرع سامي بمغادرة البيت في ميلانو ، سعيا لطلب العمل في شركة النسيج الواقعة في ضواحي المدينة . جلّ ما يصبو اليه هو الحصول على مورد يساعده في تسديد نفقات الحياة المعيشية المرتفعة ، بعد أن خاب أمله في المطاعم والفنادق والمصانع التي زارها سابقا . مضى في عالم الشقاء والمرارة مثل آنية فخارية انتشرت على سطحها الصدوع ، مسحوقا بعجزه في العثور على عمل ، ووجد نفسه ضائعا بلا وطن ولا قيمة ولا أمل .
كانت تجتاح نفسه آنذاك موجة من الحزن والكآبة ، وكانت تمر به ساعات طوال لا يحس فيها الا بثقل الحياة وهمومها ، وأصبح منطويا على نفسه ، يتنفس في ضيق كأنه جواد متعب . شعر بالدوار يعصف برأسه ، فدخل متنزها على مشارف المدينة . جلس على مصطبة خشبية . ما ان انتهى من تناول فطوره حتى بدأت تتراءى أمام عينيه بعض مشاهد قصف الطائرات الأمريكية للمناطق السكنية في الحلة دون أدنى شفقة أو رحمة ودون وازع من ضمير ، والتي كلما حاول ابعادها عن مخيلته عادت من جديد ، فرأى بعين الخيال بيته : صور البيت الذي أصبح أنقاضا من كتل الأسمنت فوق أفراد عائلته .
نهض ، بعد أن خنقته العبرات ، وراح يواصل مسيرته . أخذ يتذوق سكون الريف ، ويتأمل ذلك الفضاء الواسع الجميل . تطلع الى السماء الممتدة فوقه مثل بحر أزرق لا يشوبها أيما سحاب ، فشرع يتحسس ابتسامة ذلك الربيع الطلق الضاحك ، وانتعشت نفسه بما كان في الهواء من بهجة فائقة . وفيما كان يجيل الطرف فيما حوله ، شاهد في اسفلت الشارع ، المجاور للرصيف ، فرجة صغيرة ، بالكاد تراها الأعين ، برزت منها ساق نبتة الثالوث الألبية ، لتنتهي في قمتها بزهرة البنفسج الجميلة . وقف يتأملها باعجاب ، وقال في نفسه مندهشا : " يا لقوة الأرادة وانتصار الحياة ! كيف تسنى لهذه النبتة ان تنمو في الأسفلت ، وتحيا ، وتزهر ، وتتحدى الموت ؟ !
عادت الى ذاكرته ، ايام التحدي واثبات الذات في اليونان ، اذ عند وصوله الى ميناء بيرس ، انتهى آخر نقد كان بحوزته ، الا انه سرعان ما حصل على عمل في احدى البواخر الراسية على رصيف الميناء . واستمر يعمل فيها عدة اشهر قبل وصوله الى ميناء جنوا . بدأت مرحلة جديدة من حياته في ايطاليا التي اتقن لغتها في كلية اللغات .
حرر ذهنه من أي هم يثقله ، وواصل طريقه الى شركة النسيج ، بخطوات سريعة وواثقة ، وكانت عيناه تنظران ، وتستمتعان بعذوبة الريف الجميل ،
وكانت زهرة الثالوث الألبية قد أعطته درسا قويا في التحدي والصمود ، حين نمت في تربة لا تمتلك مقومات الحياة فاعادت له الثقة الى نفسه ، فواصل سيره بمعنويات عالية . غمرته البهجة حين رأى الطريق تتقاصر امامه . قال في نفسه ، وقد بدت عليه امارات الأمل والحزم : " الا بعدا لهواجس التشاؤم . " وفيما كان يتلفت حوله في شيء من اليقظة ، شاهد على مقربة دانية منه سيارة متوقفة ، وشابة تحاول اصلاح عطلها بينما راح مذياع السيارة يبث انغام احدى الأغاني الأيطالية . عرض سامي عليها تقديم المساعدة لأصلاحها ، فاجابت في شيء من الخجل ، وهي تتطلع اليه بوجه مستدير ، وعينين بلون البحر :
- أتمنى ذلك . باشر سامي في فحص مواضع الخلل ، وسرعان ما أصلحها بعد دقائق معدودات . قالت له الشابة باندهاش : - يا لك من ماهر ! تفضل اركب معي ، سأوصلك الى وجهتك المطلوبة . جلس سامي على المقعد الأمامي بجوارها فيما كانت تبعث البهجة في قلبه . ثم التفتت اليه وسألته قائلة : - أين وجهتك يا ... ؟ - " سامي . اسمي سامي ، أنا من العراق ، أود الذهاب الى شركة النسيج طلبا للحصول على عمل . " أجاب سامي . وراح يقص عليها ما قد حل به وبعائلته من أحداث مروعة ، دفعته لترك وطنه ، فشعرت الشابة بشيء كثير من الشفقة تضطرب في أحشائها نحوه ، فقالت ، وقد علا وجهها الأحمرار : - " وأسمي باولا . " . واستطردت تقول بعد برهة صمت اليمة ، وكانت تشعر بالرأفة عليه : - لسوف تمر أزمة الألم الشديدة التي تعانيها ، ويجب عليك أن تتجلد وتصبر . أنا مهندسة ، أعمل في هذه الشركة ، وسوف أبذل قصارى جهدي لتشغيلك فيها . تملكت سامي موجة عارمة من السعادة ، ثم قال بنبرة رجاء : - وهل بوسعك ايضا ان تحصلي لي على سكن داخل الشركة ، كي اوفر على نفسي مشقة السفر ؟ مضت هنية صمت قبل أن تؤكد باولا له قائلة ، وقد تحركت في نفسها مشاعر الطيبة والشفقة : - سأبذل كل ما أستطيع من جهود لمساعدتك . انه واجب انساني بكل ما في الكلمة من معنى . خفت وطأة ألم سامي ، وأخذت ثقته بالمستقبل تزداد لحظة بعد اخرى . جرت بينهما أحاديث تعارف ، كان لها أجمل الوقع في نفسيهما . وأخذ يسائل نفسه قائلا : " هل أستطيع اذن بعد كل ما حدث لنا وبعد كل ما عانيت ، أن أشعر في الحياة بهذه اللذة ! وهل أستطيع أن أتوقع شيئا من السعادة والهناء ؟ ! ذلك شيء يعدو قدرتي على التصديق . قبل حلول الصيف ، عاد سامي ، الموظف الجديد في شركة النسيج ، وزوجنه باولا الى شقتهما الجديدة ، بعد انتهاء شهر العسل ، وأخذ يقبلها ويحتضنها حتى نسي أحزانه وعبء السنين .
الحلة / العراق 1991



#نهاد_عبد_الستار_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة بعنوان ( مفاهيم خاطئة ) بقلم : نهاد عبد الستار رش ...
- في دار السفير الفنلندي في بغداد
- ماذا قالت لي رفيقة ( البرتو مورافيا )
- قصة قصيرة بعنوان : من رحم الآلام تولد الآمال
- قصة قصيرة / التحدي
- ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الر ...
- هكذا عرفت الروائية ابتسام عبد الله
- في لقاء لي مع ( فيو ميري )
- واخيرا التقيت بها


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد عبد الستار رشيد - ( في الأرض متسع للعيش ) قصة قصيرة بقلم نهاد عبد الستار رشيد