أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - شط العرب بعد قرن من الأطماع الإيرانية















المزيد.....

شط العرب بعد قرن من الأطماع الإيرانية


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3847 - 2012 / 9 / 11 - 07:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتشكل نهر "شط العرب" من التقاء نهري دجلة والفرات، في منطقه "قرمة علي"، التابعة لقضاء القرنة المدخل الشمالي للبصرة، على بعد 375 كم جنوب بغداد. ويبلغ طوله حوالي 190 كم، ويصب في "الخليج العربي الايراني" عند أطراف مدينة الفاو. يصل عرض الشط في بعض مناطقه إلى 2 كيلو متر. ضفافه كلُّها مزروعة بالنخيل، و هناك بلدة جميلة تقع على ضفاف الشط تسمى "التنومة"، تكثر فيها بساتين النخيل، وقد تمَّ بناء جامعة البصرة في هذه المدينة الغنّاء لما تتمتع به من مناظر طبيعة خلابة. يستمر شط العرب في الجريان حتى يمر بقضاء أبي الخصيب، وهي منطقة ريفية عامرة بغابات النخيل.
وشط العرب نهر فريد من نوعه في العالم، فهو كما يقول الباحث د. حسن الجنابي( مجرى مائي، على عكس كلِّ الأنهار الأخرى، لأنه يجري باتجاهين متعارضين، شمالاً وجنوباً، في اليوم نفسه، وهو نهر بلا منابع! وإنْ كان لابد من منبع لأي نهر، فمنبع شط العرب هي منابع الأنهار الكبرى التي يتشكل منها هذا المجرى العظيم. إنهما نهرا دجلة والفرات، اللذان ينبعان في تركيا، ونهرا الكرخة والقارون وتقع منابعهما في ايران بالإضافة إلى روافد دائمية و موسمية أخرى تصب بالنتيجة بواحد من تلك الأنهار).
لغاية سنة 1975، كان شط العرب بضفتيه جزءاً من العراق، غير أنَّ نظام الحكم السابق للاحتلال تنازل بموجب اتفاقية الجزائر التي وقعت بين الشاه الإيراني ونائب الرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين، بتاريخ 6 آذار/ مارس 1975 ، عن ضفته الشرقية لصالح إيران، وتم اعتبار خط الحدود الدولية بين البلدين يمر في أعمق نقطة في مجرى النهر وتدعى "خط التالوك" مقابل أنْ تقطع إيران في عهد الشاه دعمها عن التمرد الكردي المسلح في شمال العراق "إقليم كردستان / العراق"، بقيادة البارزاني الأب، وأصبحت الملاحة مشتركة فيه مع ما استتبع ذلك من تفريط بالسيادة الوطنية على نهر عراقي صميم.
غير أنَّ مشكلة شط العرب لم تبدأ في سنة 1975، بل تعود إلى عهود أقدم. فجذور المطالب الإيرانية في شط العرب، ومناطق وأراض عراقية أخرى، عمرها أكثر من قرنين. ولأجل تحقيق المكاسب على الأرض والمياه، استخدمت حكومات إيران المتعاقبة، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، كل السبل والوسائل بما فيها الضغوط السياسية والعسكرية وعلاقاتها الدولية، خصوصا علاقاتها مع الإمبراطوريتين البريطانية والروسية، لأجل تحقيق المكاسب على حساب العراق.
يمكن ربط هذا الخلاف بجذوره التاريخية التي تبدأ مع بدء الصراع المرير والطويل بين الإمبراطوريتين التركية العثمانية و الفارسية الصفوية، وقد تركز هذا الصراع، في بعض محطاته، على قضية تحديد الحدود بينهما والتي كانت موضوعاً لعدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات حتى سنة 1914. وقبل أنْ تتأسس دولة العراق المعاصرة، بداية العقد الثاني من القرن العشرين، كانت طهران تتنصل أو تعرقل ما يتم الاتفاق عليه مع اسطنبول، وكان الاستعمار البريطاني يلعب دورا خبيثا ويصب الزيت على النار في أحايين كثيرة، خصوصا بعد أنْ نجح في ترسيخ وجوده العسكري والسياسي في أعالي الخليج العربي الإيراني.
ومع تأسيس الدولة العراقية، و حصولها على عضويته في عصبة الأمم عام 1932، عادت إيران إلى طرح مطالبها التوسعية على الحكم العراقي مجددا، وعندها قررت الحكومة الملكية العراقية اللجوء إلى عصبة الأمم للتحكيم بين الطرفين. ولكنها لم تصل إلى نتيجة تذكر وبقيت المطالبات الإيرانية مرفوعة، و ظل الرفض العراقي في مواجهتها من دون تغيير. وفي عام 1937، كاد البلدان أنْ يتوصلا إلى حلٍّ اعتبره البعض مرضيا للطرفين، واستند إلى مبادرة عراقية، غير أنَّ الشاه الإيراني المعروف بعنصريته وكرهه للعرب وللعراقيين منهم خاصة، انفتحت شهيته الجشعة و ردَّ على المبادرة العراقية بمطالب أكثر تشددا. ولم تستجب الحكومة العراقية للمطالب الإيرانية الجديدة تماما، وكانت تستقوي بعلاقاتها القوية بالإمبراطورية البريطانية التي كان الحكم الملكي يدور في فلكها الاستعماري، ولم يحصل أي تطور جديد في هذا الشأن.
ومع نجاح الثورة العراقية الجمهورية بإطاحة الحكم الملكي في الرابع عشر من تموز /يوليو 1958، وظهور بوادر على إقامة علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، حرك الغرب، ومنه بريطانيا، إيران لتكون مخلب تدخل واستفزاز ضد العراق، فتقدمت حكومة الشاهنشاه بمطالبها مجدداً وفي مقدمتها المطالبة بشط العرب وأراض عراقية شاسعة وقطعت المياه عن عدد من أنهار وروافد دجلة ومنها نهر ألون، مثلما ذكرنا في الفصل السابق، و راحت تقدم الدعم المسلح والمالي للقيادات الكردية العراقية الثائرة ضد حكومة بغداد منذ عهد عبد الكريم قاسم الذي بدأ عهده بمحاولة كسب هذه القيادات واستقبل زعيمها مُلا مصطفى البارزاني بعد أنْ عاد من منفاه السوفيتي استقبال الأبطال ولكنه فشل في مسعاه واندلع تمرد مسلح كردي جديد.
وبعد عامين من الثورة العراقية الجمهورية، تحركت الخارجية البريطانية، وذلك في نيسان أبريل من عام 1960، وقام قسم الدراسات والأبحاث فيها بإعداد مذكرة موجزة لتاريخ شط العرب و أوردت فيها للمرة الأولى المطالب الإيرانية في أنْ يكون خط "التالوك" خطاً للحدود ما بين البلدين ولكن لمسافة محددة.
وقد أعيد عرض هذه الدراسة البريطانية من جديد عام 1975، ليطلع عليها الدبلوماسيون العراقيون والإيرانيون خلال المفاوضات حول اتفاقية الجزائر سالفة الذكر. وكان ذلك بطلب رسمي من العراق وإيران، اللذين ( تقدما رسمياً إلى وزارة الخارجية البريطانية إثر توقيع الاتفاقية لأجل تزويدهما بما متوافر في أرشيفها من خرائط تاريخية تتصل وشط العرب وقد أستجيب لطلب الطرفين ولكن بعد أنْ تمَّ دفع التكاليف وكانت وقتها 4500 باوند إسترليني) مقابل تقديم نسخ من تلك الخرائط كما يسجل د. مؤيد الونداوي. والغريب هو أنَّ تلك الوثائق البريطانية ذاتها تعترف بأنَّ شط العرب كان على الدوام عراقياً، ولم يكن يوماً ما إيرانياً بأية نسبة تذكر.
سنقدم في الفقرات الآتية عرضا تحليلياً لإحدى الوثائق البريطانية الرسمية وهي الأهم بينها والتي تحمل عنوان "الإدعاء الفارسي بحدود "تالوج" في شط العرب"
تعرف الوثيقة البريطانية "شط العرب" كالآتي ( هو الاسم الذي أعطي للنهر الذي تنقل فيه مياه دجلة والفرات من نقطة التقاء النهرين في "القرنة" إلى الخليج الفارسي. ويبلغ طوله 110 أميال بحرية، من (القرنة) وإلى النقطة التي يدخل فيها البحر المفتوح، وهو خمسة أميال أسفل الفاو) وتستمر بتقديم وصف جغرافي وطوبوغرافي للنهر والمنطقة المحاذية لضفتيه حتى نهاية فقرتها الأولى.
في الفقرة الثانية، تلاحظ الوثيقة أنَّ سهل بلاد الرافدين شكل على الدوام الخط الفاصل بين الدولتين الفارسية والتركية، و تميزت العلاقات بينهما لعدة قرون بتواصل النزاعات الحدودية. وأن معاهدة زوهاب (zohab)، في سنة 1936، جعلت (البصرة تتبع إلى السلطان العثماني، والذي لم يكن واضحا هو فيما إذا كانت الأشياء "؟"التابعة للبصرة شملت الأراضي التي على يسار شط العرب). وتورد الوثيقة رأيا لرولينسون، وهو دبلوماسي بريطاني معروف، عبَّرَ سنة 1844 عن وجهة نظره التي تقول ( إنَّ الضفاف المباشرة لشط العرب بما في ذلك بلدة "موفلاه"، والتي هي في موقع مدينة "خرمشهر" الحالية كانت دائما تحكم من قبل البصرة. وأضاف رولينسون موثقا، أنه عندما تم تأسيس "باشاليك" وهي وحدة إدارية قد تعادل اللواء أو المحافظة للبصرة في عام 1850، فإنَّ السلطة التركية امتدت إلى (قوبان) عدة أميال إلى الشرق من "باهميشير"، وعمليا فإنَّ الحكومة الإيرانية لم يكن لها إطلاقاً سلطة على المنطقة، وحتى في الأوقات قريبة الماضية لم تمارس أكثر من سلطة وهمية "أو مبهمة" على "عربستان"، في حين أنَّ السلطة المؤثرة تقع في أيدي حكام القبائل "أو العشائر"، "بختاري خان" في الشمال، وشيوخ العشائر العربية لقبيلتي "كعب" و "محيسن" في الجنوب). في هذه الفقرة شديدة الأهمية من الوثيقة البريطانية، يمكن أنْ نضع اليد على عدة حقائق جغرافية و سياسية يجري تغييبها عند الحديث عن تفاصيل موضوع شط العرب والنزاع عليه.
من ذلك، أنَّ هذا النهر، بضفتيه الشرقية والغربية، لم يكن إيرانياً أو فارسياً أبداً، بل كان تابعاً وخاضعاً لولاية البصرة طوال فترة الصراع الفارسي التركي، والتي كان العراق في الأغلب مسرحاً لها. بل أنَّ دائرة ونفوذ البصرة تمتد شرقا إلى ما بعد الضفة الشرقية للنهر وتصل إلى قوبان شرقي باهمشير. وعلى هذا، فإنَّ اتفاقية الجزائر، بين الشاه الإيراني وصدام حسين، هي التي سجلت تنازلاً رسمياً من قبل حكم البعث في العراق عن ضفة النهر الشرقية، مفادة أنَّ خط الحدود بين البلدين هو خط التالوك في عمق النهر. وبهذا المعنى، فإنَّ اتفاقية الجزائر ليس إلا صفقة سياسية ين حكمين دكتاتوريين، تنازل بموجبها حكم البعث عن أراض ومياه عراقية مقابل ضمان بقائه في السلطة وإنهاء التمرد الكردي المسلح. وإنَّ ما حدث بعد ذلك أي خلال حرب الثمانية أعوام بين نظام صدام وخلفاء الشاه في الجمهورية الإسلامية من التراجع عن الاتفاقية ثم العودة إليها من قبل صدام لا يغير شيئا من هذا الواقع التاريخي الصلب والقائل بأنّ شط العرب هو نهر عراقي صميم.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصف قرن من التجاوزات المائية الإيرانية
- التجاوزات العدوانية الإيرانية على أنهار العراق/ توثيق أولي
- سوريا: الدم المسفوك لا يحتمل مزايدات الساسة!
- زيارة أوغلو الاستفزازية كانت لمصلحة عراقية كركوك!
- ربيع الأكراد والخلط بين الصهر القومي والاندماج المجتمعي
- مَن يعرقل إكمال سد بخمة وإنقاذ دجلة ولماذا ؟
- الحدث السوري في ضوء التجربة العراقية: ضرورة الموقف المُرَكَّ ...
- مشروع تحلية الثرثار سينقذ العراق، فلماذا إهماله؟
- -الجزيرة- و-العربية- و-فن- احتقار عقل المشاهد!
- العراق بين إيران وتركيا.. منعطفات التاريخ وثوابت الجغرافيا
- الأسس العامة لميثاق شرف لإنقاذ الرافدين من الزوال / ج5من 5ج ...
- -لجنة العلوي- تحذر السعودية وتنتقد قمة القاهرة وتناشد أربكان ...
- وزارة الخارجية وقانون المجاري المائية الدولية : تقصير أم توا ...
- وقفة عند التصريح الأخير للحزب الشيوعي العراقي: وداوها بالتي ...
- لماذا ينبغي إلغاء -اتفاقية الإطار الإستراتيجي- بين العراق وأ ...
- قراءة في أوراق لجنة هادي العلوي للدفاع عن الرافدين
- مقومات قائمة انتخابية ديموقراطية ضد الطائفية والتبعية في الع ...
- بحث علمي أوروبي يدحض خرافة العنف الدموي العراقي بالأرقام / ا ...
- الفاتحون العرب المسلمون يصابون ب-داء العنف العراقي- !ج8 من 9 ...
- كيف ستنتهي هيمنة الإسلام السياسي الشيعي في العراق؟


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - شط العرب بعد قرن من الأطماع الإيرانية