أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل كلفت - عالم جديد - الجزء الثاني - فيديريكو مايور















المزيد.....



عالم جديد - الجزء الثاني - فيديريكو مايور


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3844 - 2012 / 9 / 8 - 17:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


 
فيديريكو مايور
بالاشتراك مع
چيروم بانديه
 
عالم جديد
الجزء الثاني 
 
ترجمة: خليل كلفت و على كلفت
 
 
 
بمساعدة
جان ـ إيڤ لو سو، رانيار جيدماندسون، وفريق مكتب اليونسكو للتحليل والتقديرات المستقبلية
 
 
هذه ترجمة لكتاب
 
Un Monde Nouveau
par
Federico Mayor
Avec la collaboration de
Jérôme Bindé
 
صدرت الطبعة العربية الأولى عن دار النهار للنشر، بيروت
بالتعاون مع منظمة اليونيسكو
2002
 
 
ترجم خليل كلفت
المدخل والفصول من 1 إلى 6
والفصول من 13-16 والفصول من 18-20 والخاتمة
وترجم على كلفت
 الفصول من 7-12 والفصل 17
 
 
 
 
 
 
 
 


 
المحتويات
الجزء الأول
مدخل ........................................................................
 
 
 
1.    نحو عقد اجتماعي جديد ..........................................
 
 
1: السكان: قنبلة زمنية؟ .........................................................
2: فضيحة الفقر والحرمان ......................................................
3: تغيير المدينة يعني تغيير الحياة ...............................................
4: مستقبل وسائل النقل الحضري: أكثر أمانا، أكثر نظافة، أكثر قربا ..............
5: النساء يحركن العالم ..........................................................
6: النضال ضد المخدرات: التعليم والتنمية والبحث عن معنى .....................
 
الجزء الثانى
 
 
 
2. العقد الطبيعي للمستقبل:
العلم والتنمية والبيئة .................................................
 
 
7: أن ننمو مع الأرض ..........................................................
8: الصحراء تنمو ...............................................................
9: هل ستظل المياه جارية؟ ......................................................
10: هل سيكون الطعام كافيا للجميع؟ ............................................
11: إطعام البشرية بفضل البيوتكنولوجيات؟ .......................................
12: نحو "ثورة فعالية الطاقة" .....................................................
 
الجزء الثالث
 
 
 
3. نحو عقد ثقافي:
من مجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفة ...........................
 
 
13: ثورة التكنولوجيات الجديدة: المعلومات والاتصالات والمعرفة ..................
14: أيّ مستقبل ينتظر الكتاب والقراءة؟ ..........................................
15: تراث مهدد بالانقراض: اللغات ...............................................
16: التعليم على مشارف 2020: عن بُعْد أم بدون بُعْد؟ ..........................
 
الجزء الرابع
 
 
 
4. نحو عقد أخلاقي جديد ............................................
 
 
17: هل ستحدث "المعجزة الأفريقية"؟ .............................................
18: عائدات السلام والأمن العالمي ..............................................
19: أيّ مستقبل لمنظومة الأمم المتحدة؟ .........................................
20: من أجل ثقافة سلام .........................................................
 
 
 
خاتمة: في سبيل أخلاق للمستقبل .....................................
 
 
إشارات ......................................................................
فريق إعداد "عالم جديد"...................................................
شكر وتقدير...................................................................
 


 


 
 
 
القسم الثاني
العقد الطبيعى للمستقبل:
العلم والتنمية والبيئة


 
7
أنْ ننمو مع الأرض
 
 
يمثل الاهتمام، الموجه في الآونة الأخيرة، إلى المحافظة على كوكبنا مؤشرا لثورة حقيقية فى العقليات: الواقع أن التحول الثقافي والعلمي والاجتماعي، الذي حدث فجأة خلال جيل أو جيلين بالكاد، يحدث قطيعة مع ميراث طويل من عدم المبالاة بل حتى العداء. والواقع أن الإنسان قد قام بتشييء الطبيعة، منذ وقت طويل، وسعى إلى إخضاعها لسيطرته. وعن طريق "فك الطلاسم السحرية" عن العالم الطبيعي، وجعل الإنسان السيد والذات المالكة للكون، حملت الحداثة مشروع "السيطرة على الكرة الأرضية" إلى حدوده القصوى، وهذا ما جرت مطابقته منذ وقت طويل مع التقدم والحكايات الكبرى للتحرر في عصر التنوير والمجتمع الصناعي ـ الليبراليات، والنظريات العلمية، والاشتراكيات، والماركسيات، وأيديولوجيات سيادة التقنية. وكان يُنظر إلى تسخير الطبيعة لرغبات الإنسان وحاجاته على أنه السمة المميزة لمجتمع متقدم، ودليلا على النمو الاقتصادي، وشرطا لرفاهية السكان.
غير أنه، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ إدراك حدود تصور من هذا النوع. وكان العلماء أول من دق جرس الإنذار، عندما شرعوا، منذ فترة ما بعد الحرب، تحت رعاية اليونسكو، في إجراء الدراسات الدولية الأولى عن المناطق القاحلة وأنشأوا أولى الشبكات الكبرى لدراسة البيئة والمحافظة عليها. وقد كفت الأضرار التي لحقت بالوسط الطبيعي عن أن تبدو من قبيل القصص والحكايات، خصوصا منذ ظهر أن مضاعفة نقاط الاصطدام تهدد سلامة النظم الإيكولوجية. ومن الآن فصاعدا، يشكل أمن البيئة أحد المكونات الأساسية للأمن القومي والدولي: لعبت كارثة تشيرنوبل في هذا الشأن دور إشارة الإنذار. كما أن العقليات الجمعية ذاتها قد تطورت بعمق. وإنما على هذا النحو تم الانتقال، خلال أقل من خمسين عاما، من صورة "الجحيم الأخضر" للأمازون إلى صورة "غابة الزمرد". وبهذا أفسح التصور التقليدي عن عالم "معادٍ" ومتوحش المجال للصورة المضادة كليا لموروث يجب احترامه والتعامل معه بحكمة([1]). ومنذ عقود قليلة، كان مفكر صاحب رؤية مثل غريغوري باتسون Gregory Batson([2]) ما زال وحيدا تماما عندما أكد، ضد داروين Darwin، أن وحدة البقاء لا تتمثل في الفرد المنجب، ولا في السلالة، ولا في الأنواع أو الأنواع الفرعية، بل في كيان مرن: كائن حيّ داخل بيئته، وأنه يجب أن تتوافق إيكولوجيا للعقل البشرى مع إيكولوجيا للطبيعة. ومع ذلك فإن هذه الأفكار أخذت تفرض نفسها شيئا فشيئا.
ومن الآن فصاعدا، لم يعد من الممكن أن نتعامل مع الاقتصاد والبيئة بصورة منفصلة. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، ينبغي أن نتوقع في غضون العشرين أو الثلاثين عاما القادمة النتائج المنطقية للأنشطة البشرية على البيئة. إن سكان العالم يتزايدون ويعتمدون أنماطا جديدة من الزراعة والإنتاج والاستهلاك. ومازالت معظم البلدان النامية تشهد زيادة ديموغرافية سريعة، على حين أن البلدان الغنية لا تكف عن التهام للمواد الخام والفضاء والطاقة. وبالتالي، يواجه النظام الإيكولوجي إغراءً مزدوجا: ضغط مفرط لاستهلاك الشمال وضغط مفرط للسكان والاحتياجات الأساسية في الجنوب"([3]). وعلاوة على هذا، فإن الامتداد السريع لأنماط إنتاج الشمال وأساليب استهلاكه إلى الاقتصادات الناشئة وإلى أقسام كبيرة في بلدان نامية عديدة، يفاقم هذا الضغط، وسوف يظل يفاقمه أكثر خلال العقود المقبلة.
وكما شدد ويليام ريس William Rees وماتيس واكرناجيل Matthis Wackernagel، فإن "البصمات الإيكولوجية" لسكان الولايات المتحدة أو ألمانيا أو اليابان تزيد على البصمات الإيكولوجية لسكان الصين أو الهند بنحو عشرة أضعاف([4]). غير أنه لو كان على الآخرين أن يلحقوا بالأولين، لكانت البشرية بحاجة، من أجل إشباع الحاجات من الموارد الطبيعية لسكان عالم يتراوح عددهم بين ستة وثمانية مليارات، ليس إلى كوكب واحد بل إلى ثلاثة كواكب كالأرض. ولهذا فإن النماذج الحالية للتنمية في البلدان الأكثر تقدما في الشمال لا يمكن تكرارها على علاتها لا في المكان ولا في الزمان، دون تهديد بقاء المحيط الأحيائي لكوكب الأرض. ولهذا فإنه يتعين على بلدان الشمال التحول في أسرع وقت ممكن إلى الاعتدال الإيكولوجي، وذلك للحد من تأثيره السلبي على البيئة العالمية ومن عدوى التقليد الأعمى لأساليبه الاستهلاكية في الجنوب.
مخاطر جديدة في الأفق
وبطبيعة الحال فإن المخاطر التي تخيم على بيئة كوكب الأرض كثيرة. ووفقا لسيرج أنطوان Serge Antoine فإن بلدان الجنوب وحدها ـ حتى بافتراض عدم ارتفاع مستوى المعيشة ـ سوف تتضاعف انبعاثاتها من أكاسيد الكربون في الغلاف الجوى إلى أربعة أو خمسة أضعاف خلال العقود الأربعة القادمة. لأنه إذا استمرت انبعاثات غازات الدفيئة في الزيادة بنسبة 10% إلى 20% كل عشرة أعوام على مستوى كوكب الأرض، يمكن أن يتضاعف تركيزها إلى أربعة أضعاف خلال القرن الجديد: سوف يزداد دفء الأرض بالتالي بمعدل أعلى بما يتراوح بين 10 مرات و15 مرة عما عرفته الأرض خلال عشرة آلاف عام([5]). وبالمثل، تغزو الصحراء كل عام على مستوى العالم مساحة من الأراضي مساوية لمساحة فرنسا([6]). وإذا استمر قطع الأشجار بالمعدل الحالي، فإن الغابات الاستوائية سيكون قد تم محوها من فوق سطح الكرة الأرضية من الآن وحتى عام 2050([7]). ووفقا لأحدث تقديرات منظمة الفاو، فقد اختفت مساحة 9.9 مليار هكتار من الغابات في المتوسط سنويا بين 1981 و1990. وفي الوقت الحالي، وفقا للصندوق العالمي للطبيعة، يتم تدمير 15 مليون هكتار من الغابات الاستوائية كل عام. كما أنه، وفقا لحسابات للصندوق العالمي للطبيعة، على أساس بيانات للأمم المتحدة، لم يبق اليوم من نحو 8 مليارات هكتار من الغابات الأصلية، التي وجدت منذ 8000 عام، إلا 3 مليارات فقط([8]). غير أن إزالة الغابات ذات المنشأ البشري ليس لها فقط نتائج مأساوية على التنوع الأحيائي، بل هي أيضا السبب الرئيسي وراء تركز أكاسيد الكربون في الغلاف الجوى([9]).
وتؤدي انبعاثات أكاسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى إلى تغيرات مناخية ليس بمستطاعنا الآن قياسها بدقة. وعلى كل حال، فإن دراسة البيانات التي تم جمعها على مدى المائة وثلاثين عام الأخيرة عن متوسطات درجات الحرارة على نطاق العالم تبين أن السنوات العشر الأشد حرارة كانت كلها بعد عام 1980([10]). ووفقا لتقرير للإدارة القومية لشئون المحيطات والجو بالولايات المتحدة، "كان عام 1997 أكثر عام حرارة تم تسجيله على الإطلاق منذ إنشاء نظام للقياس في هذا المجال" على حين أن الخمسة شهور الأولى من عام 1998 تؤكد ارتفاع متوسط درجة الحرارة على نطاق العالم([11]). ووفقا لتوقعات المجموعة الدولية بشأن تطور المناخ، فإنه إذا استمر الاتجاه الحالي، يمكن أن ترتفع درجة حرارة الأرض بما يتراوح بين 1 و3.5 درجة مئوية من الآن وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين([12])؛ ويتوقع بعض العلماء بصورة جدية ارتفاعا يصل إلى 5º.
والحقيقة أن نتائج مثل هذا الدفء، إن كان لا مناص من حدوثه، ستكون مأساوية: وينبغي أن نعلم أنه مع اختلاف قدره 5° عن متوسط المناخ الحالي يمكن أن نجد أنفسنا في مستويات مماثلة للمستويات التي فجرت الانقلابات المناخية الكبرى في التاريخ الجيولوجي([13]). وفى المناطق الساحلية، يمكن أن يهدد ارتفاع مستوى البحر بابتلاع مناطق شاسعة مأهولة بالسكان أو حتى دول جزرية بكاملها مثل المالديف، وبتفاقم مشكلات التحات البحري، وبمضاعفة مخاطر الفيضان الكارثية، كما في بنغلاديش. ويمكن أن يؤدي دفء المناخ إلى ارتفاع منسوب المحيطات بما يتراوح بين 15 و95 سنتيمترا: الواقع أن 80% من سكان العالم يعيشون اليوم على مسافة تقل عن 180 كيلومتر من الساحل، ويعيش 21% على مسافة تقل عن 30 كيلومترا منه. وبالإضافة إلى هذا، يبين مركز هادلي Hadley لتوقعات وبحوث المناخ أن معدل نمو السكان الذين يعيشون على مسافة تقل عن ثلاثين كيلومترا من ساحل يصلون إلى ضعف معدل نمو باقي سكان العالم. وتبين الأرصاد التي أجراها القمر الصناعي أنه، بين عامي 1992 و1995، ارتفع مستوى البحر بالفعل بحوالي 3 ملليمترات في السنة.
ومن الآن فصاعدا يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسارع ذوبان الأنهار الجليدية الملحوظ في جبال الألب كما في جبال الأنديس. ولهذا قدر باحثون في معهد أورستوم ORSTOM([14]) أن الأنهار الجليدية في بيرو قد تراجعت بعد عام 1980 بسرعة أكثر من ثلاثة أضعاف سرعة تراجعها طوال العقد السابق؛ وفى بوليفيا "كان [التراجع] أسرع خمسة أضعاف منه في العقود الأربعة السابقة"([15]). وهذا الاكتشاف مثير جدا للقلق نظرا لأن الأنهار الجليدية في جبال الأنديس توفر مصدرا حيويا في الواقع لإمدادات المياه الصالحة للشرب خلال موسم الجفاف. ووفقا لتوقعات خبراء المجموعة الدولية بشأن التغير المناخي (اليونسكو)، فإنه بالمعدل الحالي لذوبان الجليد، "يمكن أن تختفي نسبة تتراوح بين ثلث ونصف كتلة الأنهار الجليدية الحالية في جبال الألب خلال المائة عام التالية"([16]). بل يعتقد عدد من الخبراء أن مجموع الأنهار الجليدية في جبال الألب سوف تكون قد اختفت من الآن وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين.
كما أن ذوبان جليد القطبين وما يصاحبه من ارتفاع في معدل هطول المطر ـ وهما نتيجتان متوقعتان لدفء المناخ ـ يمكن أن يؤديا في الأجل الطويل إلى عواقب متناقضة بالنسبة لمناطق معينة مثل أوروبا: الواقع أن اضطراب تيارات المحيط الأطلنطي، وعلى وجه الخصوص تيار الخليج Gulf Stream الذي تدفئ مياهه السواحل الأوروبية، يمكن أن يؤدى إلى انخفاض حاد في درجات الحرارة وإلى فصول شتاء تماثل فصول الشتاء التي تعرفها كندا([17]).
ويمكن أن تؤثر عواقب أخرى في التنوع الأحيائي وفي النظم الإيكولوجية، حيث أن من المتوقع أن تختفي بعض أنواع الحيوان والنبات، وبصورة خاصة في شمال أوروبا. ويمكن أن يثبت أن دفء المناخ ضار بالزراعة بصورة محددة، في أفريقيا بصورة خاصة، حيث يمكن أن تنخفض المردودات بنسبة 30%، وكذلك في باكستان وكازاخستان والمكسيك وفى مناطق عديدة من البرازيل وتشيلى([18]).
وينطوي دفء المناخ أيضا على عواقب خطيرة على الصحة العامة. ووفقا لمجموعة من الخبراء الطبيين، يبرز بينهم إريك شيڤيان Eric Chivian، مدير مركز الصحة والبيئة بجامعة هارڤارد، من المتوقع وفاة ثمانية ملايين شخص من الآن وحتى عام 2020 نتيجة للأمراض التي ينقلها البعوض وبسبب تلوث المياه، إذا لم يتم عمل شيء في سبيل النضال ضد دفء الكرة الأرضية([19]). كما أن الانتشار العالمي للملاريا يمكن أن يمثل إحدى النتائج الرهيبة لدفء الكرة الأرضية، إذا لم يتم اكتشاف لقاح فعال حقا ضد هذا المرض.
وبالتوازي مع الأخطار المرتبطة بدفء المناخ، هناك تطورات أخرى مثيرة للقلق بصورة خاصة. ولهذا يجب أن ندرك أنه بإهمال نوعية التربة، إنما يجري رهن الطاقة المستقبلية للتربة بتلبية احتياجات السكان. وبالفعل فإن أكثر من ربع مساحة الأرض المخصصة للزراعة وتربية الماشية قد تدهور بصورة خطيرة. وفى كل عام تصبح قرابة 10 ملايين هكتار غير صالحة للزراعة نتيجة للإفراط في استغلالها. ويعني هذا الاضطراب خسارة سنوية بنسبة 0.2% تقريبا من الطاقة الإنتاجية الزراعية العالمية.
والواقع أن النتائج المترتبة على تلوث المياه تتسم بنفس الدرجة من الخطورة. وفي البلدان النامية، حيث تكون نظم تطهير المياه منعدمة أو ناقصة، يمكن أن يسقط مئات الملايين من الناس مرضى كل يوم لاضطرارهم إلى شرب مياه غير صالحة للشرب. كما أن وفيات الأطفال تكون في أغلب الحالات بسبب ابتلاع مياه غير صحية. وبالإضافة إلى هذا فإن المياه الملوثة يتم إلقاؤها بجانبها الأكبر في البحر، مما يطرح على المناطق الساحلية ـ وهي عادة المأهولة أكثر بالسكان ـ تواجه مشكلات خطيرة في مجالي الصحة العامة والمحافظة على موارد صيد الأسماك.
ويمثل تفاقم الكوارث الطبيعية بصفة خاصة مصدر قلق. ووفقا للبيانات التي تلقتها الأمم المتحدة، فإن عدد الكوارث الطبيعية الكبيرة ـ الأعاصير، الجفاف، الفيضانات، الانهيارات الجليدية، حرائق الغابات، أمواج المدّ، الهزات الأرضية([20]) ـ قد ارتفعت إلى أربعة أضعاف([21]) خلال الثلاثين عاما الأخيرة. وبهذه الوتيرة، صار مليونان إضافيان من الناس مهدين بالنزوح كل عام بسبب الكوارث الطبيعية. ومن الآن فصاعدا تظهر فئة جديدة من اللاجئين، "اللاجئون الإيكولوجيون"، وبطبيعة الحال فإنه سيكون على منظومة الأمم المتحدة أن تعكف على دراسة هذه المشكلة خلال السنوات المقبلة.
والحقيقة أن ندرة الموارد الطبيعة، وما يصاحبها من زيادة عدد سكان العالم النامي، يمكن أن يؤديا إلى منافسات ضارية، بل حتى أن يفجرا نزاعات خطيرة، وبصورة خاصة عندما تؤجج العنف عوامل أخرى. كما أن العمل اليوم على حماية البيئة يعنى أيضا الاستثمار في مستقبل الديمقراطية. وعلى العكس، إذا استمر التدهور المفرط لكوكبنا فإننا يمكن أن نشهد، عاجلا أو آجلا، قيام نظم سلطوية أو حتى نظم فاشية جديدة بفرض سياسات بيئية تعسفية([22]).
في سبيل المسئولية تجاه المستقبل
الاحتياط واجب. الاحتياط في مواجهة المشكلات البيئية اليوم، وأيضا الاحتياط في مواجهة المشكلات التي يحتمل أن تظهر غدا. والحقيقة أن الاضطرابات التي شهدناها منذ بداية القرن العشرين تمنحنا قدرا من عدم اليقين الذي يميز مستقبلنا، ومن ضخامة التغيرات التي سيكون علينا أن نواجهها بطبيعة الحال. وكما يلاحظ فرانسوا إوالد François Ewald، فإن مبدأ الاحتياط "ينم عن علاقة مضطربة بالعلم الذي يجذبنا ليس بالثقة التي يجلبها بل بالظنون والشكوك التي يمكن أن يثيرها حول ما نعرف وما لا نعرف على السواء"([23]).
ومن الآن فصاعدا، سيكون على مبدأ الاحتياط، الذي كرسته قمة الأرض المنعقدة في ريو دي جانيرو في 1992، أن يوجه السياسات الدولية والقومية، بل أيضا سلوك المجتمع والقطاع الخاص. لأننا إن لم نعمل في "الوقت المناسب"، فإن الأجيال المقبلة لن يكون لديها مطلقا وقت لكي تعمل: إن هذه الأجيال تخاطر بأن تكون سجينة عمليات خرجت عن السيطرة. وإذا تغلبت المصالح الاقتصادية القصيرة الأجل على الصرامة العلمية وعلى الاعتبارات الإيكولوجية، فإنه سيكون من المستحيل تحقيق هدف تنمية مستديمة. ويجب أن ندرك أننا كلنا معا في نفس القارب: أولئك الذين وُلدوا فعلا، أينما كانوا، وأولئك الذين سيولدون. ويجب أن نوحد قوانا، قوى الحكومات والمجتمعات العلمية والتكنولوجية والقطاع العام والقطاع الخاص، لكي نواجه مستقبلنا المشترك. مستقبل سيكون، كما ينبغي أن نأمل، متسما بروح الاقتسام بصورة أفضل مما كان في الماضي([24]). وكلما زادت سرعة التغير، صار من الصعب أكثر فأكثر أن يتم بدقة تعريف المستويات "المقبولة" للمخاطرة، مما يعني أنه ينبغي أن ندير البيئة انطلاقا من فرضيات وليس من حقائق يقينية. وباختصار، فإن القرن الجديد لا يترك لنا الخيار: ينبغي أن نعرف كيف نعد لما لا يمكن التنبؤ به. ومن هنا نقدر ضرورة إعادة النظر في إشكالية البيئة وإعادة تعريفها في القرن الجديد. وإلى الآن، أعطيت الأولوية لمعالجة "التدفقات" (التلوث أو استغلال الموارد)؛ وسيكون على القرن المقبل أن يولى اهتماما أكبر كثيرا لإدارة "الأرصدة" وتجديدها، الأمر الذي سوف يتطلب في آن معا جهدا لمنع الظواهر غير القابلة للإصلاح وإعادة تأهيل البيئات المتدهورة.
 
نحو عودة الكوارث الكبرى؟
وصف المؤتمر الوزاري لمجموعة الثمانية ـ البلدان السبعة الأكثر تصنيعا والاتحاد الروسي ـ بشان البيئة، المنعقد في ليدز كاسل بالمملكة المتحدة، في 5 نيسان/ إبريل 1998، الاختلال المناخي بأنه "الخطر الأكبر على التنمية المستديمة في العالم والصحة العامة والازدهار المستقبلي". والواقع، أن الدلائل ليست مشجعة كثيرا. وبدا أن عام 1997-1998، الذي كان مأساويا بصورة خاصة من هذه الناحية، ينذر بعودة الكوارث الكبرى. وقد شهد العام الأكثر حرارة في تاريخ الأرصاد الجوية هذه الكوارث تتضاعف: الحرائق والجفافات المتواصلة في إندونيسيا وفي جنوب شرق آسيا وفي جنوب المحيط الهادي؛ تباطؤ الرياح الموسمية؛ اندلاع حرائق في شمال غابات الأمازون (حيث هطلت الأمطار بمعدل يصل إلى خمسة أضعاف المعدل المعتاد)؛ خروج 11000 حريق عن كل سيطرة في المكسيك؛ فيضانات وانزلاقات أرضية، تصدعات وظهور بحيرات شاسعة مصطنعة في بيرو والإكوادور وكولومبيا وتشيلى والأرجنتين؛ الجفاف الذي يعاود ضرب القارة الأفريقية من غربها إلى شرقها. ويبدو أن عام 1998-1999، بدلا من أن  يكون بمثابة فترة لالتقاط الأنفاس، يعيد إنتاج هذه الاضطرابات ويضخمها: الفيضانات في الصين وكوريا واليابان وبنغلاديش؛ وإعصار "ميتش" في أمريكا الوسطى؛ والشتاء المعتدل بصورة غير طبيعية في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ وحرائق الغابات التي ألحقت الأضرار باليونان وإيطاليا في صيف 1998.
والمجتمع العلمي منقسم على نفسه في تفسير هذا التفاقم "للحوادث" المناخية. ولكن هل يمكن أن نعتصم إلى ما لا نهاية بمحاولة إثبات أن هذه الأحداث استثنائية؟ وهل يمكننا أن نستمر في الحديث عن أحداث "خارجة عن المألوف" حين تتكرر لدرجة أن تصير القاعدة؟ إن لدينا تحالفات عسكرية على مستوى الأقاليم الفرعية مزودة بوسائل تقنية ضخمة لمواجهة أعداء محتملين، ولكن ماذا فعلنا لمواجهة الأخطار البيئية العديدة؟ وعندما تحترق الغابات، وعندما تتضاعف الأعاصير والكوارث الطبيعية التي لها نتائج مأساوية على السكان، فأين تحالفات الأقاليم الفرعية لمواجهة كل هذا؟ أين الطائرات والوسائل التقنية المعقدة لاكتشاف الأخطار أو تفادي الكوارث أو الحد من تأثيرها؟ إن الأمر واضح تماما: لقد أعددنا منذ قرون، للحرب، وليس لتحسين البيئة، ولتجنب تحات البيئة، والحد من تأثير ظواهر مثل الهزات الأرضية والفيضانات والحرائق. ونحن لا نستطيع أن نواجه هذه المخاطر اعتمادا على المحاكم التي تصدر أحكامها بعد أن تقع الوقائع، بل اعتمادا على التدابير الوقائية التي يمكنها وحدها أن تتيح بصورة فعالة توجيه مثل هذه الأسئلة البالغة الأهمية من أجل مستقبلنا المشترك.
المصدر:
“L année de toutes les catastrophes”, Le Monde, 6 août 1998 ; Federico Mayor, allocution à l ouverture de la Conférence intergouvernementale sur les politiques culturelles pour le développement, Stockholm, mars 1998.
 
وأكثر من أي وقت مضى، فإن الحكم سوف يعنى اليقظة. غير أن هذا الدور الخاص بالرصد لا يمكن أن تحتكره السلطات العامة أو الخاصة وحدها. ولا مناص من أن يعهد بهذا الدور شيئا فشيئا إلى المواطنين أنفسهم إذا كانوا راغبين في أن لا يفقدوا الرقابة على الديمقراطية ـ وسيكون عليهم أن يوطدوا هذه اليقظة على نطاق الكوكب.
ويدعو مبدأ الاحتياط، مطبقا على التكنولوجيات الجديدة، أعلى قدر من اليقظة. وإذا كانت التكنولوجيات الجديدة تقدم في كثير من الأحيان آفاقا مبشرة بالتنمية المستديمة، إلا أنها يمكن أيضا أن تؤدي إلى توالد جديد للمخاطر. وعلى الصعيد العالمي، يسير التقدم التقني في اتجاه أدنى استخدام للموارد لكل وحدة يتم إنتاجها. غير أنه يقترن أيضا بتنويع و"تعقيد" للمخاطر: على سبيل المثال، يطرح للبيع أكثر من ألف منتج كيميائي جديد كل عام. فأي بلد لديه الوقت والإرادة لفحص هذه المنتجات؟ ويفرض الاحتياط نفسه لأن من المستحيل في كثير من الأحيان التكهن بالآثار الطويلة الأجل لبعض التجديدات في المجال الصناعي. وبالإضافة إلى هذا، فإن احتمال التوافق السريع للعرض مع الطلب، في مجال البيئة، ليس سوى وهم. وتنتمي الإيكولوجيا إلى عالم النظم البطيئة. وعلى سبيل المثال، أمكن مؤخرا اكتشاف ارتفاع في معدل الزئبق في البحيرات السويدية، بعد 25 عاما من حظر استعماله في صناعة المنتجات الورقية([25]).
النتائج ما تزال مخففة
منذ جيل واحد، أثبتت جهود المجتمع الدولي فائدتها في بعض الأحيان، وبصورة خاصة حين توقعت نشوء ظواهر لا تظهر آثارها الضارة بصورة لا تقبل الجدل إلا الآن ـ الأمر الذي يثبت الدور الذي صار أساسيا أكثر من أي وقت مضى للنظرة المستقبلية في السياسات القومية والدولية. وبطبيعة الحال فإن الإجراءات التي اتخذت لصالح حماية طبقة الأوزون مثال جيد على هذا. وعلى سبيل المثال، فإن اتفاقية ﭭيينا بشأن حماية طبقة الأوزون، التي وقعها 150 بلد في 1985 والتي تم استكمالها، في 1987، ببروتوكول مونتريال بشأن المواد التي تستنفد طبقة الأوزون، كانت لها نتائج حاسمة بصورة محددة. فلأول مرة، حصلت الأمم المتحدة على تعهدات محددة بالأرقام لحماية البيئة. ووفقا لتقديرات 1995، انخفضت انبعاثات غازات الكلوروفلوروكربون بنسبة 76% عن حدها الأقصى في 1988([26]). وكان بروتوكول مونتريال يتوقع أن يتوقف إنتاج الكلوروفلوروكربون تماما في 1996 في البلدان الصناعية، ومن الآن وحتى 2010 فى البلدان النامية. وقد أوضح 58 بلدا ناميا أنها يمكن أن تكون مستعدة قبل هذا الموعد. ويبدو لنا أن هذه المبادرة التي قدمت فيها البلدان الصناعية القدوة كانت نموذجية.
وبطبيعة الحال فإن الفوز في المعركة ما زال بعيد المنال. وتبين الملاحظات الأخيرة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تدهور طبقة الأوزون فوق المنطقة القطبية الجنوبية لم يكن بهذه الشدة في يوم من الأيام، وأن ثقب الأوزون كان مماثلا في أيلول/ سبتمبر 1998 لمساحة تساوى مساحة أوروبا مرتين ونصف([27]). غير أنه بفضل الجهود المبذولة، يتنبأ الخبراء بأن تدابير الحد من استعمال مركبات الكلوروفلوروكربون ستبدأ تؤتي ثمارها ابتداء من 2004، وبأنه، إذا روعيت أحكام البروتوكولات الدولية، يمكن أن تقوم طبقة الأوزون بإعادة تكوين نفسها بصورة كاملة من الآن وحتى عام 2050([28]).
وبالمقابل، فإن الاتفاقيات الأربع الخاصة بالتنوع الأحيائي، وبالتغيرات المناخية، وبالنضال ضد التصحر، وبقانون البحار، قلما تم تطبيقها وبالتالي لم تثبت فعاليتها إلى الآن. ويمكن أن نستدعي، على سبيل الذكرى فقط، إعلان المبادئ بشأن الغابات الذي ليس له أي طابع ملزم. غير أن عقد اتفاقيات كبرى بشأن البيئة الكوكبية كان له، مع ذلك، الفضل في جمع شمل بلدان الشمال وبلدان الجنوب لتبدأ التصدي معا للمشكلات البيئية. والآن وقد تم وضع إطار قانوني دولي أول لتوفير حماية عالمية للبيئة، ينبغي أن نعمل على أن تتم ترجمة الكلمات في المستقبل إلى أفعال وعلى أن تتيح المعاهدات حل المشكلات بدلا من التهرب منها.
والواقع أن التعهدات التي التزم بها المجتمع الدولي في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن البيئة والتنمية الذي تم تنظيمه في ريو في 1992 لم تكن لها، إلى الآن، نتائج ملموسة؛ وعلى أرض الواقع، استمر الوضع في التدهور. فمنذ 1992، زادت الانبعاثات السنوية من غاز ثاني أكسيد الكربون بواقع 100 مليون طن. وفيما يتعلق بالانبعاثات الكلية لغازات الدفيئة فقد زادت، منذ 1990، بواقع 17% في الولايات المتحدة و20% في البرازيل و27% في الصين و28% في الهند و40% في إندونيسيا، وزادت منذ عام 1992، بواقع 8% في اليابان([29]). ويقدر تقرير للإدارة الأمريكية بشأن الطاقة أن الانبعاثات السنوية من غاز الكربون سترتفع في الولايات المتحدة، بالمقارنة بمستواها في 1990، بواقع 34% في 2010 و40% في 2015 و45% في 2020([30]). وحتى الآن، قامت ستة بلدان فقط بفرض "ضرائب إيكولوجية" لكبح جماح إزالة الغابات وسوء استخدام المياه والطاقة والنشاطات التعدينية الضارة بالبيئة. ومنذ 1992، اختفى 86 مليون هكتار من الغابات على نطاق العالم، واختفى معها عدة آلاف من الأنواع الأحيائية([31]).
وعلاوة على هذا، فإن التعهدات الخاصة بالمساعدات العامة للتنمية، التي كان يفترض، وفق شروط التعهدات التي أقرها المجتمع الدولي والبلدان الصناعية نفسها، أن تصل إلى 0.7% من الناتج القومي الإجمالي بالنسبة لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لم يتم الوفاء بها: هبطت هذه المساعدة الآن إلى 0.22% من متوسط الناتج القومي الإجمالي لتلك البلدان. وارتفع الدين الخارجي للبلدان النامية من 1662 مليار دولار في 1992 إلى 2000 مليار دولار في 1997([32]). وكما أكد جيمس وولفنسون، رئيس البنك الدولي، لم يتحقق أي تقدم في مجال تحسين نوعية حياة 3 مليارات من الناس الذين مازالوا يعيشون على أقل من دولارين في اليوم([33]). فكيف يتسنى لهم، وهم يكابدون بؤسهم، أن لا ينظروا إلى حماية البيئة على أنها ترف صعب المنال؟ وكيف يتسنى لهم، وهم يعيشون حياة الكفاف، أن لا يضحوا برفاهية الأجيال المقبلة؟ لكن كيف يتسنى لهم، وهم أغنياء، أن ينظروا إلى حماية البيئة كترف صعب المنال؟ وكيف يتسنى لهم أن يعيشوا حياة الثراء الدائم وأن يضحوا، وهم يعلمون، برفاهية الأجيال المقبلة؟
وإذا كان هذا في الواقع بمثابة فضيحة، فإن هذا لأننا نعرف اليوم أننا نهدد بقاء المحيط الأحيائي للأرض وبقاء الأجيال القادمة، على خلاف أسلافنا الذين تصرفوا وهم على جهل تام بعواقب أفعالهم. ويتمثل قصور السياسات الحالية في واقع أنها لم تعد مقبولة لأنه لم يعد لديها عذر الجهل والشك.
دعونا لا نخدع أنفسنا: إن قمة ريو لم تؤد، من حيث الأفعال، إلى إنجازات مهمة. وقد عبرت الوثيقة النهائية التي اعتمدتها الجمعية العامة في دورتها غير العادية في ختام قمة "ريو+5" المنعقدة في نيويورك، في حزيران/ يونيه 1997 عن "قلقها العميق"، وأكدت أن "محصلة الاحتمالات والتوقعات الحالية أكثر قتامة عما كانت عليه في 1992". أما قمة كيوتو بشأن دفء المناخ التي ضمت 159 دولة، في كانون الأول/ ديسمبر 1997، فقد انتهت إلى اعتماد بروتوكول يطالب بخفض انبعاثات غازات الدفيئة من الآن وحتى عام 2012 (بواقع 5.2% في المتوسط للبلدان الصناعية قياسا على عام 1990). وعلى كل حال فإنه، منذ ذلك الوقت، لم يصدق عليه بصورة رئيسية سوى دول جزرية صغيرة، ولم تتح المناقشات التي دارت في بون بين 1200 مندوب من 150 بلد التوصل إلى اتفاق بشأن طرق تطبيق البروتوكول. أما مؤتمر بوينس آيرس بشأن تغيرات المناخ، الذي كان عليه أن يجعل تنفيذ تعهدات كيوتو أعمالا ملموسة، فقد انتهى دون أي تعهد ملموس.
كما أن قمة كيوتو لم تتح تحديد تعهدات دقيقة تجاه البلدان النامية، مع أن احتياجاتها من الطاقة سوف تشهد أعلى ارتفاع لها في السنوات القادمة. واليوم، يتم انبعاث حوالي ثلثي الحجم الكلي لغازات الدفيئة في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، غير أنه من الآن وحتى عام 2025، سيتم انبعاثها بجانبها الأكبر في البلدان النامية. وعلى سبيل المثال، أشار كريستيان برودهاغ Christian Brodhag، حين كان رئيسا للمجلس الفرنسي للتنمية المستديمة، إلى أن "الصين، على سبيل المثال، تشيد اليوم بنيتها الأساسية الثقيلة التي سوف تحدد الصورة العامة للاستهلاك وبالتالي للتلوث على مدى خمسين عاما"([34]).
وعلاوة على هذا، فإن لنا أن نخشى أن يؤدي التوسع في تربية الماشية وفى الزراعة الكثيفة إلى المزيد من انبعاثات غاز الميثان وإلى مزيد من إزالة الغابات في الجنوب ـ على حين أن الغابات تتزايد حاليا في الشمال. والواقع أن الحاجات الغذائية يمكن أن تصل، في 2020، إلى ضعف ما تنتجه الأرض اليوم. ونظرا لأن مشكلات الغد موجودة بصورة جنينية اليوم، فقد طرحت البرازيل في كيوتو حلا مبتكرا جدا وواعدا جدا كإمكانية: إنشاء صندوق أخضر يموله نظام غرامات تدفعها تلك الدول التي لا تفي بتعهدات بروتوكول كيوتو. ويمكن أن يتيح هذا الصندوق تمويل مشروعات في البلدان النامية وبالتالي تيسير نقل التكنولوجيات المقتصدة للطاقة، مع بدء حوار بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب([35]). فدعونا نأمل أن يتم سريعا ترجمة هذا الاقتراح إلى أفعال.
ورغم التقدم المحدود الذي تم تحقيقه منذ إعداد برنامج جدول أعمال 21 Agenda 21 المعتمد في قمة ريو في 1992، وخطة العمل الخاصة به، إلا أنهما تظلان أداتين مرجعيتين أساسيتين يمكن انطلاقا منهما تحقيق التقدم نحو هدف التنمية المستديمة إذا كفت الإرادة السياسية عن الغياب. غير أنه لا مناص من أن تقوم إنجازات الأعوام القليلة المقبلة على تدابير محددة وعلى مسئولية متزايدة نحو الأجيال القادمة. ويمكن أن يلعب العلماء دورا حاسما: إن عليهم أن يجعلوا أبحاثهم واكتشافاتهم ومعارفهم في متناول المجتمع المدني بحيث يمكن لهذا المجتمع أن يمارس تأثيرا أكبر على القرارات السياسية. وسرعان ما سيكون من الضروري وضع قرارات ريو وكيوتو موضع التنفيذ؛ غير أنه سوف ينبغي بصورة خاصة الذهاب أبعد كثيرا من الآن وعلى مدى السنوات العشر القادمة إذا أردنا حقا ألا نعرض للخطر ممارسة الأجيال القادمة لحرياتهم وحقوقهم. ولا يمكن أن نقلل بهذا الصدد من شأن المجموعة البالغة الثراء من القوانين والنظم التي أصدرها عدد كبير من الدول أو مجموعات الدول، والتي تشكل اليوم أساس سياسات البيئة. وللذهاب أبعد وأسرع ينبغي دعم البرلمانيين والعمد والمدارس والشباب ووسائل الإعلام، أي كل أولئك الذين، بدلا من الترحيب بحروب لا يمكن تفاديها، يريدون مواجهة تحديات المستقبل التي لا يمكن الالتفاف حولها.
دور القطاع الخاص
هنا يجب أن تحدد الدولة الديمقراطية الاتجاه والإطار وأن تضع قواعد اللعبة، عن طريق التوقع، والتشريع، والتنظيم، وتطبيق القوانين واللوائح، وبصورة خاصة عن طريق فرض الضرائب. غير أنها لا يمكن أن تعمل بمفردها. وبدون مساعدة أو مشاركة القطاع الخاص، لا يمكن لأي إجراء لحماية البيئة، أو يهدف إلى دمجها بصورة أفضل في التنمية، أن يكون له تأثير مستديم. ونظرا لأن الأضرار التي يتم إلحاقها بالطبيعة مرتبطة بصورة رئيسية بالنشاط الاقتصادي، فإن من الضروري توعية أصحاب المشروعات بقضايا البيئة. ويمكن أن تعتمد الحكومات تدابير لمنح حوافز، من خلال الضرائب والإعانات المالية. ونظرا لأن المشروعات التجارية تخضع لمنطق الربح، "تقع على عاتق الحكومات مسئولية ضمان أن [تكون] الاستثمارات أكثر ربحية من الاستثمارات القابلة للبقاء إيكولوجيا"([36]).
وحتى من وجهة النظر الاقتصادية البحتة، فإنه ليس من المؤكد أن هناك ما يمكن كسبه من التلويث. ووفقا للصندوق العالمي بشأن الطبيعة، يمكن للولايات المتحدة، عن طريق خفض انبعاثاتها من الغاز الكربوني بنسبة 21% من الآن وحتى عام 2010، أن تحقق وفورات قيمتها 136 مليار دولار في مجال الطاقة([37]). ومن الممكن تحقيق وفورات كبيرة عن طريق اعتماد حلول سليمة إيكولوجيا في النقل والإسكان والزراعة. ومن ناحية أخرى، فإن فاتورة الكوارث الطبيعية أعلى تكلفة من أن يبدأ بعض الفاعلين الاقتصاديين والماليين القياديين في أن يشغلوا أنفسهم في المحل الأول بالقضايا البيئية. وفى خلال عقد الثمانينيات، دفعت شركات التأمين بالفعل، على المستوى العالمي، نحو 17 مليار دولار للتعويض عن الأضرار المرتبطة بالكوارث الطبيعية. ومن 1990 إلى 1996، انفجرت الأرقام لتصل إلى 60 مليار دولار. وفى تموز/ يوليه 1996، شاركت 60 شركة تأمين في اجتماع عقد في جنيف للدول الموقعة على الاتفاقية بشأن تغير المناخ. واعتمدت هذه الشركات إعلانا يناشد الحكومات أن تخفض بصورة كبيرة انبعاثاتها من غازات الدفيئة.
وهناك بالفعل ما يدل على وجود بعض العلامات المشجعة. ففي كافة الميادين من تربية الأسماك إلى الطاقة الشمسية، يتم إنشاء مشروعات جديدة تهتم بالتنمية القابلة للبقاء. ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن السوق العالمية للسلع والخدمات المرتبطة بالبيئة، التي تمثل نحو 200 مليار دولار في 1990، من المحتمل أن تزيد بنسبة 50% من الآن وحتى عام 2000. وعلى هذا فإن حماية البيئة صارت صناعة حقيقية تشهد الآن معدلات نمو تعد بين أسرع معدلات النمو في العالم وتنتشر الآن أيضا في البلدان النامية. وربما كان النجاح التجاري للسلع والخدمات "الخضراء" منسجما مع بداية وعى حقيقي داخل الرأي العام لا مناص من أن تتوافق معه، في النهاية، كافة المشروعات. ولا مناص من أن تضع العلامات التجارية، الحريصة على صورتها، في اعتبارها المستهلك الذي يعلق الآن أهمية أكثر بوضوح من أي وقت مضى على احترام الطبيعة. وفيما مضى كان ينظر إلى الاهتمام بالبيئة على أنه "وهم خالص بالقياس إلى العالم الواقعى للأعمال"؛ وربما كان يصير اليوم "محرك الثورة الصناعية القادمة"([38]). وعلى كل حال، يفرض نفسه في هذا المجال شيء من الحكمة، الحكمة التي تقوم على الصرامة العلمية، إلى الحد الذي تكون فيه المنتجات "الخضراء" بصورة خاصة بطاقة تجارية تساعد على بيع السلعة.
ويرى إرنست أولريش فون ڤايتسكر Ernst Ulrich von Weizäcker أن التحدي الذي يواجه المجتمعات الراهنة يتمثل في السيطرة على التقدم التكنولوجي عندما نأخذ في الاعتبار الأهمية الإستراتيجية للموارد الطبيعية، التي صارت عوامل إنتاج أساسية في نفس أهمية ـ بل أكثر أهمية من ـ قوة العمل([39]). وهو يستنتج أنه سيكون علينا من الآن فصاعدا أن نركز جهودنا على زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية. وفي الوقت الحالي، فإنه لإنتاج 100 دولار من الدخل في البلدان المتقدمة يتم استخدام حوالي 300 كيلوجرام من الموارد الطبيعية([40]). ويرى جاك تيس Jacques Theys، رئيس مركز الأبحاث المستقبلية والمراقبة العلمية في وزارة الأشغال العامة والنقل والإسكان الفرنسية، أن تطور مجتمعاتنا نحو أنشطة الخدمات والمعلومات يمكن أن يقلل من هذه النسبة وأن ييسر تطوير إعادة التدوير. وبالتالي فإنه سوف يكون من الممكن الاستجابة للاهتمام المزدوج الماثل في مصدر التنمية المستديمة: دوام أو تجدد الموارد الطبيعية، ورفاهية السكان، الحاليين أو القادمين، الذين يعيشون، أو سيعيشون، على هذه الموارد.
غير أن من المحتمل أن تصطدم طرق الإنتاج الأكثر صداقة مع البيئة، بكل سرعة مع حقائق المنافسة: مخاطر الإغراق الإيكولوجي والحواجز التقنية أمام التبادلات. وإلى جانب هذا، سوف ينبغي أن نتعلم الجمع بين التنظيم التجاري والعمل العام، خصوصا عن طريق تشجيع التعاون الدولي لصالح البلدان الأكثر فقرا. وفي أغلب الأحيان، يكون الإعلان والبيع هما البعدان المرئيان الوحيدان للسوق، على حين أن إنتاج السلع يكفله في البلدان النامية عمال خاضعون لشروط عمل شاقة جدا مقابل مرتبات زهيدة. وفى المستقبل، لن يعود من الضروري أن يحدث تطبيق قوانين السوق بعدم المبالاة إزاء التفاوتات القائمة وإزاء التفاوتات المتزايدة التي يقود إليها. ولن يكون بوسع التمفصل بين التنظيم بالسوق والتنظيم بالدولة والقطاع العام أن يؤتي ثماره إلا بشرط إيلاء الأولوية للحلول الطويلة الأجل: وقف الإعانات المالية الممنوحة للأنشطة الملوِّثة مع الحد في الوقت نفسه من دوافع التبديد، وتحديد معايير أكثر صرامة للتلوث، وتنمية "صناعات عديمة الانبعاثات" تقوم على الاستخدام الذكي للنفايات، وعلى الإجراءات الوقائية، وعلى سياسات معلوماتية وتعليمية أكثر منهجية، وعلى إستراتيجيات "الربح المزدوج" القائمة على سياسات مالية ملائمة للتوظيف والبيئة في آن معا([*]).
 
التوظيف الإيكولوجي: اقتصاد أكثر خضرة؟
في المملكة المتحدة، قدمت رابطة أصدقاء الأرض لأعضاء البرلمان دراسة غنية بالمعلومات بصورة خاصة. ويستفاد من هذه الدراسة أنه يمكن خلق أكثر من 700000 وظيفة من الآن وحتى عام 2010، إذا اختارت إنجلترا اقتصادا أكثر "خضرة". إن نوعية حياة مواطنيها يمكن أن تتحول نتيجة لذلك. ويقدر مُعدو الدراسة أنه يمكن توفير أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني من مخصصات إعانة البطالة عن طريق تمويل "تخضير" الصناعة والنقل والزراعة. وفيما يخص وسائل النقل، يعطى معدو الدراسة الأولوية للسكك الحديدية على الطرق. وقطاع آخر يمكن أن يوفر وظائف: قطاع الطاقة، شريطة أن يتم تعزيز الطاقات المتجددة وتطبيق سياسة لتوفير الطاقة على نطاق واسع. وأخيرا فإن إعادة تدوير المياه والزراعة الحيوية، وتطوير واعتماد طرق جديدة لتنظيف الأراضي والمياه الملوثة هي أيضا قطاعات واعدة كإمكانيات كامنة. وتبين دراسة أخرى أجراها معهد أبحاث السياسة العامة أنه يمكن لسياسة مالية تفرض عقوبات على الأنشطة الضارة بالبيئة أن تيسر تحرير10 مليارات جنيه إسترليني في السنة. كما أنه عن طريق استخدام صناديق نقدية ناشئة بهذه الطريقة، من أجل خفض المساهمات الاجتماعية التي يدفعها أصحاب العمل، يمكن خلق حوالي 250000 وظيفة جديدة. ويرى إيان كريستي Ian Christie، الباحث بمعهد دراسات السياسات العامة، أن رجال الصناعة لن "يتحولوا إلى الخضرة" إلا إذا فرضت السلطات العامة معايير أكثر صارمة للتلوث محولة عبء الضريبة من الدخل إلى الموارد. وفي تقديره أنه "من المؤكد، في الأجل القصير، أنه سيكون هناك خاسرون. غير أننا، إذا سارت الأمور سيرا حسنا، سوف نخلق وظائف وسوف ندخر الطاقة ونجعل الحياة في بلادنا أكثر بهجة".
وفي إطار التوظيف الإيكولوجي، تهدف كراسي اليونسكو للتقنية الإيكولوجية إلى تدريب فنيين بيئيين في جميع المستويات. والهدف من هذه الكراسي هو إيجاد تكامل بين الأنشطة البشرية والعمليات البيئية، وتطوير شبكة أكاديمية دولية متعددة فروع المعارف لتدريب صناع القرار الذين سوف يديرون موارد الكوكب بمنظور طويل الأجل لصالح الأجيال المقبلة.
المصادر:
         Polly Ghazi, The Observer, Londres, in Courrier international, n° 227, 9-15/3/1995. Nicholas Schoon, The Independent, Londres, in Courrier international, n° 341, 15-21 mai 1997.                         
دور اليونسكو
تبرز حماية البيئة في صدارة مهام اليونسكو، التي لعبت دورا رائدا في هذا المجال منذ إنشائها في نهاية الحرب العالمية الثانية. فمنذ 1947، اقترحت اليونسكو إنشاء معهد دولي لغابات الأمازون. ومن المؤسف أن هذا المشروع الذي كان سابقا على زمنه في ذلك الحين جرى التخلي عنه؛ واليوم، يتفق كل العالم على القول بأن مستقبل الغابات الاستوائية رهان رئيسي لمستقبل الكوكب. وفى 1951، بدأت اليونسكو مشروعا دوليا لأبحاث المناطق المجدبة. وهنا أيضا، يتميز عمل اليونسكو بمحاولة إدراج المحافظة على البيئة في إطار تصور أوسع للعلاقات بين المجتمع البشرى، ونظامه الإيكولوجي، والحلول التي يقدمها العلم، والنظم الاجتماعية. والواقع، كما يقول ميشيل باتيس Michel Batisse، أن "تدهور البيئة ليس سوى الوجه الآخر المهمل طويلا جدا لتنمية ناقصة التصميم، ولتنمية ليست ’مستديمة‘، ولسوء تنمية". ومن جانب آخر، حيا إعلان ريو في حزيران/ يونيه 1992 بصورة غير مباشرة فلسفة اليونسكو ونظرتها المستقبلية، حيث كانت تنادي، منذ عقدين، وفى ظل العزلة التي كانت قائمة في ذلك الوقت، بتنمية متمحورة حول الإنسان: يؤكد هذا الإعلان، في مبدئه الأول، أن "البشر هم محور اهتمامات التنمية المستديمة".
والواقع أنه لا يكفى للنضال ضد تدهور البيئة، الرهان على حلول علمية أو تكنولوجية على وجه الحصر. وينبغي أيضا أن تؤخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن أيضا الخيارات السياسية التي تؤثر على البيئة. والحقيقة أن تدهور البيئة، والإحجام السياسي عن مواجهة أساليب الإنتاج والاستهلاك المدمِّرة إيكولوجيا، وموقف التهاون إزاء اقتصاد نهب للموارد الطبيعية وتلوث متسارع، تترابط جميعا بصورة وثيقة: يعد هذا الإحجام وعدم التدخل هما المسئولان الأولان، بالمعنى السياسي، للكارثة الإيكولوجية الطويلة الأجل التي بدأنا نلاحظ اليوم بداياتها. غير أن تدهور البيئة والفقر مترابطان أيضا ارتباطا وثيقا: الفقر هو أخطر أنواع التلوث، كما كانت إنديرا غاندي Indira Gandhi([41]) تقول. وفى قمة "ريو+5" التي عقدت في نيويورك عام 1997، استرعى رازالى إسماعيل Razali Ismail، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة حينذاك، النظر إلى الارتباط الذي لا ينفصم بين حماية البيئة والنضال ضد الفقر، وذلك في سياق تعبيره عن أسفه على أن مساعدة التنمية المستديمة قد انخفضت من 55 مليار دولار إلى 50 مليار دولار منذ عام 1992. فهل بوسع البلدان الصناعية أن تبرر الخفض في مساعدة التنمية بالاستناد بصورة مبررة إلى صعوبات الميزانيات على حين يصل المبلغ الذي تخصصه هذه البلدان للأبحاث والتطوير في مجال الأسلحة في المتوسط إلى 150 مليار دولار؟
وقد أعلنت الإدارة الأمريكية في أوائل عام 1999 اعتزامها زيادة الاعتمادات المخصصة للدفاع خلال الأعوام الستة اللاحقة بأكثر من 100 مليار دولار. فمن الذي يحتاج إلى دفاع؟ وضد من؟ والواقع أن الزيادات الأخيرة في ميزانيات الأبحاث العسكرية في عدد من البلدان الصناعية مقلقة جدا. وأنا أعتقد، للأسف، أن البلدان "المتقدمة"، لم تغير من اتجاهها بصورة حقيقية إلى الآن. ومازلنا نعيش في ثقافة حرب ودفاع، في وقت يجب علينا فيه أن ننتقل نحو ثقافة وقاية وتوقع وعمل متمحورة حول المشكلات الأكثر إلحاحا في عصرنا. إننا مازلنا نستثمر ـ وهذه هي ترجمة الاقتصاد والموازنة للإرادة السياسية ـ في الحرب، في الطائرات المقاتلة، في الغواصات، ولكن أين الاستثمارات اللازمة لتنفيذ برنامج جدول أعمال 21؟
وعندما نشرع في عمل، فهل هذا حقا من أجل الأسباب الأكثر أهمية؟ وهل من الطبيعي أن نركز جهودنا على حظر تجارة العاج في وقت لا تكف فيه مداخن المصانع الملوثة عن أن تبعث إلى السماء رسالة افتقارنا إلى التضامن؟ ومن السهل أن نطالب بحماس بحماية الأنواع المهددة بالانقراض ونحن نعيش في نيويورك أو باريس! وحتى إذا كانت الرغبة في حماية الأفيال تستحق الثناء، فلا مناص من أن نسجل اليوم أن أعداد الأفيال تغدو من الآن بالغة الوفرة في بلدان مثل زيمبابوي أو بوتسوانا وتثير مشكلات خطيرة تتعلق بتوازن النظم الإيكولوجية. فلنضع حدّاً للغطرسة العلمية في الشمال ولنعمل سويا مع المجتمعات العلمية الممتازة في الجنوب، ليس فقط لمنع انقراض الأنواع المحمية بل، وعلى وجه أخص، لتجنب أي عمل يمكن أن ينال من ميراثنا الأكثر قيمة، الكائن البشرى.
إننا، بإغلاق أعيننا عن الحرمان الهائل لعدد متزايد دوما من الرجال والنساء والأطفال الذين يتعين عليهم أن يعانوا بؤس الجنوب، نصير شركاء في جريمة تدمير الموارد الذي يكونون مجبرين عليه من أجل البقاء أو الذي يقود إليه الانتشار الواسع للتجمعات اللاإنسانية التي تعمد السلطات العامة أكثر فأكثر إلى تركها وشأنها. ونحن، بتجاهلنا لقوانين العالم الطبيعي والكيميائي والبيولوجي الذي يحيط بنا، نصير غرباء داخل ديارنا نفسها وندمر، نادرا بحكم الضرورة، وفي كثير من الأحيان بحكم الجهل أو الجشع، مصادر عيشنا وبقائنا ورفاهيتنا. ونحن، إذ نتسبب في تدهورات لا سبيل لإصلاحها للبيئة وفي تبديد الميراث الذي ورثته لنا الطبيعة، إنما نرهن موارد الأجيال المقبلة ونستخف بحقوقها([42]).
كما أن اليونسكو، من خلال برنامج أبحاثها عن الإنسان والمحيط الأحيائي للأرض، والذي تم طرحه في 1968، تسعى على وجه التحديد إلى التوصل إلى توازن مستديم بين ضرورة الحفاظ على التنوع الأحيائي وضرورة دعم التنمية الاقتصادية وضرورة صون القيم الثقافية. ولتحقيق هذا الهدف، تم إنشاء موائل المحيط الأحيائي للأرض ابتداء من عام 1974 بثلاث وظائف متكاملة: وظيفة للمحافظة، للحفاظ على الموارد الوراثية والأنواع والنظم الإيكولوجية والمناظر الطبيعية؛ ووظيفة للتنمية، لتشجيع تنمية اقتصادية مستديمة؛ ووظيفة للدعم اللوجيستي، لتعزيز أنشطة البحث والتعليم والتدريب والإشراف المستمر، ولدعم أنشطة التنمية المستديمة على المستوى المحلى والقومي والعالمي. ويمكن أن تساهم موائل المحيط الأحيائي للأرض في تطبيق وثائق دولية مثل الاتفاقيات بشأن التنوع الأحيائي والتغيرات المناخية والتصحر، ومثل إعلان المبادئ بشأن الغابات.
وقد أتاحت إستراتيجية صقلية المعتمدة في آذار/ مارس 1995 فرصة لإعادة تعريف دور ومهام موائل المحيط الأحيائي للأرض: إن عليها التوفيق بين البشر والطبيعة وإتاحة إمكانية تعميق معرفتنا بالبيئة الطبيعية، عن طريق برامج للتوعية العامة والمعلومات والتعليم. وعلاوة على هذا، تشكل موائل المحيط الأحيائي ككل شبكة عالمية للتعاون والتبادلات. وقد تركزت الإستراتيجية الجديدة بصورة خاصة على هدف الدمج التام لمختلف الفاعلين الاجتماعيين في عمليات التخطيط واتخاذ القرار في كل ما يمس إدارة واستخدام موائل المحيط الأحيائي للأرض. كما أنها تسعى إلى تشجيع مبادرات القطاع الخاص التي تهدف إلى إقامة المشاريع القابلة للحياة من وجهة النظر البيئية والاجتماعية. وسوف تتيح كل هذه التدابير عقد ميثاق حقيقي بين المجتمع المحلي والمجتمع ككل([43]). والحقيقة أن من الجوهري إشراك المجتمعات المحلية من أجل تأمين نجاح مبادرات حماية البيئة: فى پاپوا غينيا الجديدة، على سبيل المثال، حيث تملك المشاعات 90 إلى 97% من الأرض، لا يتجاوز معدل إزالة الغابات سنويا 0.1% على حين أن هذا المعدل يصل في بلدان آسيوية أخرى إلى ما يتراوح بين عشرة أضعاف وعشرين ضعفا([44]).
ولا يقتصر دور اليونسكو على أعمال بشأن المحيط الأحيائي للأرض. فالمنظمة تشجع أيضا، عن طريق عملها لصالح التعليم، على تسريع الثورة العلمية والتكنولوجية التي سوف تتيح زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية. وهى تدعم تلك الأنشطة التعليمية الرسمية وغير الرسمية، في كافة المستويات، للجميع وفى أي مرحلة عمرية، التي تهدف إلى حماية البيئة وإلى تأمين التنمية المستديمة. كما أنها تشجع تنمية واستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية([45]). وهى تساهم، خصوصا على المستوى العلمي، في المفاوضات بين الحكومات بشأن البيئة (بشأن التغيرات المناخية أو التنوع الأحيائي أو وسائل الكفاح ضد التصحر). كما أنها تعمل، عن طريق برامج المجلس الأوقيانوغرافي لحكومات العالم، على التوصل إلى تقييم علمي لحالة المحيطات والحياة البحرية والبيئات الساحلية، خصوصا عن طريق إنشاء نظام عالمي لمراقبة المحيطات. وهى تشارك في تقييم الموارد القومية للمياه العذبة وفى وضع إرشادات خاصة بإدارة المياه في إطار البرنامج الهيدرولوجي الدولي، خصوصا عن طريق جهود مستقبلية مثل مشروع رؤية عالمية للمياه حتى 2025([46]). وهكذا، فإن اليونسكو موجودة في قلب سياسات التنمية التي لم تعد تسعى إلى "السيطرة" على الطبيعة، بل إلى العمل من أجلها ومعها([47]).
لقد تعاقدنا على دَيْن إيكولوجي عندما قمنا بتمويل استهلاكنا المفرط على حساب أطفالنا([48]). وسيكون على الإستراتيجيات الجديدة للتنمية أن تكون منصفة اجتماعيا، وقابلة للبقاء إيكولوجيا، وفعالة اقتصاديا، وقادرة على إعادة التوازن في العلاقات بين الشمال والجنوب([49]). وقد أقرت البلدان الصناعية في ريو بمسئوليتها إزاء العالم النامي: يجب على هذه البلدان أن تضرب المثل وتغير أنماط استهلاكها وإنتاجها. ويجب أن يسير هذا يدا في يد مع الإقرار بالدور الحاسم للتعليم والمعلومات والاتصالات والثقافة والمعرفة العلمية. وقد يكف الناس عندئذ عن قياس مستوى التنمية بمقياس تدمير الموارد الطبيعية والاستهلاك المفرط للوقود الأحفوري. وعلى العكس من ذلك، قد تصير التنمية مرادفة للسيطرة على الطاقة، والفطنة الإيكولوجية، والتقدير العلمي. ومع تعليم أكثر ومعرفة أكبر ومؤسسات أكثر كفاءة، يمكن أن نأمل عن حق أن نكف، خلال العقود المقبلة، عن النظر إلى حماية البيئة على أنها "ترف تنعم به البلدان الغنية"، ترف تقاومه بعض هذه البلدان مع ذلك، وسوف يتضح أنها الشرط المسبق لتنمية مستديمة. وكما يعبر آل جور Al Gore، نائب الرئيس الأمريكي، عن حق، فإن "الحماية البيئية ليست ترفا بل هي ضرورة. إننا جميعا نركب سفينة واحدة هي كوكب الأرض"([50]).
ومع ذلك، فإن البيئة موجودة في قلب التعارضات الكبرى التي يجب حلها حلا ديمقراطيا عن طريق القانون. والواقع أن المؤتمر العالمي في ڤيينا بشأن حقوق الإنسان، بإعلانه في 1993 الحق في التنمية([51])، عقد لأول مرة صلة بين البيئة وحقوق الإنسان، حيث يقتضي تطبيق الحق في التنمية واحترام الحاجات البيئية للأجيال المقبلة([52]). ولكي نقوم بتغليب الحق في البيئة، ينبغي أن نتغلب على ثلاثة تناقضات كبرى: أولا، التعارض بين الاقتصاد والبيئة، ونحن سعداء في هذا الشأن بالجهود المتزايدة لخلق اقتصاد "أخضر" بدأ يأخذ في اعتباره الطبيعة والأضرار التي يلحقها بها المنطق الاقتصادي. و، ثانيا، تعارض الشمال ـ الجنوب، حيث تجد بلدان الجنوب أن من الصعب أن تفهم من يريد أن يفرض قيودا جديدة تثقل على التنمية فيها باسم ضرورة ـ صداقة البيئة ـ تنبع بصورة رئيسية عن الأضرار التي تلحقها بلدان الشمال منذ عقود بالبيئة الطبيعية للكرة الأرضية. غير أن مبدأ "ضريبة التلوث" لا يكتسب في الواقع كل معناه إلا على المدى الطويل، كما أن المسئولية التاريخية للبلدان الصناعية عن تدهور البيئة العالمية تعنى ضرورة أن تضرب هذه البلدان المثل فتكون أول من يتخذ الخطوات الضرورية لخفض تأثير الدفيئة والتلوث وأول من يمول تطبيق برنامج جدول أعمال 21 على الصعيد الدولي. والتعارض الثالث: التوتر بين الأجيال الحاضرة والأجيال المقبلة. وسوف نعود إلى هذا الجانب في خاتمة هذا العمل، التي تتناول أخلاق المستقبل.
ورغم هذه التوترات وهذه الصعوبات، يجب أن ننادي بقوة فيما يتعلق بحق الإنسان في البيئة، لأنه وسيلة أساسية لحل هذه المشكلات سلميا. وفى الوقت الحالي، يبقى هذا الحق، الذي مازال في مرحلة جنينية، تقنيا ومعقدا ومجزأ للغاية، وتظل إجراءاته مليئة بالثغرات، كما أنه ناقص الاستقلال والتبلور كمفهوم. ومع ذلك فإنه كما شدد ميشيل بوثي Michaël Bothe، "يمثل إضفاء الطابع البيئي على حقوق الإنسان عنصرا مهما في الدفاع عن البيئة"([53]). ويجب الإقرار بالحق في البيئة كحق جماعي وفردي بصورة لا تنفصم. فالحق في البيئة جماعي بالضرورة حيث أنه يمس في كثير من الأحيان الجماعات البشرية كما أنه يحتفظ بعلاقة مع حق الشعوب في السيادة على مواردها الطبيعية، على النحو المعلن في المادة الأولى من المواثيق الدولية الخاصة بشأن حقوق الإنسان. والحق في البيئة فردى بقدر ما هو حق جوهري للشخص البشري والمواطن، سوف ينبغي أن "تحميه منظمة على مستوى دولي تتيح بعدم تحيزها، حل النزاعات على البيئة سلميا"([54]). وفي الوقت الراهن، ما زال الحق في البيئة يتردد بين القواعد التقنية الغامضة الخاصة بقانون البيئة، حيث يبدو أن معنى الأمور يضيع، والمبادئ العامة والتصريحات التي يبدأ الآن إقرارها كقواعد قانونية. وأنا ألاحظ في هذا الشأن تطورا إيجابيا، إذ أن مجلس الدولة، في فرنسا، في القرار بشأن "السلام الأخضر"، في 25 أيلول/ سبتمبر 1998، أقر لمبدأ الوقاية بقيمة المبدأ القانوني.
وكما هو الحال في مجالات أخرى، من الأساسي أن تنتهي "عولمة القانون"، التي تنبأت بمجيئها ميريل ديلماس ـ مارتى، في رؤيا نبوئية([55])، إلى تعميم هذه الإنجازات الأولى عن طريق إجراء معياري نموذجي على الصعيد الدولي. فلماذا لا نفكر في هذا الصدد في إعداد إعلان لحقوق الإنسان في البيئة كخطوة أولى نحو إعداد اتفاقية بشأن الحق في البيئة؟ والحقيقة أن تطويرا كهذا يبدو ضروريا أكثر نظرا لأنه لا يوجد حاليا، على المستوى الدولي، أي نص رئيسي يعاقب على انتهاك الاتفاقيات الحالية بشأن البيئة. ومع ذلك فإن تطور اجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والذي يتجه بالتدريج نحو حماية للحق في البيئة، يشكل خطوة واعدة يمكن أن تصبح مثلا يحتذى.
وقد سبق أن أشرنا إلى ضرورة تعزيز المنظمات الدولية القائمة من أجل توفير حماية أفضل للحق ـ الذي يجري إعداده الآن ـ في البيئة، ومن أجل تحسين فعالية وتنسيق السياسات الدولية في هذا المجال. إن المخاطر عبر ـ قومية، فيجب أن تكون الحلول أيضا كذلك. وقد طالبت فرنسا في الآونة الأخيرة بإنشاء "هيئة عالمية للمراقبة"، انطلاقا من الأطر الحالية. وقد أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، جاك شيراك Jacques Chirac([56]) أنه: "يجب أن ننظم إدارة كوكبية للمخاطر العالمية. وتنجم العقبة الأولى من رغبة الدول في التمسك، في هذا الشأن، بمفهوم عتيق لسيادتها. غير أن التلوث يتجاهل حدود الدول. ويتطلب الاعتماد المتبادل آليات تنظيمية عالمية، وأحكاما فعالة وغير متحيزة لتنفيذ ومراقبة التعهدات التي تم قطعها. وينبغي أولا وقبل كل شئ أن نقيم، على المستوى العالمي، مركزا غير متحيز ولا نزاع حوله لتقييم بيئتنا [...] كما أننا بحاجة إلى موقع واحد يتجسد فيه الوعي العالمي ببيئتنا. ويجب أن يقوم برنامج الأمم المتحدة للبيئة [...] بإنجاز هذه المهمة. وتقع على عاتق هذا البرنامج أيضا [...] مسئولية أن ينشئ بالتدريج هيئة عالمية تستند إلى اتفاقية عامة تهب العالم مبدأ متجانسا."
ومن الجلي أن هذا التعزيز الضروري لهيئة عالمية في مجال البيئة لا يقتضي، بل العكس، اختفاء الهياكل المتخصصة أو القطاعية التي أثبتت فعاليتها داخل المنظومة، مثل برامج اليونسكو العلمية بين الحكومات المطبقة على البيئة أو تلك البرامج الخاصة بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أو منظمة الفاو، بل يقتضي تعاونا متزايد الفعالية لكل من الفاعلين على أساس من كفاءتهم المشهود لهم بها. وينبغي تعزيز مختلف وكالات منظومة الأمم المتحدة ومنحها الوسائل الضرورية لقدرتها على تحقيق مهامها. كما ينبغي تحسين التنسيق بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومجلس التنمية المستديمة وكذلك أداء هاتين الهيئتين. وفي متناولنا، على المستوى العالمي، برنامج جدول أعمال 21. غير أن ما ينقصنا الآن هو الإرادة السياسية. إرادة سياسية لا تحرص على العقاب بل بالأحرى على منع الكوارث والحماية منها وتوقعها.
وداخل أسرة الأمم المتحدة، التي يوجه إليها النقد في كثير من الأحيان على تشعبها المفرط، برهنت إدارة المشاكل البيئية على أن من الممكن العمل بطريقة منظمة ومنسقة. وبطبيعة الحال فإن مشكلة البيئة تعبر وتتجاوز كل حدود الدول؛ وهناك مصالح كثيرة تتعرض للخطر، كما أن هناك شكوكا كثيرة في أن المجتمع ككل هو الذي سيكون عليه، في حالة عدم قيام الدول بإجراء منظم، أن يدفع ثمن أفعال أو جمود بعض الأطراف اللامسئولة. ومن هذا المنظور، كنت قد أشرت، منذ عدة أعوام، إلى إمكانية أن تكون لمجلس الأمن بالأمم المتحدة، حيث صارت فكرة الأمن ذاتها مفهومة بمعنى واسع وعالمي، ليس فقط الاختصاصات الاقتصادية والاجتماعية التي يفتقر إليها بل أيضا اختصاصات في مجال البيئة. لأنه لا يكفى امتلاك هيئة مركزية لتقييم البيئة العالمية. فمن الضروري أيضا وجود السلطة اللازمة لاتخاذ القرارات وتأمين تطبيقها. كما سبق أن أشرت إلى إمكانية إنشاء قوة من ذوي "الخوذات الخضر" لحماية البيئة، تقوم بصورة خاصة على الكفاءة العلمية. وقد أثار الاقتراح كثيرا من الاهتمام ولكن أيضا بعض المخاوف. فهل يمكن لهذه الفكرة أن ترى النور ذات يوم؟ وهل من الممكن أن نتقدم إلى الأمام أخيرا بعد أن تراجعنا لوقت طويل إلى هذا الحد؟ وكما كان يذكرنا رينيه ـ جان ديبوى René-Jean Dupuy، فإن "التلوث المعمم يصيب ليس أنصار حماية البيئة يصيب البيئة نفسها، ومعها البشرية ككل. فهل يقبل الإنسان أن يندمج في الكون؟ إن عودته إلى أحضان مملكة الأرض تفترض تحولا. تحول الذكاء"([57]).
منطلقات وتوصيات
3   تطبيق برنامج جدول أعمال 21 عن طريق تعزيز تدابير ملموسة سياسية ومتعلقة بالميزانية، وعن طريق تعبئة الحكومات والبرلمانيين ووسائل الإعلام، بطريقة تجعل البيئة أولوية قومية ودولية، مع الالتزام بتعهدات حازمة ومحددة الأهداف جيدا، وبصورة خاصة في البلدان الصناعية الكبرى.
3   تعزيز اعتماد تعهدات أكثر طموحا بكثير للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، عن طريق تطبيق سياسات فعالة ومسئولة في مجال الطاقة في كل بلد.
3   دعم اعتماد معايير دولية وقومية أكثر إلزاما بكثير بشأن التلوث، باعتماد مجالس الأمم المتحدة لتدابير التصحيح الضرورية التي لابد أن تهم ليس فقط الدول بل أيضا المنظمات الدولية.
3   تحسين القدرة على منع الظواهر التي لا سبيل إلى إصلاحها في مجال تدهور البيئة وتأمين إعادة تأهيل البيئات المصابة بالتدهور، عن طريق تشجيع البحث العلمي العام والخاص وتسهيل نشر التكنولوجيات الصديقة للبيئة.
3   التشجيع عن طريق التعليم، والمعلومات، وتداول المعارف العلمية، والثقافة التقنية، على اعتماد أنماط استهلاك مستديمة ومسئولة، تقوم على أخلاق المستقبل وتحترم مبدأ الاحتياط الذي أعلن في قمة ريو فى 1992، والذي يجب الإقرار به كمبدأ قانوني.
3   زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية عن طريق تطوير نظام إعادة التدوير، وفرض ضرائب على الأنشطة الضارة بالبيئة، وتعزيز الطاقات المتجددة، ومجموعة من الوسائل (الحوافز والإعانات المالية) التي تهدف إلى تشجيع صناعات أنظف وأكثر صحية من وجهة نظر إيكولوجية.
3   اتباع، وخاصة في إطار برنامج اليونسكو بشأن الإنسان والمحيط الأحيائي للأرض وبشأن موائل المحيط الأحيائي، التنظيم المنطقي للعلاقات بين الإنسان والبيئة الطبيعية، من أجل التوفيق بين التنمية الاقتصادية، وحماية القيم الثقافية، والمحافظة على التنوع الأحيائي.
3   التشجيع على الانتشار، الذي لا يزال ضيقا، للحق في البيئة ـ عن طريق التشجيع، مثلا، لإعلان عالمي لحقوق الإنسان في البيئة، ثم لاتفاقية عامة بشأن الحق في البيئة.
3   تحبيذ أن تنبثق، حول برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبالدعم الفعال من جانب المنظمات المتخصصة للمنظومة، هيئة عالمية لمراقبة البيئة تستند إلى مؤسسات وآليات التعاون القائمة بالفعل بين الحكومات ـ اللجنة الأوقيانوغرافية بين الحكومات، وبرنامج الإنسان والمحيط الأحيائي للأرض، والبرنامج الهيدرولوجي الدولي، وبرنامج الارتباط الجيولوجي الدولي، فيما يتعلق باليونسكو ـ هذه الهيئة التي يمكن أن تقترح في مجلس الأمن التدابير الملموسة التي يجب اتخاذها لتأمين تنفيذ كافة الدول للوائح والقوانين والمعايير المرتبطة بحماية البيئة.
3   تشجيع مناقشة، على النطاق الدولي، لدعم دفع فكرة توسيع اختصاصات مجلس الأمن لتمتد إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وإلى تشكيل قوة من ذوي "الخوذات الخضر" لحماية البيئة بحيث تقوم هذه الحماية على أساس من الخبرة العلمية.
3   تعزيز كراسي التقنية الإيكولوجية والتوفير في كافة البلديات لفنيين مقتدرين لتامين المعالجة العلمية للمشكلات المرتبطة بالبيئة، إدارة علمية، مثل إدارة النفايات، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وحماية التربة والتنوع الأحيائي.
3   تشجيع مناقشة على النطاق العالمي بشأن الحاجة إلى اعتماد أنماط جديدة للتنمية القائمة على الاعتدال وعلى إعادة تعريف جذرية لفكرة التقدم الذي لم يعد يمكن أن يقاس بمؤشرات الاستهلاك المادي.


8
الصحراء تنمو
ظاهرة عالمية سريعة الانتشار
 
رغم الإستراتيجيات الدولية المطبقة في السبعينيات، يتفاقم التصحر بسرعة على نطاق كوكبنا. ومنذ 1977، تاريخ المؤتمر الأول للأمم المتحدة بشأن التصحر، تدهورت قرابة 105 مليون هكتار من الأراضى التي كانت خصبة من قبل. وهى مساحة تعادل ما يقرب من ضعف مساحة فرنسا. ومنذ بداية التسعينيات، كان تدهور التربة أشد مما حدث خلال العشرين سنة التي سبقتها. واليوم، يؤثر التصحر بشكل مباشر في نحو 250 مليون شخص ويهدد قرابة مليار شخص يعيشون على أراض قاحلة في حوالي 110 بلد([58]). ويمكن أن يتضاعف هذا الرقم من الآن وحتى عام 2050: يمكن أن يصيب التصحر عندئذ ملياري فرد، بل حتى أكثر، إذا استمر امتداد المناطق الصحراوية بمعدله الحالي.
ووفقا لتقديرات الخبراء، تمثل المناطق المجدبة وشبه المجدبة في الوقت الحالي ما يقرب من 40% من سطح الكرة الأرضية، على حين أن المساحة المنزرعة لا تغطي إلا العُشر([59]). وعلاوة على هذا، فإن قرابة 70% من الأراضي القاحلة التي كانت موضوعا للاستغلال الزراعي إما تدهورت وإما تتعرض بشدة لخطر التصحر([60]). ولهذه المشكلة نتائج بشرية وصحية كبيرة، نظرا لأن هذه الأراضي القاحلة هي على وجه التحديد المناطق التي تتركز فيها غالبية الـ 800 مليون شخص الذين يعانون من سوء التغذية في مختلف أنحاء العالم.
وما تزال هذه الكارثة غير مفهومة لدى جمهور الناس، الذين يربطون التصحر عادة بالصورة التقليدية للزحف العنيد للصحراء "الصحراوية". والواقع أن هذه العملية لا تتجلى دائما بطريقة منظورة على هذا النحو: إنها في آن معا أكثر تعقيدا وأكثر خبثا، ولا يمكن اختزالها إلى حركة كثبان رملية أو زحف حائط رملي([61])؛ ولا ينبغي الاستمرار في الخلط بينه وبين الجفاف([62]). والواقع أن التصحر عملية شاملة من تدهور التربة والغلاف النباتي، وينتج عنهما انخفاض متزايد في إنتاجية الأراضي الزراعية الممتدة على مئات الكيلومترات المربعة([63]). غير أن هذا التطور لا يؤثر إلا في البلدان النامية: وفقا لأرقام الأمم المتحدة، تتعرض 74% من الأراضي المجدبة القابلة للزراعة في أمريكا الشمالية لأخطار التصحر([64])؛ كما أن التصحر يتعلق بنفس القدر بالمناطق شبه الرطبة، على بُعْد آلاف الكيلومترات من كل صحراء، وبالحواف المجدبة، التي تتأثر بالانكماش ثم التمدد الدوري للصحارى، تحت تأثير التغيرات المناخية. وبالإضافة إلى العامل المناخي، كان نشاط البشر، منذ آلاف السنين، ماثلا في قلب عملية التصحر([65]). وهذا هو السبب في أن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن النضال ضد التصحر، الموقعة في اليونسكو في تشرين الأول/ أكتوبر 1994، والتي صدقت عليها 145 دولة، في نهاية 1998، تقوم بتعريف ظاهرة التصحر على أنها "تدهور الأراضي في المناطق المجدبة وشبه المجدبة والجافة شبه الرطبة، نتيجة لعوامل متباينة، تشمل تقلبات مناخية وأنشطة بشرية"([66]).
والمنطقة الأكثر تأثرا بالتصحر في العالم هي أفريقيا: 65% من مساحتها تتكون من أرض مجدبة، ثلثها من الصحارى المجدبة للغاية، وثلثاها أراض مجدبة وشبه مجدبة وشبه رطبة، حيث تؤدى فيها قلة هطول الأمطار إلى تسريع تدهور التربة([67])، ويعيش فيها 400 مليون أفريقي ـ أي ثلثا سكان القارة([68]). وخلال الخمسين عاما الأخيرة، فقدت أفريقيا 650000 كيلومتر مربع من الأراضي المنتجة([69]). ويؤثر التصحر هناك على ثلث كل الأراضي المستغلة في الزراعة والرعي؛ وتصلح نسبة 25% فقط للزراعة على مياه الأمطار([70]). وإذا أخذنا المساحة الكلية للأراضي المصابة كمقياس، فإن منطقة آسيا والمحيط الهادى هى الأكثر معاناة من التصحر، حيث أن هذه المنطقة تضم حوالي نصف الأراضي المصابة بالتدهور في العالم (أيْ 24% من مساحة المنطقة)؛ أي أن 35% من الأراضي المنتجة في آسيا قد تصحرت الآن([71]). وتضم الصين بوجه خاص، 34% من الأراضي التي تعرضت للتعرية والتي تبقى إعادة تأهيلها أمرا مشكوكا فيه([72]). وفى أمريكا اللاتينية، حيث تعانى 73% من الأراضي المجدبة التي تستخدمها الزراعة من درجات مختلفة من التدهور([73])، كما أن الولايات المتحدة متأثرة أيضا بالتصحر. والواقع أنه ما من قارة نجت من التصحر.
ويهاجم التصحر التربة المغذية؛ ويختفى مليونا طن من الطبقات الصالحة للزراعة كل شهر، على حين أن تكوين سنتيمتر واحد إضافي من التربة يستغرق ما بين 100 و400 عام. ولهذا فإنه يجب النظر إلى التربة، على مستوى المجتمعات البشرية، على أنها مورد صعب التجديد. والواقع أن الحيلولة دون التصحر أكثر ربحية من إصلاح الأراضي بعد تدهورها: وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة Down to Earth، يمكن أن يستغرق إصلاح الأرض المجدبة عشرين عاما بتكلفة تقدر بما يتراوح بين 10 مليارات و20 مليار دولار في السنة. ووفقا لكلاوس توبفيرKlaus Töpfer، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يصل الدخل الذي يخسره السكان الذين يعيشون في المناطق المتصحرة إلى 42 مليار دولار في السنة([74]).
وقد قام المجتمع الدولي بتقدير المخاطر المرتبطة بالتصحر. وفي ريو، في حزيران/يونيه 1992، قرر مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية عقد اتفاقية دولية بشأن التصحر: أقر أخيرا بالنطاق العالمي للمشكلة ووافق على التفكير فيها ليس فقط على أنها مسألة بيئية بل على أنها، بصورة خاصة، مسألة تنمية عالمية تقتضي نهجا متكاملا على المستوى العالمي([75]). وكما يشدد جيمس د. وولفنسون، رئيس البنك الدولي، فإن "الانكباب على مشكلة التصحر ضروري للحد من الفقر ولكفالة الأمن الغذائي في البلدان النامية"([76]). والواقع أنه فى المناطق التي يتفشى فيها التصحر، تكون شروط الحياة شاقة للغاية، ويسود الفقر، وتتفاقم التوترات، الأمر الذي يمكن أن يؤدى إلى صراعات بين الفلاحين والرعاة الرحل، وإلى الهجرات الفجائية التي تقذف بملايين اللاجئين "البيئيين" إلى قارعة الطريق، وكذلك إلى صراعات من أجل السيطرة على المياه. ومن وجهة النظر هذه، يمثل النضال ضد التصحر تحديا للأمن العالمي مفهوما بالمعنى الواسع للعبارة. ويمكن أن تسهم الاتفاقية الخاصة بمكافحة التصحر، كما يشدد الديبلوماسي السويدي بو كجلين Bo Kjellén([77])، في ممارسة "ديبلوماسية وقائية" تفضل الحلول السلمية والتفاوضية التي تستند إلى تصور أوسع عن مفهوم "الأمن"([78]).
ولا تقتصر آثار التصحر على البيئة الطبيعية، بل تتعلق أيضا بالتراث الثقافي: هناك مواقع ساحرة مثل المدن القديمة في موريتانيا، مهددة بالدفن تحت الرمال أو مدفونة تحتها بالفعل في بعض الأحيان. ومنذ خمسة عشر عاما بدأت اليونسكو حملة لإنقاذ المدن الموريتانية التاريخية وهى أوالالا وتشنغيتى وتيشيت وكادانى؛ وفي 1982 أدرجت اليونسكو المتنزه القومي الجزائري تاسيلى ناجير في قائمة التراث العالمي من أجل تأمين المحافظة على ثرواتها الطبيعية والثقافية وتحسين الأوضاع المعيشية لسكانها. ويشكل التصحر في الوقت نفسه خطرا على أنماط الحياة التقليدية. وكان عدد كبير من السكان الرحل قد نجحوا في مقاومة خطر التوطين في عهد الاستعمار الكولونيالي والاستقلال، كما قاموا، من أجل التكيف وأحيانا من أجل الازدهار في بيئات مجدبة، بإعداد إستراتيجيات معقدة لاستغلال الموارد الطبيعية، مع الاحتفاظ بالأنماط الأصلية للتنظيم الجماعي([79]). وهم يجدون أنفسهم اليوم في كثير من الأحيان مضطرين إلى قبول أشكال من حياة التوطين في أسوأ الأوضاع القائمة: أنماط البؤس الحضري فى مدن الصفيح أو في مخيمات النازحين.
مشكلة بيئية
ورهان من أجل التنمية
السيطرة على آثار الزيادة الديموغرافية والحضرنة
تمارس الزيادة الديموغرافية تأثيرا حاسما على مصير المناطق المتأثرة بالتصحر. والواقع أن "أكثر من 50% من الأراضي القاحلة في العالم توجد في بلدان نامية يتعين عليها تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة لسكان يتزايدون بسرعة"([80]). ويظل الساحل المثل الأكثر رمزية لهذا الوضع إذ لا مناص، وفقا لكل الاحتمالات، من أن يتضاعف سكانه في غضون الثلاثين عاما القادمة([81]). وقد قدرت القمة الغذائية العالمية التي نظمتها منظمة الفاو في 1996 أنه، لمواجهة زيادة سكان الكوكب، ينبغي مضاعفة إنتاج الغذاء العالمي([82])، وزيادة الإنتاج الغذائي الأفريقي إلى خمسة أضعاف. وفي الوقت نفسه فإنه للحد من عمليات استصلاح الأراضي، والرعي المفرط، وإزالة الغابات، التي تفاقم التصحر، ينبغي تطوير تكنولوجيات تتيح زيادة إنتاج الأراضي الحدية والهشة. وينبغي في نفس الوقت، تعزيز التعليم الذي أدى، وخاصة في العشرة أعوام الأخيرة، إلى خفض شديد في الزيادة الديموغرافية.
وفي كثير من الأحيان تكون زيادة السكان مصحوبة بحضرنة سريعة مازال لا يتم تقييم نتائجها الإيكولوجية كما ينبغي. ففي منطقة الساحل، ينمو سكان المدن بمعدل 6% سنويا، وينمو سكان المناطق الريفية بمعدل 2%، وتتواصل الهجرة الريفية بمعدل 1% سنويا([83]). وقد لوحظ ظهور حوالي 400 مدينة يتجاوز سكانها 100000 نسمة في المناطق شبه المجدبة خلال العقود الأخيرة، بمعدلات نمو مرتفعة بوجه عام تتراوح بين 3% و10% سنويا([84]). وتلجأ المدينة "المتعطشة للمياه" إلى سحب كميات هائلة من المياه إلى حد أن بعض المناطق ذات المناخ الجاف يمكن أن تستنفد كل مواردها المائية تقريبا في مستقبل قريب([85]). وفي البلدان الأكثر فقرا، تهدد الحضرنة السريعة أيضا بقاء المساحات الحراجية. وفي المناطق التي ما يزال يقدم فيها الخشب والفحم النباتي الجانب الأكبر من مصادر الطاقة، فإن الاستهلاك الحضري، حول المدن، يؤدى إلى نشوء أحزمة حقيقية من إزالة الغابات، وتمتد هذه الأحزمة في بعض الأحيان أكثر من مائة كيلومتر، كما هو الحال في منطقة دلهي([86]). وإذا ما استمر هذا الاتجاه فلا مناص من الوصول، في المناطق الجافة، إلى تجاور مناطق ريفية متصحرة (ومهجورة جزئيا) ومدن كبرى مكتظة بالسكان وتعانى من الإفقار الشديد. ولهذا فإن النضال ضد التصحر يفرض بالضرورة التفكير في إدارة عالمية للمناطق المعنية، إلى جانب تنفيذ مشروعات محلية نوعية.
السيطرة على التغيرات المناخية
يمثل تطور المناخ في الأجل القصير والمتوسط والطويل عاملا حاسما في عملية التصحر. ولا شك في أن التغيرات المناخية الطبيعية لها أفدح العواقب([87]). والواقع أن مناطق بعينها عرضة لجفاف متكرر منذ مئات بل حتى آلاف السنين. وقد عرفت أفريقيا، على سبيل المثال، دورات قحط تستمر ما بين 10 أعوام و20 عاما، في منطقة الساحل كما في شرق وجنوب القارة. وعلى الأراضي الأفريقية المتدهورة أصلا كان تأثير هذه الدورات شديدا بصورة خاصة: وفقا لبعض الخبراء يشكل انخفاض خصوبة التربة "قنبلة زمنية" حقيقية ما تزال آثارها غير مدركة تماما على الزراعات المعنية([88]). وفي منتصف الثمانينيات، مات نحو ثلاثة ملايين شخص بسبب الجفاف في أفريقيا جنوب الصحراء، وصار حوالي 10 ملايين شخص نازحين نتيجة لذلك.
ويؤثر دفء مناخ الأرض بصورة كبيرة على التصحر. والواقع أن ارتفاع تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون و"غاز الدفيئة" يعرقل إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية ويشكل عامل تصحر([89]). وعلاوة على هذا، أثبت العلماء وجود علاقة بين التغير المناخي وحموضة التربة([90]). ومن المعروف أيضا أن تدهور التربة يؤدى إلى تقليص للغلاف النباتي، ويسهم بذلك على المستوى المحلي في تأثير الدفيئة([91]). ويهدد تدهور التربة بالأخطار النظم الإيكولوجية الأكثر هشاشة: من المحتمل أن أفريقيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية وغرب الولايات المتحدة سوف تكون المناطق الأكثر تأثرا بارتفاع درجة الحرارة بسبب "غاز الدفيئة"([92]).
ومع ذلك تذهب عالمة، بالاستناد إلى تحليل البيانات الجيولوجية، إلى حد اعتبار أن الدفء المناخي ـ كما كان الحال خلال فترة ما قبل التاريخ ـ يمكن أن يقترن في الأجل الطويل بزيادة في الرطوبة والأمطار وأن يؤدى إلى "خفض في المناطق المدارية المجدبة خلال قرون قليلة أو في أفضل الأحوال خلال عدة عقود"، جاعلا بهذا "الصحارى المدارية تخضر من جديد"([93]). وتصطدم هذه الفرضية، التي لا تضع في اعتبارها الزيادة الديموغرافية أو النتائج المنطقية للنشاط البشري على تدهور التربة، باعتراضات كثيرة. ولهذا يشدد خبراء كثيرون على أن الدفء المناخي سيكون مصحوبا بزيادة في حدة أحداث الجفاف وبقابلية متزايدة لتأثر المناطق المجدبة بالجفاف([94]). ويضيف هؤلاء الخبراء أن تأثير دفء مناخي يمكن أن يختلف جدا من منطقة لأخرى: على حين أن الهواطل يمكن أن تتزايد بصورة عامة، إلا أنها يمكن أن تقل في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وشمال أفريقيا، والساحل([95])؛ كما أن الغابات المدارية البرازيلية يمكن حتى أن تتقلص([96]). ويتنبأ بعض المحللين أيضا بانخفاض في المردودات الزراعية في المناطق المدارية وبزيادة في المجاعات، ولا مناص من أن تصير أفريقيا القارة الأكثر تأثرا([97]). وأخيرا، فحتى إذا استطاع الدفء المناخي، حتى بصورة نظرية تماما، أن يزحزح حدود الصحارى، فإنه لن يؤدي إلى اختفاء التصحر، الذي يكون إلى أبعد حد نتيجة لسوء إدارة البشر للنظم الإيكولوجية.
ويفرض النضال ضد التصحر، إذن، إجراءً متكاملا بهدف كسر الحلقة الشريرة لتدهور البيئة العالمية. وينبغي لتحقيق هذا أن نتصدى للأسباب المتعددة للتصحر، الذي لا يمكن اختزاله إلى مجرد مشكلة مناخية: إنه أولا وقبل كل شيء مشكلة بشرية.
التصحر: كفاح ضد الفقر
يتغذى التصحر في البلدان النامية على الفقر: يوجد خط للفقر وانعدام الأمن يمكن أن يبدو تحته الاهتمام بالبيئة عبثيا أو مثيرا للسخرية. وفي غياب إصلاحات زراعية تتيح لهذه البلدان الحصول على الأرض أو في غياب الوسائل التقنية والمالية التي تتيح لها أن تكون في مستوى الاستثمار الطويل الأجل، يضطر نحو مليار شخص في العالم إلى الاستغلال بصورة عارضة للمناطق الطرفية (الغابات، المراعى، الجبال)، وفي كثير من الأحيان، يضطرون إلى ممارسة زراعة استخراجية متنقلة. وتتفاقم العرضية العقارية في معظم بلدان الساحل بسبب غموض الوضع القانوني لأراضي المراعى، إذ أنه نادرا ما ينظر إلى تربية الماشية في هذه البلدان على أنها طريقة رسمية لتنمية الأراضي([98]).
وصحيح أن المناطق المجدبة يمكن، في بعض الحالات، أن تكون مرافئ آمنة للرخاء، خاصة بفضل الموارد المعدنية التي تحتوي عليها([99]). غير أن الصحارى، بالنسبة لأغلب البلدان المعنية، مناطق قليلة الإنتاج، و"عبء على المشكلات الديموغرافية والاقتصادية الرهيبة التي تواجهها"([100]). ومن أصل 99 بلدا متأثرا بالتصحر، فإن 18 بلدا فقط، سواء أكانت بلدانا صناعية أو منتجة للبترول، تبدو في مستوى يتيح لها أن تناضل بوسائلها الخاصة ضد التصحر. والتحدي كبير، نظرا لأنه لا مناص من أن يواجه أكثر من ثلث فقراء العالم ضغطا مائيا مرتفعا أو معتدل الارتفاع([101]). والنساء هن أول من يتأثر: يسند التنظيم الاجتماعي التقليدي إليهن عادة، داخل الأسرة، مسئولية الإمداد بالحطب والعلف والمياه. وينبغي أيضا حث السكان على الاستثمار في الأجل الطويل في مجال حماية التربة والحياة النباتية، عن طريق إصلاحات تشريعية تهدف إلى الإقرار، خاصة لصالح النساء، بحقوق ملكية الأرض والمياه والكتلة الأحيائية، والحصول عليها جميعا.
وفي سبيل التغذية التقنية لهذه العملية، من الملائم أن تُقترح على السكان برامج بيئية للتعليم والتدريب التقني سوف تساعدهم في إدراك أضرار بعض الممارسات الزراعية والتدرب على تقنيات إنتاجية قابلة للاستمرار في الأجل الطويل. ويعد إطلاع السكان على التكنولوجيات الحديثة مرحلة لا غنى عنها في النضال ضد التصحر. وكما يشير ميشيل باتيس Michel Batisse، فإن هذا يقتضي "الانتقال السريع من مستوى هزيل للتعليم والتقنية إلى أشكال حديثة للري والرعي. ولا يمكن أن يتحقق، بين عشية وضحاها، تحويل البدو الرحل التقليديين إلى مزارعين أكفاء، دون الحديث عن المرتكزات المؤسسية والتقنية والمالية التي يفترضها ذلك"([102]).
النضال من أجل استغلال أفضل للموارد
لا تكفي آثار التقلبات المناخية لتفسير تدهور الأراضي. وكما يشدد أحد المعلقين، فإن "الصحارى لا تزحف بل إن الإنسان هو الذي يخلقها"([103]). وقد تفاقم التصحر بصورة كبيرة نتيجة لممارسات مثل قطع الأشجار، والرعي المفرط، واقتلاع النباتات الخشبية لتلبية الاحتياجات من الوقود، وطرق الري المتخلفة. والواقع أن هذه الممارسات "أدت إلى زيادة هشاشة النظم البيئية، والحد من قدرتها على التجدد، وخفض قدراتها الإنتاجية الكامنة. وفى المناطق الأكثر هشاشة، أسهم الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في زيادة التأثر بالتصحر، مما يؤدي إلى تدهورات غير قابلة للعلاج"([104]). وسواءٌ أكان الغرض من قطع الأشجار توسيع المساحات القابلة للزراعة أم إنتاج الوقود، فإنه يجرد الأرض من غلافها النباتي ويعزز عملية التعرية بفعل الرياح والمياه، ويسهم بالتالي بصورة مباشرة في التصحر. أما الرعي المفرط فإنه يجعل النباتات هشة ويجعلها أكثر عرضة للجفافات والفيضانات([105]).
والواقع أن السيطرة على موارد المياه واقتسامها محوران أساسيان للنضال ضد التصحر. وتقدر منظمة الفاو أن أكثر من نصف الإنتاج الزراعي العالمي سيأتي في عام 2010 من أراض مروية. وفي كثير من الأحيان يتحقق توسيع الإنتاج الزراعي الغذائي لقاء ممارسات ري مفرطة تؤدى إلى الاستغلال المفرط لاحتياطيات المياه الجوفية وإلى تدهورات خطيرة للأراضي. ويقدر الخبراء بالفعل أن السيطرة السيئة على الري تتسبب في زيادة ملوحة وقلوية الأراضي وتؤدى إلى شكل من أشكال التصحر أكثر ضررا من التصحر الذي يصيب المناطق غير المروية([106]). والواقع أن الارتشاح، الذي يصيب 20% من الأراضي المروية في العالم، يؤدي إلى تقلص خطير في الخصوبة وإلى إتلاف لا يمكن علاجه لبنية التربة([107]). وفي باكستان، تم فقدان ما يقرب من ثلاثة ملايين هكتار بهذه الطريقة.
 
آرال: صلاة من أجل "بحر" جرى اغتياله
تهدد لامسئولية البشر وجود كثير من البحار والبحيرات الداخلية التي ساعدت على ازدهار حضارات عديدة. إن أحد هذه الأماكن الثمينة يوشك على الموت: إنه بحر آرال في آسيا الوسطى. وحوض بحر آرال تتقاسمه، بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي، خمس جمهوريات (كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان). وقبل عام 1960، كان بحر آرال، بمساحته التي كانت تبلغ 66000 كم2، رابع بحيرة في العالم، أما اليوم فإنه لا يشغل سوى المركز السادس: تقلص حجمه بين عامي 1960 و1995 بنسبة 60% وانكمشت مساحته إلى النصف. وهبط منسوب الماء فيه بمقدار 19 مترا، وزادت ملوحته إلى ثلاثة أضعاف. أما صيد السمك الذي كان ما يزال يقدم، في 1962، 40000 طن من الأسماك هناك، فقد صار الآن مستحيلا تقريبا، ومن 24 من الأنواع التي كان يتم صيدها هناك من قبل، لم يبق سوى 4 أنواع. وقد توقف الصيد الصناعي للأسماك و، فى 1994، لم تصل كمية الصيد إلا إلى 3000 طن من أسماك غير منصوح باستهلاكها. كما أن نباتات وحيوانات بحر آرال الغنية جدا، خصوصا غاباته النهرية الفريدة، غابات "توجاي"، تلفظ أنفاسها الأخيرة. كذلك فإن ميناء "مونياك" (الذي كان ذات يوم جزيرة) وميناء "آرالسك" فإنهما يقعان الآن على مسافة 40 كم في داخل البلاد: أما أسطول صيد السمك القديم الذي صدئ وانقلب فقد صار من الآن فصاعدا مقبرة رملية لسفن شبحية. وصار المناخ أكثر قارية. أما الملح الذي تذروه الرياح، فإنه يلوث الهواء والتربة والماء على مسافة مئات الكيلومترات من جميع الجهات. إن الصحراء تنمو.
ويرجع منشـأ هذه الكارثة الإيكولوجية، إلى إستراتيجيات للتنمية الزراعية، عبثية ومتمحورة حول الربح القصير الأجل: كانت مياه الرافدين الرئيسيين لبحر آرال، نهر آموـ داريا ونهر سيرـ داريا، تستخدم في الزراعة المروية للقطن من أجل الصناعة. وفي تلك الفترة، كان العلماء يعتقدون أنه سيكون هناك دائما وقت لإصلاح الأضرار عندما تصير مثيرة للقلق الشديد. ويمكن اليوم أن نقدر النتائج المنطقية لهذا العمى الإرادي: لم يؤد فقط إلى إفقار لا يمكن إصلاحه في التنوع الأحيائي، بل كانت له أيضا آثار مأساوية على صحة الإنسان. وكما يشدد نيكيتا جلازوڤسكى Nikita Glazovsky، نائب مدير معهد الجغرافيا بالأكاديمية الروسية للعلوم، فإنه: "لأول مرة في تاريخ البشرية يختفي مشروع مائي تتجاوز مساحته مساحة دولة نتيجة لأنشطة البشر. ويؤدي تدهور البيئة إلى زيادة انتشار الأمراض بين السكان وإلى زيادة وفيات الأطفال؛ كما أن له آثارا عميقة على التنمية الاقتصادية للمنطقة." والواقع أن تجفيف أكثر من نصف بحر آرال يهدد صحة، وفي نهاية المطاف بقاء 3.5 مليون شخص. كما يشكل الوضع في جمهورية كاراكالپاكيا، وهى جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي في أوزبكستان تقطنها أقلية إثنية يصل عددها إلى 1.2 مليون شخص، تطورا مثيرا للقلق بصورة خاصة. "إن شعبنا يموت كالذباب" بهذه الكلمات تشرح الدكتورة أورال أتانيازوڤا Oral Ataniyazova، طبيبة أمراض النساء بالعاصمة نوكوس، حيث تدير المركز الوحيد للتناسل البشري وتخطيط الأسرة في الجمهورية ذات الحكم الذاتي. ثم تضيف: "وفي كاراكالپاكيا أعلى مستويات وفيات الأمهات والأطفال في الاتحاد السوڤييتي السابق."
والواقع أنه، وفقا لمجلة People and the Planet [الناس والكوكب] (التي يرعاها صندوق الأمم المتحدة للسكان، والصندوق العالمي للطبيعة، والاتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة، والاتحاد الدولي لتخطيط الأبوة والأمومة، والوكالة السويدية للتعاون الدولي في سبيل التنمية)، تواصل البلدان المطلة على نهري آموـ داريا وسيرـ داريا في زيادة ما تضخه من المياه لتطوير الري وتغذية صناعة قطنية تصديرية. وتشغل الأراضي المروية الآن 7 ملايين هكتار. غير أنه لا توجد أية إستراتيجية موحدة شاملة من أجل بحر آرال والبيئة الإقليمية والسكان المحليين. ويرى د. أكمد هاميتيلليڤيتش Akmed Hametyllaevich، مدير معهد البيوإيكولوجيا في نوكوس، أن "الموقف يتفاقم كل شهر. وقد تكون أمامنا 10 أعوام كاملة قبل أن يجف البحر تماما وتتحول المنطقة بكاملها إلى صحراء". على أن تنبؤات د. أتانيازوڤا Ataniyazova تظل أكثر قتامة: "نظرا لأن 99% من الكاراكالپاك يعيشون داخل حدودهم فإن من الممكن جدا أن نشهد موت أمة بسبب حماقة البشر". فهل فات أوان إنقاذ بحر آرال؟
ويتفق الخبراء من الآن على القول إنه لم يعد من الممكن من الآن فصاعدا إصلاح جميع الأضرار المتراكمة خلال الثلاثين عاما الأخيرة؛ وهذا هو السبب في أنه يتم من الآن فصاعدا التفكير في حلول جزئية. ويجب أن تضغط اليونسكو بكل ثقلها من أجل ألا تقتصر مثل هذه المبادرات على تدابير رمزية. وقد بدأت اليونسكو القيام بهذا من خلال إنشاء ورشة عمل من أجل المياه والسلام في حوض بحر آرال، تقدم عن طريقها المساعدة إلى المجتمع العلمي في الوقت الذي تشجع فيه السياسيين على اتخاذ تدابير جادة. وفي كانون الثاني/ يناير 1998، أنشأت اليونسكو "المجلس الاستشاري لحوض بحر آرال" الذي عقد اجتماعه الأول في أيلول/ سبتمبر 1998. وقد تم إعداد خطة على مستوى المشكلة. وأخيرا، فإن اليونسكو بواسطة مختلف برامجها (البرنامج الهيدرولوجي الدولي، وبرنامج "الإنسان والمحيط الأحيائي"، وبرنامج "إدارة التحولات الاجتماعية") يمكن أن يدعم مدخلا عابرا لحدود المعارف إلى مشكلات المنطقة، يجمع بين المنظورات الإيكولوجي والصحي والاجتماعي الاقتصادي. وفي النهاية يجب أن تجد هذه الرؤية الإقليمية الطويلة الأجل مكانها ضمن الإطار الأوسع للقمة العالمية الثانية للمياه المزمع عقدها في عام 2000 والتي تشارك فيها اليونسكو.
إن التحديات الكبرى تستدعى حلولا كبرى واستثمارات ملائمة. ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في الأجل القصير، يجب اتخاذ تدابير ملحة: تفترض هذه التدابير تعهدا بتمويل كبير (مليارات عديدة من الدولارات) من أجل تحسين نوعية المياه؛ وينبغي أيضا تنظيم مفاوضات بين البلدان لتنفيذ اتفاقيات فعالة لاقتسام مياه ولتحسين استخدام المياه. وإذا تم تنفيذ هذه التدابير بلا إبطاء، وإذا لم تغب الإرادة السياسية، فإننا قد ننجح في تفادي الموت النهائي لبحر آرال. غير أن هذا المثال المأساوي يقدم لنا درسا: إنه يوضح بصورة محزنة عجز سياسات "الوقت الملائم" والتأثير الكارثي للسياسات القصيرة النظر على مستقبل كوكبنا.
المصادر:
France Bequette, « Sauver l Aral : une généreuse utopie ? », Le Courrier de l UNESCO, octobre 1994. Don Hinrichsen, « Requiem for a dying sea », People and the Planet, vol. 4, n° 2, 1995. Peter Whitford, Lucy Hancock, « The Aral Sea Disaster : Turning the Tide ? », Environment Matters, hiver 1996-printemps 1997. « UNESCO s Initiative for the Aral Sea Basin », Document d information diffusé lors de la 155e session du conseil exécutif de l UNESCO, Tashkent, 6 novembre 1998.
 
وتقتضي السيطرة على المياه إعداد تقنيات لتعبئتها وتجميعها وتخزينها واستخدامها. وبعض هذه التقنيات قديمة جدا، مثل الكاريز kârêz، وهي قنوات سردابية (تحت الأرض) مستخدمة منذ قرون عديدة في المناطق المجدبة في آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وإسبانيا([108]). إننا إزاء "روائع حقيقية للعبقرية الهيدروليكية"([109])، توجه المياه نحو الحقول والمساكن بدون استخدام مصدر خارجي للطاقة. وقد أتاح العلم والتكنولوجيا تطوير تقنيات أخرى فعالة بصورة خاصة، مثل استخدام الفلاحين في منطقة غورارة في الجزائر لمضخات تدار بالمحركات لإعادة تشغيل قنوات المياه السردابية التي توشك على الاختفاء([110]). وتتيح هذه التقنيات تأمين استخدام أكثر عقلانية لهذا المورد النادر والثمين الذي تمثله المياه.
يجب إذن أن نعزز، بالمعلومات والتعليم، ثقافة حقيقية "لتوفير المياه". ويقتضي هذا الاستعانة بتقنيات إيكولوجية وفعالة في آن معا، وتستند إلى المهارات التقليدية في الوقت الذي تدمج فيه إنجازات العلم الحديث والتكنولوجيات الحديثة. وأخيرا، يقع على عاتق الدولة مسئولية التحكيم بين المطالب العاجلة لمستخدمي المياه والمصلحة طويلة الأجل للمجتمع، مع السهر بصورة خاصة على المحافظة على الموارد المائية واقتسامها بإنصاف.
وسيكون من الخطأ، في الوقت ذاته، إهمال التنوع الأحيائي والموارد النباتية الأصل للمناطق القاحلة، التي تنشأ منها بين محاصيل أخرى، القمح، والذرة الرفيعة، والذرة البيضاء، وخضروات جافة عديدة، والقطن([111]). والنظم الإيكولوجية القاحلة وشبه القاحلة غنية بحيوانات ونباتات المنطقة المعنية؛ وتقدم بيئة طبيعية أساسية للتكاثر والهجرة للعديد من الثدييات والطيور. وهى تقدم أيضا الراتنجات (يتم استخلاص البخور منها على سبيل المثال)، والزيوت، والشمع، والأساس الطبيعي لمنتجات صيدلانية يمكن تسويقها. ولهذا فإن من الملائم، خلال تطوير الأبحاث، زيادة معارفنا وسيطرتنا على هذه الثروات الطبيعية.
والواقع أن إصلاح النظم الإيكولوجية الزراعية المتدهورة أمر بالغ الأهمية، نظرا لأنه يستجيب فى الوقت نفسه لأهداف عديدة: مكافحة التصحر، ومكافحة تأثير الدفيئة (بتخزين جزء من الكربون المثبت عن طريق التمثيل الضوئي)، والمحافظة على التنوع الأحيائي الطبيعي أو على الموارد النباتية الأصل. وكما يشدد المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن "الإجراءات الأكثر فعالية للحيلولة دون تدهور الأراضي القاحلة تكون في كثير من الأحيان مماثلة للإجراءات اللازمة لحماية التنوع البيولوجي أو لتقليل المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي إلى حد أدنى"([112]). ويمكن لصندوق البيئة العالمية، الذي أنشئ تنفيذا لقرارات قمة الأرض (ريو، 1992)، أن يقدم دعمه العلمي والمالي لمثل هذه المبادرات.
ويتيح تقدم العلم والتكنولوجيات أيضا مكافحة التصحر. ويمكن الآن التنبؤ بصورة أفضل بالاحتمالات المناخية، وتتطور التقنيات بسرعة في هذا المجال. كما أنه تم في الآونة الأخيرة اكتشاف علاقة إحصائية بين المعدل الإقليمي لهطول الأمطار والاضطراب شبه الدوري بين السنوي interannuelle للتحرك الجوي والأوقيانوسي العام  (ظاهرة النينيو) ENSO, El Niño Southern Oscillation([113]). وتتيح معرفة هذه العلاقة التنبؤ بصورة كمية بالمعدل الإقليمي لهطول الأمطار لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر مقدما. وبالمثل، فإنه عن طريق الجمع بين الأرصاد المرتفعة والمنخفضة الوضوح للأرض عن طريق القمر الصناعي والأرصاد الأرضية وبيانات نظم المعلومات الجغرافية، يمكن إعداد خرائط المخاطر وتقدير إمكانات إصلاح الأراضي المجدبة، مما يتيح معرفة حالة تدهور البيئات واقتراح إستراتيجيات متمايزة للنضال ضد التصحر([114]). وهكذا فإن مرصد الصحارى والساحل، يقوم، بالتعاون مع اليونسكو، بمختلف الأعمال الرائدة فيما يتعلق برصد التصحر، والرقابة الإيكولوجية الطويلة الأجل، وتوحيد نظم المعلومات بشأن المناطق المعرضة لأخطار التصحر.
تحديث الاقتصادات الريفية
ما لم يتم في الوقت المناسب اتخاذ تدابير للتكييف الهيكلي للزراعات مع التغيرات المناخية، فلا مناص، وفقا للخبراء، من أن يزيد سكان العالم المعرضين لخطر المجاعة (ويقدر عددهم حاليا بـ 640 مليون فرد) بنحو 300 مليون على مشارف عام 2060([115]). وعلى العكس، فإن استخداما أكثر عقلانية للتربة والمساحات المروية، وتطوير الأصناف المتكيفة، وتطبيق التقنيات الجديدة، ستتيح القضاء على معظم الآثار السلبية للتغيرات المناخية على إنتاج البلدان النامية.
وكما يؤكد تقرير اليونسكو بشأن المناطق المجدبة، فإنه "لا يمكن تأمين إصلاح وتحسين النظم التقليدية، وتطوير نظم جديدة أكثر تكيفا، إلا في إطار نهج متكامل وإيكولوجي للتنمية الريفية، يهدف إلى التوفيق بين أهداف التنمية الاجتماعية الاقتصادية والضرورات الإلزامية لحماية البيئة"([116]). ويمكن توضيح هذا التأكيد العام بمثال التطور الذي عرفته منطقة ماتشاكوس، في كينيا. ففي هذه المنطقة، التي زاد فيها السكان إلى خمسة أضعاف بين 1930 و1990، ارتفع نصيب الفرد من الإنتاج الزراعي بسرعة، كما تم إدخال تكنولوجيات جديدة لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء، في المناطق الريفية والمناطق الحضرية في آن معا([117]). وتتيح بالفعل تدابير بسيطة كبح جماح تفاقم التصحر: عن طريق زراعة الأشجار بشكل منتظم، تقام حواجز طبيعية ضد التعرية بفعل الرياح كما يتم منع اقتحام الماشية للأراضي المزروعة([118]).
ويجدر بنا إذن تأمين تلاحم أفضل وتنسيق أكبر بين السياسات الزراعية، وسياسات التعاون، وحملات مكافحة التصحر. والواقع أن الإنتاج الزراعي في معظم المناطق القاحلة يعانى من غياب البنية الأساسية والأسواق، ومن الإبقاء على الأسعار الزراعية عند مستوى منخفض بصورة مصطنعة بغرض تلبية الحاجات الغذائية للمراكز الحضرية، ومن الأفضلية الممنوحة للواردات من الحبوب الغذائية، ومن السياسات التجارية الهجومية للبلدان المصدرة للحاصلات الزراعية([119]). ولهذا ينبغي رفع مستوى الاقتصاد الريفي. وفى معظم المناطق التي تتعرض للتصحر، يقتضي الحل إدخال زراعة كثيفة مستديمة([120])، تتيح الحد من استصلاح الأراضي وزيادة ربحية المحاصيل. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي بصورة خاصة تعزيز التناوب بين الزراعة، وتربية الماشية، والحراجة، عن طريق دمج أنشطة الوقاية في قلب عملية الإنتاج وعن طريق استخدام الموارد المحلية([121]). وتولى اتفاقية 1994 بشأن التصحر، عن حق، أهمية كبيرة لهذه المداخل المتعددة المجالات. وعلاوة على هذا فإنه سيكون من المأمول، في المناطق التي تعاني من ضغط مائي شديد، تشجيع تطور النشاط الاقتصادي نحو المنتجات ذات القيمة المضافة المرتفعة، وبهذا سيتم الحد من الاعتماد على الأنشطة التي تتطلب استخداما مكثفا للمياه([122]).
التصحر: تحد عالمي
للقرن الحادي والعشرين
تشكل الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر، الموقعة بمقر اليونسكو في باريس في 17 حزيران/ يونيه 1994، مرحلة حاسمة في الكفاح ضد التصحر. وكما أكد السفير بو كجيللين Bo Kjellén، فإن "عملية ريو، وتأكيدها الشديد على مدخل متكامل للتنمية المستديمة، قد وضعت أدوات جديدة لمكافحة التصحر في متناول المصممين والمنفذين المهرة للسياسات"([123]). وتقوم اتفاقية 1994، التي تشكل من الآن فصاعدا جزءا لا يتجزأ من "اتفاقيات ريو الثلاث"([124])، على خمس دعامات رئيسية:
        ·          الإقرار بأن التصحر وتدهور الأراضي تمثلان مشكلتين لهما بُعْد عالمي يقدم تدرجات إقليمية هامة؛
        ·          ضرورة مدخل متكامل ومشترك للتنمية يستعين بتمويلات تأتي من مصادر متعددة؛
    ·    تنفيذ مدخل يقوم على المشاركة bottom-up يستند إلى التوزيع المحلي للمسئوليات (تشارك في الوقت الحالي 270 منظمة غير حكومية في هذه العملية)، والمواصلة، في الوقت نفسه، للنضال من أجل القضاء على الفقر؛
        ·          طريقة عمل "أفقية" تدمج المحافظة على الحوار والإدارة المستديمة لموارد المياه والتربة؛
        ·          تعاون علمي وتقني متعدد المعارف([125]). يشمل البحوث وتبادل المعلومات والتكنولوجيات.
وتتفاقم، كما سبق أن رأينا، نتائج الجفافات كلما تزايد السكان. ولهذا، ينبغي أن ندرس، في إطار اتفاقات التعاون الإقليمية والدولية، تدابير تتيح تخفيف حدة الآثار البشرية للأزمات المناخية الأكثر خطورة والتي تتجاوز الإطار البسيط للمساعدة الغذائية الطارئة (انظر فصل "هل سيكون الطعام كافيا للجميع؟"([126])). ولابد، بصورة خاصة، من العمل على أن يكون السكان قادرين على مواجهة الجفافات الممتدة مع تجنب ظواهر الهجرة الريفية الجماعية.
ويشكل هذا الوضع لمشكلة التصحر في المنظور الصحيح مرحلة أساسية. فهو سيتيح تصميم حلول لهذه الكارثة على أساس تحليل لأسبابها المتعددة العوامل. كما أنه سوف يتيح البدء في مرحلة جديدة من التعاون الدولي ستجعل المياه وسيلة للتنمية المستديمة على المستوى المحلي والعالمي, ولأن البلدان المعرضة للتصحر والجفاف، وبصورة أعم لتدهور الأراضي، ليست فقط هشة على مستوى تربتها، بل تكون كذلك غالبا من نواح أخرى، ترتبط بوضعها الاقتصادي والسياسي الكلي([127]). ولهذا فإن مشاركة النساء والرجال الذين يعيشون في المناطق المعرضة للتصحر أمر أساسي إذا أردنا تنفيذ سياسة فعالة لمكافحة هذه الكارثة. غير أننا ينبغي أن نعيد وضع مسألة التصحر في إطار رؤية شاملة للتنمية على نطاق الكرة الأرضية. ويطيب لـ تيودور مونود Théodore Monod أن يشدد مغترفا دروسا حية من تجربته مع الصحارى، على أن: "العالم قطعة واحدة ، فلنُلْق إذن نظرات شاملة، نظرات واسعة بصورة كافية. وكما يعبر شاعر إنجليزي عن هذا بروعة بالغة فإن: ’من يقطف زهرة يزعج نجمة‘. وأنا أجد في هذا فكرة حقيقية، فكرة وحدة الكون، ومن ثم، فكرة التضامن بين الكائنات الحية"([128]). وكما يلاحظ أيضا فإن "الصحارى تحرك مشاعرنا لأنها تمثل الطبيعة قبل الإنسان. كما أن هذا أيضا هو مشهد ما يمكن أن تكونه الطبيعة بعد الإنسان، بعد أن يكون قد اختفى"([129]).
 
اليونسكو والنضال ضد التصحر
تناضل اليونسكو ضد التصحر منذ إنشائها تقريبا: في أعقاب المؤتمر العام لعام 1948، الذي اقترحت فيه الهند إنشاء معهد دولي للمناطق المجدبة، شاركت اليونسكو في إنشاء المعهد الهندي لأبحاث المناطق المجدبة ومعهد صحراء النقب الإسرائيلي، وقدمت دعمها لمعهد الصحراء المصري. وكانت اليونسكو هي أول مؤسسة تجري، منذ 1951، دراسة دولية عن المناطق المجدبة، سجلت بداية برامجها العلمية في مجال البيئة. وكامتداد لهذه الدراسة فإن المشروع الخاص بالأراضي المجدبة، المطروح في 1957، لم يكن يمثل مجرد محاولة أولى في مجال التعاون التقني بين الشمال والجنوب، بل أثبت أيضا أهمية نهج متعدد المعارف والمجالات يجمع بين الأبعاد العلمية والاجتماعية للتنمية المستديمة. كما كانت اليونسكو واحدة من أولى المؤسسات التي أبرزت الدور الأساسي للمياه، كما تشهد البرامج بين الحكومية التي تم إعدادها خلال العقد الهيدرولوجي الدولي من 1965 إلى 1974 والبرنامج الهيدرولوجي الدولي القائم منذ 1975.
وفي الآونة الأخيرة، وبعد أن ساعدت فى إنشاء المرصد الدولي للصحارى والساحل، بالاشتراك مع الاتحاد الدولي للعلوم الإيكولوجية، شرعت اليونسكو في تحليل طبيعة ونطاق التباينات المناخية في الماضي وذلك لتوقع التطورات المحتملة مستقبلا في المناخ والبيئة. وفضلا عن هذا، تشجع اليونسكو استخدام الاستشعار عن بُعْد والأنظمة التفاعلية للمعلومات الجغرافية من أجل التقدير الأفضل للنتائج المنطقية للقرارات البشرية في مجال البيئة. وعلاوة على هذا، تشجع اليونسكو على استعمال الطاقة الشمسية لكي تحل في المناطق المجدبة محل محروقات مثل الخشب، لأن الاستغلال المفرط للموارد الخشبية يشكل عاملا مهما للتصحر في هذه المناطق. وبفضل برنامج "الإنسان والمحيط الأحيائي"، تلقى الباحثون في الهندسة الزراعية والحراجة تدريبات محلية، كما أمكن تمويل معدات علمية في أفريقيا، مما أتاح بوجه خاص انتقاء الأشجار والشجيرات الملائمة للتربة المجدبة.
وفي تعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وفى إطار أنشطتها في مجال التعليم المرتبط بالبيئة، تهتم اليونسكو أيضا بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية لظاهرة التصحر. والحقيقة أن لمشكلتي الجفاف والتصحر أهمية بالغة نظرا لأن البلدان المعنية تعانى من نقص في التدريب والمعلومات؛ وفي كثير من الأحيان يرتبط تدور البيئة ارتباطا وثيقا بالفقر، وسوء التغذية، والأمراض، والنزاعات، والهجرات.
 
وإذا كان التصحر إلى حد كبير، نتيجة النشاط البشري، فإن البشرية أيضا هى التي يمكن أن تحد من آثاره وهي التي يجب أن تفعل هذا إذا أرادت البقاء. ويجب أن يكون التصحر مصدرا للتضامن والتعاون على المستوى الإقليمي والدولي. وكانت اليونسكو إحدى أولى المنظمات بين الحكومية التي أبدت، منذ نصف قرن، الاهتمام بمشكلات المناطق المجدبة. وقد أسهمت إلى حد كبير في تعبئة المجتمع العلمي لكي يقدم حلولا ملموسة. غير أنه لا يمكن إلا لتعبئة دائمة لكل القوى الفاعلة أن تتيح وضع حد لشرور الجفاف والتصحر. إننا إذن أمام تحد لا يواجه فقط أولئك الذين يعانون من آثاره بصورة مباشرة، بل يواجه أيضا المجتمع الدولي الذي تعهد بتقديم مساعدته إلى هؤلاء السكان. ليس ثمة شئ ينمو سوى الصحراء، وينبغي أيضا أن نناضل ضد زحف صحراء أخلاقية: صحراء غياب التضامن، صحراء إجداب القلب. وسيكون النضال ضد التصحر الشهادة الحية على أن النوع البشرى ليس محكوما عليه بالتصحر الخلقي ولا بالإهدار بالتدريج لما يصنع إنسانيته.
منطلقات وتوصيات
3   تنفيذ توصيات اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة التصحر الموقعة في 1994، مع دمج إشكاليات التصحر في إستراتيجيات التنمية المستديمة. وتطوير المؤشرات بما يتيح متابعة تطور التصحر وتقييم الإجراءات التي يتم القيام بها في سبيل مكافحته.
3   الاستفادة التامة من جميع تقنيات إدارة الموارد الطبيعية (تقنيات وقاية المياه والتربة، وتقنيات الأعمال الزراعية)، مع التركيز على مدخل يقوم على المشاركة.
3   تشجيع الإدارة المشتركة لموارد المياه، خصوصا على المستوى المحلي، وذلك بإقامة "مراصد حوضية"مخصصة لمراقبة وإدارة الموارد المائية؛ وإعداد التشريعات وإيجاد آليات للتعاون تشجع على تجديد الموارد المائية والاقتسام المنصف لها على المستوى المحلي والقومي والإقليمي.
3         إعداد برنامج عمل في مجال العلم والتكنولوجيا، وبصورة خاصة بابتكار نظم ملائمة للمعلومات وللمراقبة الدينامية (خاصة عن طريق الرصد بالقمر الصناعي)، وبإنشاء نظام للرصد العالمي للتصحر وبأفق مستقبلي ووقائي.
3   تكثيف الأبحاث التي تجري حاليا في مجالات المياه والطاقة وتقنيات الزراعة وتربية الماشية، من أجل زيادة إسهام العلم في تنفيذ توصيات اتفاقيات ريو؛ وإدخال زراعة مكثفة مستديمة تعزز التعاون بين الزراعة وتربية الماشية والحراجة.
3   تنظيم حملات توعية وتدريب خاصة بالكفاح ضد التصحر؛ ودمج قضية التصحر في البرامج الدراسية؛ وتحسين التعليم والتدريب التقني الزراعيين.
3   تشجيع البلدان الغنية ومؤسسات المساعدة الثنائية والمتعددة الأطراف على دمج القضايا الإيكولوجية في إستراتيجيات المساعدة للبلدان المصابة بالتصحر، وعلى تأمين التنمية الزراعية للأراضي المجدبة والمحافظة على إنتاجيتها.
3         دعم استخدام الطاقة الشمسية في المناطق المعرضة للتصحر.
3         التشجيع على تعديل لأنماط الاستهلاك نحو المزيد من الاعتدال والتضامن والمسئولية.
3   تعزيز اعتماد إصلاحات زراعية وتشريعات عقارية تتلاءم مع الأوضاع المحلية، وذلك لضمان الوصول، خاصة للنساء، إلى الملكية العقارية.


 
9
هل ستظل المياه جارية؟
 
في رؤيا كابوسية، صرخ الملاح القديم Ancient Mariner الذي مجده الشاعر كولريدج: "الماء، الماء، في كل مكان، ولا قطرة ماء نشربها"([130]). فهل سيحقق القرن الحادي والعشرون هذه النبوءة الكئيبة؟ ومن الوهلة الأولى، يبدو أن الماء في الواقع هو المورد الطبيعي الذي لا يكاد كوكبنا يعاني من أي نقص فيه. بل إن هذه الوفرة هي التي جعلت الأرض جديرة بلقبها "الكوكب الأزرق". وعلى كل حال، فمن كمية إجمالية تصل إلى 1.4 مليار كيلومتر مكعب من المياه، لا تمثل المياه العذبة سوى حوالي 2.5%. ويوجد الجزء الأكبر من المياه العذبة في طبقات عميقة من القبب أو القمم الجليدية القطبية التي يصعب الوصول إليها، ، ولا توجد سوى نسبة 0.3% من المياه العذبة المتجددة والمتاحة لاستخدام واستهلاك البشر([131]). ولا تمثل تدفقات المياه، التي تحدد الجانب الأكبر من الموارد المتجددة، إلا حوالي 41000 كيلو متر مكعب في العام من المياه القارية، وحوالي 9000 كيلومتر مكعب فقط هي التي يمكن الوصول إليها واستخدامها فعلاً للاستهلاك البشري([132]).
والماء، مع الهواء، هو المورد الطبيعي الأكثر ضرورية لصحة البشر ولنشاطهم الاقتصادي ورفاهيتهم الثقافية([133]). كما يشترك الماء مع الهواء، في السمة المميزة المتمثلة في أنه متجدد في ظاهر الأمر على الأقل، وبصورة جزئية فقط. وعلى سبيل المثال فإن استعمالات الماء لا تدمره، بل تستهلك فقط خواصه أو تحول حالته الطبيعية. وعند المنبع أو المصب، تؤثر استخدامات المياه في غرض بعينه، على استخداماتها الممكنة في أغراض أخرى وسياقات أخرى (وبألفاظ أخرى، إذا استخدمنا لغة الاقتصاديين، فإن استخداماتها تحدد "مظاهر خارجية" قوية). والمياه هي "المادة الأولية" الوحيدة التي يكون لاستخدامها تأثير يرتد على احتياطياتها. ومع ذلك، فإن السمة المميزة التي تجعل المياه تختلف عن الهواء هي أنها غير موزعة بالتساوي: المياه وفيرة، وهي "جارية"، ولكن ليس في كل مكان وليس للجميع.
والواقع أنه، في الآونة الأخيرة، لا يتمتع حوالي ربع البشرية، أي مليار وأربعمائة مليون شخص، بالحصول المباشر على مياه الشرب([134])، ولا يملك أكثر من نصف البشرية معدات كافية لتنقية المياه، ذلك أن الاستثمارات التي أتاحت منذ ثمانينيات القرن العشرين الحصول على مياه نظيفة، لم تفعل في الواقع أكثر من مجاراة معدل زيادة السكان. وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه البلدان النامية في الحضرنة المتسارعة، والتي تكون نتيجتها ارتفاع بالغ في أعداد السكان الذين يعيشون في مناطق سكنية في أطراف المناطق الحضرية أو في مدن صفيح يصعب فيها بشدة تأمين الإمداد بالمياه النظيفة([135]).
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يمكن أن نعزو 30 مليونا من الوفيات كل عام إلى أمراض مرتبطة بتلوث المياه، نعني الكوليرا، أو الالتهابات الكبدية الوبائية، أو حمى الدنج، أو الملاريا، أو الأمراض الطفيلية الأخرى، التي تكون آثارها مدمرة جدا في البلدان النامية. ويقدر أن أربعة ملايين طفل يموتون كل عام بسبب الأمراض التي تنقلها المياه غير الصالحة للشرب، أي طفل واحد كل ثماني ثوان. ولا يملك 66% من سكان البلدان النامية حمامات ولا مراحيض. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن مجرد حدوث خفض لأمراض الإسهال يمكن أن يتيح إنقاذ حياة 1.25 مليون طفل كل عام. وفوق ذلك، فإن الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة تعرقل التنمية الاقتصادية لبلدان الجنوب لأنها عندما لا تقتل، تحول مئات الملايين من الأشخاص إلى معوقين.
وقد سجل مؤتمر دبلن، المنعقد في كانون الثاني/ يناير 1992، هذا الظلم الرهيب: اعتمد إعلانا بشأن المياه والتنمية المستديمة، يتم فيه التأكيد على مبدأ الإنصاف، الذي يقود إلى إقرار حق أساسي لكل إنسان في الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، وإلى معدات تنقية المياه. وفى وقت لا يكف فيه سكان الحضر عن الزيادة وتؤدي فيه الزيادة الديموغرافية إلى ضغوط إضافية على الأراضي المروية، تفرض نفسها إدارة أفضل لموارد الكوكب من المياه باعتبارها تحديا كبيرا. وبتعبير بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin فإنه "فقط حينما تجف البئر، ندرك قيمة المياه([136])".
طلب لا يمكن السيطرة عليه
منذ وقت طويل، لم يكن لاستخدامات الناس للمياه، التي كانت تزيد باعتدال مثل السكان، سوى مجرد آثار لا وزن لها، لا تتعارض بشدة مع حاجات الكائنات الحية الأخرى في المحيط الحيوي للأرض ومع احتمالات التناسل الطبيعي. وقد انقضت تلك الأزمنة. وخلال العقود الأخيرة، لم يكف الاستهلاك العالمي من المياه عن الزيادة بمعدل سريع جدا، أسرع في الواقع من السكان: زاد استهلاك المياه إلى سبعة أضعاف منذ بداية القرن (العشرين) وإلى ثلاثة أضعاف منذ عام 1950، فاستقر استهلاك المياه لكل فرد عند مستوى أعلى بنسبة 50% عن 1950 وذلك، بوجه خاص، نتيجة لتحسن مستوى المعيشة وتوسع الري.
وفي الوقت الحالي، تتجاوز كميات المياه المستخدمة لكل الأغراض 3700 مليار متر مكعب سنويا، وهى كميات تمثل حوالي عُشر الإيراد الكلي للأنهار في العالم([137]). وقد نتج عن زيادة السكان، بنحو 2 مليار فرد، فضلا عن هذا، منذ عام 1970، انخفاض في موارد المياه الطبيعية لكل فرد بنسبة الثلث، إذ أن الكمية المتاحة ثابتة عمليا. وفيما يتعلق بالفترة من 1995 إلى 2025، لا مناص من أن تصل الزيادة في الطلب العالمي على المياه إلى 38% وأن تصل زيادة الطلب على مياه الشرب إلى 82%([138]). ولا حاجة إلى القول إن هذه الأرقام تحجب تفاوتات قومية ومحلية هائلة.
وعلى أي حال، لا بد من ملاحظة أن هذه الاتجاهات لا تنطوي على أي شيء حتمي، وأنه في الماضي، كثيرا ما كانت هناك تنبؤات خاطئة تماما نتيجة لتعميم معدلات نمو غير متغيرة على المستقبل، وكأن المستقبل لا يمكن إلا أن يكون نسخة مكررة من الماضي أو الحاضر. في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، وبعد زيادة متسارعة في منتصف القرن العشرين، حدثت قطيعة مفاجئة في الاتجاه في السبعينيات واستقر تطور الاستهلاك منذ 1980 متباعدا بشدة عن "التنبؤات" السابقة. ويلاحظ في الوقت الحالي وجود اتجاه إلى التباطؤ في عدد من البلدان الصناعية: يبدو أن أغلب التنبؤات السابقة كان مبالغا فيها، وفي كثير من الأحيان عن عمد، لمزيد من الضغط على القرارات السياسة للاستثمار([139]).
والحقيقة أن السيطرة على الطلب، خصوصا فيما يتعلق بالري، تشكل بالنسبة للبلدان الفقيرة في المياه أهم "مستودع" مبشر، خصوصا بعد أن اتضحت صعوبة زيادة العرض بإقامة خزانات جديدة مثلا([140]). وما يهم أولا وقبل كل شئ هو تحقيق إدارة متكاملة للموارد المائية. وتتفق هذه الفكرة مع مدخل عالمي إلى التفاعلات بين المياه وما اتُفق على تسميته بالحضارة، أي المعتقدات وأنساق القيم والسلوكيات والعادات الثقافية التي تشكِّل مجتمعا. والواقع أن المسائل التي تؤثر في موارد المياه متشابكة، وهذا أيضا مما يجعل فهمها بالغ الصعوبة. ولهذا تعتبر اليونسكو إدارة الموارد المائية ضمن مجالات اختصاصها. ومن 1964 إلى 1973، أبرز العقد الهيدرولوجي الدولي ـ وكانت تلك حقيقة نبوئية ـ الحاجة إلى عمل منسق وأبحاث ودراسات جماعية في مجال المياه. وكان البرنامج الهيدرولوجي الدولي، بلجانه القومية الـ 158، أداتنا الرئيسية في هذا المجال منذ 1974.
خطر نقص المياه
يتمثل مؤشر لافت للنظر بصورة خاصة على الندرة المتزايدة للمياه في مؤشر عدد البلدان التي تجاوز عدد سكانها العدد الذي يمكن إمداده بدون صعوبة بالموارد المائية الحالية([141]). ومن اللحظة التي ينخفض فيها المورد الطبيعي النظري للمياه إلى أقل من 1000 متر مكعب للفرد في السنة المتوسطة (المستوى الذي يراعى أنه لا ينبغي اقتصاديا وعمليا استغلال كل مياه أي بلد)، فإن المياه تعتبر موردا نادرا يمثل ضغطا على تنمية البلد([142]). ويقدر معهد الموارد المائية أنه في الوقت الحالي يندرج تحت هذه الفئة 26 بلدا، منها 11 بلدا في القارة الأفريقية، وأن حوالي 232 مليون فرد يعانون من نقص المياه. ومن الآن وحتى 2010، فإنه لا مناص من أن تضاف إلى هذه القائمة ستة بلدان أخرى، ولا مناص من أن يرتفع عدد الأفريقيين الذين يعيشون في بلدان تندر فيها المياه إلى 400 مليون، وهو عدد يمثل 37% من السكان المتوقعين حينئذ في هذه القارة. والوضع حرج أيضا في الشرق الأوسط، إذ أنه منطقة لا مناص من أن تواجه ليس فقط ندرة المياه (تسعة بلدان من أصل أربعة عشر بلدا تعانى من نقص في المياه) بل أيضا زيادة ديموغرافية مرتفعة جدا. وفي هذه المنطقة، من المحتمل أن تتفاقم التوترات الجيوبولتيكية المرتبطة بالمياه([143])، كلما اشتد التنافس على هذا "الذهب الأزرق".
ويجب ألا ننسى أن المشكلة لا تكمن في نقص المياه على المستوى العالمي، بل تكمن بالأحرى في انعدام المساواة في توزيعها. والواقع أنه حتى مع زيادة ديموغرافية كبيرة وعدد لسكان العالم سوف يستقر بين 10 و12 مليار شخص، فإن نصيب الفرد من الموارد الطبيعية النظرية للمياه سوف يبقى في المتوسط فائضا بوضوح بالمقارنة مع مستوى 1000 متر مكعب سنويا للفرد بما يكفي لتفادي إلهاب التوترات وتعريض الإنتاج الغذائي للخطر. ولهذا فإن المشكلة تكمن بصورة جوهرية في مشكلة توزيع الموارد المائية والحصول عليها.
وعلى سبيل المثال، فإن البرازيل وروسيا وكندا والولايات المتحدة والصين وإندونيسيا والهند وكولومبيا والدول الخمس عشرة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتقاسم حوالي ثلثي الموارد المائية في العالم([144]). ووفقا لتقديرات أخرى، فإن عشرة بلدان فقط تتقاسم حوالي 65% من الموارد المائية في العالم([145]). غير أن المتوسط السنوي من الموارد المائية للفرد يتراوح بين 23 مترا مكعبا في جيبوتي و700000 متر مكعب في آيسلندا([146]). وعلى حين يستهلك الأمريكي 425 لتر من المياه يوميا في الاحتياجات الشخصية والمنزلية، يستهلك الفرنسي 150 لتر، ويكتفي الملاغاشي الذي يعيش في منطقة ريفية بـ 10 لترات([147]). ويستهلك الإسرائيلي أربعة أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني من المياه([148]). وعلاوة على هذا، فإن الوضع في البلدان التي تعانى من نقص المياه قد يتفاقم مع مرور الوقت، بالقدر الذي سوف يرتفع به عدد سكان تلك البلدان: على حين يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص المياه في حوض البحر الأبيض المتوسط في الوقت الحالي إلى 113 مليون، فإن من المحتمل أن يتجاوز هذا العدد 200 مليون من هنا وحتى 2010([149]).
وإذا كانت المشكلة الرئيسية تتمثل في عدم المساواة في الحصول على الموارد، فإن الاستغلال المفرط والفوضوي لطبقات المياه الجوفية يمثل أيضا مصدرا للقلق. وتقوم أعمال الضخ المكثف بالسحب المفرط لكميات ضخمة من المياه وتفقر هذه الطبقات المائية بصورة لا سبيل إلى إصلاحها: هذا بالفعل هو الحال في الصين والهند والمكسيك وتايلند والولايات المتحدة وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وعلاوة على هذا فإن هذا الضخ المكثف يمكن أن يؤدي إلى تدهور نوعية المياه الجوفية عن طريق سحب المياه المالحة، خصوصا مياه البحر في المناطق الساحلية. والحقيقة أن الاستغلال المنجمي لموارد المياه الجوفية الأحفورية كما يحدث في ليبيا لا يمكن إلا أن يكون مؤقتا، حتى إذا استطاع أن يتواصل خلال عدة عشرات من السنين.
وبطبيعة الحال، فإن العود الأبدي لدورة الماء يجعل الموارد المائية متجددة غير أن هذا لا يجعلها غير قابلة للنضوب. والواقع أن الموارد المائية المتجددة قابلة تماما للنضوب، إذ أن الإنسان لديه القدرة والوسائل لتعبئة كل المياه المتدفقة في نظام مائي بعينه، بل حتى لتجاوز هذا الحد في بعض الحالات بالسحب من المخزون المنظم. وقد حدث هذا من قبل في بلدان مختلفة: في الولايات المتحدة، في السهول المرتفعة في كولورادو وكاليفورنيا، وفى إسبانيا وإسرائيل على وجه الخصوص. ولهذا بالتحديد تفرض نفسها إستراتيجيات متمايزة. ومع ذلك، أصبح واضحا أن المياه لم يعد يمكن النظر إليها على أنها مورد غير قابل للنضوب يمكن للإنسان أن يستعمله أو يسئ استعماله كما يحلو له.
ما هي التوقعات من الآن وحتى 2025؟
من بين الممارسات المعاصرة في مجال الدراسات المستقبلية العالمية، تعد ممارسة عالم الهيدرولوجيا الروسي إيغور شيكلومانوڤ Igor Shiklomanov هي الأحدث([150]). ووفقا لتوقعات هذا العالم، فإن الكمية الكلية للمياه المستخدمة على النطاق العالمي في مختلف قطاعات النشاط، بما في ذلك تبريد محطات الطاقة الكهرو ـ  حرارية وتبخير المستودعات، يمكن أن ترتفع مسحوباتها من 3760 كيلومتر مكعب سنويا عام 1995 (ومنها 2285 مستهلكة) إلى 5187 كيلومتر مكعب سنويا عام 2025 (ومنها 2879 مستهلكة)، أي زيادة المسحوبات بنسبة 38% وزيادة في الاستهلاك بنسبة 26% على مدى ثلاثين عاما.
ويلاحظ إيغور شيكلومانوڤ أن المؤشر الأساسي هو النسبة بين الموارد المائية المتجددة واستهلاك المياه، أي النسبة المئوية المتاحة للاستخدام من الماء. ومن هذا المنظور، يمكن التمييز بين أربع فئات:
        ·          حين تكون النسبة أقل من 10%، يكون الضغط على الموارد المائية ضئيلا؛
        ·          حين تقع بين 10% و20%، يكون الضغط متوسطا؛
        ·          حين تستقر بين 20% و40%، يكون الضغط عاليا؛
        ·          حين تتجاوز 40%، يكون الضغط عاليا جدا، وإذا تجاوزت 60% فإنه يقود إلى سيناريو كارثي.
ووفقا لتقديرات شيكلومانوڤ، فلا مناص من أن يجد 80% من سكان العالم أنفسهم في عام 2025 في الفئتين الثالثة والرابعة، بما يتفق مع ضغط عال على الموارد المائية. وفى البلدان الصناعية، في أوروبا والولايات المتحدة، سيكون الانخفاض في توافر المياه ضئيلا نسبيا، حيث يكون مُعامل الانخفاض بين عامي 1950 و2025 حوالي 01.8 وفى البلدان النامية الواقعة في مناطق المناخ المعتدل أو المدارى التي تنعم بموارد مائية كبيرة، في آسيا وأمريكا اللاتينية، فإن معامل الانخفاض سوف يصل، بالمقابل، إلى 4.5. أما في البلدان الواقعة في المناطق القاحلة، كما في أفريقيا والشرق الأوسط، التي سيكون عليها أن تواجه الأوضاع الأكثر مأساوية، فإن المعامل سوف يستقر عند 8.5.
وتعتمد ممارسة أخرى حديثة في مجال الدراسة المستقبلية، بتنسيق عالم الهيدرولوجيا [الجيولوجيا المائية] الفرنسي جان مارغا Jean Margat، على فرضيتين، حيث تقوم الأكثر انخفاضا بتقييم بالحد الأدنى لكل الاحتياجات المائية، ويتوافق بصورة أفضل مع "التنمية المستديمة". وقد أتاح هذا الجهد المستقبلي أيضا تقدير صافي الكميات المسحوبة والمستهلكة من المياه على مشارف عام 2025. ووفقا للفرضية المنخفضة، فإن من المتوقع أن ترتفع المسحوبات (باستثناء محطات توليد الطاقة الهيدروكهربية التي تقوم بإعادة المياه المستعملة) من وضع أصلي قدره 3024 كيلومتر مكعب سنويا في 1990 إلى 3073 كيلومتر مكعب سنويا في 2025، فيما يرتفع الاستهلاك من 1.872 إلى 1955 كيلومتر مكعب سنويا. ووفقا للفرضية المرتفعة، فإن المسحوبات (باستثناء المحطات) يمكن أن ترتفع إلى 4416 كيلومتر مكعب في السنة، وأن ترتفع الاستهلاكات إلى 2950 كيلومتر مكعب في السنة([151]).
ووفقا للفرضية المرتفعة، يمكن أن تحدث أكبر زيادة في المسحوبات في أفريقيا، حيث يمكن أن تزيد عن الضعف في غضون 35 عاما، على حين أنها يمكن أن تزيد بنسبة 70% في أمريكا الجنوبية، وبنسبة 57% في أمريكا الشمالية (الزيادة إلى الضعف في المكسيك)، على حين أنها يمكن أن تنخفض في أوروبا (-17%). أما بالقيم المطلقة، فإن آسيا هي التي يمكن أن تحدث فيها أكبر زيادة (+1087 كيلومتر مكعب سنويا). وفي 2025، يمكن أن تتم أكثر من ثلثي الاستخدامات العالمية للمياه في آسيا. ووفقا للفرضية المنخفضة، فإن الزيادات النسبية يمكن أن تكون، بالمقابل، محدودة جدا في كل مكان تقريبا، فيما عدا أفريقيا (+45%)، وأحيانا معدومة أو سالبة (-27% في أوروبا، -2% في الولايات المتحدة).
ومن المتوقع أن يميل متوسط نصيب الفرد من الطلب على المياه بصورة عامة إلى الانخفاض وفقا لكل من الفرضيتين، غير أنه وفقا للفرضية المنخفضة بوجه خاص، سينخفض المتوسط العالمي من 575 متر مكعب سنويا في الوقت الحاضر إلى 395-490 متر مكعب سنويا. ويمكن بالفعل ملاحظة هذا الاتجاه في كل مكان تقريبا، باستثناء مناطق قليلة ينخفض فيها الطلب الحالي بشدة، في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويعنى هذا أن الطلب العالمي على المياه، في معظم المناطق، سوف يكف عن الزيادة أسرع من السكان في القرن الحادي والعشرين، على خلاف الزيادة التي لوحظت بصفة عامة خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
ولهذا فإن الأزمات المائية المستقبلية سوف تكون أقل ارتباطا بالزيادات في الطلب، في حد ذاتها، من ارتباطها بمعدلات الاستهلاك المرتفعة للفرد من الموارد الطبيعية للمياه، حتى عندما تكون مستقرة، ومن ارتباطها بالعجز الاقتصادي عن تلبية مختلف أنواع الطلب، حتى رغم أنها غير متزايدة. وينبغي، وسيظل ينبغي، التمييز بين نوعين من نقص المياه:
    ·    أنواع من النقص الهيكلي ناتجة عن استنفاد الموارد التقليدية، وتتفاقم نتيجة النقص الظرفي في أوقات الجفاف، وسوف تصيب عددا متزايدا من البلدان.
    ·    أنواع من النقص ناتجة عن الفقر سوف تصيب البلدان الأقل نموا والعاجزة عن الاستثمار لتلبية مختلف أنواع الطلب، خصوصا طلب الميغابولات، أو لتحديث نظم الري عن طريق زيادة كفاءتها وخفض استهلاكها للمياه في المناطق القاحلة.
السيطرة على الري
تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي يجب بصورة مطلقة أن تحلها، باعتبارها أولوية، كل سياسة للاستخدام الفعال للموارد المائية، أولا وقبل كل شئ، في الاستهلاك المفرط للمياه في الزراعة المروية. وعلاوة على هذا، فإن هذه المياه لا يتم فقط سحبها بل ويتم "استهلاك" الجزء الرئيسي منها: إنها تعود بصورة مباشرة في شكل بخار إلى الغلاف الجوى ولا تتم استعادتها محليا. وفى الوقت الحاضر، تستهلك الزراعة على النطاق العالمي حوالي ثلثي كمية المياه المسحوبة من الجداول والأنهار والبحيرات ومن طبقات المياه الجوفية. ومنذ عام 1960، زادت كمية المياه المستخدمة في ري المحاصيل بأكثر من 60%([152]). ويتم تبديد أحجام هائلة من المياه في زراعة محاصيل ذات قيمة هزيلة جدا، على حين أن الاحتياجات، خصوصا احتياجات المدن الكبرى، لا تكف عن الزيادة. وفى عدد من البلدان النامية، يستخدم المزارعون، في المتوسط، لري الهكتار الواحد ضعف المياه المستخدمة لذلك في البلدان الصناعية، مقابل ثلث المردود: الواقع أن هذا الضعف في المردود يصيب على وجه الدقة المناطق شبه القاحلة أو القاحلة([153]). ويرى الخبراء بصفة عامة أن ثلث إجمالي المياه المخصصة للزراعة يسهم بصورة حقيقية في نمو النباتات.
وكما تذكرنا ساندرا بوستل Sandra Postel، فإنه توجد بالفعل تقنيات متعددة تتيح استخداما أكثر عقلانية للمياه: الري بالتنقيط، والمشاريع ذات الحجم المحدود مثل الخزانات الصغيرة والآبار الضحلة والمضخات الرخيصة بين أشياء أخرى([154]). وتتيح تقنيات بسيطة جدا، تهدف إلى زيادة رطوبة التربة على مستوى جذور الزراعات، الحصول على مردود أعلى تماما كما تجعل الإنتاج أقل عرضة للتقلبات. وحتى مع منسوب ضعيف نسبيا لهطول المطر، تتميز بعض أنماط الزراعة تقوم على تجمع جيد للمياه بفعاليتها. ويتمثل نموذج رائد في الهند في استخدام نجيل ڤيتيڤيه vétiver الهندي، الذي أتاح مضاعفة مردود بعض المحاصيل على جانبي التل عن طريق تكوين حواجز نباتية تحتجز مياه الأمطار وتحافظ على رطوبة التربة([155]). ووفقا لتقديرات عدد من الخبراء، يمكن توفير 50 لترا من المياه يوميا للفرد من كل 54 شخصا على أساس مساحة هكتار واحد يستفيد من معدل سنوي لهطول الأمطار يصل إلى 100 مم([156]).
ويشدد الخبير الإسرائيلي يوري شامير Uri Shamir، بالإضافة إلى هذا، على أهمية تعديل إجراء تغييرات في المكان المحيط بالنباتات، لأن مثل هذه الإجراءات تسمح بزيادة فعالية استخدام المياه في الإنتاج الزراعي، بالنسبة للمحاصيل التي تعتمد على مياه الأمطار وكذلك للمحاصيل المعتمدة على الري: المهم هو "تعديل في المناخ الصغير فوق النباتات وعزق سطح التربة لتقليل التبخر والتسرب إلى حد أدنى وزيادة تشرب النباتات للمياه إلى حد أقصى، وحرث الأرض وفرشها بالتبن والقش لتحسين احتفاظ التربة بالمياه وتوزيعها فيها، واتباع تقنيات مصممة على التزويد بالمياه في الاتجاه واللحظة اللذين يستخدمها فيهما النبات بصورة فعالة لإنتاج المحصول المرغوب"([157]).
وبطبيعة الحال فإن هذه الحلول ليست ترياقا سحريا، كما لا ينبغي أن نبالغ في مزايا وفعالية الأعمال الصغيرة الحجم والتقنيات التي تحتاج إلى استثمارات باهظة وإلى تغيير عميق في العقليات والعادات. كذلك فإن الري بالتنقيط، الذي ينتشر الآن على مساحات زراعية شاسعة، ما زال، كقاعدة عامة، مرتفع التكلفة؛ وسرعان ما تغمر الأوحال الخزانات الصغيرة؛ وكثيرا ما تكون الآبار الضحلة هي الأقل إنتاجا. وهذا هو السبب في أن هذه الاختراعات يجب أن تندرج في إطار إستراتيجية أكثر عالمية. لا ينبغي فقط تشجيع الزراع على استخدام الموارد المائية بفعالية أكبر، بل ينبغي كذلك تحسين نوعية القنوات التي تنقل المياه إلى المزارع.
وبالإضافة إلى هذا فإن إعادة تخصيص جزء كبير من الموارد المائية المستهلكة الآن في الري لاستخدام المدن، لا يجب أن تؤدي إلى انخفاض في دخل الزراع أو إلى ارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية، الأمر الذي يمكن أن تكون له نتائج سلبية على الأمن الغذائي للسكان الأكثر حرمانا([158]). ولتحسين الاستخدام الزراعي للموارد المائية، ينبغي دفع المزارعين إلى المشاركة في تصميم وإدارة واستغلال البنية الأساسية الهيدروليكية. وقد لوحظ في الفليبين، مثلا، أنه عندما يتم إشراك المزارعين في تخطيط وإدارة المشروعات، تزداد المساحة المروية عن التقديرات الأصلية، وترتفع غلة حقول الأرز، ويتحسن تشغيل التجهيزات والقنوات([159]). ومن ناحية أخرى، سبق إقرار المشاركة باعتبارها أحد المبادئ الأساسية في إعلان بكين الذي اعتمده 50 بلدا في آذار/ مارس 1996: "يجب أن يقوم استغلال المياه وإدارتها على نهج المشاركة، عن طريق الإشراك في كل مستوى لمستعملي المياه، وأصحاب القرار، والمسئولين السياسيين"([160]).
وفضلا عن واقع خفضه لاستهلاك المياه وجعلها متاحة لأغراض أخرى، يمكن أن يكون لاستخدام أكثر فعالية للمياه في الزراعة نتائج ملائمة للبيئة. والواقع أن الري المفرط والصرف السيئ للمياه يعجلان بملوحة التربة. ويمثل هذا خطرا جسيما جدا أو حتى "قنبلة زمنية" حقيقية. وعلى سبيل المثال، فإن 25% من الأرض المنزرعة في باكستان قد تم إتلافها بالفعل، ويتم فقدان حوالي 200000 هكتار من الأراضي الزراعية في العالم كل عام([161]). كما أن كل محاولة لتعويض الأراضي المصابة بالملوحة مكلفة جدا. ولتفادي تدمير الملوحة للأراضي بصورة لا يمكن إصلاحها، ينبغي أن يتم من الآن خفض كمية المياه التي يستخدمها المزارعون، كما يجب الاستعانة بالصرف الذي يقدم علاوة على هذا مياها قابلة لإعادة الاستخدام.
ومن جهة أخرى، يوضح خبيران من الفاو، وولف كلون Wulf Klohn وهانس م. ڤالتر Hans M. Walter، بكل جلاء، أن هناك تكنولوجيات جديدة للمعلوماتية يتيح تطبيقها على الهندسة الزراعية ري المحاصيل بطريقة أكثر دقة ووفرا بكثير، كما يوضحان أن تكلفتها غير المرتفعة يمكن أن تتيح تكييفها دون صعوبة كبيرة مع احتياجات المجتمعات الريفية في البلدان النامية([162]). وفى المستقبل، سوف يكون من الممكن أن تتيح إنجازات البيوتكنولوجيا رفع الإنتاجية الزراعية في الوقت الذي يتم فيه خفض كمية المياه اللازمة للإنتاج: من المتوقع، على سبيل المثال، أن يكون من الممكن زيادة مقاومة النباتات للحرارة والجفاف، أو نقل بعض خصائص الحبوب الغذائية الأقل استهلاكا للمياه مثل الذرة الرفيعة والذرة البيضاء إلى حبوب غذائية تستهلك الكثير من الماء مثل القمح والذرة الشامية، أو حتى زراعة أنواع بعينها من الخضروات في مياه مرتفعة الملوحة نسبيا([163]): أجريت دراسة برعاية اليونسكو حول هذا الموضوع في مركز للأبحاث في تونس، منذ ثلاثين عاما.
نوعية المياه والبيئة
بين التطورات الأكثر إثارة للقلق، لا يمكن بطبيعة الحال التغاضي عن مشكلة تلوث المياه. وفي الوقت الحاضر، يتم التخلص من 90% من المياه المستعملة في البلدان النامية بدون إجراء أدنى معالجة لها([164])، كما أن الوضع أبعد من أن يكون على أكمل وجه في البلدان الصناعية.
ويمثل تلوث مجارى المياه خطرا مهددا بصورة خاصة، سواء أكان بسبب عدم تنقية المياه المستعملة في مجارى المياه التي يتم تفريغها (وبالأحرى التلوث الكثيف والمحدود الانتشار) أو بالتالي بسبب الاستخدام المفرط للمخصبات أو المبيدات الحشرية (وبالأحرى التلوث الممتد والواسع الانتشار). في الحالة الأولى، يحدث أن تتخذ المياه المستعملة التي يتم تفريغها في مجاري المياه أهمية في إشباع ما للأنهار من طاقة تنقية ذاتية. أما في الحالة الثانية، فإنه، وفقا لنغوين تيين دوك Nguyen Tien Duc، ارتفع تركيز معدلات النترات في المجارى المائية في البلدان الغربية إلى الضعف وأحيانا إلى خمسة أضعاف خلال السبعينيات والثمانينيات([165]). وكما شدد المؤتمر الدولي بشأن الموارد المائية في العالم في مستهل القرن الحادي والعشرين، الذي شارك في تنظيمه في حزيران/ يونيه 1998 كل من اليونسكو والمجلس العالمي للمياه والجمعية الدولية للعلوم الهيدرولوجية، فإن تدهور نوعية المياه يقلل فائدتها ويرفع تكلفتها، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للاستهلاك الآدمي. كما أنه يشكل إفقارا للتربة التي سوف نورثها للأجيال المقبلة([166]).
وسوف ينبغي، بصورة متزايدة، تشجيع المشروعات على تفضيل الحد من تدفق مغذيات وانبعاثات المواد الضارة ذات المنشأ المنزلي أو الصناعي أو الزراعي. وبالفعل فإن قوانين مكافحة التلوث أحدثت تأثيرا أكيدا في البلدان الصناعية، خاصة عن طريق فرض معايير محددة لنوعية المياه قبل أن تقوم الصناعات بإفراغ مياهها المستعملة داخل البيئة. وفي كثير من الحيان تتمثل الوسيلة الأكثر فعالية والأقل تكلفة لمراعاة هذه القوانين في معالجة المياه وإعادة تدويرها، وبالتالي تقليل نفايات مياه الصرف. وبالتالي، فإن لهذه القوانين نتائج إيجابية بصورة مزدوجة: إنها تسهم ليس فقط في تنقية الجداول والبحيرات والأنهار، بل أيضا في التشجيع على استخدام أكثر توفيرا وأكثر عقلانية للمياه. ومع هذا فإن التلوثات الانتشارية ذات المنشأ الزراعي لم تتم السيطرة عليها تماما إلى الآن في هذه البلدان ذاتها، خصوصا مع مشكلة التلوث بالنترات.
وتعد تجربة نهر الراين مثالا واعدا: في الواقع، نجح العمل المنسق بين الدول المطلة على الراين في التحسين بصورة بالغة الدلالة لنوعية مياه نهر يقع في قلب منطقة ذات نشاط صناعي كثيف، وكان قد نال اللقب الكريه "بالوعة أوروبا"([167]). وبين الأمثلة المشجعة الأخرى، يمكن الاستشهاد بمثال اليابان، حيث ارتفع إسهام الناتج المحلى الإجمالي لكل متر مكعب من المياه المخصصة للصناعات إلى 77 دولارا في 1989 مقابل 21 دولارا في 1965. وينبغي الإشارة أيضا إلى الولايات المتحدة، حيث انخفض الاستخدام الصناعي للمياه بحوالي 40% منذ 1950، على حين ارتفع الإنتاج الصناعي إلى أكثر من 3.5 أضعاف، أو الإشارة أيضا إلى الجزء الغربي من ألمانيا حيث لم يتجاوز إجمالي استهلاك المياه في الصناعة في 1993 مستوى عام 1975، في حين ارتفع الإنتاج الصناعي خلال تلك الفترة بنسبة 44%([168]).
ومن المؤسف حقا أنه في كثير جدا من الأحيان تنعدم الدوافع إلى توفير المياه ومعالجتها وإعادة تدويرها أو لا تكون مطبقة بصرامة كافية في عدد من البلدان النامية والبلدان الصناعية، التي لا تسعر بصورة صحيحة إمدادات المياه وتهمل معالجة المياه المستعملة. وتبين التجربة مدى قدرة هذه الدوافع على تحقيق نتائج إيجابية. وفي غوا، في الهند، استطاع مصنع سماد خفض استخدامه للمياه إلى النصف في غضون ست سنوات نتيجة لتسعير مرتفع وضغوط من الحكومة عليه لخفض مياه الصرف التي يقوم بتفريغها في البحر([169]). وفى ولاية خاليسكو، في المكسيك، قام مصنع سكر بخفض استهلاكه إلى الخُمس خلال أربع سنوات، خافضا بهذا تكلفة إنتاجه، وهذا بفضل نظام يربط معالجة المياه وإنشاء دوائر مغلقة تدور فيها المياه بصورة مستمرة خلال مختلف مراحل الإنتاج، مما سمح بالقضاء على كل فاقد([170]).
 
أشجار لتنقية وتطهير المياه؟
هناك خيار مثير سوف ينبغي دراسته عن كثب، ويمكن أن يلعب دورا هاما في تنقية وتطهير المياه في البلدان النامية، في المناطق الريفية بصورة أساسية، وهو يرتبط بـ "مورينغا أوليفيرا" Moringa oleifeira. إنها شجرة من شمال الهند يمكن أن تتيح بذورها ترشيح المياه القذرة عن طريق جذب البكتيريات والفيروسات وتكييسها. وقد قام بهذا الاكتشاف جيوف فولكارد Geoff Folkard، الباحث والأستاذ بجامعة ليسيستر في بريطانيا، الذي تبين دراساته أنه عن طريق هرس هذه البذور وخلطها بمحاليل طميية مأخوذة من الأنهار أو الجداول يمكن الحصول على مياه صالحة للشرب في غضون ساعات قليلة، مقابل تكلفة تقل كثيرا عن تكلفة المنتجات الكيميائية المستخدمة في الوقت الحالي.
المصدر:
Catherine Vincent, « Les graines d espoir du Moringa oleifeira, Le Monde, 18/09/95.
 
المياه: سلعة اقتصادية؟
بدلا من السعي إلى الإشباع بصورة مستمرة للطلب المتزايد على المياه، سيكون من الضروري في المستقبل السعي إلى ضمان أمن الإمدادات عن طريق إدارة أفضل للطلب تتيح توفير الموارد وحماية أفضل للبيئة. ولا يتعلق الأمر فقط بمشكلة تكنولوجيا أو خبرة تقنية، بل تتعلق بصورة خاصة بمشكلة في الإرادة السياسية. وفى هذا الصدد، كثيرا جدا ما يقود التسعير المنخفض إلى التبديد وإلى زراعة محاصيل مفرطة الاستهلاك للماء. وتبين دراسة للبنك الدولي استعرضت مشاريعه الخاصة بتقديم خدمات المياه في البلديات أن التسعيرات مقابل استخدام المياه لا تمثل في المتوسط إلا 35% من متوسط تكلفة الإمدادات([171]). ووفقا لهذه الدراسة، فإن قطاع المياه، بين القطاعات الرئيسية لتنظيم البنية الأساسية، هو القطاع الذي يكون فيها العائد على تكلفة الإنتاج هو الأقل. وعلى حين أن معدل العائد يصل في المتوسط إلى 160% بالنسبة إلى قطاع الاتصالات وإلى 60% بالنسبة إلى الطاقة، فإنه لا يتجاوز 20% بالنسبة إلى المياه.
على أن لمثل هذا التسعير المنخفض نتائج سلبية عديدة. فهو، أولا، يجرد الهيئات العامة من أموال يمكن استخدامها من أجل صيانة وتحديث شبكات أنابيب المياه وتجهيزات الري الأخرى. وهو، ثانيا، يعرقل تنفيذ سياسة فعالة في النضال ضد فواقد المياه التي تعزى بجانبها الأكبر إلى قدم الأنابيب؛ غير أن مثل هذه السياسة يمكن أن تكون ملائمة بصورة خاصة. ونعلم جميعا أن أكثر من نصف إمدادات المياه الصالحة للشرب تختفي في القاهرة وجاكارتا ولاغوس وليما ومكسيكو سيتى. وإليك مشكلة كئيبة أخرى: إن الفقراء هم الذين يعانون أشد المعاناة من توزيع سيئ للمياه؛ فعندما لا يتمتعون بالوصول إلى شبكة المياه، فإنه يتعين عليهم أن يشتروا المياه من باعة متجولين يفرضون عليهم أن يدفعوا ما يصل إلى دولارين أو ثلاثة دولارات للمتر المكعب([172]). والواقع أن إمدادات المياه عن طريق باعة متجولين أو عن طريق أشخاص يتمتعون بالوصول إلى شبكة مياه، يكلف في المتوسط أغلى عشرة أضعاف، وأحيانا عشرين ضعفا في معظم مدن البلدان النامية. ولهذا تفرض نفسها اليوم ثقافة حقيقية للصيانة.
ويقتضي اقتصاد أفضل للمياه، وهو ما تجعله الاحتياجات المتعاظمة لسكان للعالم هم الآن في حالة من التوسع، استخداما أكثر عقلانية لهذا المورد الطبيعي، وهذا بفضل إعادة التدوير؛ وخفض الفاقد؛ وري أكثر فعالية؛ وإعادة استخدام للمياه المستعملة؛ والدعم، عندما يكون السياق ملائما، لطاقات غير تقليدية لإنتاج المياه، مثل تحلية المياه من الملوحة؛ وتوحيد جهود التطهير في إدارة الموارد. غير أن المستخدمين أنفسهم هم الذين يجب أن يدركوا مسئولياتهم تجاه أنفسهم وتجاه الأجيال المقبلة، ومن هنا أهمية جهود التعليم والمعلومات، كما تشدد التوصية الحادية عشرة من إعلان بكين([173]).
ووفقا للبنك الدولي فإنه سوف يتعين رصد ما يتراوح بين 600 مليار دولار و800 مليار دولار من الآن وحتى عام 2005 لتأمين تنقية المياه، وتمويل البنية الأساسية لإمدادات المياه، وتلبية احتياجات الري وإنتاج الطاقة، كما سوف يتعين جمع القسم الأكبر من هذا المبلغ في داخل البلدان ذاتها([174]). غير أنه بالنسبة لعدد كبير من البلدان النامية المحدودة الموارد بصورة خاصة فإن من المتوقع، للأسف، أن تزداد الأعباء أسرع من الناتج القومي الإجمالي. وهذا هو السبب في أن جهود التضامن على الصعيد الدولي تبدو لنا ضرورة لا غنى عنها.
ومن الجلي أن الماء سلعة un bien اقتصادية. غير أنه سلعة اقتصادية ذات طبيعة خاصة جدا. ذلك أن قيمتها التبادلية ضعيفة بصورة عامة ولا صلة لها بقيمتها الاستعمالية. ولهذا فإن إرجاع الماء إلى مرتبة سلعة اقتصادية لا يمكن إلا أن يكون نوعا من الاختزال. فالماء، أولا وقبل كل شئ، سلعة ("طيبة") un bien طبيعية إيكولوجية تلعب دورا أساسيا في المحيط الحيوي للأرض كما أنه لا يمكن اختزال وظائفه المفيدة للبشرية إلى مجرد مادة أولية يمكن للبشرية أن تستغلها وتستهلكها كما تشاء. وهو أيضا سلعة ("طيبة") اجتماعية ومالية ينظم القانون استخداماتها البشرية. فالماء مورد نادر، وأساسي للحياة، يجب النظر إليه على أنه كنز طبيعي يشكل جزءا من الميراث المشترك للبشرية. إنه ليس في الواقع مجرد مورد مباشر، بل هو عنصر لا غنى عنه لسلامة النظم الإيكولوجية، بما في ذلك المناطق الرطبة.
ولهذا فإن حقيقة وجود الأسعار لا يجب أن تستبعد التسعيرات التفضيلية وفقا للاستخدامات وقدرات المستعملين. إذ أن من الضروري قبل كل شئ مقرطة الوصول إلى هذا المورد الحيوي، كما فعل في الآونة الأخيرة برلمان جنوب أفريقيا عندما أقر قانونا ينص على أن يرتبط سعر الماء باستعماله ويدعم فئات السكان الأقل ثراء الذين يعتمدون على المضخات الجماعية([175]). ومع ذلك فإنه "لا معنى للجوء إلى تثبيت الأسعار في سبيل تحقيق فعالية اقتصادية أفضل إلا عندما يتم قياس الاستخدام بدقة" كما لفت يوري شامير الأنظار عن حق. غير أنه، في معظم البلدان، تشكل صعوبة مثل هذا القياس الدقيق إحدى العقبات الرئيسية أمام استخدام الأسعار كأداة لإدارة الطلب في القطاع المنزلي([176]). وفي سبيل إدارة توفير المياه، فإنه سيكون لا غنى عن التوصل في المستقبل إلى حلول وسيطة بين ما هو "تجارى بحت" وما هو "حكومي بحت". ومن هذا المنظور، أوصى المجلس العالمي للمياه في القرن الحادي والعشرين، مؤخرا، بزيادة الاستثمار العالمي في قطاع المياه بنسبة خمسة في الألف، كما أوصى بتخصيص هذه الزيادة لنفقات التعليم أو التدريب أو إعادة التأهيل أو المشورة([177]).
مستقبل المياه
لا شك في أن المياه ستكون أحد الرهانات الدولية الرئيسية في القرن الجديد. فالمياه تزداد ندرة نتيجة للاستغلال المفرط للموارد المائية الذي تنهمك فيه بشرية كثيرة العدد تبددها وتلوثها([178]). ولهذا فإنها تصير كل يوم سلعة مطلوبة بشدة، قادرة على تفجير النزاعات. ولا يمكن إنكار طابعها الإستراتيجي: يوجد بالفعل أكثر من ثلاثمائة من أحواض الأنهار والبحيرات تتداخل مع الحدود الدولية، وتوجد عشرة أنهار في العالم تعبر ستة بلدان أو أكثر([179]). ويعتمد عدد كبير من البلدان في إمداداتها المائية على موارد خارج أراضيها: هذه هي بصورة خاصة حالة مصر، حوالي 100%، وسوريا، 80%، وإسرائيل، 55%([180]). كما أن حوالي 40 بلدا يمكن أن تتأثر بالتوترات الحربية نتيجة لنقص المياه([181]). وفى غياب تشريع دولي حقيقي بشأن المياه، يغدو اقتسام الموارد المائية مرهونا بعلاقات القوى أكثر منه بالتعاون أو الإدارة الجماعية.
ويلاحظ إسماعيل سراج الدين أن "كثيرا من النزاعات في هذا القرن [العشرين] كان رهانها النفط"([182]). ويضيف: "في القرن القادم [الحادي والعشرين]، ستشن الحروب من أجل المياه"، مشاركا في المخاوف التي عبر عنها الملك حسين، ملك الأردن، منذ أعوام قليلة، حين كان يؤكد أنه "إذا قُدِّر أن تنشب حرب أخرى في الشرق الأدنى، فإن رهانها يمكن أن يكون المياه"([183]). وينبغي، إذن، أن يتم في أسرع وقت تنفيذ سياسات من شأنها أن تسمح بقدر الإمكان بخفض مخاطر الحرب في المناطق المهددة بالنزاعات على المياه. ويرى محمد لاربى بوغيرا Mohamed Larbi Bouguerra أن هذه المجابهات ليست حتمية: لإثبات هذا، يستشهد بمثال ليسوتو التي تستفيد من إيراداتها من المياه التي تبيعها لجنوب أفريقيا في تمويل التعليم الابتدائي لكل أطفال المملكة([184]). وفى بالنثيا Valencia، بإسبانيا، ظل السكان([185]) يستفيدون منذ أكثر من ألف عام من محكمة المياه Tribunal d Aigües، التي كان قضاتها المنتخبون يسهرون على التوزيع المنصف لمياه الري من نهر توريا Turia ويقومون بتسوية النزاعات بين المزارعين. ألا يمكن أن تصلح هذه المؤسسة كنموذج لتسوية الخلافات بين البلدان؟
كما يؤكد جوزيف ديلاپينا Joseph Dellapenna، أستاذ القانون الدولي بجامعة ﭭيلانوڤا، في الولايات المتحدة، فقد قام المجتمع الدولي بالفعل بقفزة كبرى إلى الأمام بموافقته في 1997، بأغلبية 104 صوت مقابل 3 أصوات، على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن القانون الخاص باستخدامات الطرق المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية([186]). وبمجرد أن يتم التصديق عليها من 35 بلدا، ستدخل اتفاقية الإطار هذه في السريان وسوف تتيح تنظيم الاقتسام الدولي للمياه العذبة على أساس قاعدة الاستخدام المنصف. وسوف تتيح هذه الاتفاقية للدول اللجوء إلى القضاء في حالة الخلاف، وسوف تيسر البحث عن حل تفاوضي بدلا من اللجوء إلى السلاح.
ودون أن نهمل السيطرة على الطلب، هل يمكن زيادة العرض حيثما كانت الموارد غير كافية؟ ينبغي في الواقع ألا ننسى أن الماء مورد متجدد يمكن استخدامه مرات عديدة متعاقبة بشرط السيطرة على مشكلات التلوث والتبخر والمعالجة وإعادة التدوير. وإذا نظرنا إلى المشكلة من هذه الزاوية، أمكننا استنتاج أن مدى توافر المياه لكل فرد لن يتم بالضرورة دفعه إلى الانخفاض مع زيادة السكان. وعلى وجه الخصوص فقد تم تنفيذ حلول حتى يتم استخدام المياه المستعملة للمدن، بعد معالجتها، في الري. على أنه ينبغي التحلي بالواقعية عندما نتحدث عن إعادة تدوير المياه المستعملة. والواقع أنه حتى إذا كان بالمستطاع من الناحية التقنية إعادة المياه بعد استعمالها إلى حالة قريبة من الحالة الأصلية لها قبل استعمالها، فإن مثل هذه العملية تقتضي كقاعدة عامة نفقات على الطاقة والمواد الأولية لن تكون بلا نتائج على البيئة والتي لا يمكن أن تتحمل تكلفتها إلا الصناعات أو بعض المدن الكبرى.
وعلاوة على هذا، فإن خيار تحلية مياه البحر يجب التفكير فيه بجدية. وهذا الخيار تستخدمه بالفعل إلى حد كبير بعض البلدان الغنية مثل المملكة العربية السعودية، أو الكويت، أو حتى دول جزرية مثل مالطة. غير أن هذا يتعلق باستخدامات منزلية أو صناعية محلية، كما أن سعر التكلفة ـ حوالي دولار لكل متر مكعب ـ ما زال أعلى مما ينبغي بالنسبة للاستعمالات الواسعة النطاق، وبصورة خاصة في الري. وعلى كل حال فإنه يبدو أن التكنولوجيات الجديدة الأكفأ أداء، خصوصا الأسموزية العكسية (انظر الإطار)، سوف تتيح تحقيق مكاسب في الإنتاجية يمكن، بالاشتراك مع ارتفاع تكلفة المصادر التقليدية للإمدادات، أن تجعل هذا الخيار تنافسيا بصورة أسرع مما سبق التنبؤ به، على الأقل بالنسبة إلى المياه الصالحة للشرب([187]). وفضلا عن هذا، ينبغي الإشارة إلى أن تحلية المياه القليلة الملوحة تتم بأقل تكلفة وتهم عددا كبيرا من البلدان.
المياه: حلول مستقبلية
تقوم تقنية مثيرة لتحلية مياه البحر على طريقة الضغط الأسموزي العكسي [= الارتشاح الغشائي العكسي]. وتتمثل هذه الطريقة في ضغط المياه عبر غشاء شبه نفاذ يسمح بمرور جزيئات الماء ويرسب الأملاح؛ ويقترح الكاتب الكناري [من جزر الكناريا] ألبيرتو باثكويث فيغويروا Alberto Vazquez Figueroa  استغلال طاقة الضغط التي نحصل عليها في الآبار التي يصل عمقها إلى 700 متر التي يمكن أن تتيح الحصول في الواقع على ضغط جوي يصل إلى 70 وحدة. وهذه الطريقة يمكن أن تحل محل المضخات التوربينية الكلاسيكية المستخدمة في التحلية، وهي مرتفعة التكلفة جدا وشديدة الاستهلاك للطاقة. ووفقا لباثكويث فيغويروا، يمكن أن تتيح هذه الطريقة توفير 72% من التكلفة الخاصة بتقنيات التحلية المستخدمة إلى الآن، مع خفض شديد للاستثمار المبدئي (تكلفة التجهيزات قيمتها 370 مليون فرنك مقابل 580 مليون فرنك للمحطات الكلاسيكية للتحلية). ويصل إجمالي تكلفة الإنتاج إلى 32 بيزيتا لكل متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، بفضل هذه الطريقة، وهي تكلفة تمثل أقل من ثلث السعر العادي لمياه التحلية. ومشروع باثكويث فيغويروا هو الآن قيد الدراسة في محطات التوليد الحراري للطاقة، ويستفيد بالفعل من دعم مشروعات استثمار مثل أوبراس سابتيرانياس Obras Subterraneas، وهو مشروع إسباني متخصص في إنشاء المناجم، أو المجموعة المالية إس بي سي ڤاربورج SBC warburg. وعلى كل حال فإن الخبراء، ومن بينهم رافاييل موخيرييغو Rafael Mujeriego، من الجامعة البوليتكنيكية في كاتالونيا، يقدرون أن تقييما كاملا لهذه الطريقة يفرض نفسه وبصورة خاصة حينما كانت تقوم على بناء مستودعات تحت الأرض، يمكن أن تتفاوت تكلفتها وصعوبة تنفيذها بصورة كبيرة.
وتوجد برامج لبناء قنوات مائية بالغة الطول يمكن أن تتيح نقل المياه بين أحواض المياه. وقد احتفظت بهذا الحل فرنسا وإسبانيا: الواقع، أن نقل مياه الرون (حوالي 10 أمتار مكعبة في الثانية) يمكن أن يسهم في تخفيف نقص المياه الذي يعانى منه أكثر من ثمانية ملايين شخص في منطقة برشلونة. ويجعل بناء هذا "الطريق المائي" من الضروري إقامة بنية أساسية (أنابيب تحت الأرض ومحطات ضخ)، مرتفعة التكلفة، غير أن العقبات التقنية يمكن تذليلها على كل حال.
ومن نفس منظور نقل الموارد أيضا، قام خبراء نرويجيون وإنجليز وأمريكيون بتطوير أكياس بلاستيك ذات سعة كبيرة يمكن أن تتيح، من خلال جرها بمقطورات، نقل المياه من بلد إلى آخر أو من قارة إلى أخرى. ويمكن أن يكون هذا الحل أقل تكلفة بكثير من نقل المياه بواسطة صهاريج مثلا. وعلاوة على هذا فإن التجارب التي أجريت إلى الآن أوضحت أن هذه الأكياس (التي تطفو لأن المياه العذبة أخف من مياه البحر) تتحمل العواصف.
 
المصادر:
« Un écrivain trouve un remède à la sécheresse », Courrier international, n°  338, 24-30 avril 1997 ; « Uncharted waters », Financial Times. 20 février 1997 ; Ventura, Antoni, « Administering the integral water cycle, trends in Catalonia for 2005 », Prospectiva/5, 1996 ; « Les outres à eau font leur chemin », La Recherche, n° 295, février 1997.
 
 
ومن وجهة نظر مستقبلية، فإن كل حل لمشكلات المياه لن يحتاج فقط إلى زيادة إنتاجية الموارد المائية وإلى تحسين كفاءات استعمال المياه في مختلف قطاعات الاستخدام ـ الزراعة بصورة رئيسية ـ مما يسمح بتثبيت المسحوبات، بل حتى خفضها، ولكن، وبصورة خاصة، إلى سلوكيات فردية وجماعية جديدة، من خلال نشر أخلاق مائية حقيقية تقوم على مبدأيْ الاستمرارية والتضامن، وسوف تتيح تفادي نزاعات عبثية. والواقع أن البحث عن حل لمسألة المياه ظل، إلى يومنا هذا، يركز جهوده، من الناحية الأساسية، على العرض. إلا أنه بدأ يتضح شيئا فشيئا أنه، في مناطق العالم التي تشتد فيها وطأة ضغط المياه سوف ينبغي التشديد على تحويل الطلب. وبالتالي، فإن ثمة تغيرات ذات طابع أخلاقي سوف يتضح أنه لا غنى عنها.
والواقع أن التكنولوجيا والسوق سوف تكونان حليفتين لا غنى عنهما، غير أن الحل الصحيح يجب البحث عنه، قبل كل شئ، في مجال الثقافة وبالتالي السلوكيات. ويجب أن تقوم أخلاقيات الماء على أربعة مبادئ: الاعتدال، والجرأة، ومراعاة الغير، والاقتسام. الاعتدال، لأن المياه سوف يجب إدارتها وتوفيرها وإعادة تدويرها وإعادة معالجتها. والجرأة، لأن إرجاء التدابير الجريئة إلى المستقبل، بحجة أن هناك مناطق لا تزال مجهولة في هذا المجال، يمكن أن يؤدى إلى الأسوأ: ترك الأزمة تحتد إلى أن يفوت أوان علاجها. ومراعاة الغير، لأن أكثر من مليار وأربعمائة مليون شخص مازالوا بعيدين عن الوصول إلى المياه الصحية والصالحة للشرب. وأخيرا، التقاسم، لأن البديل الوحيد للنزاعات التي تتفاقم يكمن في التضامن، والرغبة في العمل معا، والإنصاف([188]).
لقد ورَّثت روما للغرب وجهين للتخطيط العمراني، هما الجسر والقناة، وقد قمنا بتطوير الأول فقط: الجسر. بنينا ملايين الكيلومترات من الطرق التي تسهل النقل البرى لقاء استهلاك مفرط للنفط ومعدلات عالية للتلوث الجوى. ولا يجب فقط أن ننظف أو نزيل تلوث وسائل نقلنا، بل يجب أيضا أن نطور الحد الثاني من المعادلة الرومانية: ينبغي في سبيل نقل المياه وبناء قنوات وطرق مائية في فعالية خطوط أنابيب النفط والغاز. وإلى جانب هذه القنوات، ينبغي بناء مستودعات مائية واسعة النطاق لتجنب أو تخفيف نتائج الجفاف والفيضانات. ولندع أنفسنا نحلم: ذات يوم سوف تجري مياه شمال أوروبا جنوبا حتى المغرب؛ ذات يوم، سوف تنعقد محكمة المياه التي اعتادت الانعقاد أمام بوابة كاتدرائية بالينثيا Valencia، وبنفس الحكمة على المستوى الدولي([189]).
وإذا كان الحصول على الماء ينظر إليه اليوم على أنه حق أساسي، فإنه يتحتم علينا التفكير جيدا في المسئوليات التي تنطوي عليها ممارسة ذلك الحق. وقد بدأ طرح هذا التفكير في المنتدى العالمي الأول للمياه الذي عقد في المغرب في آذار/ مارس 1997؛ وينبغي الآن متابعة هذا التفكير والوصول إلى إدارة موحدة حقا للموارد المائية، تكفل رفاهية سكان الحاضر والمستقبل، وكذلك احترام البيئة الطبيعية. وكما أكد جان مارغا، فإننا "لا يمكن أن نوجب على الطبيعة أن تقدم لنا خدمات متناقضة: أن تقدم الماء، من جهة، وأن تفرغ وتمتص نفاياتنا من جهة أخرى". ومن الآن فصاعدا، تتمثل الأولوية في المواءمة بين "استعمال المياه وإدارتها"([190]).
وتقتضي استجابة متحضرة لأزمة المياه العالمية فهما أفضل للاعتماد المتبادل بين الموارد المائية وسلوك البشر، وكذلك تدابير ملائمة على المستوى القومي وعلى المستوى عبر القومي. وبإنشاء البرنامج الهيدرولوجي الدولي منذ خمسة وعشرين عاما، أعطت اليونسكو مشكلة المياه الأولوية التي تستحقها. واليوم، يتصرف هذا البرنامج في شبكة واسعة من المشاركين في أكثر من مائة وخمسين بلد، كما أنه ينسق عددا كبيرا من الأنشطة تمتد من متابعة وتقييم تدهور طبقات المياه الجوفية إلى نشر الكتب التعليمية المخصصة للصغار والمدرسين. وحديثا جدا، وفي إطار متابعة المنتدى الأول الذي انعقد في المغرب، ساهم البرنامج الهيدرولوجي الدولي في طرح المشروع الخاص برؤية عالمية للمياه على مشارف 2025، والذي سوف يسعى إلى تعزيز الوعي بين مجموع السكان بمشكلة المياه وتحديد التدابير التي ينبغي اتخاذها للاستجابة لها بطريقة ملائمة.
ونحن لا نستطيع اليوم أن نقدم استجابات قومية بحتة لمشكلات تتجاوز حدود الدول. وكما هو الحال بالنسبة إلى التلوث، تقتضي تجارة المخدرات أو التجارة غير المشروعة للأسلحة استجابات من المجتمع الدولي ككل، كما أن احتمال نشوب أزمة مياه يدعو إلى تعاون جميع البلدان في البحث عن حلول([191]). وعلى طول التاريخ، أخذ البشر في اعتبارهم ضرورة توحيد جهودهم واقتسام الموارد لكي يحافظوا على أمنهم المشترك. وقد قدم إليهم الماء، بصورة خاصة، فرصا عديدة لكي يتعلموا العيش معا. وقد صار من الجوهري اليوم أن ننظر إلى المياه على أنها مصدر محتمل ليس للحروب والنزاعات بل للسلام وللرخاء المشترك للبشرية([192]).
 
منطلقات وتوصيات
3   تجديد وتعميم جهد في مجال الدراسة المستقبلية للاحتياجات والموارد المائية، ولأوضاع أزمة المياه (التوترات بين الطلب والموارد) في مختلف مناطق العالم.
3         زيادة مساعدة البلدان الصناعية إلى البلدان الأكثر فقرا في الموارد المائية زيادة كبيرة، وبصورة خاصة في ثلاثة مجالات:
-   التكيف مع الشروط الاجتماعية الاقتصادية المحلية وتطبيق تقنيات ري فعالة وموفرة للمياه،
-   تطوير إعادة استخدام المياه المستعملة وإعادة تدويرها،
- الأبحاث والتطوير حول النباتات المنزرعة الأقل طلبا للمياه والأكثر مقاومة للمياه المالحة، وتحسين إنتاجية الزراعة المروية.
3         تحسين تقييم آثار مختلف استخدامات المياه على البيئة بواسطة مؤشرات مناسبة.
3   تشجيع إدراك أفضل لقيمة المياه المستخدمة في إنتاج السلع، خصوصا الزراعية، عن طريق سياسات لتحديد الأسعار تعاقب الإنتاج الأكثر استعمالا للمياه وعن طريق حوافز مالية أو غيرها لوفورات المياه.
3   التشجيع، على مستوى الحكومات والبلديات، للاستثمارت التي تهدف إلى تأمين إقامة التجهيزات الملائمة لتنقية المياه وإلى تجنب إهدار مياه الشرب الناتج عن قدم شبكات مواسير المياه.
3         تعزيز إعداد وإقرار وتطبيق تشريع دولي بشأن المياه يتيح، بوجه خاص، إدارة الموارد المائية المشتركة بين بلدان عديدة.
3         التعزيز، حيثما كان هذا ملائما، لإقامة بنية أساسية لنقل المياه مماثلة لتلك المستخدمة لنقل النفط والغاز.
3   مضاعفة وسائل التعليم والمعلومات والتوعية، التي سوف تكون ملائمة لكل بلد ولكل فئة من الفاعلين، بالاستعانة على أوسع نطاق بالتقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات، من أجل نشر ثقافة وأخلاق للمياه تقوم على أربعة مبادئ: التسامح، والجرأة، ومراعاة الغير، والاقتسام.


10
هل سيكون الطعام كافيا للجميع؟
 
 
سيكون الأمن الغذائي رهانا رئيسيا من رهانات القرن الحادي والعشرين. وكما يؤكد جاك ضيوف Jacques Diouf، المدير العام لمنظمة الفاو، فإنه "لن يكون هناك خلاص للبشرية إن لم نفز في السباق بين الزيادة الديموغرافية وإنتاج الطعام في البلدان النامية...خصوصا في أكثرها حرمانا".
وفي 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1945، قام 44 بلدا بإنشاء منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بهدف طموح هو "إطعام الكوكب". غير أن الأمن الغذائي، مفهوما باعتباره الحصول الدائم للجميع على المواد الغذائية الأساسية، بعيد اليوم عن أن يكون قد تم تأمينه حتى وإن كانت هناك بلدان حققت الكثير من التحسن ـ ولنفكر في الثورة الخضراء في الهند ـ في تقنيات إنتاج وحفظ الأغذية. وكان المتوقع من المؤتمر العالمي للغذاء عام 1974 ومن القمة العالمية للغذاء في تشرين الثاني/ نوفمبر 1996 أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءً حاسما لضمان الأمن الغذائي في العالم. على أنه، وفقا لتقديرات الفاو، لا يزال في العالم أكثر من 840 مليون شخص يعانون من الجوع أو من سوء التغذية، أي شخص بين كل خمسة أشخاص في البلدان النامية، علاوة على 2 مليار شخص يعانون من نقص التغذية. ويظل ملايين الأطفال يموتون كل عام من جراء الجوع أو الأمراض المرتبطة بنقص الأغذية. ووفقا لمنظمة الفاو، يعاني اليوم حوالي 190 مليون طفل من نقص الوزن ويوجد 230 مليون طفل مصابون بالكساح، و50 مليون طفل مصابون بالهزال([193]). ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني 2.7 مليون طفل كل عام من إحدى إصابات العيون الناتجة عن نقص فيتامين أ ويصاب 350000 بالعمى، ويموت حوالي 60% منهم في غضون أشهر قليلة بعد الإصابة بالعمى([194]). وفضلا عن ذلك، يشدد اليونيسيف على أن النساء اللائي يعانين من سوء التغذية يلدن أطفالا يقل متوسط نسبة ذكائهم بخمس نقط عن نظيره لدى الأطفال الذين يولدون لنساء موفورات الصحة([195]).
فهل يمكن إذن أن نقنع بهدف متواضع مثل ذلك الذي التزمت به الدول في إعلان روما بشأن الأمن الغذائي العالمي، أي النزول بعدد الذين يعانون من سوء التغذية إلى النصف من الآن وحتى 2015؟ وقد اعترضت بشدة على هذا الإعلان الذي أنظر إليه على أنه تعبير عن قصر النظر الزمني وانعدام التضامن: أصبحت عولمة الأسواق محور الاهتمام في وقت غدا فيه استقرار العالم مهددا في الأجل المتوسط، وتم إهمال عولمة الفقر في وقت ينبغي فيه التركيز على الحد من الاختلالات الاجتماعية. ويتواصل استثمار مليارات الدولارات في غير الضروريات وفي التسليح، ولا يؤخذ في الاعتبار ملايين الكائنات البشرية الذين يعانون، كل يوم، في صمت.
ولكي نفهم جيدا رهانات ونجاحات وإخفاقات الأمن الغذائي وندرك بصورة أفضل أهمية التعليم والمؤشرات الاجتماعية الأخرى، يجب أن نضع نصب أعيننا الدور الأساسي الذي يلعبه التطور الديموغرافي: من مليار نسمة في 1830 إلى مليارين في 1930 وإلى 3 مليارات في 1960 وإلى 4 مليارات في 1975 وإلى 5 مليارات حوالي عام 1990 وإلى 6 مليارات اليوم وإلى حوالي 7 مليارات في 2010 وإلى ما يتراوح بين 7.7 و11.2 مليار نسمة في 2050، وفقا للبدائل الأكثر احتمالا، والتي تنطوي، كما نرى، على هامش كبير من عدم اليقين. فكيف يمكن لنا إذن أن نكون واثقين بأن الموارد الطبيعية لكوكب الأرض ستكون كافية للوفاء بحاجات السكان عام 2050؟ ومنذ 1991، دق صندوق الأمم المتحدة للسكان جرس الإنذار بالعبارات التالية: "في اللحظة التي ينتهي فيها القرن العشرون، لا مناص من أن يجد العالم نفسه في مواجهة تحدٍّ مروع: الموازنة بين العدد المتزايد للبشر والموارد الطبيعية الضرورية لتلبية حاجاتهم [...] إن الصدام بين عدد البشر والموارد التي يحتاجون إليها سيصير أكثر حدة في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وما بعد ذلك"([196]).
وفي عشية قمة الأرض التي انعقدت في ريو، قدر ليستر براون، رئيس معهد المراقبة العالمية، أن عدد سكان العالم لا يمكن أن يتجاوز 8 مليارات نسمة"([197]). ويرتكز هذا التنبؤ المتشائم، الذي ردده ليستر براون منذ ذلك الحين، وإن كان يشكك فيه عدد من الخبراء، على الحجة التالية: انخفاض معدل نمو الإنتاج الزراعي الذي لوحظ منذ منتصف الثمانينيات يمكن أن يزيد من عدم اليقين الذي يحيط بقدرة البشرية على إطعام سكان يتزايدون بصورة متواصلة([198]). وطالما ظلت الأسعار العالمية مرتفعة جدا وطالما ظلت مخزونات البلدان المصدرة الرئيسية عند أدنى مستوى لها، فإن خطر حدوث قحط عالمي سوف يصير وشيكا بصورة متزايدة.
وعلى هذا النحو، فإن الزيادة السكانية وتوافر الموارد الطبيعية يغدوان متعارضين تماما. غير أن خبراء آخرين يقدمون رؤية أكثر تفاؤلا. ووفقا لعالم الديموغرافيا هيرڤي لوبرا، على سبيل المثال، فإن الانفجار السكاني يتباطأ بسرعة كلما انتشر الحصول على التعليم وكلما نمت الدول اقتصاديا([199]). ويبعدنا شيء من عدم اليقين عن الركون إلى تنبؤات الأمن الغذائي: إذا كنا نعرف تقريبا عدد سكان الأرض بفضل التعدادات، وإذا كنا نستطيع أن نتوقع الزيادة السكانية، بهامش كبير من عدم اليقين على كل حال، وإذا كنا نستطيع حساب قيمة الإنتاج أو التنبؤ بها، فليس في متناولنا دائما "مسح الميراث الطبيعي" الذي أوصى به برنامج العمل (Agenda 21) الذي اعتمده مؤتمر ريو عام 1992([200])، وأوصى به أيضا البنك الدولي([201]). ويحول هذا دون التقدير الدقيق للوضع. والحقيقة أن الأعمال المستقبلية يتم إجراؤها في الوقت الحالي دون أن نستطيع أن نحدد بدقة ما هى النسبة التي يمكن أن نعزو بها المخاطر إلى الزيادة السكانية في الجنوب أو إلى أنماط الإنتاج والاستهلاك في بلدان الشمال. كما تتباعد آراء الخبراء أيضا في نقطة حاسمة بنفس القدر: ما هي قدرات التكيف والتجديد التي سوف تبديها مجتمعات البشر؟ ولهذا فإن سؤال "هل سيكون الطعام كافيا للجميع؟"([202]) جدير بالتناول انطلاقا من معرفة دقيقة بالحقائق وتحليل صارم لكل مستقبل ممكن توجد الآن بذوره في الحاضر. ويستدعي هذا السؤال سؤالا آخر، ليس استكشافيا بقدر ما هو معياري وإستراتيجي: ماذا يجب أن نفعل للقضاء على الجوع وسوء التغذية؟ وكيف يجب أن نشرع في تأمين أن يتوفر طعام لكل البشر وأن يكون هذا الطعام كافيا وملائما في آن معا؟
التحسين في الوضع الغذائي منذ الحرب العالمية الثانية
على مر القرون، بقي مردود الحبوب الغذائية منخفضا جدا. وعلى سبيل المثال، لم يتجاوز متوسط مردود القمح في فرنسا 10 كينتالات لكل هكتار في 1660. ولم تتوقف إراحة الأرض jachère، في أوروبا إلا في القرن العشرين، مع الاستخدام الواسع للأسمدة العضوية. وكانت لا تزال نسبة 40% من الأرض الزراعية في حالة إراحة في فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر. وبفضل أحدث الإنجازات التقنية، فإن مردود القمح والأرز غير المقشر والذرة الشامية، وكذلك المساحات المخصصة لهذه المحاصيل تضاعف حتى ارتفع إلى ثلاثة أضعاف. وتجاوزت إنجازات المحاصيل الزيادة السكانية إلى حد كبير. وفي معظم المناطق الأعلى كثافة في العالم، تم صنع تاريخ حضارات الأرز والقمح والذرة الشامية من تحسين التربة عن طريق حرث الأرض والهندسة الهيدروليكية. غير أنه توجد أيضا أمثلة عديدة للاستغلال الحيواني أو النباتي المفرط أفضت إلى التصحر وإلى انهيار مجتمعات بعينها. ولهذا، ينبغي إجراء أي بحث مستقبلي بمساعدة حسابات ميزانية الموارد.
وحين وجدت منظمة الفاو نفسها بين عامي 1965 و1970 في مواجهة أسرع زيادة ديموغرافية شهدتها البشرية طوال تاريخها، شرعت في القيام بالممارسة الأكثر طموحا التي تحققت إلى يومنا هذا في مجال الأبحاث المستقبلية الزراعية الديموغرافية([203]). وكان هناك سؤالان رئيسيان ماثلان في قلب هذه الدراسة: هل يمكن أن تتواصل الزيادة في الإنتاج الغذائي بمعدل مساو لمعدل الزيادة الديموغرافية؟ وكم سيكون الحد الأقصى لعدد سكان كل بلد على مشارف عام 2000 وفقا للسياق الإقليمي؟ وكان قد تم إجراء هذا التحليل وفقا لفرضيات استثمارية تتلاءم مع ثلاث مراحل كبرى لتاريخ التنمية الزراعية:
        ·          الفرضية المنخفضة: العمل البشري هو العامل لوحيد للإنتاج. لا لاستخدام أي مخصبات ولا لأي مبيد حشري.
    ·    الفرضية المتوسطة: يتم استكمال العمل البشري عن طريق عمل حيوانات الجر. ويتم استخدام بعض المخصبات الكيميائية لاستكمال المخصبات الطبيعية المستمدة بصورة خاصة من تربية الحيوانات. تتم ممارسات أولية للمحافظة على التربة.
    ·    الفرضية المرتفعة: العمل البشري يتم تعزيزه بميكنة كاملة للزراعة. ويقوم ازدهار الزراعة، فضلا عن هذا، على استغلال المواد الوراثية العالية الأداء وعلى استخدام المنتجات الكيميائية التي تعتبر لا غنى عنها. وتطبق سياسة يقظة لحماية التربة.
وقد أظهرت دراسة منظمة الفاو حقيقة أنه، مع الانتقال من المرحلة التكنولوجية الأولى إلى المرحلة التكنولوجية الثالثة، يمكن أن تزيد الطاقة الإنتاجية إلى عشرة أضعاف، بفضل البنية الأساسية الجديدة، في الاستغلال العقاري والهيدروليكي، والبحوث الوراثية الحيوانية والنباتية، والاستثمارات في تربية الماشية وفي المعدات الزراعية، ولكن أيضا، وربما بصورة خاصة بفضل الإنسان ومهارته التقنية. وقد أظهر التقرير النهائي أيضا أن عدد البلدان التي تعاني من أوضاع حرجة قد يرتفع بحدة حتى عام 2000.
غير أن الاحتياجات الغذائية لكوكب الأرض يتم تأمينها بصورة أفضل فأفضل في الوقت الحالي. وعلى النطاق العالمي، ارتفعت نسبة توافر الطعام إلى الاحتياجات الغذائية من 1.05 في 1962 إلى 1.12 في 1970، وإلى 1.18 في 1990، رغم الزيادة الديموغرافية الاستثنائية التي لوحظت خلال هذه الفترة. غير أن الوضع غير متكافئ مطلقا وفقا للبلدان. وبعد أن عرفت آسيا متوسط عجز غذائي خطير للفرد حتى عام 1962، حسنت بطريقة واضحة ومستمرة ميزانها الغذائي. وهي تتجه اليوم إلى اللحاق بأمريكا اللاتينية حيث نلاحظ، بعد فترة من تحسين معدل التغطية، قدرا كبيرا من الاستقرار. وبالمقابل، لم تنجح أفريقيا في تحسين ميزانها الغذائي، كما تدهور الوضع تماما في المتوسط في البلدان التي تستهلك المنيهوت أو الإنيام أو القلقاس (معدل التغطية: 0.98 في 1990)([204]).
وقد ارتفع متوسط نصيب الفرد من الإمدادات الغذائية المتاحة بسرعة أكبر من المتوقع في عدد كبير من البلدان وخصوصا في آسيا. أما الأوضاع الحرجة التي كان يخشى منها بالنسبة لعام 2000 فقد اتضح أنها أقل عددا وأقل خطورة مما كان متوقعا مع اقتراب هذا التاريخ. وبصورة بعدية a posteriori، أثبتت التطورات صحة تنبؤات منظمة الفاو في البلدان التي تسود الزراعة فيها النشاط القومي وتظل فيها التطورات الاقتصادية والإنجازات التكنولوجية متواضعة: هذا هو الوضع في أفريقيا على وجه الخصوص. وقد منع العجز عن الوفاء بالديون استيراد الحبوب الغذائية الضرورية لإطعام السكان، مهما كانت سرعة الزيادة الديموغرافية. وفضلا عن ذلك، فإن التوزيع غير القائم مطلقا على المساواة للأغذية وعوامل الإنتاج الزراعي كان مسئولا عن جانب كبير من سوء التغذية المزمن، أثناء هذه الفترة، ويمكن، بصورة خاصة، تفسير التباطؤ الملحوظ في نمو الإنتاج الزراعي منذ منتصف الثمانينيات والانخفاض في نصيب الفرد من إنتاج الحبوب الغذائية منذ عام 1984، بتدابير التكيف التقني، مثل تجميد ("تصقيع") الأرض الذي يمارس في البلدان الرئيسية المصدرة للحبوب الغذائية (الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، الاتحاد الأوروبي) بهدف خفض المخزون ودعم زيادة الأسعار التي كان يتم الاحتفاظ بها منخفضة بصورة مصطنعة([205]).
وعلى حين أن 80% من سكان العالم كانوا يعيشون في 1960 في بلدان كانت الإمدادات الغذائية المتاحة فيها غير كافية بصورة معروفة للجميع (أقل من 2100 سعر حراري في اليوم للفرد)، فإن أقل من 10% من سكان العالم يعيشون اليوم في هذه الحالة. وفي معظم بلدان العالم، لا تزال الإنتاجية أقل كثيرا من تلك التي يتيحها استخدام المعارف العلمية والتقنيات الموجودة. غير أنه يمكن تحقيق مكاسب كبيرة في الإنتاجية عن طريق تطبيق تقنيات بسيطة وبالاستعانة باستثمارات متواضعة. يكفي للاقتناع بهذا أن نقارن المردودات الحالية وتلك التي يمكن الحصول عليها في ظروف مثلى، منطقة منطقة: مازالت معدلات المردودات في الظروف المثلى أعلى بنحو 5 إلى 9 أمثال من متوسطات المردودات في البلدان الصناعية والبلدان النامية([206]). ولهذا، يبدو أن عدم الأمن الغذائي ينشأ عن عيب في تطبيق التقنيات المعروفة، نتيجة لعدم المساواة في الحصول على وسائل الإنتاج أو على المعارف والمهارات التقنية، أكثر مما ينشأ عن نقص عام في المعارف والتقنيات.
فهل يمكن إذن لأي شخص أن يتحدث عن نقص الموارد الغذائية على نطاق العالم؟ إن المشكلة الحقيقية، في الوقت الحاضر، تتمثل في توزيعها السيئ على سطح الكرة الأرضية وفي العجز الغذائي الذي يصيب بوجه خاص مناطق بعينها وفئات محرومة بعينها من السكان. وكما قال إدغار بيساني Edgar Pisani، عن حق، فإن "الإنتاج بمقادير كافية لا يعني أن يحصل كل فرد على ما يكفيه من الغذاء، ولا حتى أن الأمن الغذائي العالمي يتم تأمينه"([207]). وهكذا فإن مشكلة الجوع في العالم لا تنشأ ـ على الأقل حتى الآن ـ عن نقص في طاقة الكوكب: إنها مشكلة عدم مساواة في الحصول على الغذاء.
والواقع أن قضية توزيع الموارد الغذائية، من وجهتي النظر الجغرافية والاجتماعية، هي القضية الرئيسية. وتقدر منظمة الفاو أنه حالما يصل نصيب الفرد من الإمدادات الغذائية المتاحة إلى 2700 سعر حراري، تصل نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية إلى 10%. وتتراوح هذه النسبة بين 15% و35% إذ أن مستوى المتوسطات القومية للإمدادات الغذائية المتاحة يتراوح بين 2200 و2500 سعر حراري. والواقع أن "الأمن الغذائي الحقيقي لا يستتب ما لم تتجاوز المتوسطات القومية للأغذية المتاحة 30% على الأقل من الاحتياجات"([208]). ولتحقيق هدف كهذا من الآن وحتى عام 2050، سوف ينبغي أن تزيد الأغذية المتاحة بنسبة 14% على مستوى العالم، بزيادة بنسبة 8% في أمريكا اللاتينية و14% في آسيا و33% في أفريقيا و50% في شرق أفريقيا.
ومن وجهة النظر هذه، فإن السياسة الحالية الخاصة المتمثلة في خفض المخزونات الغذائية سياسة خطرة، إذ أنها تدفع مشروعات القطاع الزراعي إلى الإقدام على نفس المخاطر التي تقدم عليها المشروعات التي تمارس سياسة "في الوقت المناسب"، هذه السياسة التي تهدف إلى عدم الاستجابة لارتفاع الطلب إلا عندما يظهر هذا الارتفاع بالفعل. وفي نظر راي ايه. غولدبرج Ray A. Goldberg، الأستاذ بجامعة هارڤارد، فإن سياسة "في الوقت المناسب" هذه لا تؤدي، في حالة الأزمة الغذائية، إلا إلى تفاقم المشكلة([209]). ولا ينبغي أن يدفع مئات الملايين من الأفراد الذين يعانون من الجوع أو من سوء التغذية نفقات السياسات التي تضحي بالأمن الغذائي بذريعة العقلانية الاقتصادية، وفي الواقع بحكم قانون أقصى الربح. ويشدد كيڤين واتكينز Kevin Watkins، مسئول منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية، في هذا الشأن على أن "الأمن الغذائي يعتمد لا على توافر الأغذية وإنما على السيطرة على الموارد وعلى توازن القوى". ويلاحظ أنه، في الساحل، "تراجع إنتاج الذرة البيضاء (الصيفية) والذرة العويجة والمنيهوت بنسبة 1% سنويا في العشرين سنة الأخيرة، على حين أنه في الوقت نفسه ترتفع واردات القمح بمعدل سنوي يصل إلى 8%". ويلح كيڤين  واتكينز على ضرورة قلب هذا الاتجاه "لأنه ما من بلد يمكن أن يسمح لأمنه الغذائي الخاص بأن يعتمد على التقلبات في الأسواق العالمية، أو بأن يشهد، نتيجة للواردات المنخفضة الأسعار، تدمير أسس وقواعد المجتمع التي تتمثل في الاستثمارات الزراعية الصغيرة"([210]).
وداخل كل دولة على حدة، كثيرا ما يؤثر التوزيع غير المتكافئ للثروة تأثيرا هائلا على الوضع الغذائي لمجموعات السكان المحرومة. وعلى سبيل المثال، فإنه في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية، نجد أن الملكية العقارية بجانبها الأكبر تحتكرها اللاتيفونديات، وهي ضياع شاسعة يملكها عدد قليل من الأسر أو تملكها ـ بصورة متزايدة ـ شركات كبرى، قومية أو عبرـ قومية: الواقع أن التركيز المفرط للأرض يرهن مستقبل الفلاحين الفقراء، ويشجع استمرار الممارسات الاجتماعية لعصر سابق، ويضع العقبات مرارا وتكرارا في طريق ظهور زراعة حديثة. وينبغي، لأسباب اجتماعية واقتصادية في آن معا، التشجيع على توزيع أكثر عدالة للأرض، عن طريق إصلاحات زراعية فعالة وشاملة. أما المفارقة الخاصة بأرض بلا رجال ورجال بلا أرض فإنه يجب حلها عن طريق تدابير تشريعية وإدارية وليس عن طريق القوة. وهذا ضروري لتجنب ظهور مجموعات شبه عسكرية كثيرا ما تنتهي إلى اغتصاب الأراضي. على أن التدابير التي تهدف إلى تشجيع استخدام أفضل للأرض يجب أن تدعم على نطاق واسع جدا الوصول إلى الملكية الخاصة، وتطوير المشروع الزراعي العائلي، وإحياء تعاونيات الإنتاج حيثما كان هذا ملائما مع الإطار المحلي أو الممارسات الجماعية. غير أن هذه الإصلاحات لا يمكن إجراؤها بدون إقرار فعلي لحقوق السكان المحليين. وبهذا الخصوص، يجدر بنا أن نقدم التحية للموقف الشجاع الذى اتخذته الكنيسة الكاثوليكية لصالح إصلاح زراعي يقوم على توزيع أفضل للأرض([211]).
والحقيقة أن نقص التغذية الخاص بمنطقة أو بفئة من السكان ليس، في نهاية المطاف، سوى وجه آخر للفقر: إنه نتيجة لنقص في الدخل أكثر منه نتيجة لنقص في الغذاء. وفي هذه الظروف، يقتضي أي عمل فعال من أجل حل مشكلة الجوع ليس فقط حلولا تقنية بل، بصورة خاصة، إرادة سياسية. وقد شدد أمارتيا سين Amartya Sen، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، في موضع آخر، على أهمية الديمقراطية وحرية الصحافة وحرية الحصول على المعلومات (وبالتالي على التعليم) في سبيل الكفاح ضد المجاعات وخلق هذه الإرادة السياسية. وكما يقول لنا سين، فإنه لتفسير المجاعة، ليست الإمدادات الغذائية الكلية هي ما يجدر بنا أن نفكر فيه في المقام الأول، بل بالأحرى "الحقوق" الممنوحة للمجموعات الأكثر تأثرا، "حقوق" الحصول على الغذاء التي يمكن أن تطالب بها هذه المجموعات([212]). والواقع، أن وجود مساحة عامة للديمقراطية ورأي عام وبالتالي وسائل إعلام حرة ومستقلة، يمكن وحده أن يتيح المطالبة بهذه الحقوق. ومنذ مجاعة 1943، الشهيرة بصورة كئيبة، في البنغال، التي شهدت وفاة حوالي 3 ملايين شخص، على حين أن الموارد الغذائية كانت كافية في ذلك الإقليم، فإن القضاء على المجاعات في الهند التي صارت مستقلة وديمقراطية كان بجانبه الأكبر نتاج برنامج التدخل الحكومي المطبق بصورة منهجية([213]). وعلى العكس، فإن استمرار مجاعات ضارية اليوم، في بلدان لا توجد فيها حرية الصحافة ولا التعددية الديمقراطية ولا الحريات السياسية، يثبت صحة أطروحة سين.
الاحتياجات الغذائية
للبشر في 2050
ستكون الزيادة الديموغرافية، من الآن وحتى عام 2050، السبب الرئيسي لزيادة الاحتياجات الغذائية المانحة للطاقة في البلدان النامية. ووفقا لدراسة مستقبلية عن الغذاء أجريت من أجل منظمة الفاو وصندوق الأمم المتحدة للسكان، يمكن أن تزيد هذه الاحتياجات المانحة للطاقة بنسبة 95% في البلدان النامية مأخوذة ككل، وبنسبة 215% في أفريقيا، وبنسبة 250% في البلدان الأفريقية التي تستهلك بصورة رئيسية المنيهوت أو الإنيام أو القلقاس([214]). والواقع أن انخفاض الخصوبة لن تكون له سوى آثار ضئيلة، من الآن وحتى عام 2050، على الزيادة الديموغرافية في البلدان الأكثر هشاشة بسبب شباب سكانها.
ومن ناحية أخرى، يجب أن تقوم البلدان النامية بجعل نظامها الغذائي متكاملا وغنيا إذا أرادت أن تقضي على سوء التغذية المزمن لقسم من سكانها. ولتحقيق هذا، ينبغي أن تتم زيادة الأغذية المتاحة في البلدان النامية بنسبة 18% من الآن وحتى عام 2050. ولتصبح هذه النظم الغذائية متوازنة (في الأحماض الأمينية والڤيتامينات والعناصر المغذية)، فإنها يجب أن تصير أيضا متنوعة، مما يتطلب زيادة أخرى بنسبة 19% في الأغذية المتاحة في البلدان النامية من الآن وحتى عام 2050.
وعلى وجه الإجمال، فإن البلدان النامية يجب أن تزيد أغذيتها المتاحة المانحة للطاقة ذات الأصل النباتي بنسبة 175% من الآن وحتى عام 2050. والواقع أن معدلات زيادة الطاقة ذات الأصل النباتي المتوقعة بالنسبة لآسيا وأمريكا اللاتينية أقل بكثير من معدلات الزيادة في الإنتاج الزراعي التي أتاحتها الثورة الخضراء خلال الفترة 1975ـ1990، في هاتين القارتين. وحتى يمكن لبلدان أمريكا اللاتينية وآسيا تأمين احتياجاتها الغذائية حتى عام 2050، فإنها يجب أن تضاعف تقريبا الأغذية المتاحة لديها، على حين يجب على أفريقيا أن تزيد استهلاكها من الطاقة ذات الأصل النباتي إلى خمسة أضعاف (وسبعة أضعاف في حالة البلدان التي تستهلك بصورة رئيسية الجذور والدرنات). أما بين الشعوب التي تتغذى بصورة رئيسية على المنيهوت أو الإنيام أو القلقاس أو لسان الحمل فإنه يجب أن تتوسع استخدامات الطاقة ذات الأصل النباتي بأقصى سرعة، بزيادة تتجاوز 600% من الآن وحتى عام 2050. ويجب أن يزيد حوالي 25 بلدا استخداماتها من الطاقة ذات الأصل النباتي حتى بأكثر من 4% سنويا من مواردها الطبيعية، الأمر الذي سينتهي إلى مضاعفة الاستخدامات إلى ثمانية أو عشرة أضعاف أو حتى خمسة عشر ضعفا في غضون 55 عاما.
أما البلدان المصابة الآن بأخطر سوء تغذية مزمن (أقل من 2100 سعر حراري يوميا) فهي تلك التي سيكون عليها أن تزيد بسرعة أكبر استخداماتها من الطاقة ذات الأصل النباتي. وسيكون عليها أن تفعل هذا بالاغتراف من مواردها الخاصة أو، إذا كانت لديها موارد مالية، أن تلجأ إلى الواردات. غير أن هذا الارتفاع الشديد في الاستخدامات لا يمكن تفسيره فقط بضرورة استكمال الحصص الغذائية للسكان الحاليين، بل يهدف أيضا إلى تدبير احتياجات السكان القادمين من الآن وحتى عام 2050. ويهم هذا بصورة خاصة عددا كبيرا من البلدان الأفريقية ذات الكثافة السكانية الريفية العالية (60 إلى 75% من العدد الكلي للسكان).
وحتى يمكن تلبية حاجات السكان، لا مناص من أن تقترب تنمية بلدان أفريقيا من التنمية التي يمكن أن نلاحظها في شرق آسيا بين 1975 و1990، أي أنه لا مناص من أن تتم ترجمة هذه التنمية إلى أعلى زيادة تم تسجيلها في هذه المنطقة في مجال الإنتاج الزراعي. غير أن النمو الاقتصادي العام في آسيا قد شكل، في الفترة ذاتها، بيئة ملائمة للتنمية الريفية. أما البيئة الاقتصادية الحالية في أفريقيا جنوب الصحراء فهي بعيدة تماما عن أن تكون ملائمة، وكان أسرع نمو مسجل في هذه المنطقة على مدى فترة تزيد على خمسة عشر عاما نحو 2.4% في السنة بين 1971 و1990([215]). ولهذا فإن مستويات الأداء التي يجب أن تحققها البلدان التي تعانى من سوء تغذية مزمن، إذا أرادت أن يستتب الأمن الغذائي فيها، تتطلب تغييرا حقيقيا في حجم التنمية.
ومن المحتمل أن معدل النمو السنوي للإنتاج الزراعي في آسيا سيكون أقل من معدل العقود الأخيرة (4.3% في السنة بين 1975 و1990). وسوف ينطبق نفس الشيء بالنسبة لأمريكا اللاتينية. وفي أفريقيا، سيكون من الضروري أن يتجاوز معدل نمو الإنتاج الزراعي معدل النمو في الخمسة عشر عاما الأخيرة تجاوزا كبيرا. ونتيجة لنقص الأرض، فإن من المحتمل أن تعجز سبعة بلدان عن تحقيق الأمن الغذائي ما لم تستخدم إلى أقصى مدى إنجازات التكنولوجيات: إثيوبيا، موريتانيا، ناميبيا، النيجر، نيجيريا، أوغندا، السنغال). وستعاني عشرة بلدان من استحالة الإطعام المشبع لسكانها حتى إذا استخدمت التقنيات الأكثر تقدما، وستكون مضطرة إلى استيراد الحبوب الغذائية بكميات ضخمة: الجزائر، بوروندي، مصر، كينيا، ليسوتو، ليبيا، المغرب، رواندا، الصومال، تونس. وأخيرا، فإن خمسة عشر بلدا، بينها البلدان العشرة المذكورة للتو، ستواجه نقصا خطيرا في المياه الصالحة للشرب. وسيكون على خمسة بلدان منها، وهي بوروندي وكينيا وملاوي ورواندا وتونس، أن تستورد كميات كبيرة جدا من المياه أو ـ بالنسبة لبلدان منها يتضح أن هذا ممكن فيها ـ أن تقوم بتحلية مقادير كبيرة من مياه البحر([216]). غير أن إزالة الملوحة تظل حلا غالي الثمن يبقى استخدامه وقفا على بعض الدول الغنية أو الجزرية، ومن هنا أهمية استخدام هذه البلدان للموارد المائية المتاحة لها استخداما أكثر فعالية([217]).
وتتفق الدراسات المستقبلية الرئيسية التي أجريت في العالم في تقدير أن الأوضاع الحرجة سرعان ما سوف تصيب مجموعة من البلدان تمثل 5% إلى 10% من سكان العالم. والبلدان المعنية هي تلك التي تعاني حاليا من أعلى درجات النقص الغذائي. ووفقا لتوقعات منظمة الفاو، فإن تزايد عدم الأمن الغذائي في أفريقيا يمكن أن يؤدي في النهاية إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة بكاملها([218]). وعلاوة على هذا فإن مثل هذا الوضع يمكن أن يغذي مناخا من الأزمة الدولية الدائمة.
ولاشك في أن الارتفاع في المردودات والزيادة في المساحات الصالحة للزراعة وفي المناطق المروية سوف يتيحان مع ذلك الاستجابة لزيادة الطلب القادر على الدفع من الآن وحتى عام 2010، بل حتى من الآن إلى عام 2025 على نطاق كوكب الأرض. وإذا استمر الاتجاه الحالي، فإن من المحتمل أن ينخفض العجز الغذائي المزمن على مستوى العالم. وسوف ينخفض عدد الذين يعانون من العجز الغذائي من 800 مليون في 1988ـ1990 إلى 650 مليونا في 2010. ويمكن تفسير هذا التطور بصورة خاصة بالدفعة التي تعطيها آسيا، التي يمكن أن تشهد انخفاض عدد الذين يعانون من النقص الغذائي إلى النصف، من 520 إلى 270 مليون شخص (لا تأخذ هذه التقديرات في اعتبارها الأزمة الاقتصادية العالمية التي أصابت، بصورة خطيرة، بلدان آسيا منذ عام 1997). وبالمقابل، سوف يتفاقم النقص الغذائي في أفريقيا، مرتفعا من 175 إلى 300 مليون فرد([219]).
ويمكن أن لا تلقى البلدان الصناعية صعوبات في إنتاج الحبوب الغذائية الضرورية لسد عجز البلدان النامية حتى عام 2010، بل وحتى عام 2025([220]). والواقع أن الانخفاض في الإنتاج الزراعي الذي تم تسجيله منذ منتصف الثمانينيات يرجع إلى الانخفاض في الإنتاج العالمي للبلدان المصدرة الرئيسية الصافية للحبوب الغذائية. غير أن هذا الانخفاض لم يقترن بارتفاع في الأسعار العالمية، التي ظلت بالعكس تنخفض إلى تاريخ قريب. وكان الهدف من تقييد زيادة إنتاج البلدان المصدرة الرئيسية هو تجنب هبوط الأسعار الذي كان يمكن أن ينتج عن نقص التصريف وتراكم الفائض. ولهذا فإن المشكلة الرئيسية هي مشكلة التقدم الضعيف للطلب القادر على الدفع أو، بعبارة أخرى، مشكلة الفقر، الذي يعرقل الطلب وبالتالي الإنتاج الغذائي. ولا يمكن تفسير انخفاض نمو الإنتاج الصناعي منذ منتصف الثمانينيات باعتباره نذيرا بندرة الأغذية ولا باعتباره وصولا إلى سقف الإنتاج الملائم للشروط البيئية. وفي إطار فرضية التحسين الملحوظ في إعادة توزيع وسائل الإنتاج الزراعي ووسائل نشر المعارف، لا يبدو أن من المستحيل تلبية حاجات البشرية من الآن وحتى عام 2050، بشرط أن يوجهنا السعي إلى الاستقرار السياسي على نطاق العالم وليس تحقيق مصالح اقتصادية خالصة. وبدلا من تبديد الموارد في وسائل التدمير، ينبغي الاستثمار في الجوانب البشرية للأمن، لأن هذه أفضل وسيلة للحيلولة دون الهجرات الجماعية والتوترات والنزاعات المرتبطة بعدم الأمن الغذائي. ويكشف الوضع السائد اليوم في العالم عن فشل القوة وكذلك فشل نظام اقتصادي يقوم على القروض، ويوسع الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، بدلا من تضييقها.
ثمانية حلول مقترحة
للقضاء على عدم الأمن الغذائي
الانتقال الديموغرافي
يمكن أن ييسر الانتقال الديموغرافي الحالي الوصول إلى الأمن الغذائي في العالم النامي، مؤديا في النهاية إلى انخفاض في الزيادة الديموغرافية لسكان البلدان النامية. ويشجع التعليم التحديد الطوعي لعدد مرات الحمل ويلعب من الآن فصاعدا دورا رئيسيا في هذا التطور([221]). وإذا تأكد هذا الانتقال الديموغرافي، فسوف يكفي ارتفاع بنسبة 1.8% في معدل النمو السنوي للطاقة المتاحة الضرورية ذات الأصل النباتي لتغذية السكان في البلدان النامية من الآن وحتى عام 2050. وكلما صار الانتقال الديموغرافي أسرع، صرنا أقدر من حيث مستوى تأمين التنمية المستديمة والأمن الغذائي في العالم.
غير أنه لا ينبغي المبالغة في دور انخفاض الخصوبة، ذلك لأن استقرار معدلها عند 1.6 (الفرضية المنخفضة للأمم المتحدة)، أو 2.1 (الفرضية المتوسطة)، أو 2.6 طفل لكل امرأة (الفرضية المرتفعة) سيكون من نتائجه أن تضاعف القارة الأفريقية الطاقة ذات الأصل النباتي التي تستعملها إلى 4 أو 5 أو 6 أضعاف من هنا وحتى عام 2050. أما بالنسبة للسكان الذين يستهلكون بصورة رئيسية المنيهوت أو جذورا أو درنيات أخرى، وفقا للحالات، فإنه سيكون عليهم أن يضاعفوا الطاقة المستخدمة إلى 6 أو 7.2 أو 8.4 أضعاف. وعلى هذا، فإنه وفقا للطريقة التي تواجه بها هذه البلدان فرضية انخفاض بطئ أو متوسط أو سريع للخصوبة، فإنه سيكون عليها أن ترفع مسحوباتها من الطاقة ذات الأصل النباتي بنسبة 3.9% أو 3.6 أو 3.4% في السنة على الترتيب بين عامي 1975 و2050، مما يتطابق مع زيادات سنوية تختلف قليلا، وفقا لسيناريوهات الانخفاض في الخصوبة. ومهما كانت درجة ضخامة هذه الزيادات، فإنها تبدو غير مفهومة في غياب سياق ملائم اجتماعي اقتصادي أو خاص بالبنية الأساسية، أو بالتالي في غياب تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتقنية عميقة.
رسملة عقارية جديدة
يمكن أن تشكل زيادة المساحات المنزرعة استجابة أخرى لعدم الأمن الغذائي. ووفقا لمنظمة الفاو، يبقى أن مليار وثمانمائة مليون هكتار من الأراضي القابلة للزراعة على مياه الأمطار مازالت غير مستغلة، دون أن نأخذ في الاعتبار مساحات الأرض في الصين([222]). وبين هذه الـ 1800 مليون هكتار، 94 مليونا تشغلها مستوطنات بشرية و770 مليون تغطيها مساحات غابات و200 مليون تشكل جزءا من مناطق محمية قانونا (متنزهات قومية، غابات حفظ، محميات طبيعية)([223]). وعلى هذا، يبقى أكثر من 700 مليون هكتار يمكن زراعتها، أيْ مساحة من الأراضي تساوي تقريبا المساحة المستغلة حاليا. وتقع معظم الأرض الصالحة للزراعة ولكن غير المستغلة في أفريقيا (500 مليون هكتار في أفريقيا جنوب الصحراء)، وأمريكا اللاتينية (220 مليون هكتار)، حيث يوجد في شبه القارة هذه احتياطي ضخم من الغابات، وإلى مدى أقل في شرق آسيا (45 مليونا، بدون الصين)، أو في جنوب آسيا (10 ملايين). وهذه الأراضي، بجانبها الأكبر، أراض ذات خصوبة طبيعية قليلة. ويمكن أن يفسر هذا جزئيا لماذا لم تتح برامج استيطان أراض جديدة تم تنفيذها خلال العقود الأخيرة مطلقا استيعاب نسب كبيرة من فائض سكان الريف([224]).
وفضلا عن هذا، كثيرا ما اتضح أن الاستخدام الذي تم لهذه الأراضي كان في تناقض مع متطلبات أمن غذائي على مستوى الكوكب في الأجل الطويل. والواقع أن الأمن الغذائي يجب فهمه في ضوء مقتضيات تنمية مستديمة. غير أن التقنيات المستعملة منذ الستينيات لزيادة مردود الاستثمارات الزراعية كثيرا ما كان لها تأثيرات ضارة على التربة وعلى المحاصيل، حيث أن الري المفرط يؤدي إلى ملوحة الأراضي الزراعية أو، بالعكس، إلى زيادة تشبعها بالمياه. علاوة على أن الإفراط في الأسمدة يؤدي إلى إضفاء طابع صناعي على التربة. ويقدر تقرير حديث للمعهد الدولي لبحوث السياسة الغذائية أنه، من مجموع 8.7 مليارات هكتار من المراعي والغابات والأراضي المستخدمة في الزراعة في العالم، تدهور 2 مليار هكتار نتيجة للتحات والتصحر والتملح. وفي آسيا، عانت الغابات أشد المعاناة، أما في أفريقيا فقد لحقت بالمراعي والأراضي المنزرعة الأضرار البالغة([225]). ويرى غي ﭙايوتان Guy Paillotin، رئيس المعهد الوطني للبحوث الزراعية في فرنسا، أن ستة ملايين هكتار من الأراضي المنزرعة تختفي كل عام بسبب تدهور التربة. وحين تضاف هذه الاتجاهات إلى الحضرنة، يمكن أن يؤدي هذا إلى فقدان 16 مليون هكتار من الأرض الزراعية سنويا خلال العقود القادمة([226]). ولهذا يبدو أن من الخطورة بمكان الرهان على البدء في زراعة أراض جديدة لتأمين الأمن الغذائي بصورة حاسمة في العقود المقبلة.
وفي هذا الصدد، قدم البروفيسير سواميناثان Swaminathan في الآونة الأخيرة مفهوم "ثورة دائمة الخضرة" تتميز بزراعة مستديمة "راسخة الجذور في مبادئ الإيكولوجيا، والاقتصاد، والإنصاف بين المجموعات الاجتماعية وبين الذكور والإناث، وخلق فرص العمل"([227]). ويمكن أن تستند هذه "الثورة الدائمة الخضرة" إلى العناصر السبعة التالية:
        ·          المحافظة على التربة، التي لا غنى عنها لكل تكثيف مستديم؛
        ·          الاستخدام بأكثر كفاءة ممكنة للمياه المخصصة للمحاصيل، التي تتطلب على وجه الخصوص المحافظة على مياه المطر؛
        ·          إدارة المحاصيل ومقاومة الآفات الزراعية؛
        ·          إدارة أكثر كفاءة للطاقة، مع استعانة أكبر بطاقة البيوغاز (الغاز الأحيائي) والبيوماس (الكتلة الأحيائية) والطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛
        ·          الاستثمار في التدابير الصحية والتدابير المتعلقة بالعناية بصحة النبات للحصول على منتجات غذائية ذات نوعية عالية؛
        ·          دراسة بالغة العناية لتركيب النظام الزراعي؛
        ·          نظام كفء للمعلومات والتدريب يتيح زراعة محكمة.
ويتمثل عامل آخر له أهميته الخاصة في تيسير تخزين وحفظ المنتجات الغذائية، خصوصا عن طريق تحويلات بسيطة يمكن أن تحققها "صناعات صغيرة" ريفية. ومن هذا المنظور، أنشأت اليونسكو في 1992 كرسي أستاذية بجامعة ماكيريري في كمبالا، أوغندا، خاص بتطبيق التكنولوجيات البسيطة التي يتم تنفيذها بعد الحصاد. ومن الضروري أيضا حصول البلدان النامية بشكل مباشر على المهارات التقنية لتجنب أن تقوم بالحصاد قوة عمل متخصصة قادمة من بلدان أكثر تقدما.
زيادة إنتاجية العوامل ونقل البيوتكنولوجيات
وفقا لمنظمة الفاو، يمكن أن تتحسن مردودات منتجات الحبوب الغذائية بنسبة 37% بين 1988ـ1990 و2010 في البلدان النامية. ويعني هذا أن زيادة إنتاج الحبوب الغذائية (بنحو 58%) ستكون نتيجة لإنجازات في الإنتاجية وليس نتيجة زيادة في المساحات المنزرعة (17%). ويبدو أنه لا مناص من أن ترتفع متوسطات مردودات الحبوب الغذائية الرئيسية الثلاثة (الأرز، القمح، الذرة) بنسب 36% و42% و39% على التوالي. ولهذا فإنه ينبغي أن نتوقع زيادة سنوية بأكثر من 1.5% في مردودات الحبوب الغذائية. وسوف تنتج هذه الزيادات في المردودات على وجه الخصوص من تحسين سلالات الأصناف النباتية([†]) cultivars وإنجازات البحوث، مما يتيح تضييق الفجوة فيما بين المردودات التي يتم الحصول عليها أثناء التجارب ومردودات الحقول، ويشجع انتشار البيوتكنولوجيا واختيار أصناف جديدة أكثر إنتاجية من المنيهوت أو الإنيام أو القلقاس. ويمكن أن تسهم إنجازات بحوث الهندسة الزراعية في خفض عدم الأمن الغذائي إلى حد كبير، لا سيما وأن الجذور والدرنات المنتقاة سوف تتحمل الأوضاع غير المؤاتية وتقاوم بصورة أفضل مسببات الأمراض. كما أن أبحاث الأصناف المحسنة من الحبوب الغذائية الجافة (الدخن، الذرة البيضاء) والذرة الصيفية يجب أن تهتم أيضا بأصناف مزروعة في مناطق مناخية غير مؤاتية. والواقع أن جهود أبحاث سلالات الأصناف النباتية cultivars المحسنة ما تزال غير كافية بالنسبة لهذه النباتات.
ولا يجب أن تقودنا هذه الإنجازات المتوقعة إلى النظر إلى التحسينات الجينية على أنها حل سحري. فالاحتياجات والحلول تختلف وفقا للعادات الغذائية في مختلف البلدان. وتستمد رواندا وبوروندي جانبا كبيرا من طاقتهما الغذائية من الجذور أو الدرنات، غير أنهما تستكملان النظام الغذائي بواسطة خضروات جافة غنية بالبروتينات. وهذه البلدان التي يكون الضغط الديموغرافي فيها عاليا في حاجة إلى تطوير إنتاجية كل عامل من عوامل الإنتاج (قوة العمل، الأرض، المياه). وبالمقابل فإن بلدانا عديدة أخرى تستهلك بصورة رئيسية الجذور أو الدرنات تمتلك احتياطيات كبيرة من الأراضي الرطبة التي تتلاءم مع توسعات ملحوظة في المحاصيل. وبعض هذه البلدان ذات كثافة سكانية منخفضة جدا. والواقع أن التوسع في زراعة محاصيل الجذور والدرنات يقدم بالفعل، في مثل هذه الأوضاع، حلولا لمشكلة الغذاء([228]). وعلاوة على هذا فإن محصول المنيهوت لا يتطلب تقنية عالية، على خلاف محصول الإنيام، هذا النبات الحقيقي للحضارة والذي يستخدم في نيجيريا بصفة خاصة. وبالمقابل فإن احتياطيات الأراضي محدودة في بلدان مثل الكاميرون والغابون وكوت ديڤوار وتوغو، وهذا ما يجعل تحسينات المردودات ضرورية بصورة مطلقة. ومن هذا المنظور، يؤكد البروفيسير مارك ديفيمييه Marc Dufumier، الأستاذ بالمعهد الوطني للعلوم الزراعية (باريس ـ جرينيون)، أن النظم التي تجمع بين الأشجار والزراعة وتربية الماشية تتيح الحصول على مردودات مرتفعة في مناطق كثيفة السكان، مستشهدا بمثال من الساحل عن سنط الألبيدا acacia albida، "شجرة عميقة الجذور تقوم بتثبيت الأزوت، وتبحث عن المياه من الأعماق، وتتجرد من أوراقها في فصل الأمطار الذي يمكن فيه زراعة الأرض تحت فروعها"([229]). ويشدد بعض الخبراء على الأهمية التي ستكون لتطوير محاصيل في أفريقيا يمكن، في نفس الوقت الذي تكون فيه منسجمة مع العادات الغذائية المحلية، أن تتيح استكمال النظم الغذائية: في هذا الخصوص، يجب إيلاء أولوية خاصة  لزراعة فطر عيش الغراب الغنى بالبروتينات والتي يمكن تطويرها حتى في شروط غير ملائمة جدا للتربة والضوء.
استيراد الأغذية
قامت بلدان نامية كثيرة، طوال العقود الأخيرة، بزيادة وارداتها من الحبوب بدرجات متفاوتة. ومع ذلك، فإن البلدان المصدرة الرئيسية الصافية للحبوب الغذائية استطاعت أن تواجه دون صعوبة زيادة الطلب. والواقع أن الدعم الذي تستفيد منه، منذ وقت طويل، الزراعة في هذه البلدان المصدرة، وكذلك الازدهار الاستثنائي للإنتاجية في الشمال، يفسران جزئيا ضعف الأسعار وزيادة حجم واردات الحبوب الغذائية للبلدان النامية. وكلما أظهر الناتج القومي عجزه عن تلبية الاحتياجات الغذائية للسكان، فإن استيراد الحبوب الغذائية يغدو بصورة متزايدة أمرا لا غنى عنه للبلدان الفقيرة. غير أن حجم الاستيراد يعتمد اعتمادا كاملا على قدرة البلدان المستوردة على سداد ثمن وارداتها.
وتنفرد البلدان الأفريقية بنقطتين. فالواردات تكون أقل حجما كلما كانت الزيادة الديموغرافية أسرع، الأمر الذي يفسره عدم قدرة البلدان ذات الخصوبة العالية على الوفاء بديونها. ولهذا فإنه ينبغي مساعدة هذه البلدان على خفض خصوبتها بدلا من تشجيعها على الاستدانة. وعلاوة على هذا فإنه كلما ارتفع العبء الديموغرافي في علاقته بمساحة الأرض الزراعية للبلدان المستهلكة للمنيهوت أو الإنيام أو القلقاس، انخفض حجم نصيب الفرد من واردات الحبوب، وهذا ما يعبر عن الانعدام الأقصى للأمن الغذائي لهذه البلدان. وكلما ازداد عدم استقرار الوضع الاقتصادي والسياسي وجدت هذه الدول نفسها عاجزة عن استيراد الحبوب الغذائية اللازمة لإطعام سكانها([230]). وهذا هو السبب في أن من المهم بصورة خاصة كسر الحلقة الشريرة للقروض والمديونية. ولأسباب تتعلق بالاستقرار على المستوى العالمي، سيكون من الضروري التوصل بكل سرعة إلى صيغ للتمويل تتيح لمختلف البلدان الاندماج في عالم أكثر توازنا، وذلك عن طريق الحد من اللاتماثلات الحالية التي تهدد الأمن الدولي بالخطر.
إعادة التوزيع المكاني للسكان
يؤدي عدم الأمن الغذائي إلى انطلاق هجرات نحو البلدان المجاورة. وهو أيضا عامل من عوامل توطين اللاجئين في أراضي البلدان المجاورة. فهو يمكن إذن أن يكون مصدرا لاضطرابات اجتماعية ونزاعات خطيرة من أجل الاستحواذ على الموارد الطبيعية للمياه والأراضي. والواقع أن المستوى المتوقع من تدفقات الهجرة هذه، حتى إن كان سيظل محدودا، من المحتمل أن يؤدي إلى اختلال الاستقرار السياسي في مناطق وصول الهجرات. فالهجرات الدولية، التي تراقبها البلدان المستقبلة النهائية بصرامة، لن تتيح الحد من الفوارق بين التوزيع المكاني للسكان والتوزيع المكاني للموارد الطبيعية، غير أنها ستكون، بالمقابل، سببا في اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق وفي احتمال تصاعد لمشاعر كراهية الأجانب، وهو ما يحتمل أن يؤدي إلى العنف.
استثمارات في البنية الأساسية
ينشأ استمرار عدم الأمن الغذائي بجانبه الأكبر من النقص في البنية الأساسية وفي الاستثمارات الأساسية في عالم الريف، ومن عجز القدرات المحلية الذي لم تتح سده مداخل التنمية المتمحورة حول القروض والمساعدة الخارجية. وتؤثر هذه الفجوة في أغلب المجالات: الري وإدارة الموارد المائية، وشبكة الطرق، ووسائل النقل، ونشر المعلومات، وهياكل إضفاء الطابع التجاري، والوصول إلى موردين زراعيين. فما هي نتائج هذا النقص في البنية الأساسية والاستثمارات؟ الغياب أو الابتعاد عن الأسواق، وقلة منظمات المشاركة والتعاون والتكافل، وغياب الإشراف الصحي على القطعان، والشيخوخة الوراثية للمحاصيل، والبطء في انتشار التقنيات الزراعية والتدريب الزراعي. وإلى هذا، يضاف النقص في مجال السياسة الزراعية: العجز عن تنظيم الأسواق في كثير من الأحيان، الغياب المتكرر لسياسة ائتمانية ولقروض مخفضة طويلة الأجل ولتشريع ملائم لعدم الاستقرار العقاري. ولكل هذه الأسباب، يتضح أنه لا غنى عن تنفيذ برامج بصرية ـ سمعية للتدريب المكثف يمكن أن يتابعها السكان الأميون، في سبيل تعزيز قدرات المجتمعات الريفية.
مشاركة بلدان الشمال
تشكلت الزراعة في البلدان المتقدمة في الأجل الطويل بربحية هزيلة لرأس المال المنقول؛ وكان لا مناص من أن يستغرق تكوين التربة في الحضارات الكبرى القائمة على الحبوب الغذائية، وبخاصة حضارات الأرز والقمح، قرونا. ولهذا يمكن أن نأخذ معيار التدفقات المالية القادمة من الشمال والتي يمكن أن تصير ضرورية لتعزيز الاقتصادات الريفية في بلدان الجنوب وأن تسهم في القضاء على الفقر وعدم الأمن الغذائي فيها. غير أن من المحتمل أن لا تمثل هذه الاستثمارات أو هذه المساعدات سوى تعويض هزيل عن الأرباح المستمدة من تدفقات السلع الغذائية، التي ظلت تتجه، منذ العهد الاستعماري الكولونيالي إلى يومنا هذا، من الجنوب إلى الشمال، والتي تم استخدامها في توطيد الرسملة المالية والتقنية والعلمية والثقافية للغرب. غير أن قوانين ربحية رءوس الأموال لا ترتبط إلا بعلاقات بعيدة بتاريخ الحضارات. ومن هنا فإن إدراك الشمال لمصالحه الخاصة يمكن وحده أن يقنعه بالمشاركة بصورة جدية في تنمية الجنوب. ومن وجهة النظر هذه، تمثل بلدان الجنوب سوقا محتملة هائلة يمكن أن يكون توسيعها مفيدا لمصلحة هذه البلدان وكذلك بلدان الشمال نفسها. ومع هذا يبدو أن من غير المحتمل تقريبا أن يمر حل عدم الأمن الغذائي برسملة سريعة وبدون عرقلة الشمال للجنوب.
زيادة ضرورية للطلب القادر على الدفع
مادام الاعتماد على الزراعة سيظل قويا في البلدان النامية، فإن النضال ضد الفقر سوف يتحقق من خلال زيادة الإنتاج الغذائي والإنتاجية الزراعية. ولهذا فإنه ينبغي التشجيع بصورة نشطة على إحداث زيادة كبيرة في الإنتاج الزراعي للبلدان الأقل تطورا للنضال ضد عدم الأمن الغذائي. ويتطلب هذا زيادة في الاستهلاك الداخلي، وبالتالي مواصلة لخفض الأسعار، عن طريق جهود الحكومات والمجتمع الدولي لصالح تنمية زراعية مستديمة. ويجب أن يكون هذا الجهد مصحوبا ليس فقط بحفز إنتاجية مختلف عوامل الإنتاج (قوة العمل، الأرض، المياه) الكافية لتوليد مكاسب في الدخل، بل أيضا بسياسات دعم الصحة والتعليم الأساسي. وفي سياق سوء التغذية الذي أشرنا إليه من قبل، فإنه ينبغي تأمين ربحية عالية لمثل هذه الاستثمارات([231]).
التعليم والتدريب كأساس للتنمية
هناك أهمية خاصة لسياسات تعزيز التعليم في البلدان التي يعاني فيها السكان من سوء تغذية مزمن وتضم نسبة كبيرة من السكان الريفيين. والبلدان التي تعاني من سوء تغذية مزمن هي أيضا ذات البلدان التي بها أدنى مستويات الانتظام في التعليم الابتدائي. والواقع، أن الأطفال المنتظمين في المدارس الابتدائية يمثلون في معظم هذه البلدان أقل من 80% من الفئة العمرية بين 6 سنوات و11 سنة. والحقيقة، أن هذه النسبة تظل منخفضة لأنه، إلى جانب الأطفال من 6 سنوات إلى 11 سنة، يوجد في هذه المدارس، مراهقون تسربوا من المدرسة الابتدائية مبكرا جدا وكبار أميون. والحقيقة أن التعليم الأساسي والتدريب المكثف للكبار هما مفتاحا التنمية الزراعية. فالتعليم يحدد اعتماد أساليب إدارة الموارد الطبيعية الأكثر تعقيدا([232]). وهو يتيح الحصول على مكاسب الإنتاجية المرتبطة باستخدام مدخلات أو أصناف نباتية عالية الكفاءة. ويجعل نشر المعلومات الاقتصادية والتجديدات التكنولوجية التدريب المهني والتعميم الواسع أمرين لا غنى عنهما.
والأولوية التي تولى للنساء والبنات ـ اللائي يمثلن 65% من مجموع السكان الأميين ـ وثيقة الصلة بصورة خاصة بموضوع عدم الأمن الغذائي، وذلك نظرا للدور الرئيسي الذي تلعبه النساء في الزراعة في البلدان النامية والارتباط الثابت بين التعليم والانخفاض في معدلات الخصوبة. والواقع، أن تعليم البنات والنساء يؤدي إلى انخفاض في الخصوبة، مما يتيح تقليل حجم الأسرة وتقليل الضغط على "طاقة الحمولة" الخاصة بالأرض. كما أن هذا التعليم الأساسي يجب أن يقترن بتحسين الحالة الصحية للنساء، وبصورة خاصة حالتهن الغذائية. ويفترض هذا تعبئة للطاقات تتجاوز اختصاصات وزارات التعليم وحدها.
وما لم يشهد التعاون الدولي ازدهارا سريعا، فإن الوصول إلى مستوى جديد للتنمية وتحول الإنجازات العلمية إلى حقائق سوف يستغرقان جيلين. ذلك أن البراعات التقنية والنجاحات المادية لن تكون كافية لتأمين الأمن الغذائي العالمي. كما أن المفتاح النهائي للأمن الغذائي يتمثل في البحث في اللامادي: إنه يكمن في حقل المعرفة ونظام الحكم الديمقراطي، وفي خلق حيز عام شفاف، وفي بزوغ مجتمع يقوم على اقتسام القيم المشتركة. وبهذا المعنى، فإن الأمن الغذائي للكوكب يعتمد أكثر فأكثر على الأمن الاقتصادي والسياسي العالمي، وعلى "الأمن الأخلاقي" النابع من التحالف بين سيادة القانون الديمقراطي والعدالة الاجتماعية. وفي وقت نشهد فيه حضرنة سريعة في الجنوب وزيادة في الفقر في البيئة الحضرية، فإن الرهان كبير حقا، كما أكد ميشيل جريفون Michel Griffon، من مركز التعاون الدولي في أبحاث الهندسة الزراعية من أجل التنمية، وهو يعلن أنه في الوقت الحاضر "لا يشكل الفقر والجوع خطرا جيوبولتيكيا. غير أنه، إذا قدر لهما أن يشكلا مثل هذا الخطر، خلال السنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين، فإنه ربما أمكن لهذه البلدان عندئذ أن تقرر لنفسها وأن تنفذ بالتالي مشروع مارشال عملاقا ضد الفقر"([233]).
منطلقات وتوصيات
3   التفكير في قضية الأمن الغذائي في سياق أوسع، أي في علاقتها بتطور العوامل الديموغرافية، وبالسياسات الصحية، وبالسياسات التعليمية. وفي هذا الإطار، الدعم في المحل الأول للتعليم الأساسي للجميع، والتدريب المكثف للكبار، والإرشاد الزراعي.
3   إنشاء أو تحسين البنية الأساسية التي لا غنى عنها لتنمية مستديمة للزراعة في البلدان النامية: يتعلق هذا بوجه خاص بنظم الري، ووسائل النقل، وهياكل التسويق، والشبكة المصرفية، ونظام القروض.
3         التنبؤ الدقيق بالأخطار التي قد تحدق بالأمن الغذائي للكوكب عن طريق تحديث دائم للأعمال المستقبلية وعن طريق تقييم منهجي لعمليات استغلال المساحات والموارد الطبيعية.
3   تجنب الزيادة في المساحات المزروعة والبحث عن مردودات أعلى لا تلحق الأضرار بمقتضيات تنمية مستديمة. والتشجيع على إدارة فعالة ومستديمة للموارد الزراعية الطبيعية في الأجل الطويل، وبصورة خاصة فيما يتعلق بالأراضي الصالحة للزراعة والموارد المائية.
3   تنشيط البحوث الزراعية ونقل التكنولوجيات والمهارات. واستخدام الإسهامات البحثية في الشأن الزراعي، خصوصا البيوتكنولوجيا، لزيادة المردودات والحصول على أصناف من المحاصيل أكثر مقاومة، مع وضع الأخطار، التي يمكن أن تحدث في الأجل الطويل لكل من البيئة والمستهلكين، في الاعتبار.
3   دعم التعاون الدولي بحيث لا تصير تدفقات الهجرات، في ارتباطها بانعدام الأمن الغذائي، مصدرا إضافيا للفقر وعدم الاستقرار والعنف.
3   تشجيع توزيع أفضل للأرض، خصوصا عن طريق إصلاحات زراعية واسعة النطاق، وذلك لتجنب أوضاع الظلم الصارخ. ولتحقيق هذا الهدف، وضع إطار تشريعي ملائم، خصوصا عن طريق تعريف أفضل لحقوق ملكية الأرض وحق الانتفاع بها.
3         توجيه مساعدة البلدان الغنية نحو الإجراءات الوقائية بدلا من توجيهها نحو إدارة الأزمات وحدها.


11
إطعام البشرية بفضل البيوتكنولوجيات؟
بعد ثلاثين عاما
من انطلاقة الثورة الخضراء
ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين، ينبغي أن نستخلص كل الدروس من الثورة الخضراء التي انتشرت في آسيا منذ عام 1965: تم إثبات أن التعاون الدولي في مجال البيوتكنولوجيات يمكن أن يضاعف الإنتاج خلال 20 عاما، كما كان الحال في الفترة بين عامي 1965 و1985، بسلالات جديدة من الأرز على وجه الخصوص. وكانت زراعة الـ 2000 صنف من الأرز من الأصناف الموجودة أصلا، واختيار أكثرها فائدة، والمزاوجة بينها للجمع بين الخصائص المطلوبة والتخلص من غير المرغوبة، هي المراحل الرئيسية في الثورة التقنية التي نجحت، بفضل نتائجها غير المتوقعة واللافتة للنظر، في أن تدحض جزئيا التقديرات التي قدمتها منظمة الفاو في نهاية السبعينيات([234]).
وإلى جانب تحسين الأنظمة القائمة لإنتاج وتوزيع الأغذية، تتبلور الآن منطلقات جديدة سوف تتيح، فيما نأمل، تأمين القضاء على الجوع وسوء التغذية وتلبية الاحتياجات الغذائية لكل كائن بشرى. وتوجد أمثلة عديدة في هذا المجال لا تنتمي إلى قصص الخيال العلمي أو اليوتوبيا. وعلى سبيل المثال، طور العلماء مؤخرا أصنافا نباتية جديدة قابلة للزراعة في الأراضي الحمضية في "ثيرادو" التي تغطى 200 مليون هكتار في أمريكا اللاتينية([235]). وقد أتاح التعاون بين ثلاثة مراكز للأبحاث تقع مقارها في نيجيريا وكولومبيا والبرازيل، التوصل إلى إجراء بيولوجي للتعامل مع آفة من الآفات الرئيسية التي تصيب المنيهوت، السوس الأخضر، المسئول عن فقدان أكثر من ثلث المحاصيل في أفريقيا([236]). كما يمكن أن يكون لاكتشاف موز مهجن مقاوم لمرض سيغاتوكا الأسود نتائج سريعة ومفيدة جدا لسكان البلدان الأفريقية التي يمثل الموز فيها غذاء رئيسيا. وقد ابتكر المختبر الدولي للبيوتكنولوجيا الزراعية المدارية أرزا مطورا جينيا transgénique، قادرا على مقاومة صدأ الأرز، ذلك المرض الذي يدمر من 5% إلى 10% من المحصول العالمي من الأرز وربما نصف المحصول في بعض مناطق أفريقيا أو آسيا([237]). ويعكف باحثون كنديون حاليا على عملية "التجديد الحيوي" biorestauration، التي تتمثل في استخدام البكتيريات الموجودة في التربة لتخليصها من الملوثات الصناعية([238]). وبالمثل، تجري الآن دراسات، خاصة في المعهد الدولي لأبحاث الأرز الذي يقع مقره في الفليبين، للتوصل في غضون عشرة أعوام من الآن إلى ابتكار صنف جديد من الأرز يتيح الحصول على مردود يتراوح بين 13 و15 طنا متريا للهكتار، على حين أن الأصناف الحالية لا تسمح بتجاوز 8 إلى 9 أطنان مترية للهكتار([239]). ووفقا لتقديرات متعقلة ومتحفظة بما يكفي، فإن البيوتكنولوجيات النباتية قد تتيح خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين زيادة الإنتاج الزراعي الغذائي بنسبة 10% إلى 15%([240]).
ومن الممكن من الناحية النظرية أن تلعب البيوتكنولوجيات في كل مرحلة من مراحل نمو النبات: ابتكاره، ونموه، وحصاده، وحفظه، واستخدامه، وتحويله، وتسويقه، ومعالجة بقاياه([241]). وسيكون من الواجب في كل مرحلة من هذه المراحل إدخال تحسينات يمكن أن يكون لها أثر مفيد على البيئة، وذلك بفضل تقنيات زراعية أكثر فعالية وأقل تلويثا وأكثر اقتصادا. وبالتالي فإنه لا مناص من تحقيق إنجازات مذهلة، وفقا للدراسات التي يتم إجراؤها، بفضل الطرق الجديدة في التعديل الجيني بهدف زيادة مقاومة النباتات للفيروسات والأمراض والجفاف والملح والبرد والحر.
وسوف يكون في متناولنا أيضا تحقيق إنجازات كبيرة حينما تنتهي الأبحاث التي تتجه إلى إحلال التثبيت المباشر للنتروجين الجوى داخل النبات ذاته محل الأسمدة الكيميائية المثبتة للنتروجين، التي تعد مصدرا رئيسيا للتلوث، مما يمكن أن يسمح بتفادي أو تقليص الآثار السلبية للأسمدة الكيميائية: تراكم أملاح الفوسفات والمعادن الثقيلة في التربة، وتسرب أملاح النترات إلى مصادر المياه العميقة، وتلوث البحيرات والمناطق الساحلية. ومن جهة أخرى فإنه يمكن أن يتضح أن هذه التقنية أكثر ربحية وعملية بالنسبة لبلدان نامية عديدة تكون فيها الأسمدة الكيميائية غالية جدا أو من الصعب الحصول عليها. ويهتم قطاع العلوم في اليونسكو عن كثب بكل هذه التطورات الجديدة بالتعاون مع منظمة الفاو.
وبالنسبة للبلدان النامية،فإنه لا شك في أن البيوتكنولوجيات ستكون أحد مفاتيح المستقبل، وذلك نظرا لأنها سوف تسمح بتضييق الفجوة بين الإنتاج الزراعي الغذائي والزيادة الديموغرافية، وبزيادة نصيب الفرد من السعرات الحرارية، وباستغلال أراض غير صالحة اليوم للزراعة، مع التشجيع في الوقت نفسه على صداقة أفضل للبيئة.
بعض النتائج المتوقعة من الإنجازات
البيوتكنولوجية على الحاصلات الزراعية
·   تســـريـع إجـراءات
البحوث البيوتكنولوجية
من الآن فصاعدا، سوف تتيح البيوتكنولوجيات خفض الزمن اللازم للحصول على أصناف ذات مردودات محسنة إلى العُشر، أو إلى جزء من عشرين، أو ربما إلى أكثر، على حين أن من الأرجح أن الأمر كان يستغرق عشرات الأعوام للتوصل إلى نتائج مماثلة([242]). وهذه نتيجة تستحق التقدير. والواقع أن السباق محتوم بين الزيادة الديموغرافية من ناحية، وزيادة المردودات من ناحية أخرى([243]). ولهذا فإنه لا مناص من أن يتقلص نصيب الفرد من المساحة المستغلة بمعدل مماثل لمعدل الزيادة الديموغرافية، بل وحتى بمعدل أسرع، نتيجة لتآكل التربة والتصحر والحضرنة. وبالتالي فإن استخدام جميع الموارد التقنية، خاصة موارد البيوتكنولوجيات، سيكون لا غنى عنه لرفع المردودات.
·   التكيف مع الأوضاع الزراعية المناخية المحلية
لتحقيق هدف الأمن الغذائي لسكان العالم الذين قد يصل عددهم إلى عشرة مليارات فرد بحلول عام 2050، لا مناص من أن تضاعف البشرية ما تستمده من الطاقة ذات الأصل النباتي من الموارد الطبيعية إلى 2.25 مرة ([244]). فلابد إذن من الاستخدام بصورة أفضل للأوضاع الزراعية المناخية القائمة واستغلال الأراضي غير المستغلة (les "terres hermes")، وعلى وجه الخصوص الأراضي التي مازالت غير صالحة للزراعة. ويمكن أن تتيح البيوتكنولوجيات، على سبيل المثال، خفض تكلفة تحلية المياه، مما يمكن أن يسمح بزيادة المساحات الصالحة للزراعة. كما أنها يمكن، بالمثل، أن تقوم بإكساب بعض الأنواع مقاومة أفضل ضد البرد أو الجفاف أو الحر، وهنا أيضا يمكن أن تتيح هذه الإمكانات زيادة للمساحات القابلة للزراعة. ومثال آخر: يمكن الحصول على إطالة للدورة النباتية لبعض نباتات الأعلاف مثل الذرة الرفيعة، وبالتالي زيادة قدراتها العلفية.
·   تحسين المردودات الزراعية
يمكن أن يكون للتوقعات الواعدة بزيادة المردودات الزراعية التي تقدمها البيوتكنولوجيات آثار مباشرة بالغة الأهمية على إنتاج وتسويق الحاصلات الزراعية. والمطلوب بصورة خاصة تحقيق تعديلات مورفولوجية للنباتات والحيوانات، تؤدي إلى رفع إنتاجية المدخلات الرئيسية مثل العمل أو مساحة الأرض أو أيضا حجم المياه. ويتم الآن أيضا دراسة إمكانية تقليص فترة دورة نمو النباتات والحيوانات، من أجل خفض الزمن الضروري للحصول على الحصاد أو مدة الحمل لدى الحيوان.
·   خــفـض تـبـــايـن
مردودات الحاصلات الزراعية
في كثير من الأحيان يجد الفلاحون أنفسهم في مواجهة انخفاضات في المردود بالمقارنة بالمستويات المتحققة أثناء التجارب. وهنا أيضا، تقدم البيوتكنولوجيات حلولا ذات أهمية اقتصادية كبيرة([245]).والواقع أن السعي إلى تقليل قابلية النباتات والحيوانات للتعرض للآثار السلبية لبيئاتها يبرز جانبا كبيرا من الجهود المبذولة في مجال البحث البيوتكنولوجي. كما تجري الأبحاث للتوصل إلى مقاومة أفضل للعوامل المسببة للأمراض الفيروسية وللكائنات العضوية الضارة. وتخص تطبيقات كثيرة الأرز والذرة الشامية والمنيهوت والبطاطس، بين محاصيل أخرى. وبالمثل فإن السعي إلى مقاومة أفضل ضد مبيدات الأعشاب وإلى تحمل أفضل للأحوال الجوية غير المواتية أو لأوضاع التربة المعاكسة([‡]) (التملح، إلخ) يمكن أن يؤثر بشدة على أسواق الحاصلات.
·   تحـســين أوضاع
تسويق المحاصيل الزراعية
لكل تقليص لتكلفة الإنتاج قيمته حينما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي. ولهذا يتمثل طريق آخر مبشر للبحث والتحسين في أن ننقل إلى بعض النباتات الأساسية للغذاء البشرى سمات تتيح وفورات كبيرة فى المدخلات أو تكسب الحاصلات الزراعية خصائص لا يستهان بها فيما يتعلق بالتكلفة أو بمدة الحفظ. وهذا هو السبب في أن من المحتمل أن تطبق البيوتكنولوجيات لتعديل الخصائص الفيزيائية للحاصلات الزراعية بغرض تقليل الخسائر في المواد الزراعية قبل مرحلة تجارة التجزئة. كما أنها تتدخل بالمثل لتقليل الفاقد في السلع الغذائية أثناء الحفظ والمعالجة، بين تجارة التجزئة والاستهلاك المحلى. وعندما ندرك مستوى الفاقد الملحوظ، في البلدان النامية بصفة خاصة، وهو الفاقد الذي يزداد حجمه نتيجة لطول فترة التخزين، فإن مثل هذه التحسينات ستكون لها، هنا أيضا، أهمية اقتصادية كبيرة.
·   ابتكار محاصيل زراعية جديدة
منافسة لمحاصيل موجودة حاليا
تسمح البيوتكنولوجيات من الآن بالاستغناء عن محاصيل زراعية مكلفة نسبيّاً منشؤها في كثير من الأحيان في البلدان النامية. ويمكن، على سبيل المثال، تصنيع عصائر مركزة غنية بالفركتوز بدون استخدام قصب السكر. وتسمح البيوتكنولوجيات الميكروبية بالحصول على بديل الجلوكوز وبإنتاج التترالوز tetralose باستخدام الخمائر. كما أن الأساليب الجديدة المطبقة على المنتجات الموجودة حاليا تؤدى إلى استخدامات جديدة يمكن أن تنافس منتجات زراعية أخرى: على سبيل المثال، يمكن أن تحل الزيوت الغنية بحمض اللوريك محل منتجات جوز الهند والنخيل، ويمكن أن تكون الزيوت الغنية بحمض الإستياريك بديلا لزبدة الكاكاو. على أن كل هذه الإنجازات التقنية التي لها تأثير عالمي (والتي لا يقتصر تأثيرها على مجال البيوتكنولوجيات) يجب أن تخضع لدرجة عالية من التنظيم و "قواعد السلوك" التفاوضية على المستوى العالمي، من أجل تفادي الآثار المفاجئة والمدمرة التي يمكن أن تكون لها على اقتصادات البلدان النامية المعتمدة تماما أصلا على التكنولوجيات الأجنبية.
·   ابتكار استخدامات جديدة
لمحاصيل زراعية موجودة حاليا
تؤدي البيوتكنولوجيات إلى ظهور منتجات جديدة ناشئة عن استخدام منتجات زراعية موجودة حاليا. ويتم استخدام بعض هذه المنتجات في أغراض أخرى غير غذائية: هناك بلدان، على سبيل المثال، الصين والهند، متقدمتان جدّا في مجال استغلال الكتلة الأحيائية، وبخاصة الغاز الأحيائي الذي يتم إنتاجه لأغراض تتعلق بالطاقة. وعلاوة على هذا فإن البيوتكنولوجيات تواصل التقدم في الصناعة الصيدلانية. وإذا اكتفينا بالإشارة إلى التطبيقات ذات النتائج الأكثر عددا وأهمية، فإنه يمكن الاستشهاد بحالة الكتان وعباد الشمس. ذلك أنه يمكن جعل زيت بزر الكتان صالحا للأكل عن طريق خفض مستوى حمض اللينوليك فيه. ويمكن أن يكون للمنتجات القائمة على بزر الكتان فترة حفظ متزايدة. بالإضافة إلى أن بزور الكتان نفسها يمكن أن تكتسب خواصا مفيدة لصحة الإنسان بسبب محتواها الكبير من الألياف. ويمكن ان يتيح استخدام الإنزيمات إحلال منتجات مستخلصة من عباد الشمس محل زبدة الكاكاو. وبين الإمكانات المستقبلية الأخرى التي لها تأثير هام بالنسبة لصحة البشر، تبرز إمكانية إنتاج هرمونات نمو للإنسان وبروتينات الدم والأنسولين من أوراق التبغ.
ويبدو بالتالي أن كل الآمال جائزة، بما في ذلك تلك الخاصة بالبلدان النامية، غير أن الإنجازات الجارية الآن تثير عددا كبيرا من المخاوف البعيدة عن أن تكون كلها غير عقلانية. ومن نواح كثيرة، يفترض الانتشار الواسع للبيوتكنولوجيات انبثاق يقظة أحيائية تقوم على أخلاق للمستقبل وعلى مبدأ الاحتياط، وكذلك على تعاون دولي حقيقي يكون مصدرا للتضامن. وبهذا المعنى فإن البيوتكنولوجيات قد تجعل من الضروري ظهور إنسان جديد، قادر على أن يطبق قولا قديما مأثورا عن رابيليه Rabelais: "علم بلا ضمير ليس سوى تدمير للروح".
آثار البيوتكنولوجيات
على الأمن الغذائي في المستقبل
تدعو ثلاثة عوامل إلى زيادة كبيرة في االاحتياجات إلى الطاقة ذات الأصل النباتي من الآن وحتى عام 2050: زيادة السكان، واستكمال حصص الأغذية لشعوب تعاني من نقص غذائي مزمن، وإغناء متوسطاتها القومية من الأحماض الأمينية التي لا غنى عنها والفيتامينات والعناصر الضرورية. غير أن التأثير المتحد لهذه العوامل الثلاثة سوف يؤدي إلى مضاعفة لمتوسطات الاحتياجات في البلدان النامية إلى 2.7 مرة، وإلى 5 مرات بالنسبة لأفريقيا، وإلى 7 مرات بالنسبة لتلك البلدان الأفريقية التي تستهلك بصفة رئيسية الجذور أو الدرنات (المنيهوت، الإنيام، القلقاس). ويمكن أن تصل هذه المعاملات المضاعفة إلى 10 مرات أو حتى 15 مرة في بعض الحالات. وبالتالي فإن لا مناص من أن يواجه خمسة وعشرون بلدا تحديا كبيرا: الزيادة السنوية لاحتياجاتها بنسبة 4% إلى 8% خلال الخمسين عاما المقبلة([246]).
وبطبيعة الحال فإن توسيع التبادل التجاري بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب يمكن أن يؤدى إلى تحسين الأمن الغذائي للبلدان النامية. غير أنه لن يقلل بالضرورة من حجم الفقر، ولا من انعدام الأمن الغذائي للأقسام الأكثر حرمانا من السكان. وتقود هذه الحقيقة أغلب المراقبين إلى المطالبة بزيادة كبيرة للإنتاج الزراعي في البلدان الأقل نموا، بهدف النضال بصورة نوعية ضد انعدام الأمن الغذائي. وفي غياب إنجازات في مجال الإنتاجية كافية لإطعام السكان، فإن من المحتمل أن يحاول هؤلاء السكان زيادة مساحة أراضيهم القابلة للزراعة على حساب الموارد الحراجية، منتهكين، عند الضرورة لوائح حماية أراضى البناء. وتشكل هذه الاحتمالات دوافع قوية لصالح اللجوء إلى البيوتكنولوجيات. ومن الضروري بالتالي أن تتم بكل دقة دراسة قدرة هذه التكنولوجيات على تعزيز الأمن الغذائي للأجيال المقبلة في هذه القطاعات الجغرافية الهشة.
وبصفة عامة، ينبغي أن نتوقع من البيوتكنولوجيات أن تيسر إجراء تقليص واضح وسريع في متوسط مساحة الأرض التي يزرعها كل فرد، وأن تخفف الضغط عن الأراضي المسماة بالهامشية، وكل النتائج التي يمكن أن تترتب على إنتاجية غذائية متزايدة بقوة وسرعة، خاصة في البلدان النامية. فما هو، في ظل هذه الشروط، ما يدخره لنا المستقبل؟
كما أنه أكثر من محتمل أن تحدث الإنجازات البيوتكنولوجية في البداية في المناطق التي ستكون فيها المردودات الاقتصادية أعلى. وبالفعل، سواء أكان الأمر يتعلق بتحسين البذور أم بابتكار تقنيات جديدة تتعلق بالتطبيق المباشر للبيوتكنولوجيات على الكائنات الحية، فإن الإجراءات المطلوبة تفترض رسملة تمهيدية لأنواع مختلفة من التخصصات (البيولوجيا والميكروبيولوجيا، الكيمياء والكيمياء الحيوية، الفيزياء والفيزياء الحيوية، إلخ.) وكذلك الأموال المتاحة للاستثمار في الأجل القصير والمتوسط والطويل. والواقع أن البلدان المتقدمة وحدها، وعلى وجه الخصوص تلك التي من بينها تستطيع أن توافق على استثمارات طويلة الأجل جدا، أي أن البلدان الأكثر غنى، هي التي تجمع بين كل الشروط التي سبقت الإشارة إليها: من المحتمل إذن أن تظل هذه البلدان القوى الفاعلة الرئيسية في الثورة البيوتكنولوجية خلال الجيل المقبل.
ومنذ الآن، تولي هذه البلدان الأولوية لتحسينات مقاومة وتحمل الأنواع المنزرعة في البلدان المتقدمة. والواقع أن التطبيقات البيوتكنولوجية تتعلق بالحد من تباين المردودات، حيث يتمثل الهدف في أن تكون نتيجة عملية الإنتاج أقرب إلى النتيجة المثلى مع أخذ المادة الجينية المستعملة في الاعتبار، وأقل اعتمادا على العوامل المناخية أو الإيكولوجية أو البشرية. وتهدف هذه التطبيقات إلى أن تنقل إلى الكائنات الحية قدرات على مقاومة مسببات الأمراض، والكائنات الحية الضارة، ومبيدات الأعشاب، ومبيدات الآفات، وكذلك إلى نقل خصائص القدرة على تحمل شروط إيكولوجية بالذات تتعارض مع الدورة النباتية أو التكاثر.
وفيما يتعلق بسلالات الأصناف المحسنة cultivars في البلدان النامية، فإن الأبحاث التي من هذا النوع لم تكد تتقدم إلى الآن، ويبدو أنها لن تتقدم بسرعة، ما لم يتم على الأقل إقرار وتمويل القيام بلا إبطاء بتحقيق تعاون دولي على نطاق واسع. وعلى كل حال، فإن المزايا الكامنة في البيوتكنولوجيات يمكن أن تكون مفيدة لسكان هذه البلدان، كما تثبت الأمثلة المذكورة من قبل بشأن ابتكار أرز مطور جينيا وموز مهجن أكثر مقاومة للأمراض. غير أننا إذا أخذنا في الاعتبار الأبحاث الحالية والتطبيقات التجارية التي يمكن أن نتوقعها عن حق من هذه الأبحاث، فإن من المحتمل أن الأصناف المحسنة جينيا من الأرز والذرة الشامية والمنيهوت وفول الصويا والحمضيات والموز والبن وبزر اللفت والقطن ستكون مطروحة تجاريا في العشرة أعوام أو الخمسة عشر عاما القادمة([247]). وفي المستقبل، سيكون من الضروري أن تتركز الأبحاث حول سلالات الأصناف المحسنة الجديدة المعالجة بما يتلاءم مع معطيات أوضاع البلدان النامية، مع معارفها وأنماطها الغذائية. وبالفعل فإن من المحتمل أن انعدام الأمن الغذائي سوف يقل في آسيا، غير أن من المحتمل أن يتفشى في أفريقيا، وعلى وجه الخصوص بين السكان الذين يتغذون بصورة رئيسية على الجذور والدرنات. ومن المحتمل بصورة خاصة أن النباتات المحسنة هي التي سوف تسهم البيوتكنولوجيات عن طريقها في مواجهة هذا التحدى المتمثل في زيادة الحاجات وهذا الكفاح ضد انعدام الأمن الغذائي.
ويفسر ترشيد خيارات الموازنة والأولوية التي تولى للأسواق الملحة بشأن الأمن الغذائي واقع أن الاستثمارات الضخمة في أبحاث سلالات الأصناف المحسنة تتعلق بصورة خاصة بالزراعات التي يمارسها السكان الأكثر عددا، وعلى الأخص زراعة الأرز والقمح والذرة الشامية. ومن الآن فصاعدا يغدو من الضروري تشجيع الزراعات المسماة "باليتيمة"، التي لم تظهر في البرامج البحثية الكبرى. وتتطلب هذه الأخيرة استثمارات ملحة في الأبحاث خاصة وأنها تقدم الجانب الأكبر من غذاء السكان الذين يتزايدون بسرعة (تستهلك جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر من 400 كيلو من المنيهوت للفرد سنويا)، والذين يشكلون من الآن فصاعدا الجزء الأكبر من فقراء الكوكب. ويجب توجيه هذه الاستثمارات إلى سلالات الأصناف المحسنة من الجذور والدرنات (المنيهوت، البطاطا، البطاطس، اليام، القلقاس، الإنيام)([248])، ولكن أيضا إلى موز الجنة والبقول وكذلك الحبوب الغذائية (الدخن والذرة البيضاء) والذرة الرفيعة.
وهناك تحد جوهري آخر: سوف يقتضي تنفيذ نتائج البيوتكنولوجيات التعليم الأساسي والتدريب الملائمين. وكانت الثورة الخضراء محصلة لبرامج تكنولوجية تجمع بوجه خاص بين أصناف عالية المردود من الأرز والقمح، وسيطرة على المياه، ومدخلات من الأسمدة ومبيدات الآفات، وجهود لتوعية الجمهور. وقد اعتمد نجاح هذه البرامج في الواقع على مجموعة من الشروط السياقية ذات الطابع التعليمي والاجتماعي والاقتصادي والتجاري والمؤسسي والمتعلق بالبنية الأساسية، وبوجه خاص الدعم الشعبي وتقبل الأفراد للتقنيات الجديدة والأدوات الجديدة. وكان التعليم الأساسي للسكان في صدارة هذه الشروط السياقية. والواقع أن تعليما أساسيا من ثلاثة أو أربعة أعوام (يمكن أن يندمج فيه، على السواء، الأطفال والمراهقون الذين تركوا المدرسة الابتدائية مبكرا جدا والأميون الكبار) يمثل مفتاحا من مفاتيح التنمية الزراعية والريفية. وينبغي أن يكون الفلاح قادرا على قراءة موجز لمعلومات أو تحرير طلب أو فاتورة، أو عرض السمات المميزة لمشكلة. وكانت إخفاقات الثورة الخضراء ترجع، بجانبها الأكبر، إلى نقص في التعليم الأساسي. وفي الوقت الحالي، نجد مثل هذا الجمع بين الشروط السياقية المواتية بعيدا عن التحقق في الجنوب فيما يتعلق بتطبيق البيوتكنولوجيات وهو ما يزال موضوعا لخلافات دولية حادة تتعلق بمشكلات عدم الضرر، وبمسائل حقوق الملكية الفكرية، وبالرهانات الأخلاقية. كما تعاني أغلب البلدان النامية من نقص الباحثين، والمختبرات، والبنية الأساسية للأبحاث، وبراءات الاختراع أو المعلومات المسجلة، ونظم التموين. ومن جهة أخرى فإن مختلف العوائق الاقتصادية ما تزال لا تتيح للبلدان الفقيرة الاستفادة من هذه التحسينات. ولكل هذه الأسباب، فإن نتائج البيوتكنولوجيات لن تصير ملموسة تماما على الأرض في البلدان النامية إلا بعد عشرة أعوام أو عشرين عاما. ولذلك لا ينبغي توقع أن تتيح البيوتكنولوجيات حلا تقنيا لمشكلة انعدام الأمن الغذائي في الجنوب في الأجل القصير.
ويعتمد أي حل شامل ومستديم لمشكلة الأمن الغذائي، أولا وقبل كل شئ، على السياسات التي تتصدى لمعالجة نقص التعليم والمعلومات والصحة العامة والديمقراطية، وفى مجال الفقر، وهي جميعا أسباب عميقة لسوء التغذية المزمن. على أن من المحتمل أن البيوتكنولوجيات تحتوي على بذرة حلول تقنية لمشكلة انعدام الأمن الغذائي، حتى وإن كانت حلولا غير فورية. والاحتمالات كثيرة في هذا الصدد: يكفي أن نشير إلى اكتشاف أصناف جديدة أكثر إنتاجية وأكثر مقاومة لمختلف العوامل التي تحد من المردودات، وأكثر تحملا للاضطرابات المناخية ولأحوال فقر التربة، أو أيضا زراعة أراض غير صالحة للزراعة تقليديا، مثل الأراضي القاحلة جدا والأراضي المشبعة بالأملاح أو برواسب كيميائية أخرى. بل يظل في نطاق الممكن تماما، إذا تجسدت الإرادات السياسية القومية والدولية في تعبئات مالية كافية، أن تتسارع الإجراءات البحثية إلى الحد الذي يمكن معه أن توفر الأصناف الجديدة القابلة للتسويق حلولا تقنية ملائمة للسياقات الثقافية والاجتماعية والإيكولوجية، وتتيح اختفاء انعدام الأمن الغذائي في غضون عقد أو عقدين.
مخاطر واستجابات للمخاطر
مرتبطة باستخدام أو عدم استخدام
البيوتكنولوجيات
اليوم، تتم زراعة النباتات المطورة جينيا على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والصين. ووفقا لدراسة حديثة، فإن الكائنات الحية المعدلة جينيا تصل إلى 32% من إنتاج الذرة الشامية و38% من إنتاج فول الصويا في الولايات المتحدة؛ وذلك بعد أربعة أعوام بالكاد من ترخيص الكونجرس تسويق الأغذية المعدلة جينيا([249]). ويتزايد عدد الأصناف المطروحة في الأسواق بسرعة. وتصل المنتجات النباتية المستمدة من النباتات المعدلة جينيا transgéniques إلى السوق العالمية، نتيجة للتبادلات الدولية وتثير عددا من المخاوف والتساؤلات، كثيرا ما تستند إلى حجج علمية أو أخلاقية. وتطرح نفسها بالتالي مشكلة معرفة ما هي المخاطر المحتملة الحدوث. وكما سوف نثبت، فإن أغلب المخاطر التي ينطوي عليها استخدام أو عدم استخدام البيوتكنولوجيات ليست ذات طبيعة جديدة. وبالمقابل، تبدو بالغة التضخيم. وفيما يتعلق بالمخاطر الجديدة، فإن من الصعب تقييمها. فهذه الخاطر ليست كلها معروفة، ولا يمكن أن نعرف الكثير منها اليوم. وفضلا عن هذا، من المحتمل أن أغلب المخاطر المرتبطة بالبيوتكنولوجيات لا يمكن التنبؤ بها للسبب الوحيد المتمثل في عدد كبير من العوامل التي تدخل في نطاق الإيكولوجيا. وعلى كل حال، يمكن من الآن فصاعدا أن نذكر بعض المخاطر الرئيسية التي تؤكد على أهمية مراعاة مبدأ الاحتياط والصرامة العلمية وكذلك الحاجة إلى نهج مستقبلي ووقائي.
خسائر الميراث الجيني
الواقع أن الميراث الجيني لكوكب الأرض في سبيله إلى التقلص السريع. ومنذ عام 1900، وفقا لمنظمة الفاو، اختفت نسبة 75% من التنوع الجيني للمحاصيل الزراعية. ويمكن تفسير هذا التطور بجانبه الأكبر بزيادة أنشطة البشر، مما يؤدى إلى تقليص للمنظومات الإيكولوجية الطبيعية لأسباب عديدة: انتشار نظمنا الزراعية الإيكولوجية، خاصة زراعاتنا ذات المحصول الواحد، ونظمنا لشبكات النقل، ووحدات إنتاجنا الصناعي، بل وكذلك إدخال تعديلات على النظم الإيكولوجية الطبيعية يمكن عزوها إلى التوسع في استغلالاتنا الريفية والحضرية، ومساحات معيشتنا وتنقلنا، دون أن ننسى نتائج التلوث من كل نوع التي تقع في نطاق مسئوليتنا. كما أن انخفاض التنوع الأحيائي الزراعي خطير بصورة خاصة لأنه يحمل جرثومة خطر قحط في الميراث النباتي على أولئك القائمين بالانتقاء الذين يعكفون أكثر فأكثر على دراسة الجينات الحاملة لهذه أو تلك من السمات المميزة للمقاومة أو التحمل في الميراث الجيني المتاح. وقد تصبح هذه المخاطرة رئيسية، في حالة اختفاء أنواع نباتية يمكن أن يثبت في نهاية المطاف أنها حيوية للأمن الغذائي للبشرية.
وبالفعل فإن الأمن الغذائي يهدده الاستخدام المكثف لأنواع على نطاق واسع، مما يعرض كل الإنتاج لخطر دمار سريع في حالة الكارثة الزراعية. وهذا بالضبط ما حدث منذ أربعة أعوام في الولايات المتحدة، عندما ثبت أن بذورا ذات مردود مرتفع مطورة في المختبرات ومستخدمة حتى الآن بنجاح لزراعة الذرة الشامية، بيونير 3394، المعرضة بوجه خاص لمرض يعرف باسم البقعة الورقية الرمادية gray leaf spot. وقد تحول هذا المرض، في صيف 1995، إلى وباء حقيقي. والواقع أن الخبراء لم يحسموا إلى الآن بدقة الأدوار التي يلعبها هذا الوباء على التوالي وكذلك الطقس الرديء، غير أن من البديهي أن واقع الرهان على صنف واحد من البذور وقابلية هذه البذور للإصابة بالمرض، الذي كان معروفا من جهة أخرى، أدى إلى خسائر فادحة([250]). من هنا الأهمية المتعلقة بحفظ أنواع نباتية وحيوانية "غير مدرة للربح" في ظاهر الأمر، لكن التي يمكن أن يثبت، غدا أو بعد جيلين أو ثلاثة أجيال من الآن، أنها حيوية للأمن الغذائي للبشرية. ومن هذا المنظور، ينبغي التشديد على المنفعة والطابع غير القابلين للإحلال لمحميات المحيط الأحيائي للأرض التي تم إنشاؤها بمبادرة اليونسكو: فهذه المحميات لا تشكل فقط كنزا إيكولوجيا بل تشكل أيضا، وربما بصورة خاصة، وسيلة فريدة للأمن في الأجل الطويل، حيث أنها تسمح بالإبقاء على إمكانات للاستجابات في حالة الكوارث الزراعية الإيكولوجية الرئيسية([251]).
ولهذا فإنه لا غنى عن اتخاذ كافة التدابير الضرورية لضمان إدارة سليمة لهذه المحميات للمحيط الأحيائي للأرض وكذلك توسيعها كلما كان هذا ملائما. ومن جهة أخرى، شددت منظمة الفاو في قمة الغذاء العالمية في تشرين الثاني/نوفمبر 1996 على "الإبقاء على المحميات الجينية الضخمة في بيئتها وخارج بيئتها، لكي تبقى المحاصيل الهامة إحدى الأولويات في أجندة الثورة الخضراء"([252]). والواقع أن احتياجات البيوتكنولوجيات إلى المادة الجينية ستكون بالغة الأهمية خاصة وأنه يجب ان نتوقع أن تتسارع بشدة لتقدم استجابة "للفخ المالتوسي" الذي يهدد عددا من أفقر بلدان الكوكب. ولا يمكن أن تبقى هذه البلدان في عزلة. ذلك أن مشكلاتها هي نفس مشكلات البشرية جمعاء. وهذا هو السبب في أن من الضروري القيام بجهد حقيقي للتعاون على المستوى الدولي، فلولا هذا فإن البشرية جمعاء هي التي سوف تعاقب، ذات يوم، لافتقارها إلى التضامن. فلنبن، إذن، من اليوم، الأخلاق الجينية التي ستسمح لنا بالمحافظة على ما تبقى من الميراث الجيني للكوكب، وبحيث يكون هذا الميراث في متناول الجميع.
تنميط الأنواع المزروعة
يحذر عدد من الخبراء ضد الخطر الذي ينطوي عليه التنميط المتزايد بين النباتات المزروعة لأغراض زراعية. وكان المزارعون التقليديون يزرعون آلاف الأنواع من الحبوب العلفية ومئات الأنواع المختلفة من البطاطس. وعلى حين تم تحديد 50000 نوع مختلف من النباتات الصالحة للأكل، فإن 15 نوعا تمثل اليوم 90% من الإنتاج الغذائي العالمي، وبين الـ 15 نوعا فإن الأرز والقمح والذرة الشامية تشكل ثلثي الإنتاج([253]). وكلما زاد استخدام السكان لأصناف الحبوب ذات الاستهلاك الواسع التي يستخدمونها، عادة بسبب إنتاجيتها العالية، زاد خطر أن تؤدى قابلية هذه البذور للإصابة بمسببات الأمراض إلى خسائر ضخمة يمكن أن يثبت أنها كارثية. وسوف تشكل الزراعة الواسعة النطاق جدا للنباتات المطورة جينيا ذات الإنتاجية العالية، كتلك التي بدأ تطبيقها في الولايات المتحدة، مخاطرة رئيسية حالما سيتم تطبيقها على نباتات القوت الضروري لأقسام واسعة من سكان البلدان النامية. وإذا كانت نباتات قليلة مطورة جينيا يتم تسويقها حاليا، فإن التجارب الحقلية عديدة جدا، وفقا لتأكيد سيلڤي بوني Sylvie Bonny([254]). وعلى سبيل المثال فقد تم إجراء أكثر من 1000 تجربة في الحقول مباشرة بين عامي 1986 و1993 في 32 بلدا([255]). ويفرض نفسه بالتالي الاحتفاظ بحد أدنى من تنوع سلالات البذور المحسنة كشرط للأمن الغذائي.
المخاطر الإيكولوجية
لا مناص من أن يكون للزيادات التي أتاحتها البيوتكنولوجيات في الإنتاجية تأثير موات على البيئة، إذ أن هذه الزيادات في الإنتاجية سوف تتيح الحد من توسع الأراضي الزراعية على حساب المناطق البيئية، خاصة مساحات الغابات، وتخفيف الضغط عن الأراضي الهامشية. غير أن البيوتكنولوجيات تجلب أيضا نصيبها من المخاطر الإيكولوجية: تكاثر النباتات المطورة جينيا (باكتساب القوة، بارتفاع الخصوبة، باختصار المدد الفاصلة بين كل إزهار وآخر، باكتساب المقاومة ضد مبيدات الأعشاب، إلخ.)، أو التعديلات في بنية وحجم أعداد الحشرات، أو أيضا انتخاب عوامل جديدة مسببة للأمراض استجابة للنباتات المقاومة للمرض. وتفسر هذه المخاطر، التي تضاف إليها مخاطر تسمم الإنسان([256])، عدم الثقة البالغ لدى الرأي العام تجاه البيوتكنولوجيات الحديثة، مع أن نتائج التجارب التي أجريت حتى الآن تتجه إلى إثبات أنها جديرة جدا بالثقة. ويتفاقم أحيانا عدم الثقة هذا نتيجة للسر الصناعي المكتوم تماما الذي يحيط بالأبحاث في هذا المجال وكذلك نتيجة للشك في أن عددا كبيرا من الخبراء والمسئولين ليسوا محايدين، نظرا لاعتمادهم إزاء جماعات الضغط الاقتصادية.
وبين كافة الأخطار الجديدة، فإن تدفقات الجينات هي التي تسترعي اهتماما أكبر، إذ أن انتشار الخصائص المطورة جينيا، يتجاوز إلى حد كبير الانتقال البسيط لهذه الخصائص إلى أعداد نوع أصلي. وسيتم انتشار الخصائص المطورة جينيا إلى كل أصناف النوع الواحد نتيجة لإمكانات التهجين. كما يمكن أن يتجه هذا الانتشار نحو أنواع أخرى لديها قابلية "الإخصاب المتبادل" مع النوع الذي ينتمي إليه النبات المطور جينيا. وعلى هذا النحو يمكن أن تتضاعف أعداد النباتات المتوالدة ذاتيا والمقاومة لمختلف أنواع مبيدات الأعشاب، فتنتشر "أعشاب ضارة" لا تكون مبيدات الأعشاب فعالة ضدها. وعلى سبيل المثال، فإن بزر اللفت المطور جينيا أطلق جينه المقاوم للأعشاب الضارة، ناشرا حبوب اللقاح على مسافة عدة كيلومترات، مخصبا بذلك الأصناف البرية منه، على حين أن الخبراء كانوا يقدرون أن احتمال الانتقال لا يمكن أن يتجاوز الصفر عمليا على مسافة 500 متر([257]). ومتحدثا عن تجارب "عشوائية" لم يسبق لها مثيل، يقدر جيريمي ريفكين Jeremy Rifkin، في عمل حديث من أعماله أن عددا من النباتات المطورة جينيا التي تحملها محاصيل في طريقها إلى التسويق في العالم بأسره تحتوي على خصائص قابلة لإضفاء ميزة تنافسية صافية على الأصناف البرية التي يمكن أن تهاجر إليها [...] والواقع أن العولمة السريعة للتجارة واتساع نطاق الرحلات بين القارات يكفلان عمليا احتمال أن الأصناف البرية الملوثة بالجينات المطورة transgénes سوف تنتهي عاجلا أم آجلا إلى الهجرة من منطقة في العالم إلى أخرى، مؤدية إلى انتشار التلوث الجيني إلى مجموع الكوكب"([258]).
 
الأخلاقيات البيولوجية: مشاركة وإشراف المجتمع
في أيار/ مايو 1994، تم تكليف 16 مواطنا عاديا في المملكة المتحدة بتقييم مخاطر ومزايا بيوتكنولوجيا النباتات ووضع تقرير بهذا الشأن، مع صياغة توصيات. واختير المشاركون من بين 350 شخص متطوع استجابوا لدعوة تم طرحها في كل أنحاء البلاد. ومن المفترض أنه تم اختيار ثمانية رجال وثماني نساء يمثلون تنوع المجتمع البريطاني. كانت التجربة تهدف إلى تشجيع الجمهور العريض على بذل جهود أكبر في الديمقراطية للمجتمع ـ وقد نشأ هذا المفهوم في الدنمارك في ثمانينيات القرن العشرين حيث تم اعتماده لمناقشة المسائل العلمية والتكنولوجية المطروحة للجدال الأخلاقي.
وفي تقريرها، اعترضت هذه المجموعة على مطالب المهنيين في هذا القطاع الذين أرادوا أن يكون بوسعهم أن يسجلوا براءات النباتات الجديدة التي تم الحصول عليها في مختبراتهم. كما أعلنت المجموعة قلقها إزاء التجاوزات المحتملة للوائح والقواعد المنظمة للتجارب الجينية. وتم اقتراح حلول: على سبيل المثال، أوصت المجموعة بأن تعين الحكومة وسيطا مستقلا مكلفا بالإشراف على التجارب، خاصة على المشروعات التجارية الكبرى، وبالتحقق من أنه لم يطرأ أي تحول على البيئات الأحيائية biotopes المجاورة. كما قدرت مجموعة العمل أنه يتعين على الحكومة أن تقدم المزيد من الدعم للأبحاث "بهدف تنمية المزايا في سبيل المجتمع إلى حدها الأقصى، بدلا من إطلاق العنان للقطاع الخاص، المدفوع بدوافع الربح فقط".
وفي الآونة الأخيرة جرت تجربة مماثلة في فرنسا حيث تم، بمبادرة من رئيس المكتب البرلماني لتقييم الخيارات العلمية والتكنولوجية، جان ـ إيڤ لو ديو Jean-Yves Le Déaut، تنظيم "مؤتمر للمواطنين " يومي 20 و21 تموز/ يوليه عام 1998 في باريس بشأن استخدام الكائنات الحية المعدلة جينيا في الزراعة وللغذاء. وفى هذه المناسبة، تناقش أربعة عشر مواطنا مع الخبراء الذين أعلن عدد منهم، باسم تدبر العواقب ومبدأ الاحتياط، تبنيهم ضرورة تأجيل دفع الديون الخاصة بتسويق الكائنات الحية المعدلة جينيا، على حين أن خبراء آخرين دعوا مجموعة المواطنين على كل حال إلى أن يأخذوا في اعتبارهم الرهانات الاقتصادية للنبات المطور جينيا. وقد تم أخذ آراء المواطنين الأربعة عشر وآراء الخبراء في الاعتبار في التقرير التمهيدى الذي قدمه المكتب البرلماني إلى الحكومة.
المصادر:
Susan Watts, The Independent, Londres, in Courrier International, n° 227, 9-15/3/95. Catherine Vincent, Le Monde, 23 juin 1998.
 
 
غير أن المخاطرة ستكون أقل أهمية خاصة وأن النباتات المزروعة ستكون معزولة جغرافيا عن النباتات البرية ذات القرابة ومحرومة من الإخصاب المتبادل معها. هذا هو الحال بالنسبة لأغلب النباتات الأوروبية، مثل الحبوب الغذائية، والتبغ، إلخ. غير أن هذا ليس هو الحال بالنسبة لأنواع مثل بزر اللفت أو بنجر السكر أو بقل الهندباء في فرنسا، ولا لأنواع مثل الذرة الشامية في المكسيك، إلخ. ولهذا فإنه يمكن على الأقل، توقع أن تنتقل المقاومة المطورة جينيا إلى القرابات البرية للنباتات المطورة جينيا transgénique عند زراعة هذه النباتات في المناطق الأصلية للنباتات ذات القرابة، ولهذا فإن التكاثر مضمون إن جاز القول.
كما أن نقل الجينات إلى النباتات الميكروبية لم يعد مستحيلا أيضا، إلى حد أن هذه التدفقات الجينية يمكن أن تنطوي على مخاطر إيكولوجية خطيرة، على وجه الخصوص في البلدان العاجزة ماليا عن تنظيم حلول سريعة لهذا النوع من الظواهر([259]). ومن جهة أخرى أكدت دراسة حديثة أجراها في فرنسا معهد العلوم النباتية، التابع للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، الزيادة البالغة في أعداد الميكروبات في أعقاب إدخال محاصيل مطورة جينيا، وهو ما يؤكد ضرورة أن يسبق تسويق هذه المحاصيل تقييم للمخاطر وإحاطته بحد أقصى من الاحتياطات([260]). وتوجب المخاطر الجديدة التي قدمتها الهندسة الوراثية ترسيخ يقظة أحيائية حتى يمكن تأمين وظيفة الإنتاج في سياق شروط الأمن المتزايد، مهما كان مستوى تنمية البلدان. ويفترض هذا إستراتيجيات وقدرات تمويلية قومية ودولية تتلاءم مع كل وضع قومي على حدة.
وتثير البيوتكنولوجيات أيضا مشكلة أساسية على مستوى البيئة. أفلا تشكل البيوتكنولوجيات بالفعل خطرا حين تقوم باستنباط أنواع متزايدة التكيف مع بيئة يتم تحويلها هي ذاتها بلا انقطاع بأن تسمح بتفادي أو إرجاء اعتماد التدابير التي تفرض نفسها للمحافظة على البيئة؟ ولهذا فإنه يجدر بنا أن نفكر بعناية في العواقب: عندما يتم طرح فكرة أنه نظرا لأن النظم الإيكولوجية للنباتات البرية في طريقها إلى الزوال بكل سرعة فإنه يغدو من الضروري تنمية مصادر بديلة في المختبرات، فإن هذا يعني أن نقبل ضمنا اغتيال الطبيعة وأن نوافق إلى هذا الحد أو ذاك على إضفاء الطابع الصناعي على الحياة والكوكب. ومن وجهة النظر هذه فإنه مع المزيد من قيام ضغوط الزيادة الديموغرافية بتقليص الغابات والمواطن النباتية الأخرى سيكون الجنس البشرى معتمدا على المنتجات التخليقية أكثر من اعتماده على ثمار الطبيعة. ولابد أيضا أن نتذكر أن التطوير الجيني ليس دائما ملاذا اضطراريا، وأن احتياطيات الإنتاجية تظل ضخمة في بعض البلدان النامية. ويرى جول پريتى Jules Pretty، مدير مركز البيئة والمجتمع بجامعة إسكس، بالمملكة المتحدة، الذي أعد تقريرا بشأن هذا الموضوع للأمم المتحدة، أن استخدام أساليب الزراعة العضوية، في البلدان التي ما تزال تستمر فيها الأساليب التقليدية، يمكن أن يزيد المردودات زيادة كبيرة: في السنغال، سجلت زيادات في إنتاجية الذرة الرفيعة والذرة البيضاء بنسبة 300%؛ وحققت كل من بوركينا فاسو وغواتيمالا والهند زيادات مماثلة([261]).
وإذا كان ينبغي أن ندعم بقوة "إضفاء الطابع العلمي" على أنشطة وقرارات البشر، أفلا ينبغي التمييز بوضوح بينه وبين اتجاه إضفاء الطابع الاصطناعي على الحياة والتربة والكوكب، هذا الاتجاه الذي يزحف اليوم، باسم الضرورات الاقتصادية الإلزامية القصيرة الأجل، بدون بوصلة وبدون اهتمام بالاختلالات الإيكولوجية والأضرار الاجتماعية التي يمكن أن يجلبها؟ ولا مناص، في نظري، من أن تفضي البيوتكنولوجيات إلى زيادة إمكانيات كل فرد بشري، بدلا من طرد الإنسان والمادة الحية والطبيعة لصالح عالم من "الأوهام" التقنية ـ المالية.
ولتفادي إضفاء الطابع الاصطناعي بصورة متعاظمة على التربة، والاستخدام غير المجدي أو الخطر لمنتجات من كل نوع لم تخضع بعد لاختبارات كافية، فإنه يبدو أنه لا غنى عن وجود "تقنيين إيكولوجيين" في المجتمعات الريفية. وينبغي أيضا توجيه المزيد من الاستثمار إلى الأبحاث، حتى يتم في كل مجتمع تدريب مسئولين قادرين على تحديد الخيارات الزراعية والبيوتكنولوجية التي تفرض نفسها.
المخاطر الاقتصادية والسياسية
يمكن أن تطالعنا الثورة البيوتكنولوجية بالنسبة للبلدان النامية ذاتها بوجه جانوس un visage de Janus الغنى بالوعود، ولكن أيضا بالمساوئ. فالبيوتكنولوجيات تنطوي بالفعل على أخطار بالغة بالنسبة للجنوب. فهي يمكن قبل كل شيء أن تؤدي إلى تبعية مالية وتكنولوجية كبيرة إزاء بعض الشركات الكبرى في البلدان الصناعية، تلك الشركات التي تتركز في أيديها الإنجازات المتحققة في هذا المجال، نتيجة للتكلفة المرتفعة جدا للأبحاث الجينية المرتبطة بحمض نواة الخلية (دنا). وعلى سبيل الإيضاح، قامت شركات القطاع الخاص عام 1993 بتنفيذ 71% من تجارب النباتات المطورة جينيا وسط الحقول([262]). ولإعطاء فكرة عن حجم المخاطرات، يشير جيرمي ريفكين إلى أنه توجد في الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، 1300 من مشروعات البيوتكنولوجيا تستخدم أكثر من مائة ألف شخص وتبلغ إيراداتها السنوية حوالي 14 مليار دولار([263]). والأرباح المتوقعة، على مستوى العالم، وفي مستقبل قريب، هائلة: وفقا لوزارة التجارة والصناعة البريطانية، ستصل سوق البيوتكنولوجيات إلى مستوى 100 مليار دولار خلال العامين القادمين؛ وتأمل دراسة للجمعية الأوروبية للصناعات البيولوجية الوصول إلى حجم قيمته 285 مليار دولار من الآن وحتى عام 2005([264]). وهذا أمر يفتح الشهية! ووفقا لسيلڤى بوني Sylvie Bonny ينشأ أحد الرهانات الرئيسية للبيوتكنولوجيات من واقع أن "القطاع الخاص من المحتمل أن يفضل تلبية المطالب التي تخص الطلب القادر على الدفع وليس إشباع حاجات أولئك الأكثر حرمانا"([265]). وعلى عكس عصر مالتوس، فإن مفاتيح الثورات الزراعية المقبلة لم تعد بين أيدي فلاحين ذوي مروءة وشهامة gentlemen farmers وتقريبا محبين للبشر بل صارت في أيدي عدد من الشركات الزراعية الكيميائية والبيوتكنولوجية الكبرى التي تتنافس على عرض منتجات جديدة تستند إلى براءات اختراع وإلى الملكية الفكرية. وبهذا الصدد يشير المؤرخ وعالم المستقبليات البريطاني الكبير ﭙول كينيدي، الأستاذ بجامعة ييل، إلى خطر "الإمبريالية البيولوجية"، ويضيف: "ماذا سيحدث إذا شجعت دول أو بلدان بعينها أساليب جديدة على حين تعترض عليها غيرها؟ وفي عصر الشركات المتعددة الجنسيات، ستقوم هذه الشركات بكل بساطة بنقل استثماراتها في الأبحاث والتطوير ـ والباحثين الشباب النابهين الذين تغريهم ـ إلى بلدان ترغب في استقبالها؛ وبالفعل اختارت الشركات الصيدلانية الألمانية الكبرى، على سبيل المثال، أن تقيم فرق أبحاثها في مجال حمض نواة الخلية (دنا) في الولايات المتحدة نظرا للقيود القائمة في بلد منشئها [ألمانيا ذاتها]"([266]).
وينشب الآن صراع حقيقي بين الشركات الكبرى التي تحاول تسجيل براءة اختراع الكائن الحي، أيْ النباتات أو الحيوانات أو حتى الكائن البشرى ذاته، وبين البلدان النامية التي تسعى إلى المحافظة على الميراث الجيني، ومواردها المحلية، ومعارفها التقليدية (مع أن هذه الأخيرة لا يمكن تسجيل براءات اختراع بها): وفقا لأحد الخبراء فإن "الميراث البيولوجي البشري غير القابل للتصرف الذي يمثل الحصيلة الجينية لملايين السنين من التطور يتم الآن تحويله إلى ملكية فكرية خاصة [...] وتتمثل المشكلة الأساسية لمنح البراءة في معرفة ما إذا كانت هذه الجينات والأنسجة والأعضاء والكائنات الحية التي تمت معالجتها في المختبر اختراعات للإنسان أم مجرد إبداعات للطبيعة قام الإنسان بتعديلها بمهارة"([267]). فهل يمكن الحديث حقا عن اختراعات بشرية؟ يبدو لي أن الإجابة بالنفي. وبالعكس فإن من المحتمل أن تتم ترجمة براءة اختراع الكائن الحي إلى إمكانية قيام بعض المجموعات الصناعية الكبرى بالتحكم في مختلف مظاهر الكائن البشرى، وفي إضفاء الطابع التجاري على "تجديده" أو "إصلاحه"، وممارسة سلطة احتكارية على المحاصيل الأساسية الأكثر أهمية، وعرقلة تدفق المعلومات بشأن المادة الجينية، وبالتالي كبح منجزات الطب والإنجازات المتحققة في مجال الأمن الغذائي. ويرى عدد من الخبراء والمواطنين أن منح براءة اختراع الميراث الجيني يشكل إضفاء حقيقيا للشرعية على "سطو" اقتصادي وإيكولوجي: يتم نهب مورد ينبغي على العكس "أن يبقى مائدة مفتوحة وحرة وجماعية لأجيال الحاضر والمستقبل"([268]).
ويحدق خطر آخر ـ سبقت الإشارة إليه ـ باقتصادات العالم النامي هو: الإنتاج في المختبرات in vitro لبدائل المنتجات المدارية، المصنعة في مختبرات الشمال، قد يؤدي إلى تسارع انخفاض نسبة العاملين في الزراعة في تلك البلدان التي يكون فيها التحول من الوظائف الزراعية إلى غير الزراعية غير متناسبة مع مستوى تنمية البلدان المعنية، وذلك نتيجة لنقص تعليم السكان، الأمر الذي قد يعنى الإلغاء المبتسر للوظائف التقليدية. وبالتالي فإن البشرية قد تكابد خلال العقود القريبة المقبلة ويلات الأزمة الزراعية التي عرفتها بلدان مثل فرنسا بين 1950 و1980، دون أن تتوفر لديها وظائف غير زراعية كتلك التي استطاعت البلدان المتقدمة أن توفرها لأجيال من مهاجريها الريفيين([269]).
وفى هذا الصدد، يسوق ﭙول كينيدي بعض الأمثلة المعبرة التي جمعها العديد من الباحثين الثقاة في مؤلفهم الجماعي Plants, Power and Profit([270]). إن سكر القصب، مثلا، حل محله إلى حد كبير بديل الجلوكوز ومواد تحلية صناعية أخرى [بديلة للسكر]، رغم أن هذا المحصول الطبيعى كان يوفر أسباب العيش للملايين في الجنوب. وبإمكان الكيميائيين الآن أن يقوموا بتصنيع الڤانيللا، وهي مادة تصديرية أساسية في مدغشقر. ويواجه زيت جوز الهند، الذي توفر صادراته أسباب العيش جزئيا على الأقل لربع سكان الفليبين، خطر أن تحل محله بدائل مأخوذة بالمعالجة الجينية لفول الصويا أو بزر اللفت. أما إنتاج المطاط في المختبرات، فإنه يمكن، عندما يصير واقعا فعليا، أن يلقي بنحو 16 مليونا من الأفراد إلى البطالة في البلدان التي تزرع شجر المطاط، خصوصا ماليزيا وإندونيسيا.
أما الخطر الثالث، الوثيق الصلة بالخطرين الأولين، فإنه يتمثل بالتالي في أنه، في الأجل الطويل أو الطويل جدا، كما يتوقع هؤلاء الخبراء أنفسهم، سيحدث نزوح كبير للإنتاج الزراعي (أو لبدائله) إلى خارج البلدان النامية، مما يهدد موقفها التجاري ويمكن أن يفاقم من عبء ديونها واعتمادها الشامل إزاء بلدان أكثر صناعية. وفى الوقت الذي تنشغل فيه الآراء، داخل البلدان الأكثر ثراء، بحدوث "ترحيلات" صناعية أو في مجال الخدمات، وهذا خطأ في رأينا لأن ما يتعرض للخطر ليس فقط تنمية الجنوب بل أيضا التنمية العالمية وسلام العالم، ربما كان يوشك على الحدوث ترحيل مضاد واسع النطاق للإنتاج الزراعي من الجنوب إلى الشمال، نتيجة لانتقال الإنتاج الغذائي إلى مرحلة فائقة العلمية.
وينبغي أن نضيف أنه حتى إذا نجحت البلدان النامية، بمساعدة التعاون الدولي المتعدد الأطراف والثنائي، في تجاوز معظم العقبات التي تعرقل دخولها إلى عصر ’البيوتكنولوجيا‘، ودخلت بسهولة في الإنتاج في المختبرات in vitro، فإن استقرارها الاجتماعي الداخلي قد يتعرض مع ذلك لمحنة قاسية، نظرا لأن الملايين من الوظائف ستكون مهددة بالاختفاء في أرياف الجنوب، بما يؤدي إليه ذلك من نتائج اجتماعية وثقافية ضخمة، ما لم يتم توقع واستباق هجوم هذه التغيرات الرئيسية عن طريق الأبحاث المستقبلية وعن طريق قرارات سياسية شجاعة: إن هذا يجعل الانتقال إلى مجتمع للتعليم والمعرفة والثقافة أمرا أكثر ضرورية.
المخاطر الثقافية والاجتماعية
نتيجة لتزايد الاحتياجات في الطاقة ذات المنشأ النباتي وكذلك لندرة المساحات المتاحة لزراعة تقليدية، يبدو أن البيوتكنولوجيات ستكون مرحلة انتقالية إلزامية من أجل الإمداد الغذائي للبشرية. ومن المحتمل أن يعجز السكان الأكثر حرمانا في العالم عن اجتياز هذه المرحلة بدون عملية تثاقف acculturation تتطلب تدريبا مكملا للتعليم الأساسي. على أن التصورات الحالية عن الطبيعة ومكوناتها، من نبات وحيوان، والأرض وخصوبتها، والمياه وخصائصها، وكذلك التقاليد والأساطير المرتبطة بها، ستخضع جميعا لتغيرات عميقة، وقد تنطوي هذه التغيرات، في حد ذاتها، على عوامل إعادة بناء، بل حتى تدمير النظم التقليدية. وكما أشرنا من قبل، فإن ثلاثة أرباع التنوع الجيني للمحاصيل الزراعية اختفت منذ عام 1900. ويمثل الانخفاض الكبير للوظائف الزراعية المرتبطة بالميكنة الكثيفة للاستثمارات الزراعية في البلدان الصناعية واقعا تاريخيا. وإذا تعززت الاتجاهات الحالية، بعد عام 2000، فإن مئات الملايين ممن يفلحون الأرض سيكون محكوما عليهم، خصوصا في الجنوب، بتحول مؤلم، كما أن من المحتمل أن المعارف التقليدية للشعوب التي ظلت تزرع أو تربي هذه الأنواع المنقرضة بدورها ستختفي بسرعة.
وفي هذه الأوضاع، يبدو من الضروري تعزيز الوظائف الإثنوـ نباتية لليونسكو، حتى يمكن أن يتم، بالتعاون مع منظمة الفاو ومنظمة الصحة العالمية، الشروع في إنشاء معهد لكنوز المعارف الفلاحية المتصلة بالأنواع والعادات الزراعية والغذائية والعلاجية الخاصة بمختلف ثقافات العالم. وإذا كان يتم تقليديا، كما يؤكد معهد المراقبة العالمية، استخدام أكثر من 6000 من نباتات الغابات كدواء طبيعي، وإذا بيع كل عام أكثر من 100 مليار من الأدوية التي تستمد مكوناتها الفعالة مصدرها من الغابة، فإن البشرية يمكن أن تجني فائدة كبرى من فرز وإحصاء مثل هذا الميراث قبل اختفائه المحتمل. ويمكن أن تشكل مجموعة الأبحاث هذه جزءا من الهبة المقدمة لسكان الأرض في القرون المقبلة.
لقد آن الأوان لنعيد إلى الزراعة عناية الإنسان: التقننة technicisation لها حدودها ولا يجب أن تجعلنا نغفل أهمية إنتاج زراعي مرتفع النوعية، بالإضافة إلى ضرورة دعم نوعية الحياة في البيئة الريفية. وهذا جوهري ليس فقط للمحافظة على الوظائف الزراعية بل أيضا لكبح جماح الهجرات التي تغذي اتساع الأحزمة المحيطة بالحضر التي يسودها الفقر المدقع، وهى التربة الحديثة للعنف وعدم الاستقرار الاجتماعي.
السيطرة على البيوتكنولوجيات
لوضعها في خدمة الجميع
يتطلب ازدهار البيوتكنولوجيات اهتماما وتشاورا يقظا بوجه خاص من المجتمع الدولي والمجتمع العلمي وكذلك اللجان الأخلاقية. وينبغي أن نلاحظ في هذا الشأن أنه لا توجد حتى الآن هيئة دولية مستقلة مسئولة عن متابعة وتقييم الإنجازات في مجال البيوتكنولوجيات. ألم يئن أوان إنشائها، داخل منظمة الفاو مثلا؟ والواقع أن استخدام الهندسة الوراثية يفرض إحياء يقظة أحيائية قومية ودولية، من أجل تأمين وظيفة الإنتاج في شروط أمن متزايد، مهما كان مستوى تنمية كل بلد. ويجب أن يتحد المواطنون تماما في هذا الجهد في سبيل اليقظة الأحيائية. ووفقا لتأكيد بياتركس تاپيشتر Beatrix Tappester، من المعهد الإيكولوجي الألماني، فإن شركات البيوتكنولوجيا "عملت وفقا لمبدأ: من بعدنا الطوفان".
وبأخذ التوسع الديموغرافي الحالي في الاعتبار، فإن هناك حاجة إلى زيادة الإنتاج الغذائي. كما أن القوى الدافعة نحو الثورة البيوتكنولوجية حاسمة جدا، حتى أن من الصعب أن نتصور كيف يمكن أن تتوقف الحركة في الطريق. فهل يمكن من جهة أخرى أن يكون هذا مرغوبا فيه؟ وكما أكدت الأكاديمية الفرنسية للعلوم في 1993([271])، فإنه "إذا كان لا مناص من أن يصطدم التطوير الجيني للنباتات بأي عائق غير العوائق العلمية، فقد يتمثل هذا العائق في احتمال أن يتعرض ازدهار الزراعة في القرن الحادي والعشرين للخطر جزئيا على الأقل".
غير أن الأداة يجب أن تبقى في خدمة الإنسان ولا يجب أن تستعبده. لكن إذا اقتصر التعاون الدولي على إجراء شديد الحذر، إزاء المصالح الصناعية الهائلة المشاركة، فإن البيوتكنولوجيات ستواجه، على حد تعبير پول كينيدي، خطر خلق عالم من "الفائزين" و"الخاسرين". ووفقا لجول پريتى Jules Pretty فإن البيوتكنولوجيات سوف تجلب التحسينات الهائلة "بشرط أن تقوم مؤسسات عامة بكل اهتمام بتمويل الأبحاث لمصلحة الناس". وفي غياب إرادة سياسية للتضامن وتعاون دولي نشيط، علمي وتكنولوجي على وجه الخصوص، فإن "قرن الخصب" المستقبلي لن يفيد بالضرورة أولئك الأكثر حاجة إلى الغذاء. وسيكون محكوما على ملايين من الفلاحين بتحول ضخم جدا. وكما يشدد فيليپ كولومب Philippe Collomb، فإنه لا مناص من أن تتركز الأبحاث الجينية الزراعية في المستقبل ليس فقط على القمح والذرة الشامية والأرز، بل أيضا على محاصيل الجذور والدرنات، نظرا لأن هذه الأخيرة تتمتع بأهمية رئيسية في النظام الغذائي لبعض البلدان الأكثر معاناة من سوء التغذية، في أفريقيا على وجه الخصوص([272]).
وفضلا عن هذا فإن البلدان النامية بعيدة عن أن تقف عاجزة أمام البيوتكنولوجيات، التي تشارك فيها الآن وسوف تشارك فيها في المستقبل بإسهامات رئيسية. وبهذا المعنى فإن لدى البلدان النامية، كما يشير بعض الخبراء، فرصا في المشاركة في ازدهار البيوتكنولوجيات أكبر كثيرا من فرصها في المشاركة في ازدهار الإنسان الآلي أو التقنيات التمويلية الدولية. والواقع أن عددا كبيرا من الأبحاث في البيوتكنولوجيا تجعل المادة الرمادية، الذكاء، أكثر ضرورية من رؤوس الأموال. وقد شرعت بعض البلدان النامية حتى في استثمارات ثقيلة في هذا المجال: هل ينبغي التذكير أن الصين والهند هما اللتين تعدان بين البلدان الأكثر تقدما في مجال استخدام الكتلة الأحيائية والغاز الأحيائي كمصدر للطاقة؟
وفي مواجهة الاضطرابات الحالية، فإن نتيجة السباق بين الزيادة الديموغرافية ـ حتى البطيئة ـ والإنتاج الزراعي للجميع تظل غير مؤكدة. غير أنه يمكن من جديد تكذيب كاسندرا Cassandra [=أنبياء الكوارث] بالتكنولوجيات الجديدة الخاصة بالمادة الحية. ونحن من جانبنا، مازلنا نثق بالمستقبل وبقدرات الكائن البشري على التوفيق بين الحرية والأخلاق. ونحن مقتنعون بالتالي أنه ينبغي، أكثر من أي وقت مضى، العمل معا وباحترام للسيادة الديمقراطية: من الحيوي الاستفادة بدور التعاون الدولي من أجل علم مازال في خطواته الأولى وينبغي تقدير نتائجه بدقة أكبر. والأمن الغذائي رهان حاسم ترتهن به حياة البشر. وكما يشير إدغار پيساني فإن "الجنوب يراهن ببقائه، والشمال بالتوازن والسلام العالمي"([273]). وبالفعل فإن الهجرات المرتبطة بالمجاعات تهدد السلام وكذلك التوازنات الداخلية والخارجية. ولم يعد بوسعنا أن نشهد كالمتفرجين العاجزين موقفا متناقضا تمول فيه البلدان الغنية زراعتها وفوائضها بكل سخاء على حين أن 840 مليون شخص في أماكن أخرى في العالم يعانون من الجوع وسوء التغذية ومنشغلون تماما بمعيشتهم اليومية عن الاهتمام بمستقبلهم.
ولا ينبغي إخفاء ضخامة التحديات التي يغدو المجتمع الدولي مدعوا إلى مواجهتها: من الآن وحتى عام 2015 سوف ينبغي رفع الإنتاج الغذائي العالمي بنسبة 75% إلى 100%، ويجب تأمين تحقيق هذه الزيادة الكبيرة بالأساليب المستديمة إيكولوجيا؛ وفى ذات الوقت، سوف ينبغي كسر المفارقة المخزية: "الجوع وسط الوفرة"، إذا استشهدنا بالمؤلفين الهولنديين لتقرير Scanning the future، [تشريح المستقبل].
وفيما وراء الحلول التقنية التي أشرنا إليها من قبل، فإن كل حل عالمي ومستديم لمشكلة الأمن الغذائي يعتمد في التحليل الأخير على السياسات التي تعالج الأسباب الأساسية للجوع؛ أي أشكال عدم المساواة، والفقر، ونقص التعليم، ونقص المعلومات، وعدم المساواة بين الرجال والنساء، وغياب الديمقراطية. وبهذا المعنى، فإن سياسات تعليمية ملائمة وكذلك تدابير تيسر وصول الجميع إلى المعرفة والمعلومات وإلى المهارات التقنية، لا غنى عن أن تصاحب كل شكل من أشكال الثورة الخضراء وكل شكل من أشكال الثورة البيوتكنولوجية والإصلاحات الزراعية الضرورية التي لم يشرع فيها إلى الآن عدد كبير من البلدان النامية. والواقع أن إحدى أفضل وسائل مكافحة تدهور النظم الإيكولوجية التي تخضع لها الزراعة بصورة وثيقة تتمثل في تحسين أمن أولئك الذين يعيشون على sur الأرض، ويجب أن يكون بوسعهم أن يعيشوا من de الأرض: لكي نقدم لهم فرصة تخطيط مستقبلهم وتوريث مستقبل لأجيال القرن الحادي والعشرين، ولإطعام أطفالنا غدا، فإن من البديهي أن "التربية" و"العلوم" الواردتين ضمن ألفاظ اسم اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، le "E" et le "S" de UNESCO)، تمثلان من الآن أفضل الاستثمارات.
منطلقات وتوصيات
3   مواصلة برنامج اليونسكو "الإنسان والمحيط الأحيائي للأرض" مع تجديده وتعزيزه من أجل دعم المحافظة على التنوع الأحيائي.
3   تشجيع الاحتفاظ باحتياطيات جينية ضخمة، داخل وخارج بيئاتها الطبيعية، ليس فقط بالنسبة للمحاصيل الهامة، بل أيضا بالنسبة لحفظ كثير من الأنواع النباتية والحيوانية غير المربحة.
3   تقوية آليات اليقظة الأحيائية القومية والدولية، خصوصا عن طريق الدعم النشيط للبحث الحكومي والدراسة حالة حالة لنتائج إنتاج واستخدام النباتات المطورة جينيا، والتي سيكون من الواجب أن يعهد بها إلى خبراء مستقلين تماما عن المصالح الاقتصادية الخاصة.
3         تأمين معلومات عامة أفضل ومشاركة فعلية في المناقشة الديمقراطية والعلمية والأخلاقية في هذا المجال.
3         دعم لصق بطاقات بتصنيف صارم للمحاصيل المعدلة وراثيا.
3   دعم قدرات البحث في مجال العلوم البيولوجية والبيوتكنولوجيات عن طريق مبادرات مثل المشروع غير العادي لليونسكو بشأن "البيوتكنولوجيات في خدمة تنمية أفريقيا".
3   تشجيع المساعي الحكومية والخاصة للتوصل إلى ابتكار بذور محسنة تتيح استغلال الأراضي غير المستغلة وغير الصالحة للزراعة، ونقل الخصائص المطورة جينيا لتحسين مقاومة ملوحة وحموضة التربة إلى بعض الأنواع المزروعة.
3   تشجيع المساعي العامة والخاصة للحصول على بذور محسنة جديدة أكثر إنتاجية من المنيهوت والإنيام والقلقاس تتحمل كل أنواع الشروط غير المواتية.
3   جمع ونشر المعارف التقليدية المتعلقة بالأنواع المزروعة والاستخدامات الزراعية والغذائية والدوائية لمختلف محاصيل العالم.
3         إقرار فترة سماح لبراءة الاختراع للميراث الجيني.
3   إدخال تدريب وفقا لمقتضيات الزراعة الحديثة، يستكمل، في المناطق الريفية، التعليم الأساسي لتأمين مواصلة الثورة الخضراء وتدريب تمهيدي على البيوتكنولوجيات.


12
نحو "ثورة فعالية الطاقة"
 
 
في غياب رؤية مستقبلية، تأخرت المجتمعات التي نشأت عن الثورة الصناعية في حساب تأثير استهلاك الطاقة على البيئة والصحة، إلى حد أن هذه المجتمعات صار عليها أن تواجه اليوم التراكم الذي لم يسبق له مثيل لغازات الدفيئة في الغلاف الجوى، وأن تقبل تحدى انتهاج سياسات باهظة التكلفة للحد من الانبعاثات. ويبدو أنه تم فجأة إدراك أن الخيارات الأولى التي أفضت إلى أن تنمو تجمعات حضرية كبرى على مساحات شاسعة في أمريكا الشمالية مثلا، تحسم إلى حد كبير ولعقود قادمة الاحتياجات من الطاقة. وعلى سبيل المثال فإن التخطيط الحضري لمدن غير كثيفة السكان مثل ديترويت وفوينكس (10 أفراد في الهكتار) أدى إلى تنقلات حضرية للسكان بمتوسطات سنوية تزيد ثلاثة إلى أربعة أضعاف على مثيلاتها في مدينة مثل باريس: ويعنى هذا متوسطا لاستهلاك الطاقة في وسائل النقل بالنسبة لمواطن فوينكس يزيد ستة أضعاف على مثيله بالنسبة للمواطن الباريسي. وهكذا تتجلى بصورة مباشرة الإنجازات التقنية الهائلة الضرورية في مجال فعالية الطاقة لتعويض الفارق الهائل في الطلب المسجل على الطاقة.
فضلا عن أنه إذا كانت المشكلات العملية المتصلة بإمداد الكوكب بالطاقة معقدة بصورة خاصة، فإنه ينبغي من الآن فصاعدا أن نعيد التفكير في طريقة تصورنا لتحديات الطاقة. وينبغي أن نكف عن التفكير في تنظيم شبكات الطاقة من زاوية الإنتاج والتوزيع وحدها، وأن نضع في اعتبارنا باهتمام أكبر العوامل البشرية. وكما يشير أموري لوﭭينز Amory Lovins، المدير والمؤسس المشارك لمعهد جبال روكي، فإن "تبديد الطاقة ليس مجرد خطأ طفيف يتم ارتكابه في إطار سياسات التنمية. ذلك أن المحرك أو المصباح الكهربائي غير الفعال إنما يستنفد في الواقع الأموال التي كان يمكن توجيهها نحو الإمدادات بالمياه الصالحة للشرب، أو تطعيم الأطفال، أو العمل من أجل مساواة المرأة"([274]). ولهذا، فإن السيطرة على مصادر الطاقة وتنويعها سيمثلان الهدف الذي سيكون علينا أن نكرس له جهودنا في القرن الحادي والعشرين.
الاحتياجات المستقبلية من الطاقة
حتى وإن اختلفت تقديرات الخبراء فإنه لا يوجد أدنى شك في أننا سوف نشهد في السنوات القادمة زيادة هائلة في طلب البلدان النامية على الطاقة. ووفقا للوكالة الدولية للطاقة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الطلب العالمي على الطاقة قد يرتفع، بحلول عام 2010، بنحو 40%، وسيكون نصيب البلدان النامية قد ارتفع من 27% حاليا إلى 40%([275]). ويقدر المجلس العالمي للطاقة، في سيناريو خاص بالارتفاع البالغ، أن الطلب العالمي على الطاقة يمكن أن يتضاعف من الآن وحتى عام 2020. ويمكن أن يمثل استهلاك البلدان النامية من الطاقة عندئذ 60% من إجمالي الاستهلاك العالمي: يمكن أن يرتفع استهلاك الفرد الصيني بنسبة 85% واستهلاك الهندي بنسبة 145%. والواقع أن استهلاك الطاقة يمثل أحد المصادر الرئيسية لانبعاثات غازات الدفيئة ( منها 55% من ثاني أكسيد كربون)([276]). وتقدر الوكالة الدولية للطاقة أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون ستكون قد زادت بنسبة الثلث على مستوى العالم وربما حتى 50% بحلول عام 2010. غير أن الارتفاع الضخم في استهلاك البلدان النامية من الطاقة لن يؤدي نتيجة لهذا إلى اختفاء الفجوة الضخمة التي تفصل في هذا المجال بين البلدان الصناعية والبلدان النامية. والواقع أن البلدان النامية، التي تضم أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم، ليست مسئولة اليوم إلا عن ثلث الاستهلاك العالمي من الطاقة. وفي المتوسط، يمثل استهلاك الفرد في البلدان النامية أقل من ثُمْن الاستهلاك في البلدان الصناعية: رغم الزيادات الضخمة التي كانت متوقعة في العالم النامي، إلا أن الفرد الصيني يمكن أن يظل يستهلك خُمْس ما يستهلكه الفرد الأمريكي من الطاقة بحلول عام 2020.
وإدراكا منهم لجمود شبكات الطاقة، اعتاد الخبراء، في هذا المجال، التطلع إلى مستقبل بعيد عند توقع قرارات الاستثمار من قبل القوى الفاعلة المعنية. وهكذا صارت لدينا أيضا سيناريوهات مستقبلية عديدة تصف موقف الطاقة، في 2020 و2050 بل وحتى عام 2100، وقد قام بإعدادها منتجو الطاقة أو المجلس العالمي للطاقة أو مجموعات جامعية. ويمكن تقسيم هذه السيناريوهات إلى مجموعتين تستندان إلى رؤيتين متمايزتين تماما في التنمية.
تقترح مجموعة أولى من السيناريوهات صورة للمستقبل تقوم على نموذج إنتاجوي productiviste "للتنمية بوفرة الطاقة"، يمكن أن يكفل نموا اقتصاديا قويا يقوم على إمداد غير محدود بالطاقة وعلى دينامية للتقدم التكنولوجي السريع. ويمكن أن تتفرع هذه المجموعة الأولى من السيناريوهات إلى بديلين رئيسيين: مواصلة السياسات الحالية ذات التوجه الليبرالي، مع تعديلها عن طريق تطبيق الاتفاقيات الدولية التي تم التفاوض عليها في كيوتو؛ وإذا لم يتم تطبيق هذه الاتفاقيات وظلت سياسات السوق الحرة سائدة، فلا مناص من تفاقم المشكلات القائمة حاليا. وفي هذا النوع من السيناريو المبنى على الفكرة الضمنية التي تؤكد وجود ارتباط متبادل صارم بين النمو الاقتصادي والاحتياجات من الطاقة، فإن مختلف المخاطر، المتراكمة على مستوى مرتفع بالنسبة للاقتصاد والبيئة والمجتمع على السواء تكون مقبولة كنوع من ضريبة التقدم التقني. ولا تختلف السيناريوهات عن بعضها إلا من حيث تقليل أو زيادة إحدى المخاطر بالنسبة إلى المخاطر الأخرى. وسرعان ما تصطدم هذه السيناريوهات بتناقضات عديدة: كيف يمكن أن نكفل الوصول السهل إلى الوقود الأحفوري إذا ارتفع استهلاكه بسرعة شديدة، في سياق الفوارق الاقتصادية المتزايدة وهي، قبليا a priori، غير مواتية لتنمية التبادلات التجارية العالمية؟ وكيف يمكن أن نواجه الضغوط البيئية، خاصة التغيرات المناخية التي لا مناص من أن تنتج عن الاستخدام المرتفع للطاقات الأحفورية أو عن إنتاج واسع النطاق للنفايات النووية؟
وعلى النقيض، تقترح مجموعة أخرى من سيناريوهات التنمية بالاعتدال في الطاقة، تحاول إعادة التوازن لسياسات الطاقة، مع إعطاء الأولوية الأولى للسيطرة على تطور الطلب على الطاقة، وتقليل مجموع مخاطر الأجل الطويل إلى حد أدنى. وانطلاقا من تحليل تفصيلي لاحتياجات التنمية من الطاقة في مدى زمني مستقبلي معين، تضع هذه السيناريوهات نصب عينيها مهمة تعزيز تنمية لبلدان الجنوب عن طريق خفض الاحتياجات من رؤوس الأموال التي يجعلها تطوير شبكات الطاقة ضرورية. وعلى العكس من سيناريوهات التنمية بوفرة الطاقة، التي تستند إلى تصور مشترك لسياسات الطاقة تهدف كأولوية إلى تنظيم سياق صناعي (الصناعة النفطية والغازية والكهربائية، إلخ.)، تفترض سيناريوهات التنمية بالاعتدال في الطاقة، تطورا ثقافيا عميقا نظرا لأنها تهدف التوصل إلى الفصل بين النمو الاقتصادي واستهلاك الطاقة ـ مما يفترض توسيعا لمجال تدخل سياسة الطاقة ليمتد إلى مجموع قطاعات الأنشطة الهيكلية للطلب (وسائل النقل، التشييد والبناء، التخطيط الحضري، المعدات الرأسمالية، إلخ.). والحقيقة أن المحددات الرئيسية للطلب على الطاقة ترتبط ارتباطا وثيقا ومستديما في كثير من الأحيان بالبنية الأساسية وبالخيارات المتعلقة بالتخطيط الحضري ووسائل النقل وشبكات توزيع السوائل (الطاقة، المياه، إلخ.). ومنظورا إليها من زاوية الأجل الطويل فإن السيناريوهات التي جرى إعدادها تتمايز أولا وقبل كل شيء بحجم الطلب على الطاقة وطبيعته وتوزيعه الإقليمي أكثر مما تتمايز بخيارات العرض المعتدلة.
استهلاك الطاقة
والتغيرات المناخية
تؤدى انبعاثات غازات الدفيئة ـ خاصة ثاني أكسيد الكربون ـ إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض: وفقا لتقرير تقييم المجموعة بين ـ الحكومية بشأن تطور المناخ، ينبغي أن نتوقع، من الآن وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين، ارتفاعا في درجة الحرارة، يتراوح بين 1ºم و3.5ºم([277])، ولا يتردد بعض هؤلاء العلماء عن التنبؤ بزيادة تصل إلى 5ºم. ويبدو أن دفء المناخ ماض في طريقه الآن: يُلاحظ بالفعل ارتفاع في درجات الحرارة منذ نهاية القرن التاسع عشر يتراوح بين 0.3ºم و0.6ºم([278]). وكان عام 1997 هو أكثر أعوام القرن حرارة، وقد أتاح تموز/ يوليه 1998 تسجيل أعلى متوسطات درجات الحرارة منذ بداية العمل بنظام الأرصاد الجوية في الكرة الأرضية. وفى 8 أيار/ مايو 1997، نشرت وكالة ناسا بيانات توضح أن القمة الجليدية لجزيرة غرينلاند تذوب بسرعة تصل إلى 3.5 أضعاف السرعة التي تتكون بها من جديد. ويمكن لهذا الدفء أن يؤدي إلى ارتفاع في منسوب المحيطات يتراوح بين 15 إلى 95 سنتيمترا. وينبغي أن نعرف أنه حتى إذا نجحت البشرية بالفعل في تثبيت انبعاثات غاز الدفيئة عند مستواها الحالي، فإنه لا مفر الآن من أن تتضاعف تركيزاته. وعلى أساس هذه الفرضية، وعلى أساس هذه الفرضية وحدها، تنبأت المجموعة بين ـ الحكومية بشأن تطور المناخ بأن تكون الزيادة في درجة الحرارة بين 1ºم و3.5ºم مع سيناريو متوسط يصل إلى +2ºم. ومع ذلك، تشدد المجموعة بين ـ الحكومية بشأن تطور المناخ على أن تركيزات الغاز ستزيد كثيرا (ثلاثة أو أربعة أضعاف)، وعلى أن النتائج ستكون كارثية بالأحرى إذا استمرت هذه الانبعاثات في الزيادة بالمعدل الحالي([279]).
وبطبيعة الحال فإن المجتمع العلمي ما يزال منقسما على نفسه حيث أن الأمر يتعلق بالتقييم بدقة لنتائج دفء المناخ ومداه وتطوره المتوقع. ويرى عالم الاقتصاد جان ـ كلود هوركاد Jean-Claude Hourcade أن "الدفء يطرح مسألة عقلانية القرارات السياسية في مواجهة مخاطر كبرى مشكوك فيها أو مجهولة". فما العمل مع الشك؟ وهل بوسعنا أن نقدم لأنفسنا ترف الانتظار أكثر من هذا؟ وكما يلفت أنظارنا محمد العشري، من الصندوق العالمي للبيئة، فإنه حتى إذا ثبت احتمال عدم حدوث دفء كوكب الأرض (وهو احتمال بعيد للغاية)، فإن كل استثمار يهدف إلى تحسين كفاءة الطاقة ستكون له نتائج إيجابية على الاقتصاد وصحة السكان([280]). ولهذا فإن من واجبنا التفكير الطويل الأجل والعمل بلا إبطاء، إذا كنا نريد ألا تتم ترجمة الانتظارية الحالية في المستقبل إلى أضرار لا يمكن إصلاحها.
ويمكن أن تتيح سياسات جريئة خفض انبعاثات غازات الدفيئة. غير أنه ما يزال يتم في كثير من الأحيان منح إعانات مالية بإسراف لصناعات الطاقة التي تلحق أضرارا بالبيئة: هذه هي الحالة بالنسبة لصناعة الفحم بصفة خاصة. ويوضح المجلس العالمي للطاقة أن الاستهلاك العالمي من الفحم يمكن أن يتضاعف من الآن وحتى عام 2020، وهذا توقع مثير للقلق الشديد نظرا لأن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم أقل كفاءة بكثير من تلك التي تعمل بالغاز. وبالمنطق السليم فإن الإعانات المالية التي تمنح للفحم سوف ينبغي إذن إلغاؤها بالتدريج. كما تفترض سياسة متماسكة في توفير الطاقة زيادة معقولة في سعر الكهرباء وتخطيطا ذكيا فيما يتعلق بوسائل النقل الحضرية. وعن طريق إلغاء الإعانات المالية الممنوحة لاستغلال واستخدام المحروقات الأحفورية، يمكن حفز المستهلكين إلى أن يقتصدوا في الطاقة وإلى أن يتحولوا إلى مصادر الطاقة البديلة: يمكن أن تتيح سياسة كهذه خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 4% و18%([281]). ويقدر المجلس العالمي للطاقة، فضلا عن هذا، أنه يمكن زيادة فعالية استخدام الطاقة بنسبة تتراوح بين 25% و30% في البلدان النامية، حتى بدون اللجوء إلى التكنولوجيات الجديدة. ومع ذلك، يشدد جوزيه غولدمبرج José Goldemberg على أهمية وصول البلدان النامية منذ الآن إلى أنظف التكنولوجيات، ضاربا مثال التوسع الذي لا يمكن تفاديه عمليا في مجال صناعة السيارات في تلك البلدان التي من المحتمل، ما لم يتم عمل شيء اليوم، الإضرار بأهداف طويلة الأجل فيما يتعلق بخفض انبعاثات غازات الدفيئة([282]).
غير أن البلدان الصناعية مطالبة بأن تضرب مثلا يحتذى، لأن هذه البلدان تستأثر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بـ 73% من إجمالي استهلاك الطاقة، ولأنها مسئولة تاريخيا عن تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوى منذ عقود. وفى قمة الأرض التي عقدت في ريو عام 1992، أقرت هذه البلدان فكرة "المسئولية المتمايزة" التي توجب عليها اتخاذ تدابير ملزمة بصورة أكبر. وفى الوقت نفسه، قبلت البلدان النامية المشاركة في جهود المحافظة على البيئة، مع الاحتفاظ بحق التعويضات المالية والتكنولوجية. ومن المؤسف أنه رغم التعهدات المقطوعة في ريو، لم تعتمد البلدان الصناعية التدابير التي يمكن أن تشهد بصورة فعلية "جهدا لعودة انبعاثات غازات الدفيئة كلها من الآن وحتى عام 2000 إلى مستوياتها في عام 1990".
وقد أقرت الولايات المتحدة وكندا وبلدان الاتحاد الأوروبي بالفعل أنها لن تكون في مستوى يتيح لها تحقيق الأهداف المحددة. وتتنبأ وكالة الطاقة الأمريكية بزيادة بنسبة 34% بالنسبة للولايات المتحدة حتى عام 2010([283]). ووفقا للوكالة الدولية للطاقة، فإن سويسرا ولوكسمبرج وألمانيا وهولندا ستكون وحدها في وضع يتيح لها السيطرة على انبعاثاتها من الغازات من الآن وحتى عام 2000. وفي البلدان النامية لا تعد الاتجاهات الحالية مشجعة بصورة أكبر: إذا تأكدت الاتجاهات الحالية فإن الانبعاثات بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادي يمكن أن تتضاعف عام 2025 إلى مرتين ونصف عما كانت عليه في 1990. وبين عامي 1990 و1995، كانت الزيادة في الصين بنسبة 27% وفى إندونيسيا بنسبة 40%، نتيجة نمو كبير للناتج المحلى الإجمالي على وجه الخصوص. وبالإضافة إلى هذا، فإن الاشتراكات والمساهمات المقدمة إلى الصندوق العالمي للبيئة مازالت غير كافية مطلقا؛ وفيما يتعلق بالفترة 1994ـ1997 لم يتلق هذا الصندوق سوى 4 مليارات دولار في صورة منح وتمويلات مشتركة، على حين أن تمويل التدابير التي أوصى بها في جدول أعمال 21 [جدول أعمال القرن 21] المعتمد في ريو كان في حدود 125 مليار دولار. وفضلا عن هذا فإن من الملائم أن يتم التقييم بكل عناية للمشروعات التي تدار إلى الآن في إطار الصندوق العالمي للبيئة ولمدى اتساقها مع جدول أعمال 21.
وإلى الآن، أتاحت التدابير الطوعية خفض زيادة التلوث، غير أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، على سبيل المثال([284])، مازالت مستمرة في الزيادة. وفي مؤتمر كيوتو بشأن التغير المناخي في كانون الأول/ ديسمبر 1997، تعهدت البلدان الصناعية الرئيسية أخيرا باتخاذ تدابير لخفض مستوى انبعاثاتها من غازات الدفيئة بحلول عام 2012 بنسبة 6% إلى 8% بالمقارنة بعام 1990. وما تزال هذه الإنجازات، وهي إيجابية دون شك، خجولة وغير كافية إلى حد كبير نظرا لضخامة المشكلة. وهي غير مرضية نظرا لأنه ما يزال يحيط شك كبير بالآليات التي ينبغي إيجادها على المستوى الدولي لتحقيق هذه الأهداف المتواضعة. وقد قام مؤتمر بوينوس آيرس بشأن التغيرات المناخية المنعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1998، والذي تتمثل قيمته الرئيسية في أنه أعطى البلدان النامية فرصة أن تأخذ دورا أكثر نشاطا مما مضى، بتحديد عام 2000 كموعد أخير للانتهاء من المفاوضات بشأن خفض انبعاثات غازات الدفيئة.
غير أنه يجدر بنا أن نشدد على عدد من المبادرات البالغة الأهمية. ونشير بصفة خاصة إلى المقترح الخاص بأن يكون بوسع مشروعات أو حكومات البلدان الصناعية أن تنفذ في الخارج مشروعات لنقل التكنولوجيات وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، مع تقييم نتائج هذه الاستثمارات في إطار أهدافها القومية الخاصة بالنضال ضد التلوث. وبالنسبة للبلدان النامية، سيمثل هذا فرصة للحصول على تكنولوجيات أكثر نظافة وفعالية. وبالنسبة للبلدان الغنية، سيكون هذا وسيلة لاحترام تعهداتها وخفض انبعاثات الغازات بأقل تكلفة: بالنسبة لمشروع نرويجي يكلف خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في النرويج 112 دولارا للطن المتري من غاز ثاني أكسيد الكربون، على حين أنه في المكسيك يمكن أن تنخفض هذه التكلفة حتى 35 دولارا للطن المتري([285]). وإذا كان يجب أن نشجع مثل هذه المبادرات، فإننا يجب أن نحرص على أن لا تكون هذه المبادرات من قبل البلدان الصناعية وسيلة رخيصة للتحرر من نفقات مسئولياتها الداخلية. ويجب أيضا تجنب أن ينتهي التخصيص الدولي لنسب التلوث التي يجيزها نظام للترخيص إلى قيام سوق لحق التلويث، سيعاني منه حتما سكان البلدان الأكثر فقرا.
 
المخاطر المرتبطة بتنمية نظم الطاقة
ترتبط أربعة أخطار رئيسية بتنمية نظم الطاقة: الخطر المناخي الناشئ عن تزايد تأثير الدفيئة، وأخطار ندرة ونفاد الطاقات الأحفورية والانشطارية، والأخطار المرتبطة بتطوير الصناعة النووية المدنية، والأخطار المرتبطة بتدهور التربة والتنافس على استخدامها.
ولهذه الأخطار خصائص مشتركة. والحقيقة أن نتائجها لا يشعر بها السكان على الفور، كما أنها غير قابلة لأن يقيسها العلماء بدقة. وعلاوة على هذا فإن هذه الأخطار تعتمد على بعضها البعض للغاية: إن إمكانية حدوث أحدها إما أن يبطئ حدوث آخر وإما، بالعكس، أن يعجل بحدوثه. ومن ثم فإنه يجب أن يؤخذ تشابكها في الاعتبار، في إطار استراتيجية وقائية فعالة، مع إدراك أن آجال واحتمالات حدوثها ونتائجها على مستقبل البشر مختلفة تماما. وأخيرا، فإن نتائجها يمكن أن تتجلى في شكل انقطاعات جذرية: إذا كانت ندرة الموارد الأحفورية ظاهرة مستمرة، فإن صعوبات خطيرة سوف تنشأ قبل نفاذها المتوقع في الأجل الطويل بوقت طويل، نتيجة للضغوط المفاجئة على أسواق النفط، بل حتى نتيجة لنزاعات إقليمية. وبصورة مماثلة، فإن دفء الأرض الذي يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة وإلى ذوبان للقمم الجليدية القطبية، من المحتمل أن يؤدي إلى تغيرات مفاجئة في ملوحة وحركة مياه المحيطات وأن يفضي إلى تطورات إقليمية مفارقة ووحشية، مثل الظهور المفاجئ لمناخ من نمط مناخ كويبيك في أوروبا لا يعود يدفئها تيار الخليج Gulf Stream.
المصادر:
Benjamin Dessus, « L énergie à l horizon 2020 et au-delà », note préparée pour l UNESCO, 1998. Jean-Paul Dufour, « Avec le réchauffement planétaire, l hiver canadien pourrait envahir l Europe », Le Monde, 2 janvier 1998.
 
استخدام الطاقات الأحفورية
سوف يستمر
يقدر عدد من الخبراء أن من غير المحتمل أن تتغير أنماط استهلاك الطاقة تغيرا جذريا خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. وسوف يستغرق الأمر عقودا عديدة قبل أن تنجح المؤسسات الكبرى المسئولة عن توزيع الطاقة في إدخال التكنولوجيات المرتبطة باستخدام الطاقات المتجددة في بنياتها الأساسية. ووفقا للسيناريو الأساسي للمجلس العالمي للطاقة، ستستمر الطاقات الأحفورية في تقديم 75% من الاستهلاك العالمي للطاقة من الآن وحتى عام 2020 (مقابل 80% اليوم)، على حين أن الطاقات المتجددة لن تمد إلا بنسبة 4% من الاستهلاك الإجمالي([286]). ومع ذلك فإن سيناريوهات أخرى ـ سنعود إليها بعد قليل ـ تشير إلى زيادة كبيرة جدا للطاقات المتجددة في الاستهلاك العالمي للطاقة من الآن وحتى عام 2050.
وفى مجال وسائل النقل وصناعة السيارات، تراهن كافة التوقعات على نمو هائل، مع ظهور أسواق جديدة في الصين والهند مثلا. ويمكن أن يتضاعف عدد السيارات المتداولة في العالم من الآن وحتى عام 2020. وسوف يرتفع الطلب على النفط عندئذ من 66 مليون برميل في اليوم حاليا إلى 94 مليونا في اليوم في عام 2010، وذلك ما لم تتح السيطرة على الطاقة ومردوداتها، جزئيا على الأقل، موازنة زيادة عدد المركبات.
ووفقا للمجلس العالمي للطاقة، فإن احتياطيات الأرض من النفط كافية لتأمين استهلاك يعادل الاستهلاك الحالي لمدة 60 عاما، أو حتى 175 عام، إذا تم استخدام مصادر "غير تقليدية" للنفط. غير أن سعر هذا النفط غير التقليدي مرتفع جدا في الوقت الحالي، ولا شيء يضمن أنه سينخفض انخفاضا كبيرا في مستقبل منظور. وبالإضافة إلى هذا، فإن نضوب الموارد التقليدية للنفط قد يتحول إلى مأساة، إذ أن النفط جوهرة من الجواهر، عجيبة من عجائب الطبيعة تشكل أساس الكيمياء العضوية برمتها. وسوف تظهر فيما بعد مشكلة، لأن استمرار الاستهلاك المفرط للنفط يعنى المخاطرة بحدوث تبدلات كبيرة في الأسعار وبحدوث عواقب وخيمة على المناخ، وعلى الاقتصاد العالمي، وعلى مستوى تلوث الغلاف الجوى، وعلى صحة البشر. ومن وجهة النظر هذه، فإن الاحتياجات المتزايدة للبلدان النامية من الطاقة والاستخدام الممتد للفحم في عدد من البلدان (الاحتياطيات كافية للإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية خلال 235 عام) ستؤدي حتما إلى زيادة انبعاثات وتركزات غازات الدفيئة. غير أنه، وفقا لبعض الأبحاث، فإن السياسات العامة لا تبدأ في دمج قضايا نوعية الهواء إلا عندما يقترب نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 5000 دولار([287]). ومن الآن إلى ذلك الحين فإن من المحتمل أن تكون الأضرار التي تصيب بيئة الكوكب والبيئة الطبيعية للبلدان النامية كبيرة، إذا لم نقم بأي عمل جدي لإبطال تنبؤات الخبراء.
فعالية الطاقة
ومع ذلك، يشك بعض الخبراء في أن استهلاك الطاقة محكوم عليه بأن يتزايد خلال السنين القادمة. وهم يأخذون على سيناريوهات المجلس العالمي للطاقة إخفاء مؤشر هام ـ تقسيم حصص السوق بين الطاقات الأحفورية والطاقة النووية ـ والاستناد إلى فرضيتين ضمنيتين متشائمتين للغاية ولا دليل على صحتهما: قد تصل مكاسب إنتاجية الطاقة إلى درجة التشبع في بلدان الشمال، على حين قد تكون بلدان الجنوب عاجزة عن تحسين أداء الطاقة فيها تحسينا كبيرا([288]).
والواقع أنه لا توجد علاقة جامدة بين نمو الناتج المحلى الإجمالي وارتفاع استهلاك الطاقة. وبطبيعة الحال فقد لوحظ هذا الارتباط المتبادل أثناء فترة "الثلاثين المجيدة" بين بداية الخمسينيات وعام 1973. وبالمقابل، ارتفع الناتج المحلى الإجمالي لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين عامي 1973 و1986 بنسبة 35% على حين أن استهلاك الطاقة لم يرتفع إلا بنسبة 5%. ويمكن بالتالي أن نشهد بالأحرى انخفاضا في زيادات الطاقة كلما تقدم التصنيع وتطور بلد على منحنى ارتفاع المهارات في مجال الطاقة([289]). وتبين دراسة حديثة أن كثافة الطاقة لكل وحدة قيمة مضافة تنخفض بنسبة 1% سنويا منذ ستينيات القرن التاسع عشر وبنسبة 2% سنويا منذ سبعينيات القرن العشرين، على حين أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة طاقة تنخفض بمعدل 0.3% سنويا([290]).
غير أن العلاقة بين استهلاك الطاقة والنمو الاقتصادي ومستوى المعيشة ليست بالوضوح الذي نظنه، وعلى سبيل المثال فإن الفرنسي لا يستهلك من الطاقة أكثر من البولندي، مع أن مستوى معيشته أعلى بأكثر من الضعف؛ وبالمقابل، يستهلك الأمريكي طاقة تصل إلى 2.3 ضعف ما يستهلكه الفرنسي مع أن قوته الشرائية لا تزيد إلا بنسبة الثلث تقريبا. وإذا كان استخدام الطاقة يرتفع، فإن تقدما تقنيا مماثلا يتيح في كثير من الأحيان التعويض عن زيادة الاحتياجات. وخلال العشرينيات، كانت المصابيح الكهربائية المتوهجة تستهلك خمسة أضعاف الكهرباء التي تستهلكها اليوم. وبالمثل، كانت بلدان الشمال تستخدم خلال الخمسينيات في المتوسط أربعة أضعاف الطاقة التي تستخدمها اليوم في التدفئة([291]).
ووفقا لبعض الدراسات، فإنه بمجرد أن يقترب الناتج المحلى الإجمالي للفرد من 2000 دولار سنويا، يكف استهلاك الأجهزة الأساسية ذات المحتوى المرتفع من الطاقة عن الزيادة([292]). ويعبر هذا الاتجاه إلى تحول المادة إلى طاقة عن نفسه بانخفاض في استخدام المواد المخصصة لإنتاج الطاقة كلما ارتفع المستوى التكنولوجي لمجتمع. ويميل الإنتاج إلى الاتجاه نحو السلع التي تدمج قيمة مضافة أكبر لكل "كيلو من المادة"؛ وهذه السلع قابلة بسهولة لإعادة التدوير وتستخدم أجهزة أكثر تعقيدا وأغنى بالمعلومات: على سبيل المثال، تحل كابلات الألياف البصرية محل كابلات النحاس([293]).
ومن هذه الزاوية، لم تعد تبدو فكرة تنمية مستديمة تربط بين الفعالية وصداقة البيئة، أملا كاذبا. ووفقا لبنجامان ديسي، "في الشمال كما في الجنوب لم يعد أحد ينظر إلى فعالية الطاقة باعتبارها متعارضة مع التنمية، بل على العكس باعتبارها أحد الشروط الرئيسية لهذه التنمية". وكما يشدد أوليڤييرو بيرناردينى Oliviero Bernardini وريكاردو غالي Riccardo Galli، فإن هامش المناورة مهم بصورة خاصة في البلدان النامية، حيث يمكن أن يتيح الغياب النسبي للبنية الأساسية الانتقال مباشرة إلى تكنولوجيا أكثر فعالية، بشرط أن تضع البلدان الصناعية في متناول أولئك الأكثر فقرا المعارف العلمية والموارد المالية الضرورية للاستثمار في تكنولوجيات المستقبل.
والواقع أن ظاهرة انخفاض كثافة الطاقة ظاهرة أكيدة في البلدان الصناعية. غير أن هذا الميل ما يزال غير ملحوظ في البلدان النامية إلى الآن. وتؤكد دراسة تغطى فترة 1962ـ1991 فرضية الانخفاض في عدد قليل من البلدان الغنية منذ السبعينيات؛ ومن الملاحظ، بالمقابل، وجود تكثيف في تركزات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة إضافية من وحدات الناتج المحلى الإجمالي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. والمؤلفان قلقان إزاء المستقبل، وهما يخشيان بصفة خاصة أن تنقل المشروعات القائمة في البلدان الصناعية أنشطتها الأكثر تلويثا إلى البلدان النامية لتفادي نظم ولوائح بلدان منشئها([294]). وبالإضافة إلى هذا، يظل قطاع وسائل النقل استثناءً هاما على الميل نحو انخفاض الطلب على الطاقة، حتى في البلدان المتقدمة.
وأخيرا، فحتى إذا اتجهنا نحو انخفاض في كثافة الطاقة مع مضى الوقت، فإن النمو الاقتصادي العالمي يقلل آثارها. وعلى حين أن كثافة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من القيمة المضافة أخذت تتناقص بنسبة 1.3% سنويا منذ عام 1860، فإن النمو الاقتصادي للعالم يصل إلى حوالي 3% في السنة. وبالتالي، فقد تتزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي بنسبة حوالي 1.7% سنويا منذ عام 1860([295]). وتفرض نفسها بالتالي سياسات نشطة إذا أردنا استغلال وتكثيف مكاسب الفعالية التي في متناولنا.
ووفقا لسيناريوهات أكثر تفاؤلا، يمكن أن تكون مواصلة النمو الاقتصادي مصحوبة بانخفاض في متوسط نصيب الفرد في استهلاك الطاقة. وبالفعل فإنه في عام 1987، حدد جوزيه غولدمبرج وتوماس جوهانسون Thomas Johansson وأموليا ريدى Amulya Reddy وروبرت ويليامز Robert Williams سيناريو يقوم على تحسين فعالية الطاقة وعلى استخدام أشكال من الطاقة أكثر صداقة للبيئة.
وفي الآونة الأخيرة أدخل المركز الوطني للبحث العلمي، في فرنسا، تحسينات على سيناريو "خيارات جديدة للطاقة" يقوم "على مواصلة جهود فعالية الطاقة في البلدان الصناعية وعلى تسريع التدريب على الطاقة في بلدان الجنوب"([296]). ويحدد هذا السيناريو لنفسه هدف تثبيت تركز غازات الدفيئة والمخزون العالمي من النفايات النووية الأشد خطورة، "بالتوصل إلى إمداد بالطاقة كاف لضمان التنمية للبشر الذين سيصل تعدادهم إلى 11 مليار نسمة على مشارف عام 2100"([297]). وعلى وجه الإجمال، يمكن القول إن الاستهلاك العالمي من الطاقة يمكن أن يصل، في إطار هذا السيناريو، إلى 10.1 مليار من مكافئ طن النفط سنويا بحلول عام 2020.
ووفقا لبنجامان ديسي، سوف يتيح التطور التكنولوجي في عام 2000 تعبئة جهد كهربائي من الطاقات المتجددة يساوى 3.3 مليار من مكافئ طن النفط، وهو ما يمثل ضعف ونصف الجهد الكهربائي المعبأ بالفعل في عام 1990. وعلى مشارف عام 2020، يمكن أن يرتفع هذا الجهد إلى خمسة مليارات من مكافئ طن النفط، وهو ما يناظر مجموع الإنتاج الإجمالي من النفط والفحم والطاقة النووية عام 1994. وإذا كانت الطاقات المتجددة لا تمثل حاليا إلا 17% من تجهيزات الطاقة، فإن ديسي يرى أن "هدفا بنسبة 30% يمكن أن يتيح استغلال ثلاثة أرباع الجهد الكهربائي الذي يمكن تعبئته بصورة مقبولة"، وأن التكلفة الإضافية المرتبطة بإقامة تجهيزات جديدة سيتم سدادها بسرعة بوفورات الوقود. بالإضافة إلى أن سيناريو "خيارات الطاقة الجديدة"، خلافا لسيناريو المجلس العالمي للطاقة، يمكن أن يتيح، خلال الفترة 1985ـ2020، تحقيق ما قيمته 6000 مليار فرنك فرنسي من الوفورات المرتبطة بإعادة معالجة الوقود النووي وحماية البيئة.
تدابير لابد من اتخاذها
يقترح التقرير الأخير للمجموعة بين ـ الحكومية الخاص بتقييم تغير المناخ عددا من التدابير التي يمكن أن تسهم في خفض انبعاثات غازات الدفيئة بصورة كبيرة. وعلى سبيل المثال، يتيح استخدام أفضل للأراضي الزراعية استزراع النباتات التي تمتص غاز الفحم، وبالتالي تخزين كمية كبيرة من الكربون([298]). وفى وسائل النقل، يمكن الحصول على خفض بنسبة 40% لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون عن طريق تحسين لاستغلال المنطقة ووسائل النقل المشتركة، وعن طريق تطوير محركات تستهلك بنزينا أقل، وعن طريق استخدام أنواع بديلة من الوقود. وفي الصناعة، يمكن خفض الانبعاثات بنسبة 25% عن طريق تكثيف جهود إعادة التدوير وتحسين مردود المعدات.
ويحتوي تقريران تم تقديمهما إلى نادي روما، هما Taking Nature into Account [أخذ الطبيعة في الاعتبار]([299]) وFactor Four [العامل الرابع]([300]) على مقترحات أكثر طموحا أيضا. وهما يركزان على أن "ثورة" حقيقية "لفعالية الطاقة" يمكن وحدها أن تتيح الاستجابة للتحديات المتراكمة للطاقة والتكنولوجيا والتوظيف والإيكولوجيا. ويقدر الهولندي ڤوتر فان ديرين Wouter Van Dieren، منسق التقرير الأول، أن من الضروري زيادة إنتاجية الطاقة إلى أربعة أضعاف من أجل ملء الفجوة بين زيادة الطلب على الطاقة وضرورة خفض انبعاثات غازات الدفيئة. على أن هذا الرهان ليس خياليا في شيء. إذ أن زيادة سنوية بنسبة 3% في إنتاجية الطاقة يمكن أن تتيح تحقيق الهدف خلال أكثر قليلا من 40 عاما. وبالنسبة لطرق عديدة شرهة في استهلاك الطاقة، يمكن تماما مضاعفة المردودات، حتى في إطار التكنولوجيات الحالية، بدون تغييرات كبيرة في السلوكيات أو في البنية الأساسية. ويقدر خبراء آخرون أنه ينبغي، مع ذلك، المضي أبعد كثيرا، ويرون ضرورة زيادة إنتاجية الطاقة إلى عشرة أضعاف.
وقد توسع أموري لوﭭينس، المعدّ المشارك لتقرير "العامل الرابع"، في عرض مفهوم "negawatts" للتأكيد على أن الاستثمارات المرتبطة بوفورات الطاقة أكثر ربحية من الاستثمارات في محطات الكهرباء الجديدة. ويقدم تقرير "العامل الرابع" حصرا دقيقا لتكنولوجيات عديدة للمستقبل موجودة حاليا بالفعل، مما يتيح بصورة ملموسة النجاح منذ الآن لثورة الميجاوات هذه. ويقدر أموري لوڤينس أن البلدان الصناعية، بالتكنولوجيات التي في متناولها الآن، ستكون في وضع يسمح لها بتوفير ثلاثة أرباع الطاقة التي تستهلكها. وبالنسبة للولايات المتحدة بمفردها، سيمثل هذا وفرا تزيد قيمته على 300 مليار دولار في السنة([301]). ويمكن أن تكون هذه المكاسب أكبر أيضا بشرط استخدام التقنيات "الخضراء" في المحاسبة، واستخدام الضرائب والإعانات المالية لتحديد التكلفة الحقيقية الطويلة الأجل لاستهلاك الطاقة. ومن هذه الزاوية، سوف ينبغي التفكير في إصلاح ضريبي شامل، بحيث تستخلص الدولة جزءا متزايدا من إيراداتها الإجمالية من فرض الضرائب على الأنشطة الضارة بالبيئة.
الطاقات البديلة:
ما هو مستقبل الطاقة النووية، وكهرباء
القوى المائية، والغاز، والهيدروجين؟
ما تزال الطاقة النووية وطاقة كهرباء القوى المائية اللتان توفران على التوالي 17% و18% من الكهرباء في العالم تمثلان الطاقتين البديلتين الوحيدتين للمحروقات الأحفورية اللتين شهدتا انتشارا حقيقيا([302]). وتتناول أبحاث عديدة الوسائل الكفيلة بجعل الطاقة النووية أكثر أمانا ونظافة. وعلى سبيل المثال، يعكف البروفيسور كارلو روبيا Carlo Rubbia، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، على دراسة مشروع مفاعل إحراق يجمع بين إنتاج الكهرباء وإحراق النفايات النووية. وهذه الطريقة، التي مازالت في طور جنيني، سوف تتيح أفضل تحكم في تفاعلات الانشطار النووي وكذلك أفضل احتراق للمادة النووية([303]). ويفكر كارلو روبيا أيضا في إمكانية استخدام الثوريوم بدلا من اليورانيوم، الأمر الذي سيتيح في آن واحد إنتاج الطاقة النووية مع تفادي إنتاج نفايات مشعة. ويعكف باحثون آخرون على دراسة الاندماج الحراري النووي الذي يمكن أن يمثل مصدرا غير محدود تقريبا من طاقة أكثر أمانا وأقل تلويثا من الانشطار النووي([304]). غير أن العقبات التقنية مازالت ضخمة، ويشك أغلب الخبراء في أن يكون الاندماج النووي حلا قابلا للاستمرار تجاريا من الآن وحتى عام 2030.
ومازالت الطاقة النووية تثير ردود أفعال متناقضة. فهي توقظ في الخيال الجمعي للناس آمالا ومخاوف يؤكدها الواقع أحيانا بصورة مأساوية. ورغم الاعتراضات التي تثيرها الطاقة النووية باستمرار فإنه لا مناص من الإقرار بأنها تمثل اليوم شكلا من الطاقة أقل تلويثا من الطاقات الأحفورية، على الأقل من وجهة نظر الأهداف المعلنة في قمة كيوتو. وعلى سبيل المثال فإن استخدام الطاقة النووية، في الاتحاد الأوروبي وحده، يتيح تجنب انبعاث نحو 700 مليون طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون كل عام([305]). غير أن المخاطر البيئية المرتبطة بسوء صيانة بعض المحطات النووية والقلق الذي تسببه مسألة معالجة النفايات النووية (التي تمتد دورة حياة بعضها إلى 300000 سنة!) تدفع بعض الخبراء إلى الشك في قابلية الاستمرار الطويل الأجل للطاقة النووية كخيار من خيارات الطاقة. ويقدر باحثون اقتصاديون في البنك الدولي أنه نظرا لارتفاع التكلفة الإجمالية لإغلاق المفاعلات القديمة ومعالجة وتخزين النفايات، فإن الطاقة النووية لن تظل بديلا قابلا للاستمرار تجاريا للمحروقات الأحفورية([306]). وقد دفع أخذ هذه المخاطر وهذه العوائق في الاعتبار، مقترنا بالمعارضة الفعالة من جانب حركات سياسية ضد نووية، بعض البلدان إلى أن تقرر "خروجا" سريعا إلى هذا أو ذاك الحد وفقا للحالات (السويد، ألمانيا) من مجال استخدام الطاقة النووية.
غير أن بعض الخبراء يقدرون أن التخلي تماما عن الطاقة النووية، خاصة عن البحث عن طرق ثورية كتلك التي طرحها كارلو روبيا، سيكون موقفا لا مسئولا، ما دام التهديد المناخي قد وصل إلى درجة لا يمكن معها أن نرفض بصورة قبلية a priori كل شكل من أشكال الطاقة قد يتيح خفض انبعاثات غازات الدفيئة. ويرى فيليب روكپلو Philippe Roqueplo أن مثل هذه الأبحاث لها ما يبررها، إذا راعينا مبدأ الاحتياط، بشرط أن تقود إلى طاقة نووية مختلفة، طاقة نووية آمنة ونظيفة تكون ثمرة تطورات علمية وتكنولوجية عميقة. ومن هذا المنظور، يقدر أن مسألة استراتيجية رئيسية سوف تتمثل في "المقارنة بين الضرر (الفعلي و/ أو المدرك) للنفايات النووية والضرر الناشئ عن التغيرات المناخية التي تعزى إلى تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوى"([307]).
وبالنسبة للطاقة الهيدروكهربائية، فإن ندرة مواقع إقامة سدود كبرى جديدة يحد بالضرورة من انتشارها في المستقبل. علاوة على أن السدود الهيدروكهربائية الكبرى قد تكون لها أيضا، حيث تتم إقامتها، نتائج سلبية على السكان والنظم الإيكولوجية. ووفقا لبعض التقديرات، فإن إنشاء مشروع المضايق الثلاثة في الصين سيؤدي إلى ترحيل مليون شخص([308]). وقد تم التخلي عن عدد من مشاريع السدود الكبرى، نظرا لما قد يكون لها من نتائج مأساوية على الجماعات الإثنية بالمنطقة، أو على السكان المحليين، أو على البيئة الطبيعية.
ويشدد كريستوفر فلاﭭين Christopher Flavin ونيكولاس لينسين، من معهد المراقبة الدولية، على المزايا العديدة التي يقدمها الغاز الطبيعي والتي تبرر الاهتمام بخيارات إحلال الغاز محل النفط والفحم، رغم واقع أنه وقود أحفوري:([309])
        ·          نسبة الهيدروجين/ كربون فيه أعلى منها في الطاقات الأحفورية الأخرى.
    ·    وبفضل قلة محتواه الكربوني، ينتج كمية من ثاني أكسيد الكربون تقل عما ينتجها النفط بنسبة 30% لكل وحدة طاقة وتقل بنسبة 43% بالنسبة للفحم.
        ·          لا يتخلف عن احتراقه رماد، وتنبعث منه كمية أقل من أول أكسيد الكربون ومن أكسيد الأزوت.
        ·          على عكس الفحم، لا يحتوى الغاز الطبيعي على أي معدن ثقيل.
        ·          أيسر من النفط في التحويل، وأرخص من الفحم في النقل.
وقد ارتفع استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 30% منذ منتصف الثمانينيات؛ وانخفض سعره بقدر ما تم من اكتشاف حقول جديدة وبقدر ما تحسنت تكنولوجيا الاستغلال. ووفقا لكل من فلاﭭين ولينسين، فإن إحلال محطات كهربائية تعمل بتوربينات الغاز محل المحطات التقليدية التي تعمل بالنفط أو الفحم يمكن أن يتيح تقليل انبعاثات أكسيد الأزوت إلى 90% وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 60%. وهما يؤكدان على الاحتمال الكبير لاستخدام الغاز الطبيعي في النقل، بمجرد أن يتم التوصل إلى وسيلة لخفض حجم المستودعات وزيادة ذاتية الحركة للسيارات الخاصة.
وعندما سوف تتقلص موارد الغاز الطبيعي ويتعين إحلالها، فإن الهيدروجين يمكن أن يكون، وفقا للمؤلفين، بديلا واعدا وصديقا للبيئة، بمجرد أن يكون قد تم تطوير التكنولوجيات الملائمة. وقد سبق للكاتب الحالم جول ﭭيرن Jules Verne أن تنبأ بهذه الإمكانية حين كتب في L lle mysterieuse: "الماء هو فحم المستقبل، فالهيدروجين والأكسجين اللذان يكونان الماء سيوفران، لدى استخدامهما بصورة منفصلة أو معا، مصدرا لا ينضب للحرارة والضوء، وقوة لم تكن للفحم الحجري في يوم من الأيام." ([310]) كما يرى فلاﭭين ولينسين أن الهيدروجين يمكن أن يلعب دورا أساسيا في نقل الطاقة المستمدة من الطاقات المتجددة. وعلى سبيل المثال فإنه سوف يسهم في تحسين فعالية ونظافة إنتاج وتوزيع الطاقة. ويجب أيضا أن نضع نصب أعيننا أن الهيدروجين، مع أنه وقود ممتاز، إلا أنه لا يوجد في حالة مورد طبيعي. بل إنه ينبغي تصنيعه، مما يعني استهلاكا للطاقة. وبهذا الصدد فإنما بفضل الطاقة الشمسية تكون النباتات قادرة، عن طريق الكلوروفيل، على القيام بالتحليل المائي للماء الذي يتصاعد منه الهيدروجين والأكسجين. ومن هذا المنظور، يمكن استخدام الطاقة الشمسية لتحقيق هذا التحليل للماء. كما تجري حاليا أبحاث تطوير مفاعلات للمحروقات تتيح تحويل الهيدروجين إلى كهرباء ولإيجاد نظم آمنة للتخزين.
وقد طرح داﭭيد فيتزهيربرت David FizHerbert حلا مبتكرا آخر. إنه يأمل القيام، عن طريق تأسيس صناديق استثمار "أخلاقية"، بتمويل تطوير مصانع تنتج الكهرباء من انبعاثات غاز الميثان المتصاعدة من المزابل العمومية تحت الأرض([311]). ويعتبر الميثان أحد غازات الدفيئة الرئيسية، وسوف تستمر المزابل التي ورثناها في إنتاجه لمدة ثلاثين عاما أخرى: سوف تتيح التقنية التي ابتكرها فيتزهيربرت في آن معا إنتاج الطاقة بتكلفة مقبولة وتصحيح تجاوزات الماضي جزئيا. وعلى المستوى الأوروبي، تمثل هذه التقنية احتمال إنتاج كهرباء تقدر بـ 4000 ميجاوات.
أيّ مستقبل ينتظر الطاقات المتجددة؟
في الوقت الحالي، تتمثل الطاقة المتجددة الأكثر استخداما في الكتلة الأحيائية المستمدة من المادة العضوية، وخاصة الخشب: إنها تمثل 15% من استهلاك الطاقة في العالم و38% من استهلاك البلدان النامية؛ كما أنها تمثل المصدر الرئيسي للإمداد بالطاقة لحوالي نصف سكان العالم. ويمكن تحقيق تقدم كبير في سبيل الاستغلال الأكثر فعالية لهذا الشكل من أشكال الطاقة، خاصة بفضل مزارع الأشجار السريعة النمو. غير أن حدود المتاح من المياه والأرض، والتي سوف تستفحل بالضرورة في المستقبل([312])، سوف تشكل قيدا فعليا de facto في استغلال الكتلة الأحيائية في المستقبل. وعلاوة على هذا فإن تقديرات التمثيل الضوئي لن تكون مواتية بالضرورة لخفض ثاني أكسيد الكربون في حالة دفء المناخ.
والحقيقة أن كمية صغيرة فقط من الطاقات المتجددة "الحديثة" هي المستخدمة: لا تقدم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سوى 1% من الكهرباء المستهلكة في العالم. غير أن طاقة الرياح هي اليوم مصدر الطاقة الأسرع نموا. ومنذ عام 1990، زادت طاقة إنتاجها إلى ثلاثة أضعاف، وهو ما يمثل نموا بنسبة تزيد على 20% سنويا، وقد أتاحت الإنجازات التي تم تحقيقها خلال العشرين عاما الأخيرة خفض تكلفة إنتاجها بما يكفي لجعلها قادرة على منافسة الطاقات الأحفورية أحيانا. وفي الدنمارك، تقدم طاقة الرياح اليوم ما بين 2% و3% من القدرة الكهربائية([313])؛ وفي الولاية الألمانية شيلسڤيج ـ هولشتاين، تمثل طاقة الرياح 10% من الكهرباء المستهلكة. وفى 1996، كانت الأسواق الرئيسية لطاقة الرياح هي ألمانيا وتليها الهند والدنمارك وأسبانيا. ووفقا لكريستوفر فلاﭭين، فإن طاقة الرياح ستكون قادرة على مدى ثلاثين عاما من الآن على تقديم 20% من الاستهلاك العالمي من الكهرباء([314]).
ويمكن أن يزيد استخدام الطاقة الشمسية زيادة كبيرة. وتمثل الطاقة الشمسية السنوية التي تصل إلى كوكب الأرض كقوة كامنة عشرة آلاف ضعف كمية الطاقة التي نستخدمها. وتتعلق الصعوبة الرئيسية بتكلفة استغلال هذه الطاقة، والتي تظل أعلى كثيرا جدا من تكلفة استغلال الوقود الأحفوري. ويشكو البحث في هذا الموضوع من تأخر خطير، وكان ينبغي انتظار أزمة النفط في السبعينيات، لتتم بصورة حقيقية دراسة الطاقة الشمسية كخيار جاد. ومع المزيد من تشجيع وانتشار استخدام هذه الطاقة، سوف تتقدم تقنيات التصنيع والاستغلال أكثر، وسوف تنخفض الأسعار أكثر. وكقاعدة عامة، يبين منحنى الخبرة أن كل مضاعفة للإنتاج التراكمي للتكنولوجيا الجديدة تؤدي إلى هبوط بنسبة 20% ـ 30% في متوسط سعر الوحدة. والآن، لا تمثل التكلفة الفعلية للخلايا الكهربائية الضوئية سوى واحد على خمسين مما كانت عليه عام 1970([315]).
وتمثل الطاقة الشمسية أهمية خاصة بالنسبة للمناطق الريفية المنعزلة في البلدان النامية، وبعبارة أخرى لحوالي ملياري فرد ليسوا أو لن يمكنهم أن يكونوا مرتبطين بشبكة كهرباء. فالكهرباء، مهما كان منشؤها ـ أحفوريا أو نوويا ـ لن تتوفر ربما إلى الأبد بصورة كافية في عشرات من بلدان العالم: لعدة أجيال على الأقل، ستظل البنية الأساسية المصممة على نموذج الإنتاج المركزي وشبكة التوزيع بعيدة المنال في مناطق عديدة. وتقدر الصين ذاتها أن حوالي 200 مليون من سكانها لن يتم ربطهم أبدا بشبكة كهرباء([316]). غير أن الخلايا الكهربائية الضوئية تتيح الآن تحويل أشعة الشمس بصورة مباشرة إلى كهرباء بدون استخدام مولد كهربائي، مما يجعل هذا النظام، تقنيا وماليا، قابلا للاستمرار أكثر من الربط بشبكة مركزية. وبالنسبة للقدرات المحدودة من الطاقة التي تتفق مع احتياجات قرية قوامها 500 نسمة فإن الطاقة الشمسية تتنافس عليها بالفعل مع مجموعات المولدات الإلكترونية([317]). وعلى المستوى الإقليمي، تتميز الطاقة الشمسية على السدود أو محطات الطاقة الحرارية بالقدرة على سرعة تركيبها، باستثمارات ابتدائية أقل ارتفاعا بكثير، وبأنها أكثر صداقة للبيئة بكثير. ووفقا لدراسات أجراها البنك الدولي فإن الطاقة الشمسية يمكن أن تغطى من خمسة إلى عشرة أضعاف طلب البلدان النامية على الكهرباء، مع أنها تشغل مساحة أقل من مساحة المنشآت الهيدروكهربائية القائمة([318]).
وبعد سنوات من الشك، أعاقت انتشاره، يتقدم الآن استخدام الكهرباء الضوئية للأغراض المنزلية في كل مكان في المناطق الريفية. وخلال العقد الأخير، تم تجهيز أكثر من 200000 منزل في البرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وكينيا وإندونيسيا وسريلانكا وفي بلدان نامية أخرى بمعدات للطاقة الشمسية يتم تركيبها فوق أسطحها. وتخلت آلاف من القرى عن مولدات الديزل وصارت تستخدم الآن الخلايا الكهربائية الضوئية للإنارة ولتشغيل أجهزة التليفزيون والثلاجات ومضخات المياه([319]). وفى كينيا، تزيد المنازل المجهزة بالخلايا الكهربائية الضوئية على المساكن المتصلة بشبكة الكهرباء المركزية.
ويصلح هذا الحل أيضا للبلدان الصناعية، خاصة للمنازل الريفية التي يكون من المكلف لها أكثر مما ينبغي الحصول على توصيل بالشبكة، أو في المناطق المنعزلة والمشمسة مثل الجزر اليونانية. وفى النرويج، تتم تغذية 50000 منزل ريفي بالطاقة عن طريق الخلايا الكهربائية الضوئية، بالإضافة إلى 8000 منزل آخر يتم "تزويدها بالطاقة الشمسية" كل عام([320]). وتعتزم اليابان بدورها تركيب لوحات الطاقة الشمسية على أسطح 70000 منزل من الآن وحتى عام 2002.
ومع ذلك، يعرقل شك مستمر استخداما أكثر منهجية للطاقة الشمسية. وفى البلدان النامية، تستمر الحكومات في تقديم دعم مالي ضخم لتوسيع شبكات الكهرباء في المناطق الريفية أو حتى لتركيب مضخات مياه تعمل بالديزل. ووفقا للوكالة الدولية للطاقة، يتم إنفاق 50% من الـ 8 مليارات دولار التي تخصصها البلدان الغنية سنويا لأبحاث الطاقة، على البرامج النووية، وأقل من 10% على الطاقات المتجددة. وعن طريق تصحيح هذه التباينات، وإعادة تحديد الأولويات، يمكن أن تشكل الطاقة الشمسية خيارا قابلا للاستمرار اقتصاديا وأن تشغل موقعا متميزا في سياسات الطاقة. وتوصي دراسة حديثة للمجلس الأوروبي بمضاعفة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة إلى ثلاثة أضعاف من الآن وحتى عام 2010([321]). ويقدر مايكل غروب Michael Grub، في تقرير أعده للمعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية، أن نصف الكهرباء المستهلكة في أوروبا يمكن الحصول عليه من الآن وحتى عام 2030 من الطاقات المتجددة([322]).
 
 
الطاقة الشمسية في خدمة التنمية
إذا كان لا يبدو إلى الآن أن الطاقة الشمسية في مستوى يتيح لها أن تقدم للبلدان النامية موارد مماثلة للموارد التي تستفيد منها بلدان الشمال، فإنها يمكن أن تسهم بإعطاء دفعة قوية للتنمية في المناطق المعزولة. والواقع أن الطاقة الشمسية تطلق العنان لحلقة حميدة لصالح المجتمع القروي برمته. ووفقا لمدير المركز القومي للطاقة الشمسية في مالي، يايا سيديبي Yaya Sidibe، فإن "مصدر الطاقة الشمسية يتيح تطوير أنشطة زراعية، عن طريق الري بواسطة مضخات المياه، وعن طريق الحفظ بالتبريد أو التجفيف. ويؤدي هذا إلى تجاوز الاقتصاد الاكتفائي، حيث تدخل قرانا في اقتصاد تبادلي يدر دخلا؛ وبإنارة الشوارع والمنازل، والحصول على خدمات التليفزيون والتليفون، تنطلق المواصلات وتتراجع العزلة، ويتعزز المجتمع، وأخيرا تتحسن أوضاع المعيشة: إذ تتوفر المياه الساخنة، والثلاجات، وتكييف الهواء في المدارس والمستوصفات. وفي نهاية المطاف فإن هذا يساعد الناس على البقاء في القرية، إنه يثبتهم في أرض أسلافهم بدلا من أن يرحلوا إلى المدن التي يجعلها نموها لا تطاق، أو بالأحرى يهاجرون إلى أوروبا حيث لم يعودوا يلقون الترحيب. كما أنهم بمواصلتهم الإقامة في مناطقهم، يساعدون أيضا على النضال ضد التصحر".
وفى مالي، في منطقة أويليسيبوغو، التي تضم 15000 نسمة ولكن لا تربطها ببقية العالم أي شبكة كهرباء، فرغم أنها تقع على بعد 80 كيلومترا فقط من العاصمة، يعمل المستشفى الآن ليلا ونهارا بفضل لوحات الطاقة الشمسية. وكانت معدات قيمتها 5 ملايين فرنك CFA (50000 فرنك فرنسي) كافية لإتاحة تغذية دائمة لأربعة وعشرين مصباحا كهربائيا، وثلاجة ضخمة لحفظ الأدوية واللقاحات، وسخاني مياه لتحميم الأطفال حديثي الولادة. ويحرص العاملون بأنفسهم على صيانة اللوحات والبطاريات. ويعلق الطبيب بإيجاز: "إنها بسيطة، وتعمل ولا تكلف شيئا".
أما أسيتو كونى Assetou Kone، منسقة مشروع النساء ـ الطاقة، فإنها ترى أن ميزة الطاقة الشمسية تتمثل في أنها "تتلاءم مع ثقافة المجتمعات القروية. فالإنتاج اللامركزي للكهرباء يتيح الاستقلالية لأولئك الذين يقومون بتشغيلها. ويقوم القرويون أنفسهم، خاصة النساء، بالتشغيل والصيانة دون تدخل خارجي، مع تفادي التكنولوجيات المعقدة المستوردة والمباني الملحقة. وتتولى القرية إنارتها وتنظم توزيع الطاقة وفقا لخياراتها الاقتصادية والاجتماعية الخاصة".
المصدر:
Jean-Paul Besset, « L autre fée électricité », Le Monde, 15 août 1998.
 
غير أن استخدام الخلايا الكهربائية الضوئية لن يصير مربحا على نطاق أوسع، بالنسبة للتطبيقات على شبكات الكهرباء، في المناطق الملائمة ما لم ينخفض سعر تكنولوجيات الطاقة الشمسية إلى الثلث أو حتى إلى الخمس. ولهذا ينبغي دفع هذه التكنولوجيات إلى التقدم عن طريق تشجيع الأبحاث المشتركة بين الجامعات والمختبرات والصناعة، مع دعم القطاع العام. وسوف يتم تسريع هذا التقدم ذاته عن طريق إنتاج على نطاق أوسع وعن طريق خفض تكلفة التوزيع.
وفي سيناريو أعدته شركة شل يتضح أن الطاقات المتجددة، ومنها الطاقة الشمسية، يمكن أن تلبى نصف الطلب العالمي من الطاقة من الآن وحتى عام 2050. وإدراكا منها للأهمية الإستراتيجية لهذه الأشكال الجديدة من الطاقة، قررت شركة شل، فضلا عن هذا، استثمار 500 مليون دولار في تطويرها في غضون خمسة أعوام، وهي تأمل أن تضع يدها من الآن وحتى عام 2005 على 10% من التجارة العالمية للخلايا الضوئية([323]). وراهنت شركة نفط أخرى، بريتيش بتروليوم، على القيام بدعم الطاقة الشمسية، وهى تضع يدها الآن على 10% من سوق تنمو بمعدل 14% في السنة. وتتوقع زيادة مبيعاتها من الخلايا الكهربائية الضوئية إلى عشرة أضعاف من الآن وحتى عام 2010.
وفى 16 و17 أيلول/ سبتمبر 1996، نظمت اليونسكو في هراري القمة الشمسية العالمية برئاسة السيد روبرت موغابى Robert Mugabe، رئيس زيمبابوي. وحدد البرنامج الشمسي العالمي 1996ـ2005، الذي تم اعتماده في هذا المؤتمر، لنفسه هدف التنمية السريعة للطاقات المتجددة. ويهدف الشق الأول من هذا البرنامج إلى "شمسنة" solariser ألف قرية في القارة الأفريقية ومثلها في كل من أمريكا الجنوبية وآسيا. وللوصول في نهاية المطاف إلى مليارين من الرجال والنساء غير المرتبطين بشبكة كهربائية سيكون على البرنامج الشمسي أن ينفذ عشرين برنامجا مخصصا لألف قرية سنويا لمدة خمسين عاما. ويقدر برنارد كلين Bernard Klein، نائب مدير الإدارة الدولية للـ (EDF) أن هذا الاستثمار "المطروح حاليا يعتبر إلى حد كبير في مستوى التضامن الدولي"([324]). أما آن أوان العمل؟ إن الرهان، هنا، ليس فقط رهان حل تحدي الطاقة، بل هو أيضا رهان خلق شروط التنمية المستديمة.
وسوف ينبغي أن نواجه، خلال الأعوام القادمة، زيادة كبيرة جدا في الطلب على الطاقة في العالم. ويمكن أن نظل سلبيين، وأن نعتبر أن موارد الطاقة كافية، وأن النتائج السلبية لانبعاثات غازات الدفيئة لم تثبت إلى الآن بشكل قاطع، وأن النمو الاقتصادي بمفرده سوف يتيح رفع مستوى معيشة السكان، في الوقت الذي نجعلهم فيه أكثر إدراكا لنوعية البيئة. إننا نتجه إذن في الأجل الطويل نحو سيناريو كوارث. غير أننا يمكن أيضا، منذ اليوم، أن نعتمد تدابير جنبا إلى جنب مع النمو، سوف تحد من تدهور بيئتنا وسوف تضمن وصولا أشمل إلى مصادر الطاقة. ويمكننا من الآن فصاعدا أن نتعلم، عن طريق التكنولوجيات التي صارت في متناولنا، استخدام موارد الطاقة التي بحوزتنا بصورة أكثر فعالية وعقلانية. ويجب أن تقوم البلدان الأغنى بتسريع نقل المعارف التقنية التي سوف تتيح للبلدان الأقل تطورا أن تستفيد من الطاقات المتاحة أفضل استفادة. ويمكننا أيضا أن نكف عن منح إعانات مالية كبيرة للطاقات التي تلحق أضرارا بالغة ببيئتنا. وأخيرا، ينبغي إعادة توجيه الاستثمار العام فيما يتعلق بالطاقات كما ينبغي الإحلال التدريجي لسيطرة محلية على الطاقات المتجددة محل الاستخدام المركزي للطاقات الأحفورية. إن مثل هذا العمل سيكون رمزا للمسئولية إزاء المستقبل، كما سوف يتيح وسائل تأمين بقاء الأرض والبشر.
إن ما يتعرض للخطر ليس فقط الأمن الإيكولوجي للبشر، بل هو مجرد أمنهم. والواقع أن سيناريوهات الاعتدال في الطاقة لا غنى عنها خاصة لأنها تقلل من مخاطر الحرب التي يمكن أن تنشأ نتيجة لحالات جديدة من نقص الطاقة وهي ممكنة دائما بمجرد الاعتماد على سيناريوهات وفرة الطاقة. وهذه النقطة غير مفهومة اليوم لأنه يبدو أن الوفرة الظرفية لموارد الطاقة الأحفورية، خاصة النفطية، تستبعد خطر الندرة. غير أن من المحتمل أن تحدث هذه المخاطر فجأة خلال القرن الحادي والعشرين، ويمكن معها أن نصير أمام حروب نفط جديدة، ولهذا فمن الضروري، لمصلحة السلام العالمي، تعزيز الاعتدال في الطاقة عن طريق سياسات طوعية.
ومع ذلك، لا يمكن أن نتغاضى عن التناقض الظاهر الذي يتجلى، خاصة في البلدان الأكثر فقرا، بين ضرورة إستراتيجيات للطاقة في الأجل الطويل والطابع الملح للتنمية. وإذا لم نأخذ في اعتبارنا تباين الأوضاع الأصلية، فإن الاهتمام بالمحافظة على البيئة على نطاق الكرة الأرضية وترجمته إلى أشكال من الطاقة، يمكن أن يكون محكوما عليها بأن تظهر باعتبارها نزوة مجتمعات متقدمة بالفعل وطامحة إلى المحافظة على مزاياها المكتسبة. ولهذا ينبغي الاعتراف بمشروعية الأماني التي يعبر عنها سكان العالم النامي الذين يتوقون إلى أن يعيشوا حياة أفضل منذ اليوم. ولا يمكن أن يوجد تضامن إيكولوجي على المستوى العالمي في سياق حرب اقتصادية، ولا مواطنة فعالة في عالم يقوم على الإقصاء.
ومن الضروري بالتالي البحث عن عناصر تآزر بين الاهتمامات المشروعة القصيرة الأجل للسكان والأهداف الطويلة الأجل للتنمية. وفى وقت تفرض فيه الرهانات الاقتصادية نفسها على القرار السياسي في كثير من الأحيان، فإن تحديات تطوير الطاقة تعطى مشروعية متجددة للعمل العام. وينبغي بهذا الصدد التوصل إلى التزام سياسي قوي يحمل معه موازنات جديدة تتيح دمجا فعليا لإشكاليات الأجل الطويل في خيارات التنمية.
ونظرا لأن حماية البيئة ليست مرادفة للتراجع الاقتصادي، فإنه لا يوجد تناقض مطلق بين التنمية واستدامة التنمية، بل يوجد بالأحرى تآزر عميق. والحقيقة أن إستراتيجيات اعتدال الطاقة إستراتيجيات تدر ربحا مزدوجا على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى البيئي في آن معا. ولهذا ينبغي أن نعيد النظر في الرأي الذي ما يزال شائعا للغاية عن تناقض بين التنمية وصداقة البيئة، والذي ما يزال يبرز في تعبير "التكلفة الإضافية أو التدريجية" coût incrémental الذي يستخدمه الاقتصاديون للتعبير عن أن حماية البيئة الطبيعية يمكن أن تتطلب دوريا تكلفة تضاف بصورة منهجية إلى تكلفة التنمية. ويفضي تحليل السيناريوهات المعتدلة في الطاقة التي تمت دراستها في إطار مشروع NOE. إلى استنتاج أن هذه التكلفة الإضافية surcoût ليست إلا عابرة وتتلاءم في الواقع مع فترة تعلم دينامي لتنمية أكثر صداقة للبيئة. والواقع أن المسألة الحقيقية تتمثل في معرفة ما هي الإستراتيجيات التي ينبغي اعتمادها، للسير في الطريق الذي تقترحه السيناريوهات المعتدلة في الطاقة. ومن الجلي أن الكلمتين الأساسيتين في عملنا، إذا كنا نهدف إلى مثل هذا الطموح، هما الإنصاف والتضامن بين المجتمعات الصناعية والمجتمعات النامية، ولكن أيضا داخل كل مجتمع وبين الأجيال ـ مما يقتضي رؤية طويلة الأمد وازدهار أخلاق للمستقبل. ذلك أن الانتقال إلى تنمية عالمية منصفة ومستديمة يصطدم بعقبات ذات طبيعة ثقافية ومؤسسية وسياسية أكثر منها تقنية. ونحن نملك من الآن فصاعدا عددا من الوسائل التقنية والاقتصادية التي لا مناص من أن تتزايد، بفضل انتشار التكنولوجيات، لكي نمهد للانتقال المأمول نحو تنمية للطاقة قادرة على مواجهة التحديات في الأجل الطويل. ومن واجبنا نحن أن نعمل على التوفيق بين الشروط الثقافية والسياسية والدستورية.
منطلقات وتوصيات
3         تشجيع تدابير توفير الطاقة والسيطرة عليها، وهي في كثير من الأحيان أقل تكلفة من إنتاج الطاقة.
3   تعزيز استخدام الطاقات المتجددة، خاصة عن طريق دعم الأبحاث، لجعلها تنافسية بصورة أسرع بالنسبة للطاقات الأحفورية.
3   تشجيع استخدام الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة الأخرى، وعلى وجه الخصوص في المناطق الريفية المنعزلة غير المرتبطة بشبكات الكهرباء.
3   استثمار المزيد من الأموال في الأبحاث المخصصة للاندماج النووي، للأساليب الجديدة و"النظيفة" للانشطار النووي، ولإنتاج الطاقة من الهيدروجين.
3   تغيير أنماط استهلاك الطاقة، خاصة فيما يتعلق بالمواد التي تسهم أكثر في تلوث الهواء ودفء المناخ، وذلك عن طريق جهد في مجال التعليم والمعلومات، ولكن أيضا عن طريق تدابير تقدم حوافز مثل تسعير الضرائب والضريبة السلبية.
3   اعتماد أهداف أكثر طموحا من تلك التي تم إقرارها في مؤتمر كيوتو في كانون الأول/ ديسمبر 1997، وذلك لخفض انبعاثات غازات الدفيئة خفضا ملموسا، وإنشاء آلية في هذا المجال للمتابعة على المستوى الدولي، والالتزام على المستوى القومي بالتعهدات المتفق عليها مع الأطراف المتعددة.
3   التشجيع، عن طريق التعاون العلمي الدولي، على تعلم معارف الطاقة وعلى نقل التكنولوجيات التي سوف تتيح للبلدان النامية تحسين فعالية الطاقة فيها.
3         النضال ضد نقل الأنشطة الأكثر تلويثا إلى البلدان النامية.
3   فرض ضرائب على الأنشطة الضارة بالبيئة لإظهار التكلفة الحقيقية لاستهلاك الطاقة في الأجل الطويل والتأثير في أسعار الطاقات عن طريق إدخال ضرائب مرتبطة باستخدامها.
3   تنفيذ سياسات تنمية جديدة أكثر مستقبلية بكثير بشأن خيارات البنية الأساسية (التخطيط الحضري، وسائل النقل، شبكات توزيع الطاقة، المياه، الصناعة، إلخ.)، وأكثر إنصافا وتضامنا من الناحية الاجتماعية.
3   وضع سياسات متوازنة للطاقة على المستوى القومي تفسح المجال للطاقات المتجددة لتحقيق أهداف محددة كميا في إطار زمني محدد.


إشارات


[*] ) قررت الحكومة الألمانية برئاسة غيرهارد شرودر Gerhard Schröder مؤخرا خفض الضرائب على الأجور بنسبة 2.4% وزيادة الضرائب على الطاقة بقيمة مماثلة؛ مقال ليستر براون وكريستوفر فلافن، انظر: Lester Brown et Christopher Flavin, “It’s getting late to switch to a viable economy”, International Herald Tribune, 19/01/99.                                                                                                       
[†]  سلالة صنف نباتي cultivar: مصطلح في علم النبات يستعمل لتسمية صنف من نوع نباتي يتم الحصول عليه صناعيا أو مزروعا.
[‡] ) يدرس علم التربة الخصائص الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية للتربة وكذلك تطورها وتصنيفها.


الفصل 7
[1] ) Alain Pavé, Environnement, développement et progrès — éléments d un débat prospectif, note préparée pour l UNESCO, 1997.
[2] ) Gregory Bateson, Steps to an Ecology of Mind ; Collected Essays in Anthropology, Psychiatry, Evolution and Epistemology, 1972, traduction française Vers une écologie de l esprit, Paris, Seuil, 1977 (tome I), 1980 (tome II). Voir notamment tome II, p. 207-208 et p. 241.
[3] ) Michel Batisse, “Une seule terre entre toutes les mains”, Federico Mayor Amicomm Liber, 1995.
[4] ) William Rees, Matthis Wackernagel, “Ecological footprints and appropriated carrying capacity: measuring the natural capital requirements of the human economy”, in A.M. Jansson et al. (éd.), Investing in Natural Capital: The Ecological Economies Approach to Sustainability, Washington, Island Press, 1994.
[5] ) Intergovernmental Panel on Climate Change, Climate Change 1995: The Second Assessment Report, Cambridge University Press, 1995.
[6] ) Serge Antoine, “De Stockholm à Rio”, “Demain la terre”, Le Nouvel Observateur, collection Dossiers, n° 11, 1992.
[7] ) Central Planning Bureau, Scanning the Future, A Long-Term Scenario Study of the World Economy 1990-2015, La Hague, 1992.
[8] ) Leyla Boulton, “WWF warns forests face extinction”, Financial Times, 09/101 97.
[9] ) Central Planning Bureau, op. cit.
[10] ) Jean-Paul Besset, “Sécheresses, inondations: le scénario de l inacceptable”, Le Monde, 25-26/08/96.
[11] ) Jean-Paul Dufour, “1997 a été l année la plus chaude jamais enregistrée”, Le Monde, 10/06/98.
[12] ) Intergovernmental panel on climate change, op. cit.
[13] ) Jean-Paul Besset, “La Terre se réchauffe. Les mises en garde des scientifiques”, Le Monde, 26/11/97.
[14] ) Dans une enquête menée entre 1993 et 1996.
[15] ) Nicole Bonnet, “L Amérique latine redoute le retour d El Niño”, Le Monde, 06-07/07/97.
[16] ) Cité dans l article de Pierre le Hir, “La fonte des glaciers des Alpes inquiète les chercheurs”, Le Monde, 23-24 février 1997.
[17] ) Jean-Paul Dufour, “Avec le réchauffement planétaire, l hiver canadien pourrait envahir l Europe”, Le Monde, 02/01/98.
[18] ) Jean-Paul Besset, “Le Terre se réchauffe. Les conséquences pour chaque continent”, Le Monde, 27/11/97.
[19] ) Philipe Pons, “Des millions de vie en jeu”, Le Monde, 05/12/97.
[20] ) نحن لا نفكر هنا إلا في الهزات الأرضية التي أدت إلى خسائر تتجاوز 1% من الإنتاج المحلي الإجمالي وإلى أكثر من مائة من الوفيات.
[21] ) Jean-Paul Besset, “Avis de gros temps sur la planète”, Le. Monde, 07/10/95.
[22] ) Voir Laurent Rebeaud, “L écofascisme, un risque réel”, Journal de Genève, in Courrier international n° 341 du 15 au 21 mai 1997.
[23] ) François Ewald, “Philosophie de la précaution”, L Année sociologique, vol. 46 n" 2, 1996.
[24] ) Federico Mayor, allocution à la Conférence de la Royal Society of Chemistry sur “Chemistry and developing countries”, Londres, avril 1991.
[25] ) Jacques Theys, “L environnement au XXIe siècle: continuité ou rupture ?”, note préparée pour l UNESCO, 1997.
[26] ) Hillary French, “Forging a new global partnership”, State of the World 1995, World Watch Institute, Washington, D.C.
[27] ) Alain Leauthier, “Le trou refait des siennes depuis début septembre”, Libération, 06/10/98.
[28] ) Jean-Paul Dufour, “La dégradation de la couche d ozone inquiète les Nations Unies”, Le Monde, 16/09/95.
[29] ) Jean-Paul Besset, “La Terre se réchauffe. Les mises en garde des scientifiques”, Le Monde, 24/06/97.
[30] ) Nicholas Timmins, “US lifts carbon gas emissions forecast”, Financial Times, 13/11/97.
[31] ) Tom Burke, “The buck stops everywhere”, New Statesman, 20 juin 1997.
[32] ) Ibid.
[33] ) World Bank, Environment Matters, hiver/printemps 1997.
[34] ) Christian Brodhag, “Kyoto et le retard français”, Le Monde, 05/11/97.: يقدر البنك الدولي أن التلوث مسئول الآن عن وفاة 289000 في السنة في الصين، وأنه يمثل تكلفة على المجتمع تعادل 7 أو 8% من الإنتاج المحلي الإجمالي. ويمكن أن تتمثل الأسباب الرئيسية وراء الأضرار الإيكولوجية في استهلاك الطاقة، التي تتمثل بنسبة 80% في الفحم، وفي الانبعاثات الجديدة المرتبطة بوسائل النقل في المناطق الحضرية. وفي حالة استمرار الاتجاهات الحالية، يقدر البنك الدولي أن انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت سوف ترتفع بنسبة 60% من الآن وحتى عام 2020 وأن التلوث في الصين يقلق البنك الدولي:F. B., “La pollution en Chine inquiète la Banque mondiale”, Le Monde, 27/09/97.
[35] ) Philippe Pons, "À Kyoto, les points de vue se rapprochent entre les pays du Nord et ceux du Sud”, Le Monde, 05/12/97.
[36] ) Christopher Flavin, John E. Young, “Façonner la prochaine révolution industrielle”, État de la planète 1993, Worldwatch Institute, Washington, D.C.
[37] ) Jean-Paul Besset, “La Terre se réchauffe. Les États divergent sur les solutions”, Le Monde, 28/11/97.
[38] ) Ibid.
[39] ) Ernst Ulrich von Weizsäcker, “Environment 2020. A prospective policy brief”, note préparée pour l UNESCO, 1997.
[40] ) تستورد الولايات المتحدة 10% منها، وهولندا 70% منها.
[41] ) أثناء مؤتمر ستوكهولم في 1972.
[42] ) Discours prononcé par le directeur général de l UNESCO, M. Federico Mayor, à l occasion du vingt-cinquième anniversaire de la Conférence de l UNESCO sur les ressources de la biosphère (septembre 1968), Paris, 1993.
[43] ) Stratégie de Séville pour les reserves de biosphère ; voir notamment Nature & Ressources, vol. 31, n° 2, 1995.
[44] ) Courrier de l UNESCO, janvier 1996.
[45] ) انظر فصل "نحو ’ثورة فعالية الطاقة‘".
[46] ) انظر فصل "هل ستظل المياه جارية؟".
[47] ) Voir notamment la déclaration commune des présidents de la Commission océanographique intergouvernementale (COI), du Programme sur l homme et la biosphère (MAB), du Programme hydrologique international (PHI), du Programme international conjoint UNESCO-UISG de corrélation géologique (PICG) et du Programme gestion des transformations sociales (MOST), présentée à chaque session de la conférence générale de l UNESCO, qui est un grand exemple de coopération.
[48] ) Lester Brown, “The New World Order”, State of the World 1991. World Watch Institute, Washington, D.C.
[49] ) Martine Barrère, “La transition vers une nouvelle ère”, Une terre en renaissance, ORSTOM, Le Monde diplomatique, dossiers Savoirs n° 2, 1994.
[50] ) Al Gore, cité dans Environment Matters, World Bank, hiver/printemps 1997: ("حماية البيئة ليست ترفا، إنها ضرورة. فنحن جميعا على ظهر سفينة الفضاء الأرض معا").
[51] ) بهذا الخصوص، يجب أن أتحدث عن خداع أحسست به عندما، أثناء نقاش يتعلق بالتحقيق الفعال للحق في التنمية دار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1998، صوتت الولايات المتحدة ضد مشروع القرار الذي قدمته جمهورية جنوب أفريقيا، في حين امتنعت بلدان الاتحاد الأوروبي عن التصويت.
[52] ) Les Droits de l homme à l aube du XXIe siècle, Mission pour la célébration du 50e anniversaire de la Déclaration universelle des droits de l homme, La Documentation française ; 1998. : في هذا المجال، يجدر بنا التمييز بين قانون البيئة (مجموعة المبادئ القانونية بشأن هذه المسألة)، وحق الإنسان في البيئة وحق البيئة في أن يتم احترامها، وهذا ما يساوي واجب البشرية.
[53] ) Ibid.
[54] ) Ibid.
[55] ) M. Delmas-Marty, Pour un droit commun, Paris, Seuil, 1994 ; Trois Défis pour un droit mondial, Paris, Seuil, 1998.
[56] ) Jacques Chirac, président de la République française, allocution au Congrès de l Union mondiale pour la nature, Fontainebleau, 3 novembre 1998.
[57] ) René-Jean Dupuy, “La nature méprisée”, in L Humanité dans l imaginaire des nations. Conférences, essais et leçons du Collège de France, Paris, Julliard, 1991.
الفصل 8
[58] ) Sources: Programme des Nations Unies pour l environnement (PNUE), Global Environment Outlook, Oxford University Press, 1997 ; Le Monde, 2 décembre 1998 ; discours inaugural de M. Abdou Diouf, président de la république du Sénégal, à la deuxième session de la Conférence des Parties de la Convention des Nations Unies sur la lutte contre la désertification à Dakar, le 30 novembre 1998. Voir aussi PNUE, Situation en ce qui concerne la désertification et la mise en œuvre du plan d action des Nations Unies pour lutter contre la désertification, rapport du directeur exécutif, PNUE/GCSS. III/3, 1991.
[59] ) Godwin 0. P. Obasi, secrétaire général de l Association météorologique mondiale (OMM), juin 1998. Banque mondiale, 1998 ; Le Monde, 25-26 août 1996 (réunion de cent vingt experts en juin 1996 à Lisbonne).
[60] ) Connexion, bulletin de l éducation relative à l environnement UNESCO-PNUE, septembre 1994.
[61] ) PNUE, op. cit. ; voir aussi Dominique Mainguet, Desertification: Natural Background and Human Mismanagement, Springer Verlag, Berlin, 1994, chapitre I; id., L Homme et la sécheresse, Paris, Masson, 1995, chapitre 17.
[62] ) كما تبين دراسة حديثة لوزارة التعاون الفرنسية فإن "التصحر يختلف عن الجفاف، الذي يعني نتائج عجز في المياه ممتد إلى هذا الحد أو ذاك، مهما كان الجفاف ذاته عاملا من عوامل تفاقم التصحر": La Lutte contre la désertification, ministère de la Coopération, octobre 1994.
[63] ) PNUE, 1991. op.cit.
[64] ) Ibid., p. 87.
[65] ) P. Beaumont, Drylands. Environmental Management and Development, Londres, Routledge, 1989. : منذ نهاية العصر الحجري الحديث، أدى استغلال البشر للأراضي الهشة إلى إفقار بقاع شاسعة، سواء في الشرق الأدنى أو الصين. ويٌعتقد حتى أن النحر المائي للتربة في عالية نهري دجلة والفرات قد أدى إلى دمار حضارات ما بين النهرين: يمكن أن تكون كتل من الرواسب قد سدت شبكة القنوات الضخمة التي تم إنشاؤها منذ عهد السومريين، منذ 4000 عام قبل الميلاد. وما تزال بعض شبكات الري التقليدية، مثل تلك التي في سهل ڤارامين في إيران، قائمة. غير أن شبكات الري الكبرى كثيرا جدا ما تنهار تحت ضغط الاجتياحات، مثل اجتياح جنكيزخان في القرن الحادي عشر، الذي فتح باب الصحراء على وادي دجلة والفرات.
[66] ) UNESCOPRESSE, 30 juin 1995.
[67] ) Programme des Nations Unies pour l environnement (PNUE), Global Environment Outlook, Oxford University Press, 1997. Mohammed Skouri, Courrier de l UNESCO, janvier 1994.
[68] ) PNUE, 1997, op. cit., p. 25. : وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وقع 36 بلدا أفريقيا ضحايا للجفاف أو التصحر (الرقم خاص بعام 1994).
[69] ) La Lutte contre la désertification, ministère français de la Coopération, novembre 1994.
[70] ) Chiffre cité par Monique Mainguet, L Homme et la désertification, Paris, Masson, 1995, p. 29. UNEP, op. cit., p. 25-26.
[71] ) خاصة في الصين والهند وباكستان وأفغانستان ومنغوليا:  PNUE, Global Environment Outlook, Oxford University Press, 1997, p. 42-43: وفي آسيا الوسطى، يشكل الوضع في جمهوريتي كازاخستان وأوزبكستان مصدرا للقلق أيضا، خاصة في منطقة بحر آرال، الذي تقلص الآن إلى 50% من مساحته الأصلية (انظر الإطار). أما الأمر غير المعروف على نطاق واسع فهو أن الاتحاد الروسي يواجه في أطرافه مشكلات تصحر خطيرة، خاصة في جمهورية كالموكي
[72] ) F. Ramade, écologie des ressources naturelles, 4. Écologie appliquée et sciences de l environnement, Paris, Masson, 1961.: وبالمقارنة فإن أستراليا هي القارة الأكثر جفافا على الكوكب، بمناطقها القاحلة وشبه القاحلة التي تمثل قرابة ثلاثة أرباع مساحتها.
[73] ) PNUE, 1997, op. cit., p. 80.
[74] ) Klaus Töpfer, directeur exécutif du PNUE, Message à la deuxième session de la Conférence des Parties de la Convention des Nations Unies sur la lutte contre la désertification (Dakar, 9 décembre 1998).
[75] ) انظر فصل "أيّ مستقبل لمنظومة الأمم المتحدة؟".
[76] ) Discours à la session spéciale des Nations Unies, “Towards global sustainability”, 25 juin 1997.
[77] ) سفير السويد، ورئيس لجنة مفاوضات الاتفاقية الدولية بشأن النضال ضد التصحر، والرئيس السابق لمجموعة العمل 1 المتفرعة عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، ومسئول التفاوض حول جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، الفصل 12، من اتفاقية ريو في 1992 بشأن التصحر والجفاف. إسهام شخصى في أعمال مكتب التحليل والتوقع.
[78] ) La question du partage des eaux a déjà conduit à des accords importants, comme le Protocole de 1995 de la Communauté de développement de l Afrique australe (SADC) portant sur les cours d eau régionaux partagés. Voir aussi Katherine Waser, “Water as source of life, water as source of cooperation?”, Aridiands Newsletter, n° 44, automne/hiver 1998.
[79] ) S. Jodha, Lutte contre la sécheresse. Les stratégies paysannes et leurs répercussions politiques, IIED, Dossier n° 21, 1990.
[80] ) Connexion, septembre 1994.
[81] ) انظر حول هذا الموضوع فصل "السكان: قنبلة زمنية؟":Voir aussi A. Shaikh, S. Snrech, Options pour un développement durable: environnement et développement au Sahel, Paris, Club du Sahel, 1993.
[82] ) انظر فصل "هل سيكون الطعام كافيا للجميع؟"
[83] ) A. Shaikh et S. Snrech, op. cit.
[84] ) P. Beaumont, Drylands. Environmental Management and Development, Londres, Routledge, 1989.
[85] ) انظر حول هذا الموضوع فصل "تغيير المدينة يعني تغيير الحياة"، و"هل ستظل المياه جارية؟". وعلى سبيل المثال، في كريت، خلال العشرين سنة القادمة، لا مناص من أن ترتفع احتياجات المياه المرتبطة بالسياحة ارتفاعا هائلا. ووفقا للتحليلات التي أجريت في إطار المشروع الأوروبي MEDALUS فإن احتمال ندرة في المياه يمكن أن يرتفع بالتالي من 20% في عام 1980 إلى 85% في عام 2010.
[86] ) The State of India s environment, CSE, New Delhi, 1987.
[87] ) Voir Mike Hulme, contribution à la conférence “The African Sahel 25 years after the great drought” organisée à la Royal Geographical Society (Londres) les 13 et 14 mars 1998.
[88] ) Contribution de Rob Groot, Henk Brukman et Herman van Keulen à la conférence “The African Sahel...”. : وفقا لتقدير 1990 فإن ثلث كل الأراضي الأفريقية المزروعة أو المراعي متدهورة بصورة معتدلة أو بالغة: PNUE, Global State of the Environment Report 1997.
[89] ) Commonweaith of Australia, Future Change in Australian Rangelands, 1994, 20p.
[90] ) PNUE, 1991, op. cit., p. 227-228.
[91] ) Mick Kelly et Mike Hulme, “Desertification and climate change”, Tiempo Climate Cyberlibrary.
[92] ) J. F. B. Mitchell, F. C. Johns, J. M. Gregory, S. F. B. Telt, “Climate response to increasing levels of greenhouse gases and sulphate aerosol”, Nature, 1995, n° 376, p. 501-504.
[93] ) N. Petit-Maire, “Les gaz à effet de serre vont-ils faire reverdir les déserts tropicaux ?”, Corrélation géologique, n° 25, Paris, PICG-UNESCO-UISG, juin 1997 (rapport d activité du Programme international de corrélation géologique, PICG).
[94] ) Dave Thompson, Robert C. Balling, Martin A. J. Williams et al., Interactions of Desertification and Climate, John Wiley & Sons, 1996.
[95] ) Mick Kelly et Mike Hulme, op. cit.
[96] ) Hadley Center, “Climate change and its impact (Buenos Aires, 1998)” (en ligne sur l Internet).
[97] ) Hadley Center, ibid.
[98] ) B. Thébaud, Courrier de la Planète, 1994, n° 20, p. 23-24.
[99] ) يستشهد ميشيل باتيس بحالة بلدان النفط الغنية في الشرق الأوسط، التي يتيح لها دخلها تمويل تحلية مياه البحر أو حتى دعم الري اعتمادا على القمم الجليدية القطبية، ويلاحظ أن هذا الحل الثاني لا يخلو من جهة أخرى من مخاطر. انظر حول هذا الموضوع فصل "هل ستظل المياه جارية؟".
[100] ) Michel Batisse, loc. cit.
[101] ) Nations unies, “Comprehensive assessment of the freshwater resources of the world: Report of the Secretary General” (avril 1997), op. cit.
[102] ) Michel Batisse, Courrier de l UNESCO, janvier 1994.
[103] ) Courrier international, n° 427, 7-13 janvier 1999 (article d Anton Vos, Le Temps de Lausanne).
[104] ) Les Zones arides dans les programmes de l UNESCO, UNESCO, 1995.
[105] ) Connexion, septembre 1994.
[106] ) Les Zones arides dans les programmes de l UNESCO, UNESCO, 1995.
[107] ) Nations Unies, “Comprehensive assessment ...”, op. cit.
[108] ) Daniel Balland, Courrier de l UNESCO, janvier 1994.
[109] ) Ibid.
[110] ) في تونس، تم تشجيع "التنمية شبه الكثيفة القائمة على استخدام ذكي لمياه خاصة عن طريق مضاعفة الأعمال الصغيرة لجريان وحجز المياه وللنضال ضد التحات الرياحي والمائي": Les Zones arides dans les programmes de l UNESCO, UNESCO, Paris, 1995.
[111] ) Diversité biologique dans les régions arides du monde, CIND, juin 1994. Gestion participative des ressources génétiques des plantes dans les parcours et les oasis au nord du Sahara, pré-projet FEM, octobre 1996.
[112] ) Klaus Töpfer, 9 décembre 1998, communiqué de presse. : ("أكثر الإجراءات فعالية لمنع تدهور الأراضي الجافة هي في كثير من الأحيان نفس الإجراءات المطلوبة لحماية التنوع الأحيائي أو تقليل مخاطر تغير المناخ إلى حد أدنى").
[113] ) R. C. Stone, G. L. Hammer, T. Marcussen, Nature, 1996, n° 384, p. 252-255.
[114] ) المدخل الإقليمي، الذي تم اعتماده مؤخرا لإعداد دراسات التأثير، والذي أعده الفريق بين الحكومي من الخبراء بشأن التغيرات المناخية، سوف يتيح صقل تحليلات حول التفاعلات بين التغير المناخي والتصحر.
[115] ) C. Rosenzweig, M. L. Parry, “Potential impact of climate change on world food supply”, Nature, n° 367, 1994, p. 133-138.
[116] ) Ibid. Voir un exemple de cette approche dans Préserver les ressources. La lutte contre la désertification: une priorité de la coopération allemande au développement, ministère allemand de la Coopération économique et du Développement, Bonn, août 1996. Voir aussi L eau: la coopération française et l eau en Afrique, ministère de la Coopération, Paris, octobre 1994.
[117] ) M. Tiften, M. Mortimore et F. Gichuki, More Peuple, less Erosion, Chichester ; Wiley, 1994.
[118] ) UNESCOPRESSE, 30 juin 1995.
[119] ) Y. Jadot, J. P. Rolland, Les Contradictions des politiques européennes à l égard des pays en développement, Paris, Solagral, 1996.
[120] ) Aussi appelée LEISA (Low External Input Sustainable Agriculture).
[121] ) Sustainable Land Use, Sectoral policy document n° 2, Development Cooperation, Ministry of Foreign Aftairs, The Netherlands.: هذه الإدارة للأراضي، التي تستعين بمشاركة السكان المعنيين، في تعبئة المجتمع المدني وبتعليم البيئة، موصى بها، على سبيل المثال داخل اللجنة بين الحكومية للنضال ضد الجفاف في الساحل.
[122] ) “Comprehensive assessment of the freshwater resources of the world: Report of the Secretary General” (avril 1997).
[123] ) "وضعت عملية ريو بتشديدها القوي على مدخل متكامل إلى التنمية المستديمة أدوات جديدة في أيدي مصممي ومنفذي سياسات مكافحة التصحر": contribution à l Office d analyse et de prévision, avril 1997.
[124] ) الاتفاقيتان الأخريان هما اتفاقية الإطار بشأن التغير المناخي والاتفاقية بشأن التنوع الأحيائي.
[125] ) هذا النوع من العمل تقوم به بأسلوب نموذجي جامعة لينكوپنغ Linköping في السويد.
[126] ) L. Tubiana, Note introductive du séminaire “Politiques et sécurité alimentaire: prospective à long terme”, Commission européenne-Solagral, 1996.
[127] ) Bo Kjellén, op. cit.
[128] ) Theodore Monod, entretien accordé à Michel Batisse, Courrier de l UNESCO, op. cit.
[129] ) Théodore Monod, Courrier de l UNESCO, janvier 1994.
الفصل 9
[130] ) Samuel Taylor Coleridge, The Rime of the Ancient Mariner.
[131] ) Robert Engelman, Pamela Le Roy, Sustaining Water: Population and the Future of Renewable Water Supplies. Population and Environment Programme. Population Action International, 1993,
[132] ) Mostafa K. Tolba, “Fresh water: a major problem of the 21st Century”, International Conference on World Water Resources at the Beginning ot the 21st Century, UNESCO, Paris, 3-6 juin 1998.
[133] ) Guy Marblat: “Qui paiera le prix de l eau ?”, Une Terre en renaissance, Le Monde Diplomatique, dossiers Savoirs n° 2.
[134] ) Source: PNUE, UNU, Journée mondiale de l eau, 22 mars 1999.
[135] ) Dr Dennis B Warner, WHO, Drinking Water Supply and Environmental Sanitation for Health, Conférence internationale Eau et développement durable, Paris, 19-21 mars 1998.
[136] ) Cité dans Sandra Postel, “Faire face à la rareté de l eau”, État de la planète, World Watch Institute, Paris, Economica, 1993.
[137] ) 1.A. Shiklomanov et al., Assessment of Water Resources and Availability in the World, State Hydrological Institute, St. Petersbourg, Russie, 1996.
[138] ) Ibid.
[139] ) Jean Margat, “L eau et l humanité au XXIe siècle”, note préparée pour l UNESCO, 1997.
[140] ) Michel Batisse, “Eau et sociétés”, Ena mensuel, n° 198.
[141] ) Postel, 1993, op. cit.
[142] ) Malin Falkenmark, 1986.
[143] ) Postel, 1993, op. cit.
[144] ) Jean-Paul Besset, “L eau, enjeu de la paix et de la prospérité du XXIe siècle”, Le Monde, 20 mars 1998.
[145] ) Yves Mamou, “Pression démographique oblige, la pénurie d eau est pour demain”, Le Monde, 2 février 1999.
[146] ) Roger Cans, La Bataille de l eau, Le Monde, Éditions, 1994.
[147] ) Houria Tazi Sadeq, “La demande monte, l offre baisse”, Le Courrier de l UNESCO, février 1999.
[148] ) Mohamed Larbi Bouguerra, “Bataille planétaire pour l or bleu”, Le Monde diplomatique, novembre 1997.
[149] ) Plan Bleu, “L eau en région méditerranéenne”, 1996.
[150] ) Shiklomanov et al., 1996, op. cit.
[151] ) Vazken Andreassian, Jean Margat, Prospective des besoins en eau mondiaux à l horizon 2025, Colloque international “Quel environnement au XXIe siècle ? Environnement, maîtrise du long terme et démocratie”, 8-11 septembre 1996, Abbaye de Fontevraud, France.
[152] ) United Nations Commission on Sustainable Development, Comprehensive Assessment of the Freshwater Resources afthe World, Report of the Secretary General, E/CN.17/1997/9, 4 février 1997.
[153] ) Rémi Sadoux, “L Or bleu de l an 2000”, Jeune Afrique, 6-12 mars 1996.
[154] ) Postel, 1993, op. cit.
[155] ) Sandra Postel, “Economiser l eau des agriculteurs”, État de la planète, World Watch Institute, Paris, Economica, 1990.
[156] ) Ismail Serageldin, “Water in the 21st century: a dialogue”, Water Policy, n° 1, 1998.
[157] ) Uri Shamir, “La science et la gestion de l eau”, Rapport mondial sur la science 1998. éditions UNESCO/Elsevier, 1998.
[158] ) Wulf Klohn, Hans M. Walter, FAO, Perspectives on Food and Water, Conférence internationale Eau et développement durable, Paris, 19-21 mars 1998.
[159] ) Postel, 1990, op. cit.
[160] ) Beijing Déclaration, Habitat II International Conference on Managing Water Resources for Large Cities and Towns, 18-21 mars 1996, Beijing. Traduction de l Office d analyse et de prévision de l UNESCO ; il n existe pas de traduction officielle de ce document.
[161] ) International Hydrological Programme ; Water in our Common Future, UNESCO, 1993. : انظر أيضا فصل "الصحراء تنمو" في هذا العمل.
[162] ) Walter Klohn, 1998, op. cit.
[163] ) Ismail Serageldin, “Water in the 21st century: a dialogue”, Water Policy, n°1,1998.
[164] ) United Nations Commission on Sustainable Development, op. cit.
[165] ) Nguyen Tien Duc, “Les besoins en eau douce”, Futuribles, juin 1994.
[166] ) Summary and Recommandations of The International Conference on World Water Resources at the beginning of the 21st Century, Water: a Looming Crisis? UNESCO, IAHS, WWC, Paris, 3-6 juin 1998.
[167] ) Roger Cans, “L état de santé écologique du Rhin est en constante amélioration”, Le Monde, 13/03/96.
[168] ) Sandra Postel, 1993, loc. cit.
[169] ) Ibid.
[170] ) Juan Carlos Núñez, “Mexique: le sucre se met au vert”, Le Courrier de l UNESCO, février 1999.
[171] ) FY94 Sector Review Water Supply and Sanitation, Banque mondiale, 1994, cité dans Serageldin, Toward Sustainable Management of Water Resources, Banque mondiale, Washington, D.C., 1995.
[172] ) Roger Cans, “Devenue rare, l eau risque d être l enjeu de conflits futurs entre nations”, Le Monde, 16/8/95.
[173] ) Beijing Declaration, 1996, op. cit.
[174] ) Serageldin, Toward the Sustainable Management of Water Resources, Banque mondiale, Washington, D.C., 1995.
[175] ) Ferial Haffajee, “Afrique du Sud: l eau démocratisée”, Le Courrier de l UNESCO, février 1999.
[176] ) Uri Shamir, 1998, op. cit.
[177] ) “Réunion pour une charte sociale mondiale de l eau”, Le Monde, 24 mars 1999.
[178] ) ينبغي أن نعرف أن حوالي 9400 لتر من الماء ضرورية لتصنيع 4 إطارات سيارات، وأن حوالي 1.4 مليار لتر من الماء ضرورية لإنتاج الكمية العالمية من ورق الجرائد المستخدمة خلال يوم واحد: “Eau douce: à quel prix ?”, Le Courrier del UNESCO, février 1999.
[179] ) Philippe Collomb, “L homme et l eau”, Population & Sociétés, février 1995, n° 298.
[180] ) Michel Batisse, Eau et développement durable dans le bassin méditerranéen, Conférence internationale Eau et développement durable, Paris, 19-21 mars 1998.
[181] ) Virginie Fauroux, “Vers un tribunal mondial de l eau”, Le Figaro, 22 décembre 1997.
[182] ) The Water Crisis, Banque mondiale, Washington, D.C., 1995.
[183] ) Françoise Chipaux, “Jordanie: l eau vitale pour la paix”, Le Monde, 21/04/94.
[184] ) Bouguerra, 1997, op. cit. ; The Economist, 20 juin 1992.
[185] ) “Valence: 10 siècles d eaux tranquilles”, Le- Courrier de l UNESCO, février 1999.
[186] ) Joseph W. Dellapenna, “Eaux sans frontières: le marché ou la coutume”, Le Courrier de l UNESCO, février 1999.
[187] ) Rémi Sadoux, 1996, op. cit.
[188] ) Cf. Federico Mayor, “Pour une éthique de l eau”, Le Courrier de l UNESCO, février 1999.
[189] ) Federico Mayor, allocution prononcée à l occasion du vingt et unième congrès de l International Water Services Association, Madrid, 22 septembre 1997.
[190] ) Jean Margat, “Vers une nouvelle culture de l eau au XXIe siècle”, Dialogues du XXIe siècle, UNESCO, Paris, 16-19 septembre 1998.
[191] ) Federico Mayor, allocution prononcée à l occasion du vingt et unième congrès de l International Water Services Association, Madrid, 22 septembre 1997.
[192] ) Federico Mayor, L eau et la civilisation, allocution prononcée à l occasion du premier Forum mondial de l eau, Marrakech, 22 mars 1997.
الفصل 10
[193] ) FAO, Synthèse des documents d information technique, Sommet mondial de l alimentation, Rome, novembre 1996.
[194] ) Stéphanie Debruyne, “Le défi alimentaire”, dans “L an 2000, et après...”, numéro hors-série de la revue Futuribles, janvier 1999.
[195] ) Michèle Aulagnon, “La malnutrition tue plus que n importe quelle autre épidémie. Le rapport annuel de l UNICEF estime que sept millions d enfants meurent chaque année”, Le Monde, 18 décembre 1997.
[196] ) Population, Resources and the Environment: The Critical Challenge, UNFPA, New-York, 1991.
[197] ) Lester Brown, “II faut des taxes de pollution de plus en plus lourdes pour augmenter le prix des énergies classiques”, propos recueillis par Marc-Ambroise Rendu, Le Monde, 4 mars 1992.
[198] ) Lester Brown, “La guerre entre l homme et la Terre est d ores et déjà engagée”, propos recueillis par Jean-Paul Besset, Le Monde, 27 février 1996.
[199] ) Hervé Le Bras, Les Limites de la planète: Mythes de la nature et de la population, Paris, Flammarion, 1994.
[200] ) Agenda 21, Nations Unies, conférence des Nations Unies sur l Environnement et le Développement, New York, 1992.
[201] ) Rapport sur le développement dans le monde 1992. Le développement et l environnement, Banque mondiale, Washington, D.C., 1992.
[202] ) 2100 Odyssée de l espèce, Gaudin T., Paris, Payot, 1993.
[203] ) FAO: Potential Population Supporting Capacities of Lands in the Developing World, G. M. Higgins et al., Technical Report of Project. Land resources for populations of the future, Food and Agriculture Organization of the United Nations, United Nations Fund for Population activities, International Institute for applied Systems analysis, Rome, 1982.
[204] ) Croissance démographique et production alimentaire. Les rôles des facteurs démographiques à l horizon 2050, Ph. Collomb, rapport technique provisoire demandé par la FAO et le FNUAP pour le sommet mondial de l alimentation de novembre 1996, Centre de documentation du CICRED, décembre 1995.
[205] ) Agriculture mondiale—Horizon 2010—Étude de la FAO, N. Alexandratos, Organisation des Nations Unies pour l alimentation et l agriculture (FAO) / Polytechnica, Paris, 1995.
[206] ) Central Planning Bureau of the Netherlands, Scanning the Future: A Long Term Scénario Study of the World Economy 1990-2015, 1990.
[207] ) E. Pisani, Le Monde diplomatique, avril 1995.
[208] ) P. Collomb, “L alimentation de la population mondiale en 2050”, Population et sociétés, avril 1996, n° 312.
[209] ) Business Week, 20/05/96.
[210] ) Courrier international, n° 315, 14-20 novembre 1996.
[211] ) Conseil pontifical Justice et Paix, “Pour une meilleure répartition de la terre. Le défi de la réforme agraire”, Libreria Editrice Vaticana, Vatican, 1997.
[212] ) Sen, Poverty and Famines, Oxford, Clarendon Press, 1981.
[213] ) Sen, “La liberté individuelle: une responsabilité sociale”, Esprit, mars-avril 1991.
[214] ) Collomb, 1995, op. cit.
[215] ) Alexandratos, 1995, op. cit.
[216] ) Ph. Collomb, La Sécurité alimentaire de l humanité au début du XXIe siècle, note préparée pour l UNESCO, 1997.
[217] ) انظر فصل "هل ستظل المياه جارية؟".
[218] ) وفقا للبرنامج الغذائي العالمي، وصلت تكلفة المساعدة الغذائية العاجلة لرواندا في 1994 إلى 1.4 مليار دولار، أيْ 20% من المساعدة العالمية لذلك العام وحده: Le Figaro, 6 mars 1996.
[219] ) Alexandratos, 1995, op. cit.
[220] ) Ibid.
[221] ) Population et développement — Programme d action adopté à la Conférence internationale sur la population et le développement, Organisation des Nations Unies, Le Caire, 5-13 septembre 1994”, volume 1, ST/ESA/SER. A/149, New York, 1995.
[222] ) Alexandratos, 1995, op. cit.
[223] ) كما تدقق منظمة الفاو، يمكن أن يوجد تشابك بين المناطق التي تشغلها مستوطنات بشرية، والغابات، والمناطق المحمية.
[224] ) Population, Food, and Rural Development, R. E. Lee, W. B. Arthur, A. C. Kelley, G. Rodgers, T. N. Srinivasan, IUSSP, Liège, 1988.
[225] ) People and the Planet, vol. 4, n° 4, 1995.
[226] ) Debruyne, 1999, op. cit.
[227] ) M.S. Swaminathan, “La science et la sécurité alimentaire”, Rapport mondial sur la science 1998, éditions UNESCO/Elsevier, 1998.
[228] ) “Importance du manioc en alimentation humaine dans différentes régions du monde (The importance of cassava as human food in the different regions of the world)”, in Transformation alimentaire du manioc (Cassava Food Processing), Treche S., Paris, ORSTOM, 1995.
[229] ) Hervé Kempf, “Le génie génétique est mal adapté aux besoins agricoles du tiersmonde”, Le Monde, 20-21 décembre 1998.
[230] ) Ph. Collomb, “Transition démographique, transition alimentaire”: 1 — La logique économique, Population, 3, 1989, p. 583-612 ; II — De la logique démographique à la logique alimentaire”, Population, 4-5, 1989, p. 777-807.
[231] ) Global Food Supply, Demand, and Trade to 2050: Projections and Implications for Policy and investment, M. W. Rosegrant, M. Agcaoili-Sombilla, N. D. Perez:  Paper prepared for the workshops on “A 2020 Vision for Food, Agriculture, and Nutrition: Issues Facing South Asia”, 27-29 mars 1995, Kathmandu, Nepal ; et Long Term Projections for 2020, 11-12 avril. International Food Policy Research Institute (IFPRI), Washington, 1995.
[232] ) Lester Brown, “Facing food insecurity”, State of the World 1994, World Watch Institute, Washington.
[233] ) Christiane Galus, “Seul un gigantesque "plan Marshall" pourrait vaincre la malnutrition”, Le Monde, 20-21 décembre 1998.
الفصل 11
[234] ) FAO, “Potential population supporting capacities of lands in the developing world”, G. M. Higgins et al., Technical Report of Project — Land resources for populations of the future, FAO, UNFPA, International Institute for Applied Systems Analysis, Rome, 1982.
[235] ) The Economist, 10/6/95.
[236] ) Le Monde. 22 mai 1997.
[237] ) Catherine Vincent, “Les biotechnologies remportent une victoire contre une grave maladie du riz”, Le Monde, 29 février 1996.
[238] ) Vincent Tardieu, “Des bactéries du sol pour dépolluer les friches industriel”, Le Monde, 20 décembre 1996.
[239] ) Central Planning Bureau of the Netherlands, Scanning the Future: a Long Term Scenario Study of the World Economy 1990-2015, 1990.
[240] ) Albert Sasson, “Comment nourrir la planète au XXIe  siècle?”, “Une Terre en renaissance, les semences du développement durable”, dossiers Savoirs, Le Monde diplomatique, 1995.
[241] ) اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع الأحيائي يدرج تحت اسم البيوتكنولوجيا "كل تطبيق تكنولوجي يستخدم النظم البيولوجية للكائنات الحية أو ما يُستمد منها في سبيل تحقيق أو تعديل منتجات أو إجراءات استعمال نوعية".
[242] ) Ph. Collomb, “La sécurité alimentaire de l humanité au début du XXIe siècle. Accroissement démographique, biotechnologies et sécurité alimentaire”, note préparée pour l UNESCO, 1997.
[243] ) يجدر بنا أن نشدد بهذا الخصوص على أن أحدث الإسقاطات الديموغرافية تبين أنه خلال الثمانية أعوام الأخيرة، تقلص معدل الزيادة الديموغرافية في العالم بصورة ملموسة جدا، إلى حد كبير نتيجة للجهود المتحققة في مجال التعليم؛ انظر الفصل "السكان: قنبلة زمنية؟".
[244] ) “Croissance démographique et production alimentaire. Les rôles des facteurs démographiques à l horizon 2050”, Ph. Collomb, rapport technique provisoire demandé par la FAO et le FNUAP pour le Sommet mondial de l alimentation de novembre 1996, Centre de documentation du CICRED, décembre 1995.
[245] ) “Incidence de l évolution des biotechnologies sur le commerce des produits agricoles”, Comité des produits, soixante et unième session, FAO, Rome, 18-21 février 1997.
[246] ) Collomb, 1995, op. cit.
[247] ) Comité des produits, FAO, 1997, op. cit.
[248] ) “Des orientations pour la recherche et le développement des racines et des tubercules tropicaux (Orientations for Research and Development in Tropical Root and Tuber Crops)”, D. Griffon, in Transformation alimentaire du manioc (Cassava Food Processing), Paris, ORSTOM, 1995.
[249] ) “Alien seed ?“, Time, 24 août 1998.
[250] ) Business Week, “The New Economies of Food”, 20/05/96.
[251] ) UNESCO: “Action Plan for Biosphere Reserves”, Man and the Biosphere Programme Secretariat, UNESCO, Paris, 1985 ; UNESCO: “Biosphere reserves” (MAP), UNESCO, Man and the Biosphere Programme Secretariat, Paris, 1985.
[252] ) FAO, document d information technique n° 6, Sommet mondial de l alimentation, Rome, novembre 1996.
[253] ) People and the Planet, vol. 4, n° 4, 1995 (IPPF, IUCN, WWF).
[254] ) Sylvie Bonny, “Les biotechnologies en agriculture. Perspectives et enjeux”, Futuribles, juillet-août 1996.
[255] ) P. Ahl Goy, J.H. Duesing, “From pots to plots: genetically modified plants on trial”, Bio/Technology, n° 13, mai 1995.
[256] ) هذه المخاطر مرتبطة بصورة خاصة بسُمّية المنتجات التي يمكن أن تقوم النباتات المطورة وراثيا المقاومة لمبيدات الأعشاب بتركيبها، وبتعديلات التحول الغذائي وتكوين هذه النباتات، وبمنتجات التدهور بإنزيمات مبيدات هذه الأعشاب التي تقاومها هذه النباتات، وبتراكم المواد السمية لنبات تم جعله مقاوما وراثيا للعوامل المسببة للأمراض، إلخ.
[257] ) Jacques Testart, “Espèces transgéniques: ouvrir la boîte de Pandore ?”, Manière de voir, mars-avril 1998, Le Monde diplomatique.
[258] ) Jeremy Rifkin, Le Siècle biotech. Le commerce des gènes dans le meilleur des mondes, Paris, La Découverte, 1998.
[259] ) “Les plantes transgéniques en agriculture. Dix ans d expériences de la Commission du génie biomoléculaire”, sous la direction d Axel Kahn, John Libbey, Paris, Eurotext, 1996.
[260] ) Le Monde, 7 janvier 1998.
[261] ) “Alien seed ?“ (Cover story), Time, 24 août 1998.
[262] ) Ahl Goy, Duesing, 1995, op. cit.
[263] ) Jeremy Rifkin, 1998, op. cit.
[264] ) “Alien seed ?“ (Cover story), Time, 24 août 1998.
[265] ) Bonny, 1996, op. cit.
[266] ) Paul Kennedy, Préparer le XXIe siècle, Paris, Odile Jacob, 1994.
[267] ) Jeremy Rifkin, 1998, op. cit.
[268] ) Ibid.
[269] ) “La mort de l orme séculaire. Crise agricole et migration dans l Ouest audois des années cinquante”, Ph. Collomb, Travaux, et Documents, nos 105 et 106, INED, PUF, 1984, 1040 pages.
[270] ) L. Busch et al.. Plants, Power and Profit: Social, Economic and Ethical Consequences of the New Biotechnologies, Cambridge, Mass./Oxford, 1991, p. 172, 175, 181, 182.
[271] ) “Les manipulations génétiques au service du maïs américain”, Le Monde, 19 août 1995.
[272] ) Philippe Collomb, “L alimentation de la population mondiale en 2050”, Population et sociétés, avril 1996, n° 312.
[273] ) Edgar Pisani, Le Monde diplomatique, avril 1995.
الفصل 12
[274] ) Amory B. Lovins, cité par Benjamin Dessus, “L énergie à l horizon 2020 et audelà”, note préparée pour l UNESCO, 1998.
[275] ) Agence internationale de l énergie. Édition 1996 des Perspectives énergétiques mondiales, cité dans Futuribles, mai 1996.
[276] ) Xiaoli Han, Lata Chatterjee, “Impacts of growth and structural change on CO2 émissions of developing countries”, World Development, vol. 25, n° 3, 1997.
[277] ) Jean-Paul Besset, “La terre se réchauffe — Les mises en garde des scientifiques”, Le Monde, 26 novembre 1997 ; “The intergovernmental panel on climate change”, Climate Change 1995: The Second Assessment Report, Cambridge University Press, 1995.
[278] ) Leyla Boulton, “Factoring in the human influence”, Financial Times, 28 novembre 1997.
[279] ) Le Monde, 26 novembre 1997, op. cit.
[280] ) Cité dans l article de Leyia Boulton, “Pollution threat is the driving force”, Financial Times, 5 décembre 1996.
[281] ) The Economist, 20 juillet 1996.
[282] ) José Goldemberg, “Reduce subsidies & leapfrog old technologies”, Valuing the Global Environment, Actions & Investments for a 21st  Century, Global Environment Facility, 1998.
[283] ) Le Monde, 26 novembre 1997, op. cit.
[284] ) John H. Cushman Jr. , “Washington targets global warming”, International Herald Tribune, 18 juillet 1996.
[285] ) Leyla Boulton, “Exercise in international mutual aid”, Financial Times, 5 décembre 1995.
[286] ) Dominique Gallois, “La consommation mondiale d énergie devrait augmenter de moitié d ici à 2020”, Le Monde, 10 octobre 1995.
[287] ) The Economist, 18 juin 1994.
[288] ) Benjamin Dessus, Énergie, un défi planétaire, Paris, Belin, 1996.
[289] ) Benjamin Dessus, “Pas de panique en 2100. Assurer les besoins énergétiques de onze milliards d hommes sans détruire la planète”, Futuribles, juillet-août 1994.
[290] ) Nebojsa Nakicenovic, “Decarbonization: doing more with less”, Technological Forecasting, n° 51, janvier 1996.
[291] ) Benjamin Dessus, “Les moyens d éviter l impasse énergétique”, “Une terre en renaissance”, Le Monde diplomatique, dossiers Savoirs, n° 2.
[292] ) José Goldemberg et al., Energy for a Sustainable World, 1988.
[293] ) Oliviero Bernardini et Ricccardo Galli, “Dematerialization: long-tenu trends in the intensity of use of materials and energy”, Futures, mai 1993.
[294] ) Robert J. Timmons, Péter E. Grimes, “Carbon intensity and economic development 1962-1991: a brief exploration of the environmental kuznets curve”, World Development, vol. 25, n° 2, 1997.
[295] ) Nebojsa Nakicenovic, op. cit.
[296] ) Dessus, 1996, op. cit.
[297] ) Ibid.
[298] ) Jean-Paul Dufour, “Les scénarios du réchauffement climatique prévisible restent flous”, Le Monde, 23 septembre 1995.
[299] ) Wouter van Dieren, éd., Taking Nature Into Account. Towards a Sustainable National Income, Copernicus, Springer Verlag New York, 1995.
[300] ) Ernst Ulrich von Weizsäcker, Amory B. Lovins, L. Hunter Lovins, Factor Four. Doubling Wealth, Halving Resource Use, Earthscan, 1997.
[301] ) The Economist, 22 février 1997.
[302] ) “The future of energy. The battle for world power”, The Economist, 7 octobre 1995.
[303] ) Hervé Morin, “Carlo Rubbia défend son projet de réacteur nucléaire sans risque”, Le Monde, 4 décembre 1996.
[304] ) Pierre Le Hir, “Un nouveau record européen en fusion thermonucléaire”, Le Monde, 16 octobre 1997.
[305] ) Simon Hoberton, “Future calls for power to persuade”, Financial Tunes, 14 novembre 1997.
[306] ) The Economist, 7 octobre 1995, op. cit.
[307] ) Philippe Roquepio, “Long terme et nucléaire”, Les Cahiers de Global Chance, n° 11, avril 1999.
[308] ) Ibid.
[309] ) Lenssen Flavin, “The unexpected rise of natural gas”, The Futurist, mai-juin 1995.
[310] ) Cité dans l article de Christiane Galus, “L hydrogène est loin de pouvoir remplacer l essence”, Le Monde, 30 janvier 1997.
[311] ) Leyia Boulton, “Gathering gas from rubbish dumps”, Financial Times, 28 novembre 1997.
[312] ) انظر الفصول 7، 8، 9، 10.
[313] ) André Larané, “L aérogénérateur de Dunkerque redonnera du souffle aux éoliennes”, Le Monde, 19 juin 1996.
[314] ) Christopher Flavin, Energy in the Next 20-25 Years, note préparée pour l UNESCO, 1997.
[315] ) The Economist, 7 octobre 1995, op. cit.
[316] ) Jean-Paul Besset, “L autre fée électricité”, Le Monde, 15 août 1998.
[317] ) Hervé Morin, “L électricité solaire pourrait connaître un nouvel essor”, Le Monde, 18 avril 1997.
[318] ) The Economist, 7 octobre 1995, op. cit.
[319] ) Flavin, 1997, op. cit.
[320] ) Ibid.
[321] ) Angela Bleasdale, “Here cornes the sun”, Financial Times, 5 juin 1996.
[322] ) Michael Grub, Renewable Energy Strategies for Europe, vol. II, Royal Institute for International Affairs & Earthscan, mai 1997, cité dans l article de Caspar Henderson, “Highly charged debate”, Financial Times, 4 juin 1997.
[323] ) Nicholas Schoon, “Le soleil est le pétrole du futur, Shell y croit”, Courrier international, n° 371, 11-17 décembre 1997 ; Robert Corzine, “Altruism is not the only driving force”, Financial Times, 28 novembre 1997.
[324] ) Jean-Paul Besset, “L autre fée électricité”, Le Monde. 15 août 1998.
 



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم جديد - الجزء الأول - فيديريكو مايور
- بدلا من صَوْمَلَة سيناء
- طبيب الأمراض العقلية - ماشادو ده أسيس
- سوريا: الطريق إلى الجحيم
- حدث 25 يناير 2011: ثورة أم ليست ثورة؟ (مفهوم مختلف للثورة ال ...
- قبل تشكيل حكومة هشام قنديل
- أثبتت فحوصى الطبية الأخيرة خلوّ جسمى من سرطان الكبد (لطمأنة ...
- احتمالات الصراع الحالى بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإ ...
- ثورة 25 يناير 2011 فى النصف الأول من 2012 - القسم الثانى
- ثورة 25 يناير 2011 فى النصف الأول من 2012 - القسم الأول
- هل يتمخض الربيع العربى عن تأسيس دول إسلامية؟
- الانقلاب العسكرى المكمِّل
- كلمات فى عشية جولة إعادة الانتخابات الرئاسية فى مصر
- محاكمة ثورية للرئيس مبارك وأسرته ورجاله وإلغاء الانتخابات ال ...
- مع متاهات أرقام الانتخابات فى مصر
- مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فجر الديمقرا ...
- أساطير الجبال والغابات - برنار كلاﭭيل
- هاجس الحرب الأهلية فى مصر
- أساطير البحيرات والأنهار - برنار كلاڤيل
- أضأل امرأة فى العالم - كلاريس ليسپكتور


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل كلفت - عالم جديد - الجزء الثاني - فيديريكو مايور