وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3843 - 2012 / 9 / 7 - 15:44
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
( الخروج ) سمة مشتركة في الديانات الابراهيمية الثلاث والمدعوة (توحيدية )و ( سماوية ) ولنا عودة الى هذه المفاهيم في مقال قادم . الخروج كما يؤكد يوسف زيدان في كتابه ( اللاهوت العربي واصول العنف الديني ) المقصود به هو تلك البيئة الكامنة في نمط التفكير الديني ( الرسالي ) والجاهزة دوما للعمل على المنوال ذاته . وهو اقرار بالوهية الله المتعالي وان نائبه في الارض مؤيد منه , ثم تاتي الاحكام العملية اي الشريعة , الحكم بالضلال والكفر على المحيط الاجتماعي العام , انبثاق جماعة ايمانية جديدة تجاهر بعقيدتها المخالفة للعقائد السابقة ,اضطهاد لهذه الجماعة المحدثة من جهة المجتمع القديم واعلاء للذات المؤمنة , ثم الخروج اي الهجرة والفرار بعيدا وبناء مجتمع جديد مستقل .
اول خروج هو خروج النبي ابراهيم واخيه لوط وبعض اهلهما من بلاد الشرك التي كانت تعبد الاصنام . ثم كان الخروج الاشهر ,خروج النبي موسى الخروج من مصر مع شعبه العبراني الى الصحراء حيث وقع التيه لمدة اربعين عاما انتهت بوفاة موسى ودخول خليفته يهوشع بن نون الى ارض كنعان ( فلسطين )حسب الرواية التوراتية, التي صارت مسرحا دمويا لحرب الابادة التي قادها لتحقيق الوعد الالهي في التوراة بمنح الارض لذرية ابراهيم .ارتبطت عملية الخروج بتدمير عشوائي قام به الرب وبعمليات نهب وتدليس وتجسس وخداع وهي اعمال قامت بها الجماعة العبرانية (الخارجة )الا ان الخروج مع ذلك ظل مقدسا !!!وصار افلات السارقين من مطاردة فرعون مصر مقترنا بمعجزة تؤكد قداسة الخروج . وعلى المنوال ذاته وباسم الرب ايضا خرج السيد المسيح على السلطة اليهودية في اورشليم .فقلب الموائد عليهم وصرخ فيهم : يا اولاد الافاعي ! وتوعدهم بهدم الهيكل وتحداهم بانهم لو هدموه فسوف يقيمه هو في ثلاثة ايام .فطردوه ثم خرج تلاميذه الى البرية ,بعدما قال لهم انه لم ياتي ليصنع في الارض سلاما ,بل سيفا وليفرق بين المرء واهله .ثم قبض عليه وسيق للصلب , بناء على ما اقترفه من خروج .وبعد زمن طويل قامت الكنيسة باعتبارها جسد يسوع , وارتباطا بالسلطة السياسية السائدة بعد ان خرجت عليها عقودا طويلة ,شقت المسيحية خلالهاعصا الطاعة الامبراطورية ,ثم صارت المسيحية من بعد ,تقف سلطوية وامبراطورية , ومحلا لانبثاق جماعات (خروج )جديدة تم وصفها لاحقا بالهرطقات .
ومن بيئة الكفر وبلاد المشركين الذين هيمنوا على الجزيرة العربية كان (خروج ) النبي محمد بدعوته للاسلام , فاضطهدته السلطة السائدة ,فتاكد الايمان بالاسلام النقي,وهاجر المسلمون الى الحبشة ثم الى المدينة ,فتعقبهم المشركون في الحالتين .ثم قامت الحورب بعد الهروب . وبعدها انطلق المسلمون مجددا من مجتمعهم الجديد دولة المدينة , وجاهدوا وغلبوا المشركين وفتحوا مكة والبلاد الاخرى المجاورة فكانت دولة الاسلام .
الخروج يقابله في الاسلام (الهجرة )وتعني الهجرة في الاساس ( المفارقة ) .ان تعبير الهجرة كما يؤكد الدكتور سليمان بشير في كتابه (مقدمة في التاريخ الاخر – نحو قراءة جديدة للرواية الاسلامية ) من اكثر المصطلحات غموضا في تاريخ الاسلام .فالراي السائد يربط هذا التعبير بهجرة الرسول من مكة الى المدينة .وعلى الرغم مما روي عن الرسول قوله ( لا هجرة بعد الفتح ),نلاحظ ان معسكرات (الفتح الاسلامي )في الامصار قد سميت (دور الهجرة ) . روي عن عمر بن عبد العزيز انه كتب الى عماله قائلا لهم : (ان من طاعة الله التي انزل في كتابه يدعو الناس الى الاسلام كافة .ان يفتح لاهل الاسلام باب الهجرة . فانا نفتحها لمن هاجر من اعرابي فباع ماشيته وانتقل من دار اعرابيته الى دار الهجرة والى قتال عدونا .فمن فعل ذلك فله اسوة المهاجرين فيما افاء الله عليهم وان الله نعت المؤمنين عند ذكره الفيء فجعله للفقراء وللمهاجرين ) . على هذه الخلفية يجب فهم الروايات التي تذكر قول ( لااسلام لمن لاهجرة له ) .
وفي فجر الاسلام وعقب انتشار الدين في الارض واستقرار الحكم بيد معاوية بن ابي سفيان ,كان الايمان النقي مرة اخرى , هو الخروج على السلطان ورفض التحكيم الذي جرى بين علي ومعاوية . ومن هنا سمي ( الخوارج ) بهذا الاسم ,وعرفوا ايضا باسم ( المحكمة ) لانهم جعلوا الايمان حسبما تصوروه , وتحكيم النص القراني حسبما فهموه ,هما الطريق لازاحة الاستبداد السياسي والفساد السياسي والمالي . والقضاء عمليا ولو بالقتل ,على رموز هذا الفساد , حتى ان كانوافي مرتبة علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان وعمرو بن العاص وابي موسى الاشعري . وقد كان الخوارج يرفعون شعار (لاحكم الا الله ) ويسمون انفسهم (المحكمة ) والله هو الحاكم عندهم . وقد ترك لهم النطق بالاحكام لانهم ينوبون في الارض عنه كما يعتقدون ويتوهمون . ومن ثم نفذوا احكامهم في الاغيار المخالفين , الكافرين لانهم ارتكبوا الكبائر , ومرتكب الكبيرة عندهم كافر .يقول الشهرستاني في تعريف الخروج : كل من خرج على الامام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه ,يسمى خارجيا , سواء كان الخروج في ايام الصحابة على الائمة الراشدين , او كان بعدهم على التابعين باحسان , والائمة في كل زمان .
وبعد الخوارج ,توالى خروج الشيعة في زمن الخلافتين الاموية والعباسية ,تحت شعار ( يا لثارات الحسين ) وتحت لواء الامام المعصوم .
ولما استقر الامر للشيعة في بعض السنين , ببعض البلاد ,خرج عليهم , منهم , من نسميهم بغلاة الشيعة او بالشيعة الغالية .ومن هذه الزاوية يمكن ان نرى على نحو اوضح , طبيعة جماعات معاصرة , من غلاة السنة , مثل القاعدة والجهاد . وتوالى خروج الشيعة الى يومنا هذا .فقد خرج عن الاحزاب الشيعية الماسكة للسلطة في العراق بعد الاحتلال الاميركي ,التيار الصدري وجيش المهدي وهو ذراع التيار العسكري .وخرج جيش المهدي والتيار الصدري عن الحوزة التاريخية التقليدية (الصامتة )في النجف ,الى شرعية الجوزة (الناطقة ) . وتوالى خروج الشيعة ,فخرج عن التيار الصدري جماعات كان اهمها ( عصائب جند الحق ) التي اغتالت الخبير البريطاني في وزارة المالية لعمل برنامج لتداول الاموال عن طريق الشبكة العنكبوتية لمنع قيام السرقة والتزوير والتلاعب في الاموال .
ولازال الخروج مستمرا الى اليوم ...
على المودةنلتقيكم ...
المصادر
1 – ( اللاهوت العربي واصول العنف الديني ) , تاليف يوسف زيدان – ط2 - 2010 م – دار الشروق – القاهرة – مصر
2 – (مقدمة في التاريخ الاخر - نحو قراءة جديدة للرواية الاسلامية )للدكتور سليمان بشير – ط1 – 2012 م – دار الجمل – يغداد – بيروت .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟