أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - نقد العبث اليومي(*)















المزيد.....


نقد العبث اليومي(*)


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 3841 - 2012 / 9 / 5 - 16:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مقالنا هذا أرغب في نقد بعض ما يتردد على الألسن بين العامة والخاصة من عبارات دينية بلا وعي، فأصبحت قاعدة لما يمكن أن أسميه بالوعي العبثي الذي لا معنى له على الإطلاق، ليس لي كملحد فحسب، ولكن حتى لكثير من المتدينين المتصالحين مع أنفسهم ومع استخداماتهم لهذه العبارات. وسوف نحاول في هذا المقال أن نفرد بعض الأمثلة من واقع الحياة اليومية لنرى أن بعض العبارات فقدت معناها الأصيل واكتسبت معان أخرى جديدة، ومغايرة في بعض الأحيان لما تحمله بعض العبارات من فهم ديني محدد. وقبل البدء في نقد هذا الوعي الممارس يوميًا فإنه من المهم بالنسبة إلي التأكيد على أن هذه العبارات تحولت من عبارات إلى تعابير أي من (Phrases) إلى (Expressions) وهو تحول له دلالاته على أي حال، وقد انتقلت هذه العبارات/التعابير لتصبح، كما قلنا، جزءًا من وجدان الأفراد الواقعين تحت تأثير الثقافة العربية بشكل عام حتى الملحدين منهم وهو أمر طبيعي للغاية، ولهذا فإننا نجد كثيرًا من الملحدين يستعملون هذه العبارات إما من باب أنها جزء من الوجدان الجمعي المخزون أو كصيغ تعابيرية (Expressional Forms) كالنطق بكلمة (الله) للتعبير عن الإعجاب ونحو ذلك، وكذلك عبارة "الله يخليك" في بعض الدول العربية للتعبير عن الرجاء أو التوسل، وسوف نرى معًا أمثلة لهذه التحولات الديناميكية والتي تعتبر جزءًا كذلك من حركة اللغة وتطورها، لنعرف مقدار تأثير ثقافة البيئة على أفراد هذه البيئة، على اعتبار أن الدين واللغة عنصران مهمان من عناصر الثقافة.

أولًا: سبحان الله
في الأصل تعتبر هذه العبارة ذات دلالة دينية محددة وتأتي بمعنى (تنزه الإله) ولهذا فإننا نجدها في النص القرآني مستخدمة فقط في هذه الحالة (أدلة من القرآن) ولهذا يقال: "سُبُّوح قُدُّوس" فالمُسبَّح والمُقدَّس هو المُنزَّه وهو هنا يأتي دائمًا بمعنى المنزه عن أي علة، وحسب الاستخدام القرآني لعبارة (سبحان الله) فإنها تأتي غالبًا في حال كانت هنالك شبهة تمس الذات الإلهية أو تحاول التشكيك في قدرته أو إحدى صفاته، فتأتي الجملة لتقفل الباب تمامًا أمام هذه الشبهة أو هذه النقيصة فيقال: "سبحان الله" أي "تنزه الله عن هذا الكلام أو هذه النقيصة" ولكن في حياة المسلم اليومية فإن هذه العبارة تستخدم بصورة خاطئة في حالات لا تختص بها هذه العبارة من حيث معناها الديني الأصيل، فنجد المسلمين يستخدمون هذه العبارة في معرض تبيان قدرة الله كأن يقول أحدهم: "الله رفع السماء بدون عمد مرئية" فيرد الآخر تعظيمًا (وليس تنزيهًا): "سبحان الله" وهذا الاستخدام الخاطئ منتشر بكثرة في الأوساط الإسلامية بحيث أصبحت العبارة مرتبطة بالتعظيم وليس التنزيه كما رأينا، وقد يكون لذلك اعتقاد بأصل العبارة في هذا الموضع كما في قوله {{سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}} لأن الظاهر هو استخدام هذه العبارة في معرض التعظيم والتمجيد للإله وليس التنزيه، ولكن الراجح أنه هنا للتنزيه، لأن الفكرة هنا سد الباب أمام أي محاولة للتساؤل عن "الكيفية" التي تم بها الإسراء لأن العقل البشري يميل في العادة إلى التجسيد والتشبيه لتقريب الصورة والفهم في محاولة للإدراك، فيكون المعنى: "لقد أسرى الله بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى متنزهًا عن أي تشبيه أو تجسيد" وسواء صح هذا التفسير أم لم يصح فإن المعنى المعجمي يلزمنا دائمًا بدلالة التنزيه. فبالرجوع إلى (لسان العرب باب س ب ح) ثم إن العبارة نفسها تستخدم كذلك في مواطن غريبة، فعندما يرى الشخص كائنًا غريب الشكل أو مولودًا مشوهًا أو برأسين أو توائم ملتصقين فإنه يقول: "سبحان الله" وهي هنا لا تأتي بمعنى التنزيه ولا بمعنى التعظيم وإنما بمعنى التعجب من الفعل الإلهي. والمسلم حين يقول ذلك فإنه لا شعوريًا يتهم الله في التسبب بإحداث هذه الظاهرة العجيبة، وسوف يكون الله في هذه الحالة مساءلًا عن أخلاقية أفعاله: فإذا كان الله هو الخالق وهو المتدخل فعليًا في عملية الخلق، فلماذا خلق طفلين ملتصقين ولماذا خلق مولودًا مشوهًا مثلًا، رغم معرفته المطلقة باستحالة أن يحيا المرء بصورة طبيعية على هذا النحو، قبل أن يتدخل الطب والعلم الحديث بإيجاد حلول لفصل التوائم الملتصقين أو معالجة بعض حالات التشوه التي يمكن أن يعالجها. فأي تنزيه أو تعظيم قد يعنيه المسلم عندما يرى ظاهرة غير سلمية أو غير طبيعية تدفعه إلى أن يقول: "سبحان الله"؟ إضافة إلى هذا وذاك فإن عبارة "سبحان الله" تتردد فيما لا يمكن التصديق بتدخل الله فيه، فقد أدهشني أحدهم بينما كنا نشاهد برنامج (الحياة البرية) على قناة (National Geographic) مجموعة من العلماء وهم يفتحون بطن تمساح ليجدوا جثة فتاة كاملة داخله، فقال: "سبحان الله" ولم أفهم ما عناه بالتحديد من عبارته في تلك الحالة بالتحديد! ولكن عمومًا تستخدم هذه العبارة في حالات لا علاقة للإله بها على الإطلاق كتولد لون عند مزج بعض الألوان المختلفة، أو انعدام حالة الجاذبية بعد تجاوز المجال الأرضي، أو مشاهدة ظاهرة قوس قزح أو حتى في آلية عمل مصنع لتصنيع السيارات(!) وفي هذا الصدد أستحضر طرفة تقول إن أحدهم قدم إلى المدينة للمرة الأولى في حياته، وقام بزيارة قريبه الذي يعمل في مصنع للدواجن، فرآى آلة ضخمة بها أزرار كثيرة وأضواء مختلفة الألوان، فسأل قريبه: "ماذا تسمى هذه الآلة وما هي وظيفتها؟" فأجابه: "إنها (فقَّاسة) اصطناعية، ندخل البيض من هذه الناحية، فتخرج لنا من الناحية الأخرى كتاكيت جاهزة." فصاح الآخر باندهاش: "سبحان الله" فاستدرك قريبه قائلًا: "بل سبحان الفقَّاسة!"

ثانيًا: ما شاء الله
جاءت هذه العبارة في النص القرآني في سياق محدد للغاية {{ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله}} وهي في هذا السياق تعني "هذا ما أراده الله" أو "هذا ما شاءه الله" أو "هذه مشيئة الله" وبالتالي فإن العبارة تحاول تقليص صلاحيات المشيئة البشرية لصالح المشيئة الإلهية، فهي تعني بالتحديد: "لا علاقة لي بهذا إنما هذا هو ما أراده الله أو تلك هي مشيئته" ولكن في حياة المسلم اليومية تستخدم هذه العبارة في مواطن غريبة لا علاقة لها بهذا المعنى على الإطلاق، فعندما يرى المسلم أمرًا يعجبه: بيت/سيارة/مزرعة .. إلخ فإنه يقول: "ما شاء الله" باعتقاد جازم أن هذه العبارة تمنع العين أو تنفي دافع الحسد. وقد تحولت استخدامات هذه العبارة من تعبير عن الإعجاب إلى تعبير عن التعجب (الاستياء) والأمثلة كثيرة بطبيعة الحال، ولكن أتذكر أن إحدى الأمهات كانت تبحث عن ولدها لفترة طويلة حتى عثرت عليه أخيرًا نائمًا تحت السرير تام، فقالت: "ما شاء الله عليه، أنا قلقة وأبحث عنه منذ ساعة وهو نائم تحت السرير بسلام!" وللقارئ الكريم أن يقيس على هذا المثال عددًا لا يحصى من الأمثلة التي تستخدم فيها عبارة "ما شاء الله" في هذه الحالات التي لا علاقة لها بالفكرة الأصلية من العبارة، لاسيما عندما تكون العبارة مثل: "ما شاء الله عليك" أو "ما شاء الله حواليك" أو ما يشابههما.

ثالثًا: والله/والله العظيم
هذه العبارة كما يعلم الجميع هي عبارة قَسَم، فالواو واو قسم والله هو المقسوم به، وهذا يعني أن من يستخدم هذه العبارة يحلف أو يقسم لك بإلهه على حدوث/عدم حدوث أمر ما أو على صدقه فيما يقول، وهو الغرض من القسم (المصادقة على القول). ولولئك الذين تعتبر اللغة العربية لغتهم الأم فإننا نجد أن القسم هو جزء أساسي من الحديث سواء تطلب الكلام تأكيدًا ومصادقة أم لم يتطلب ذلك. وفي الغالب الأعم ومن واقع ملاحظتي الشخصية فإن أغلب الذين يقسمون بالإله هم أناس غير صادقين، ويكون القسم في هذه الحالة نوعًا من ميكانيزم الدفاع، وهم بذلك يجسدون المثل العربي القائل: "كاد المريب أن يقول خذوني." ومع اختلاف ثقافات المسلمين باختلاف بيئاتهم وبلدانهم فإننا نجد أن ثيمة القسم موجودة في مجال الكلام اليومي ولكن يختلف المقسوم به، فهنالك من يقسم بالنبي، وهناك من يقسم بحياة الأشخاص، وهنالك من يقسم بالشرف، وإذا أردنا أن نعرف لماذا استبدل البعض المقسوم به من الله إلى أي شيء آخر سوف نجد أن أي معنى قد يؤدي بنا في النهاية إلى حقيقة شبه مؤكدة وصادمة في الوقت ذاته، فالله لم يعد يعتبر موثوقًا لدى مستخدمي اللغة أو مستخدمي هذه العبارة؛ لذا فإنهم ينزعون في الغالب إلى إيجاد شيء له قيمة أكبر من الله في مجال الحياة اليومية، فعندما يقول أحدهم: "والله أنا صادق" أو "وشرفك أنا صادق" أو "وحيات غلاوتك إنت أنا صادق" فإن الوقع النفسي للعبارة الثانية أو الثالثة قد يكون عند مستخدمي اللغة أقوى بكثير من وقع العبارة الأولى. وهانحن نرى كيف أن فكرة الله تفقد مصداقيتها في الحياة اليومية، بحيث يصبح شرف الإنسان أو حياته مقيمًا أكثر من الإله نفسه.

رابعًا: رحمه الله/المرحوم
عندما يتكلم المسلم عن الميت فإنه في الغالب الأعم يلحق اسمه بصفة (المرحوم) أو عبارة (رحمه الله) ويعتبر المسلم إن ذلك من باب الوفاء للميت أو احترامه، وهي من باب الدعاء للميت بالرحمة. ولكن هل أي من هاتين الصيغتين يمكن اعتبارهما من صيغ الدعاء؟ إذا نظرنا إلى العبارة الأولى (رحمه الله) نجد أن الكلمة الأولى (رحمه) مكونة من جزأين: فعل + ضمير متصل (رَحِمَ + هـ) والفعل هنا في صيغة الماضي، فالمعنى الذي نحصل عليه أن الله قد رحمه فعلًا وانتهى الأمر، فهي ليست كعبارة (الله يرحمه) أو (يرحمه الله) ولكنها عبارة جاءت في صيغة الماضي، والدعاء دائًما يأتي في صيغة الأمر: (اللهم ارحمه) أي ارحمه مستقبلًا أو الآن. أما لفظة (مرحوم) فإنه جزم بحصول الرحمة، إذ حين يرحم الله شخصًا فإنه يكون مرحومًا، فهي صفة ملازمة لحصول الرحمة، ولكن في حياة المسلم اليومية نجده يستخدم هذا اللفظ (مرحوم) ليس لدلالة على حصول الرحمة أو حتى الدعاء بالرحمة ولكن للدلالة على أنه ميت وحسب؛ فنقول: "المرحوم فلان الفلاني" لنعرف أن فلان الفلاني هذا الذي نتكلم عنه شخص ميت، دون أن يكون اهتمامنا هنا منصبًا على معرفة ما إذا كان قد حصل على الرحمة فعلًا أو حتى دون أن نعني طلب الرحمة له. وعلى صعيد آخر فإن فكرة الدعاء عمومًا، وفي هذا الأمر بالتحديد، لا يمكن فهمها. فهل هو طلب من الإنسان لله بأن يغير رأيه بخصوص أمر ما؟ أم تدخل من الإنسان في صلاحيات الله؟ ما معنى أن نطلب الرحمة لشخص قرر الله بمشيئته المطلقة ألا يرحمه مثلًا؟ هل سوف يساعدنا دعاؤنا هذا في تغير قرار أو مشيئة الله؟ إذا كانت الإجابة (لا) فلماذا ندعو بمثل هذا الدعاء إذًا؟ وإذا تجاوزنا عن كل ذلك وقلنا بضرورة الدعاء للميت بالرحمة، فالدعاء سيكون بالرحمة من ماذا؟ إنه لمن سخرية وعبثية الوعي أن ندعو الله أن يرحم الميت من عذابه هو(!) فهو إما افتراض مسبق بأن الله غير رحيم أو افتراض مسبق بأن الجميع مستحق للعذاب، ولهذا نطلب لكل من يموت منا بالرحمة. ولماذا ندعو الله أن يرحم شخصًا نعتقد أنه مستحق للرحمة؟ كأن يكون الميت أحد أولياء الله الصالحين بالنسبة إلينا. ألا يعتبر ذلك تدخلًا سافرًا من الإنسان في عمل الإله؟ ولماذا لا نسمع أحد المسلمين يقول: "المرحوم محمد صلى الله عليه وسلم؟" لأن اللفظ هنا سوف يكون في محله تمامًا، ولا يمكن لأحد أن يتشكك في أن الله قد رحم محمدًا فعلًا. أو لماذا لا يقول أحدهم: "الرسول محمد رحمه الله" على اعتبار أنه دعاء المسلم لنبيه بالرحمة وهو كدعاء المسلم للنبي بالمقام المحمود أو بالدرجة الرفيعة في الجنة. (لا أدري هل سيتحصل محمد على المقام المحمود أو الدرجة الرفيعة في الجنة فقط إذا دعا المسلمون له بالحصول عليها أم أنه سوف يحصل عليها سواء أدعوا أو لم يدعوا. لأن الإجابة المتوقعة على هذا السؤال وأشباهه هو ما يجعلنا نتساءل حول جدوى فكرة الدعاء.)

خامسًا: إن شاء الله
هذه العبارة تعني ببساطة شديدة (إذا أراد الله) فهي تقديم للمشيئة الإلهية على حساب المشيئة البشرية، ولأن المشيئة الإلهية غير مدركة فإن الجملة أصبحت في حياة المسلم اليومية مخرجًا مناسبًا ومبرًا للتنصل من المسؤوليات الطارئة والتي لا يود القيام بها، أو تلك التي لا يرغب فعليًا في القيام بها، لأن الإجابة ستكون جاهزة، فهو لم يعد بفعل الشيء بل ترك الأمر للمشيئة الإلهية فإذا جئت لتحاسب الشخص عن عدم قيامه بذلك الفعل سيقول لك ببساطة: "لم يشأ الله" ولن يكون بإمكانك الاعتراض على المشيئة الإلهية بالطبع، وهو تعبير لا نجده إلا عند المسلمين، وفي أي ثقافة أخرى يمكن اعتبار هذه العبارة نوعًا من المراوغة، فتلك الثقافات لا تعرف مثل هذا النوع من التسويفات، فعندما تريد أن تحدد موعدًا مع أحدهم فإنه سوف يخبرك بالفم المليان: "نلتقي غدًا الساعة العاشرة صباحًا" لأنه شخص منظم ويعرف أنه سوف يكون ملتزمًا بموعده معك وسوف لن يرتبط بأي موعد آخر في تلك الساعة مع شخص آخر. ولأنه شخص مسؤول وملتزم فإنه سوف يحاول الالتزام بالموعد المحدد بينكما ويبدأ بالتحرك قبل وقت معقول ليكون في المكان المطلوب في الوقت المحدد. أما المسلم فإنه سوف يقول لك: "ألقاك غدًا إن شاء الله" وهذا يعني أنه قد يأتي وقد لا يأتي لأن الله لم يشأ (هذا هو العذر إن لم يأت طبعًا) ولكنه حتى إذا أتى فإنه سوف لن يأتي غالبًا في الموعد المحد، ولهذا فإننا لا نعرف قيمة احترام الوقت ومعناه إلا فيما ندر من حالات. أذكر أن أحد عمّال المصنع الذي كنت أعمل فيه، وهو فلبيني الجنسية، مسيحي الديانة، كان يريد السفر إلى بلاده، فكان يأتي إلى صاحب المصنع كل يوم ليسأل عن حقوقه المالية التي يحتاجها قبل السفر، ولكن صاحب المصنع كان يماطله ويتعذر له كل يوم بحجة مختلفة، فكان يختم حديثه معه: "الأسبوع القادم إن شاء الله" أو "غدًا إن شاء الله" فلاحظ الفلبيني إن الموعد يتغير دائمًا ولكن عبارة "إن شاء الله" ثابتة لا تتغير. وكلما سألته: "ماذا قال لك المدير؟" كان يجيبني بتذمر: "He said: insha’allah" حتى نفد صبره فسمعته يصرخ في وجه مدير المصنع ذات يوم: "Do not tell me insha’allah again. I need my money" لأن هذه العبارة بالنسبة إليه أصبحت تعني: "لا" بكل بساطة. والحقيقة أن غالبية المسلمين لا يحترمون إلههم بهذا الفعل، فهم يلقون على عاتقه كل مسؤولياتهم التي يتوجب عليهم هم أن يضطلعوا بها. وأحيانًا تستخدم العبارة في مواطن التخدير، كأن يقول لك أحدهم: "إن شاء الله الأمور سوف تسير على ما يرام" والأعجب أن يقول أحدهم: "إن شاء الله الأمور سوف تسير كما تريد." وإذا كان لا بأس بالمواساة (التي لا جدوى فعلي منها سوى على الصعيد النفسي) فإن استخدام عبارة "إن شاء الله" تعتبر مزعجة في حالة المواساة هذه، لأن الأمنية سوف تكون عندها معلقة بمشيئة الله وتلك مصيبة أخرى، لأن الله هو نفسه الذي تسبب في حدوث المصيبة بمشيئته، فأن يتمنى شخص لك (بمشيئة الله) أن تزول مصيبتك (التي تسبب فيها الله بمشيئته) فهو مما يجعل العبارة غير مفهوم وتقود إلى الإحباط، فلو أراد الله حل المشكلة لماذا ورطك أو أوقعك في المشكلة من البداية؟ ولكن الأمر منطقي لدى المسلم لأن الله بالنسبة إليه يتدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياة البشر، حتى في توافه الأشياء. ومن هذه العبارة اشتقاق آخر يستخدم بكثرة كذلك وهي فيما يقال للتهديد، فنسمع أحدهم يقول: "إن شاء الله تتأخر حتى أضربك" والاشتقاق منه: "على الله تتأخر حتى أضربك" ويكون المعنى بكل بساطة: "لو تأخرت فسوف أضربك" فهو نوع من التهديد ولا أدري لماذا تستخدم هذه العبارة أو حتى اشتقاقها على هذا النحو، ولكنه كما قلت سابقًا لم يكن عبارة وإنما تعبير يفيد التهديد، وفي الغالب فإن من يقول ذلك لا يعرف بالتحديد من المقصود من استخدام هذه العبارة في هذه الحالة.

سادسًا: الصلاة على النبي
الصلاة في اللغة العربية تأتي بمعنى الدعاء ولكنها في الوقت ذاته تأتي بمعنى ضربًا من العبادة المتطلبة لحركات محددة: تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم. ومن هنا فإن فكرة (الصلاة على النبي) تعتبر غريبة نوعًا ما، فالمقصود من الصلاة على النبي؟ إننا نعرف في مجال الحياة اليومية إن الصلاة على النبي لا تعني ممارسة صلاة حركية باسمه أو لحسابه مثلًا، ولكن فقط من تقول له: "صلي على النبي" فإنه مباشرة سوف يجبك: "الله صل على النبي" فهو يلجأ إلى المعنى الأول للصلاة (الدعاء) ولكن الدعاء هنا دعاء بالصلاة على النبي أيضًا، فكأن الإنسان يدعو الله أن يصلي على النبي. حسنًا ... عندما يدعو الشخص الله أن يصلي على النبي فكيف يمكن أن يستجيب الله لمثل هذا الدعاء؟ هل بصلاة حركية أم بدعاء أيضًا؟ وبصرف النظر عن كيف سوف يصلي الله على النبي، فإن فكرة أن يصلي المسلم على النبي تعتبر فكرة غريبة نوعًا ما، طالما أن الصلاة على النبي لن تكون سوى الدعاء لله بأن يصلي عليه. لأنني قد أفهم فكرة الصلاة على النبي إذا كانت الدعاء للنبي بالرحمة مثلًا، أو الدعاء بحسن الجزاء أو ما شابه ذلك، ولكن الدعاء بالصلاة عليه، فهو ما يحتاج إلى وقفة ومناقشة. يصبح الأمر بلا معنى عندما يقف إمام جامع ليقول لجموع المصلين فيأمرهم: "صلوا على النبي" فيهتف المصلون بصوت واحد: "اللهم صل على النبي" وكأنهم يوكلون أمر الصلاة على النبي إلى الله، فإذا كان الأمر متعلقًا بالدعاء إلى الله بالصلاة على النبي، فلماذا لا يدع هو ويردد المصلون: "آمين" مثلًا؟ ولتوضيح سخافة فكرة الصلاة على النبي، لنتخيل أن رئيس العمال وقف وأمر عمّاله فقال: "جوّدوا عملكم" فأجاب العمّال بصوت واحد: "اللهم جوّد عملك." فهل هذا يعني أي شيء مفهوم؟ إذا كانت الصلاة على النبي فقط هي الدعاء لله بأن يصلي على النبي فلماذا يطلب شخص من شخص آخر بأن يصلي على النبي؟ لماذا لا يقوم بذلك بنفسه؟ ما الفكرة التي يريد إيصالها بعبارة (صل على النبي)؟ أما فكيف يصلي الله على النبي فهذا موضوع آخر لن أناقشه، لأنني هنا أناقش معنى العبارة ومفعولها في مجال الحياة اليومية. والتي لا يراد بها عادة فعلًا الأمر بالصلاة على النبي وإنما التعقل والتدبر في أمر ما، كما أنها تستخدم في تهدئة الشخص الثائر والغاضب لأن المسلم لديه اعتقاد بأن الصلاة على النبي بإمكانها أن تهدأ الأعصاب ولا أدري من أين جاء هذا الاعتقاد، ولكنه أشبه بالاعتقاد بأن الوضوء يهدأ الأعصاب ويخفف الغضب، ولا أساس لأي منهما بحقيقة الأمر.

سابعًا: تسويق الفقر
باستعمال طريقة الإيحاء النفسي المتكرر يتم التسويق للفقر عبر الدعاية الموجبة للقناعة والفقر وربطه بالسعادة الناتجة عن راحة البال وبالمقابل الدعاية السالبة للثراء وربطه دائمًا بالشر والقلق، وهو ما يبدو جليًا في الدراما والسينما وحتى على مستوى الأغنية العربية وبعض العبارات التي تحمل في داخلها دلالة الخمول الذهني والجسدي والركون إلى ثيمة القناعة والرضا على حساب الطموح وهو تمامًا ما تهدف إليه الرأسمالية الطفيلية والاستغلالية. فنرى في الدراما والسينما العربية التركيز على إظهار الصراع بين الفقر والثراء كصراع بين قوى الخير والشر؛ حيث يمثل الفقر الخير ويمثل الثراء الشر، فالأثرياء هم المتسلطون وهم الفاسدون ودائمًا يعانون من الانحلال الأسري ويفتقرون إلى راحة البال المتلازمة لحرصهم على حفاظهم على ثروتهم وإنمائها، في حين يكون الفقر مرادفًا للخير والقناعة والفقراء هم الأخلاقيون وهم المحافظون دائمًا على الأصالة والقيم والأسرة الفقيرة أسرة مترابطة ونموذج للأسرة السعيدة، وغالبًا ما ينتهي الصراع بين الخير والشر (الفقر/الثراء) بانتصار الخير/الفقر تمجيدًا لقيمة الفقر وتكريسًا لهذه الثيمة التسويقية. وحتى على مستوى الأغنية العربية كالأغنية التي يؤديها المطرب والملحن والموزع الموسيقي المصري من أصول ليبية حميد الشاعري، والتي تقول كلماتها:
"ما تخدش في بالك تحلالك عيشتك وتروق
أرزاق الخلق على الخالق مش ع المخلوق
والدنيا دواير دايرة بنا من تحت لفوق
سيب بكرة لبكرة وخلينا على قدر الشوق"

والحقيقة أن أرزاق "الخلق" على "المخلوق" وليس على "الخالق" (هذا إن كان ثمة خالق أصلًا) فالإله لا يدفع أجورًا لمخلوقاته، فالمخلوقات هي التي تستميت في سبيل الحصول على لقمة العيش، والصراع القائم في هذه الدنيا كله يتمركز حول هذه النقطة بالتحديد، فالجميع (كل الكائنات الحية) في صراع دائم من أجل البقاء ومن أجل الحصول على حياة كريمة، والإنسان ليس استثناءً من هذه القاعدة على الإطلاق، وإذا ترك رجل عمله لدى منشأة ما فإنه سوف يموت من الجوع إن لم يتحصل على عمل آخر في منشأة أخرى يديرها شخص هو ليس إلهًا ولا خالقًا ولا رازقًا، أو إن لم يكن عالة على غيره من "المخلوقات"، فالإله لا يوفر الطعام والشراب لمخلوقاته بالمجان ولكن المخلوقات هي التي تسعى إلى هذا الرزق وتحصل عليه بشق الأنفس. ربما يقول البعض إن التوكل على الإله مطلوب، ولكنه لا يعني التواكل، وهي حجة قد تبدو منطقية ولكنها ليست كذلك إذا ما تم النظر إلى الأمر من زاوية (واجبات الخالق تجاه مخلوقاته)، فلا يمكن أن تلد الأم مولدها وتتركه بلا غذاء أو رعاية بحجة أنها لا تريد أن تعوّده على التواكل، لأن الطفل إن لم يجد الرعاية اللازمة من الأم أو من شخص آخر فإنه سوف يموت لا محالة، هذا إن كنا عيال الله كما يقول الإسلام، أو أبناء الله كما تقول المسيحية. يصبح الأمر أكثر إلزامية عندما يدعي هذا الإله بأنه الرازق؛ بل الرزاق، وهو ما يجعل عددًا من الأسئلة تفرض نفسها: لماذا يرزق الله الأشرار والعصاة في حين يترك الأخيار فقراء ومحتاجين؟ لماذا جعل هنالك فقراء وأغنياء من الأساس، لماذا لم يجعلهم جميعًا سواسية كما هي جوهر الدعوة الإسلامية. لماذا جعل الناس طبقات {{نحن قسمنا بينهم معيشتهم}} ودرجات، عند مناقشة هذا الوعي العابث سوف نكتشف ببساطة أن نمط الإنتاج في المجتمع هو من يحدد طبقات الفقراء وطبقات الأغنياء وهو مما لا علاقة لإله أو شبح ما في تكوينه، وإذا كان بعضنا يصر على نسب الرزق لإله ما وأصر على وصفه بأنه رزاق الأمر في نهايته يعني اتهامه مباشرة في كل ما يتعلق بحياة البشر الاقتصادية من شح أو وفرة غير عادلة أو عدم عدالة في تقسيم الثروة أو الأرزاق، وعندها سوف تتهاوى كل الاعتقادات بعدالة هذا الإله الذي ساعد الأغنياء على أن يزدادوا غنى وساعد الفقراء على أن يزدادوا فقرًا بمحض إرادته ومشيئته، وترك العالم يحترق في هذه الدنيا لحكمة أخفاها، فلا ندري من سوف يقتص لنا منه هناك(!)


---------------------
(*) عنوان المقال مستوحى من كتاب لمهدي عامل بعنوان (نقد الفكر اليومي).



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهافت رهان باسكال(*)
- خطوطات مادية نحو تفكيك الإيمان
- يوم مهم
- تأملات مشروعة 2
- تأملات مشروعة
- آلهة اسمها الصدفة
- الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 2
- الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 1
- إضاءات على الإسلام
- سقطات الأنبياء 2
- جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي
- القرآن والإنجيل
- جدلية النص الديني والتأويل - 3
- جدلية النص الديني والتأويل - 2
- جدلية النص الديني والتأويل
- أرض الميّت - 6
- أرض الميّت - 5
- أرض الميّت - 4
- أرض الميّت - 3
- أرض الميّت - 2


المزيد.....




- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - نقد العبث اليومي(*)