أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة : المعاني والمبادئ والمفاهيم















المزيد.....


الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة : المعاني والمبادئ والمفاهيم


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 1119 - 2005 / 2 / 24 - 10:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من اجل بناء تاريخ جديد للعرب وشركائهم في الارض والمصير

ملاحظة :
اكتب هذا " الموضوع " مفصلا استجابة لعدة مطالب كريمة وصلتني برسائل الكترونية من قراء عرب اعزاء ، لتوضيح المعاني والمبادىء والمفاهيم الليبرالية .. ومدى استيعابها فكرا وتطبيقا في واقعنا العربي المعاصر من اجل بناء المستقبل .

مفهوم الليبرالية
الليبرالية (Liberalism ) مصطلح لابد ان نقول منذ البداية بأنه لا يمت لا للعروبة ولا للاسلام بصلة ابدا ، فهو حال بقية المذاهب والافكار والنظريات الوضعية التي تعد حصيلة ما وصل اليه الانسان في العصر الحديث . ، وللمفهوم ترجمته بـ " عالم الحريات " ، وقد وردت تعريفات لهذا المفهوم في ابرز الموسوعات العالمية ، منها تعريف مختزل يقول بأن الليبرالية : مذهب فكري وسياسي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي .. ويقوم مرتكز الليبرالية على مبدأ ( الاستقلالية ) للافراد والمجتمعات والدول ، ومعناه الحقيقي : التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي او الداخلي ، سواء كان دولة أم جماعة أم فردا، ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها، والانطلاق نحو تكريس الحريات ضمن عقد اجتماعي تتفق عليه الاغلبية بكل صورها المادية والمعنوية بين الدولة والمجتمع .

الليبرالية وراء انتاج الظواهر التاريخية الكبرى الحديثة
ان الليبرالية ، ايضا هي ذلك الاسلوب الذي يعد حصيلة لصراع الانسان ازاء اضداده بعد كسبه لتجارب لا تحصى كي يصل الى هذا المستوى من التفكير بعيدا عن اية قيود تعيق تقدّمه وانطلاقه .. وعليه ، فالليبرالية حصيلة لكل ما تعلمه الانسان عبر القرون ، وانتهى الى سنّ قوانين وضعية تراعي الظروف التي انتهى الانسان ، وخصوصا منذ تراكم حصيلة الظواهر البشرية الكبرى سواء في الاستكشافات الجغرافية في القرن 15 او الاصلاح الديني لمارتن لوثر وكالفن في القرن 16 او في الثورة الاقتصادية الماركنتالية العالمية لدول المدن في القرن 17 او في الثورة الفكرية والبحث عن روح القوانين والحريات في القرن 18 التي تكللت بالثورة الفرنسية ، او في حركات الاستنارة الفلسفية ويوتوبيا التفكير والثورة الصناعية في القرن 19 التي اوصلت الاستعمار الى اوج قوته ، او في الثورة الشيوعية والصراع ضد الامبريالية وعصر التكنولوجيا في القرن 20 وانتهاء بثورة المعلومات والكومبيوتر والعولمة الكابيتالية في القرن 21 .. انني اقول بأن الانسان ما كان ليصل الى كل ما وصل اليه عبر هذه الظواهر الكبرى بسلبياتها وايجابياتها لولا المناخ الليبرالي الذي اوجده وتحطيمه كل القيود التي كانت مسيطرة سيطرة عمياء ليس على موارده او مكانه او زمانه .. بل كانت تحتكر عقله وذهنه ومشاعره وعلاقاته وتفكيره . ان مساحة الحريات التي توفرت للانسانية كي تجد فرصتها من اجل الابداع لم تكن سائبة ، بل محددة بقوانين واطر واهداف وجملة من التقاليد والاعراف الدنيوية .

الليبرالية : انتاج فلسفي معقد
لقد عرف جان جاك روسو الحرية الخُلقية ـ كما يسميها ـ فقال: "الحرية الحقة هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا". فهي – بحسب هذا المفهوم - عملية انكفاء على الداخل (= النفس)، وعملية انفتاح تجاه القوانين التي تشرعها النفس.. فالانكفاء على الداخل تمرد وهروب من كل ما هو خارجي، والانفتاح طاعة القوانين التي تشرعها النفس من الداخل. ويمكن أن تمثل الليبرالية حالة انكفاء على استقلالية النفس مع الانفتاح على اتباع قوانين الدولة واحترام طقوس المجتمع . ان جوهر الليبرالية ، كما تقول احدى الموسوعات يتمثّل بالتركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد . وان الليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من سطوة التسلط بنوعيه: تسلط الدولة(= الاستبداد السياسي)، وتسلط الجماعة (= الاستبداد الاجتماعي ) . ويمكن صياغة فهم ذلك من خلال توفير الحريات السياسية والفكرية والشخصية للانسان من خلال دستور يحدد واجباته ويمنحه حقوقه كاملة .
ويحسن أن ننبه إلى أن الليبرالية كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع لم تتبلور على يد مفكر واحد، بل أسهم عدة مفكرين في إعطائها شكلها الأساسي. ففي الجانب السياسي يعتبر (جون لوك) ـ 1632-1704م ـ أهم وأول الفلاسفة إسهاما. وفي الجانب الاقتصادي (آدم سميث) ـ 1723-1790م. وكذلك كان لكل من (جان جاك روسو) ـ 1712-1778م ـ و(جون ستيوارت مل) ـ 180-1873م ـ إسهامات واضحة في سبيلها وصولا الى مفكرين ومنظّرين غربيين في القرن العشرين . وقد تقدم أن " الليبرالي " مذهب قضيته الإنسان، وعلى ذلك فكل المذاهب التي اختصت بهذه القضية كان لها من إسهام واضح في تقرير مبادئ الليبرالية . ان اغلب المفكرين والفلاسفة المحدثين في القرنين التاسع والعشرين وبضمنهم كارل ماركس وانكلز وماكس فيبر وهيوم .. كانوا قد خلقوا افكارهم في ظل عالم ليبرالي ومن خلال ادوات ليبرالية ( أي : تحررية ) في ان يغدو العالم الحديث بمثل كل هذه الاساليب الحديثة اليوم . من هنا ندرك بأن لا ليبرالية من دون ديمقراطية حقيقية ، اذ تقترن هذه الاخيرة بتوفير الحريات والالتزام بالدستور الذي لابد ان يتضمن مضامين مدنية بحتة توفر حقوق وواجبات المنظومة البشرية . ولقد ارادت الاحزاب غير الليبرالية ان تلبس نفسها بالديمقراطية وتوهم الناس بمشروعها الانساني ، ولكنها فشلت فشلا ذريعا لأنها لم تؤمن بالديمقراطية ابدا ولم تطبقها البتة اصلا !

الوهم الذي يعيشه العرب
ولعل من اخطر ما يكّبل مجتمعاتنا التي تطمح للسعي نحو النهوض والتقدم وهي تراوح في مكانها ولا تقدر الا على التراجع ، انما يكمن في بعض الافكار الخاطئة التي ابتلت الامة بها ابتلاء عقيما ، كون الحريات والليبرالية هما – كما يقولون - من نتاج اليهود اذ يؤكدّون : " ومن أراد أن يعرف دور اليهود في ترسيخ هذه الأفكار وتوجيهها لمصالحهم، يمكنه أن يقرأ ذلك في القسم الخاص بالأخطبوط اليهوديّ، لا سيّما بروتوكولات حكماء صهيون " . ولا يمكن ابدا لمجتمعاتنا العربية المتنوعة ان ترضخ لهذه المقولة التي لم يثبت العالم صحتها ، ومجتمعاتنا بالذات ازاء حالتين اثنتين اولاهما ان مجتمعات وشعوبا اخرى بدأت تتقدم وتزدهر نظرا لتوفرها على عالم ليبرالي حر أخصب مجتمعاتها بعد ان عاشت منغلقة على نفسها زمنا طويلا . وثانيهما ان مجتمعاتنا وشعوبنا ما عاد باستطاعتها البقاء من دون منتجات علمية وصناعية وتكنولوجية وفرها لهم عالم ليبرالي حر ، فلماذا يأخذونها ويستخدمونها من دون ان يشعروا بالاخطبوط اليهودي الا في مبادىء حقوق الانسان والمؤسسات الليبرالية وتوفير الحريات ؟؟ الا تجدون معي ان ثمة عوائق لا اساس لها من الصحة واختلاق تناقضات تقف جدارا عازلا بين واقعنا وتقدمنا .. وبين حاضرنا ومستقبلنا ؟؟

المبادىء الليبرالية الاساسية
اولا : العلمانية
التي تعني اصطلاحا : فصل الدين عن السياسة ، كما تعني مضمونا فصل الدين عن النشاط البشري بعامة، وعلى مثل هذا المبدأ يقوم المذهب الليبرالي في كافة المجالات: السياسية، والاقتصادية، والفكرية، بل لاتكون الدولة ليبرالية إلا حيث تكون العلمانية، ولا تكون علمانية إلا حيث تكون الليبرالية. فمن السخف بمكان ان تمارس عملية انتخابية سياسية وانت مقّيد دينيا .. الليبرالية لا تنفي الدين ولا تحاربه ولا تحجر عليه كالشيوعية مثلا ، بل تجعله ركنا ساميا له خصوصيته كونه يختص بعلاقة روحانية جلية بين الانسان ورّبه تعالى ، ولا يمكن ان ينزل الدين من عليائه ليمارس دوره في اي واقع سياسي مليىء بالموبقات والمشكلات التي ربما لا تجد علاجاتها في الحلول الدينية في كل الاديان . واذا صلحت السياسة الدينية في مجتمع احادي العناصر ، فسوف لن تنفع ابدا في مجتمع له تعقيداته وتنوعاته ومشكلاته، اذ ستزيدها تلك السياسة الدينية تعقيدا . وعليه ، فلابد من الفصل بين المؤسسة الدينية عن بقية المؤسسات السياسية والقضائية والادارية ومؤسسات المجتمع المدني باعتبارها مؤسسات مدنية لا دينية ولا يمكن ان تحتكر من قبل اي مؤسسة دينية لا يجتمع فيها كل الشعب ، والا فان جحيما من المشكلات سينفجر ولا يمكن علاجه ابدا ، وستتوالد معضلات لا قبل للاجيال القدمة بحّلها .. وهنا لابد للانسان ان يقرأ تطبيقات مثل هذا المبدأ التي يقر الفصل بين سلطتي الدين والدنيا من خلال نماذج تاريخية حتى في تاريخنا الاسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى اليوم . وعليه ، فان من اهم المبادىء الليبرالية ما كنت قد اسميته بـ " الاهلنة " في محاضرات ودراسات سابقة ( اي : بناء مؤسسات المجتمع الاهلي المدنية التي تستمد مشروعيتها من القوانين المدنية ) .
ثانيا : العقلانية
تعني الاستغناء عن كل مصدر من اليوتوبيا ( : التي نسميها فب فكرنا العربي الحديث بالطوباوية التي تعني : الخيالية ) في الوصول إلى الحقيقة، إلا عن توظيف العقل الإنساني، وإخضاع كل شيء لحكم العقل ، لإثباته أو نفيه، أو معرفة خصائصه ومنافعه، والعقل المحكّم هنا هو عقل الإنسان . ان العقل ( = اللوغوس ) قد لا يرتقي الى السمو والعلو ولكنه قطعا سيعمل من خلال الوعي بالذات والتجربة والقواعد والتفاعل السياسي للوصول الى قناعات لا يمكن ان تغدو ثوابت الا بعد استخدامها ومعرفة السوالب من الايجابيات مقارنة بما يفعله الطوباويون الذين لا عمل لهم الا تقليد النصوص او عبادتها كونها مسيطرة عليهم ، فمناخ العقل يوفّر محاولات وفرص النجاح بالتجربة ومناخ يوتوبيا تقليد النص يغلق الحياة من دون ان يتنفس المجتمع ! وهكذا تقوم الليبرالية على مبدأ أن العقل الإنساني بلغ من النضج العقلي قدرا يؤهله أن يرعى مصالحه ونشاطاته الدنيوية، دون وصاية خارجية!!
ثالثا : الإنسانية
تؤمن بالدفاع عن حرية الفرد الانسان وترعى مصلحته وكفاءته في وطنه او حتى في العالم ، ان المبدأ الانساني الذي اكّد عليه الفلاسفة الالمان يمنح الثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال من خلال تشجيعه وتوفير كل الفرص امامه للابداع ، وتجعله ينطلق من اجل ان يوّفر كل المنافع للانسانية قاطبة من دون ان يحتجز من ينتجه لنفسه او لقومه .. انه اذن انسان يترفع عن صغائر الاشياء الى عظائم الامور .. والانسان هذا الكائن الجميل لابد ان تراعى مشاعره وصحته وابعاده عن الكوارث وعن الاضطهاد وعن القتل وعن الاعتقال وعن كل ما يقف امامه . ان حقوق الانسان ضرورة كبرى في اي مناخ ليبرالي حقيقي لا مزيف .. وان من اخطر ما يقف ضد هذا المبدأ : العبودية والتعّصب والتطرف والشوفينية والحكم المطلق والكراهية والارهاب .. الخ
رابعا : النفعية
كمبدأ تراعى فيه مصالح الافراد والنخب والفئات والمجموعات .. وتقل لتصل الى الطبقات ، وهنا تصطدم الليبرالية بالشيوعية التي تبني نظريتها على الصراع الطبقي لمصلحة او منفعة الطبقة العاملة من خلال سيطرة الدولة في حين ان الليبرالية تبنى نظريتها على رأسمالية المجتمع ، وانها تجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياسا للسلوك، وأن الخير الأسمى هو تحقيق السعادة لأكبر عدد من الناس من دون الالتفات الى حجم الضرر الذي سيصيب مجتمع بكامله او طبقة بعينها او خسارة جماعات . ان النفعية التي تضخم مبدؤها في المجتمعات الليبرالية كي تصل الى ما يسمى بالنفعية البنتهامية تتمثل بالاستحواذ على وسائل ربما غير مشروعة من اجل النفع الخاص . وهذا ما لا يمكن قبوله ابدا وكخصلة من سوالب الليبرالية بحيث نجد في مدن كبرى او مجتمعات معينة القوي فيها يأكل الضعيف !
الليبرالية الجديدة NEW LIBERALISME
ماهيتها :
لا تختلف الليبرالية الجديدة عن القديمة ابدا الا في الوسائل والادوات ، فالمبادىء نفسها ولا يمكن التراجع عنها ابدا ، بل بالامكان اثراءها بالمزيد من التجارب .. واذا كانت القديمة ترتبط بالفكر الاوربي ونتائجه ، فان الجديدة ترتبط بالفكر الامريكي وممارساته .. وخصوصا بعد ان غدت الولايات المتحدة الامريكية تستحوذ على القطبية الواحدة في العالم . ان مطاليب الولايات المتحدة الامريكية من العرب مثلا تتمثّل باجراء الاصلاحات الجذرية التي من ابرز مقوماتها اشاعة الليبرالية الجديدة في الحياة العربية ، كي تبدأ الانطلاق من جديد ، وتبنى الاجيال القادمة نفسها على قيم سياسية ودستورية جديدة . .
لقد استمر الليبراليون الاحرار في كل العالم مع كل تموجات العالم بايديولوجياته الراديكالية العقائدية التي ذهبت ، وهم الذين بقوا منذ ثورة كرومويل بانكلترا في القرن السابع عشر ، ومنذ عصر الاستنارة الفكرية بفرنسا القرن الثامن عشر ، ومنذ عصر العقل والديالكتيك لدى كل من كانت وهيغل بالمانيا في القرن التاسع عشر . انهم قد تعلموا من كل تطورات الفكر السياسي لمانهايم وماكس فيبر في القرن العشرين .. نعم بقوا يطورون الاليات والاعراف السياسية والتقاليد الفكرية منذ تضاعيف العصر الحديث وحتى اليوم في حين سقط كل الطوباويين والمثاليين والدينيين والاشتراكيين والتعاونيين والشيوعيين وغيرهم .

الليبرالية بين النقلة النوعية والتوحّش
نعم ، واليوم تنتقل الليبرالية إلى مرحلة جديدة يسميها بعضهم بـ "الليبرالية الجديدة". ويعتقد العديد من الكتاب الغربيين ومن ورائهم العرب والمسلمين انه : إذا كانت اللبيرالية الأولى نقلة نوعية – بالنسبة لأوربا – في قضية حقوق الإنسان وتطور العالم ، فإن الليبرالية الجديدة تعد – حسب نظرتهم القاصرة - انتكاسة حقيقية لحقوق الإنسان، تحت سمع وبصر العالم الذي لم يعد متطورا ، بل في غاية التوحّش ليس الإنسان الغربي فحسب، بل الإنسان الشرقي والشمالي والجنوبي .. ان مثل هذا " التفسير " المؤدلج تنتجه افكار تصل حدود كراهيتها للولايات المتحدة الامريكية الى الذروة .. في حين ان الاوربيين قد طوروا الممارسات الليبرالية سواء في منظوماتهم الوطنية او في منظومتهم الاتحادية الاوربية .. وان الليبرالية الجديدة اول ما وجدناها تحتل مواقعها وتمتد بمناخاتها في عالم اوروبا الشرقية اثر انهيار الاتحاد السوفييتي ..

مستلزمات التحول الليبرالي
ولا يمكن ابدا ان تقرن الليبرالية الجديدة التي تطمح الى بناء عالم جديد بما تقترفه الولايات المتحدة او غيرها من ( موبقات ) وخصوصا باستخدام القوة العسكرية لفرض الهيمنة والأفكار والتقاليد. ان عصر العولمة لم يبدأ بعد حتى يقال بأنه قد انتهى ، وبناء عليه ، فانهم يقولون بأن لم يعد للحريات الإنسانية أي مكان، وكأنهم كانوا يعيشون في حريات تامة يمارسونها في ظل حكومات دستورية اتى بها الشعب وان هناك تطبيقات كاملة للمبادىء الليبرالية التي ذكرناها حتى ينتقد اولئك الليبرالية الجديدة التي تبلورت بعد سقوط الانظمة الشمولية في العالم وخصوصا كتلك التي مارست انغلاقا واحادية وتعصبا واضطهادا وقمعا وسيطرة على كل من المجتمع وموارده .. مثل : الاتحاد السوفييتي ورومانيا والمانيا الشرقية والبانيا وبلغاريا .. وغيرها من دول اوروبا ، ومثلها او اتعس منها في العراق وغيره من البلدن العربية التي لم تعرف الليبرالية ابدا ، او انها كانت لها تجارب ليبرالية قبل خمسين سنة واغتالتها الانقلابات العسكرية او الحركات الدينية او الدكتاتوريات الشمولية !

الليبرالية : السالب والموجب
انني لا اقول بأن الليبرالية الجديدة لها تجلياتها وانه عالم نزيه وله طقوسه المثالية ، ولكنه يحقق النصيب الادنى لحقوق الانسان والمجتمعات ان نجحت الشعوب بالوعي به وانتصرت في ممارسته وتطبيقاته على افضل وجه . وربما تلحق اضرار باية تجارب ليبرالية نظرا لضعف التوازن بين عالمين اثنين : عالم يسعى للنمو وعالم متقدم ولا يملك اي عالم يسعى للنمو أمام القوة الهائلة للعالم المتقدم إلا الخنوع والرضوخ لإرادتها، وتنفيذ كل ما يطلب منها ليس من اجل تنفيذ مآربها ، بل من اجل كسب المزيد من التجارب لبناء المؤسسات في دواخلنا والتمّرس على العلاقات مع العالم . إن معادلة هذه المرحلة، تسير وفق التصور التالي: الليبرالية الجديدة = تجديد المؤسسات + تحرير الاقتصاد + الحريات وخلق سياسات جديدة. وليكن معلوما ان كل الايديولوجيات تصادر السلطة والمؤسسات وكل المجتمع على عكس الليبرالية التي تتيح تداولا حقيقيا للسلطة وتقضي بالمشاركة في السلطة ، وهي ترضى ان تبقى خارجها مراقبة او معارضة ..

اغتيال الليبرالية العربية
لقد كانت للعرب تجاربهم المتواضعة الليبرالية القديمة التي طبقوها ابان النصف الاول من القرن العشرين ، وخصوصا في مصر والعراق وسوريا ولبنان وتونس والجزائر والمغرب .. ولحقت الاردن والكويت بهم ، ولكن كان للمؤدلجات الثورية الماركسية والقومية دورها في خنق التفكير الليبرالي ، فضلا عن احادية الاحزاب والحركات الفاشية والسلطات الفردية والزعامات الشمولية والدكتاتورية دورها في قتل الحياة الليبرالية .. كما وكان للانقلابات العسكرية في كل من مصر والعراق وسوريا دورها في اغتيال الممارسات الليبرالية العربية التي قلبت الحياة في المجتمعات الثلاثة رأسا على عقب والتي اخرجتها من سيرورة التاريخ لخمسين سنة الى الوراء بتقييد التفكير وخنق الحريات وتجميد الاحزاب وايقاف الانتخابات العامة ! والليبراليون العرب لا ينكرون انهم استلهموا الفكر السياسي الحديث من الاوربيين كما استلهم كل البشر وسائله وعلومه ومعارفه وصناعاته منهم ، وكان عليهم ان يطوروا تجاربهم فيه لولا الاسباب التي ذكرناها والتي خنقت ليبراليتهم القديمة .

الليبراليون العرب القدماء
لقد ولد الليبراليون العرب ( والعراقيون الجدد على وجه التحديد ) ليس من فراغ تاريخي ؟ اذ لم تخلقهم امريكا هكذا فجأة .. فضلا عن وجود من الليبراليين العرب الجدد اليوم امتداد للاباء والاجداد في الماضي القريب . ألم تولد الليبرالية العربية في مصر وتونس والعراق وبلاد الشام منذ القرن التاسع عشر ؟ فليس هناك اي علاقة تربط الليبراليين العراقيين والعرب الجدد بالولايات المتحدة الامريكية وسياساتها ؟ وليس لهم اية علاقة بالمكارثية الجديدة ؟ فلقد عرف العرب انتخابات دستورية منذ ان كانوا جزءا من الامبراطورية العثمانية ، وانتخب عن ولاياتهم العديد من النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني سواء في عهد المشروطية الاولى عام 1876، ثم كانت هناك انتخابات عهد المشروطية الثانية عام 1909 . ثم توالت الحياة الدستورية الليبرالية على امتداد النصف الاول من القرن العشرين . واليوم .. الم يوجد لبنانيون وعراقيون ومصريون وسوريون وسعوديون وتوانسة ليبراليون جددا ؟ الخ اذن لماذا كل هذه الهجمة على الليبراليين الجدد ؟
واخيرا : طريقنا نحو المستقبل
اما بصدد الليبراليين الجدد ، فهل الليبرالية الجديدة تنحصر في امريكا ومشروعات امريكا السياسية ؟ الم يكن هناك ليبراليون جدد في اوروبا الغربية وما بعد سقوط جدار برلين في اوربا الشرقية ؟ انني أسألكم : هل كان فولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو من الليبراليين الامريكيين ؟ هل كان كرومويل في انكلترا من الليبراليين الامريكيين ؟ اذا كان معارضو الليبرالية جهلاء في التاريخ واغبياء في السياسة والاعلام .. فلماذا يبيعون الاخضر بسعر اليابس ؟ لماذا ينطلقون من اجندة خبيثة ضد مقومات الاصلاح والتحديث والعالم كله يدرك بأن لا اصلاحات اساسية في اي مكان من العالم ما لم تتمتع كل المجتمعات بالليبرالية ؟ ليتأمل المرء ان ما حصل من تحولات اثر سقوط الكتلة الاشتراكية عند نهاية القرن العشرين ، قد جعل اغلب الشيوعيين يهرعون الى الليبرالية وهكذا بالنسبة الى القوميين والوطنيين .. وعليه ، فلا مناص امام القوى والاحزاب الدينية الا الليبرالية مجالا رحبا لها للعمل . فقد كانت كل التيارات والاتجاهات في الماضي القريب ضد الليبرالية ولم تستقبلها او تجعلها تمارس حقها في الوجود ، في حين ترّحب الليبرالية الجديدة اليوم بالجميع ليمارسوا ادوارهم في رحابها .
ان الاعلام العربي المعاصر الذي تختفي من ورائه قوى سلطوية او جماعات دينية او تيارات شوفينية .. يحاول ان يشّوه القيم الحقيقية والمبادىء الاساسية للحياة الليبرالية العربية وتقدّمها ، انهم يدمرون مستقبلها في المنطقة بواسطة البعض من الاعلاميين التلفزيونيين والكتاب الصحفيين والمثقفين الشوفينيين والساسة البدائيين كي تبقى المنطقة متخلفة وعاجزة ومنغلقة وكسيحة ومستهلكة وغير متحررة تحررا فعليا او منتجة ومبدعة اساسا .. فهل سيتغير القوم بغير القوم عندما يشعر الناس بقوتهم من دون خوف ؟ وهل تضمن دساتير مدنية جديدة وتكفل حقوق الانسان وواجباته ؟ وهل سيبدأ العرب وشركائهم بتغيير مناهجهم واساليب تفكيرهم واعادة تركيب ذهنيتهم .. وتبدأ بالنجاح اولى التجارب الليبرالية الجديدة في المنطقة ؟؟ ام انهم سيغتالونها عمدا عن سبق اصرار وتّرصد ؟ هذا ما ستكشفه الايام القادمة .. علما بأن العالم كله يتحّول لانتزاع حقوقه بالوسائط السلمية وانه يتّغير كما هي سنّة الحياة من اجل ايجاد فرص افضل . فهل سيحقق العرب تطلعاتهم في مثل هذه العتمة والقيود والعمى ؟ ان اسلم طريق امامهم هو انفتاح الابواب على مصراعيها ، وان يشعر الناس انهم يتمتعون بطعم الحرية وان يقولوا كلمتهم في ما يريدون وما يرفضون في اطار دستور حديث .. فهل سيتحقق ذلك عند العرب ؟ انني اشك في ذلك على المدى المنظور !



#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة ما بعد الانتخابات العراقية
- نعم لقد انتخبنا أخيراً ! الدرس العراقي الرائع للعرب
- لمناسبة اربعينية الراحل التونسي محمود المسعدي :الموحيات الخل ...
- الاعلام العربي :دعوة تحّولات من بشاعة المؤامرات الى خصب الشف ...
- معايدة سياسية وفكرية لغسان تويني لمناسبة العام الجديد 2005
- أدونيس : الشاعر السوري الغامض : مشاركات في المرافضات والتحول ...
- دعوة صريحة من اجل غلاسنوست عراقي
- رسالة جديدة الى العراقيين : التفكير بالبعد الثالث بعيدا عن خ ...
- عاتكة الخزرجي : قيثارة العراق : شاعرة وقت الشفق .. حالمة عند ...
- عبد القادر القط :استاذ الادب العربي والنقد المقارن :مفهوم تأ ...
- نزار قباني : شاعر الرسم بالكلمات الرائعة : نسف البنى الاجتما ...
- المسيحيون العراقيون : وقفة تاريخية عند ادوارهم الوطنية والحض ...
- محمد شكري : الروائي المغربي المعروف صاحب الخبز الحافي :اعترا ...
- البنية الفوقية والبنية التحتية : المفاهيم المستترة والمعاني ...
- الى متى تبقى بلقيس في قفص الاتهام ؟ وهل من ركائز عراقية جديد ...
- حنا بطاطو : مؤرخ العراق المعاصر مؤرخ غريب الاطوار لن يكتب أح ...
- الدكتور سّيار الجميل لم يوّقع على اي بيان او رسالة اصدرهما ا ...
- الحريات الشخصية قبل غيرها: هل يفهم العرب معنى الصداقة والعلا ...
- نازك الملائكة : رائدة الشعر العربي الحر- هل تنبأت عاشقة ليل ...
- لمناسبة رحيله : الفيلسوف جاك دريدا : رائد الفلسفة التفكيكية ...


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة : المعاني والمبادئ والمفاهيم